أصدقاء القصة السورية

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

 

أدب الخيال

آخر التعليقات / 40 / 39 / 38 / 37 / 36 / 35 / 34 / 33 / 32 / 31

لإضافة تعليق   / 30 / 29 / 28 / 27 / 2625 / 24 / 23 / 22 / 21 / 20 / 19 / 18 / 17 / 16 / 15 / 14 / 13 / 12 / 11 / 10 / 9 / 8 / 7 / 65 / 4 / 3 / 2 / 1

 
الاسم: عبد الله البقالي
العنوان البريدي: bakoul@hotmail.com
مشاركة حول أدب الخيال
Date:26/06/07
Time:14:15
 
التعليق:
 
العزيز نزار
 
ها نحن نتبادل المواقع وأكون ضيفك هذه المرة في سوريا العزيزة.
لن تكون الرحلة هذه المرة إلى خارج الأرض. بل إلى عمق العروبة وقلبها النابض بالأصالة وعمق الانتماء.
لقد قدمت بياناتي للانضمام الى هذا الموقع الجميل. وحتما ستكون لنا لقاءات كثيرة. وشكرا لك مرة أخرى على الإهداء

نزار ب. الزين

مشاركة حول أدب الخيال
المشاركة
Friday 29 December 2006
00:35:13
 
علماء زحل
يتعوذون من شياطين الكوكب الثالث
قصة خيالية قصيرة
نزار ب. الزين*
**********
 
صرح مؤخرا ضابط كبير من ضباط الجيش الأعظم رفض أن يذكر إسمه ، قال :  " إن ما يزعمون تسميته بالإنذار الوهمي ،الذي  سببه خطأ نسبوه إلى الحاسوب ، لم يكن وهميا على الإطلاق ، لقد كنا بالفعل معرضين لغزو ، و لكن مصدره الفضاء الخارجي !"
*****
الزمان : الرابع عشر من الشهر الثامن لعام ألفين و عشرة  بعد الميلاد .
المكان : حافة الغلاف الجوّي ، إضافة إلى ثلاث قمم للجبال التالية :  في الشرق سلسلة التبت ، في الوسط  سلسلة الألب ، و في الغرب سلسلة روكي .
الحدث : ثمت مركبات ثلاث مما إصطلحت الصحافة على تسميتها ، بالأطباق الطائرة أو الأجسام الطائرة المجهولة المصدر ( UFO ) ؛ تمكنت كالعادة من التسلل عبر أقوى أجهزة الرادار لتستقر فوق تلك القمم ، بينما بقيت المركبة الأم ، تحوم في الفضاء الخارجي .
الهدف : استكشاف كوكب الأرض عن قرب ، عن طريق رصد كل ما يذاع ، إعتبارا من الإرسال التلفزي و حتى مكاملات الهواتف الجوالة ، ثم تحويلها إلى المركبة الأم من أجل تحليلها جميعا .
*****
 الزمان : الثاني عشر من الشهر العاشر للعام العاشر بعد الألفين للميلاد .
المكان : منظومة كوكب زحل
" و منظومة زحل هي مجموعة من الكويكبات تدور حول الكوكب المذكور و تستمد طاقتها المغناطيسية من دوران حلقاته ، حيث قامت حياة ذكية متقدمة في مركزها أي في كويكب   ( هابريون ) "
الحدث : وفد كبير من علماء هابريون ، يستعد على عدد من المركبات الفضائية لإجراء أول زيارة دبلوماسية في التاريخ لما يسمونه بالكوكب الثالث ، و ذلك بعد سنوات طويلة من إعداد الأقنعة المناسبة و تطوير أجهزة التفاهم ، و بعد رحلات إستكشافية استغرقت عشرات السنين ، و على مراحل متفاوتة من الزمن ، آخرها المرحلة الناجحة الحالية ، وذلك بعد تردد طويل سببه إختلاف التكوين الخارجي ، و وجود بعض الغازات التي لا تناسبهم  ،  و الحيرة أمام غزارة اللغات التي أحصوا منها حتى الآن ألفي لغة
*****
 الزمان : الثالث و العشرين من الشهر العاشر للعام العاشر بعد الألفين للميلاد
الحدث : أوامر صارمة للمركبات المستقرة في أعالي التبت و الألب و الروكي بالإقلاع فورا ، و ما أن إلتحمت ثلاثتها بالمركبة الأم حتى صدر إ ليها الأمر بالعودة إلى الوطن في الحال و عندما استفسر قائد الرحلة عن الأسباب ؛ أجابت القيادة : " لقد ثبت لدينا من تحليل البيانات الأولية التي وصلتنا منكم أن الكوكب الثالث (الأرض )  خطير للغاية  و قد  يتفجر  بمن عليه  في  أية  لحظة  !!!  "
 *****
تقرير من رئيس المختبر الوطني للأبحاث إلى رئاسة المجلس الأعلى لحكماء هابريون
سيدي الرئيس
لقد تأكد لدينا أن الكوكب الثالث من مجموعتنا الشمسية عبارة عن قنبلة موقوتة قد تنفجر في أية لحظة ، فهو كوكب مشحون بآلاف العبوات الإنشطارية و الإندماجية أو المتلفة أو المعطلة للأنساق البيولوجية بمختلف أشكالها ، و هي عبوات هندسية متقدمة نسبيا تشير إلى صناع  أذكياء إلا أنهم عدوانيون  بطبعهم على وجه العموم ، و هناك أكثر من سبب يرجح إنفجارها في أي وقت مجتمعة أو متلاحقة ، مما سيؤدي إلى دمار الكوكب المذكور أو خروجه عن مداره أو ، بأفضل الإحتمالات ، القضاء على جميع الأنساق البيولوجية فوقه.
إن مخلوقات الكوكب الثالث التي راقبتها مركباتنا الإستطلاعية و التي أجرت فحوصا و إختبارات على أكثرها ؛ يتميز منها مخلوق واحد هو أذكاها و أنشطها طبقا لوصف عالمنا الكبير ( أرشودار ) ، و لكن أرشودار لم يكتشف أن أن هذا المخلوق الذي نعته بالجمال و الوداعة هو أكثرها شراسة و وحشية و عدوانية و خاصة حين يغضب .
هذه المخلوقات الذكية تقيم إحتفالات كبيرة تتضمن طقوسا في غاية الغرابة ، تقضي بأن يمزقوا بعضهم بعضا بمختلف الوسائل ، و قد تمكنا من حصر أكثر من عشرة آلاف وسيلة .
تصور يا سيدي أن إحدى مجموعاتهم ألقت على مدينتين على الأقل من مدن مجموعة منافسة قنبلتين تعتمدان على إنشطار الذرة فقضت على آلاف الأنساق البيولوجية في لحظات  !
أما أبسط وسيلة فهي عبوة تستطيع تدمير مبنى من عدة طوابق خلال ثوان و سحق من فيه سحقا كاملا . و عبوة أخرى يسمونها العنقودية تنشر مئات القنابل الصغيرة على مساحة واسعة فتفتك بعشرات المخلوقات من كل الأجناس .
إن هذه المسالخ الهائلة التي يقيمونها  من حين لآخر ليس لها هدف واضح ، فبينما تتقاتل المخلوقات الأخرى على الكوكب الثالث ليتغذى أقواها على أضعفها ، و هو ما وصفه الأستاذ أرشودار  بالطريقة الطبيعية الشاذة للبناء العضوي ، فإن ما اكتشفته بعثاتنا و آخرها بعثتنا الحالية التي تقرر إعادتها قبل إكمال مهمتها ؛ أن الشذوذ الحقيقي هو الإقتتال غير المغرض بيولوجيا الذي يمارسه هؤلاء .
فقد أكتشفنا أيضا أن هذه المخلوقات تنقسم إلى فئات كثيرة لا يمكن حصرها ،  تظن كل واحدة منها أنها الأفضل ، قد يتعايش بعضها اليوم مع البعض الآخر ، و قد يتقاتلون غدا ، تحت مسميات و شعارات كثيرة كالدفاع عن الوطن أو العقيدة ، أو نشر الدمقراطية ، أو مكافحة الإرهاب أو تحقيق العدالة المطلقة أو نشر العولمة الثقافية و الإقتصادية ، و في حقيقة الأمر أن الأقوى  فيهم  يعتدي  على الأضعف لينهب ثرواته و يسرق طعامه  و يستعبد أفراده .
سيدي
إنهم حقا أذكياء ، إلا أنهم مضطربون عقليا ، و هنا يكمن خطرهم الحقيقي ، و إن إمتلاكهم لهذا القدر الهائل من الأسلحة المدمرة يجعل من هذا الكوكب مسلخا عملاقا لا تعرف و لن تعرف الأكوان مثيلا له .
إنه يا سيدي كوكب مجنون ، مقضي عليه بالفناء ، و لا يصلح لأي نوع من الزيارات حتى لو كانت لغرض السياحة .
وعليه أرجو سيدي أن تأمروا بإلغاء جميع المشاريع المتعلقة بالكوكب الثالث  .
----------------------------------
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ArabWata
الموقع :  www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.comللأعلى

مشاركة حول أدب الخيال

المشاركة
Friday 29 December 2006
00:29:36
 
قراءة في دماغ
قصة قصيرة
نزار ب. الزين*
 
**********
<< خبر علمي هام : تمكن العلماء لأول مرة في التاريخ من قراءة ما يحويه الدماغ من معلومات حتى بعد الموت ؛ و ذلك باستخدام  عدة أجهزة صوتية و مغناطيسية تعمل معاً بالاستعانة بالحاسوب ، و تتضمن القراءة تكوين الشخصية و ترجمة المشاعر  و عرض الأحداث  التي مرت  بصاحبها >>
*****
ما هذا ؟
 قضيب حديدي  يمتد  ؟!
رأس القضيب معكوف ، تذكرته الآن ، نفس القضيب الذي اعتقل به  زعيمنا  السابق !
جَرّوه من بين رعيته  المسكين ، و السبب لا زال مجهولا !
و عيَّنوني بدلا عنه ..
رضيت ، لا لأنني أحب السلطة و لكن حرصا على مصالح رعيتي ..
لا يجوز أن تترك أمة بدون زعيم ....
إنهم سادتنا على أي حال !
أعتقد ...
أنه نفس القضيب الذي اعتقلوا به إثنين من أبنائي في الشهر الماضي ؛ و السبب لا زال مجهولا أيضا !
إختفت أخبارهما منذئذ .
و لكن لا بأس فنحن نتكاثر و نعوض !
كلما فقدنا فردا منا ، عوضناه بعشرة !
تكاثرنا سلاحنا في هذا الزمن الرديء  ...
*****
لا بد أن عائلتي تذكرت القضيب  سيء الذكر ايضا ...
فالفوضى تعم
صياح .. ضجيج .. رعب ...
بعضهن يتنططن فوق بعض ..
الصغار يحاولون الاحتماء بأمهاتهم و لكن الأمهات يتجاهلنهم ...
الخوف أيقظ  فيهن غريزة التشبث بالبقاء فأنساهن حتى صغارهن ..
عدا القلة التي  تحاول المقاومة ...
*****
 أحاول التهدئة و السيطرة على  هذه الفوضى  ...
 و لكن صوتي يضيع  وسط الضجيج ...
القضيب يتحرك يمينا و يسارا ...
و نحن عُزَّل ، لا نملك من سلاح ندافع به غير أظافرنا و أصواتنا ..
يزداد الذعر ....
يزداد الفزع ...
يزداد النواح ...
يزداد العويل ...
يا للهول !
القضيب يقترب مني ...
مني أنا ؟
من زعيم هذه الأمة ؟
يقترب القضيب مني أكثر فأكثر
أحاول الفرار دون جدوى
إنه يكبل قدميَّ الإثنتين الآن ، و يشلهما تماماً...
أحاول الفكاك ..
أصرخ .. أستغيث . . و لات من مغيث ...
فهنَّ لا زلن يتنططن  فوق  بعضهن بعضا ، رعباً و هلعاً ، متجاهلات  حتى  صغارهن !
فالخوف أيقظ  فيهن غريزة التشبث بالبقاء فأنساهن حتى صغارهن ..
و لكن بعض أبنائي دبت فيهم النخوة ، و بكل شجاعة حاولوا الإنقضاض عليه  و لكن دون جدوى .....
فهو قضيب من الحديد ، و لا يفل الحديد إلا الحديد !
 
*****
القضيب يجرني ...
سيدي يجرني بالقضيب ...
يجرني إليه ..
ماذا يريد مني  سيدي ؟
ترى ، لِمَ سيدي يرغب في اعتقالي ؟
يزداد صياحي ...
أطلب النجدة بأعلى صوتي ...
و لكنهن لا زلن يتنططن – رعباً و هلعاً -  فوق بعضهن بعضا ، متجاهلات حتى صغارهن !
فالخوف أيقظ  فيهن غريزة التشبث بالبقاء فأنساهن حتى صغارهن ..
و مع  ذلك ، بعض  أبنائي دبت  فيهم  النخوة ، و بكل شجاعة  حاولوا  الإنقضاض عليه  و لكن  دون جدوى .....
فهو قضيب من الحديد ، و لا يفل الحديد إلا الحديد !
 
*****
يخرجني  سيدي من بين  رعيتي عنوة  ؛
يغل ذراعيَّ  بيد  و يفك أسار قدميَّ باليد الأخرى ؛
أصرخ ...
أستغيث ...
أنتفض محاولا الخلاص ...
و عندما أعجز ، يعلو صراخي أكثر فأكثر ..
أصبحت أصوات أفراد عائلتي ، بعيدة الآن ..
أصبحت بعيدا الآن عن  رعيتي ..
ينتفض جسدي مجدداً ...
أنتفض أكثر محاولا الخلاص ...
أصرخ أكثر لعجزي و فشلي ...
" دعني يا سيدي أرجوك ! "
و لكن سيدي يزداد قسوة ؛
يضع قدمه الآن فوق جناحيّ ؛
يشل حركتي تماماً  ...
يؤلمني  ...
أتوسل أن يتركني لشأني ..
(!!! لم يعد أمامي غير التوسل !!!! )
و لكنه – وا أسفاه - لا يفهمني  ..و لا يدرك مشاعري ....
قلب سيدي قُدَّ من حجر صوان ، هذا اليوم !
سيدي الذي غمرني و غمر عائلتي بأفضاله ،
سيدي هذا يقسو عليَّ اليوم لذنب لم أدركه بعد ..
 
*****
" ماذا جنيت يا سيدي كي تعتقلني و تعذبني  ؟
ماذا جنيت يا سيدي حتى تبعدني عن رعيتي ؟
ألم اؤذن لك صباح كل يوم لصلاة الفجر ؟؟
هل قصرت يوما في ذلك ؟؟؟
ألم أحث زوجاتي على الإنتاج الغزير يقدمنه لك صباح كل يوم ؟
ألم أجعلهن ينجبن لك أجيالاً بعد أجيال ؟
هل قصرت يوماً في ذلك ؟؟
هل جزائي أن تهينني تحت حذائك يا سيدي ؟ "
أصرخ و أصرخ و أصرخ ....محتجا تارة .. و مستغيثا تارة أخرى ...
و سيدي ماضٍ في غيِّه متجاهلا عذاباتي  دون أن أفهم السبب ...
" أتستغل ضعفي ياسيدي أمام جبروتك ؟
أتستغل عدم قدرتي على الخطاب أمام فصاحتك ؟
لِمَ تبعدني  قسراً عن رعيتي يا سيدي ؟
و هم الذين انتخبوني أكثر من مرة و بنسبة 99% !
لِمَ لا تُقِم وزنا لمشاعري يا سيدي ؟
أو لإرادة شعبي ؟
ألست صنيعتك و أثيرك  يا سيدي ؟ "
أصرخ مجدداً و أصرخ و أصرخ ...
بُح صوتي من الصراخ ...
و لكن حريمي هدأن الآن ..
و أطفالي كذلك هدؤوا و عادوا جميعاً إلى حياتهم المعتادة ..
عدا القلة الذين حاولوا الدفاع عني ، لا زالوا يحتجون ...
لم يعد أمامهم غير الإحتجاج !
 
*****
وا فجيعتاه !
سيدتي ، بليره ؛ تحمل سكينا !
كبيرة هي  هذه السكين....
نصلها يلمع ....يخطف الأبصار.....
تقدمها  لسيدي ،  جريج ؛  و هي تبتسم ...
يا لضياعك يا أبا صياح
يا حسرتي عليك يا أبا صياح ....
الآن فقط أدركت حقيقة نواياك يا  سيدي ...
يبدو أن لديك ضيفا عزيزا يا سيدي على الغداء ...
دعني أخمن ، أليس هو السيد زيون ، كم هو عزيز عليك زيون هذا !
أما أنا ؟ فمن أنا ؟!!!!!
 أواه  ثم أواه !!
لقد حان أجلك يا أبا صياح ..
لقد انتهيت يا أبا صياح ...
" و لكن صبراً  سيدي  ؛
أليس ( الطلب الأخير ) من حق المحكوم بالإعدام ؟
طلبي الأخير ياسيدي ...
ألا تطهوني سيدتي مع  البصل ..
فانا أكره البصل .. أكرهه !
و أكرهك ! و أكره بليرة !  و أكره زيون !!!!
و أكره كل من لا يعرف معنى الوفاء ! "
<< هذا ما  تمكن العلماء من قراءته حتى الآن ، في مخ ديك ذُبِح حديثا ، و القراءة مستمرة ......
 من قال أن الطيور غبية ؟!!!! >>
**************************************
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ArabWata
الموقع :  www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com

نزار ب. الزين

مشاركة حول أدب الخيال
المشاركة
Friday 29 December 2006
00:27:41
 
مملكة العجائب
 قصة خيالية
نزار ب. الزين*
 
**********
 
برج عالٍ يلفت نظري ...
أقترب منه ،
أقترب أكثر؛
أنا الآن بجوار البوابة الرئيسية ...
الحراس الأشداء لا يكتشفون وجودي ،
أتجرأ  فأدخل  بخطىً حذرة .
ألوف مؤلفة من المخلوقات تتحرك في كل إتجاه ...
أنفاق و دهاليز و شوارع  عريضة أو ضيقة ،  يتجه بعضها نحو الطبقات الدنيا في الأعماق و يتجه البعض الآخر نحو الطبقات العليا .
يزداد فضولي  ، أحاول أن اسأل ، لا أحد يستجيب لتساؤلاتي ، لا أحد ينتبه إلى وجودي ، يصيبني الإرتباك ، تعتريني الدهشة ،  و لكنني أتماسك و أبدأ بتركيز إنتباهي !..
 
*****
أتوجه بداية نحو الطبقات العليا
طبقة لثكنات الجند ،
تليها عدة طبقات يبدو أنها مزارع  لتربية الفطر و أخرى لتربية الحشرات الداجنة ، حشرات عمياء تقوم المخلوقات إياها بتوجيهها نحو الغذاء أو تغذي بعضها فما لفم ، و تتناوب مخلوقات أخرى على حمايتها ، كما تقوم مجموعة ثالثة باستحلابها في إصطبلات تقع على الأطراف !
أعلى طابق بان لي – بداية -  فارغا بلا هدف ، و لكن ما أن  تنبهت إلى وجود فتحات صغيرة في سقفه و أخرى محفورة في جدارنه حتى أدركت أن هذا الطابق إن هو إلا  رئة  البرج ؛  فهو مخصص للتهوية ، حيث تتصل فتحات الجدران بأنفاق ضيقة تحيط  ببناء المملكة كله من الداخل ، بينما تسمح فتحات السقف بدخول الأكسيجين و خروج الكربون المؤكسد ! ...
*****
عدت أدراجي باتجاه الأسفل...
ألوف من العاملات يخرجن في طابور منتظم خاليات الوفاض من البوابة الرئيسية  ، و ألوف أخرى منهن يدخلن حاملات للمؤن و مستلزمات العيش المختلفة ، تتوجه كل مجموعة منهن نحو إحدى حجرات الطبقات السفلى لتخزينها و رصها هناك .
و في الطبقة السابعة تحت الأرض ، يلفت نظري كثرة الحرس  بجوار أحد المداخل ؛ أتسلل إلى داخل الحجرة ...
يا لعجيب ما أرى !
إنها أنثى عملاقة ...لها نفس شكل مخلوقات المملكة الأخرى ، و لكن بطنها منتفخ  كفقاعة ضخمة ، تحيط بها عاملات من كل صوب ، و كأنهن واقفات بانتظار حدث ما ..
فجأة تدب الحركة بينهن ...
فقد لفظت جلالتها كرة جديدة بيضاء ، ثم ما لبثت إثنتان من العاملات أن تعاونتا على حملها و الخروج بها من القاعة الملكية ...
تبعتهما  ، فقادتاني – دون أن تشعرا – إلى حجرة رطبة مظلمة ، ما لبثت أن اكتشفت فيها عشرات من الكرات المماثلة ، و قد انتشرت بينها بعض العاملات  بَدَوْنَ منهمكات بتقليبها أو تنظيفها .
هبطت طبقة أخرى ، و سرعانما تبين لي أنها  مخصصة لتنشئة الصغار و العناية بهم .
*****
و على حين غرة ، يدب نشاط غير عادي ، تُهرع العاملات إلى إغلاق  أبواب الحجرات كلها ، حجرات التخزين و حجرات الإباضة و حجرات التنشئة ، ثم يتوجهن إلى أعلى ..
<< لا بد أن أمرا ما بالغ الأهمية قد حدث >> قلت ذلك في سري  ، ثم تبعت خطاهن .....
و قرب البوابة الرئيسية ، بدا لي ما يشبه الإستنفار ...
الجنود – إناثا و ذكورا – هبطوا من ثكناتهم ..
ثم ما لبثوا جميعا أن إندفعوا خارج البرج في صفوف متراصة ..
*****
خرجت أستطلع الأمر ...
يا للكارثة ...المملكة تتعرض للغزو ..العدو من ذوي الأطراف  الثمانية ..
بدا هائل الحجم كجبل  متحرك ، ينفث سمومه في كل اتجاه ؛ يتجندل الجند ، يشلهم السم ، ثم يمتد لسانه  فيلتهمهم  ...
يهاجمه ألوف الجند  بشجاعة نادرة و إصرار ، غير هيابين أو آبهين لمئات  الإصابات ، تدب بي الحميّة فأجد نفسي مشاركا في الهجوم غير هياب ؛ يفلح البعض بتسلق أطراف العدو ، يبلغ البعض صدره  ، يتوجه البعض نحو رأسه ، يبدأ الجميع  بلثغه في كل موضع من جسده ، نافثين في جسده الضخم سمومهم ، قليلة الكم هي و لكنها فعالة...!
قاذفات من طراز  دبور 16 و قاذفات أخرى من طراز الخفاش الشبح ، و حوامات من طراز النحلة أباتشي ، تلقي على الحشود آلاف القنابل الكيماوية من كل الأوزان ، يصاب الكثيرون من جند المملكة  بالشلل ؛ إلا أن الآخرين لا يأبهون و يستمرون بالقتال ...أفواجا وراء أفواج ..
ألوف أخرى من الجيل الأصغر سِنا  ، تخرج الآن من البوابات السرية للبرج ،  تتجه فورا نحو أرض المعركة ، و ألوف تخرج من فتحات التهوية العليا ، تفرد أجنحتها ، و تطير باتجاه القاذفات و الحوامات.. لتصطدم معها في معركة جوية  شرسة .
 تدمر طائرات العدو بعضهم ، و لكنهم يستمرون مندفعين باتجاهها بلا تردد أو وجل ؛ يقذفون الطائرات بكيماويات تندفع من بطونهم ،أو يتعمدون الإصطدام بها بأجساهم ،..فتسقط بعضها  مهشمة ، و يفر بعضها الآخر .
أما العدو العملاق ذو الأطراف الثمانية فقد بدأ يضعف ثم أخذ يتهاوى ! ..
<< الكثرة تغلب القوة >> همست لذاتي مفتوناً بنشوة النصر !
 يفقد العدو أربعة من أطرافه  الثمانية  ، و يبدأ بعض الجنود  الأشاوس بالتهام رأسه ؛ أما انا ، فبدأت بالتهام  طرفه الخامس ...!
*****
أخ ..
أسمع صياحا مألوفا ..
أفتح عيني ...
أجد أسناني و قد أمسكت بيد زوجتي ، و هي تصرخ مستغيثة !
أضحك ... و أضحك . .. و أضحك ......
تنظر إليَّ زوجتي مستغربة : << مزاحك ثقيل حتى و أنت نائم !! >> تقول لي ذلك مستاءة ، فأجيبها و أنا لا أزال أضحك : <<  أنا لم أكن أمزح  يا عزيزتي .. أنا إنما كنت في زيارة لمملكة العجائب ، أجل لقد كنت نملة ، يا حياتي ، تصوري زوجك نملة ؟؟ ! >>
تلقي نظرة فوق خزانة الأدراج التي تجاورني ، تلمح عنوان الكتاب الذي كنت أقرأه قبل نومي ، فتنخرط بدورها في الضحك ..
كان عنوان الكتاب : << مملكة النمل  أم  مملكة العجائب ؟ ! >>
----------------------------------
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ArabWata
الموقع :  www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.comللأعلى

نزار ب. الزين

مشاركة حول أدب الخيال
المشاركة
Friday 29 December 2006
00:25:25
 
ولادة مجرة
قصة خيالية
نزار ب. الزين*
 
اشتدت آلام معدتي ،
لم يتجاوب جسمي مع الأدوية المختلفة ،
تستمر الأوجاع...
تؤرقني ....
تسوِّدُ الدنيا في ناظري...
<< لا بد من إجراء جراحة >>
يقول الطبيب ، فاجيبه بلا تردد بالموافقة ؛
( وجع ساعة و لا كل ساعة ) أقول في سري .
أدخل غرفة العمليات ،
يحقنني طبيب التخدير بالبنج ،
أغيب عن الوجود هنيهة ،
ثم ....
ثم أنتبه لنفسي ، أنني في موقع مرتفع ، أطل منه على غرفة العمليات !
الجراح و مساعدوه و طاقم الممرضين و الممرضات...
أشاهدهم جميعا و قد أحاطوا  بجسد مسجى إحاطة السوار بالمعصم ،
كل منهم أو منهن يقوم بعمل ما ،
بدوا جميعا كخلية نحل نشطة ...
يتقدم الجراح ،
تناوله المساعدة مشرطا ،
يبدأ بشق الجلد ،
 تنبثق الدماء ،
تقوم ممرضة أخرى بتجفيفها ؛
أتساءل : << كيف سمحوا لي بالدخول إلى غرفة العمليات ؟ >>
أتذكر : <<  أنا المريض ، أدخلوني لإجراء جراحة في معدتي !>>
يصيبني الارتباك ،
يتحول الارتباك إلى هلع ،
اقترب ،
أتاكد ؛
ذلك هو جسدي !..
ذلك هو وجهي !!!
يتحول الهلع إلى رعب ،
كيف يحدث ذلك ؟
من أنا و من ذاك المسجى ؟؟
أذهب إلى دورة المياه بحثا عن مرآة،
أقف تجاه المرآة فلا أرى شيئا ...
مزيد من الارتباك ينتابني ،
أعود إلى غرفة العمليات ؛
ألاحظ ارتباك الجراح و معاونيه ،
أحدهم يصرخ :
- ضغطه يهبط .
يعلو صوته أكثر :
- ضغطه يزداد هبوطا .
ثم ....
يصيب الصورة أمامي تشوشا ،
ثم لم أعد أرى  أو أسمع شيئا .
*****
صوت مألوف ،
ألتفت ،
لا أجد أحدا ،
و لكن الصوت يناديني من جديد ،
إنه والدي ،
يرحب بي و لكنني لا أراه ؛
أسمع صوت والدتي ترحب بي بدورها ،
و لكنني لا أرها ؛
أسأل والدي :
- لِمَ أسمعك و لا اراك ؟
يجيبني :
- سوف تراني هناك !
ثم يدعوني لأقوم بالسياحة التي طالما حلمت بها :
<< ما أن تفكر بموقع حتى تجد نفسك فيه !..>>
يقول والدي ، ثم تضيف والدتي  :
<< و بعد سياحتك سوف نلتقي ، سوف  تلتقي أيضا بكل الذين افتقدتهم في كل مراحل حياتك ...>>
 أشعر براحة لم يسبق أن شعرت بمثلها ،
أشعر بخفة لم يسبق أن شعرت بمثلها !
 
*****
القمر ...
لطالما سحرني بجماله ...
حتى عندما وطئوه وقالوا أنه أرض  قاحلة ، بقيت على حبه مقيما ،
ما كدت أذكره حتى كنت فوقه ،
أتابع آثار أقدام رواده ،
سهول جدباء كما قالوا ،
صخور و أحجار ،
جبال و وديان عميقة ،
نظرت إلى الأفق فبانت الكرة الزرقاء ،
إنها الأرض التي أنتمي إليها ؛
ثم همست إلى ذاتي :
هذا قمر الأرض فماذا عن عن قمر المشتري ؟
و إذا بي فوق أرض تيتان ..
يا للروعة ،
أنهار و بحار ،
غيوم و أمطار ،
مخلوقات تظهر فوق الماء بين كتل الجليد ثم تغوص فيه ،
مخلوقات لا تشبه الأسماك ،
و لا تشبه الحيتان ،
و لا تشبه البشر ،
مخلوفات متفردة ،
و لكنها رائعة الجمال ، دائمة الإبتسام ....
تعوم قليلا ، تصدح بأعذب الألحان ، ثم تغوص ليظهر غيرها في استعراض غنائي شجي !
 
*****
 <<اكتشف علماء الأرض وجود كواكب شبيهة بالأرض في مجرتنا>>
قلت في سري ،
و إذا بي في أحد تلك الكواكب ،
كوكب يعج بمخلوقات شبيهة بالبشر ،
مخلوقات نشطة ،
رؤوسهم كبيرة و كذلك عيونهم ، و  لكن لا أفواه لهم ؛
أتعجب !
أجول بينهم في الشوارع و البيوت باحثا عن السر ،
فأكتشف أنهم لا يأكلون البتة ،
عناصر الهواء تمنحهم أسباب الحياة ؛
و هم بالتالي لا يتكلمون ، ينظرون في عيون بعضهم بعضا ، فتنتقل الأفكار بينهم بالتخاطر !
هم أيضا لم يعرفوا أو يسمعوا قط بما نسميه بالصراعات ،
لم ييجربوا أبدا الحروب ،
ماعرفوا الجرائم أو الانحرافات أبدا ...
حكومتهم واحدة ،
حكومتهم منتخبة ،
حكومتهم لا مهمة لها غير الإعمار و البحوث العلمية ،
لم يحتاجوا قط إلى رجال أمن أو استخبارات ، و بالتالي لا سجون  و لا معتقلات !
 
*****
ثم  بدأت أتنقل من كوكب إلى آخر ،
مجرتنا درب اللبانة تعج بالكواكب ،
و كثير منها  تعمرها المخلوقات ،
بعضها شبيه بالبشر و بعضها بعيد الشبه ،
بعضها يسبق حضارة البشر بآلاف السنين ،
و بعضها لا زال بدائيا ،
*****
ثم يلمع في ذهني سؤال :
<< ترى هل سأتمكن من التعرف على الثقوب السوداء ؟! ..>>
و فجأة أجدني إلى جوار ثقب اسود !
منظر تقشعر له الأبدان ،
مجموعات نجمية بكل كواكبها و أقمارها و مخلوقاتها تندفع نحوه بسرعة جنونية ..
<< لِمَ  لا أندفع معها ؟ >>
تساءلت !
*****
 لا أدري كم استغرق ذلك من الوقت ،
فقط شعرت باختلاط الزمان و المكان ،
هوة سحيقة يكاد لا يكون لها قرار ،
تهدر في وسطها النجوم و الكواكب كملايين الشلالات النورانية ،
أو كسرب من طائرات ف16 مؤلف من ملايين الطائرات ، تصخب معا ،
و تندفع لولبيا في دوامة هائلة الحجم ؛
ثم ينكشف أمام ناظري كون جديد مختلف ؛
ثم أجد نفسي فوق  كوكب مختلف ،
مناظر خلابة لم أشهد أو أسمع بمثلها قبلا ،
أطيار و أشجار و أنهار ،
ألوان تأخذ الألباب !
و فجأة أسمع صوت والدي من جديد ،
ألتفت فأجده أمامي بشحمه و لحمه و لكن في أوج شبابه ،
ثم أسمع صوت والدتي ،
تهرع نحوي فتعانقني و تتشبث بي لفترة و هي تمطرني بقبلاتها ،
ثم يتوالي كل من عرفت من أقاربي من فرع أمي أو أبي للترحيب بي ،
ثم يتوالى كل من عرفت من زملاء و أصدقاء و جيران في كل مراحل عمري ،
جميعهم في أوج الشباب و في عمر واحد ؛
همست لأحد أصدقائي : << هل لديك مرآة ؟>>
يصحبني من يدي إلى شاطئ بحيرة ، صفا ماؤها حتى بدا ما في قعرها و كأنه في متناول اليد ،
اقتربت من صفحة الماء ،
فشاهدت وجهي للمرة الأولى منذ غادرت غرفة العمليات ..
فأنا أيضا عدت إلى شبابي !
 
*****
يصدح صوت يغرد مناديا :
- المميزون مدعوون لمشاهدة استعراض جديد ،
يتوجه الناس جميعا نحو ما يشبه مدرج هائل الحجم ،
مجموعات و أفرادا ؛
ثمت منظمون في ثياب زاهية ،
ينادي أحدهم :
- فليدخل الشهداء و ضحايا الحروب أولا ،
يصطفون في طابور طويل ، ثم يدخلون أحدهم خلف الآخر ،
المنظمون في الثياب الزاهية يدققون – مبتسمين - في الوجوه ،
ثم :
- فلتدخل الأمهات كل الأمهات بلا استثناء ،
ثم : المضطهدون و المظلومون و ضحايا الإجرام  ،
ثم : ضحايا الأمراض و التلوث  و الإعاقة بجميع أشكالها البدنية و العقلية ،
ثم : جميع الأطباء و العاملين بالمجال الطبي  فيما عدا الذين اتخذوا من مهنة الطب تجارة !
ثم : المعلمون عدا من كان منهم يستعمل العصا و يدعي أنها من الجنة ،
ثم : جميع من عملوا أعمالا خيرة مهما دنت قيمتها .
ثم : أصحاب الأهداف السامية من الأدباء و الشعراء و الفنانين .
ثم  : المخترعون و المبتكرون مهما كانت مساهماتهم ، في تطوير مجتمعاتهم  تافهة ، و يستثنى منهم مخترعو الأسلحة .
و أضاف :
- كالعادة ،محظور دخول مخططي الحروب و المحرضين عليها  و مخترعي و تجار السلاح بلا استثناء .
و كذلك : محظور دخول المجرمين  و الزعماء المستبدين بلا استثناء ، و كذلك منفذي رغباتهم الإجرامية سواء بكبت معارضيهم و قمعهم  أو سجنهم أو نفيهم أو قتلهم .
و كذلك : محظور دخول المتعصبين و المتزمتين عرقيا و قبليا و إقليميا و دينيا و مذهبيا  مهما كانت ممارساتهم التعصبية تافهة .
و كذلك : محظور دخول الخونة و المحتالين  و اللصوص و المرتشين .
و أخيرا : محظور دخول البخلاء و المقترين مهما كانت حججهم .
 
*****
أجد نفسي في الداخل مع المميزين ،
أتساءل : << ترى ما الذي ميزني ؟ >>
يأتيني الجواب بالايحاء :
<<أمضيتَ حياتك  دون أن  تؤذي  أحدا ، و انتهت  حياتك  كضحية من ضحايا التلوث البيئي..>>
 
*****
و يبتدئ الاستعراض ....
ما يشبه شاشة التلفاز و لكنها شاشة عملاقة هائلة الحجم ،
خيوط من النور بجميع ألوان الطيف ما أعرف و ما لا أعرف ، تنبثق من المجهول ،
تتشابك ،
تتدافع ،
يبدو بعضها كمليارات الأسهم النارية تنطلق معا ،
يتدفق بعضها الآخر كشلالات من نور في كل اتجاه ،
تصدر أصواتا موسيقية أروع من أية سمفونية سمعتها من قبل ؛
لا تلبث الأنوار أن تتحول إلى غيوم سديمية ،
ثم ينقسم السديم إلى مجموعات ،
ثم تندمج كل مجموعة ببعضها بعضا ،
فتتحول إلى أجسام ،
ثم تتحول الأجسام إلى نجوم و كواكب و كويكبات ،
يعلو صياح المتفرجين مهللين فرحين مزغردين .....
لقد ولدت للتو مجرة جديدة !
يغرد أحدهم من ذوي  الثياب الزاهية :
<< هيا انطلقوا  فعمروها  بالحب و السلام >>
*****
فجأة أجد نفسي ثانية في غرفة العمليات ،
فرغ الطبيب لتوه من إجراء صدمة كهربائية لجسدي المسجى ،
يعلن أحد المساعدين :
<< أرى نبضا ، قلبه يعود إلى العمل ! >>
بعد فترة لا أدري كم طالت ،
أفيق من تأثير المخدر ،
أجد زوجتي و أولادي إلى جانبي ، يهنئونني بالسلامة !.
 
----------------------------------
 
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ArabWata
الموقع :  www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.comللأعلى

نزار ب. الزين

مشاركة حول أدب الخيال
المشاركة
Friday 29 December 2006
00:24:22
 
 
قصة خيالية
نزار ب. الزين*
 
اشتدت آلام معدتي ،
لم يتجاوب جسمي مع الأدوية المختلفة ،
تستمر الأوجاع...
تؤرقني ....
تسوِّدُ الدنيا في ناظري...
<< لا بد من إجراء جراحة >>
يقول الطبيب ، فاجيبه بلا تردد بالموافقة ؛
( وجع ساعة و لا كل ساعة ) أقول في سري .
أدخل غرفة العمليات ،
يحقنني طبيب التخدير بالبنج ،
أغيب عن الوجود هنيهة ،
ثم ....
ثم أنتبه لنفسي ، أنني في موقع مرتفع ، أطل منه على غرفة العمليات !
الجراح و مساعدوه و طاقم الممرضين و الممرضات...
أشاهدهم جميعا و قد أحاطوا  بجسد مسجى إحاطة السوار بالمعصم ،
كل منهم أو منهن يقوم بعمل ما ،
بدوا جميعا كخلية نحل نشطة ...
يتقدم الجراح ،
تناوله المساعدة مشرطا ،
يبدأ بشق الجلد ،
 تنبثق الدماء ،
تقوم ممرضة أخرى بتجفيفها ؛
أتساءل : << كيف سمحوا لي بالدخول إلى غرفة العمليات ؟ >>
أتذكر : <<  أنا المريض ، أدخلوني لإجراء جراحة في معدتي !>>
يصيبني الارتباك ،
يتحول الارتباك إلى هلع ،
اقترب ،
أتاكد ؛
ذلك هو جسدي !..
ذلك هو وجهي !!!
يتحول الهلع إلى رعب ،
كيف يحدث ذلك ؟
من أنا و من ذاك المسجى ؟؟
أذهب إلى دورة المياه بحثا عن مرآة،
أقف تجاه المرآة فلا أرى شيئا ...
مزيد من الارتباك ينتابني ،
أعود إلى غرفة العمليات ؛
ألاحظ ارتباك الجراح و معاونيه ،
أحدهم يصرخ :
- ضغطه يهبط .
يعلو صوته أكثر :
- ضغطه يزداد هبوطا .
ثم ....
يصيب الصورة أمامي تشوشا ،
ثم لم أعد أرى  أو أسمع شيئا .
*****
صوت مألوف ،
ألتفت ،
لا أجد أحدا ،
و لكن الصوت يناديني من جديد ،
إنه والدي ،
يرحب بي و لكنني لا أراه ؛
أسمع صوت والدتي ترحب بي بدورها ،
و لكنني لا أرها ؛
أسأل والدي :
- لِمَ أسمعك و لا اراك ؟
يجيبني :
- سوف تراني هناك !
ثم يدعوني لأقوم بالسياحة التي طالما حلمت بها :
<< ما أن تفكر بموقع حتى تجد نفسك فيه !..>>
يقول والدي ، ثم تضيف والدتي  :
<< و بعد سياحتك سوف نلتقي ، سوف  تلتقي أيضا بكل الذين افتقدتهم في كل مراحل حياتك ...>>
 أشعر براحة لم يسبق أن شعرت بمثلها ،
أشعر بخفة لم يسبق أن شعرت بمثلها !
*****
القمر ...
لطالما سحرني بجماله ...
حتى عندما وطئوه وقالوا أنه أرض  قاحلة ، بقيت على حبه مقيما ،
ما كدت أذكره حتى كنت فوقه ،
أتابع آثار أقدام رواده ،
سهول جدباء كما قالوا ،
صخور و أحجار ،
جبال و وديان عميقة ،
نظرت إلى الأفق فبانت الكرة الزرقاء ،
إنها الأرض التي أنتمي إليها ؛
ثم همست إلى ذاتي :
هذا قمر الأرض فماذا عن عن قمر المشتري ؟
و إذا بي فوق أرض تيتان ..
يا للروعة ،
أنهار و بحار ،
غيوم و أمطار ،
مخلوقات تظهر فوق الماء بين كتل الجليد ثم تغوص فيه ،
مخلوقات لا تشبه الأسماك ،
و لا تشبه الحيتان ،
و لا تشبه البشر ،
مخلوفات متفردة ،
و لكنها رائعة الجمال ، دائمة الإبتسام ....
تعوم قليلا ، تصدح بأعذب الألحان ، ثم تغوص ليظهر غيرها في استعراض غنائي شجي !
 
*****
 <<اكتشف علماء الأرض وجود كواكب شبيهة بالأرض في مجرتنا>>
قلت في سري ،
و إذا بي في أحد تلك الكواكب ،
كوكب يعج بمخلوقات شبيهة بالبشر ،
مخلوقات نشطة ،
رؤوسهم كبيرة و كذلك عيونهم ، و  لكن لا أفواه لهم ؛
أتعجب !
أجول بينهم في الشوارع و البيوت باحثا عن السر ،
فأكتشف أنهم لا يأكلون البتة ،
عناصر الهواء تمنحهم أسباب الحياة ؛
و هم بالتالي لا يتكلمون ، ينظرون في عيون بعضهم بعضا ، فتنتقل الأفكار بينهم بالتخاطر !
هم أيضا لم يعرفوا أو يسمعوا قط بما نسميه بالصراعات ،
لم ييجربوا أبدا الحروب ،
ماعرفوا الجرائم أو الانحرافات أبدا ...
حكومتهم واحدة ،
حكومتهم منتخبة ،
حكومتهم لا مهمة لها غير الإعمار و البحوث العلمية ،
لم يحتاجوا قط إلى رجال أمن أو استخبارات ، و بالتالي لا سجون  و لا معتقلات !
 
*****
ثم  بدأت أتنقل من كوكب إلى آخر ،
مجرتنا درب اللبانة تعج بالكواكب ،
و كثير منها  تعمرها المخلوقات ،
بعضها شبيه بالبشر و بعضها بعيد الشبه ،
بعضها يسبق حضارة البشر بآلاف السنين ،
و بعضها لا زال بدائيا ،
*****
ثم يلمع في ذهني سؤال :
<< ترى هل سأتمكن من التعرف على الثقوب السوداء ؟! ..>>
و فجأة أجدني إلى جوار ثقب اسود !
منظر تقشعر له الأبدان ،
مجموعات نجمية بكل كواكبها و أقمارها و مخلوقاتها تندفع نحوه بسرعة جنونية ..
<< لِمَ  لا أندفع معها ؟ >>
تساءلت !
*****
 لا أدري كم استغرق ذلك من الوقت ،
فقط شعرت باختلاط الزمان و المكان ،
هوة سحيقة يكاد لا يكون لها قرار ،
تهدر في وسطها النجوم و الكواكب كملايين الشلالات النورانية ،
أو كسرب من طائرات ف16 مؤلف من ملايين الطائرات ، تصخب معا ،
و تندفع لولبيا في دوامة هائلة الحجم ؛
ثم ينكشف أمام ناظري كون جديد مختلف ؛
ثم أجد نفسي فوق  كوكب مختلف ،
مناظر خلابة لم أشهد أو أسمع بمثلها قبلا ،
أطيار و أشجار و أنهار ،
ألوان تأخذ الألباب !
و فجأة أسمع صوت والدي من جديد ،
ألتفت فأجده أمامي بشحمه و لحمه و لكن في أوج شبابه ،
ثم أسمع صوت والدتي ،
تهرع نحوي فتعانقني و تتشبث بي لفترة و هي تمطرني بقبلاتها ،
ثم يتوالي كل من عرفت من أقاربي من فرع أمي أو أبي للترحيب بي ،
ثم يتوالى كل من عرفت من زملاء و أصدقاء و جيران في كل مراحل عمري ،
جميعهم في أوج الشباب و في عمر واحد ؛
همست لأحد أصدقائي : << هل لديك مرآة ؟>>
يصحبني من يدي إلى شاطئ بحيرة ، صفا ماؤها حتى بدا ما في قعرها و كأنه في متناول اليد ،
اقتربت من صفحة الماء ،
فشاهدت وجهي للمرة الأولى منذ غادرت غرفة العمليات ..
فأنا أيضا عدت إلى شبابي !
 
*****
يصدح صوت يغرد مناديا :
- المميزون مدعوون لمشاهدة استعراض جديد ،
يتوجه الناس جميعا نحو ما يشبه مدرج هائل الحجم ،
مجموعات و أفرادا ؛
ثمت منظمون في ثياب زاهية ،
ينادي أحدهم :
- فليدخل الشهداء و ضحايا الحروب أولا ،
يصطفون في طابور طويل ، ثم يدخلون أحدهم خلف الآخر ،
المنظمون في الثياب الزاهية يدققون – مبتسمين - في الوجوه ،
ثم :
- فلتدخل الأمهات كل الأمهات بلا استثناء ،
ثم : المضطهدون و المظلومون و ضحايا الإجرام  ،
ثم : ضحايا الأمراض و التلوث  و الإعاقة بجميع أشكالها البدنية و العقلية ،
ثم : جميع الأطباء و العاملين بالمجال الطبي  فيما عدا الذين اتخذوا من مهنة الطب تجارة !
ثم : المعلمون عدا من كان منهم يستعمل العصا و يدعي أنها من الجنة ،
ثم : جميع من عملوا أعمالا خيرة مهما دنت قيمتها .
ثم : أصحاب الأهداف السامية من الأدباء و الشعراء و الفنانين .
ثم  : المخترعون و المبتكرون مهما كانت مساهماتهم ، في تطوير مجتمعاتهم  تافهة ، و يستثنى منهم مخترعو الأسلحة .
و أضاف :
- كالعادة ،محظور دخول مخططي الحروب و المحرضين عليها  و مخترعي و تجار السلاح بلا استثناء .
و كذلك : محظور دخول المجرمين  و الزعماء المستبدين بلا استثناء ، و كذلك منفذي رغباتهم الإجرامية سواء بكبت معارضيهم و قمعهم  أو سجنهم أو نفيهم أو قتلهم .
و كذلك : محظور دخول المتعصبين و المتزمتين عرقيا و قبليا و إقليميا و دينيا و مذهبيا  مهما كانت ممارساتهم التعصبية تافهة .
و كذلك : محظور دخول الخونة و المحتالين  و اللصوص و المرتشين .
و أخيرا : محظور دخول البخلاء و المقترين مهما كانت حججهم .
 
*****
أجد نفسي في الداخل مع المميزين ،
أتساءل : << ترى ما الذي ميزني ؟ >>
يأتيني الجواب بالايحاء :
<<أمضيتَ حياتك  دون أن  تؤذي  أحدا ، و انتهت  حياتك  كضحية من ضحايا التلوث البيئي..>>
 
*****
و يبتدئ الاستعراض ....
ما يشبه شاشة التلفاز و لكنها شاشة عملاقة هائلة الحجم ،
خيوط من النور بجميع ألوان الطيف ما أعرف و ما لا أعرف ، تنبثق من المجهول ،
تتشابك ،
تتدافع ،
يبدو بعضها كمليارات الأسهم النارية تنطلق معا ،
يتدفق بعضها الآخر كشلالات من نور في كل اتجاه ،
تصدر أصواتا موسيقية أروع من أية سمفونية سمعتها من قبل ؛
لا تلبث الأنوار أن تتحول إلى غيوم سديمية ،
ثم ينقسم السديم إلى مجموعات ،
ثم تندمج كل مجموعة ببعضها بعضا ،
فتتحول إلى أجسام ،
ثم تتحول الأجسام إلى نجوم و كواكب و كويكبات ،
يعلو صياح المتفرجين مهللين فرحين مزغردين .....
لقد ولدت للتو مجرة جديدة !
يغرد أحدهم من ذوي  الثياب الزاهية :
<< هيا انطلقوا  فعمروها  بالحب و السلام >>
*****
فجأة أجد نفسي ثانية في غرفة العمليات ،
فرغ الطبيب لتوه من إجراء صدمة كهربائية لجسدي المسجى ،
يعلن أحد المساعدين :
<< أرى نبضا ، قلبه يعود إلى العمل ! >>
بعد فترة لا أدري كم طالت ،
أفيق من تأثير المخدر ،
أجد زوجتي و أولادي إلى جانبي ، يهنئونني بالسلامة !.
 
----------------------------------
 
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ArabWata
الموقع :  www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.comللأعلى
 

نزار ب. الزين

مشاركة حول أدب الخيال
المشاركة
Friday 29 December 2006
00:11:53
 
وجه سيدونا*
قصة خيالية
نزار ب. الزين*
 
كنتُ في زيارة ابنتي في تونس عندما خطر لي أن أعرج على المغرب في طريق عودتي  ، فاتصلت هاتفيا بالأخ عبد الله البقالي ، الذي رحب بلقائي و وعدني أنه سيكون بانتظاري في مطار الدار البيضاء ، و لوجه الحق كان الأستاذ  البقالي خير مضيف و رفيق ،  فقد أخلى نفسه من كل مسؤولية ليتفرغ  لمرافقتي و يكون دليلي طوال إقامتي هناك ، فعرفني على معالم الدار البيضاء التي يسميها أهلها ( الكازا ) إختصارا لكازابلانكا ، ثم اقترح علي أن نقوم بجولة في مدن المغرب الأخرى كالرباط  و مراكش و فاس و مكناس و تطوان و طنجة و غيرها من مدن الوسط و الشمال ،  و لكن لدهشته الشديدة طلبت منه أن نزور الصحراء الغربية ؛ فقلت له في معرض تبريري : " أريد أن أرى هذه الصحراء التي قرأت عنها الكثير و عن الصراعات التي دارت حولها و مداخلات الأمم المتحدة بشأنها ، أريد أن أعرف لِمَ كان هذا كله ! " فأجابني مبتسما : " هي مليئة بمناجم الفوسفات و المنغانيز و ربما معادن أخرى لا أذكرها ، و ربما كان ذلك هو السبب وراء تلك الصراعات التي خمدت و الحمد لله . " ثم أضاف مشكورا : " إذا كنت لا تزال راغبا بزيارة الصحراء الغربية فهيا بنا ."
مررنا بعدة مدن صغيرة و لكنها جميلة كمدينة (الجديدة) ثم و صلنا إلى كبرى مدن الجنوب أغادير ، و هناك تذكرت الكارثة التي أحاقت بها ، فقد تعرضت لزلزال كبير عام 1960 أعقبه موجة تسانومي أطلسية ؛ إنها اليوم مدينة سياحية رائعة بشوارعها الفسيحة و فنادقها  الفاخرة.
  بتنا ليلتنا في أغادير بعد جولة بين فنادقها و مقاهيها و مطاعمها الكثيرة و التي يطل أكثرها على المحيط الأطلسي و التي اتخذ بعضها طابعا أوربيا ، و في عصر اليوم التالي توجهنا نحو الصحراء الغربية ..تحديدا إلى مدينة العيون ، التي تبعد زمناً حوالي ما يزيد عن ساعات ثلاث ، كما افادني الأستاذ عبد الله .
قلت  لصديقي الأستاذ عبد الله ، قبيل بلوغنا مدينة العيون المركز الإداري للإقليم الصحراوي ، قلت و قد مالت الشمس إلى المغيب فانعكس لونها المحمر على صفحة الرمال ، قلت له :" و كأننا في الكوكب الأحمر يا صاحبي ، صحراء مقفرة و جبال عالية تتراءى عن بعد و سماء وردية اللون ؛ فضحك الأستاذ عبد الله و هو يجيبني : " و هل زرت المريخ يا صاحبي ؟ " فأجبته : " بل قرأت عن هذا الكوكب - توأم الأرض – الكثير الكثير " .
  و على حين غرة وجدنا أنفسنا وجها لوجه مع شاحنة قادمة من الإتجاه المعاكس و قد أعشى ضوؤها العالي  أبصارنا  ثم ........ سمعت قرقعة الحديد و ارتجاج شديد هز كل جسدي ثم  لم أعد أشعر بشيء ..
*****
و للغرابة الشديدة وجدت نفسي – بعد أن أفقت - هائما في الصحراء ، و إن هي إلا  ثوان حتى كان الأستاذ عبد الله إلى جانبي ، يقول لي : " الحمد لله على السلامة " ثم تلفتَ حوله و أضاف منزعجاً : " و لكن أين سيارتي ؟ و أين الشاحنة التي تسببت بانحرافنا عن الطريق و انقلاب السيارة بنا  ؟ " ثم صمت قليلا  ليضيف  مستغربا مذهولا : " بل أين الطريق الذي كنا نجتازه ؟ و أين أضواء مدينة العيون التي كنا نراها عن بعد ؟  بل إننا في  ضوء النهار مع أن الليل كاد يرخي سدوله ، أين نحن ؟  و ما الذي حدث لنا ؟ "
بينما كان الأستاذ عبد الله منهمكا بطرح تساؤلاته ، كنت قد بدأت أشعر براحة لم أعهدها من قبل ، اختفت نهائيا أوجاع الروماتيزما التي  طالما أقضت مضجعي و أما تعب السفر و الجلوس الطويل في مقعد السيارة فقد زال تماما ، بل بدأت أشعر أنني خفيف الوزن و أكاد  أحلق طائرا ، و بدأت أتأمل المنظر الممتد أمامي ، تلال من خلف تلال ، و عن بعد تراءى لي جبل هائل الارتفاع ، أما السماء فهي وردية اللون مع أننا في منتصف النهار فقد نبهني إلى ذلك إختفاء الظلال قرب الصخور البركانية السوداء  المتناثرة من حولنا .
و فجأة أحسست أن جسما يتحرك قربي ، التفت نحوه و إذا بي أمام عربة غريبة الشكل ركب فوقها صحن لا قط و خرج منها حفار يغوص في الأرض و  ذراع تتناول منه ما يخرجه من عينات و تضعها عل متنها ، اقتربت منها لأسأل سائقها اين نحن ، و لعجبي الشديد كانت بدون سائق أي ( روبوت ) يتحرك فوق ست عجلات ، ثم قرأت على أحد جنبيها عبارة (أوبورتيونيتي) ، فأخذت أتساءل أين سمعت هذا الإسم ؟ و سرعانما تذكرت أنه اسم المركبة الآلية التي أرسلتها وكالة ناسا الأمريكية إلى المريخ سعيا لإستكشافه عن قرب .
أصبت بما يشبه الصدمة و الذهول .. ثم صحت بصاحبي : " أستاذ عبد الله نحن في المريخ و لسنا في الصحراء الغربية المغربية " ؛ فابتدأ يضحك  مجددا و لكنني صحت : " تعال فقط  و القِ نظرة على هذا الشيء و إلى الكلمة المسجلة عليه !"
  ثم  بدأت أتساءل بدوري و بصوت مضطرب  : " الرحلة تستغرق بواسطة أحدث  و أقوى المركبات الصاروخبة ، أربع سنوات بين الأرض و المريخ ..فكيف أننا فوق المريخ  في ثوانٍ أو دقائق و بدون ما يقلنا إليه أي صاروخ ، ترى  هل  نحن نحلم ؟؟ "
  جلس صاحبي فوق صخرة و قد جمدته الدهشة ، و جلست فوق صخرة أخرى ، لا لأنني تعب ، فأنا لم أشعر باي تعب أو أي ألم أو أي جوع أو عطش منذ وطئت قدماي هذه الأرض ، ثم تذكرت أن المريخ كوكب بارد ، تزيد أو تنقص حرارته عن المائة درجة مئوية تحت الصفر ، فلماذا أنني لم أشعر بأية برودة و لا بالحاجة إلى أي غطاء أو ملابس ثقيلة ؟؟ ثم إن المريخ يملأ جوه ثاني أكسيد الكربون بنسبة %95 فكيف أننا لا نشكو من أعراض الإختناق ؟؟؟
هذه المرة رفع الأستاذ عبد الله رأسه من بين يديه و قال لي بصوت حزين ، نحن مجرد أرواح يا صاحبي ، يبدو أن الحادث أودى بنا !!....
*****
لم يطل بنا حزننا على أنفسنا و على فراق الأهل المفاجئ ، و بدأت أعتذر منه لأنني السبب ، فلولا  إقحامه برحلتي السياحية لما أصابه ما أصابه ، و بايمانه العميق بالقضاء و القدر أجابني : " هذا نصيبنا و ما قدر لنا " ، قلت له : " إذاً هيا بنا نستكشف الكوكب الأحمر طالما نحن فيه " .
و كالنوارس حلقنا فوق الكوكب ، هذا مجرى واضح لنهر عظيم جفت مياهه  ، و هنا و هناك  حفر ضربتها  النيازك  ، أو فوهات بركانية خامدة ، و ثمت جبال هائلة الإرتفاع و وديان بالغة العمق ، و لكن لا أثر لمخلوق ، و إذ بلغنا منطقة ( سيدونا ) برز في مواجهتنا رأس آدمي منحوت من الصخر شبيه جدا بالإنسان مع بعض الإختلافات البسيطة ككبر العينين و ضخامة الأنف .
و فجأة هبت عاصفة رملية هائلة ، أخذت تبعثر أطنانا من الرمال في فضاء الكوكب ، فتحول كل شيء إلى ظلام دامس .
لم نشعر بلسع الرمال و لم تدخل خياشمنا فتضيِّق أنفاسنا ، لأننا مجرد أرواح ؛ و  لم ندرِ كم استغرقت هذه العاصفة من الوقت ، و لكن ما  أن هدأت حتى تكشفت  لنا عن مبنى محفور في  صخور تل  مجاور  لوجه ( سيدونا ) شبيه إلى حد كبير بمباني البتراء حاضرة دولة الأنباط  التاريخية  جنوب الأردن .
*****
دخلنا  من البوابة الرئيسية  إلى قاعة مزدانة بالرسوم  و ما يشبه الحروف الهيروغليفية ، أما الرسوم فهي لأشخاص من سكان الكوكب على ما يبدو ، امتازوا بطولهم الفارع و كبر صدورهم  و بعيونهم الواسعة و أفواههم المستديرة الصغيرة و أنوفهم الضخمة ، ثم صعدنا سلالم حلزونية إلى طبقات المبنى المتعددة ، حيث امتلآت جدران كل طابق منها بتلك الحروف و الرسوم  و كأنها تحكي تاريخ الكوكب و ناسه كما كان يفعل فراعنة مصر .
و في الطابق الأخير تراءى لنا ما يشبه شاشة السينما البانورامية ، و في أسفلها ما يشبه مفتاح أو زر كبير ، لم أتمكن من الضغط عليه ، و لكن ما أن اقتربت منه حتى تحرك تلقائيا ،  و إذا بالشاشة تلمع ليظهر من ثم محدث أو محاضر أو مذيع ، بدأ يتحدث بلغة أشبه بتغريد البلابل ، لم نفهمها بداية ، و لكن سرعانما بدأنا نفهم كل كلمة و كأننا من أهل الكوكب .
قال من ضمن ما قال :
ظل كوكبنا مزدهرا أكثر من  مليون سنة ، نهرنا العظيم - الممتد من القطب الشمالي حتى ما بعد خط الإستواء – ظل يروي مزراعنا و يؤمن لنا ما يلزمنا من البروتين من أسماكه الغزيرة ، و سادت بيننا العدالة ، و لم  نعرف الحروب التي أنهكت الكوكب الثالث ، الذي يسميه أهله بالأرض ، و لم نشهد أية حوادث إجتماعية عدوانية ، فكل منا يعرف تماما ما له و ما عليه ، أما حكومتنا فهي حكومة علماء منتخبة ، بحيث يجري انتخابها مع بداية كل عام جديد ، و قد ازدهرت علومنا و تمكنا من التواصل مع سكان الكواكب الأخرى خارج مجموعتنا الشمسية ، و نحتنا من تلين على الأقل رأسين هائلي الحجم ليكونا مرشدين لمركباتنا العائدة أو مركبات ضيوفنا .
أما كوكب الأرض فقد حاولنا زيارته و لكن أهله لا يعرفون سوى لغة القتل و التدمير ، حاصروا إحدى بعثاتنا و أشهروا أسلحتهم الفتاكة مهددين حيوات مبعوثينا ، لولا أن تمكنوا بسرعة من العودة إلى المركبة لينطلقوا بها عائدين ؛  إنه كوكب شيطاني ، قررنا عدم الإقتراب منه بعد ذلك .
و لكن ....
فجأة بدأ مناخنا يتغير ، و يزداد برودة ، و ما لبث علماؤنا أن اكتشفوا أن مدارنا حول الشمس آخذ بالابتعاد عنها ، فابتدأت مياه النهر الكبير تجف ، و ابتدأ الناس يحرقون كل ما يقع تحت أيديهم من أخشاب ، فانقرضت الأشجار و تحولت المزارع إلى يباب ، و رغم تحذير العلماء بأن كثرة إحراق الخشب سوف يزيد من نسبة ثاني أكسيد الكربون في الجو ، إلا أن الناس من شدة البرد لم يأبهوا ؛ و ابتدأت الوفيات – من ثم - بين الأطفال خاصة تتفاقم ، و ابتدأ عدد السكان يقل ؛ و قد تمكن بعضنا من الهجرة إلى كواكب أخرى ، و لكن عدد مركباتنا  لم كافيا للجميع ؛ ثم فني كل أثر للحياة .
*****
فتحت عيني ، لأرى نفسي في إحدى غرف ما بدا لي أنه مستشفى ، و إلى جواري صديقي الأستاذ عبد الله ؛ سألت  الطبيب الذي تصادف وجوده إلى جانبنا في جولته التفقدية : " هل إصابتي خطيرة يا دكتور ؟ "  ، فأجابني مبتسما : " كنت غائبا عن الوعي بتأثير الصدمة ليس إلا ، و لا توجد أية إصابات أو جروح ، و ربما تتمكن و صديقك  من مغادرة المستشفى غدا " .
و إذ أصبحنا لوحدنا ، قلت له مبتسماً :" لقد كنت  في  زيارة  الكوكب الأحمر ، يا أستاذ عبد الله ! "
  و لدهشتي الشديدة لم يضحك هذه المرة ، بل  أجابني جاداً : " و أنا كنت معك  في جوار ( وجه سيدونا ) " .
------------------------------
* وجه سيدونا : عبارة عن تل منحوت على شكل وجه آدمي فوق سطح المريخ  في منطقة من  شمال الكوكب أطلقوا عليها اسم ( سيدونا ) ، كان المسبار الأمريكي فايكنغ قد التقط أول صورة له في عام 1976 ، ثم تجدد تصويره هذا العام في ( تموز/ يوليه 2006).
------------------------------
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب (  ArabWata )
البريد الألكتروني :   nizar_zain@yahoo.com
الموقع  :   www.FreeArabi.comللأعلى

نزار ب. الزين

مشاركة حول أدب الخيال
المشاركة
Friday 29 December 2006
00:07:44
 
رحلة إلى الأعماق
قصة من الخيال العلمي
نزار ب. الزين
 
خمسة أصدقاء من بلاد عربية مختلفة  ، جمعتهم الدراسة في إحدى الجامعات الأمريكية و السكن المشترك قريبا منها ، عبد الله من المغرب  تخصص برمجة و هندسة كمبيوتر ، هشام من سورية تخصص معادن و سبائك معدنية ، مجدي من مصر تخصص طبقات الأرض ، حمود من الإمارات العربية المتحدة /أمارة دبي تخصص نفط و صناعات نفطية ، و رياض فلسطيني يعيش في الأردن تخصص ميكانيك محركات ثقيلة.
لم تلههم المغريات الكثيرة من حولهم ، اللهم سوى حضور أفلام الخيال العلمي التي يشتركون جميعا بعشقها ، إضافة إلى زيارة المتاحف و مطالعة المجلات العلمية ؛ و قد أبدوا جميعا  لفرط ذكائهم تفوقا في مجالات دراساتهم ، حتى أن الكثير من مؤسسات البحوث العلمية أو الشركات الأمريكية التخصصية عرضت عليهم وظائف مغرية  ؛ إلا أنهم رفضوها جميعا لأنهم تعاهدوا أن  يعودوا إلى وطنهم العربي للمساهمة في تطويره و تقدمه .
في سنة التحضير للدكتوراه ، و قبل أشهر من مناقشة أطروحاتهم  ، عرض هشام على أصدقائه مشروعا مدهشا ، بدا لهم أول الأمر خياليا و مستحيل التنفيذ ، إلا أنه رويدا رويدا تمكن من إقناعهم به ، مقدما لهم البراهين على إمكانية تنفيذه إذا تضافرت جهودهم معا ، فتعهد حمود بتمويل المشروع ، ليس هذا و حسب ، بل تعهد لهم أيضا بتدبير وظائف لهم في دبي في شركة البناء التي يملكها والده  كغطاء يمكنهم من الحصول على التأشيرات اللازمة لدخول الإمارات .
و طوال تلك الأشهر التي سبقت مناقشة أطروحاتهم ، لم يكن من حديث لخمستهم سوى المشروع الذي سيحدث ضجة عالمية من شأنها أن ترفع من مكانة العرب تجاه الشعوب الأخرى التي سبقتهم علميا و تقنيا بمراحل ، بعد أن كانوا رواد العلوم ذات يوم .
*****
في مكان  ناء  من  مدينة دبي بنوا مختبرهم الذي بدا ظاهريا كأنه مستودع بضائع .
  كان هدف الدكتور هشام  السعي لتكوين سبيكة معدنية تحتمل الضغوط الهائلة و درجات الحرارة العالية .
أما الدكتور رياض فكانت أمامه أصعب المهمات ،  الأولى منها ابتكار محرك قوي قادر على دفع مركبة خلال طبقات الأرض ، أما الثانية فكانت العمل على تطوير حفارة حلزونية تثبت في مقدمة المركبة ، أما الثالثة فكانت ابتكار ذراع آلية لالتقاط العينات و فحصها ، و قد وظف حمود تحت إمرته عددا من الميكانيكيين المهرة لتحقيق مهمته الصعبة .
أما الدكتور عبد الله فقد انشغل بابتكار برامج حاسوبية تساعده في عدة أغراض ، أولها تصميم المركبة المنشودة ، و ثانيها ربط المجسات و الرادارات و الكاميرات  بجهاز حاسوبي واحد يمكن التحكم بها من خلاله ، و ثالثها مساعدة الدكتور حمود في ابحاثة ، فالدكتور حمود يأمل بإثبات فرضية حديثة عن تكوين البترول ، الفرضية تؤكد أن النفط غير قابل للنضوب لأن المواد الهيدروكربونية - و هي أساس تكوينه - في حالة تشكل مستمر نتيجة اتحاد الكربون مع الهيدروجين ( و هما مادتان موجودتان في الأعماق مثل وجودهما في الجو ) هذا الإتحاد يتم  تحت درجة حرارة و ضغط هائلين في الطبقات العميقة لجوف الأرض ، لينساب – من ثم -  نحو الأعلى ، مجدداً تعبئة الخزانات الطبيعية الموجودة أو تكوين خزانات غير معروفة و لم يتم اكتشافها بعد .
و يقول الدكتور حمود إذا تمكن من إثبات هذه الفرضية يصبح بإمكان البشر تكوين حاجاتهم النفطية بمصانعهم ، و ستكون تلك خطوته التالية ، مما سيحدث ثورة في مجال الطاقة تفوق الثورتين الصناعية و الألكترونية معا .
أما الدكتور مجدي فكان يبحث في صفائح القشرة الأرضية التي تقوم فوقها القارات و التي تعوم  فوق طبقة  من الصخور شبه  المائعة  فتسبب حركتها  الدائبة التي تؤدي  إلى  حدوث الزلازل ؛ و ذلك سعيا وراء إيجاد الفالق الباطني المناسب الذي يمكِّن من النفاذ إلى الأعماق .
  و يؤكد الدكتور مجدي أن هناك فوالقا زلزالية و أنفاقا و كهوفا طبيعية في الأعماق كما في السطح و من الممكن عبورها بيسر إذا نجح زملاؤه  بتصميم المركبة المنشودة ، و التي سوف يكون عليها اختراق عدة طبقات مختلفة التكوين  قبل الوصول إلى طبقة المعادن المصهورة  و هي بسامكة 2800 كيلومتر و بحرارة تقارب المائة درجة مئوية قرب السطح و 3500 درجة مئوية في أعمق نقطة .
و بما أن جاذبية قلب الكرة الأرضية الصلب المكون من معدن الحديد – و هي جاذبية أقوى من جاذبيتها على السطح -  فإن  قوة الدفع المكتسبة من تلك الجاذبية سوف تمكن المركبة من الإتجاه بنفس السرعة نحو السطح ثانية و لكن نحو قارة أخرى من خلال فالق زلزالي آخر ، و قد لا تستغرق الرحلة – نظريا - إذا كانت مباشرة ، أكثر من ساعات معدودة ، و الحاسوب يشير إلى أن الإنتقال من غرب آسيا – مثلا -إلى شرق أمريكا قد لا يستغرق أكثر من أربع إلى خمس ساعات.
*****
بعد ثمانية عشر شهرا من العمل الشاق و إنفاق مبالغ كبيرة قدمها الدكتور حمود و والده بسخاء و بلا أدنى تردد ، اكتمل بناء المركبة التي صنعت من سبيكة معدنية ولَّفها الدكتور هشام ، يمكنها احتمال حرارة تقترب من 4000 آلاف درجة و ضغط عدة أطنان فوق السنتيمتر المربع الواحد ، و بطنت من الداخل بطبقتين من نوعين مختلفين من السيراميك و زودت بمحرك ديزل دافع بقوة تعادل قوة قاطرتي ديزل ، و بمحرك قوي آخر لحفارة حلزونية ثبتت في مقدمة المركبة مستخدمة شفرات شُحذت من نفس سبيكة الدكتور هشام المعدنية ، قادرة على اختراق أصلب الصخور و قذفها إلى ما وراء المركبة ، و بمحرك آخر لتشغيل الذراع الآلية ، و بمحرك رابع لتوليد الطاقة و تشغيل أجهزة التبريد و الأجهزة الكهربائية و الألكترونية الأخرى ، كما زودت بكاميرات ألكترونية خاصة تحتمل درجات الحرارة العالية ، تُمكِّن الباحثين في الداخل من رؤية ما يجري حولهم في الخارج بدل النوافذ ، و برادار قوي  و مجسات حساسة لقياس المسافات و الأعماق و درجات الحرارة فوق هيكل المركبة من الخارج ، و أخرى للتعرف على الإتجاهات ؛ و بجهاز إتصال يصلح فقط أثناء وجودهم في أعماق المحيط أو فو!
ق سطح الأرض .
و اقتضت الخطة أن تكون أول رحلة تجريبية و مباشرة ، على أن تكون رحلة العودة رحلة إستكشافية تخصصية ، تليها رحلات .
 وستغوص المركبة في الخليج العربي ثم تتجه جنوبا إلى بحر العرب ثم غربا نحو شرق أفريقيا و من هناك سيتم إختراق فالق البحر الأحمر . أما لماذا اختاروا أن تبدأ رحلتهم من أعماق البحر فالدكتور عبد الله يجيب على هذا السؤال قائلا :  " أن القشرة الأرضية تقل سماكتها في أعماق البحر فهي بين – 60إلى70 كيلومتر-  مما يوفر الجهد و الوقت ."
و من ثم سوف تغوص المركبة في الأعماق مندفعة نحو قلب الكرة الأرضية الصلب ، ثم تنزلق قبيل بلوغه في اتجاه الصعود لتبلغ فالق المحيط الأطلسي - تماما كما تفعل سفن الفضاء التي تستفيد من جاذبية أحد الكواكب لتنزلق قريبا منه باتجاه كوكب آخر مستفيدة من قوة الدفع التي اكتسبتها من جاذبيته -  و لعلها تتجه من هناك إلى إحدى دول أمريكا اللاتينية ، و الأرجح أنها ستكون الجزيرة الكوبية أو أيا من جزر الكاريبي ، و لذا فقد حصلوا على التأشيرات اللازمة من سفارات تلك الدول معلنين لها أن زيارتهم ستكون عبر سفينة أبحاث أسموها << دبي 1 >>.
و في اليوم الموعود ، اتجهت المركبة فوق شاحنة مغطاة إلى منطقة معزولة بين أمارتي عجمان و رأس الخيمة ، و ما أن  أُنزلت المركبة على شاطئ الخليج حتى دنت منها سيارة فارهة يعقبها سيارة حماية ، ثم ترجل منها مسؤول رفيع المستوى و برفقته والد الدكتور حمود ، جاءا خصيصا لوداع و تشجيع  زمرة العلماء العرب الذين سيخوضون أكبر مغامرة إستكشافية في التاريخ  ؛ و قد حرص الجميع أن تكون المغامرة بعيدا عن أية ضجة إعلامية ، خشية الصدمة الكبرى و الإحباط الشديد إذا باءت الرحلة بالفشل .
*****
عندما غاصت  المركبة في الخليج كانت قلوب خمستهم واجفة خشية أن يكونوا قد ارتكبوا غلطة فنية ما ، و لكن لسعادتهم البالغة سار كل شيء على ما يرام ، المحرك الدافع قادهم نحو شرق أفريقية خلال 15 دقيقة فقط ( أي اسرع من اية غواصة ) ، و هناك بدأ الدكتور عبد الله  و الدكتور مجدي يبحثان من خلال شاشتي الحاسوب عن فالق البحر الأحمر ، و ما لبث الدكتور مجدي أن صاح صيحة ( أرخميدس ) : وجدته !... وجدته !... ؛ ثم ما لبث الإثنان أن بدءا بالبحث عن الثغرة المناسبة للعبور منها إلى أعماق الأرض ، فوجداها بعد دقائق قرب خليج السويس ، و بدأ من ثم الإختراق ..
كانت الحفارة الحلزونية تعمل بشكل رائع لشق الصخور و الكتل الطينية بينما يدفعها إلى الأمام المحرك الخلفي  بسرعة أكبر من سرعة طائرة نفاثة أو صاروخية ، فكانت سعادة خمستهم لا توصف لمدى النجاح الذي حققوه حتى الآن .
كان اتجاههم نحو الشمال الغربي بشكل مائل تحت القارة الأفريقية وعند بلوغهم عمق خمسين كيلومتر ، أحسوا أن الحفارة الحلزونية تدور في فراغ ، رصدوا ما حولهم بقلق بالغ ، فتبين لهم أنهم داخل كهف عملاق يتجه بهم  نزولا بخط مائل ، فساروا فيه بيسر دونما حاجة إليها..و قد امتد الكهف أكثر من مائتي كيلومتر تارة يضيق إلى بضعة أمتار و تارة يتسع إلى مئات الأمتار ، أما الإرتفاع فيتراوح  بين أمتار قليلة و عشرات الأمتار .
  ثم  بلغوا نهاية الكهف  فبدأ الإختراق من جديد ..
بدأت الحفارة الآن تعمل بشكل أيسر فقد بلغوا طبقة أقل كثافة مكونة من الصخور الحارة شبه المائعة و التي – كما سبق أن أفادهم الدكتور مجدي – تطفو فوقها صفائح القشرة الأرضية و التي تسبب حركتها الدائمة .
  أما الدكتور عبد الله فقد  أخبرهم  أن  الحرارة  خارج  المركبة  بلغت  الآن  مئتي  درجة مائوية .
و المركبة لا زالت مندفعة نحو الأعماق ...
قال الدكتور مجدي : "نحن الآن في عمق ألف خمسمائة كيلومتر .."
قال الدكتور عبد الله : " الحرارة  خارج  المركبة  تبلغ الآن خمسمائة درجة مئوية ..."
و المركبة لا زالت مندفعة نحو الأعماق ...
" نحن الآن على عمق ثلاثة آلاف كيلومتر" ،  قال الدكتور عبد الله ؛
  " و بدأنا نخترق المائع الناري " ، قال الدكتور مجدي ؛
  " و بدأت الجاذبية تتزايد وتيرتها بشكل متسارع ، اربطوا الأحزمة جيدا و اتخذوا وضع الإستلقاءعلى ظهوركم " ، قال الدكتور رياض الذي يتولى قيادة المركبة .
و المركبة لا زالت مندفعة نحو الأعماق  بوتيرة متسارعة...
" بدأنا الآن بالإتجاه المعاكس "  ، قال الدكتور رياض  ، و قد خرجت الكلمات من فمه بطيئة و بصوت خافت بسبب الضغط الكبير الواقع على صدره و بطنه ، إنه ضغط السرعة الخيالية التي اكتسبوها من جاذبية قلب الكرة الأرضية المعدني .
و المركبة بدأت تندفع من الأعماق نحو السطح ...
" نحن الآن تحت  المحيط  الأطلسي ، في وسطه تقريبا ، و الرحلة تسير من نجاح  إلى نجاح " ، قال الدكتور عبد الله عندما  بدأ الضغط الكبير يزول تدريجيا عن جسده ، و بدأ يتابع جهاز الحاسوب بدون صعوبة..
و المركبة لا زالت تندفع من الأعماق نحو السطح ..
" سنخترق فالق الأطلسي وشيكا " ، قال الدكتورمجدي....
" لقد عثرت بين العينات التي التقتطها من الكهف العملاق الذي مررنا به ، على كميات كافية من عنصر يندمج فيه الكربون بالهايدروجين فيما يمكن أن نسميه خميرة البترول و ليس فيه أي اثر لكائنات عضوية ميتة أو بقايا كائنات عضوية ، و هو ما يؤكد فرضية أن البترول في حالة تكوين مستمر ، و ليس فقط  نتيجة  المواد  العضوية  المترسبة  كما  كان  يُظن  ، و عندما سنمر في طريق العودة من ذلك الكهف سألتقط عينات أخرى لمزيد من البحث.. إنه لفتح علمي كبير أيها الأعزاء ! "
و المركبة لا زالت تندفع من الأعماق نحو السطح ...
و ما أن اجتازت فالق الأطلسي ، و بدأت الحفارة في تكسير الصخور الصلبة تمهيدا لبلوغ  قاع المحيط ، حتى بدت من جديد و كأنها تدور في فراغ .
*****
لم يطل قلقهم طويلا
" أنه مدخل كهف عملاق آخر !" صاح الدكتور مجدي فرحا!
" شيء لا يصدق يا إخوان ، المجسات تؤكد أن حرارة الكهف لا تزيد عن 40 درجة مئوية ، و الهواء فيه مليء بالأكسيجين " أضاف الدكتور عبد الله ...
فرد الدكتور مجدي : " أمر غريب نحن على عمق خمسين كيلومترا تحت سطح المحيط الأطلسي ، و الأكسيجين متوفر ، ذلك سيقلب جميع معارفنا الإنسانية رأسا على عقب ، هذا يعني أن الكهف صالح للحياة ، دعونا نتجول قليلا  فيه و نريح أقدامنا المتعبة ، و ما يدرينا فقد نعثر على مخلوقات من نوع ما ! "
فأجابه الدكتور حمود : " قد  تكون تلك المخلوقات من فئة الداينصورات ، فعلينا أن نكون متيقظين و ألا نبتعد عن المركبة !"
و ما أن هبطوا من المركبة حتى لجمت ألسنتهم مفاجأة لم تخطر على بالهم ، كان الكهف مضاءاً بإنارة لم  يتمكنوا من معرفة مصدرها و مزدانا بعشرات اللوحات الفسيفسائية تفصل بينها أعمدة رخامية تتصل في أعلاها بأقواس تشبه أقواس قصر الحمراء في غرناطة الأندلس ، أما أرض الكهف فقد رصفت بالحجارة المنحوتة ..
تساءل الدكتور هشام مشدوها : " هل من المعقول أن  نكون أمام  مدينة ما أو جزيرة ، غاصت نتيجة زلزال ، و بقيت مبانيها على حالها على هذا النحو ؟ ما رايك يا دكتور مجدي ، هل يمكن علميا أن يقع مثل هذا الأمر البعيد عن كل معارفنا ؟ أفدني يا دكتور مجدي ، هل سمعت أو قرأت عن مثل هذه المعجزة التي نراها ؟ "
أجابه الدكتور مجدي و هو لا يقل شعورا بالذهول عن زملائه : " قد يحدث أن تغوص مدن أو جزر و لكنها تبقى في قاع البحر و لكن ليس تحت خمسين كيلومترا منه ؛ لقد تم اكتشاف بقايا الإسكندرية القديمة قرب سواحلها و لكنها كانت خرائب ، و ادعى روبرت سارماست و هو عالم أمريكي مؤخرا أنه اكتشف خرائب جزيرة أطلنتس التي تحدث عنها أفلاطون ، و لكنه قال أنها  آثار ..."
ما أن أكمل الدكتور مجدي جملته ، حتى سمعوا جميعا صوتا أرعبهم : " أنتم الآن في أطلنتيا " ثم اضاف : " أطلننتيا و ليس أطلنتس ، و شعبها يرحب بكم ، تقدموا بمركبتكم خمسمائة متر و ستروننا في استقبالكم ! " .
نظروا إلى بعضهم بعضا و قد عقدت الدهشة ألسنتهم ، ثم قال الدكتور حمود لزملائه : " هيا مِمَّ نخاف ؟ الصوت بدا آدميا و ودودا ، و بالتأكيد نحن لا نحلم ! "
أجابه الدكتور هشام و قد ارتعش صوته لرهبة الموقف : " يا إخوان نحن نعيش الآن معجزة حقيقية ! "
*****
هبطوا من المركبة ثانية ، عندما وجدوا أنفسهم أمام بوابة ضخمة ، ما لبثوا أن سمعوا صوتها و هي تفتح  ببطء ، ثم بدؤوا يلمحون بشرا حقيقيين ، نساء و رجالا ، في غاية الجمال ؛ طول فارع ، شعر يميل إلى الحمرة ، عيون واسعة عسلية اللون ،  ، الرجال منهم يرتدون ثيابا بيضاء مكونة من قطعتين ، سروال قصير و قميص ( نصف كم ) مزين بزخارف هندسية يتوسط بينهما حزام جلدي مزخرف ، و في أقدامهم نعالا خفيفة ترتفع إلى ما فوق الكاحل مزينة بزخارف شبيهة بزخارف الحزام  ، أما النساء فقد ارتدين ملابس زاهية الألوان بلا أكمام ، و طويلة تكاد تلامس الأرض ، و قد زينوا صدورهن بعقود اللؤلؤ و المرجان.
تقدم منهم ما بدا أنه كبير القوم  ثم ما لبث أن  قال لهم من خلال جهاز بدا و كأنه جهاز للترجمة الفورية : "  مرحبا بكم ،  هذه هي المرة الأولى التي يشرفنا فيها بالزيارة سكان من سطح الأرض ، و لا بد أنكم تملكون تقنية عالية الكفاءة مكنتكم من الوصول إلى أطلنتيا ."
تقدم الدكتور حمود - و قد استطاع التغلب على دهشته الشديدة – تقدم منه ، ثم مد يده راغبا في مصافحته ، و بعد تردد منه مد الآخر يده ثم تشابك مع حمود بمصافحة حارة و هو يضحك ، ثم ما لبث أن شده نحوه معانقا ، و تنكرر ذلك مع بقية رفاقه ؛ ثم بدأ الدكتور حمود يعرفه ببقية أصدقائه العلماء و بتخصصاتهم ؛ في حين كانت الحشود من حولهم تردد ما يشبه الأهازيج الترحيبية ، و قد تزينت وجوههم جميعا بابتسامات عريضة ملوحين بايديهم  مرحبين.
سار بهم كبير القوم مسافة بسيطة ثم تقدمهم صاعدا درجات مايشبه أهرامات ( المايا ) و لكنها مبنية من الرخام ، ثم ولجوا جميعا إلى قاعة كبرى التف حولها مدرج  جلس عليه عشرات من النساء و الرجال ممن بدوا أنهم وجهاء القوم ، عرَّف بهم مضيفهم على أنهم نواب شعب أطلنتيا ، فقوبل الدكتور حمود و صحبه  بتلويح الأيادي و صيحات الترحيب .
*****
بعد أن رحب بهم رئيس المجلس ، توجه بهم مضيقهم إلى قاعة مجاورة التف حول مائدة بيضاوية الشكل مصنوعة من من الرخام النفيس ، حوالي عشر نساء و أربعة رجال ، عرفهم مضيفهم على أنهم وزراء أطلنتيا و أنه شخصيا رئيسهم .
ما أن جلس الضيوف حتى انهالت عليهم الأسئلة ، كيف وصلوا و كيف تمكنوا من اختراق المحيط ،  و من أي منطقة جاؤوا و ماهو هدفهم ، كان كل منهم يجب على أحد الجوانب ، و قد أوضح لهم الدكتور مجدي أن مجموعتهم علمية بحتة ، و أنها لم تكن تفكر إطلاقا بالبحث عن حضارة أطلنتنيا أو آثارها ، و أنهم إنما بلغوها بمحض المصادفة ؛ ثم شرح لهم هدف المجموعة و هو إثبات إمكانية اختراق باطن الكرة الأرضية بسرعة قياسية إذا توفرت الشروط المناسبة ، و أنهم قدموا من البلاد العربية و تحديدا  من الإمارات العربية المتحدة ، و يهدفون إلى بلوغ أمريكا الوسطى ، و على الأرجح  بلوغ إحدى جزر الكاريبي ، و بسرعة قياسية تتجاوز سرعة أية وسيلة ابتكرها البشر حتى الآن ، فنحن قضينا حتى الآن ثلاث ساعات و عشرين دقيقة  و هدفنا أن نبلغ إحدى جزر الكاريبي ، في زمن يتراوح بين أربع إلى خمس ساعات .
ثم تناول الدكتور عبد الله الحديث مبينا لهم أنهم لهذا السبب لن يتمكنوا من المكوث أكثر من بضعة دقائق أخرى و إلا  فشلوا في تحقيق هدفهم .
ابتسم أحد الوزراء قبل أن يجيبه من خلال جهاز ترجمته ، الذي  يستعمل كل منهم مثيله  :  " أنتم  ضيوفنا و لن نتخلى عنكم  بالسهولة التي  تظنون .!.."
ثم أضافت وزيرة أخرى : " في الحقيقة ، بلدنا ينقصه الذكور ، و عدد سكاننا في تناقص ، فنحن نرحب بكل ذكر يحضر لزيارتنا ، لقد بلغت نسبة الإناث 76% من مجموع السكان ، و هذا يهدد شعبنا العظيم بالانقراض ."
ثم تصدت وزيرة أخرى للحديث ، فقالت : " علامَ عودتكم إلى السطح ؟ و شعوبه لم يتمكنوا حتى الآن من التغلب على حيوانيتهم ، شعوب متناحرة متنافسة متحاربة ، شعوب تملك من وسائل التدمير أكثر من تملكهم لوسائل الإعمار ! "
أجابهم الدكتور هشام : " لهذا السبب اتحدنا نحن الخمسة ، و هدفنا الإسهام في تطوير العلوم و المعارف ، لكي يصبح للناس جميعا  مصادر رخيصة للطاقة ، مصادر جديدة للمياه العذبة ، مصادر جديدة للمعادن ، لنحقق في النهاية ما يكفي كل البشر من الغذاء  و الكساء و البيوت المريحة و المواصلات السهلة ، و نعتقد أنه إذا تحقق كل ذلك فإن الصراعات سوف تنتهي و أن العدالة سوف تسود ؛ أما إن بقينا  في ضيافتكم - كما تطلبون – فإن كل جهودنا ستذهب أدراج الرياح "
ثم أضاف  الدكتور حمود قائلا : " لا تنسوا  يا  أيها المحترمون أن لدينا أهلا و أصدقاء في انتظارنا على أحر من الجمر ، فإذا بقينا في ضيافتكم – كما تقترحون - فسيظنون أننا قُتلنا  ، و أن رحلتنا فشلت ؛ و سنسبب لهم خيبة أمل رهيبة و حزنا كبيرا ! "
  صمت الجميع و كأن على رؤوسهم الطير ، ثم ما لبث رئيسهم و مضيفهم  أن قال لهم :     " لقد اقتنعت بما تقولون و بأنكم بشر طيبون و أن أهدافكم نبيلة ، و لكنني أطلب منكم أمرين ، أولهما أن تدخلوا غرفة التاريخ لتتعرفوا على حضارتنا و علومنا و مقومات وجودنا لكي تتخلصوا من كل ما  لُفِّق عنا من أقاويل ، و ثانيهما أن تتعهدوا بعدم ذكر أي شيء عن وجودنا و مكاننا لأي إنسان على سطح البسيطة ، و إلا عرضتمونا لخطر فادح ، فهناك دول قوية و عدوانية فوق السطح ، قد تتمكن من الوصول إلينا و إيذائنا و تدمير حضارتنا المعمرة ، و التي بلغت خمسة آلاف سنة ، نعم خمسة آلاف سنة بدون حروب أو أي نوع من الصراعات ، نحن لا نحتاج للشرطة أو الجيش ، و لم يسبق أن تشاجر منا اثنان ، و حكومتنا التي ترون هي حكومة علماء و حكماء ، فإذا بحتم بسرنا فربما تكونوا السبب في القضاء علينا ."
أجابه الدكتور حمود : " أعاهدك باسمي و بإسم إخواني بأن نَكْتم سركم و بأنكم بالتأكيد لن تسمعوا عن لساننا كلمة واحدة ، و لكن ليس لدينا وقت أكثر للاطلاع على ما تحويه غرفة التاريخ ؛ رجائي – و قد اقتربنا من النجاح – أن يحدثنا أحدكم بموجز عن تاريخ أطلنتيا  و نحن في طريقنا إلى مركبتنا ."
*****
في الطريق إلى المركبة و في وسط حشود شدها الفضول لمشاهدتهم ، كانت إحدى الوزيرات التي كلفت بمرافقة الضيوف العلماء ، كانت تحدثهم عن تاريخ أطلنتيا ، فقالت : "  كنا نعيش في وسط المحيط الأطلسي و أقرب إلى الأمريكتين ، و كانت لنا علاقات تجارية مع مصر الفراعنة و بلاد الإغريق في الشرق ، و مع سكان المايا بعد ذلك في الغرب ، و قد حاولنا إقامة علاقات ودية مع الجميع و لكنهم كانوا  يقابلوننا  بالعدوان ، كانوا يعتدون على سفننا  التجارية و ينهبون ما فيها من بضائع  ، ثم  قَدِم إلينا الإغريقيون فوق سفنهم الحربية هادفين غزونا  فأحرقناها عن آخرها باستخدام الليزر الذي لم يكونوا يعرفونه و الذي عرفتموه أنتم حديثا.
أما سكان المايا فكانوا أكثر توحشا رغم كل مظاهر التقدم التي كانوا عليها ، كانت لهم أبجديتهم الهيروغليفية ، و كانوا بعرفون  الأرقام  و الحساب ، و كان لديهم إلمام بعلم الفالك ، و لكنهم كانوا دمويين ، كانوا يقيمون كل فترة احتفالات ينتقون خلالها أجمل الشبان أو الفتيات ، فيذبحونهم ذبح النعاج ثم ينتزعون قلوبهم و يقدمونها قرابين لإرضاء آلهتهم كما كانوا يزعمون ، و كانوا  يخوضون على  الدوام  حروبا  شرسة فيما بينهم أو مع جيرانهم ، و أما نحن فكنا نتوقع انهيار حضارتهم السريع كما حدث بالفعل .
و عندما اكتشف علماؤنا ، أن هناك بوادر حدوث زلزال كبير قد يغير خارطة الكرة الأرضية ، صنعوا  فوق جزيرتنا قبة هائلة الحجم من لدينة قوية ، و قد شارك جميع السكان في تدعيم  بيوتهم  و تقوية أساسات مباني الجزيرة العامة ؛ ثم جهز علماؤنا الجزيرة أيضا ، بمولدات الطاقة التي ستستفيد من حرارة الأعماق ،  لغرض  الإنارة و استخلاص الأكسيجين و الماء العذب من مياه المحيط  إضافة إلى  تعديل حرارة الجو ، و انتظروا - من ثم - اللحظة الحاسمة ."
ثم أضافت بعد أن التقطت أنفاسها : " و حدث الزلزال الكبير و ابتدأت جزيرتنا تغوص في ماء المحيط بهدوء و كأنها فوق مصعد أحد الأبنية ، حتى بلغت القاع ، و بدون إلحاق الأذى بأي من شعبنا على الإطلاق ؛ كل ما حدث أن المباني اهتزت قليلا عندما ارتطمت جزيرتنا بقاع المحيط .
ثم  ما أن استقر الوضع حتى ابتدأ  الحفر نحو هذا  الكهف الذي كان علماؤنا  قد اكتشفوه  قبلا ، و الذي أصبح مدينتنا المزدهرة كما ترون ، أما القبة فقد تآكلت بالتدريج بتاثير ماء المحيط المالح . "
كانوا قد وصلوا إلى مركبتهم عندما قالت لهم مرشدتهم : " لا حاجة لكم للرجوع إلى أول الكهف ، فلدينا منفذ يؤدي بكم إلى قاع المحيط مباشرة ، تستخدمه مركباتنا الفضائية التي تطلقون عليها اسم الأطباق الطائرة أو الأجسام المجهولة ، نعم أيها السادة إن حضارتنا كانت متقدمة منذ خمسة آلاف سنة على الأقل و لم تقف عجلة تقدمنا لحظة واحدة ،  فقد تمكنا مثلا و منذ البداية ، من اكتشاف  وسيلة تلغي حاذبية الكرة الأرضية  أو الكواكب الأخرى ، مما  يَسَّر تنقلنا  بين الكواكب ! "
تساءل الدكتور هشام متعجبا : " إذاً أنتم  الذين دوختم العالم بأطباقكم مجهولة الهوية ؟! لقد قال بعض الناس أنهم شاهدوها تخرج من المحيط و لكن أحدا لم يصدقهم .. ! "
ضحكت المرشدة و هي تجيبه : " نحن من كنا نجوب بلادكم مستكشفين مدى تقدمها ، و مدى اقترابها من السلام الشامل الذي سبقناكم إليه ، و أحيانا نختطف منكم بعض ذكوركم فيقيمون بيننا ضيوفا معززين مكرمين ، فكما أفادكم رئيس وزرائنا ، نحن نعاني من نقص حاد بالذكور ، و لهذا السبب قمنا  باختطاف بعض طياريكم  ، أو ركاب سفنكم ، أو مزارعيكم ، دون أن نسبب لهم أي أذى ، و قد عاشوا بيننا سعداء في غاية الرضا  ، و منهم من لا يزال بيننا حتى اليوم " .
سألها الدكتور عبد الله : " كما فهمت منك ، فإنكم جِلْتم في الفضاء الخارجي أيضا ، فهل اكتشفتم حياة في أي كوكب غير كوكبنا الأرض؟! "
أجابته و هي لا تزال ترسم على شفتيها ابتسامة عذبة : "  لقد جبنا كل مجرتنا  ( درب اللبانة ) من أقصاها إلى أقصاها و لم نعثر فيها على كوكب واحد صالح للحياة كما كنا نأمل ، فبعد إلقاء قتبلتي هيروشيما و ناغازاكي النوويتين ، و ما تبعهما من تجارب نووية ، شعرنا أن الكرة الأرضية باتت بخطر الفناء و بأيدي سكانها ، و لهذا السبب كثفنا بحوثنا في الفضاء على أمل العثور على كوكب ملائم نهاجر إليه ، و لكن للأسف دون جدوى .
إن البشر منذ تواجدوا فوق هذا الكوكب ، و هم يتخيلون الفردوس ؛ الفردوس يا سادة بين أيديكم ، الفردوس هنا في  كوكب الأرض لو أحسنتم رعايته و تعلمتم  أخلاق التعايش فيه ، كوكبنا لا مثيل له في كل مجرتنا المحتوية على ملايين النجوم و الكواكب ، لا مثيل لمناخه ، لتنوع مخلوقاته من حيوان أو نبات ، لألوان أزهاره و أطياره و فراشاته ، لجباله و بحاره و أنهاره و بحيراته ، لمناظره الخلابة ؛ و لكن  ناسكم  للأسف لا  يدركون  ذلك و لا يقدرونه ، بل يسعون  لتدميره  بالتلوث البيئي  و الأخلاقي ، من تعصب عنصري إلى استعباد قويِّكم لضعيفكم إلى الحروب المدمرة التي لا تخلف إلا الخراب و القتلى و المشوهين! "
سألها الدكتور حمود : " و ماذا عن المجرات الأخرى ؟"
" المجرات الأخرى تبعد ألاف و بعضها ملايين السنين الضوئية و ليس في وسع تقنيتنا بلوغ أيا منها حتى الآن . " أجابته ، ثم أضافت : " سأصعد معكم لأدلكم على المنفذ ."
*****
عندما بلغوا النهاية لاحظوا وجود عدد كبير من الأطباق الطائرة بأحجام مختلفة بعضها بقياس سيارة صغيرة و بعضها الآخر أكبر من باخرة  ، عدد منها على شكل أقراص و مجموعة أخرى في أشكال كروية و مجموعة ثالثة في أشكال أسطوانية .
قالت لهم مرافقتهم :  "عندما نفتح البوابة التي تقابلكم ادخلوا فيها بمركبتكم ، ثم سنغلقها من خلفكم ؛ ستمتلئ الغرفة بالماء قبل أن نفتح البوابة العلوية ، عندئذ سوف يكون بوسعكم الإندفاع إلى أعلى لمسافة تزيد قليلا عن خمسين كيلومترا و بعدها ستبلغون قاع المحيط  في منطقة مثلث برمودا . "
ثم ودعتهم بحرارة و هي تذكرهم بوعدهم – بلهجة فيها رجاء -  ألا يتحدثوا عن وجود أطلنتيا مع أي كان حتى مع أقرب المقربين .
*****
شَغَّل  الدكتور  عبد الله  جهاز الاتصال و لفرحته تجاوّبَ في الحال ، نادي الدكتور حمود قائلا : " هيا اتصل  بالوالد  و طمنه   أننا  اقتربنا من الهدف و سنكون في جزيرة كوبا خلال عشر دقائق "
- ألو .. آلو ... مرحبا ( يوبا ) أنا حمود ... أنا حمود هل تسمعني ؟
يجيبه صوت مختلط ببعض التشويش :
=  هَلا ( بِولْدي الحبيب ) لقد تأخرتم أكثر من ساعتين  ، و بدأنا نقلق عليكم ! ..و لكن  أين أنتم الآن ؟
- نحن قريبون جدا من جزيرة كوبا ( يوبا ) ، بلغ سفير الأمارات هناك ، بقرب وصولنا  ( طال عمرك ) .
يصيح والد حمود  :
=  إحذروا من الإقتراب من (غوانتنامو) يا حمود يا ( وِلْدي )...أكرر ، إحذروا ..إحذروا...لا تقتربوا من ( غوانتنامو ) !
*****
- عبد الله .. عبد الله .. إصحَ من نومك  يا ( خوي ) ، كف عن الصراخ ، فأنت تحلم !
يلتفت نحو مجدي الجالس بجواره ، قائلا :
- يبدو أن عبد الله  تعرض لكابوس اسمه ( غوانتنامو ) !!!
يفتح عبد الله عينيه بصعوبة ، يتلفت حوله ، ثم يغرق بالضحك و هو يجيبهما  بكلمات قطعتها  قهقهته :
= بل كنت أحلم بأطلنتيا و بمدينة أفلاطون الفاضلة !
***************
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب  ( ArabWata  )
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.comللأعلى

 

موقع القصة السورية يطفئ شمعته الثانية بنجاح

بمناسبة مرور عامين على انطلاقة موقع القصة السورية

يخصص الموقع العدد الثاني 2007 من مجلته الشهرية

 (مجلة القصة السورية)

لأدب الخيال

دراسات -  قصص خيالية – أساطير – روايات وقصص الخيال العلمي

ويدعو كافة الأدباء والصحفيين والكتاب العرب

والمهتمين في أدب الخيال، للمساهمة بكتاباتهم في هذا العدد.

من خلال تزويدنا بدراساتهم وأبحاثهم ومقالاتهم

وأعمالهم الروائية والقصصية والشعرية حول الموضوع.

على أن تكون الأعمال المرسلة من إبداع وتأليف الكاتب وليست مقتبسة.

أخر يوم لاستلام المواد والمشاركات هو 28/01/2007

للإطلاع على الصفحات المخصصة للأدب الخيال ومتابعة العمل عليها

للتعليق والمشاركة بالندوة الخاصة حول أدب الخيال

متمنيا دوام العطاء والنجاح

يحيى الصوفي جنيف في 20/12/2006 syrianstory@yahoo.frللأعلى

آخر التعليقات / 40 / 39 / 38 / 37 / 36 / 35 / 34 / 33 / 32 / 31

لإضافة تعليق   / 30 / 29 / 28 / 27 / 2625 / 24 / 23 / 22 / 21 / 20 / 19 / 18 / 17 / 16 / 15 / 14 / 13 / 12 / 11 / 10 / 9 / 8 / 7 / 65 / 4 / 3 / 2 / 1

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية