|
مِـنْ أَيِّ عَهـدٍ فـي القُـرَى تتَـدَفَّقُ?
|
وبــأَيِّ كَـفٍّ فـي المـدائن تُغْـدِقُ? |
|
ومـن السـماءِ نـزلتَ أَم فُجِّـرتَ من |
علْيــا الجِنــان جَـداوِلاً تـتَرقرقُ? |
|
وبــأَيِّ عَيْــنٍ, أَم بأَيَّــة مُزْنَــةٍ
|
أَم أَيِّ طُوفــانٍ تفيــض وتَفْهَــقُ? |
|
وبــأَىِّ نَــوْلٍ أَنـتَ ناسـجُ بُـرْدَةٍ |
للضفَّتيْـــن, جَديدُهــا لا يَخــلَقُ? |
|
تَسْـــوَدُّ دِيباجًـــا إِذا فارقتهـــا |
فـإِذا حـضرتَ اخْـضَوْضَرَ الإِسْتَبْرَقُ |
|
فــي كــلِّ آونــةٍ تُبـدِّل صِبغـةً |
عجبًــا, وأَنــت الصـابغُ المُتَـأَنِّقُ |
|
أَتَـت الدهـورُ عليـكَ, مَهْـدُكَ مُـتْرَعٌ |
وحِيــاضُكَ الشُّــرق الشـهيَّةُ دُفَّـقُ |
|
تَسْــقِي وتُطْعِـمُ, لا إِنـاؤكَ ضـائِقٌ |
بـــالواردين, ولا خــوانُك يَنفُــقُ |
|
والمــاءُ تَسْــكُبُه فيُسْـبَكُ عَسْـجَدًا |
والأَرضُ تُغْرِقهــا فيحيــا المُغْـرَقُ |
|
تُعيــي مَنـابِعُك العقـولَ, ويسـتوي |
مُتخــبِّطٌ فــي علمِهــا ومُحــقِّقُ |
|
أَخـلَقْتَ راووقَ الدهـورِ, ولـم تـزل |
بــكَ حَمْــأَةٌ كالمسـك, لا تَـتروَّقُ |
|
حــمراءُ فـي الأَحـواض, إِلاّ أَنهـا |
بيضــاءُ فـي عُنُـق الـثرى تَتـأَلَّقُ |
|
دِيــنُ الأَوائِـل فيـك دِيـنُ مُـروءَةٍ |
لِـمَ لا يُؤَلَّـه مَـنْ يَقُـوتُ ويَـرزُقُ?
|
|
لــو أَن مخلوقًــا يُؤَلَّـه لـم تكـن |
لِســواكَ مَرْتبــةُ الأُلوهَــةِ تَخْـلُقُ |
|
جـعلوا الهـوى لـك والوَقـارَ عبـادةً |
إِنَّ العبـــادةَ خَشـــيةٌ وتَعلُّـــقُ |
|
دانــوا ببحــرٍ بالمكــارِم زاخـرٍ |
عَــذْبِ المشــارعِ, مَـدُّهُ لا يُلْحَـقُ |
|
مُتقيِّــــد بعهـــودِه ووُعـــودِه |
يَجـري عـلى سَـنَنِ الوفـاءِ ويَصدُقُ |
|
يَتقبَّــلُ الــوادي الحيــاةَ كريمـةً |
مــن راحَــتَيْكَ عَمِيمــةً تتــدفَّقُ |
|
متقلِّــب الجــنبيْن فــي نَعْمائِــهِ |
يَعْـرَى ويُصْبَـغُ فـي نَـداك فيُـورِقُ |
|
فيبيــتُ خِصْبًـا فـي ثَـراه ونِعْمـة |
ويعُمُّــه مــاءُ الحيــاةِ الموسِـقُ |
|
وإِليـك - بَعْـدَ اللـهِ - يَرجِـع تحتـه |
مـا جَـفَّ, أَو مـا مـات, أَو ما يَنْفُقُ |
|
أَيـن الفراعنـةُ الأُلـى اسـتذرى بهـم |
(عيسى), و(يوسف), و(الكَلِيمُ) المصْعَقُ? |
|
المُــورِدونَ النــاسَ مَنْهَـلَ حكمـةٍ |
أَفْضَــى إِليــه الأَنبيــاءُ ليَسـتقوا |
|
الرافعــون إِلــى الضحـى آبـاءَهم |
فالشـمسُ أَصلُهـمُ الـوَضِيءُ المُعْرِقُ |
|
وكأَنمــا بيــن البِــلى وقبــورِهم |
عهــدٌ عـلى أَنْ لا مِسـاسَ, ومَـوْثِقُ |
|
فحجـابُهم تحـت الـثرى مـن هَيْبَـةٍ |
كحجــابهم فـوق الـثرى لا يُخـرَقُ |
|
بلغــوا الحقيقـةَ مِـنْ حيـاة علمُهـا |
حُجُــبٌ مُكَثَّفَــةٌ, وسِــرٌّ مُغلَــقُ |
|
وتبيَّنـوا معنـى الوجـودِ, فلـم يَـرَوْا |
دونَ الخـــلودِ ســـعادةً تَتحــقَّقُ |
|
يَبنــون للدنيــا كمــا تَبنِـي لهـم |
خِرَبًــا, غـرابُ البَيْـن فيهـا يَنْعَـقُ |
|
فقصــورُهم; كُــوخٌ, وبيـتُ بَـداوةٍ |
وقبــورُهم; صـرْحٌ أَشَـمُّ, وجَوْسَـقُ |
|
رفعــوا لهـا مِـنْ جَـنْدَلٍ وصفـائحٍ |
عَمَــدًا, فكــانت حائطًـا لا يُنْتَـقُ |
|
تتشــايعُ الــدَّاران فيـه: فمـا بـدا |
دُنْيـا, ومـا لـم يَبْـدُ أُخـرى تَصْدُقُ |
|
للمــوتِ سِــرٌّ تحتَــه, وجِــدارُه |
سُـورٌ عـلى السـرِّ الخـفيِّ, وخَـنْدَقُ |
|
وكــأَنَّ مــنزلهم بأَعمــاقِ الـثرى |
بيــن المحلَّــةِ والمحلَّــةِ" فُنْــدُقُ
|
|
مَوْفــورةٌ تحــت الـثرى أَزْوَادُهـم |
رَحْـب بهـم بيـن الكهـوف المُطْبِـقُ |
|
ولِمَـنْ هيـاكلُ قـد عـلا البـاني بها |
بيــن الثريَّــا والــثَّرى تتنَسَّـقُ? |
|
منهــا المشـيَّدُ كـالبروجِ, وبعضُهـا |
كــالطَّوْدِ مُضطَّجِــعٌ أَشَـمُّ مُنَطَّـقُ
|
|
جُــدُدٌ كــأَوّلِ عهدهــا, وحِيالَهـا |
تتقــادَمُ الأَرضُ الفضــاءُ وتَعْتُـقُ |
|
مِــنْ كـلِّ ثقْـلٍ كـاهلُ الدُّنيـا بـه |
تَعِـبٌ, ووَجْـهُ الأَرضِ عنـه ضَيِّـقُ |
|
عـال عـلى بـاع البِـلى, لا يَهتـدِي |
مــا يَعتــلِي منــه ومـا يَتسـلَّقُ |
|
مُتمكِّـنٌ كـالطودِ أَصـلاً فـي الـثرى |
والفـرعُ فـي حَـرمِ السـماءِ مُحـلِّقُ |
|
هــي مــن بنـاءِ الظلـمِ, إِلا أَنـه |
يَبيَـضُّ وجـهُ الظلـمِ منـه ويُشْـرِقُ |
|
لــم يُـرْهِق الأُمَـمَ الملـوكُ بمثلهـا |
فخــرًا لهــم يَبْقَـى وذكـرًا يَعْبَـقُ |
|
فُتِنَــتْ بشـطَّيْكَ العِبَـادُ, فلـم يـزل |
قـــاصٍ يَحُجُّهُمَــا, ودانٍ يَــرْمُقُ |
|
وتضــوَّعَتْ مِسْـكَ الدُّهـورِ, كأَنمـا |
فــي كــلِّ ناحيـة بَخـورٌ يُحْـرَقُ |
|
وتقـابلتْ فيهـا عـلى السُّـرُرِ الـدُّمَى |
مُسْـــتَرْدِيات الـــذلّ لا تَتَفَنَّــقُ |
|
عَطَلـتْ, وكـان مكـانُهنّ مـن العُلى |
(بِلْقِيسُ) تَقْبِسُ مــن حـلاهُ وتَسْـرقُ |
|
وعَـلا عليهـن الـترابُ, ولـم يكـن |
يَزْكُــو بِهـنّ سـوى العبـير ويَلبَـقُ |
|
حُجُراتُهــا مَوْطــوءَةٌ, وســتورُها |
مَهتوكــةٌ, بيــد البِــلى تَتخــرّقُ |
|
أَوْدَى بزينتهــا الزمــانُ وحَلْيهــا |
والحســنُ بــاقٍ والشـبابُ الـرَّيِّقُ |
|
لــو رُدَّ فِرعــونُ الغـداةَ; لراعـه |
أَنّ الغَـــرانيق العُــلَى لا تَنطــقُ |
|
خــلع الزمـانُ عـلى الـورى أَيامَـه |
فـإِذا الضُّحـى لـكَ حِصَّـةٌ والرَّوْنَقُ |
|
لــكَ مــن مواسـمِه ومـن أَعيـادِه |
مــا تَحْسِـرُ الأَبصـارُ فيـه وتَـبْرَقُ |
|
لا (الفرسُ) أُوتــوا مثَلـه يومًـا, ولا |
(بغدادُ) فـي ظـلِّ (الرشيد) و(جِـلَّق) |
|
فَتْــحُ الممـالك, أَو قيـامُ (العِجْلِ), أَو
|
يـومُ القبـور, أَو الزفـافُ المُـونِقُ? |
|
كــم مــوكبٍ تَتخَـايلُ الدنيـا بـه |
يُجْـلَى كمـا تُجْـلَى النجـومُ ويُنْسـقُ! |
|
(فرعونُ) فيــه مـن الكتـائبِ مُقبِـلٌ |
كالسُّـحْبِ, قَـرْنُ الشـمس منهـامُفتِقُ |
|
تَعْنــو لعزَّتِــه الوجــوه, ووجهـهُ |
للشـمسِ فـي الآفـاقِ عـانٍ مُطـرِقُ |
|
آبــتْ مــن السـفرِ البعيـدِ جـنودُه |
وأَتتْــه بــالفتحِ الســعيدِ الفَيْلَــقُ |
|
ومَشـى الملـوكُ مُصفَّـدِين, خـدودُهم |
نعــلٌ لفرعــونَ العظِيـم ونُمْـرُقُ |