أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 05/09/2022

من كتاب الأغاني

الكلام على أحد الأصوات الثلاثة

ذكر المائة الصوت المختارة

عن الكتاب

بطاقة تعريف الكاتب

ذكر العنابس والأعياص

مقتل عقبة بن أبي معيط

ثاني الثلاثة الأصوات

عمر بن أبي ربيعة

أم عمر وأخوه الحارث

 جوان بن عمر

 التي رواها جحظة

من المائة المختارة

 

 بطاقة تعريف الكاتب: أبو الفرج الأصفهاني

 

 

كتاب الأغاني موسوعة أدبية لا غنى عنها

بقلم: أحمد تمام

 

لم ينل كتاب في الأدب العربي شهرة كتاب "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، وهو منذ أن ظهر من ألف عام قل من لم يسمع به، أو يقرأ طرفا منه، أو يعتمد عليه في شيء مما يتصل بالتاريخ والحضارة. أنفق فيه مؤلفه نصف قرن من الزمان، حتى خرج على الصورة التي هو عليها الآن، وهو كتاب -كما وصفه الفقيه ابن العربي-: جليل القدر، كثير العلم، لم يؤلف مثله قط. وقد يختلف الناس حول ما حواه من أخبار وروايات، لكنهم لا يختلفون حول قيمته باعتباره المصدر الأول لمن يكتبون عن الأدب العربي في عصوره المتقدمة.

 

النشأة والتعليم

 

ينتهي نسب أبي الفرج الأصفهاني إلى مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية. ولد سنة (284هـ = 897م) ولا يعرف على وجه اليقين موضع ولادته، فقالوا إنه أصفهاني المولد استنادا إلى لقبه الذي عُرف به واشتهر، وقالوا إنه بغدادي المنشأ والمسكن، ولعل أجداده كانوا يعيشون في أصفهان بعد سقوط دولتهم، ثم نزح أحفادهم إلى بغداد وأقاموا بها.

وكان جده محمد بن أحمد الأصفهاني من كبار رجالات سامراء وعلى صلة متينة بوزرائها وأدبائها وكتابها، وكان أبوه الحسين بن محمد يقطن بغداد، ويحرص على طلب العلم والثقافة الشائعة في عصره، وكذلك كان عمه الحسن بن محمد من كبار الكتاب في عصر المتوكل. وروى عنه أبو الفرج كثيرا في كتابه الأغاني، وهو الذي تولى تربيته وتثقيفه.

أما نسب أبي الفرج من ناحية أمه فهو ينتسب إلى آل ثوابة المعروفين في عصرهم بالكتابة والأدب والشعر. وذكر ابن النديم عددا منهم في كتابه الفهرست.

وفي هذا الجو المُعبَّق بعطر العلم وأريج الثقافة نشأ أبو الفرج الأصفهاني وتعلم، ثم تطلعت همته إلى مصادر أخرى للمعرفة، فولّى وجهه شطر الكوفة في فترة مبكرة من حياته، وأخذ الحديث والتاريخ واللغة عن شيوخها الكبار من أمثال: مطين بن أيوب، والحسين بن الطيب الشجاعي، ومحمد بن الحسين الكندي مؤدبه في الكوفة… وغيرهم، ثم رجع إلى بغداد وبدأ حياة علمية جادة، وأظهر جلدا وشغفا بالعلم، واتصل بأعداد هائلة من شيوخ بغداد وعلمائها الذين كانت تمتلئ بهم مساجدها، وحسبك أن يكون من شيوخه: يحيى بن علي المنجّم، المتوفى سنة (300هـ = 912م) وكان أديبا ناقدا عالما بالغناء والموسيقى، وأبو عبد الله اليزيدي المتوفى سنة (310هـ = 922م) وكان إماما في النحو والأدب، ومحمد بن جرير الطبري الإمام المؤرخ المفسر الفقيه المتوفى سنة (310هـ = 922م) وعنه روى أبو فرج الأصفهاني معظم أخبار العرب القديمة ومغازي الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأشعارا لشعراء الدعوة الإسلامية.

ولازم أيضا عددا من كبار أئمة اللغة مثل: علي بن سليمان الأخفش، المتوفى سنة (315هـ = 927م) وأبي بكر الأنباري، المتوفى سنة (328هـ = 939م) وابن دريد العالم اللغوي الفذ، المتوفى سنة (321هـ = 933م) وأبي بكر الصولي، المتوفى سنة (335هـ = 946م) وصاحب كتابيْ: "الأوراق"، و"أدب الكاتب".

 

في موكب العلم والتدريس

 

وبعد هذا التحصيل العلمي الجاد والإصرار على الدرس جلس للتدريس في نحو سنة (313هـ = 925م)، وكان قد انتهى من كتابة أول مؤلفاته "مقاتل الطالبيين" فجلس لإملائه على تلاميذه الذين اتصلوا به ولازموه، بعد أن ذاعت شهرته، وقصد حلقاته عدد كبير من المحدثين والأدباء والشعراء. ومن تلاميذه المعروفين الإمام الدارقطني، وأبو زكريا يحيى بن مالك الأندلسي، وعلي بن دينار، ومحمد بن أحمد المغربي راوية المتنبي، وأبو علي الحسن بن علي بن محمد التنوخي.

واتصل أبو الفرج بالحسن بن محمد المهلبي وزير معز الدولة البويهي، وكانت له به صلة قبل أن يتولى الوزارة، فلازمه 13 سنة حتى توفي المهلبي في سنة (352هـ = 963م)، وكان الوزير يوالي أبا الفرج بصلاته، ويقربه إليه، ويجعله من ندمائه المقربين، وكان للوزير مجلس مشهور يؤمه كبار الشعراء والكتاب من أمثال أبي القاسم التنوخي، وأبي إسحاق الصابئ، وأبي العلاء صاعد خليفة، والشاعر الكبير أبي الطيب المتنبي. وكان أبو الفرج رأس هذا المجلس، ونديم صاحبه، كثير المدح له، وكان من ثمرات هذه العلاقة آثار كثيرة في مؤلفات أبي الفرج وأشعاره.

وتذكر المصادر التاريخية أن لأبي فرج صلات بملوك الأندلس من بني أمية، يؤلف لهم الكتب ويرسلها لهم فيصلونه بجوائز كبيرة. وأما صلته بسيف الدولة فليس في أخباره ما يوضح حقيقتها، ويلقي الضوء عليها سوى أنه أهداه كتاب الأغاني فأعطاه عليه ألف دينار.

 

شخصيته

 

رسمت كتب المعاصرين له صورة ذات ألوان قاتمة وظلال شاحبة فهو لا يعتني بمظهره، يبدو دائما متسخ الثياب، قذرا في شكله وفعله، بعيدا عن مظاهر السلوك الحميد والتصرف الأنيق الذي يتصف به دائما من ينادم الملوك والأمراء.

وأيا ما كان الرأي حول هذه الصفات ومدى مبالغتها في رسم هذه الصورة السيئة، فإن هناك إجماعا من المؤرخين على سعة علمه، وكثرة محفوظه، وجودة شعره، وكثرة تأليفه، وأضافوا إلى ذلك أنه كانت له رحمة وألفة بصنوف الحيوان، يأنس بصحبتها، ويعالجها إذا أصابتها العلة، ويأسى لموتها، وقد أُثرت عنه أبيات رقيقة في رثاء ديك له مات، جاء فيها:

 

أبكي إذا أبصرت ربعك موحشـا   بتحنن وتأسف وشهـــيق

 

ويزيدني جزعا لفقدك صــادح     في منزل دان إليَّ لصـيق

 

فتأسفي أبدا عليك مواصـــل     بسواد ليل أو بياض شروق

 

ألف أبو الفرج الأصفهاني أكثر من 30 كتابا، لم تسلم كلها من عوادي الزمن، ووصل إلينا منها: "الإماء الشواعر"، و"مقاتل الطالبيين" وتناول فيه سيرة أكثر من 200 من قتلى الطالبيين وشهدائهم منذ زمن الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى الوقت الذي انتهى فيه من تأليفه سنة (313هـ = 925م)، وكانت شخصية علي بن أبي طالب هي أهم شخصية تناولها بالترجمة، فأفرد لها صفحات كثيرة، ثم تتابعت شخصيات العلويين لتشمل الحسن والحسين ابني علي بن أبي طالب وغيرهما من آل البيت.

 

كتاب الأغاني

 

غير أن أهم كتبه هو "الأغاني" الذي نال شهرة واسعة وصِيتا ذائعا لم ينله كتاب في الأدب العربي منذ أن ظهر للناس في القرن الرابع الهجري حتى يومنا هذا، ووصفه ابن خلدون بأنه "ديوان العرب، وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل فن…".

ويذكر لنا أبو الفرج الباعث على تأليف كتابه في مقدمته، فيقول: "والذي بعثني على تأليفه أن رئيسا من رؤسائنا كلفني جمعه له، وعرفني أنه بلغه أن الكتاب المنسوب إلى إسحاق الموصلي في الغناء مدفوع أن يكون من تأليفه، وهو مع ذلك قليل الفائدة، وأنه شاك في صحته…" وموضوع الكتاب هو الغناء، ألفه ليكون بديلا عن الكتاب المنسوب إلى إسحاق الموصلي، ولذلك صدَّر كتابه بذكر "المائة صوت المختارة للرشيد الذي أمر إبراهيم الموصلي، وإسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء باختيارها له من الغناء، ثم رفعت إلى الواثق بالله ، فأمر إسحاق بن إبراهيم أن يختار له منها ما رأى أنه أفضل مما كان اختير متقدما…".

وكان أبو الفرج يبدأ بذكر الصوت الذي اختاره والشعر المتعلق به، ثم يستطرد إلى ذكر أشعار أخرى قيلت في المعنى نفسه، وتغني بها، ثم يتناول المناسبة التي قيلت فيها هذه الأشعار، وقد تكون المناسبة اجتماعية أو سياسية فيبين ذلك، وهو في أثناء ذلك يتعرض لذكر الإنسان وأخبار القبائل، وقصص وأشعار وملح، فيقف القارئ على ألوان مختلفة من الحياة، وعادات متفرقة في بيئات مختلفة، وطرائق الحياة في البادية والقصور من لهو وتسلية فراغ.

ولم يلتزم أبو الفرج في اختيار الأصوات التي ذكرها بالترتيب الزمني للشعراء والمغنين، وإنما رتبها حسب الأصوات المائة التي اختارها المغنون الثلاثة للرشيد، وقد حوى كتاب الأغاني تراجم لزهاء 300 شاعر وقرابة 60 من المغنيين والمغنيات.

ومعظم من ترجم لهم كانوا من شعراء الجاهلية والإسلام، ولم يلتزم في أخبارهم ترتيبا تاريخيا، وإنما ينثر ما انتهى إليه من أخبار الشاعر حينما اتفق. واتبع طريقة المحدّثين في إسناد كل خبر إلى رواته.

وقد أنفق أبو الفرج في تأليف كتابه 50 سنة، واعتمد في كتابته على مصادر متعددة بعضها شفوية استمدها من أفواه الرواة والأدباء والمجالس الأدبية التي كان يحرص على حضورها، وبعضها أخذها من الكتب التي تعنى بالشعر والغناء، وهو إن أغفل ذكر اسم الكتاب لا يهمل اسم المؤلف لأهمية ذلك في الثقة بالخبر وتقويمه.

وعلى الرغم من أهمية الكتاب التي لا يختلف عليها الباحثون في التاريخ والحضارة، فقد وجه للكتاب عدد من المآخذ، وإن كانت لا تقلل من شأن الكتاب، لكنها تبصر القارئ بأن الكتاب ليس مصدرا للتاريخ يُعتمد عليه وحده، وأنه يصور جانبا من حياة بعض الناس لا حياة الأمة كلها، ومن تلك المآخذ أنه ركز على تصوير الحياة اللاهية في المجتمع البغدادي، وأبرز الجوانب الضعيفة في حياة بعض أفراده من خلفاء وقادة وشعراء، واختزل حياتهم في جانب المجون والخلاعة، وأغفل ما كان منها جادًّا ورزينا، حتى يكاد القارئ يتصور أن بغداد -مدينة العلم وكعبة الثقافة- كانت مركزا للمجَّان والخلعاء لا مركزا للثقافة الجادة وحلقات العلم التي كانت تمتلئ بها مساجدها.

 

مختصرات الأغاني

 

نظرا لضخامة كتاب الأغاني وأهميته في الوقت نفسه فقد عمد كثير من العلماء لاختصاره بمناهج مختلفة ليسهل تداوله ويعم الانتفاع به، ومن أشهر تلك المختصرات:

- "تجريد الأغاني من المثالث والمثاني" لـ"جمال الدين محمد بن سالم" المعروف بابن واصل الحموي المتوفى سنة (697هـ = 1297م) جرَّد الكتاب من الأسانيد والأصوات، وكل ما يتصل بفن الغناء، واقتصر على الأخبار والتراجم الأدبية. وقد نُشر الكتاب بالقاهرة سنة (1374هـ = 1955م) بتحقيق طه حسين وإبراهيم الإبياري.

- "مختار الأغاني في الأخبار والتهاني" لـ"ابن منظور المصري" صاحب لسان العرب، والمتوفى سنة (711هـ = 1311م) ورتبه على حروف الهجاء، وأضاف إليه ترجمة واسعة لأبي نواس، التي أغفلها أبو الفرج في كتابه، ونشر الكتاب محققا في القاهرة في 8 أجزاء سنة (1385هـ = 1966م).

وفي العصر الحديث صنع المؤرخ المعروف "محمد الخضري" المتوفى سنة 1345هـ = 1927م) مختصرا للأغاني، سماه تهذيب الأغاني،حذف منه الأسانيد وما فيه فحش من الأشعار والأخبار، وجعله في قسمين: الأول للشعراء، والثاني للمغنين، ورتب الشعراء حسب العصور ونشره في 7 أجزاء سنة (1343هـ = 1925م). كما قام الدكتور إحسان النص بعمل "اختيارات من كتاب الأغاني"  ونشر كتابه في 6 أجزاء، وفصل فيه بين الشعراء والمغنين، ورتبهم حسب العصور.

وقد طبع كتاب الأغاني طبعات متعددة، فطبع كاملا لأول مرة بمطبعة بولاق بالقاهرة سنة (1305هـ = 1868م)، ثم توالت طبعاته بعد ذلك، حتى قامت دار الكتب المصرية بطبعة محققا على أسس علمية، فصدر الجزء الأول سنة (1343هـ = 1925م)، وكان ذلك استجابة لرغبة أحد الوجهاء المثقفين المصريين، فقد رغَّب الدار أن تطبع الكتاب على نفقته، ثم توالت أجزاء الكتاب حتى بلغت 24 مجلدا، وهي تعد أوفى الطبعات وأكملها تحقيقا.

 

وفاته

 

وبعد حياة عريضة من العمل والتأليف، وذيوع الشهرة والصيت بسبب كتابه الأغاني، توفي أبو الفرج الأصفهاني في بغداد (14 من ذي الحجة 356هـ = 20 من نوفمبر 967م).

من مصادر الدراسة:

أبو الفرج الأصفهاني: كتاب الأغاني - تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم وآخرين - الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر - القاهرة - 1390هـ = 1970م.

الطاهر أحمد مكي: دراسة في مصادر الأدب - دار المعارف - القاهرة - 1977م.

محمد عبد الجواد الأصمعي: الأصفهاني وكتابه الأغاني - دار المعارف - القاهرة - 1950م.

محمد أحمد خلف الله: صاحب الأغاني أبو الفرج الأصفهاني في الرواية - مكتبة نهضة مصر - القاهرة - 1953م.

محمد خير الشيخ موسى: أبو الفرج الأصفهاني أديب مشهور مغمور - عالم الفكر - الكويت - السنة الخامسة - العدد الأول - 1984م.  

 

 عن الكتاب


أشهر دواوين الأدب العربي وأضخمها، وأجلها وأقدمها. ضربت في جودة تأليفه الأمثال. قال صاحب كشف الظنون: (كتاب لم يؤلف مثله اتفاقاً). طبع لأول مرة ببولاق في القاهرة سنة (1285هـ) في (20) جزءاً، ثم أكمله (رودولف برونو) بطبعه الجزء (21) في ليدن بهولندا سنة 1306هـ 1888م. ووضع له المستشرق الإيطالي غويدي فهرساً أبجدياً مطولاً بالفرنسية سنة 1895م يعرف ب(جداول الأغاني الكبير). وموضوعه الحديث عن الشعر العربي الذي غناه المغنون، منذ بدء الغناء العربي وحتى عصره، مع نسبة كل شعر إلى صاحبه، وذكر نبذ من طرائف أخباره، وتسمية واضع اللحن، وطرق الإيقاع، والأصبع الذي ينسب إليه، ولون الطريقة، ونوع الصوت، وكل ما يتصل بذلك، ثم ميز مائة صوت كانت قد جمعت لهارون الرشيد وعرفت بالمائة المختارة، وافتتح كتابه بالكلام عنها وعن ثلاث أغان اختيرت من المائة. وذكر من سبقه إلى التأليف في الأغاني، كيحيى المكي وإسحق الموصلي ودنانير وبذل. وترجم فيه ل(426) علماً من أعلام الشعر والغناء، أتى الحمودي وسلوم على ترتيبها وتنسيقها في كتابهما: (شخصيات كتاب الأغاني). وجمع د. حسن محسن الألفاظ التي فسرها أبو الفرج في كتاب: (معجم الألفاظ المفسرة في كتاب الأغاني). قال ابن خلدون: (وكتاب الأغاني ديوان العرب، وجامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم في كل من فنون الشعر والتاريخ والغناء وسائر الأحوال، ولا يعول به على كتاب في ذلك فيما نعلمه، فهو الغاية التي يسمو إليها الأديب ويقف عندها، وأنى له بها). ونبه السيد أحمد صقر في مقدمة نشرته ل(مقاتل الطالبيين) إلى أن (الأغاني) لم يطبع كاملاً، بل سقطت من طبعته تراجم برمتها مثل ترجمة صريع الغواني وهي (34) صفحة، نقلها ناشر ديوانه عن الأغاني. (ليدن 1875م). ومما ألف فيه: (دراسة كتاب الأغاني) د. داود سلو، تضمن معلومات مهمة حول اختلاف نسخ الكتاب، كنسخة مكتبة غوتة بألمانيا، وفيها ترجمة لأبي نواس، خلافاً للنسخ المطبوعة. ولابن منظور صاحب اللسان كتاب " مختار الأغاني في الأخبار والتهاني" اختصر به كتاب " الأغاني" وقد طبع هذا المختصر في ثمانية أجزاء ، وفي الجزء الثالث منه ترجمة موسعة لأبي نواس ، تضمنت أخباراً وأشعاراً لأبي نواس ، لا تجدهما في الأصل، وذلك أن لابن منظور كتاباً مفرداً لأخبار أبي نواس ، وهو مطبوع . وانظر (دراسة الأغاني) للمرحوم شفيق جبري. و(صاحب الأغاني) د. خلف الله. و(السيف اليماني في نحر الأصفهاني) لوليد الأعظمي. و(مواطن الخلل والاضطراب في كتاب الأغاني) محمد خير شيخ موسى (التراث العربي س9 ع34 ص47). وانظر في مجلة العرب (السنة3 ص702 والسنة 4 ص64) بحثاً للأستاذ علي العُمير حول كلمة النوبختي: (كان أبو الفرج من أكذب الناس، وكان يدخل سوق الوراقيين وهي عامرة، والدكاكين مملوءة بالكتب، فيشتري شيئاً كثيراً من الصحف، ويحملها إلى بيته، ثم تكون رواياته كلها منها
).

 

 فصول من الكتاب

الجزء الأول


ذكر المائة الصوت المختارة


إجماع المغنين على اختيار الأصوات الثلاثة الشاملة لجميع نغم الغناء أخبرنا أبو أحمد يحيى بن علي بن يحيى المنجم قال حدثني أبي قال: حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي أن أباه أخبره أن الرشيد - رحمة الله عليه - أمر المغنين، وهم يومئذ متوافرون، أن يختاروا له ثلاثة أصوات من جميع الغناء، فأجمعوا على ثلاثة أصوات أنا أذكرها بعد هذا إن شاء الله.
قال إسحاق: فجرى هذا الحديث يوماً وأنا عند أمير المؤمنين الواثق بالله، فأمرني باختيار أصوات من الغناء القديم، فاخترت له من غناء أهل كل عصر ما اجتمع علماؤهم على براعته وإحكام صنعته، ونسبته إلى من شدا به، ثم نظرت إلى ما أحدث الناس بعد ممن شاهدناه في عصرنا وقبيل ذلك، فاجتبيت منه ما كان مشبهاً لما تقدم أو سالكاً طريقه، فذكرته ولم أبخسه ما يجب له وإن كان قريب العهد؛ لأن الناس قد يتنازعون الصوت في كل حين وزمان، وإن كان السبق للقدماء إلى كل إحسان.
وأخبرني أحمد بن جعفرٍ جحظة قال حدثني هارون بن الحسن بن سهل وأبو العبيس بن حمدون وابن دقاق وهو محمد بن أحمد بن يحيى المعروف بابن دقاق بهذا الخبر، فزعم: أن الرشيد أمر هؤلاء المغنين أن يختاروا له مائة صوت فاختاروها، ثم أمرهم باختيار عشرة منها فاختاروها، ثم أمرهم أن يختاروا منها ثلاثة ففعلوا. وذكر نحو ما ذكره يحيى بن علي، ووافقه في صوت من الثلاثة الأصوات، وخالفه في صوتين. وذكر يحيى بن علي بإسناده المذكور أن منها لحن معبد في شعر أبي قطيفة وهو من خفيف الثقيل الأول:

 القصر فالنخل فالجماء بينـهـمـا                 أشهى إلى القلب من أبواب جيرون


ولحن ابن سريج في شعر عمر بن أبي ربيعة، ولحنه من الثقيل الثاني: تشكى الكميت الجري لما جهدته وبين لو يسطيع أن يتكـلـمـا
ولحن ابن محرزٍ في شعر نصيب، وهو من الثقيل الثاني أيضاً: أهاج هواك المنزل المتقادم؟ نعم، وبه ممن شجاك معالم
وذكر جحظة عمن روى عنه أن من الثلاثة الأصوات لحن ابن محرز في شعر المجنون، وهو من الثقيل الثاني:

 إذا ما طواك الدهر يا أم مالك                 فشأن المنايا القاضيات وشانيا

 
ولحن إبراهيم الموصلي في شعر العرجي، وهو من خفيف الثقيل الثاني:

 إلى جيداء قد بعثـوا رسـولا                ليحزنها، فلا صحب الرسول


ولحن ابن محرز في شعر نصيب، وهو على ما ذكر هزج:

أهاج هواك المنزل المتقادم؟                  نعم، وبه ممن شجاك معالم


وحكى عن أصحابه أن هذه الثلاثة الأصوات على هذه الطرائق لا تبقى نغمةٌ في الغناء إلا وهي فيها.
رواية أن المغنين أجمعوا على صوت واحد من هذه الثلاثة وتفنيد أبي الفرج لهذه الرواية أخبرني الحسن بن علي الأدمي قال حدثنا محمد بن القاسم بن مهروية قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد الوراق قال حدثني أبو توبة صالح بن محمد قال حدثني محمد بن جبر المغني قال حدثني إبراهيم بن المهدي: أن الرشيد أمر المغنين أن يختاروا له أحسن صوت غني فيه، فاختاروا له لحن ابن محرز في شعر نصيب:

أهاج هواك المنزل المتقادم؟


قال: وفيه دور كثير، أي صنعة كثيرة. والذي ذكره أبو أحمد يحيى بن علي أصح عندي. ويدل على ذلك تباين ما بين الأصوات التي ذكرها والأصوات الأخر في جودة الصنعة وإتقانها وإحكام مباديها ومقاطعها وما فيها من العمل، وأن الأخرى ليست مثلها ولا قريبةً منها. وأخرى هي أن جحظة حكى عمن روى عنه أن فيها صوتاً لإبراهيم الموصلي، وهو أحد من كان اختار هذه الأصوات للرشيد، وكان معه في اختيارها إسماعيل بن جامع وفليح بن العوراء، وليس أحد منهما دونه إن لم يفقه، فكيف يمكن أن يقال: إنهما ساعدا إبراهيم على اختيار لحنٍ من صنعته في ثلاثة أصوات اختيرت من سائر الأغاني وفضلت عليها! ألم يكونا لو فعلا ذلك قد حكما لإبراهيم على أنفسهما بالتقدم والحذق والرياسة وليس هو كذلك عندهما؟ ولقد أخبرنا يحيى بن علي بن يحيى المنجم عن حماد بن إسحاق عن أبيه:
أنه أتى أباه إبراهيم بن ميمون يوماً مسلماً، فقال له أبوه: يا بني، ما أعلم أحداً بلغ من بر ولده ما بلغته من برك، وإني لأستقل ذلك لك، فهل من حاجةٍ أصير فيها إلى محبتك؟ قلت: قد كان - جعلت فداك - كل ما ذكرت فأطال الله لي بقاءك، ولكني أسالك واحدةً: يموت هذا الشيخ غداً أو بعد غد ولم أسمعه، فيقول الناس لي ماذا وأنا أحل منك هذا المحل. قال لي: ومن هو؟ قلت: ابن جامع. قال: صدقت يا بني، أسرجوا لنا. فجئنا ابن جامع، فدخل علينا أبي وأنا معه، فقال: يا أبا القاسم، قد جئتك في حاجة، فإن شئت فاشتمني، وإن شئت فاقذفني، غير أنه لا بد لك من قضائها. هذا عبدك وابن أخيك إسحاق قال لي كذا وكذا، فركبت معه أسالك أن تسعفه فيما سأل. فقال: نعم، على شريطةٍ: تقيمان عندي أطعمكما مشوشةً وقلية وأسقيكما من نبيذي التمري وأغنيكما، فإن جاءنا رسول الخليفة مضينا إليه وإلا أقمنا يومنا. فقال أبي: السمع والطاعة، وأمر بالدواب فردت. فجاءنا ابن جامع بالمشوشة والقلية ونبيذه التمري فأكلنا وشربنا، ثم اندفع فغنانا، فنظرت إلى أبي يقل في عيني ويعظم ابن جامع حتى صار أبي في عيني كلا شيء. فلما طربنا غاية الطرب جاء رسول الخليفة فركبا وركبت معهما. فلما كنا في بعض الطريق قال لي أبي: كيف رأيت ابن جامع يا بني؟ قلت له: أو تعفيني جعلت فداك! قال: لست أعفيك فقل. فقلت له: رأيتك ولا شيء أكبر عندي منك قد صغرت عندي في الغناء معه حتى صرت كلا شيء. ثم مضيا إلى الرشيد، وانصرفت إلى منزلي؛ وذلك لأني لم أكن بعد وصلت إلى الرشيد. فلما أصبحت أرسل إلي أبي فقال: يا بني، هذا الشتاء قد هجم عليك وأنت تحتاج فيه إلى مؤنة وإذا مالٌ عظيمٌ بين يديه، فاصرف هذا المال في حوائجك. فقمت فقبلت يده ورأسه وأمرت بحمل المال واتبعته، فصوت بي: يا إسحاق ارجع، فرجعت. فقال لي: أتدري لم وهبت لك هذا المال؟ قلت: نعم، جعلت فداك! قال: لم؟ قلت: لصدقي فيك وفي ابن جامع. قال: صدقت يا بني، امض راشداً. ولهما في هذا الجنس أخبار كثيرة تأتي في غير هذا الموضع متفرقةً في أماكن تحسن فيها ولا يستغني بما ذكرها هنا عنها. فإبراهيم يحل ابن جامع هذا المحل مع ما كان بينهما من المنافسة والمفاخرة ثم يقدم على أن يختار فيما هو معه فيه صوتاً لنفسه يكون مقدماً على سائر الغناء، ويطابقه هو وفليح عليه! هذا خطأ لا يتخيل. وعلى ما به فإنا نذكر الصوتين اللذين رويناهما عن جحظة المخالفين لرواية يحيى بن علي، بعد ذكرنا ما رواه يحيى، ثم نتبعهما باقي الاختيار. فأول ذلك من رواية أبي الحسن علي بن يحيى.

 


الكلام على أحد هذه الأصوات الثلاثة


صوت فيه لحنان

 القصر فالنخل فالجماء بينـهـمـا             أشهى إلى القلب من أبواب جيرون
إلى البلاط فما حـازت قـرائنـه            دورٌ نزحن عن الفحشاء والهـون
قد يكتم الناس أسراراً فأعلـمـهـا           ولا ينالون حتى الموت مكنـونـي


 

عروضه من أول البسيط. القصر الذي عناه هاهنا: قصر سعيد بن العاص بالعرصة. والنخل الذي عناه: نخل كان لسعيد هناك بين قصره وبين الجماء وهي أرض كانت له، فصار جميع ذلك لمعاوية بن أبي سفيان بعد وفاة سعيد، ابتاعه من ابنه عمرو باحتمال دينه عنه؛ ولذلك خبرٌ يذكر بعد. وأبواب جيرون بدمشق. ويروى: "حاذت قرائنه" من المحاذاة. والقرائن: دور كانت لبني سعيد بن العاص متلاصقة؛ سميت بذلك لاقترانها. ونزحن: بعدن، والنازح: البعيد؛ يقال: نزح نزوحاً. والهون: الهوان. قال الراجز: لم يبتذل مثل كريمٍ مكـنـون أبيض ماضٍ كالسنان المسنون

كان يوقى نفسه من الهـون

والمكنون: المستور الخفي، وهو مأخوذ من الكن. الشعر لأبي قطيفة المعيطي، والغناء لمعبد، وله فيه لحنان: أحدهما خفيف ثقيلٍ أول بالوسطى في مجراها من رواية إسحاق وهو اللحن المختار، والآخر ثقيلٌ أول بالوسطى على مذهب إسحاق من رواية عمرو بن بانة.

 

خبر أبي قطيفة

 

نسبه

هو عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط. واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب. هذا الذي عليه النسابون.

وذكر الهيثم بن عدي في "كتاب المثالب" أن أبا عمرو بن أمية كان عبداً لأمية اسمه ذكوان فاستلحقه. وذكر أن دغفلاً النسابة دخل على معاوية فقال له: من رأيت من علية قريش؟ فقال: رأيت عبد المطلب بن هاشم وأمية بن عبد شمس. فقال: صفهما لي. فقال: كان عبد المطلب أبيض مديد القامة حسن الوجه، في جبينه نور النبوة وعز الملك، يطيف به عشرة من بنيه كأنهم أسد غاب. قال: فصف أمية. قال: رأيته شيخاً قصيراً نحيف الجسم ضريراً يقوده عبده ذكوان. فقال: مه، ذاك ابنه أبو عمرو. فقال: هذا شيء قلتموه بعد وأحدثتموه، وأما الذي عرفت فهو الذي أخبرتك به. ثم نعود إلى سياقة النسب من لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. والنضر عند أكثر النسابين أصل قريش، فمن ولده النضر عد منهم، ومن لم يلده فليس منهم. وقال بعض نسابي قريش: بل فهر بن مالك "أصل" قريش، فمن لم يلده فليس من قريش. ثم نعود للنسب إلى النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار. وولد إلياس يقال لهم خندف، سموا بأمهم خندف وهو لقبها، واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، وهي أم مدركة وطابخة وقمعة بني إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن أدد بن الهميسع بن يشجب - وقيل: أشجب - بن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم، هذا النسب الذي رواه نسابو العرب وروي عن ابن شهاب الزهري وهو من علماء قريش وفقهائها.

وقام قوم آخرون من النسابين ممن أخذ - فيما يزعم - عن دغفل وغيره: معد بن عدنان بن أدد بن آمين بن شاجيب بن نبت بن ثعلبة بن عنز بن سرائج بن ملحم بن العوام بن المحتمل بن رائمة بن العقيان بن علة ابن شحدود بن الضرب بن عيفر بن إبراهيم بن إسماعيل بن رزين بن أعوج بن المطعم بن الطمح بن القسور بن عتود بن دعدع بن محمود بن الرائد بن بدوان بن أمامة بن دوس بن حصين بن النزال بن الغمير بن محشر بن معذر بن صيفي بن نبت بن قيدار بن إسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله صلى الله عليهما وعلى أنبيائه أجمعين وسلم تسليماً. ثم أجمعوا أن إبراهيم بن آزر وهو اسمه بالعربية كما ذكره الله تعالى في كتابه، وهو في التوراة بالعبرانية تارح بن ناحور، وقيل: الناحر بن الشارع وهو شاروع بن أرغو وهو الرامح بن فالغ - وهو قاسم الأرض الذي قسمها بين أهلها - بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ وهو الرافد بن سام بن نوح صلى الله عليه وسلم ابن لامك وهو في لغة العرب ملكان ابن المتوشلخ وهو المنوف بن أخنخ وهو إدريس نبي الله عليه السلام بن يارد وهو الرائد بن مهلايل بن قينان وهو قنان بن أنوش وهو الطاهر بن شيثٍ وهو هبة الله. يقال له أيضاً شاث بن آدم أبي البشر صلى الله عليه وعلى سائر الأنبياء وعلى نبينا محمد خاصة وسلم تسليماً. هذا الذي في أيدي الناس من النسب على اختلافهم فيه.

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم تكذيبٌ للنسابين ودفعٌ لهم. وروي أيضاً خلافٌ لأسماء بعض الأباء. وقد شرحت ذلك في "كتاب النسب" شرحاً يستغنى به عن غيره.

 

 

ذكر العنابس والأعياص

من بني أمية وأن أبا قطيفة من الأولين

 

وأبو قطيفة وأهله من العنابس من بني أمية. وكان لأمية من الولد أحد عشر ذكراً، كل واحد منهم يكنى باسم صاحبه، وهم العاص وأبو العاص، والعيص وأبو العيص، وعمرو وأبو عمرو، وحرب وأبو حرب، وسفيان وأبو سفيان، والعويص لا كنى له. فمنهم الأعياص فيما أخبرنا حرمي بن أبي العلاء - واسمه أحمد بن محمد بن إسحاق، والطوسي - واسمه أحمد بن سليمان - قالا: حدثنا الزبير بن بكار عن محمد بن الضحاك الحزامي عن أبيه قال: الأعياص: العاص وأبو العاص والعيص وأبو العيص والعُويص. ومنهم العنابس وهم حرب وأبو حرب وسفيان وأبو سفيان وعمرو وأبو عمرو. وإنما سموا العنابس لأنهم ثبتوا مع أخيهم حرب بن أمية بعكاظ وعقلوا أنفسهم وقاتلوا قتالاً شديداً فشبهوا بالأسد، والأسد يقال لها العنابس، واحدها عنبسة. وفي الأعياص يقول عبد الله بن فضالة الأسدي: من الأعياص أو من آل حرب  أغر كغرة الفرس الـجـواد

والسبب في قوله هذا الشعر ما أخبرنا به أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال: حدثنا عمر بن شبة، وحدثنا محمد بن العباس اليزيدي قال: حدثنا أحمد بن الحارث الخراز، قال: حدثنا المدائني وابن غزالة، قالوا:   

أتى عبد الله بن فضالة بن شريك الوالبي ثم الأسدي من بني أسد بن خزيمة عبد الله بن الزبير، فقال له: نفدت نفقتي ونقبت راحلتي. قال: فأحضرها، فقال... أقبل بها، أدبر بها، ففعل. فقال: ارقعها بسبتٍ واخصفها بهلبٍ وأنجد بها يبرد خفها وسر البردين تصح. فقال ابن فضالة: إني أتيتك مستحملاً ولم آتك مستوصفاً، فلعن الله ناقةً حملتني إليك! قال ابن الزبير: إن وراكبها. فانصرف عنه ابن فضالة وقال: أقول لغلمتي شدوا ركـابـي  أجاوز بطن مكة في سـواد

 

فما لي حين أقطع ذات عرقٍ       إلى ابن الكاهلية من معـاد

سيبعد بيننا نص الـمـطـايا       وتعليق الأداوى والـمـزاد

وكل معبدٍ قـد أعـلـمـتـه       مناسمهن طلاع الـنـجـاد

أرى الحاجات عند أبي خبيبٍ       نكدن ولا أمـية بـالـبـلاد

من الأعياص أو من آل حرب       أغر كغرة الفرس الـجـواد

 

أبو خبيب: عبد الله بن الزبير، كان يكنى أبا بكر. وخبيب: ابن له هو أكبر ولده، ولم يكن يكنيه به إلا من ذمه، يجعله كاللقب له. قال: فقال ابن الزبير لما بلغه هذا الشعر: علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها وهي خير عماته. قال اليزيدي: "إن" ها هنا بمعنى نعم، كأنه إقرارٌ بما قال. ومثله قول ابن قيس الرقيات: ويقلن شيبٌ قـد عـلا  ك وقد كبرت فقلت إنه 

 

عود إلى نسب أبي قطيفة

 

وأم أبي معيطٍ آمنة بنت أبان بن كليب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، ولها يقول نابغة بني جعدة:

 

 وشاركنا قريشاً في تقاها       وفي أنسابها شرك العنان 

بما ولدت نساء بني هلالٍ       وما ولدت نساء بني أبان

 

وكانت آمنة هذه تحت أمية بن عب شمس، فولدت له العاص وأبا العاص وأبا العيص والعويص وصفية وتوبة وأروى بني أمية. فلما مات أمية تزوجها بعده ابنه أبو عمرو - وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، يتزوج الرجل امرأة ابيه بعده - فولدت له أبا معيطٍ، فكان بنو أمية من آمنة إخوة أبي معيط وعمومته، أخبرني بذلك كله الطوسي عن الزبير بن بكار.

قال الزبير: وحدثني عمي مصعب قال: زعموا أن ابنها أبا العاص زوجها أخاه أبا عمرو، وكان هذا نكاحاً تنكحه الجاهلية. فأنزل الله تعالى تحريمه، قال الله تعالى: "ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتاً وساء سبيلاً"، فسمي نكاح المقت.

 

 

 

مقتل عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث

 

وما قالته قتيلة بنت الحارث من الشعر ترثي أخاها وأسر عقبة بن أبي معيط في يوم بدر، فقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً. حدثنا بذلك محمد بن جرير الطبري قال حدثنا محمد بن حميد الرازي قال حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن إسحاق في خبر ذكره طويلٍ، وحدثني به أحمد بن محمد بن الجعد قال حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي قال حدثنا محمد بن فليح عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري، قالوا جميعاً.

قتله رسول الله صلى الله عليه وسلم صبراً. فقال له - وقد أمر بذلك فيه -: يا محمد، أأنا خاصةً من قريش؟ قال نعم. قال: فمن للصبية بعدي؟ قال: النار. فلذلك يسمى بنو أبي معيط صبية النار. واختلف في قاتله، فقيل: إن علي بن أبي طالب تولى قتله. وهذا من رواية بعض الكوفيين، حدثني به أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة قال: أخبرني المنذر بن محمد اللخمي قال حدثنا سليمان بن عباد قال حدثني عبد العزيز بن أبي ثابت المدني عن أبيه عن محمد بن عبد الله بن حسن بن حسن عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر علياً يوم بدر فضرب عنق عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث. وروى ابن إسحاق أن عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح الأنصاري قتله، وأن الذي قتله علي بن أبي طالب النضر بن الحارث بن كلدة.

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري قال حدثنا عمر بن شبة قال حدثني الحسن بن عثمان قال حدثني ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن أصحابه، وحدثنا محمد بن جرير قال حدثنا "أحمد" بن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن أصحابه، قالوا:   

قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر عقبة بن أبي معيط صبراً: أمر عاصم بن ثابت فضرب عنقه، ثم أقبل من بدر حتى إذا كان ب "الصفراء" قتل النضر بن الحارث بن كلدة أحد بني عبد الدار، أمر علياً أن يضرب عنقه، قال عمر بن شبة في حديثه ب "الأثيل"، فقالت أخته قتيلة بنت الحارث ترثيه: يا راكبـاً إن الأثـيل مـظـنةٌ  من صبح خامسةٍ وأنت موفق

أبلغ به مـيتـاً بـأن تـحـيةً       ما إن تزال بها النجائب تخفق

مني إليك وعبرةً مسـفـوحةً        جادت بدرتها وأخرى تخنـق

هل يسمعن النمضر إن ناديتـه        إن كان يسمع هالك لا ينطـق

ظلت سيوف بني أبيه تنوشـه        لله أرحامٌ هنـاك تـشـقـق

صبراً يقاد إلى المنية متعـبـاً       رسف المقيد وهو عانٍ موثق

أمحمدٌ ولأنت نسـل نـجـيبةٍ       في قومها والفحل فحلٌ معرق 

ما كان ضرك لو مننت وربما       من الفتى وهو المغيظ المحنق

أو كنت قابل فديةٍ فـلـيأتـين       بأعز ما يغلو لديك وينـفـق

والنضر أقرب من أخذت بزلةٍ  وأحقهم إن كان عتقٌ يعـتـق

فبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته". فيقال: إن شعرها أكرم شعر موتورةٍ وأعفه وأكفه وأحلمه. قال ابن إسحاق: وحدثني أبو عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بعرق الظبية قتل عقبة بن أبي معيطٍ. قال حين أمر به أن يقتل: فمن للصبية يا محمد؟ قال: النار. فقلته عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح أحد بني عمرو بن عوف.

حدثني أحمد بن الجعد قال حدثنا عبد الله بن محمد بن إسحاق الأدمي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن محمد بن إبراهيم التيمي قال حدثني عروة بن الزبير قال: سألت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيطٍ فوضع ثوبه في عنق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخنقه به خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر - رحمة الله عليه - حتى أخذ بمنكبه فدفعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله!

ولاية الوليد بن عقبة الكوفة

 

في خلافة عثمان ثم عزله عنها وكان الوليد بن عقبة أخا عثمان بن عفان لأمه، أمهما أروى بنت عامر بن كريز، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف. والبيضاء وعبد الله أبو رسول الله صلى الله عليه وسلم توءمان. وكان عقبة بن أبي معيط تزوج أروى بعد وفاة عفان، فولدت له الوليد وخالداً وعمارة وأم كلثوم، كل هؤلاء إخوة عثمان لأمه. وولي عثمان الوليد بن عقبة في خلافته الكوفة، فشرب الخمر وصلى بالناس وهو سكران فزاد في الصلاة، وشهد عليه بذلك عند عثمان فجلده الحد. وسيأتي خبره بعد هذا في موضعه.

وأبو قطيفة عمرو بن الوليد يكنى أبا الوليد. وأبو قطيفة لقبٌ لقب به. وأمه بنت الربيع بن ذي الخمار من بني أسد بن خزيمة. 

 

 

 

ومن الثلاثة الأصوات المختارة

صوت فيه أربعة ألحانٍ من رواية علي بن يحيى

ثاني الثلاثة الأصوات المختارة

تشكى الكميت الجري لما جهدته       وبين لو يسطيع أن يتـكـلـمـا

لذلك أدني دون خيلي مـكـانـه       وأوصي به ألا يهان ويكـرمـا

فقلت له: إن ألق للـعـين قـرةً       فهان علي أن تكل وتـسـأمـا

عدمت إذاً وفري وفارقت مهجتي      لئن لم أقل قرناً إن الله سلـمـا

عروضه من الطويل. قوله: )لئن لم أقل قرنا(، يعني أنه يجد في سيره حتى يقيل بهذا الموضع، وهوقرن المنازل، وكثيراً ما يذكره في شعره.

الشعر لعمر بن أبي ربيعة المخزومي، والغناء في هذا اللحن المختار لابن سريج، ثاني ثقيل مطلقٍ في مجرى الوسطى. وفيه لإسحاق أيضاً ثاني ثقيلٍ بالبنصر عن عمرو بن بانة. وفيه ثقيلٌ أول يقال إنه ليحيى المكي. وفيه خفيف رملٍ يقال إنه لأحمد بن موسى المنجم. وفيه للمعتضد ثاني ثقيلٍ آخر في نهاية الجودة. وقد كان عمرو بن بانة صنع فيه لحناً فسقط لسقوط صنعته.

  أخبرني جحظة قال حدثني أبو عبد الله الهشامي قال: صنع عمرو بن بانة لحناً في "تشكي الكميت الجري" فأخبرني بعض عجائزنا بذلك، قالت فأردنا أن نعرضه على متيم لنعلم ما عندها فيه، فقلنا لبعض من أخذه عن عمرو: إن "تشكى الكميت الجري" في اللحن الجديد، فقالت متيم: أيش هذا اللحن الجديد والكميت المحدث؟ قلنا: لحنٌ صنعه عمرو بن بانة. فغنته الجارية، فقالت متيم لها: اقطعي اقطعي، حسبك حسبك هذا! والله لحمار حنينٍ المكسور أشبه مه بالكميت.

 

 

 

ذكر خبر عمر بن أبي ربعية ونسبه

نسب عمر بن أبي ربيعة

هو عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة، واسم أبي ربيعة: حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر. وقد تقدم باقي النسب في نسب أبي قطيفة. ويكنى عمر بن أبي ربيعة "أبا الخطاب". وكان أبو ربيعة جده يسمى "ذا الرمحين" سمي بذلك لطوله، كان يقال: كأنه يمشي على رمحين.

أخبرني بذلك الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي ومحمد بن الضحاك عن أبيه الضحاك عن عثمان بن عبد الرحمن اليربوعي. وقيل: إنه قاتل يوم عكاظ برمحين فسمي "ذا الرمحين" لذلك.

وأخبرني بذلك أيضاً علي بن صالح بن الهيثم قال حدثني أبو هفان عن إسحاق بن إبراهيم الموصلي عن مصعب الزبيري والمدائني والمسيبي ومحمد بن سلام، قالوا: وفيه يقول عبد الله بن الزبعرى:

 ألا لـلـه قــومٌ و       لدت أخت بني سهم

هشامٌ وأبـو عـبـد       منافٍ مدرة الخصم

وذو الرمحين أشبـاك       على القوة والحـزم

فهــــذان يذودان       وذا من كثبٍ يرمي

أسودٌ تزدهي الأقـرا       ن مناعون للهضـم

وهم يوم عـكـاظٍ م       نعوا الناس من الهزم 

وهم من ولدوا أشبوا       بسر الحسب الضخم

فإن أحلف وبيت الل       ه لا أحلف على إثم

لما من إخـوةٍ بـين       قصور الشأم والردم

بأزكى من بني ريط       ة أو أوزن في الحلم

أبو عبد مناف: الفاكه بن المغيرة. وريطة هذه التي عناها هي أم بني المغيرة، وهي بنت سعيد بن سعد بن سهم، ولدت من المغيرة هشاماً وهاشماً ربيعة والفاكه.

وأخبرني أحمد بن سليمان بن داود الطوسي والحرمي بن أبي العلاء قالا: حدثنا الزبير بن بكار قال حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن أبي ثابت قال أخبرني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشلٍ عن أبيه قال: قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام - وجئته أطلب منه مغرماً - يا خال، هذه أربعة آلاف درهم وأنشد هذه الأبيات الأربعة وقل: سمعت حسان ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: أعوذ بالله أن أفتري على الله ورسوله، ولكن إن شئت أن أقول: سمعت عائشة تنشدها فعلت. فقال: لا، إلا أن تقول: سمعت حسان ينشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ، فأبى علي وأبيت عليه، فأقمنا لذلك لا نتكلم عدة ليالٍ. فأرسل إلي فقال: قل أبياتاً تمدح بها هشاماً - يعني ابن المغيرة - وبني أمية. فقلت: سمهم لي، فسماهم وقال: اجعلها في عكاظ واجعلها لأبيك. فقلت: ألا لـلـه قــومٌ و  لدت أخت بني سهم 

قال: ثم جئت فقلت: هذه قالها أبي. فقال: لا، ولكن قل: قالها ابن الزبعري. قال: فهي إلى الآن منسوبةٌ في كتب الناس إلى ابن الزبعري.

قال الزبير: وأخبرني محمد بن الحسن المخزومي قال: أخبرني محمد بن طلحة أن عمر بن أبي ربيعة قائل هذه الأبيات: ألا لـلـه قــوم و  لدت أخت بني سهم 

أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني عبد العزيز بن عمران قال حدثني محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشلٍ عن أبيه بمثل ما رواه الزبير عنه. وزاد فيه عمر بن شبة: قال محمد بن يحيى: و "أخت بني سهم التي عناها ريطة بنت سعيد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي بن غالب، وهي أم بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهم: هشام وهاشمٌ وأبو ربيعة والفاكه، وعدةٌ غيرهم لم يعقبوا، وإياهم يعني أبو ذؤيب بقوله:  

صخب الشوارب لا يزال كأنه  عبدٌ لآل أبي ربيعة مسـبـع

ضرب بعزهم المثل. "قال": وكان اسم عبد الله بن أبي ربيعة في الجاهلية بحيراً، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد الله، وكانت قريش تلقبه "العدل"، لأن قريشاً كانت تكسو الكعبة في الجاهلية بأجمعها من أموالها سنةً، ويكسوها من ماله سنةً، فأرادوا بذلك أنه وحده عدلٌ لهم جميعاً في ذلك.

وفيه يقول ابن الزبعري: بحير بن ذي الرمحين قرب مجلسي  وراح علي خيره غـير عـاتـم

وقد قيل: إن العدل هو الوليد بن المغيرة.

وكان عبد الله بن أبي ربيعة تاجراً موسراً، وكان متجره إلى اليمن، وكان من أكثرهم مالاً. وأمه أسماء بنت مخربة، وقيل: مخرمة، وكانت عطارة يأتيها العطر من اليمن. وقد تزوجها هشام بن المغيرة أيضاً، فولدت له أبا جهل والحارث ابني هشام، فهي أمهما وأم عبد الله وعياش ابني أبي ربيعة.

أخبرني الحرمي والطوسي قال: حدثنا الزبير قال حدثني عمي عن الواقدي قال: كانت أسماء بنت مخربة تبيع العطر بالمدينة. فقالت الربيع بنت معوذ بن عفراء الأنصارية - وكان أبوها قتل أبا جهل بن هشام يوم بدر واحتز رأسه عبد الله بن مسعود - وقيل: بل عبد الله بن مسعود هو الذي قتله - فذكرت أن أسماء بنت مخربة دخلت عليها وهي تبيع عطراً لها في نسوةٍ، قالت: فسألت عنا، فانتسبنا لها. فقالت: أأنت ابنة قاتل سيده؟ تعني أبا جهل. قلت: بل أنا بنت قاتل عبده. قالت: حرامٌ علي أن أبيعك من عطري شيئاً. قلت: وحرامٌ علي أن أشتري منه شيئاً، فما وجدت لعطرٍ نتناً غير عطرك، ثم قمت، ولا والله ما رأيت عطراً أطيب من عطرها، ولكني أردت أن أعيبه لأغيظها.

وكان لعبد الله بن أبي ربيعة عبيدٌ من الحبشة يتصرفون في جميع المهن، وكان عددهم كثيراً، فروي عن سفيان بن عيينة أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى حنين: هل لك في حبش بني المغيرة تستعين بهم؟ فقال: "لا خير في الحبش إن جاعوا سرقوا وإن شبعوا زنوا، وإن فيهم لخلتين حسنتين إطعام الطعام والبأس يوم البأس". واستعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي ربيعة على الجند ومخلفيها، فلم يزل عاملاً عليها حتى قتل عمر بن الخطاب رضي الله عنه. هذا من رواية الزبير عن عمه. قال: وحدثني ابن الماجشون عن عمه أن عثمان بن عفان - رحمه الله - استعمله أيضاً عليها.

 

 

 

أم عمر بن أبي ربيعة وأخوه الحارث

الملقب بالقباع

وأم عمر بن أبي ربيعة أم ولدٍ يقال لها "مجد"، سبيت من حضرموت، ويقال من حمير. قال أبو محلم ومحمد بن سلام: هي من حمير، ومن هناك أتاه الغزل، يقال: غزلٌ يمانٍ، ودل حجازي.

وقال عمر بن شبة: أم عمر بن أبي ربيعة أم ولدٍ سوداء من حبشٍ يقال لهم: فرسان. وهذا غلط من أبي زيد، تلك أم أخيه الحارث بن عبد الله الذي يقال له: "القباع"، وكانت نصرانيةً. وكان الحارث بن عبد الله شريفاً كريماً ديناً وسيداً من سادات قريش.

قال الزبير بن بكار: ذكره عبد الملك بن مروان يوماً وقد ولاه عبد الله بن الزبير، فقال: أرسل عوفاً وقعد! "لا حر بوادي عوف". فقال له يحيى بن الحكم: ومن الحارث ابن السوداء! فقال له عبد الملك: ما ولدت والله أمة خيراً مما ولدت أمه!.

وأخبرني علي بن صالح عن أبي هفان عن إسحاق بن إبراهيم عن الزبير والمدائني والمسيبي: أن أمه ماتت نصرانية وكانت تسر ذلك منه. فحضر الأشراف جنازتها، وذلك في عهد عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه - فسمع الحارث من النساء لغطاً، فسأل عن الخبر، فعرف أنها ماتت نصرانية وأنه وجد الصليب في عنقها، وكانت تكتمه ذلك. فخرج إلى الناس فقال: انصرفوا رحمكم الله، فإن لها أهل دينٍ هم أولى بها منا ومنكم فاستحسن ذلك منه وعجب الناس من فعله.

نسبة ما في هذه الأخبار من الغناء الغناء في "ألا لله قوم"... الأبيات صوت ألا لـلـه قــومٌ و  لدت أخت بني سهم 

هشامٌ وأبو عـبـد  منافٍ مدرة الخصم 

وذو الرمحين أشباك  على القوة والحزم

فهـــذان يذودان  وذا من كثب يرمي 

عروضه من مكفوف الهزج. الغناء لمعبد خفيف رملٍ من رواية حماد.

 

رأي يزيد في غناء معبد وابن سريج

 

أخبرني محمد بن خلف وكيع قال قال إسماعيل بن مجمع أخبرنا المدائني عن رستم ابن صالح قال: قال يزيد بن عبد الملك يوماً لمعبد: يا أبا عباد، أني أريد أن أخبرك عن نفسي وعنك، فإن قلت فيه خلاف ما تعلم فلا تتحاش أن ترده علي، فقد أذنت لك. قال: يا أمير المؤمنين، لقد وضعك ربك بموضع لا يعصيك إلا ضال، ولا يرد عليك إلا مخطىء. قال: إن الذي أجده في غنائك لا أجده في غناء ابن سريج: أجد في غنائك متانةً، وفي غنائه انحناثاً وليناً. قال معبد: والذي أكرم أمير المؤمنين بخلافته، وارتضاه لعباده، وجعله أميناً على أمة نبيه صلى الله عليه وسلم، ما عدا صفتي وصفة ابن سريج، وكذا يقول ابن سريج وأقول، ولكن أن رأى أمير المؤمنين أن يعلمني هل وضعني ذاك عنده فعل. قال: لا والله، ولكني أؤثر الطرب على كل شيء.

قال: يا سيدي فإذا كان ابن سريج يذهب إلى الخفيف من الغناء وأذهب أنا إلى الكامل التام، فأغرب أنا ويشرق هو، فمتى نلتقي؟ قال: أفتقدر أن تحكي رقيق بن سريج؟ قال نعم، فصنع من وقته لحناً من الخفيف في: ألا لـلـه قــوم و  لدت أخت بني سهم 

الأربعة الأبيات. فغناه، فصاح يزيد: أحسنت والله يا مولاي! أعد فداك أبي وأمي، فأعاد، فرد عليه مثل قوله الأول، فأعاد. ثم قال: أعد فداك أبي وأمي، فأعاد، فاستخفه الطرب حتى وثب وقال لجواريه: افعلن كما أفعل، وجعل يدور في الدار ويدرن معه وهو يقول: يا دار دورينــي  يا قرقر امسكيني

آليت منـذ حـين       حقاً لتصرمينـي

ولا تواصلـينـي       بالله فارحمينـي

لم تذكري يميني! 

قال: فلم يزل يدور كما يدور الصبيان ويدرن معه، حتى خر مغشياً عليه ووقعن فوقه ما يعقل ولا يعقلن، فابتدره الخدم "فأقاموه " وأقاموا من كان على ظهره من جواريه، وحملوه وقد جاءت نفسه أو كادت.

 

 

سيرة جوان بن عمر بن أبي ربيعة

 

رجع الخبر إلى ذكر عمر بن أبي ربيعة وكان لعمر بن أبي ربيعة بنٌ "صالحٌ " يقال له "جوان"، وفيه يقول العرجي: شهيدي جوانٌ على حبها  أليس بعدلٍ عليها جوان 

فأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني يحيى بن محمد بن عبد الله بن ثوبان قال: جاء جوان بن عمر بن أبي ربيعة إلى زياد بن عبد الله الحارثي وهو إذ ذاك أميرٌ على الحجاز، فشهد عنده بشهادةٍ، فتمثل: شهيدي جوانٌ على حبها  أليس بعدلٍ عليها جوان 

- وهذا الشعر للعرجي - ثم قال: قد أجزنا شهادتك، وقبله. وقال غير الزبير: إنه جاء إلى العرجي، فقال له: يا هذا! ما لي وما لك تشهرني في شعرك! متى أشهدتني على صاحبتك هذه! ومتى كنت أنا أشهد في مثل هذا! قال: وكان امرأً صالحاً.

وأخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني بكار بن عبد الله قال: استعمل بعض ولاة مكة جوان بن عمر على تبالة، فحمل على خثعم في صدقات أموالهم حملاً شديداً، فجعلت خثعم سنة جوانٍ تاريخاً، فقال ضبارة بن الطفيل: أتلبسنا ليلى على شعـثٍ بـنـا  من العام أو يرمى بنا الرجوان صوت

رأتني كأشلاء اللجام وراقـهـا       أخو غـزلٍ ذو لـمةٍ ودهـان

ولو شهدتني في ليالٍ مضين لي       لعامين مرا قبل عـام جـوان

رأتنا كريمي معشرٍ حم بينـنـا       هوى فحفظناه بحسـن صـيان

نذود النفوس الحائمات عن الصبا       وهن بأعنـاقٍ إلـيه ثـوانـي

ذكر حبش أن الغناء في هذه الأبيات للغريض ثاني ثقيلٍ بالبنصر، وذكر الهشامي أنه لقراريط.

أمة الواحد بنت عمر بن أبي ربيعة قالوا: وكان لعمر أيضاً بنت يقال لها: "أمه الواحد" وكانت مسترضعةٌ في هذيل، وفيها يقول عمر بن أبي ربيعة - وقد خرج يطلبها فضل الطريق -:

 لم تدر وليغفر لها ربهـا       ما جشمتنا أمة الواحـد

جشمت الهول براذيننـا       نسأل عن بيت أبي خالد

نسأل عن شيخ بني كاهلٍ       أعيا خفاء نشدة الناشـد

 

 

مولد عمر يوم قتل عمر بن الخطاب

ووفاته وقد قارب السبعين  

أخبرني بذلك محمد بن خلف بن المرزبان عن أبي بكر العامري أخبرنا أحمد بن عبد العزيز الجوهري وحبيب بن نصر المهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثنا أسامة بن زيد بن الحكم بن عوانة عن عوانة بن الحكم - قال: أراه عن الحسن - قال: ولد عمر بن أبي ربيعة ليلة قتل عمر بن الخطاب - رحمة الله عليه - فأي حقٍّ رفع، وأي باطلٍ وضع!. قال عوانة: ومات وقد قارب السبعين أو جاوزها.

أخبرني الجوهري والمهلبي قالا: حدثنا عمر بن شبة قال حدثني يعقوب بن القاسم قال حدثني عبد الله بن الحارث عن ابن جريج عن عطاء قال: كان عمر بن أبي ربيعة أكبر مني كأنه ولد في أول الإسلام.

 

عمر في مجلس ابن عباس بالمسجد الحرام

أخبرني الجوهري والمهلبي قالا حدثنا عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عبد الله الزهري قال: حدثنا ابن أبي ثابت، وحدثني به علي بن صالح بن الهيثم عن أبي هفان عن إسحاق عن المسيبي والزبيري والمدائني ومحمد بن سلام، قالوا: قال أيوب بن سيار، وأخبرني به الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الحسن المخزومي عن عبد العزيز بن عمران عن أيوب بن سيار عن عمر الركاء قال: بينا ابن عباس في المسجد الحرام وعنده نافع بن الأزرق وناسٌ من الخوارج يسألونه، إذ أقبل عمر بن أبي ربيعة في ثوبين مصبوغين موردين أو ممصرين حتى دخل وجلس، فأقبل عليه ابن عباس فقال أنشدنا فأنشده: أمن آل نعمٍ أنت غادٍ فمبكر  غداة غدٍ أم رائحٌ فمهجر

حتى أتى على آخرها. فأقبل عليه نافع بن الأزرق فقال: الله يابن عباس! إنا نضرب إليك أكباد الإبل من أقاصي البلاد نسألك عن الحلال والحرام فتتثاقل عنا، ويأتيك غلام مترفٌ من مترفي قريش فينشدك: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت  فيخزى وأما بالعشى فـيخـسـر

فقال: ليس هكذا قال. قال: فكيف قال؟ فقال: قال: رأت رجلاً أما إذا الشمس عارضت  فيضحى وأما بالعشى فيخـصـر

فقال: ماأراك إلا وقد حفظت البيت! قال: أجل! وإن شئت أن أنشدك القصيدة أنشدتك إياها. قال فإني أشاء، فأنشده القصيدة حتى أتى على آخرها. وفي غير رواية عمر بن شبة: أن ابن عباس أنشدها من أولها إلى آخرها، ثم أنشدها من آخرها إلى أولها مقلوبة، وما سمعها قط إلا تلك المرة صفحاً. قال: وهذا غاية الذكاء. فقال له بعضهم: ما رأيت أذكى منك قط. فقال: لكني ما رأيت قط أذكى من علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان ابن عباس يقول: ما سمعت شيئاً قط إلا رويته، وإني لأسمع صوت النائحة فأسد أذني كراهة أن أحفظ ما تقول. قال: ولامه بعض أصحابه في حفظ هذه القصيدة: "أمن آل نعم..." فقال: إنا نستجيدها.

وقال الزبير في خبره عن عمه: فكان ابن عباس بعد ذلك كثيراً ما يقول: هل أحدث هذا المغيري شيئاً بعدنا؟ قال: وحدثني عبد الله بن نافع بن ثابت قال: كان عبد الله بن الزبير إذا سمع قول عمر بن أبي ربيعة: فيضحى وأما بالعشي فيحضر 

قال: لا، بل: فيخزى وأما بالعشي فيخسر 

قال عمر بن شبة وأبو هفان والزبير في حديثهم: ثم أقبل على ابن أبي ربيعة فقال: أنشد، فأنشده: تشط غداً دار جيراننا 

وسكت، فقال ابن عباس: وللدار بعد غدٍ أبعد 

فقال له عمر: كذلك قلت - أصلحك الله - أفسمعته؟ قال: لا، ولكن كذلك ينبغي.

 

 

شعره وخلقه وشهادة الشعراء فيه

أخبرنا الحرمي بن أبي العلاء

قال الزبير وحدثني عمي عن جدي - وذكره أيضاً إسحاق فيما رويناه عن أبي هفان عنه عن المدائني - قال قال هشام بن عروة: لا ترووا فتياتكم شعر عمر بن أبي ربيعة لا يتورطن في الزنا تورطاً، وأنشد: لقد أرسلت جـاريتـي  وقلت لها خذي حذرك 

وقولي في مـلاطـفةٍ  لزينب: نولي عمرك

أخبرنا علي بن صالح قال حدثني أبو هفان عن إسحاق عن الزبيري قال حدثني أبي عن سمرة الدوماني من حمير قال: إني لأطوف بالبيت فإذا أنا بشيخٍ في الطواف، فقيل لي: هذا عمر بن أبي ربيعة. فقبضت على يده وقلت له: يابن أبي ربيعة. فقال: ما تشاء؟ قلت: أكل ما قتله في شعرك فعلته؟ قال: إليك عني. قلت: أسألك بالله! قال: نعم وأستغفر الله.

قال إسحاق وحدثني الهيثم بن عدي عن حمادٍ الراوية: أنه سئل عن شعر عمر بن أبي ربيعة فقال: ذاك الفستق المقشر.

أخبرني الحرمي قال حدثنا الزبير عن عمه قال: سمع الفرزدق شيئاً من نسيب عمر فقال: هذا الذي كانت الشعراء تطلبه فأخطأته وبكت الديار، ووقع هذا عليه. قال: وكان بالكوفة رجلٌ من الفقهاء تجتمع إليه الناس فيتذاكرون العلم، فذكر يوماً شعر عمر بن أبي ربيعة فهجنه. فقالوا له: بمن ترضى؟ ومر بهم حمادٌ الراوية فقال: قد رضيت بهذا. فقالوا له: ما تقول فيمن يزعم أن عمر بن أبي ربيعة لم يحسن شيئاً؟ فقال: أين هذا؟ اذهبوا بنا إليه. قالوا: نصنع به ماذا؟ قال: ننزو على أمه لعلها تأتي بمن هو أمثل من عمر.

قال إسحاق: وقال أبو المقوم الأنصاري: ما عصي الله بشيء كما عصي بشعر عمر بن أبي ربيعة.

قال إسحاق: وحدثني قيس بن داود قال حدثني أبي قال: سمعت عمر بن أبي ربيعة يقول: لقد كنت وأنا شابٌ أعشق ولا أعشق، فاليوم صرت إلى مداراة الحسان إلى الممات. ولقد لقيتني فتاتان مرةً فقالت لي إحداهما: أدن مني يابن أبي ربيعة أسر إليك شيئاً. فدنوت منها ودنت الأخرى فجعلت تعضني، فما شعرت بعض هذه من لذة سرار هذه.

قال إسحاق: وذكر عبد الصمد بن المفضل الرقاشي عن محمد بن فلان الزهري - سقط اسمه - عن إسحاق عن عبد الله بن مسلمة بن أسلم قال: لقيت جريراً فقلت له: يا أبا حزرة، إن شعرك رفع إلى المدينة وأنا أحب أن تسمعني منه شيئاً. فقال: إنكم يا أهل المدينة يعجبكم النسيب، وإن أنسب الناس المخزومي. يعني ابن أبي ربيعة.

قال إسحاق: وذكر محمد بن إسماعيل الجعفري عن أبيه عن خاله عبد العزيز بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة، قال: أشرف عمر بن أبي ربيعة على أبي قبيسٍ، وبنو أخيه معه وهم محرمون، فقال لبعضهم: خذ بيدي فأخذ بيده، وقال: ورب هذه البنية ما قلت لامرأةٍ قط شيئاً لم تقله لي، وما كشفت ثوباً عن حرام قط. قال: ولما مرض عمر مرضه الذي مات فيه جزع أخوه الحارث جزعاً شديداً. فقال له عمر: أحسبك إنما تجزع لما تظنه بي، والله ما أعلم أني ركبت فاحشةً قط! فقال: ما كنت أشفق عليك إلا من ذلك، وقد سليت عني.

قال إسحاق: حدثني مصعبٌ الزبيري قال قال مصعب بن عروة بن الزبير: خرجت أنا وأخي عثمان إلى مكة معتمرين أو حاجين، فلما طفنا بالبيت مضينا إلى الحجر نصلي فيه، فإذا شيخٌ قد فرج بيني وبين أخي فأوسعنا له. فلما قضى صلاته أقبل علينا فقال: من أنتما؟ فأخبرناه. فرحب بنا وقال: يا ابني أخي، إني موكل بالجمال أتبعه، وإني رأيتكما فراقني حسنكما وجمالكما، فاستمتعا بشبابكما قبل أن تندما عليه، ثم قام، فسألنا عنه فإذا هو عمر بن أبي ربيعة.

أخبرنا الحرمي قال حدثنا الزبير قال حدثني محمد بن الضحاك قال: عاش عمر بن أبي ربيعة ثمانين سنة، فتك منها أربعين سنةً، ونسك أربعين سنة.

قال الزبير وحدثني إبراهيم عن حمزة ومحمد بن ثابت عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبيه قال: حججت مع أبي وأنا غلامٌ وعلي جمة. فلما قدمت مكة جئت عمر بن أبي ربيعة، فسلمت عليه وجلست معه، فجعل يمد الخصلة من شعري ثم يرسلها فترجع على ما كانت عليه، ويقول: واشباباه!. حتى فعل ذلك مراراً. ثم قال لي: يابن أخي، قد سمعتني أقول في شعري: قالت لي وقلت لها، وكل مملوكٍ لي حرٌ إن كنت كشفت عن فرجٍ حرامٍ قط! فقمت وأنا متشككٌ في يمينه، فسألت عن رقيقه فقيل لي: أما في الحوك فله سبعون عبداً سوى غيرهم

 

 

 

ذكر الأصوات التي رواها جحظة

عن أصحابه وحكى أنها من الثلاثة المختارة

صوت

إلى جيداء قد بعثوا رسـولاً       ليحزنها فلا صحب الرسول 

كأن العام ليس بعـام حـج     تغيرت المواسم والشكـول

الشعر للعرجي، والغناء لإبراهيم الموصلي، ولحنه المختار ماخوري بالوسطى. وهو من خفيف الثقيل الثاني على مذهب إسحاق. وفيه لابن سريج ثاني ثقيلٍ بالسبابة. في مجرى البنصر، وذكر عمرو بن بانة أن الماخوري لابن سريج.

 

 

أخبار العرجي ونسبه

نسب العرجي من قبل أبويه

هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس. وقد شرح هذا النسب في نسب أبي قطيفة. وأم عفان وجميع بني أبي العاص آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب. وأم عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهي أخت عبد الله بن عبد المطلب أبى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأمه "وأبيه" ولدا في بطنٍ واحدٍ. وأم عمرو بن عثمان أم أبان بنت جندب الدوسية.

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء والطوسي قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن صالح عن يعقوب بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثني محرز بن جعفر عن أبيه عن جده قال:   

قدم جندب بن عمرو بن حممة الدوسي المدينة مهاجراً في خلافة عمر بن الخطاب، ثم مضى إلى الشأم وخلف ابنته أم أبان عند عمر، وقال له: يا أمير المؤمنين، إن وجدت لها كفئاً فزوجه بها ولو بشراك نعله، وإلا فأمسكها حتى تلحقها بدار قومها بالسراة. فكانت عند عمر، واستشهد أبوها، فكانت تدعوا عمر أباها ويدعوها ابنته. قال: فإن عمر على المنبر يوماً يكلم الناس في بعض الأمر إذ خطر على قلبه ذكرها، فقال: من له في الجميلة الحسيبة بنت جندب بن عمرو بن حممة، وليعلم امرؤٌ من هو! فقام عثمان فقال: إنا يا أمير المؤمنين. فقال أنت لعمر الله! كم سقت إليها؟ قال: كذا وكذا. قال: قد زوجتكها، فعجله؛ فإنها معدة. قال: ونزل عن المنبر. فجاء عثمان رضي الله عنه بمهرها، فأخذه عمر في ردنه فدخل به عليها، فقال: يا بنية، مدي حجرك، ففتحت حجرها، فألقى فيه المال، ثم قال: يا بنية، قولي اللهم بارك لي فيه. فقالت: اللهم بارك لي فيه، وما هذا يا أبتاه؟ قال: مهرك. فنفحت به وقالت: واسوأتاه! فقال: احتسبي منه لنفسك ووسعي منه لأهلك، وقال لحفصة: يا بنتاه، أصلحي من شأنها وغيري بدنها واصبغي ثوبها، ففعلت. ثم أرسل بها مع نسوةٍ إلى عثمان. فقال عمر لما فارقته: إنها أمانةٌ في عنقي أخشى أن تضيع بيني وبين عثمان، فلحقهن فضرب على عثمان بابه، ثم قال: خذ أهلك بارك الله لك فيهم. فدخلت على عثمان، فأقام عندها مقاماً طويلاً لا يخرج إلى حاجة. فدخل عليه سعيد بن العاص فقال له: يا أبا عبد الله، لقد أقمت عند أهل الدوسية مقاماً ما كنت تقيمه عند النساء. فقال: أما إنه ما بقيت خصلةٌ كنت أحب أن تكون في امرأة إلا صادفتها فيها ما خلا خصلةً واحدةً. قال: وما هي؟ قال: إني رجل قد دخلت في السن، وحاجتي في النساء الولد، وأحسبها حديثةً لا ولد فيها اليوم. قال: فتبسمت. فلما خرج سعيدٌ من عنده قال لها عثمان: ما أضحكك. قالت: قد سمعت قولك في الولد، وإني لمن نسوةٍ ما دخلت امرأةٌ منهن على سيد قط فرأت حمراء حتى تلد سيد من هو منه. قال: فما رأت حمراء حتى ولدت عمرو بن عثمان. وأم عمر بن عمرو بن عثمان وأم ولدٍ. وأم العرجي آمنة بنت عمر بن عثمان؛ وقال إسحاق: بنت سعيد بن عثمان، وهي لأم ولد.

 

سبب تلقبه بالعرجي

ونحوه نحو عمر بن أبي ربيعة في شعره

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عمي: أنه إنما لقب العرجي لأنه كان يسكن عرج الطائف. وقيل: بل سمي بذلك لماءٍ كان له ومالٍ عليه بالعرج. وكان من شعراء قريش، ومن شهر بالغزل منها، ونحا نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك وتشبه به فأجاد. وكان مشغوفاً باللهو والصيد حريصاً عليهما قليل المحاشاة لأحدٍ فيهما. ولم يكن له نباهةٌ في أهله، وكان أشقر أزرق جميل الوجه. وجيداء التي شبب بها هي أم محمد بن هشام بن إسماعيل المخزومي، وكان ينسب بها ليفضح ابنها لا لمحبةٍ كانت بينهما؛ فكان ذلك سبب حبس محمد إياه وضربه له، حتى مات في السجن.

وأخبرني محمد بن مزيد إجازةً عن حماد بن إسحاق فذكر أن حماداً حدثه عن إسحاق عن أبيه عن بعض شيوخه: أن العرجي كان أزرق كوسجاً ناتىء الحنجرة، وكان صاحب غزلٍ وفتوةٍ، وكان يسكن بمالٍ له في الطائف يسمى العرج؛ فقيل له العرجي ونسب إلى ماله. وكان من الفرسان المعدودين مع مسلمة بن عبد الملك بأرض الروم، وكان له معه بلاءٌ ونفقة كثيرة.

قال إسحاق: قد ذكر عتبة بن إبراهيم اللهبي: أن العرجي فيما بلغه باع أموالاً عظاماً كانت له وأطعم ثمنها في سبيل الله حتى نفد ذلك كله. وكان قد اتخذ غلامين، فإذا كان الليل نصب قدره وقام الغلامان يوقدان، فإذا نام واحد قام الآخر، فلا يزالان كذلك حتى يصحبا، يقول: لعل طارقاً يطرق.

أخبرني حبيب بن نصر قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدثني مصعب، وأخبرنا الحرمي عن الزبير عن عمه مصعب، وعن محمد بن الضحاك بن عثمان عن أبيه قال، دخل حديث بعضهم في بعضٍ، وأخبرني محمد بن مزيد عن حماد عن أبيه عن مصعب قال:

العرجي خليفة عمر بن أبي ربيعة

كانت حبشيةٌ من مولدات مكة ظريفةٌ صارت إلى المدينة، فلما أتاهم موت عمر بن أبي ربيعة اشتد جزعها وجعلت تبكي وتقول: من لمكة وشعابها وأباطحها ونزهها ووصف نسائها وحسنهن وجمالهن ووصف ما فيها! فقيل لها: خفضي عليك؛ فقد نشأ فتى من ولد عثمان رضي الله عنه يأخذ مأخذه ويسلك مسلكه. فقالت: أنشدوني من شعره، فأنشدوها؛ فمسحت عينها وضحكت وقالت: الحمد لله الذي لم يضيع حرمه.

 

العرجي وكلابة مولاة العبلى

 

أخبرني الحرمي بن أبي العلاء قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عمي مصعب، وأخبرني محمد بن مزيد قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه عن عوركٍ اللهبي: أن مولاةً لثقيف يقال لها كلابة كانت عند عبد الله بن القاسم الأموي العبلي، وكان يبلغها تشبيب العرجي بالنساء وذكره لهن في شعره، وكانت كلابة تكثر أن تقول: لشد ما اجترأ العرجي على نساء قريش حين يذكرهن في شعره! ولعمري ما لقي أحداً فيه خير، ولئن لقيته لأسودن وجهه! فبلغه ذلك عنها. قال إسحاق في خبره: وكان العبلى نازلاً على ماء لبني نصر بن معاوية يقال له الفتق على ثلاثة أميال من مكة على طريق من جاء من نجران أنو تبالة إلى مكة، والعرج أعلاها قليلاً مما يلي الطائف. فبلغ العرجي أنه خرج إلى مكة، فأتى قصره فأطاف به، فخرجت إليه كلابة وكان خلفها في أهله، فصاحت به: إليك، ويلك! وجعلت ترميه بالحجارة وتمنعه أن يدنو من القصر. فاستسقاها ماءً فأبت أن تسقيه، وقالت: لا يوجد والله أثرك عندي أبداً فيلصق بي منك شر. فانصرف وقال: ستعلمين! وقال:

صوت

حورٌ بعثن رسولاً فـي مـلاطـفةٍ       ثقفاً إذا غفل الـنـسـاءة الـوهـم

إلي أن إيتـنـا هـدأً إذا غـفـلـت       أحراسنا وافتضحنا إن هم علـمـوا

فجئت أمشي على هولٍ أجـشـمـه       تجشم المرء هولاً في الهوى كـرم

إذا تخوفت مـن شـيءٍ أقـول لـه       قد جف فامض بشيءٍ قدر القـلـم

أمشي كما حـركـت ريحٌ يمـانـيةٌ       غصناً من البان رطباً طلـه الـديم

في حلةٍ من طراز السوس مشـربةٍ       تعفو بهدابـهـا مـا أثـرت قـدم

خلت سبيلي كما خـلـيت ذا عـذرٍ       إذا رأته عتاق الـخـيل ينـتـجـم

وهن في مجلسٍ خـالٍ ولـيس لـه       عين عليهـن أخـشـاهـا ولا نـدم

حتى جلست إزاء الباب مكتـتـمـاً       وطالب الحاج تحت الليل مكـتـتـم

أبدين لي أعيناً نجلاً كمـا نـظـرت       أدمٌ هجانٌ أتاها مصـعـبٌ قـطـم

قالت كلابة من هذا؟ فقلـت لـهـا       أنا الذي أنت من أعـدائه زعـمـوا

أنا امرؤٌ جد بي حبٌّ فأحـرضـنـي       حتى بليت وحتى شفنـي الـسـقـم

لا تكلينـي إلـى قـومٍ لـو أنـهـم       من بغضنا أطعموا الحمى إذاً طعموا 

وأنعمي نعمةً تجزي بأحـسـنـهـا       فطالما مسني من أهلـك الـنـعـم

ستر المحبين في الدنـيا لـعـلـهـم       أن يحدثوا توبةً فـيهـا إذا أثـمـوا

هذي يميني رهنٌ بالـوفـاء لـكـم        فارضي بها ولأنف الكاشح الرغـم

قالت رضيت ولكن جئت في قـمـرٍ       هلا تلبثت حتى تدخـل الـظـلـم

فبت أسقي بـأكـواسٍ أعـل بـهـا       من باردٍ طاب منها الطعم والنـسـم

حتى بدا ساطعٌ للفجر نـحـسـبـه       سنى حريقٍ بليلٍ حـين يضـطـرم

كغرة الفرس المنسوب قد حسـرت       عنه الجلال تلالا وهـو يلـتـجـم

ودعتهـن ولا شـيءٌ يراجـعـنـي       إلا البنان وإلا الأعـين الـسـجـم

إذا أردن كلامي عنده اعتـرضـت       من دونه عبراتٌ فانثنـى الـكـلـم

تكاد إذ رمن نهضاً للـقـيام مـعـي       أعجازهن من الأنصاف تنـقـصـم

 قال: فسمع ابن القاسم العبلي بالشعر يغنى به، وكان العرجي قد أعطاه جماعةً من المغنين وسألهم أن يغنوا فيه، فصنعوا في أبياتٍ منه عدة ألحان، وقال: والله لا أجد لهذه الأمة شيئاً أبلغ من إيقاعها تحت التهمة عند ابن القاسم ليقطع مأكلتها من ماله. قال: فلما سمع العبلي بالشعر يغنى به أخرج كلابة واتهمها، ثم أرسل بها بعد زمانٍ على بعير بين غرارتي بعرٍ، فأحلفها بمكة بين الركن والمقام إن العرجي كذب فيما قاله. فحلفت سبعين يميناً، فرضي عنها وردها. فكان بعد ذلك إذا سمع قول العرجي: فطالما مسني من أهلم النعم 

قال: كذب والله ما مسه ذلك قط. وقال إسحاق: وقد قيل: إن صاحب هذه القصيدة "والقصة" أبو حراب العبلي، وإن كلابة كانت أمةً لسعدة بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان، وكان العرجي قد خطبها وسميت به، ثم خطبها يزيد بن عبد الملك أو الوليد بن يزيد فزوجته، فقال العرجي هذا الشعر فيها. غنى في قوله: أمشي كما حركت ريحٌ يمانيةٌ 

علي بن هشام هزجاً مطلقاً بالبنصر، وفيه للمسدود هزجٌ آخر طنبوريٌ، ذكر ذلك جحظة. وفي: لا تكليني إلى قومٍ لو أنهم 

رملٌ لابن سريج عن ابن المكي وإسحاق بالسبابة في مجرى الوسطى. وفي "قالت كلابة" والذي بعده لعبيد الله بن أبي غسان لحنٌ من خفيف الرمل. ولنبيه في "أنا امرؤ جد بي" وما بعده، هزجٌ بالوسطى. ولدحمان في "حورٌ بعثن" وما بعده، هزجٌ بالوسطى، وروى عنه الهشامي فيه ثقيلاً أول. ولأبي عيسى بن المتوكل في "وأنعمي نعمةً" وبيتين بعده، ثقيل أول.

وأخبرني بخبر العرجي وكلابة هذه الحرمي بن أبي العلاء عن الزبير بن بكار عن عمه مصعب، وأخبرني به وكيعٌ عن أبي أيوب المديني عن مصعب وذكر نحواً مما ذكره إسحاق؛ وزعما أن كلابة كانت قيمةً لأبي حراب العبلي وهو محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن الحارث بن أمية الأصغر بن عبد شمس.

 

 

من المائة المختارة

 

أخبرني يحيى بن علي بن يحيى قال حدثني أبو أيوب المدني قال حدثني محمد بن عبدالله الخزاعي وحماد بن إسحاق جميعاً عن إسحاق قال: كان سياط أستاذ أبي وأستاذ ابن جامع ومن كان في ذلك العصر. فاعتل علةً، فجاءه أبي وابن جامع يعودانه.

فقال له أبي: أغزز علي بعلتك أبا وهب، ولو كانت مما يفتدى لفديتك منها. قال: كيف كنت لكم؟ قلنا: نعم الأستاذ والسيد. قال: قد غنيت لنفسي ستين صوتاً فأحب ألا تغيروها ولا تنتحلوها. فقال له أبي: أفعل ذلك يا أبا وهب، ولكن أي ذلك كرهت: أن يكون في غنائك فضل فأقصر عنه فيعرف فضلك عليم فيه، أو أن يكون فيه نقص فأحسنه فينسب إحساني إليك ويأخذه الناس عني لك؟ قال، :لقد استعفيت سن غير مكروه. قال الخزاعي فيب خبره: ثم قال لي إسحاق: كان سياط خزاعياً، وكان له زامر يقال له حبال، وضارب يقال له عقاب. قال حماد قال أبي: أدركت أربعة كانوا أحسن الناس غناء، سياط أحدهم. قال: وكان موته في أول أيام موسى الهادي.

أخبرني يحيى قال حدثنا أبو أيوب عن مصعب قال: دخل ابن جامع على سياط وقد نزل به الموت، فقال له: ألك حاجة. فقال: نعم، لا تزد في غنائي شيئاً ولا تنقص منه، دعه رأساً برأس، فإنما هو ثمانية عشر صوتاً.

أخبرنا محمد بن مزيد قال حدثنا حماد قال حدثني محمد بن حديد أخو النضر بن حديد: أن إخواناً لسياط دعوه، فأقام عندهم وبات ، فأصبحوا فوجدوه ميتاً في منزلهم، فجاءوا إلى أمه وقالوا: يا هذه، إنا دعونا ابنك لنكرمه ونسر به ونأنس بقربه فمات فجأة، وها نحن بين يديك فاحتكمي ما شئت، ونشدناك الله ألا تعرضينا للسلطان أو تدعي فيه علينا ما لم نفعله. فقالت: ما كنت لأفعل، وقد صدقتم، وهكذا مات أبوه فجأة. قال: فجاءت معنا فحملته إلى منزلها فأصلحت أمره ودفنته. وقد ذكرت هذه القصة بعينها في وفاة نبيه المغني، وخبره في ذلك يذكر مع أخباره إن شاء الله تعالى.

أخبرنا يحيى بن عليئ وعيسى بن الحسين الزيات واللفظ له، قالا حدثنا أبو أيوب قال حدثنا أحمد بن المكي قال: غنيت إبراهيم بن المهدي لسياط: ضاف قلبي الهوى فأكثر سهوي 

فاستحسنه جدا، وقال لي: ممن أخذته؟ قلت: من جارية أبيك قرشية الزباء، فقال: أشعرت أنه كان لأبي ثلاث جوار محسنات كلهن تسمى قرشية، منهن قرشية الزباء وقرشية السوداء وقرشية البيضاء، وكانت الزباء أحسنهن غناءً يعني التي أخذت منها هذا الصوت، قال: وكنت أسمعها كثيراً تقول: قد سمعت المغنين وأخذت عنهم وتفقدت أغانيهم، فما رأيت فيهم مثل سياط قط. هذه الحكاية من رواية عيسى بن الحسين خاصة.

نسبة هذا الصوت

ضاف قلبى الهوى فأكثر سهوي       وجوى الحب مفظع غير حلو

لو علا بعض ما علاني ثبـيراً       ظل ضعفاً ثبير من ذاك يهوي

من يكن من هوى الغواني خليا       يا ثقاتي فإننـي غـير خـلـو

الغناء لسياط ثاني ثقيل بالوسطى في مجراها عن إسحاق.

 

من المائة المختارة

يا أم عمرو لقد طالـبـت ودكـم       جهدي وأعذرت فيه كل إعـذار

حتى سقمت، وقد أصبحت سالمةً،       مما أعالج من هـم وتـذكـار

لم يسم قائل هذا الشعر. والغناء للرطاب. والرطاب مدني قليل الصنعة ليس بمشهور. وقيل له الرطاب لأنه كان يبيع الرطب بالمدينة. ولحنه المختار هزج بالوسطى.

تصدع الأنس الجمـيع       أمسى فقلبي به صدوع 

في إثرهم وجفون عيني       مخضلة كلها دمـوع

لم يسم لنا قائل هذا الشعر ولا عرفناه. والغناء لدكين بن يزيد الكوفي. ولحنه المختار من خفيف الثقيل بالوسطى، وهكذا ذكر إسحاق في الألحان المتخارة للواثق. وذكر هذا الصوت في مجرد شجا فنسبه إلى دكين، وجنسه في الثقيل الأول بإطلاق الوتر في مجرى الوسطى. وذكر أيضاً فيه لحناً من القدر الأوسط من الثقيل الأول بالخنصر في مجرى البنصر، فزعم أنه ينسب إلى معبد وإلى الغريض. وفيه بيتان آخران وهما:

 فالقلب إن سيم عنك صبراً       كلف ماليس يستـطـيع

عاص لمن لام في هواكم       وهو لكم سامع مطـيع

 

من المائة المختارة

يأيها الـرجـل الـذي      قد زان منطقه البيان

لاتعتبن على الـزمـا       ن فليس يعتبك الزمان 

الشعر لعبدالله بن هارون العروضي. والغناء لنبيه المغني، ولحنه المختار ثقيل أول بالبنصر.

فأما عبدالله بن هارون فما أعلم أنه وقع إلي له خبر إلا ما شهر من حاله في نفسه. وهو عبدالله بن هارون بن السميدع، مولى قريش، من أهل البصرة. وأخذ العروض من الخليل ابن أحمد، فكان مقدماً فيه. وانقطع إلى آل سليمان بن علي وأدب أولادهم، وكان يمدحهم كثيراً، فأكثر شعره فيهم. وهو مقل جداً. وكان يقول أوزاناً من العروض غريبة في شعره، ثم أخذ ذلك عنه ونحا نحوه فيه رزين العروضي فأتى فيه ببدائع جمة، وجعل أكثر شعره من هذا الجنس. فأما عبدالله بن هارون فما عرفت له خبراً ولا وقع إلي من أمره شيء غير ما ذكرته.         

------------------------------------------

أضيفت في 10/04/2005/ * خاص القصة السورية/عن موقع الوراق

 

 

  كيفية المشاركة  

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية