أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 03/09/2022

الكاتب: مازن رفاعي-رومانيا

       
       
       
       
       

 

نصوص أدبية

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

أديب ومحرر صحفي

مواليد حلب 1963 (مقيم في بوخارست – رومانيا )

(دبلوم زراعة واقتصاد زراعي من كلية الهندسة الزراعية – حلب سوريا )

 

مدير تحرير مجلة الصداقة الصادرة عن رابطة المغتربين العرب السوريين في رومانيا 2001-2008.

عضو أسرة تحرير مجلة الاتحاد الصادرة عن اتحاد العرب في رومانيا .

مدير مكتب مجلة النهضة الكويتية برومانيا.

عضو المركز الثقافي العربي في رومانيا.

المدير الإعلامي للنادي الثقافي السوري برومانيا.

عضو مؤسس للنادي الروماني العربي للثقافة والإعلام.

مؤسس ومدير موقع  الانا نيوز الاخباري

 

كتب العديد من المقالات الصحفية والأدبية والعلمية في مجلات متخصصة في سوريا -  ونشرت له العديد من الصحف الرومانية قصص مترجمة من اللغة العربية .إضافة إلى المقالات التي نشرت في صحف ومجلات الكويت.

 

صدرت مجموعته القصصية " بقايا أحلام ممزقة " باللغة العربية والرومانية ,اشرف على ترجمتها من اللغة العربية المستشرق الروماني البروفسور " جورجي غريغوري" .وتم الاحتفال بإصدارها في اكبر معرض دولي للكتاب في رومانيا ."GAUDEAMUS"

 

له عدة أعمال روائية وقصصية تحت الطبع، من أهمها:

يوميات عربي في رومانيا (ملفات الفرح).

الصوفية الرفاعية.

تجارب حوار الحضارات في رومانيا.

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

موعد مع الخيانة

عودة سارة

 رسالة أم لولدها

 

 

رسـالـة أم لـولـدهـا

 

تسع عشر سنة مرت على زواجي.

تسعة عشر ربيعا من عمر ابنتي سارة.

تسعة عشر حولا وأنا بعيد عنها.

قبل أيام من عيد زواجي التاسع عشر

هاتفتني وحادثتني. قالت لي:"اشتقت إليك،

أريد أن استرجع معك أيام زمان،

أريد أن استمع إلى أحاديثك،

أريد أن المس بأناملي وجهك واقبل وجنتيك،

أريد أن اشتم رائحتك."

أغلقت السماعة ودموع الشوق في عيني

تبحث عن مهرب،

أبحرت في محيط الذكريات مبتسما حينا، عابسا أحيانا.

هي اليوم تحتاجني وتريد أن تراني. دعوتها غريبة

فوالدتي لم تعتد أن تهاتفني،

وأحيانا تمر شهور لا تتحدث فيها معي.

اعتادت أن اتصل بها بين الحين والأخر،

فقد كانت تخطر على بالي في كل مرة يعاندني بها "سامر"،

فاذكر كم كنت قاسيا حين كنت أعاندها،

فأخابرها لابث لها محبتي واطلب دعواتها واستمع لصوتها

وهي تدعو لي بالرزق والتوفيق.

بعد أن أغلقت السماعة انتابتني الشكوك وحلقت في سماء مخيلتي.

فاتصلت بأختي المتزوجة أشاركها شكوكي.

ومن ثم اتصلت بابنة عمي وابن خالتي الجميع قالوا :

"تعلم أنها مريضة وكبيرة السن. سنعلمك حين تحين الساعة."

لاحقا علمت أنها وفي أيامها الأخيرة خاضت معركة غير متكافئة مع الألم، حاربته بصمت.

قالوا لي انه في لحظاتها الأخيرة كانت تعارك ملاك الموت،

تريد أن تمنع عنه أغلى ما تملك.

وكانت تواجه الموت بسبابتها موحدة ربها.

واخبروني أنها لم تزعج أحدا برحيل روحها،

فقد استسلمت بصمت في معركتها الخاسرة

حين قبلت أن تستبدل الألوان بلون واحد هو لون الظلام.

لم تزعج أحدا، فقد أغمضت عينيها

وغادرت راسمة على وجهها علامة الرضا والاطمئنان.

قالوا لي أنها كانت تبتسم موتا

كما لو أنها نائمة وتحلم أحلامها السعيدة .

أحلام رؤيتك ومعانقتك وضمك

كما كانت تفعل حين ربتك صغيرا .

لم تنساك. صورتك بجانب سريرها كانت آخر ما وقعت عليها عيناها قبل أن تغادر.

الحزن صديق مخلص رافقني في دروب حياتي

ولم يتخل عني حتى في أوقات الفرح.

دموعه دائمة الهطول على حقول الحزن المزروعة

على الخدود ترويها وتبقيها نضرة.

 

يشع الحزن من النفس ومن القلم ومن الوجدان.

اليوم تحول كلي إلى منبع للأحزان،

الحزن أصبح سيدا سيطر على كل جوانحي

وانفجرت الغصة دموعا، وتحولت الدموع إلى انهار

تحطم كل السدود التي تعترض طريقها.

اليوم استلمت آخر رسائلها،

وصلتني بعد أشهر من وفاتها كتبت فيها:

ولدي الحبيب:

ربما تكون هذه رسالتي الأخيرة لك،

إذ أني أعتقد أن الوقت قد آن للفراق.

ولكنني أودع حياتي وأنا سعيدة بأنك

كنت أغلى إنجازاتها.

في الآونة الأخيرة كبر اشتياقي لك،

وددت فقط أن أودعك،

وان أطبع قبلتي الأخيرة على خدود أغلى ما ملكت،

فهاتفتك آملة في آخر وصال،

 

استمعت إلى صوتك كآخر لحن،

وانهارت دموعي حين علمت أن مشاغلك وظروفك

لن تسمح لك بالعودة إلى جذورك،

وان أمنيتي الأخيرة لن تتحقق. يومها حزنت وبكيت،

ولكن في اليوم التالي استيقظت وأنا اشعر بالرضا لأنك لن تأتي.

حدثت نفسي بأنك لن تأتي لأنك تحبني،

ولا ترغب أن تراني في آخر أيامي ضعيفة وعاجزة،

فقد اعتدت على أن أكون قوية معطاءة سندا لك ولإخوتك وقت الشدائد. واعتدت على أن أرعاكم لا أن ترعوني.

كل شيء لم يعد كما كان يا ولدي، فأنا أتحرك بصعوبة،

وأقوم بمشقة، فالزمن نال مني،

والكهولة سيطرت على أعضائي كلها، إلا قلبي

فلازال شابا ينبض بحبك، منذ أن حملتك فيه حين كنت تقطن في أحشائي.

من على فراش الموت اكتب لك لأقول، بك سأقهر الموت،

ولو غاب جسدي فأنت ستظل امتداد لبقائي، وعبرك أنا سأستمر فقد أورثتك خلاياي، ومنحتك ذخيرة معرفتي.

هكذا نحن بني البشر حين نكون صغارا نسابق الزمن لنكبر، وحين نكبر نتمنى لو نعود صغارا،

نضيع صحتنا لجمع المال ونصرفه لنستردها ثانية.

اكتب لك يا ولدى لا أقول

ما اعتدت سماعه منذ نعومة أظافرك، اكتب لأخبرك

أني احبك كما تحب كل أم ولدها.

يا ولدي لن تستطيع أن تجبر أحدا على أن يحبك،

ولكنك تستطيع أن تجعل نفسك محبوبا، تستطيع أن تطلق على نفسك ما تشاء من صفات وألقاب ولكن ما يلتصق بك

هو ما يعترف به الآخرون.

اعلم انك في مغتربك تحارب ساعيا لكي تصبح غنيا،

لذلك أقول لك: الغنى هو غنى النفس،فالغني ليس من يملك أكثر بل هو من يحتاج اقل.

الأسد لم يصبح ملكاً للغابة لأنه يزأر ولكن لأنه عزيز النفس، لا يقع على فريسة غيره مهما كان جائعاً يتضور.

لا تغرك يا "مازن" الحياة فهي قصيرة مهما طالت،

والدار التي تسكنها بعد الموت هي التي تبنيها قبله.

اكتشفت يا بني أن أعظم فضيلة في الحياة.. هي الصدق.

المتحدث الذي لا يسمع ثرثار، والمعلم الذي لا يتعلم جاهل، أما الإنسان الذي يأخذ دون أن يعطي، فملعون ملعون.

لا تتوسل لنذل، يذل ويحقر. لا تتشمت ولا تفرح بمصيبة غيرك.

بعين النحل تعود أن تبصر فلا تنظر للناس بعين ذباب

فتقع على ما هو مستقذر.

لا تصدق كل ما يقال ولا نصف ما تبصر.

لتعلم أنه في البشر نسخ من الحرباء تلون جلدها بلون المكان.

إذا أردت أن تكتشف صديقاً سافر معه،

فالسفر يسفر عن الأخلاق والطبائع،

وإذا ابتلاك الله بعدو، قاومه بالإحسان إليه.

وحينما يثق بك أحد فإياك ثم إياك أن تغدر.

وإذا قذعك الناس بالنقد، فافرح فلا يُرمى إلا الشجر المثمر.

لا تحاول إصلاح الكون فبفقدان الشر والكذب

لن نصبح نحن شرفاء ومميزين.واعلم انه إذا اشتد سواد السحب، فان المطر بات قريبا.

الأطفال يا ولدي ثمار الحياة،إذا لم تحمها حمضت وعطبت،

وأفسدت وأضرت.

قال الحكماء: اتركوا الأولاد للأمهات، ولكن لا تتركوا الأمهات للأولاد،

لأنه من العجيب يا ولدي أن تطعم الأم سبعة أولاد.

ولكن سبعة أولاد لا يطعمون أماً.

ختاما أرجو من الله العلي القدير

أن يحفظك ويقيك من كل شر،

وان يجعل لك في كل خطوة

طريقا للسلامة،

وان يرزقك القناعة

فهي أعظم الكنوز.

وأوصيك خيرا بإخوتك

فأنت قطعة منهم وهم قطعة منك،

ورحم الله والدك

فقد كان أبا عطوفا

وزوجا صالحا،

وإنا لله وان إليه لراجعون . أمك

 

اليوم انفجرت ينابيع أحزاني.

الغصة تحولت إلى انهار دموع.

اليوم عرفت ما معنى كلمة أم.

لقد رحلت وتركت لي آخر دروسها

في الحياة.

مع كل جملة في رسالتها

تنهار دمعة وزفرة وآه.

دموع الحزن تمتزج مع دموع الندم

ودموع الخوف ودموع الحنين .

 

سامحيني يا أمي

فأنا لم أكن ما تودينه.

اغفري لي تقصيري،

وارحمي ضعفي،

واقبلي ندمي،

وسامحيني،

فقد كنت جاحدا ناكرا للمعروف.

لقد أقرضتني

ولم استطع أن أرد الدين.

 

 

عودة سارة

 

تتململ في سريرها، وتكشف عيناها ربيعا اخضر.

ترنو إليه بنظرة مختلسة وهو يلهث ممارسا رياضته الصباحية.

تقع عيناه على وجهها المتواري

خلف الوسادة فيتذكر مشاجرة الأمس.

كم كان غاضبا في الأمس؟

لم يعرف مثل هذا الغضب منذ بداية تعارفهما.

عرفها حين كانت وردة تبدأ بالتفتح.

لم يقطفها ويرميها، بل حضنها ورعاها،

وحاول أن يكيفها مع مفاهيمه، وينشئها في محيطه.

حيويتها، رقتها، انطلاقتها، حريتها،

كانت كنوزا يتمنى لو حازها.

في لقائهما الأول أعادته عيناها لقريته الجبلية البعيدة.

وحين انسابت نظراته كشلال على قدها الروماني،

قفزت خيالاته إلى لاعبة الجمباز ناديا كومانتشي.

إحساسه بدقات قلبه المتسارعة

زادت من الحمرة التي هاجمت وجهه

في حديثهما الأول الذي دار بينهما بجميع اللغات،

وكان أكثرها تمكنا لغة الإشارة.

ويذكر أنها حين سألته مبتسمة بدلال

"هل أنت عربي؟"

أجابها بفخر وزهو تلك الأيام: "نعــــــــــم."

تعددت لقاءاتهما، ونمت الألفة، وتراكمت المودة.

علمته اللغة، الطرق والشوارع، العادات والتقاليد.

أعجبها صدقه، صراحته، رقة عواطفه، ثقافته وكرمه.

وأعجب برقتها، وأنوثتها، ثقتها بنفسها وجمالها.

أثمرت علاقتهما عن سامر.

وقبل الثورة بأيام تزوجا ورزقا بسارة

في مسيرة حياته واتته الكثير من الفرص للكسب اختار أفضلها و أنظفها، وكون ثروة نظيفة يفخر بها. رفض الكثير من المكاسب

بسبب قوانين تعلم أن يحترمها،

ومبادئ نشأ وتربى عليها،

لم يصبح من أصحاب الثروات الهائلة.

تبدلت الحياة اليوم، وانقلب الكثير من مفاهيم الأمس،

حتى هي لم تعد تلك الطفلة التي كان يلعب معها.

يفهم جدلية التاريخ وحركته،

ويعلم أن تفكيره ديناميكي يقبل بسهولة المستحدثات،

ولكن مالا يستطيع فهمه هو

لماذا تتحول المكتبة من غرفة الجلوس إلى غرفة المؤونة،

وتهمل موسيقى بيتهوفن وموتزارت

ليحل مكانها موسيقى إلكترونية خالية من الحياة؟.

ولا يعلم لماذا اشتاقت إليهما دار الأوبرا،؟

وكذلك مسرح المدينة وحدائقها.

لماذا تحولت علاقاتها الاجتماعية إلى مصالح مادية؟،

وغاب رفاق الفكر واستبدلوا برفاق العمل!.

في هذه الأيام يستعيد غربته تدريجيا

بعد أن فقدها منذ سنوات.

هل فقد قدرته على التأقلم بسبب العمر؟

آم أن السبب هذه البلاد

التي نفضت عن نفسها غبار الأمس وانطلقت مبحرة

في سباق ماكيافيللي محموم؟

في الأمس كان يجلس في منصة الادعاء موزعا الاتهامات بمخالفة الأعراف والقوانين، واليوم يجلس في قفص الاتهام

بتهم الانتماء، وعدم مجاراة العصر، وعدم تفهم الواقع،

يحاكمه أعمدة مجتمع اليوم الذين أدانهم في الأمس.

كل هذا لم يرعبه، ولكن ما يخشاه

هو وصول هذه المفاهيم إلى أولاده.

يريد لسامر أن يكون عالما أو مبرمجا، والمادة تأتي لاحقا.

والدته تريده أن يكون تاجرا يشتري ما يشاء من ألقاب ومناصب.

أخبرها عدة مرات أن قوانين الغاب غير صالحة لتربية أولاده لأنها قوانين خاطئة أجابته"أن يفترس النمر غزالا ليس عملا وحشيا، فهو إن لم يفعل مات من الجوع."

وحين اعلمها

أن هنالك قوانين إنسانية متحضرة،

أخبرته ما يطنطن به دائما جارهم المتنفذ، "القوانين كالحائط

يمر الصغار من تحتها ويقفز الكبار من فوقها ويصطدم الحمقى بها."

كل هذه الأمور تتراكم قطرة قطرة في وعاء صبره.

وما حدث في الأمس كان القطرة التي ملأت الكأس،

فانسكب غضبه على سارة التي عادت متأخرة من حفل ميلاد صديقتها، وخاصة حين علم أن صديقها في الصف

هو الذي أوصلها.

 

تدخلت هي مدافعة عن تصرفات ابنتها متهمة إياه بالتعصب والسلفية،

فبادلها الاتهامات بالانحلال الخلقي للمجتمع والفساد،

فأجابته بأن الإنسان الذكي يتكيف مع بيئته.

صمت الجميع بعد أن ارتفع صوته مهددا متوعدا،

سابا لاعنا،

وحين دلف إلى غرفته استرجع اتزانه،

وجلس متسائلا: "ما الحل؟

هل يغترب ثانية إلى بلده الأم،

أم يقبل أن يتغير نحو الأسوأ؟"

معادلة صعبة،

وقرار أصعب

لا يزال يعتمل في مخيلته حتى اليوم.

 

 

مـوعـد مـع الـخـيـانـة

 

 

يــوم عادي...

لا يميزه عن غيره من الأيام

سوى أنه سيشهد لقائي الأخير بها.

وكعادتي وفي كل لقاء

أحاول أن أستحضر بعض الخواطر الجديدة،

لأعبر لها عن مكنون قلبي.

مضيفا بعض التوابل لمشاعري وأحاسيسي

ليكتسب لقاءنا نكهة المحبين وطعم العشق والوله.

"اشتقت إليك أيتها الحنونة الجميلة،

وكنت أشتاق قبلك للطرف الآخر من الماء،

فقد كنت بعيدة ومجهولة أيتها المتمردة الطليقة."

في الطريق إلى لقائنا المعتاد،

يجتر الفكر ذكريات تعارفنا ويلوكها بسعادة .

على درجات العمر صعدت أمامي من الطفولة إلى الشباب.

رأيتها تورق وتزدهر وتمتلئ ثمارها بالأنوثة.

وبمرور السنين ازداد نهمي لتذوقها واستحواذها،

ونمت أحلامي بوصالها، إلى أن أتى اليوم الموعود.

يوم الاعتراف.

أذكر حينها كيف أن القلب طار فرحا

يريد الخروج من بين الأضلاع، ليحلّق من السعادة.

الكلمات تسابقت منسابة عذبة لتصل إلى أسماعها.

المشاعر والأحاسيس أكسبا خدّيها الاحمرار.

عيناها تهاوتا إلى الأرض خجلا وحياء.

تعددت لقاءاتنا وتحولت قصتنا شعرا على الدفاتر،

ورسما على القلوب، ولحنا في أغنية حياتي.

كتبت لها ما لم يكتبه غيري، وما لم أكتبه أنا لغيرها.

ذات يوم أتتني رافلة في ثوب البراءة،

وانهارت أمامي باكية معترفة بأنها خاطئة،

لا تستحق كل هذا الحب.

حدثتني عن بحار هائجة، وأمواج قاتلة، وسفن غارقة.

حدثتني كيف حازت على الإثم والخطيئة

في لحظة تهور عابرة،

وكيف أنها تبحث عن حب يدفئها،

وعقل يفهمها، وقلب يسامحها.

أحلامي المؤودة تناثرت على ضريحها أفكار سوداوية.

تحطمت الآمال بمطرقة الآلام

وبدا المستقبل ضبابيا.

حدثتني عن آهاتها وأحزانها، عن الندم والألم،

عن الغفور الرحيم، عن التوبة النصوح

على باب حبها وقفت مشدوها كطير جريح

يرتفع ويهبط، ولا يقوى على الدخول.

في ليلة ذاك اليوم تعرفت على الأرق

وسهرت معه حتى مطلع الفجر.

في اليوم التالي

جمعت الحنان والحب، الذكريات الجميلة،

هتكت عذرية الفكر واللغة، وخاطبتها. قلت لها:

"من يحب لا يكره، ومن يملك دفء الحب

لا يهمه قسوة وبرودة العذاب،

ورب العباد غفور رحيم، فكيف وأنا عبد من عباده؟

لقد أدمنت حبك، فلا مهرب من الإدمان.

لنحرق مراكبنا المتهرئة، ولنبحر سوية بمركب جديد،

مبتعدين عن شواطئ المعاناة والآلام،

لنبحر بحثا عن شاطئ جديد للأمان،

و سأكون طبيبك المداوي، سأشفيك من أمراضك،

وأطلقك من قفص الماضي."

يومها تعانقت أفكارنا، والتحمت شفاهنا، والتصقت أجسادنا.

مرّ أكثر من شهرين،

ومع كل لقاء كنا نبتعد عن الآلام والأحزان،

ونقترب من السعادة والآمال.

وها نحن اليوم نلتقي في يوم عادي لا يميزه عن غيره من الأيام سوى أنه سينحت في الذاكرة مكانه بين الأيام.

اليوم كانت ترتدي وعلى غير العادة وشاحا أسود يزين رقبتها البيضاء.

جلسنا على زاوية المقهى

الذي سيظل شاهدا على قصة حب لم تكتمل.

عيناي وكالعادة كانتا تتأملا وجهها

وتعانقا كل خلية من خلاياها،

وفي غفلة من الزمن التفتت إلى الطرف الآخر.

فابتعد الوشاح عن آثار جريمتها،

علامة الخيانة الحمراء على رقبتها

نظرت إليّ محدقة بتحدٍ.

خفقات قلبي ازدادت. جملتي العصبية تحفزت.

بوصلتي الداخلية فقدت الاتجاهات.

طلبت منها خلع الوشاح برقة،

ومن ثم بلهجة آمرة نزقة،

تحررت العلامة

وخرجت من تحت ظلام الوشاح الذي فرض عليها،

فبدت واضحة تحت ضوء النهار.

سألتها من زرع هذه العلامة هنا؟

وبلهجة امتزجت فيها مشاعر الغيرة مع المزاح والحيرة والتساؤل

تماديت متسائلا: "هل التقيت به؟"

إيماءة مكسورة الوجدان

كانت كصاعقة انقضت على مشاعري

وكقنبلة نووية تنفجر في رأسي.

انهالت الأسئلة بعدها:

"كيف؟ ولماذا؟ ولم؟ وأين؟ ومتى؟"

عذرها الأقبح من ذنبها، ردها اللاإنساني، اللامبالي،

لا يزال يتردد على أسماعي كمعزوفة جنائزية.

أجابت بهدوء إجرامي:

"طلب مني موعدا، لقاء وداع، وألح.

رفضت.

فلمّح لي مهددا أنه سيكون لقاء الوداع،

فوافقته خوفا وخشية،

تحدثنا وتصافينا، وقبلني قبلة أخيرة تاركا تلك العلامة.

ولكن أقسم بأغلى ما أملك أن كل شيء انتهى بيننا،

كان لقائي الأخير به."

وانهارت دموعها.

لا أدري أكانت دموع خوف؟

أم دموع ندم؟ أم كلاهما؟

قلت لها مودعا:

"نعم، كل شيء انتهى."

مساء الحزن، مساء الغدر والخيانة، وصمتت، أغلقت فمي،

وجعلت عينيّ تصرخ.

اليوم تعرفت على الغدر،

ولأول مرة في حياتي،

اليوم اكتسبت صداقات جديدة.

ها هي الخيانة تصادقني،

وها هو الأرق صديقي يعود إلى زيارتي،

وها هي الليالي تسامرني،

فأباري نجومها بالأرق.

اليوم كتبت لها آخر رسائلي

التي لم تستلمها.

على أنغام أغنية لست قلبي

لعبد الحليم حافظ

كيف يا قلب ترتضي

طعنة الغدر في خشوع؟

وتداري جحودها

في رداء من الدموع؟

لست قلبي

وإنما خنجر أنت في الضلوع"

كتبت لها:

"لا، لست لي ولا حبك لي.

أنت ورد ما به رائحة.

لونه الأحمر أدمى مقلتيّ". 

 

أضيفت في 07/12/2008/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية