أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 04/09/2022

الكاتب: مصطفى مراد-فلسطين

       
       
       
       
       

 

 

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

من مواليد 1958. شاعر وكاتب من فلسطين (أراضي 1948).

عمل في الصحافة الفلسطينية لفترة طويلة.

أسس مكتب منشورات الطلائع، ومنتدى الطلائع الثقافي.

وبادر إلى تنظيم مهرجان الشعر الفلسطيني، حيث تم تنظيم 3 مهرجانات في الأعوام، 2000، و 2001، و 2003.

 

مؤلفاته:

1. من الوطن (شعر). 1982

2. أنت الحقيقة أين الفرح؟ (شعر) 1984.

3. قصائد مكسّرة (شعر) 1988.

4. قال البحار المدهش (شعر) 1996.

5. الله والناس (قصص) 1999.

6. كتاب الأشياء والأسماء (شعر) 2001.

7. محمد وأبو محمد وشهاب الدين (قصص) 2002.

8. موتا سوف تموت أيها النهر (شعر) ـ مخطوط.

9. بنت وصبي (شعر بالعامية) ـ مخطوط. 

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

باص

أبو محمد

محمد 

 

 

محمد

 

من بعيد بعيد صاح الولد: " يا باااااااا...".

هرعت للشباك. كنت أعرف.

ـ يابااااااا.....

سمعتها، وعرفت ما ينتظرني.

ـ شو؟

ـ مِيِّه يابا.. مِيِّه... كلّها مِيِّه...

كان قد وصل الى البئر القديمة التي تبعد حوالي 200 متر عن البيت. وكان، وحده، أول العائدين.

رأيته يركض. كانت شنطته الثقيلة ترتجّ على كتفيه وتدفعه الى الأمام. خُيِّل إليّ أنها كانت تشاركه فرحته، وتشاركه ركضه معتزّة بالشهادة المدرسية التي تختبىء فيها.

أدركت أنّ ساعة الحقيقة قد دقّت. وندمت أنني لم أحسب حساب هذه اللحظة. ولكن هيهات. تابعته عيناي من الشباك يندفع نحو البيت، وشعور من السعادة والاعتزاز يتدفّق في ضلوعي، يخالطه شعور عميق بالحزن

يطغى عليه.

 

******

 

قبل شهرين، جاء ووقف أمامي مثل القطّ المتحفِّز للانقضاض: يابا.. بدِّي بسكليته.

نظرت إليه وابتسمت. أعرف حركاته هذه، وأحفظها عن ظهر قلب. وأحبّها.

يابا..، أعاد آمرا، بدِّي بسكليته. روح إلعب. بدِّي بسكليته. روح إلعب. بدِّيش. طيب.. روح أدرُس. بدِّيش.. بدِّي بسكليته. إنتِ واحد مفطِّس.. بِكفِّيش إنَّك تيس؟! وبِدَّكْ بسكليته؟! أنا مش تيس. تيس. لأ مش تيس.. إمبلى تيس.. جبت 90 بالحساب. جبت ميِّه. بالعربي لَكان جبت 90. جبت ميِّه بالعربي، بالدين جبت 90. آه، وشو بِدَّك؟! بدِّي بسكليته. إطلع برَّا. بِدِّيش. إطلع برّا قبل ما أدبحك. إدبح.. إسّا بَقوم. قُوم. وقمت ولكنه لم يتزحزح من مكانه.

ظلّ منتصبا أمامي مقهورا متنمّرا، يدقُّ، بين الفينة والأخرى، الأرض، بقدمه اليمين، ويكرّر اللازمة. بدِّي بسكليته.. بدِّي بسكليته. قررت أن أتجاهله. وضعت عينيّ في الكتاب. صمَتَ. حين قال لآخر مرّة، بدِّي بسكليته.. كل الأولاد عندهن بسكليته، كان صوته قد تغيّر. خالطه شيء من البكاء. انتبهت لتغيّر صوته. رفعت رأسي. كانت دمعتان كبيرتان قد بدأتا تنزّان من عينيه.

صمت.

نظر الى لا شيء.

كانت دموعه تملأ وجهه.

نكّس رأسه قليلا ومسح أنفه بطرف كمه.

استدار وسار نحو الباب وهو ينظر للأرض.

خرج.

وذبحني.

سمعت صوت أقدامه على درجات البيت. طقطقَ صوتها الثقيل في أذنيّ، فيما كنت أنظر الى الكتاب المفتوح. كانت دموعه ما تزال تسقط في عينيّ، وتغرغر على الحروف التي كنت أحاول أن أقرأها ولا استطيع.

حين تلاشى صوت أقدامه، كان صوت بكائه ما يزال يذبحني.

 

******

 

في المساء، كان أحد الخمسة الذين التفّوا حول الطاولة المنخفضة. لملموا بعضهم حولها، فيما تناثرت الكتب والدفاتر على كل أرض الغرفة حولهم.

زِيحي. زيحْ إنتِ. هذا محلّي أنا... يابا... شوف محمّد.. هذا محلّي. كان يحاول أن يجد موقعا لركبتيه في فسحة بين اثنين أصرّ أن يملأها. هاي مِش طاولتك لَحالك. فتح كتاب الصفّ الثاني وأخذ ينسخ. راقبته. كان قد نسي البسكليته مثلما نسي أشياء كثيرة لم أنس شيئا منها. توقّف عن النسخ فجأة وزاغت عيناه. نظر إليّ. ابتسم. رأيت الله في عيونه.

ـ إكتِب وَلَه... إنسخ..

ـ بَنسخ..

ـ إنسخ مرّتين.

ـ لاه!!.. مرتين؟! المعلّمة قالت مرّة.

ـ إنسخ مرتين.

ـ لاه..! بَنْسَخِش غير مرّة.

العرص. كان معدّل علاماته 97، ولم يكن يهمّه أن يعايره أحد بذلك. أنا شاطر، كان يقول دون اهتمام وبثقة مطلقة . المعلّمة بِتخاوز. وحياة الله المعلّمة بتخاوز. كان مقتنعا بذلك تماما.

كُنّا حين نتحزّر وأسألهم: "مين البطل؟" نسمع خمسة أصوات "أنا". يتّفق الجميع وكلٌّ يدّعيها لنفسه. "مين الشاطر؟" يقول الكل "أنا". يتفق الجميع. مين الـ.. ومين الـ.... وتظلّ اللعبة تدور حتى يقول أحدهم:

ـ مين التيس؟

ـ محمّاد.......

يصيح الثلاثة الآخرون، بصوت واحد، ويمطّونها قدر ما يستطيعون، حتى تفعل المماحكة فعلها، فيما يقول السائل بصوت يحاول أن يجعله أعلى ما يستطيع: ـ صَحّ....

وأسارع عندها لمنع الاشتباك، الذي لا بدّ سيبدأ بعد سِدّ نيعك، وسدّ نيعك إنت.

ترك مكانه، وجاء إليّ يحمل كتابه.

ـ يابا..

ـ ها؟!

ـ يا ريت لو أنا محلّ هذا الولد.. يا ريت لو أنا زيُّه.

ـ أيّ ولد؟!

ـ هون.. في الصورة.. بِدِّي أفوت بالصورة.

نظرت الى الصورة في كتاب القراءة. كان هناك بحر وقارب صغير فيه ولد. وكان ما يزال ينظر الى الصورة ونظرة حالمة تسبح في عيونه.

ـ لويش بِدَّك تصير زيُّه؟!

ـ عشان أسبح بالبحر. قال ببراءة، وعاد الى مكانه يزاحم. زيح. زيحي.

كنت أفكّر بالبسكليته التي نسيها، حين لمعت في خاطري فكرة عبقرية. كنت قد عوّدته: جيب مِيِّه بالامتحان وخذ عشرة شيكل. كان الآخرون يحتجّون. وكنت أقول للكبير موضحا: يابا إنتِ شاطر. بِدّي أشجّعه. ومع ذلك، ورغم كثرة المئات التي حملها للبيت، لم يأخذ عشرة شيكل إلاّ وتدبّرت طريقة لاسترجاعها. كنت أوصيه، حين أعطيه القطعة النقدية، بصرامة: إصرف شيكل كل يوم. طيب. وفي المساء، أو في اليوم التالي أسأله كم بقي؟ تسعة؟ ثمانية؟ وأستعيد المبلغ كلّه. أو تكون أمّه قد تولّت هذه المهمة. المرّة الجاي بعطيك عشرة شيكل إصرفها كلها.. بس اثنين شيكل كل يوم.

يسكت مغلوبا على أمره. طيِّب.

ـ يابا محمد...

ـ شو؟ ورفع عينيه.

ـ بِدِّي أشتريلك بسكليته.

ـ عن جدّ؟ هتف بفرح، وتذكّر واقعة الصباح، وترك موقعه واقترب مني.

ـ آه.. عن جدّ. بسّ بشرط..

واتفقنا.

اذا استطاع تحصيل 100 في كل العلامات على الشهادة، فسأشتري له بسكليته. حسبتها جيدا قبل أن نتّفق، وقبل ان اعرض عليه هذه الفكرة التي اعتبرتها في حينه فكرة عبقرية لتشجيعه على الدراسة، وحلاًّ ذكيا هنأت نفسي عليه.

ـ إحلف

ـ وحياة ألله

ـ وينتا؟

ـ بس تجيب الشهادة

 

******

 

راقبته في الأيام التالية وهو يهلك نفسه في الدراسة. كان الوحيد الذي التزم بأوامري الأبوية ونفّذها بحذافيرها، تلك التي كثيرا ما حاولت أن أفرضها عليه وعلى الجميع، ولم أستطع: أدرس أوّلاً.. بعدين روح إلعب.

التزم بذلك تماما.

كنت قد حسبتها جيدا.. أنا المستفيد. لقد استطعت اقناعه ببذل جهد أكبر في الدراسة. وهذا الجهد سيأتي بنتائج طيبة بالتأكيد. وحين كنت أقف أمام السؤال "ماذا ستفعل لو جاء بشهادة كل علاماتها مائة؟"، لم يكن ذلك يشغلني كثيرا. كنت واثقا ومطمئنا أن هذا لن يحدث. لا بدّ أن تكون هناك علامة أو أكثر تحت المائة بقليل. أقلّ بعلامة.. بعلامتين.. فيكون ذلك تبريرا كافيا لي للتنصّل من الاتفاق. مع هذا كان يساورني بعض القلق أحيانا. ماذا لو حدث ذلك؟

 

******

يوم بدأت الامتحانات ورأيته يقبل على الدراسة

بحماس شديد، كنت سعيدا. كنت أيضا قلقا بعض الشيء. طمأنت نفسي: سأشتري له بسكليته، وأكون الرابح على أيّة حال. دائما يكون هناك لدينا جميعا، إحساس أن شيئا ما سيحدث. سيسقط حجر من السماء. ونظلّ نصدّق ذلك، لأننا نريد أن نصدّقه، رغم استحالته.

ويوم جاء بأوّل ورقة امتحان كنت سعيدا. ولكنّه كان أكثر سعادة. يابا، دير بالك، بسكليته. وأضحك.

ويزيد قلقي مع أوراق الامتحانات والمئات التي تتتالى. ولكنه كان قلقا لذيذا تخالطه سعادة تحقيق الانجازات ونجاح الأولاد. يسألني وشيء من القلق يخالط فرحته: يابا، بِهِمِّش علامة واحدة مش ميّه. لأ... أقول بحزم. إحنا اتفقنا. طيِّب.. يقول بتصميم. وأُطمئِن نفسي: العلامة القاضية قادمة.

ويوم عاد للبيت وعينه مكسورة، فهمت ما حدث دون ان يخبرني. بكى شيء في داخلي. كان أوّل ما يفعله حين يدخل للبيت، أو أدخل إلى البيت، أن يتقدّم مسرعا وهو يحمل ورقة الامتحان. في هذه المرة لم يفعل ذلك. لم يقل إنّ معلّمة الدين "بتخاوز". راجعنا الورقة

معا. كانت الغلطة واضحة. وكانت العلامة 90...

قلت مواسيا: بهِمِّش.. يمكن المعلمة تِحسِب اشتراكك بالصف. لم يطمئنّ. يسأل: بدَّك تشتري لي بسكليته؟ وأحتار كيف أجيب. أختار الحلّ الوسط الذي لا يكسر حماسه ويبقي لي منفذا للهرب: يمكن آه.. ويمكن لأ..

بعد علامة التسعين، وقبل انتهاء الفصل الدراسي بأيّام، كانت كل علاماته مائة، ما عدا تلك التسعين.

ـ بدّك تشتري لي بسكليته؟ سأل بانكسار.

ـ محمّد.. إحنا زلام.. إيش اتّفقنا؟..

يصمت حزينا، وأحاول أن أواسيه، دون أن أقطع تعهّدا صارما على نفسي:

ـ إذا في تسعين واحدة بسّ، بشتريلك بسكليته.. بسّ بعدين..

ـ وإذا كلّ الشهادة مِيِّه؟!

ـ بشتريلك بسكليته بنفس النهار.

ويقول "إحلف"، وينظر إليّ والحزن المتجمّد في عيونه يقول كلّ شيء. وتغيب عيناه في نظرة متمنِّية. كان ما يزال يأمل أن تأخذ معلمة الدين اشتراكه في الصف بعين الاعتبار، عند احتساب العلامة التي ستوضع على الشهادة.

 

****** 

 

وفي اليوم الأخير للفصل الدراسي كان أوّل الذاهبين وأوّل العائدين من المدرسة.

"يابا"... صاح من بعيد، من جانب البئر القديمة.

حين سمعت صوته المتدفّق أدركت ما حدث قبل أن يزعق "يابا.. كلّها ميِّه".. بعد دقيقة كان أمامي، يدور حولي وينطنط "يابا.. كلّها ميّه.. كلّها ميّه..". أخرج الشهادة وناولني إياها. كنت أحاول ان لا تلتقي عيناي بعينيه.

ـ يابا..

ـ ها..

ـ يلاّ.. روح اشتري لي بسكليته..

ـ طيّب..

ـ يلاّ..

كانت فرحته تتنطّط في عيونه. لاحظ بعد قليل أنني

لم أتزحزح من مكاني. يابا. شو؟ يلاّ. كمان شويّه. وينتا؟ كمان شويّه. لأ... إنتِ قلت اليوم. اليوم آه بس كمان شويّه.

حاولت أن أخفف وقع الحقيقة عليه. أحطته بذراعي وانا أقول له: إنتِ بطل.

لم يهتم بما قلته، قال على الفور: يلاّ.

كمان جمعة.. لأ.. اليوم.. معيش.. مخصّنيش.. إنتِ قلت اليوم.. قلت لكلّ الاولاد أبوي بِدّو يشتري لي بسكليته.. بدِّي أشتريلك. إنتِ حلفت. وبحلف إسّا. بسّ كمان جمعة..

نظر في عينيّ. صمَتَ. ابتلع ريقه، وابتلع فرحته. نكّس رأسه وأخذ يحدّق في الأرض.. في اللاشيء. وطال صمته.

كنت أحاول أن أحيط عنقه بذراعي، وأنا أقول وحياة الله بِدّي أجيبلَك بسكليته، حين رفع رأسه. نظر في عينيّ صامتا مقهورا. لاحظت اختفاء البريق من عيونه. مرّت لحظات وهو صامت، ثم عاد ونكّس عينيه وصبّ نظراته على قدميه.

لم يبكِ.

استدار.

تحرّك ببطء نحو الباب، ورأسه للأسفل وعيناه مغروزتان في قدميه.

واصلت النظر اليه صامتا.

لم يقل شيئا.

خرج.

وذبحني مرّة أخرى.

 

 

ابو محمد

 

تمرّ ذكراه في خاطري فيبتهج قلبي. أحيانا.. يحدث العكس. ولكنني اعتقدت دائما أنه هو البطل.

أتذكّره فأحسّ بالأسى والحزن على "أبو محمد"، الذي اختصر حكاية عذابنا وعذابه. الأرض أرض أبونا... كان يقول. كان يردّدها عشرين مرّة في النهار الواحد، ويقرنها أحيانا بجملة التصقت بلسانه يرددها أكثر منها "اللي بِدّو يصير.. يصير".

أتذكّره واقفا بسنواته الستين وقد وضع رجلا على حافّة الصندوق الحديديّ المنخفض، ووضع الثانية على الحافّة المقابلة. يخبط الرمل بالإسمنت والماء. يظلّ يخبط ويخلط، حتّى يتحوّل الخليط إلى بركة طينية من الجدائل السوداء الثقيلة. وعندها يرفع رأسه ويقول: شايف.. هذا العجين لو كان أبيض كنت خبزته.

كان أحيانا يرفع ظهره ويتوقّف عن العمل قليلا ليستردّ أنفاسه. يرتاح ويضيف: هذا العجين الأسود خبزنا.. لولاه ما أكلنا وأحيانا كـان يـقـول: خـبزنا كله أسود. حتى الخبز الأبيض اللّي بنوكله.

يوم قال لي المعلِّم "جبت لك عوزير" (مساعد) لم أصدّقه. اعتقدت أنه يمزح.

أعرفه من سنوات. اشتغلت عنده في كل العطل المدرسية. وأعرف أنه يعصر من يشتغل عنده أكثر بكثير من حبّة الليمون الصفراء. فكيف إذن يمكن أن يعملها ويأتي بشغِّيل آخر ليساعدني؟! هل أحسّ بتعبي؟ هل أشفق على ذراعيَّ وأصابعي التي تتشلّع حين أحمل دِلاء الطين وأكوام البلاط وأصعد بها من مدخل البناية حتى الطابق الثاني وأقدّمها إليه حيث يعمل؟

"إنت شابّ قبضاي" كان يقول مرة أو مرتين أو أكثر كل يوم. فيما كنت أسابقه حتى يتوفّر عنده دائما ما يحتاجه من رمل يفرشه على باطون المسطبة، وطين يفرشه على الرمل ليضع بعدها البلاطة في موضعها. وكنت عندها أبتسم أو أضحك.

كان بلاّطا ماهرا. صاحب صنعة، كما يقولون، ولكنه لم يكن يملك قلعة. ومن هو مثله يحتاج الى مساعِد قويّ يستطيع أن يمدُّه بكل ما يحتاجه دون تأخير أو تقصير. وكان واضحا أنّ هذا المديح الذي يكيله لي، ليس مجانيا. وكيف يستطيع أن يجعلني أظلّ أسابقه فلا ينقطع عنه شيء مما يحتاجه دون هذا المديح؟! كما أنّ هذا المديح يمنعني من الاحتجاج إذا تأخّرنا في العمل واشتغلنا ساعة إضافية أو ساعتين أو ثلاث؟! أنا شاب "قبضاي"... فكيف أشكو من التعب؟! واليومية هي نفس اليومية طبعا!

كنا في الطريق إلى موقع العمل. ورغم أنه أكّد لي أنه لا يمزح إلاّ أنني لم أصدّق حديثه عن "العوزير". ابتسم. قال إنّه يجب أن يتم انجاز العمل في تلك البناية خلال أسبوعين. حين وصلنا لموقع العمل كان الصندوق الذي نعدّ فيه الطين مليئا بالرمل. لم يستغرب المعلم. نادى بصوت عالٍ: "أبو محمد"!

جاء أبو محمد من داخل البناية يهرول.

ـ صباح الخير.

ـ صباح الخير... وين الطين؟!

ـ كيف أحضِّر طين؟! بلكي ما جيتو؟! إسَّا.. دقيقة..

ـ هيك بتعطِّلنا؟!

ـ عطّلتك؟! بدِّي أعطّلك يا أخي.. وِاللِّي بدُّو يصير.. يصير..

وضحك المعلم.. وقال مجاملا:

ـ وِاللي بِدّو يصير.. يصير.. يا سيدي..

كان واضحا أنه يعرفه منذ مدّة طويلة. اعتقدت أنه في الخمسين من عمره، أو يزيد قليلا. عمره، وزِيُّه، القمباز والحطّة والعقال، ذكّراني بجدّي.

رفع الحطّة عن رأسه فبان ما تبقّى على جانبيّ وخلف رأسه من شعر رأسه الأبيض. زاد عمره عشر سنوات. علّق حطَّته على شجرة الليمون القريبة، عند مدخل الفيلاّ التي نعمل فيها. رفع أذيال قمبازه وربطها حول وسطه. حمل الطورية وقال "يا ألله". ووقف وسط صندوق الرمل، وبدأ يخبط ويخلط.

قال المعلم:

ـ إنتِ أُنقل البلاط.. بدنا نشتغل.

لم تدم فرحتي بالشغِّيل الذي أحضره المعلِّم لمساعدتي سوى دقائق. كنت أمنِّي نفسي أنّ العمل سيكون سهلا من الآن فصاعدا بعد أن نتقاسمه أنا و"أبو محمد". اعتقدت طيلة الوقت أنّ هذا العمل يحتاج الى عاملين. ولا يكفيه عامل واحد حتّى لو كان "قبضاي".

حين وصلت بالحِمل الأوّل من قِطَع البلاط الى داخل البناية، اكتشفت سبب إحضار عامل جديد. واكتشفت أيضا، لماذا كان "أبو محمد" ينتظر داخل البناية حين وصلنا الى هناك. كان المعلِّم قد أحضر أيضا معلِّما آخر مثله. وكان هو و"أبو محمد" ينتظران وصولنا لبدء العمل. فهمت عندها حديث معلِّمي عن ضرورة انجاز العمل في البناية خلال أسبوعين.

حدّثتُ نفسي: تماما كما عرفته. وحدّثتُ نفسي: وماذا سيضرُّني؟! معلمان وشغِّيلان. لم يتغيّر شيء.

 

* * * * * * * 

 

أتذكّرك يا "أبو محمد".

قامة طويلة. نحيفة مثل رقبة زرافة. محنيّة قليلا عند أعلى الظهر. وساعدان تبرز العظام فيهما مثل سكاكين اللحام الطويلة، ولكنّ اللحم فيهما قليل!

أتذكّر الأوف الطويلة.. "أوف.. الأرض أرض أبونا". ضحكت حين سمعتها لأوّل مرة. كان قد مضى نصف النهار الأوّل.. نظر إليّ وسأل: مالَك بتضحك؟ بَضْحَكِشْ. لا ضحكت. مضحكتش.. إضحك يا سيدي.. واللّي بِدُّو يصير يصير.

نقلت عددا كبيرا من قِطَع البلاط التي تكفي المعلّمين الاثنين لنصف ساعة أو أكثر، وتوجّهت لنقل بعض دِلاء الرمل. أخذ "أبو محمد" يزوِّد المعلّمين بدِلاء الطين. كان يجب أن أنجز نقل الرمل بسرعة، للتفرّغ لإعداد صندوق آخر من الطين. توجّهت نحو كومة الرمل وعندها، تنبّهت لما يفعله "أبو محمد". كان يرفع يديه للأعلى، يمدُّهما وينزلهما. يكرر ذلك مرة أو مرتين، ثم يقبض أحد ساعديه ويمرِّر كفّ اليد الأخرى عليه من الرسغ حتى الكوع ويضغط. ثم يعود ويرفع ساعديه للأعلى.

ـ عمِّي "أبو محمد"!

رفع عينيه الغائرتين.

ـ نعم أيها البطل. قالها بعربية فصيحة، وابتسامه مازحة تلوح على وجهه.

ـ أُنقل إنتِ الرمل، وأنا أنقل الطين.

 

* * * * * * * 

 

عندما بدأت بتحضير الطين من جديد ساعدني بنقل الرمل إلى الصندوق الحديديّ. وقفت على حافّتي الصندوق وأخذت أخلط المواد.

ـ أُضْرُب.. قال، أُضرُْبْ.. واللي بدُّو يصير.. يصير...

ابتسمت دون أن أرفع ظهري.

ـ هات أساعدك أيُّها البطل.

ـ خلِّيك واقف.. أنا شابّ..

ـ وأنا شابّ.

ولكنني لم أتنازل عن الطورية.

ولأنّ الطين المجبول أثقل من الرمل، اتفقنا: الرمل عليه والطين عليّ. أما البلاط فنتقاسم كلانا نقله.

ـ اتفقنا؟!

ـ اتفقنا. واللّي بدُّو يصير يصير.

كنت أنقل عشر بلاطات أو أكثر في المرّة الواحدة. نظر إليّ بعد أن حمل عشر بلاطات مثلي وقال: يا زلمه إحمِل ستِّه.. سبعه..

ـ يا "أبو محمد" إنتِ مِشْ شابّ..

ـ أنا شابّ..

ـ إنتِ مش شابّ. إحمِل ستِّه..

لم يكن ممكنا أن أحمل ستّ بلاطات. كنت أدرك أنّ حمل مثل هذا العدد من قطع البلاط يعني أن أحمل في نقلتين ما أقدر على حمله في نقلةٍ واحدة. وكان يدرك أنّ هذا معناه أن نتعب أكثر، بدل أن نستريح. المطلوب من الشغِّيل أن يزوِّد معلِّمه بما يحتاجه. فإذا استطاع سدّ كل حاجاته بسرعة، تظلّ لديه بعض الدقائق، بين فترة وأخرى، للاستراحة والتقاط الأنفاس.

عندما التقينا داخل البناية وفي يديّ دلوان من الطين، وفي يديه ستّ بلاطات قال المعلِّم:

ـ أبو محمد.. كيف حالك؟! والله زمان يا زَلَمِه!

ـ الحمد لله.. جبل على جبل.. وإحْنا مِش جبال..

نظر المعلِّم إليّ وقال:

ـ هذا شابّ "قبضاي"..

ـ هذا شابّ بطل..

ورفع المعلِّم الثاني عندها رأسه عن البلاطة التي كانت بين يديه، ونظر جيدا إلى الشاب "القبضاي" والبطل.

في اليوم التالي شاهدت مع "أبو محمد" منشارا صغيرا. رأيته يدسّه بين الأعشاب تحت الليمونة المهملة القريبة من صندوق الطين. أمضى أوّل النهار وهو ينظر إليها. ثم صار كلما توقف عن العمل ليرتاح، لا يرتاح بل، يقترب من الشجرة ويقطع أحد أغصانها الصغيرة المهملة وهو يغنّي: الدار دار أبونا.

ـ مِنْ وين دار أبوك يا زَلَمِه؟! إنتِ من حيفا؟! سألته.

ـ أنا فلاّح أيها البطل. كلّ شجرة في هَالأرض إلي.

وفي صباح الغد كانت شجرة الليمون قد تغيّرت. كانت أغصانها منتظمة ومشذّبة وصارت فتية ومهذّبة وكلّ ما تحتها وما حولها نظيف. شذّب "أبو محمد" أغصانها بأنامل فلاّح ماهر. كان ينام في موقع العمل في البناية الجديدة التي نعمل بها التي كانت بلا أبواب.

وقفت أمام الشجرة أنظر اليها بإعجاب. لاحظ ذلك واقترب وأخذ ينقل نظراته إليّ وإليها: كيف؟!

لم يقل "أيها البطل". كان هو البطل الآن، وكانت إمارات الزهو واضحة على وجهه.

ـ إنتِ مِش فلاّح، قلت، إنتِ جنايني.

انفرجت أساريره.

ـ بِتْخافِش من النوم لَحالَك هون؟!

ـ أخاف؟! من شو؟! إللّي بِدو يصير يصير..

بعد أسبوع كان أكثر من نصف العمل قد تم إنجازه. وصل صاحب الفيلا إلى موقع العمل. حين مرّ من جانبنا قال "شالوم". ردّ أبو محمد "شالوم". لم ينتبه للتغيير الذي طرأ على شجرة الليمون. حين ابتعد أخذ أبو محمد يغنّي اللازمة: الدار دار أبونا...

ابتسمت. هل غضب لأنّ "الخواجا" لم يلاحظ التغيير الكبير الذي طرأ على شجرة الليمون؟!

ملأ دلوين من الرمل وحملهما وسار الى داخل البناية. في وسط الطّريق قال وهو يتابع سيره دون أن يدير ظهره:

ـ أنا عارف ليش إنتِ مبسوط أيّها البطل.. بدَّك تقبض اليوم..

كان واضحا أنّ صاحب الفيلاّ الذي جاء يتفقّد ما أنجِز من العمل، جاء أيضا ليدفع مبلغا على الحساب للمعلم الذي سيدفع لنا. وكان "أبو محمد" سعيدا. اليوم يوم الجمعة. سوف يقبض أسبوعيته، وسوف يسافر إلى بلده التي نسيت اسمها، التي تقع بالقرب من جنين.

في ساعات العصر المبكّرة جمعنا عدّة الشغل. غسلناها كما نفعل في آخر كلّ يوم، واجتمعنا عند شجرة الليمون.

أخرج المعلِّم من محفظته المنتفخة رزمة كبيرة من الأوراق النقدية. عدّ: واحد اثنين ثلاثة اربعة خمسة ستة. ناولها للمعلم الثاني الذي يشتغل عنده.

حسدته.

ستمائة ليرة يعني ضعف أجرتي بالضبط.

ناولني المعلم ثلاث ورقات جديدة من فئة المائة ليرة قائلا: "تفضّل يا قبضاي".

قال أبو محمد الذي كان ينتظر دوره: هذا بطل. تناول الأوراق الثلاث من المعلّم. عدَّها، مع أنّها لم تكن بحاجة الى ذلك، وظلّ واقفا. قال بعد برهة: بَعِد ستّين.

ـ شو؟!

ـ بَعِد ستِّين.. عشر ليرات كل يوم على الحراسة.

ـ أيّ حراسة؟!

ـ هيك اتفقت مع معلِّمي. عشر ليرات على الحراسة.

ـ ما قلِّيش.

ظلّ المعلِّم الثاني صامتا. لا يريد أن يؤكّد أو ينفي اتفاقه مع "أبو محمد"، واتّفاقه مع المعلم على ذلك.

كان أبو محمد قد بدأ ينظر اليه بطرف إحدى عينيه. ثم بدأ وجهه يغضب. عندما قال له المعلم: "إنتِ كنت تُحرس وِلاّ تْنام؟"، وَلّع. أجاب بحدّة:

ـ كنت أحرس.. أقولَّك، كنت أنام... ضاع إلك إشي؟!

ـ لازم يضيع؟!

ـ طيِّبْ.. هات الباقي.

كان وجه المعلّم قد بدأ يتغيّر، ولكنّه أضاف بشيء من اللين:

ـ أبو محمد.. إنتِ أخذت مثل ما أخذ الـ"عوزير الثاني".

ـ والحراسة؟!

ـ أيّ حراسة؟! إنت بتحمل أربع بلاطات ونص سطل رمل.. فِكْرَك مِش شايفين؟.. وأعطيناك نفس الأَجار..

لم يجب أبو محمد.

رفع طرفيّ قمبازه، وربطهما عند وسطه، فعاد كما يكون طيلة نهار العمل. هرول إلى داخل البناية. همس المعلِّم الثاني عندما ابتعد: "يا زلمه أعطيه مصريّاتو". عاد يحمل شاكوش المعلّم الكبير. صاح المعلم:

ـ شو بِتساوي؟! رجِّع الشاكوش محلُّو..

ـ حُطّهِن قبِل ما أكسِّر البلاط..

تحرّك المعلِّم الثاني من مكانه استعدادا لأيّ تطوّر وهو يقول: "بْتِحْرِزِشْ..". لم يغيِّر المعلم وقفته. وجهه فقط كان قد تغيّر. صار أسود مثل الطين.

ـ بِدَّك تكسِّر البلاط؟!

ـ بَكَسّرو..

ـ تْكَسّرو؟!

ـ آه.. بَكَسّرو..

ـ إسّا بَجيبلَك البوليس..

طار صواب أبو محمد. اندفع نحو مدخل الفيلا وهو يهربد:

بوليس؟!..

بَكَسّرو..

بوليس؟!...

طز فيك.. وفي البوليس... واللّي بِدّو يصير يصير..

توقّف لثوانٍ. نظر إلى المعلِّم بعينين قالتا كلّ شيء، وتابع اندفاعه وهو يقول:

ـ طز فيك.. وفي البوليس.. وفي اسرائير.. واللّي بِدّو يصير يصير..

كان المعلِّم الثاني قد استطاع اللحاق به. وكان المعلِّم الأول يضحك وهو يناوله ورقة بخمسين ليرة.

ـ ظلّ عشرة. قال.

ـ ظلّ إلَك عشرة. تعال بكِّير يوم الحدّ. بِدِّي آجي ألاقي صندوق الطين جاهز.

تركنا وأذيال قمبازه ما تزال حول وسطه. قال "بخاطركو". وكنا جميعا نضحك.

كنت سعيدا، رغم أنه لم يقل "بخاطرك أيّها البطل". حدّثت نفسي: "مِين البطل يا أبو محمد؟". نظرت الى المعلِّم والمعلِّم الثاني. كانا ما يزالان يضحكان. بدا لي أنهما كانا سعيدين، هما أيضا..   

 

 

باص

 

زعقَ الأولاد في الباص.. لوى الرجل الستينيّ رقبته. شتمهم بصوت خفيض: يلعن أبو هيك جيل.

كانوا يحتلّون القسم الخلفيّ من الباص. أحببتهم. كانوا يغنّون. يصرخون. يتقافزون. روى أحدهم نكتة بصوت عال سمعتها وسمعها السائق الذي كان أمامي مباشرة. نظر سائق الباص إليهم في المرآة ولم يفعل شيئا. كان معتادا على مثل هذه التصرّفات منهم.

طويت الجريدة وأغلقتها حين بدأ الرجل الستينيّ الجالس بجانبي يحدّثني عن مدارس أيام زمان. ليس من اللائق أن تتركه يحدّث الهواء. يجب أن تجامله وتتبادل معه الحديث. ولا يصحّ أن تظلّ تقرأ ما دام يريد أن يتحدث. مع أنني كنت أقرأ مقالا هاما وسخيفا.

قال الستيني: الله يرحم أيام زمان.

لم أقل له معروف زماننا هذا ومنكر زمان مضى. كيف سيفهم ذلك هذا الحمار الذي كنت موقنا أنه يتحدّث ليجعلك تظنّ أنه يفهم، أو ليجعلك تصدّق أنه يهتم بالأخلاق العامة!

حكى. وتابعت صمتي.

أخذ يقصّ عليّ قصة سمعتها من ألف واحد قبله. قال: مرة، على أيامنا نحن، كنا نلعب. لمحنا الأستاذ قادما من بعيد.. هربنا. لم يبق واحد منا في الشارع. شوف اليوم.

سمعت هذه القصة كثيرا. لم يبق واحد من كل أولئك الذين أعرفهم ممن كانوا أولادا قبل أربعين أو خمسين عاما، إلاّ وحدّثني بمثل هذه القصة، وكيف أنه هرب حين لمح الأستاذ من بعيد.

لم أعلّق وتظاهرت بتصديقه طبعا. لسببين: أولا، عيب أن تقول للكبير أنه كذّاب، حتى لو كنت موقنا أنه كذلك، وثانيا لأنّ فوج الأساتذة الذي علّم جيلي كان قريبا جدا من طباع وسلوكيات ذلك الأستاذ "القبضاي" الذي يخافه الأولاد ويهربون منه.

ـ ليش انهزمت؟

سألته. قررت ان أخرج عن صمتي وقرفي. نظرت الى وجهه. لم يجب. ظلّ يتحدّث عن احترام الكبار، والشياطين الصغار الذين لا يحترمون أحدا.

ـ ليش انهزمت؟! سألته مرة اخرى.

نظر إليّ بعينين عاتبتين، كأنه يقول كيف تسأل هذا السؤال.

ـ أنا عارف يا أستاذ!

ـ أنا مش أستاذ.

ـ إسّا فهمت.

ـ انهزمت لإنّك كنت تخاف من الأستاذ؟

ـ لإنّي كنت أحتِرْمو، قال بحدّة.

ـ إذا كنت بتحترمو ليش تنهزم؟!

نظر إلى الأولاد، ثم غزّ عينيه في عينيّ وسأل:

ـ كِنَّك مبسوط منهم.. مكيِّف عليهن؟

نظرت للشياطين الصغار. ما أجملهم. كنت متأكّدا أنهم لا يخجلون من الحمار، حتى لو كان كبيرا في السن. كانوا ما يزالون يصرخون، ويغنّون، ويتنقّلون من مقعد لآخر. لم أكن مثلهم. كنت أتمنّى لو كنت مثلهم. ولكنّ الجيل الذي علّمنا كان أغلبه من القبضايات والزعران. فكّرت: هل أقول له، معروف زماننا؟!...

وكيف يمكن أن يفهم ذلك هذا الحمار؟!

ـ آه.. مكيِّف. قلت، بعد أن انتظر طويلا.

فقع.

ـ لا حول ولا قوة إلاّ بالله. وعاجبك هذا الجيل؟

ـ معلوم عاجبني.. مش كُنِتْ زيّهِن؟!

ـ لا حول ولا قوّة إلا بالله.

رددها، وبقيت صامتا أرسم ابتسامة مهذّبة على وجهي. ظلّت عيناه تنظران مباشرة في عينيّ تلك النظرة الغريبة، المستهجنة، الحادة، ثم تدلّت من عينيه نظرة وقحة.

ـ إنتِ كنت زيّهن؟!

سأل باستغراب مصطنع. وكان الباص يقترب للمحطة التي سأنزل فيها.

وقف الباص بالمحطة.

نهضت.

ـ نعم.. وإنتِ كمان كنت زيّهن.

قلت وأنا أتوجّه نحو درجات الباص.

هبطت الدرجات بسرعة.

كنت أهرب قبل أن يلحق بي ويضربني.

من مجموعة "محمد وابو محمد وشهاب الدين" 26 / 1 / 2001

 

أضيفت في 09/04/2005/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية