أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 04/09/2022

مسرحيات / الكاتب: عز الدين جلاوجـي

البحث عن الشمس

إلى صفحة الكاتب

لقراءة المسرحية

 

المسرحية

 

 

 

البحث عن الشمس / مسرحية 

 

 

 

 

البحث عن الشمس

 

الإهـداء

إلى الطفل الشهيد

محمد جمال الدرة الذي اصاعد ذات انتفاضة إلى سدرة الشهداء إلى كل الواقفين في طليعة الأمة العربية الذائدين عن حياضيها المنافحين عن عزتها وكبريائها الرافعين ألوتها خفاقة مكابرة إليهم جميعا أرفع هذا الإيحاء

 

نالت هذه المسرحية الجائزة الأولى في مسابقة إبداع الوطنية سنة 1991

في حجرة مظلمة رطبة، لا باب لها، أرضيتها مليئة بالجرذان والعناكب والصراصير، كان المقهور نائما مدثرا بغطاء ممزق، يملأ شخيره الحجرة.

بعد لحظات يدخل الحجرة الغريب، وهو رجل عليه سمات الوقار، يلبس ثيابا بيضاء جديدة.

 

الغـريب:  (متعجبا) ياإلهي، ما هذا الشخير؟ الأرض تدور… الكون يدور…والفلك يدور…وها، ذا المقهور في بيته مقبور؟ آه… آه …آه…

(يدور هنا وهناك، ثم يقف عند رأس المقهور يضربه على رأسه بعصاه)

قم، كفــاك نوما قم...قم.

المقـهـور:(لا يرد وينكمش على نفسه).

الغـريـب :(يضربه ثانية بشدة) قلت لك، قم كفاك خمولا، يامقهور الأرض تدور، الأفلاك تدور، الكون يدور، وأنت هنا مقبور؟ قم وإلا ابتلعتك الشرور.

المقـهـور:(يتململ ولا يرد).

الغـريـب:(وهو يهزه هزا عنيفا) قم كفاك سباتا.

المقـهـور:(وهو ينكمش على نفسه) دثرني، دثرني، ودعني أنام.

الغـريـب:(ينزع عنه الدثار الممزق) إلى متى وأنت نائم؟

(بصوت أعلى)

النوم انشطار، وانتثار، واندثار.

المقـهـور:(يجلس ويفرك عينيه) منذ متى وأنا نائم؟

الغـريـب:(يضحك مستهزئا) منذ متى؟؟؟ لا تدري منذ متى وأنت نائم؟؟؟ ألم أقل لك أن النوم موت؟

المقـهـور:لا ليس موتا، ولكنه كالموت فقط.

الغـريـب:إذن فأنت ترى أن بينهما فرقا؟

المقـهـور:المهم أني لم أمت، أنا مازلت حيا أرزق، والمهم أن تجيبني عن سؤالي، منذ متى وأنا نائم؟

الغـريـب:(متنهدا) منذ قرون إن أردت الحقيقة.

المقـهـور:(متعجبا) منذ قرون؟ منذ قرون؟؟ إنه لزمن طويل حقا، لا بأس كل ما فات مات، وكل ما مات رفات، ولكن...

الغـريـب:(مقاطعا) ولكن ماذا؟ قلت لك قم.

المقـهـور:(منكمشا على نفسه) آحح آحح، أشعر بالبرد القارس ينهش مفاصلي نهشا.

الغـريـب:(بمرارة) البرد فقط؟ وهذه الرائحة العفنة التي تملأ عليك المكان، أما أحسست بها؟ وهذا الظلام الذي يسدل ستائره عليك، وهذه الجرذان والصراصير والعناكب التي تملأ عليك الحجرة، وهذه النخلة الميتة التي لم يبق منها إلا الجذر...إني لأعجب كيف أن الدود لم يأكلك؟

المقـهـور:(بحزن وحسرة) بل أحس بها جميعا، كما أحس بالبرد تماما، ولكن...

الغـريـب:(مقاطعا) ولكن ماذا؟

المقـهـور:ولكن لا حيلة لي.

الغـريـب:اطلب الشمس.

المقـهـور:(متعجبا) أطلب الشمس؟

الغـريـب:اسمع يامقهور، إن الشمس لن تخترق الجدران إليك، ولن تتسرب عبر الإسمنت والصخور.

المقـهـور:(حالما) الله...لم أر الشمس منذ قرون

(وهو  يجلس)

أسألك سؤالا...؟

الغـريـب:اسأل...

المقـهـور:ماهو لون الشمس اليوم؟

الغـريـب:(مستهزئا) هل تريد أن تتذوق بي أنا؟

المقـهـور:ألا يمكن ذلك؟

الغـريـب:أجل يستحيل ذلك.

المقـهـور:(حائرا) والعمل...؟

الغـريـب:ذق أنت بنفسك، أليس لك عينان ترى بهما؟

المقـهـور:لقد كاد الظلام يطمسهما تماما.

الغـريـب:حاول.

المقـهـور:(خائفا) ربما لا أستطيع.

الغـريـب:بل تستطيع دون شك.

الغـريـب:كن أصلب منها وحطمها.

المقـهـور:(متعجبا) أحطمها كلها؟

الغـريـب:أحدث فيها ثقبا على الأقل، حتى ترى الشمس أولا، ثم حطمها كلها بعد ذلك.

المقـهـور:وأنت متأكد من أنني سأجد الشمس؟

الغـريـب:لاشك في ذلك.

المقـهـور:(حالما) إيه، ما أحلى الشمس...هل تعلم أني منذ زمان وأنا أحلم بالشمس، وبأشعتها الدافئة؟

الغـريـب:لاشيء يعدل الشمس مطلقا، ولكن الحلم لا يكفي يامقهور. 

المقـهـور:ولكن...

الغـريـب:(ثائرا) ولكن ماذا؟ حياتك كلها استدراكات.

المقـهـور:ولكني خائف، خائف.

الغـريـب:(محذرا) تخاف؟ ابق إذن في الظلام أبدا، تعاشرك الصراصير والجرذان.

المقـهـور:(فزعا) الصراصير والجرذان؟

الغـريـب:هل تحب الصراصير والجرذان؟

المقـهـور:تريد الحقيقة؟ لقد كدت آلفها.

الغـريـب:أو لعلك كدت تمسخ جرذا أو صرصورا.

المقـهـور:(مؤكدا) قلها ولا تخف، انظر

(يحمل بين يديه جرذا يداعبه).

الغـريـب:أخشى أن تتحول يوما إلى جرذ مثل الذي تحمله بين يديك.

المقـهـور:أقول لك الحقيقة؟

الغـريـب:قل.

المقـهـور:وتقبل قولي؟

الغـريـب:إن وجدته صائبا طبعا.

المقـهـور:وإن لم تجده صائبا؟

الغـريـب:سأرفضه طبعا.

المقـهـور:إذن فلماذا أقول لك إن كنت سترفضه؟

الغـريـب:قل وسنرى.

المقـهـور:أنا أحب الجرذان والصراصير، وأحب السبات وهذا الظلام.

الغـريـب:(مؤكدا) من عاشر شيئا أربعين يوما ألفه، وتعود عليه.

المقـهـور:أما أنا فقد عاشرتها قرونا.

الغـريـب:والشمس ألا تحبها؟

المقـهـور:أجل أحبها...ولكن...

الغـريـب:(مقاطعا بغضب) ولكن، أمازلت في الاستدراكات؟

المقـهـور:ولكن الشمس أمرها صعب.

الغـريـب:وما أنت فيه؟

المقـهـور:ما أنا فيه، أسهل وأبسط.

الغـريـب:أسهل، ولكنه أهون وأحقر.

المقـهـور:(مفكرا) الأسهل...الأصعب؟؟؟

الغـريـب:إذن أنت بين أمرين إما...وإما...وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

المقـهـور:(بعد صمت) تذكرت أمرا أريد أن أبوح به إليك.

الغـريـب:هل هو سر؟

المقـهـور:لا ليس سرا، ولكن لعلك لا تعرفه.

الغـريـب:اذكره.

المقـهـور:هل تعرف كيف كان هذا البيت؟

الغـريـب:وكيف كان؟

المقـهـور:(متذكرا) كان قصرا فخما...عظيما... تطل عليه الشمس لا تطل إلا عليه...ولا تغرب عنه أبدا... وكانت حوله حدائق غناء...وأزهار وماء... وكان الناس جميعا، رغم اختلاف أجناسهم وألوانهم ومشاربهم، إذا أرادوا استنشاق الهواء، أو رؤية الشمس، جاءوا هنا... صدقني بل لقد كانت تحمل إليهم الشمس، ويحمل إليهم الهواء إلى مساكنهم، نعم هذه هي الحقيقة صدقني لا تظنني مجنونا ولا حالما.

الغـريـب:اطمئن أنا مصدق لك، بل أنا أعرف عنك كل شيء.

المقـهـور:(مندهشا) تعرف عني كل شيء، ومن أدراك؟

الغـريـب:اذكر أمامي حاضرك، وسأحدثك من أنا؟

المقـهـور:تريد أن أحدثك عني الآن؟

الغـريـب:نعم الآن.

المقـهـور:(متحسرا) بل منذ زمان طويل، طويل، لست أدري ماذا وقع حتى انقلب الوضع هكذا.

الغـريـب:لاتدري ماذا وقع، لماذا؟ هل كنت فاقد الوعي؟

المقـهـور:(وقد انحدرت دموعه) ألم تقل أنك تعرف عني كل شيء؟ أجل لقد كنت فاقد الوعي والحس، كنت مخمورا…ولما أفقت وفتحت عيني…وجدت الظلام يضرب  بجرانه من حولي…فذبلت الأشجار والأزهار، ومات كل هزار، وغار الماء، وبدأ القصر يتقلص حتى أضحى حجرة واحدة، وهي هذه التي تراها، وذبلت النخلات الواحدة تلو الأخرى، وهوت أعجازها

(ينتحب باكيا)

وأخبرت بعد ذلك أن قوما سرقوا الشمس، واتجهوا بها إلى الغرب، هل تعرف؟

الغـريب:وماذا أعرف؟

المقـهـور:(حزينا) كم بكيت ذلك اليوم...! بكيت كثيرا... بكيت دما لا دموعا.

الغـريـب:(مستهزئا) بكيت فقط؟ إني لأشفق لحالك.

المقـهـور:وما عساني أفعل؟

الغـريـب:إن البكاء كأدوية الأمراض العصبية، تضر أكثر مما تنفع.

المقـهـور:صدقت فأنا كمريض الأعصاب، لا أعيش هذه الأيام إلا على البكاء والأحلام.

الغـريـب:ولكن ما كان عليك أن تبكي.

المقـهـور:وما تريدني أن أفعل؟

الغـريـب:كان عليك أن تقاوم.

المقـهـور:(مستهزئا) أقاوم...! كيف؟

الغـريـب:ألا تعرف كيف تقاوم؟ سبحان الله !

المقـهـور:حينما أخرجت سيفي وجدت الصدأ قد علاه، وأما رمحي

(يشير إليه)

فانظر لحاله لم يبق منه إلا سنانه… وفوق هذا لقد وجدت هذه الجدران من حولي تمنعني من الانطلاق… والظلام الحالك يخفي عني كل شيء.

(يطرق حزينا)

الغـريـب:لقد كبلوك...سرقوا منك الشمس، وكبلوك حتى  لا تلحق بهم.

المقـهـور:وبقيتُ طوال هذه القرون أعيش في هذا السجن المظلم.

الغـريـب:ولم تحاول أن تفعل شيئا؟

المقـهـور:كنت أعرف أني لن أستطيع فعل أي شيء أبدا.

الغـريـب:فلجأت إلى النوم؟

المقـهـور:أجل هو ذاك.

الغـريـب:هكذا ببساطة.

المقـهـور:إن الذي لا يبصر غير الظلام، لا يلجأ إلا للنوم.

الغـريـب:وما إن رأت عيناك الظلام حتى استسلمت للسبات العميق، إن النوم يسكن نفسك، يعشش في أعماقها وأغوارها لا في الظلام أيها المقهور المدحور.

المقـهـور:تعودت عيناي الظلام فمالت إليه، شعرت بادئ الأمر بالوحشة، ولكن بعد ذلك استأنست بالجرذان والصراصير والعناكب، لقد كانت لي رفيقة تملأ علي وقتي وتقتل الفراغ.

الغـريـب:والآن أليس لك شوق إلى الشمس؟

المقـهـور:رغم أني حاولت طرد طيفها من ذهني إلا أن الشوق إليها مازال يسكنني حتى النخاع.

الغـريـب:(متعجبا) ماذا قلت، حتى النخاع؟؟ !

المقـهـور:أجل حتى النخاغ.

الغـريـب:سبحان الله ! وتعيدها؟

المقـهـور:(مرتبكا) هل أخطأت في الحديث؟

الغـريـب:إن أمثالك لا يملكون نخاعا، ولا يحق لهم أن يتحدثوا عن النخاع.

المقـهـور:النخاع؟؟

(يمس ظهره ورقبته للتأكد)

بقي منه شيء في رقبتي، والباقي التهمه الظلام.

الغـريـب:(بحزن) صدقت، الظلام يأكل النخاع. لا يحب شيئا أكثر مما يحب النخاع.

المقـهـور:(حائرا) تعني أنني، أنني........

الغـريـب:(مقاطعا) نعم إذا بقيت هكذا فسيزول نخاعك تماما تماما.

المقـهـور:(خائفا مضطربا) تععـ…عني، أننـ... نني...

الغـريـب:نعم، وستموت إذا زال نخاعك.

المقـهـور:(وقد اشتد خوفه) تععـ …ـععنني...

الغـريـب:نعم، وستندثر إلى الأبد، إلى الأبد.

المقـهـور:(يبتلع ريقه بصعوبة) ولا أرى الشـ...ـشـمس؟

الغـريـب:لن ترى الشمس مطلقا أبدا، والشمس لن تراك.

المقـهـور:(وقد جحظت عيناه) لن تراني، ياويلي ما أشقاني  !

الغـريـب:إن الشمس لا تحب الأموات وأهل القبور.

المقـهـور:(مستنجدا) والحل؟

الغـريـب:والحل؟ تبحث عن الحل؟ الحل في يديك.

المقـهـور:(مستغربا) في يدي؟ ما في يدي شيء.   

(يبسط يديه).

الغـريـب:كي لا تفقد نخاعك عليك أن ترى الشمس وتراك.

المقـهـور:(بفرح) حقا؟

الغـريـب:إذا رأيت الشمس وأحسست بالدفء نما نخاعك، ونجوت من الموت المحتم.

المقـهـور:ولكن هذا الحل ليس في يدي.

الغـريـب:بل هو في يديك.

المقـهـور:ولكن كيف؟ !

الغـريـب:هل تطيعني في كل ما آمرك به، وتطبق كل ما أشير به عليك؟

المقـهـور:السمع والطاعة.

الغـريـب:(آمرا) قم على رجليك أولا.

المقـهـور:تعني أني سأرى الشمس حين أقوم؟

الغـريـب:هذه الخطوة الأولى فقط.

المقـهـور:وبعدها خطوات؟

الغـريـب:سترى.

المقـهـور:الأمر صعب إذن؟

الغـريـب:حاول، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

المقـهـور:(خائفا) وإذا لم أستطع.

الغـريـب:حاول، حرك ما تبقى من جمر تحت هذا الرماد.

المقـهـور:ولكني أحس بالشلل في ساقيّ.

الغـريـب:حركهما رويدا رويدا.

المقـهـور:(مذعورا) أخاف...

الغـريـب:تخاف، ابق إذن في الظلام كالحشرات، ليس للرعديد مكان في هذه الحياة.

(يهم بالانصراف)

المقـهـور:(مسترحما) لا لا أرجوك، لا تنصرف، لا تتركني وحدي.

الغـريـب:حسن، لن أنصرف ولكن حاول.

المقـهـور:ماذا أفعل؟

الغـريـب :حرك رجليك.

المقـهـور:(يحركهما ببطء وبصعوبة ويضج) أي...أي... أي...

الغـريـب:حاول أكثر حاول.

(يحاول المقهور تحريك رجليه)

حرك رجليك بقوة

(يحركهما.. يهتف فرحا)

جميل لقد استطعت، هذه الخطوة الأولى.

المقـهـور:(فرحا) لقد أحسست بالدم يسري في رجلي.

الغـريـب :حاول أن تقوم، هيا حاول، حاول.

المقـهـور:(مستغربا) أقوم؟ !

الغـريـب:أجل، هل هذا صعب؟

المقـهـور:وأنت، هل تراه سهلا؟

الغـريـب:طبعا، طبعا، جرب وسترى.

المقـهـور:(خائفا) ولكنني، ولكنني...

الغـريـب:(مقاطعا)ولكن ماذا؟قلت لك ألف مرة كفاك استدراكا، إن الاستدراك من شيم الضعاف.

المقـهـور:(خائفا) ولكني لا أستطيع.

الغـريـب:(غاضبا) لا تستطيع؟

المقـهـور:أخشى أن لا أستطيع.

الغـريـب:لا تستطيع؟ ابق إذن في الظلام، لن أعود إليك، إني أكره المنهزمين.          

(يهم بالانصراف)

المقـهـور:(مستشفعا) لا، لا أرجوك، إني أكره الظلام، أكره الظلام.

الغـريـب:(متوقفا) لا يكفي كره الظلام، بل يجب أن تعقد العزم الأكيد على تبديده.

المقـهـور:حاضر، حاضر.

الغـريـب:ولن تتمكن من تبديد الظلام إلا إذا بددته من داخلك وأزلته من على قلبك.

المقـهـور:(مذعنا) حسنا، حسنا سأفعل.

الغـريب:هيا قم إذن.

المقـهـور:(مستعطفا) ساعدني على القيام.

الغـريـب:(غاضبا) أساعدك؟ هذه لعمري ثالثة الأثافي…

المقـهـور:ما طلبت محالا.

الغـريـب:(غاضبا) بل طلبت حراما، وإياك أن تعيدها.

المقـهـور:العفو إن كنت أخطأت.

الغـريـب:تأكد من أنك أخطأت خطأ فادحا.

المقـهـور:هل تعتبر طلب المساعدة خطأ.

الغـريـب:من اعتمد على غيره ضاع، ومن أكل بغير يده جاع، ومن قلد غيره ماع.

المقـهـور:(يائسا) لن تمد لي يد المساعدة إذن؟

الغـريـب:(محذرا) لا تعود نفسك الاعتماد على غيرك.

المقـهـور:حسنا سأحاول

(يتحرك محاولا القيام)

أي...أي...أي... سأستعين بالجدار.

الغـريـب:(محذرا) لا تتكئ على الجدران...لا تتكئ على الجدران...إياك والاتكاء على الجدران.

المقـهـور:(منقادا) حسن ها أنذا أتخلى عنه.

(يحاول أن يقف..بعد لحظات وقد وقف يصيح فرحا)

جميل لقد وقفت، لقد وقفت.

الغـريـب:جميل حقا هذا !

المقـهـور:(تسيل دموعه فرحا) ما كنت أظن...ما كنت أظن.

الغـريـب:ما الذي لم تكن تظنه؟

المقـهـور:ما كنت أظن يوما أنني سأقوم...منذ نمت في المرة الأولى كنت أحلم بالوقوف، ولكن حلمي هذا لم يكن يتجسد على أرض الواقع، بل كان يتبخر ويتلاشى، والسبب هو أنني كنت أخشى السقوط.

الغـريـب:العضو الذي لا يعمل يضمر، والذي يخشى السقوط يعيش أبد الدهر بين الحفر.

المقـهـور:كدت أضمر كلية، جسمي كله توقف عن الحركة منذ قرون، مذ فرضت علي الظلمة، ودخلت في سبات عميق.

الغـريـب:بل وحتى عقلك كاد يتوقف.

المقـهـور:كنت أخشى التفكير، كما كنت أخشى الوقوف.

الغـريـب:(حاثا) تحرك خطوة إلى الأمام.

المقـهـور:جيد سأحاول

( يحاول أن يتحرك فيكاد توازنه أن يختل)

الغـريـب:(محذرا) إياك أن تعود إلى الوراء... إياك... إياك.

المقـهـور:ولكني لم أستطيع، أكاد أعود إلى الوراء.

الغـريـب:(غاضبا) لا تنـف عن نفسك الاستطاعة، أنت أقدر على كل شيء.

المقـهـور:ولكنني أكاد أعود إلى الوراء.

الغـريـب:خطوة إلى الوراء تكلفك حياتك، هل فهمت معنى  تكلفك حياتك؟

المقـهـور:لا لم أفهم بعد.

الغـريـب:يعني ستموت، ستفنى، ستندثر.

المقـهـور:(خائفا) لا، لا أريد أن أموت، لا أريد أن أندثر.

الغـريـب:إذن اخط إلى الأمام.

المقـهـور:أعني على ذلك.

الغـريـب:اعتمد على نفسك ولاتكن متواكلا.

 (يحاول المقهور مرة ثانية، ويندفع خطوة إلى الأمام يصفق الغريب مشجعا)

آه جميل، جميل رائع، اخط ثانية…اخط.  

(يخطـو ثانية)

المقـهـور:(مشجعا) وأخرى ثالثة.

 (يخطو خطوة ثالثة)

الغـريـب:سر مطلقا الآن.

 (يندفع بطلاقة) 

أرأيت كم هي الأمور سهلة؟ المهم أن تبدأ، أن تتحرك، ومسافة الميل تبدأ بخطوة.

المقـهـور:(وقد تهلهل وجهه) الحمد لله لقد أنقذتني، لقد قطعت الوثاق الذي كان يعيق حركتي، ما كنت أحسب أني سأسير، لقد سرت الحرارة في جسمي كله.

الغـريـب:ألم أقل لك حاول فقط وستنجح؟

المقـهـور:كل هذا بفضلك، وإني لأشكرك؟

الغـريـب:أنا لم أفعل شيئا، أنت فعلت كل شيء.

المقـهـور:(مستنكرا) أنا فعلت كل شيء !

الغـريـب:أنت تملك الاستطاعة والقدرة، وأنا حركت فيك الاستطاعة والقدرة.

المقـهـور:أنا أملك الاستطاعة الآن إذن؟

الغـريـب:أمازلت تشك في ذلك؟ الاستطاعة في داخلك كالجمر غطاه الرماد يحسبه السطحيون رمادا لا جذوة فيه، ولكن ما إن يزال عنه الرماد حتى يتوهج نوره، ويسري دفئه

المقـهـور:أنت حكيم حقا ! ولكن قل لي: هل يمكنني أن أرى الشمس الآن؟

الغـريـب:لا مازالت أمامك خطوات.

المقـهـور:طويلة هي؟

الغـريـب:طولها وقصرها يتوقف عليك أنت، لا يوجد في الدنيا شيء قصير وآخر طويل، الأشياء العظيمة تصغر أمام الهمم العالية، والأشياء الصغيرة تعظم أمام المتقاعسين.

المقـهـور:ماذا سأفعل الآن إذن؟

الغـريـب:نظف بيتك من الجرذان والصراصير.

المقـهـور:ولكن...

الغـريـب:(مقاطعا بغضب) لا تستدرك، كفاك استدراكا، إلى متى وأنت تستدرك، قم نظف بيتك نظفها، نظفها.

المقـهـور:حاضر، هل تعينني على تنظيفها؟

 الغريـب:قلت لك ألف مرة اعتمد على نفسك، ولا تتوكل على غيرك.

المقـهـور:ولكنني...ولكنني...

الغـريـب:(بغضب) لاتقل ولكنك لا تستطيع، وأنت بيدك الأمر كله، تنظيف البيت وطرد هذه الحشرات منها ليس بالأمر الصعب، ولا يحتاج منك إلا الإرادة.

المقـهـور:إذن فأنـا في حاجة إلى مكنسة، سأستعيرها وأقو…

الغـريـب:(مقاطعا) لقد ران الحمق على قلبك، إنك لا تستوعب الدروس جيدا، أوصيك، لا تعتمد على غيرك، هي ذي النخلة أمامك خذ منها سعفة ونظف بيتك.

المقـهـور:حاضر، حاضر.

 (يقطع سعفة ويبدأ فتل الصراصير والجرذان والعناكب، يضربها بالسعفة ويدوسها بقدميه حتى يقضي عليها جميعا.. يهتف فرحا)

آه، لقد حققت الوقوف، وقضيت على الحشرات التي كانت تزعجني، لقد أصبح بيتي نظيفا، ما كنت أحلم يوما بهذا لولا ذلك الغريب،

(ينظر يمنة ويسرة يبحث عنه فلا يجده)

 ترى أين هو؟ لقد اختفى، ويلي ماذا سأفعل الآن من دونه يارب، ماذا سأفعل؟

الغـريـب:(وهو يظهر فجأة) اعتمد على نفسك، حكم عقلك.

المقـهـور:آه هذا أنت؟ لقد جئت في الوقت المناسب.

الغـريـب:تريد أن أدلك على ما ستفعل.

المقـهـور:هو ذاك، ماذا سأفعل؟

الغـريـب:وأنت فيم فكرت؟

المقـهـور:أنا في رأي يجب أن أطلب الشمس الآن، الآن فورا.

الغـريـب:كيف تطلب الشمس؟

المقـهـور:أزيل هذه الحصون التي تمنعها من الوصول إلي وإلى بيتي.

الغـريـب:وبماذا ستزيل هذه الجدران؟

المقـهـور:ممتاز أنا لم أفكر في العدة.

الغـريـب:أرأيت كيف لا ترتب أمورك؟ إن هذا القفز قد يوقعك في الهاوية.

المقـهـور:ولكن على رسلك، أنا لا أملك عدة... إذن أنا لاأستطيع.

الغـريـب:(ثائرا) قلت لك مليون مرة لا تقل لا أستطيع، تكذب على نفسك أم على من؟

المقـهـور:(مرتعدا) العفو… العفو…أستطيع… أستطيع ولكن بماذا أستطيع؟

الغـريـب:وهذا السيف الذي تملكه، وهذا السنان؟

المقـهـور:سأبقى إذن قرنا كاملا لأثقب الجدار.

 الغـريب:ابق قرنا، ابق قرنين، المهم أن تثقب الجدار، وتدخل الشمس إلى الدار.

المقـهـور:(يبدي الاستعداد) حاضر، حاضر، ولو بقيت قرونا.

الغـريـب:المهم أن تملك الإرادة على المواصلة.

المقـهـور:سأثقب الجدار بسنان رمحي.

الغـريـب:بسنان رمحك خير من مدفع غيرك.

المقـهـور:حسن سأبدأ العمل، ولكن لم تخبرني من أنت، لقد وعدتني أليس كذلك؟

(ينحني ليحمل السنان، فيختفي الغريب فجأة… يندفع باحثا عنه)

 الله أين هو؟ لقد اختفى كأن لم يكن مطلقا، لا يهم سأبدأ العمل، وحينما سألتقي به ثانية سأسأله.

(يبدأ في نقر الجدار بكل قوة وعزيمة...كلما يتسع الثقب في الجدار تزداد قوته وعزيمته... يغبر شعره وملابسه، يتصبب العرق من على جسده كله.. يحس أنه قد كاد يحقق الهدف.. يتوقف عن الثقب يمسح العرق)

يظهر أن الجدار صلب جدا، فرغم الزمن الطويل الذي استغرقته، ورغم الجهد الكبير الذي بذلته، إلا أني لم أنحت منه إلا القليل، ولكن لابأس، من طلب الشمس قدم مهرها غاليا، لأواصل.

(يعود إلى النقر من جديد...بعد مدة وقد انبسطت أساريره)

الله أكاد أزيل الجدار ، أكاد أفتح فيه نافذة، سأرى الشمس بعد قليل.

(ينقر الجدار بإصبعه ليتأكد)

لم تبق إلا قشرة رقيقة سأزيلها

(بصوت أعلى)

سأزيلها. 

(يواصل النقب بحماس... بعد لحظات يفتح كوة فيهتز فرحا)

الله فتحتها، فتحتها هاهي الشمس تطل علي... ابشر يامقهور لقد رأيت الشمس... بعدما حرمت منها قرونا.

(يعود إلى الكوة وينظر منها فينبعث إليه شعاع الشمس...فيجلس حالما) 

آه الحمد الله، سيعود القصر كما كان، وستنمو الأشجار والأزهار... وينساب الماء رقراقا، وتغرد العصافير... ويكتمل نخاعي الشوكي

 (يعود إلى الكوة فيجدها قد أغلقت فيصرخ مندهشا)

من فعل هذا؟ من منع عني الشمس؟ من؟

(يدق على الجدار بقبضتيه)

ملك الشمس:(بصوت خشن) أنا.

المقـهـور:(يبتعد عن الجدار مرعوبا) أنت؟

الصـوت:أجل أنا أما تعرفني؟

المقـهـور:أعرفك؟؟؟ وأنّي لي أن أعرفك؟

الصـوت:(يقهقه عاليا) سأعرفك بنفسي أيها الجاهل.

المقـهـور:جاهل؟

الصـوت:ومغرور يامقهور.

المقـهـور:(مندهشا) وتعرف اسمي؟

الصـوت:وأعرف عنك كل كبيرة وصغيرة.

المقـهـور:من أنت؟

الصـوت:(بغضب) أنا ملك الشمس وسيدها.

المقـهـور:(مندهشا) ملك الشمس وسيدها؟

ملك الشمس:أجل ملك الشمس وسيدها، يامغرور.

المقـهـور:الشمس للجميع،

(يضرب الجدار بقبضته)

افتح، افتح.

ملك الشمس:(وهو يقهقه)كن صبيا وديعا ياهذا، ولا تعاند، قلت لك أنا ملك الشمس وسيدها.

المقـهـور:ما سمعت بهذا أبدا، الشمس للجميع، لا سيد لها ولا ملك.

ملك الشمس:هل تريد أن تتأكد؟

المقـهـور:ومم أتأكد؟

ملك الشمس:من أنني ملك الشمس حقا وصدقا، وإن كنت لا أحتاج إلى ذلك.

المقـهـور:كيف ستؤكد لي؟

ملك الشمس:سأظهر لك لتراني، وتتأكد بنفسك من أنني ملك الشمس الذي يجب أن تخضع له كل الرقاب.

المقـهـور:أرني نفسك إن كنت محقا.

(يظهر ملك الشمس طويلا عريضا، مستنير الوجه، فهو عكس المقهور تماما)

ملك الشمس:(وهو يقهقه) هــاأنذا.

المقـهـور:(وهو يصعد فيه النظر بإعجاب واندهاش) أنت... أنت هو ملك الشمس وسيدها؟

ملك الشمس:(مفتخرا) ولا سيد لها غيري، انظر إلى جسمي، كأني أنا الذي أرسلها.

المقـهـور:(منبهرا) حقا...وصدقا. !

ملك الشمس:(مفتخرا) إن المظاهر تدل على المخابر.

المقـهـور:قد يكون ذلك حقا.

ملك الشمس:بل هو الحق، انظر إلى جسمك.

المقـهـور:ما به جسمي؟                   

(ينظر إلى جسمه)

ملك الشمس:إن الناظر إليك يدرك أنك ظلامي، ولدت من رحم لياليه الحالكة.

المقـهـور:ولكن، أليس من حقي أن أرى الشمس.

ملك الشمس:لا، لا حق لك.

المقـهـور:وكل الناس ليس لهم الحق في هذه الشمس.

ملك الشمس:هي ملكي وملك حلفائي.

المقـهـور:حلفاؤك ! وأين حلفاؤك؟

ملك الشمس:لعل الظروف ستسمح لك برؤيتهم.

المقـهـور:أتمنى ذلك.

ملك الشمس:عندي فكرة أعرضها عليك.

المقـهـور:ما هي؟ هاتها.

ملك الشمس:أن تكون لي خادما.

المقـهـور:(مندهشا) خادما ! !

ملك الشمس:وعبدا مطيعا ذلولا خنوعا.

المقـهـور:(غاضبا) ولماذا أكون لك كذلك؟

ملك الشمس:وسأعطيك الشمس تنعم بها كيف تشاء.

المقـهـور:(غاضبا) أعوذ بالله، الشمس مقابل حريتي، حريتي ليس لها ثمن.

ملك الشمس:وأرفعك مع مرور الزمن  إلى مصاف الحلفاء.

المقـهـور:(رافضا) لا، لا تحاول إغرائي، حريتي لا تشترى الذهب

ملك الشمس:أنت حر فيما تفعل، ولكن دعني أؤكد لك.

المقـهـور:ماذا ستؤكد لي؟

ملك الشمس:(بثقة) تيقن من أنك ستندم حين لاينفع الندم.

المقـهـور:سنرى.

(يختفي الغريب، ويشتد حماس المقهور)

يجب أن أزيل الحاجز الذي وضعوه، إن الشمس من حقي أنا أيضا فلماذا أحرم منها؟

(يعود إلى النقب من جديد… يتوقف بعد لحظات)

مواصلة الحفر هكذا سيفني طاقتي، ولكن لابأس، إما أن أرى الشمس وأنعم بدفئها وإما أن أموت دون ذلك، إن الحياة بلا شمس حياة دودة الأرض.

(يواصل النقب)

ملك الشمس:(وهو يظهر فجأة مع بعض حلفائه) هذا المشاكس يجب أن نسكته، لقد أكثر علينا الدق وأقلق راحتنا.

أحدالحلفاء:نقتله ونستريح.

الثـانـي:(موافقا) فكرة منيرة، لقد نغص علينا حياتنا، وأقلق راحتنا.

الثـالـث:إذا قتلناه استحوذنا على داره، وضممناها إلينا، أما أن نتركه هكذا بيننا ففي ذلك كل الخطر.

  الأول :خاصة بعد أن استيقظ من الغيبوبة التي أدخلناه فيها منذ قرون.

ملك الشمس:(معارضا) أما أنا فلا أوافقكم على ما قلتم أبدا، هل تظنون أن الأمر بهذه البساطة؟

الثـانـي:ماذا تعني؟

ملك الشمس:لا يمكن أن نقهره، رغم ضعفه فهو قوي، عنيد.

الثـالـث:وما العمل إذن؟

ملك الشمس:نعيده إلى الغيبوبة من جديد.

  الأول :فكرة مقبولة، ولكن كيف؟

ملك الشمس:نقتله بالمماطلة والتسويف، ونشكل له محكمة منا تتظاهر له بالعدل ونصرة المظلوم.

الثـانـي:فكرة رائعة، إن نجحنا في جره إليها.

ملك الشمس:(بثقة) لا تخش فهو مازال طيبا، ويمكن خداعه بسهولة.

الثـالـث:وهكذا كلما احتاج شيئا لجأ إلى المحكمة يشكوها همه، ولم يزعجنا.

الثـانـي:وما العمل الآن؟

ملك الشمس:(يأمر الثالث) اذهب وشكل المحكمة، انطلق أنت معه.   

(يشير للأول)

الثـانـي:ونحن ماذا سنفعل الآن؟

ملك الشمس:سنستدعيه ونشغله عن طلب الشمس.

الثـانـي:أسرع وناده قبل أن يهدم علينا الجدار.

ملك الشمس:(ينادي المقهور) يامقهور، يامقهور، لا تكن مغرورا وأقبل.       

(يتوقف المقهور عن النقب)

المقـهـور:ماذا تريد؟ دعني وشأني، لا تشغلني عن طلب الشمس

ملك الشمس:(بلين) حقك نحن نعترف لك به.

المقـهـور:(مندهشا، وهو يمسح العرق عنه) حقا ما قلت؟ا

ملك الشمس:إني صادق، ملك الشمس لا يكذب أبدا.

المقـهـور:(محدثا نفسه باستغراب) ملك الشمس لا يكذب أبدا؟؟

ملك الشمس:ماذا قلت؟ مالك تكلم نفسك؟؟؟

المقـهـور:(منتبها) آه...آه نعم ملك الشمس لا يكذب أبدا حقا،حقا.

ملك الشمس:نعم ملك الشمس لا يكذب أبدا، ولكن حقك لا تأخذه بالفوضى.

المقـهـور:ماذا قلت؟ بالفوضى؟

ملك الشمس:أجل حقك لا تأخذه بالفوضى.

المقـهـور:وهل تعتبر هذا فوضى؟

ملك الشمس:أجل ما في ذلك شك، ولا يختلف في ذلك عاقلان.

المقـهـور:حسن، وكيف يمكنني أن أتحصل على حقي؟

ملك الشمس:تحصل عليه بالعدل والإنصاف.

المقـهـور:(مستغربا) بالعدل والإنصاف  !منك أنت؟

ملك الشمس:أجل مني أنا.

المقـهـور:(متعجبا) سبحان الله مغير الأحوال ! !

ملك الشمس:أما تدري أننا نصبنا للعدل محكمة يخضع لها الجميع؟

المقـهـور:محكمة ! وهل تقيم العدل؟

ملك الشمس:أو تشك في ذلك؟ إن الطعن في عدالتها لمن سوء الأدب

المقـهـور:لا، لا حاشاك، حاشاك.

ملك الشمس:وكل من يطعن في عدالتها فإننا نصفه بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب.

الحـليـف:(غاضبا) أجل نصفه بالوحشية، والبداوة، والرجعية،  والإرهاب.

أصــوات:(بغضب كأنما رجع صدى) أجل نصفه بالوحشية، البداوة والرجعية، والإرهاب.

المقـهـور:(خائفا) من هؤلاء سيدي؟

ملك الشمس:هؤلاء أهل الحق والعدل، أغضبهم كلامك البذيء.

المقـهـور:أهل الحق والعدل  ! ما أسعدني أن أراهم ياسيدي!

ملك الشمس:استغفر الله الأطهار لا يظهرون إلا للأطهار مثلي ومثل حلفائي.

المقـهـور:

(معتذرا) لا، لا أرجوك، ما قصدت إلى ذلك أبدا، أنا أحب العدل، وأحب الحق، وأحب كل من يقوم بذلك.

ملك الشمس:إذن فقد قبلت حضور المحكمة الآن؟

المقـهـور:وقبلت حكمها العادل مسبقا.

ملك الشمس:هكذا تكون إنسانا تستحق الاحترام والتقدير (لحليفه) استدع لنا أعضاء المحكمة الموقرة العادلة، للنظر في قضية جارنا المقهور.

المقـهـور:لا، لا قبل أن تنطلق، عرفني به أولا.

ملك الشمس:أما تعرفه؟ تأمله إن بيني وبينه لحمة نسب ووشائج قربى، وإنك لترى ذلك في محياه.

المقـهـور:(متذكرا) أليس هو الحليف الذي ذكرته لي؟

ملك الشمس:(مراوغا) الله ! ما أذكاك ! إنه هو بشحمه ولحمه، وإنه لشرف كبير أن تلقاه، وتنعم برؤية محياه.

الحـليـف:أتمنى أن تتوطد العلاقة بيننا.

المقـهـور:وإني لأتمنى مثلما تتمنى.

ملك الشمس:(للحليف) هيا، هيا انطلق ليس لنا وقت نضيعه…

(ينطلق لاستدعاء أعضاء المحكمة)

انفض عنك الغبار، واستعد لاستقبال العدل.

المقـهـور:حاضر، حاضر لقد أنستني الدهشة كل شيء

(ينفض ثيابه البالية من الغبار، ويعدل من هندامه) 

ها أنا على أتم الاستعداد.

ملك الشمس:كن حكيما ورزينا.

(يدخل أعضاء المحكمة)

هاهم أعضاء المحكمة الموقرة، اسجد، اسجد.

المقـهـور:أسجد؟ ولمه؟

ملك الشمس:(بغضب) ويلك اسجد للعدل والحق ولا تناقش                     

(يطأطئ له رأسه)

الحكـيـم:نطلب من الخصمين أن يقفا للفصل بينهما.

(يقف ملك الشمس من جهة، والمقهور من الجهة الأخرى يفتتح الحكيم الجلسة)

باسم الرب الذي في السماء باسم العدل والحق والأخوة نفتتح جلستنا اليوم، متمنين أن نوفق للخير، وأن نكون عند حسن ظن الجميع، كما نطلب من الجميع احترام الجلسة والسلام.

ملك الشمس:(للمقهور) قدم شكواك الآن.

المقـهـور:(مضطربا) أقدم شكواي ! ماذا أقول؟

ملك الشمس:ويلك ألا تدري ما تقول؟

المقـهـور:حسنا...حسنا...أح...أح...أيها القاضي...

ملك الشمس:(مقاطعا) لا، بل سيدي الحكيم المفدي.

المقـهـور:(معتذرا) عفوا...عفوا.

الحكـيـم:تفضل، تفضل لا بأس عليك.

المقـهـور:(يعتدل في وقفته) أح...أح...سيدي الحكيم العظيم، صاحب العقل القويم، والمنطق السليم، والحسب الكريم، أرفع إليك شكواي يامولاي، لقد طلبت الشمس، ولكن هذا الأحمر الطويل، هددني بالثبور والويل، وقال ليس من حقك الشمس أبدا، فأنا سيدها وملكها الأوحدا، إلا أني واثق من أن عدالة سيادتكم العظيمة ستعيد لي حقوقي السليبة.

الحكـيـم:نشكرك على هذه الثقة…وهذه الكلمات الجميلة.

ملك الشمس:أما أنا فقد قدمت شكواي، وشرحت قضيتي في رسالة وجهتها إلى سيادتكم، ولا داعي لأن أقول شيئا.

الحكـيـم:نستأذنكم إذن لمناقشة القضية

(يناقش الحكيم مع مساعديه القضية همسا...    وبعد لحظات) 

بعد الاستماع إلى قضيتكما، ودراسة أبعادها وخباياها قررنا مايلي:

نحن هيئة الأخوة والوئام، نندد بشدة بالعملية الإجرامية التي ارتكبها في حقك الأحمر الطويل، وندعو عليه بالثبور والويل، ونناشد الإخوة جميعا أن يقفوا في صفك لتحقيق حلمك، والسلام.

المقـهـور:(مندهشا) والسلام؟ !

الحكـيـم:(يسلم القرار مكتوبا للمقهور) هاك القرار ياصاحب الحق، وثق أننا سنكون إلى جانبك.

المقـهـور:إن الحكم سيدي لا يكون إلا بإعادة الحق إلى أهله، ومعاقبة المجرم.

الحكـيـم:(غاضبا)أتقدح في عدالة أسيادك أيها الجلف؟

المقـهـور:(مضطربا) لا ياسيدي، ولكن.....

الحكـيـم:(مقاطعا) ولكن ماذا؟ هل تريد أن نقتله؟

(يرفع صوته)

إنك رجعي، بدوي، إرهابي، إن الأمور في مجتمع المدينة لا تعالج إلا بالحكمة.

(يخرج أعضاء المحكمة مصطنعين الغضب)

ملك الشمس:ما ضاع حق وراءه مطالب، حاول مرة أخرى، حاول.

المقـهـور:ولكنك لم تعاقب أبدا.

ملك الشمس:ورغم ذلك فإني أهنئك أيها الفارس البطل.

المقـهـور:على ماذا تهنئني؟

ملك الشمس:هل تعرف مَن خصمك؟ إنه ملك الشمس وسيدها يجب أن تعلم أن هيئة الأخوة والوئام لم تندد بي مطلقا إلا من أجلك، وهذا نصر كبير لك.

المقـهـور:وماذا أفعل بالتنديد؟

ملك الشمس:ألا تعلم أنك ستأخذ حقك إذا كسبت ثلاثة تنديدات ضدي من هيئة الأخوة والوئام؟

المقـهـور:(فرحا) أحقا ما تقول؟ إن كان الأمر كما تقول، فهو سهل يسير.

ملك الشمس:(منافقا) أو تكذبني؟ وأنا منبع الحق والعدل والصدق.

المقـهـور:(خائفا) حاشاك سيدي، حاشاك.

(يبتسم ملك الشمس، ثم ينطلق تاركا المقهور وحده)

المقـهـور:(يفكر قليلا ثم يقوم) يجب أن أعود للنقر حتى أحصل على تنديد ثان.      

(يعود إلى النقر من جديد)

ملك الشمس:(وقد ظهر مع حليف له) لقد عاد هذا الفأر للنقر من جديد.

الحـليـف:وما العمل؟ إن تركناه هكذا سيهدم الجدران التي تقف أمامه حاجزا، وسيشاركنا إذن في الشمس.

ملك الشمس:عندي فكرة قد تكون ناجحة.

الحـليـف:هاتها لافض فوك؟

ملك الشمس:ربيبي.

الحـليـف:وما به ربيبك؟

ملك الشمس:هو الآن ليس له بيت، فهو يسكن عندنا فقط ويشاركنا كل شيء.

الحـليـف:هذه حقيقة، وماذا تريد أن تفعل؟

ملك الشمس:الحقيقة أني سئمت من ربيبي، فهو يتدخل في شؤوني، ويطمع في أملاكي.

الحـليـف:لقد حذرتك من كل ذلك.

ملك الشمس:(فرحا) ما دمنا قد اتفقنا سنضرب عصفورين بحجر واحد.

الحـليـف:(مذعنا) لن أخالف لك رأيا، فما عهدتك إلا حصيفا سديد الرأي، والربيب مثلما يشكل عليك خطرا يشكل علي خطرا أيضا، بل وعلى كل الحلفاء.

ملك الشمس:إذن نحرض ربيبي، بل حرضه أنت على أن  يسكن مع المقهور، وهكذا سنتخلص من الربيب ونشغل والمقهور عن أن ينقر الجدار علينا فيقلق راحتنا.

الحـليـف:فكرة عبقرية

(يضحكان)

وسنمد الربيب بكل ما يحتاج.

ملك الشمس:فلنسرع للتطبيق.

الحـليـف:هيا...هيا.      

(ينطلقان)

المقـهـور:(يتوقف عن النقر، وينفض عنه الغبار) كدت أنقب الجدار، إن الاستمرار في الدق سيجعلني أكسب تنديده ثانية إن شاء الله

(يسمح العرق)

 سأواصل، يارب انصرني.

(يواصل النقر، وبعد لحظات يظهر ملك الشمس مع حليفه وربيبه)

ملك الشمس:(لربيبه) اسمع جيدا، نحن سنقوم بإلهاء هذا الغبي، ونشغله بالحديث، وأنت تسلل خلسة وابن بيتا لك في ركن بيته.

الحـليـف:ولا تخش شيئا، إنّا معك لن يمسك بأذى أبدا أبدا.

الـربـيب(فرحا) هذا ما كنت أحلم به، وأتمناه، إن الحقد الذي أحمله لهذا المقهور المغرور ليهد الجبال الرواسي ويخسف بالأرض خسفا.

الحـليـف:وها نحن نحقق لك ما تمنيته وحلمت به.

الـربـيب:ولا تنسوا أن هذا من حقي، لقد كان لي الدور الأساسي في سرقة الشمس منه، وتخديره كل هذه القرون.

ملك الشمس:لن ننسى لك الفضل أبدا، المهم أن تنفذ ما نأمرك به.

الـربـيب:سأقيم بيتا لي داخل بيته، ولكن ما عساي أن أفعل له إن هو ثار ضدي، كيف أواجهه؟

ملك الشمس:سنوجه غضبه إلى هيئة الأخوة والوئام، ألست أنت الذي أوحيت لنا بفكرة إنشائها؟

الـربـيب:اتفقنا إذن.

ملك الشمس:اختف هناك، وحينما نشغله نحن بالحديث تسلل أنت إلى الداخل، وشيد بيتك بسرعة.

(يختفي الربيب مستعدا للتسلل)

الحـليـف:(ينادي المقهور) يامقهور، كفاك نقرا، لقد أزعجتنا، ألا تقيم للجار وزنا؟

المقـهـور:(يتوقف عن النقر، يلتفت إليهما) ماذا تريد ثانية؟

ملك الشمس:أقبل لنتحاور، كفاك عبثا وهمجية.

المقـهـور:(ينفض الغبار عنه، ويتقدم منهما) حسن، ماذا في جعبتكما.

ملك الشمس:(مراوغا) والله إن كنت تريد الحقيقة، نحن جئنا لنطمئن على عملية النقر.

الحـليـف:(وهو يبتسم بخبث) حقا ما قال، نحن منشغلون جميعا بقضيتك، نفكر فيها ليل نهار.

ملك الشمس:بل تمنينا من أعماق قلوبنا أن نمد لك يد المساعدة.

المقـهـور:(متعجبا) يد المساعدة؟ !لي أنا؟

ملك الشمس:أجل لك أنت، أنت تستحق كل الخير.

المقـهـور:(متعجبا) ولكن.....! !

الحـليـف:(مقاطعا) ولكن ماذا؟ أنت تستحق كل خير، إلا أن...

المقـهـور:(مقاطعا) إلا أن ماذا؟ قل إنكم حقا أناس طيبون، لم أر أطيب منكم في حياتي، ولا حتى في سباتي، أجل في سباتي، نمت قرونا ما رأيت لكم مثيلا، إني أعلن أني أحبكم.

ملك الشمس:ونحن نعطيك العهد أننا سنمد لك يد العون والمساعدة، خاصة في هيئة الأخوة والوئام.

الحـليـف:(مراوغا) إلا أننا...أننا...

المقـهـور:ولكنكم ماذا؟ قل ولا تخف، فطلبك محقق.

الحـليـف:ولكن أعذرني ياأخي...

ملك الشمس:قل ياأخي ولا تثريب عليك. أنت تعرف أنك حين تنقر الجدار يبلغ الصوت آذاننا، فينغص علينا نومنا وراحتنا.

المقـهـور:هذه حقيقة لم أنتبه إليها، ولكن ما المطلوب مني؟

ملك الشمس:حين تدق الجدار لا تكن عنيفا،كن رحيما بنا وبالجدار ماعهدناك إلا صاحب قلب يذوب رحمة وعطفا.

المقـهـور:من هذه الناحية اطمئنوا كل الاطمئنان، سأكون رحيما بكم وبالجدار، وسأثبت لكم حسن نيتي وأتمنى أن أكون عند حسن ظنكم.

ملك الشمس:اتفقنا، مدّ يدك نبايعك.

(يتصافحون بحرارة، ويختفي ملك الشمس وحليفه)

المقـهـو:(يعود إلى عمله فيفاجأ بالبيت) ماهذا.. ماهذا..؟؟ !!

الـربـيب:(وهو يجلس فوق كرسي أمام بيته الجديد) ألا تعرف ماهذا؟ ظننتك ذكيا، ولكن لابأس سأعلمك

 (يقوم مكانه)

 هذا بيت وهذا بابه، وهذا...

المقـهـور:(غاضبا) يالك من ماكر ! ! أتقيم بيتا داخل بيتي؟

الـربـيب:وما في ذلك ياأخي؟ ألسنا إخوة؟

المقـهـور:الأخوة لا تكون على حسابي ياصاحبي.

الـربـيب:(متمسكنا) وأين تريدني أن أذهب ياأخي العزيز؟

المقـهـور:(غاضبا) هذا أمر لا يهمني، اذهب إلى الجحيم، إلى البحر، إلى ا لهاوية، المهم أن تخرج من بيتي.

الـربـيب:(متباكيا) ماأقسى قلبك ! أنت لست إنسانا، أنت متوحش.

(يصطنع البكاء)

المقـهـور:اخرج من بيتي وسمني بأي اسم شئت.

الـربـيب:(مصرا) وأنا أقول لك لن أخرج، لن أخرج أما علمت أن هذا البيت الكبير الذي تستحوذ عليه وحدك لي فيه حق. إن أبي كان يسكن هنا حينما كنت أنت في سبات، بل قبل ذلك.

المقـهـور:لاتختلق الأعذار سأطردك رغم أنفك.

الـربـيب:لا يامقهور، لاتكن مغرورا، أنت لا تغلب باعوضة، فكيف تطردني أنا، أنا أخطر منك وأقوى.

المقـهـور:حسن، سأظهر لك من منا الأقوى.

(يدخلان في صراع عنيف، وبعد لحظات يتغلب المقهور على الربيب ويكاد يقضي عليه)

المقـهـور:(وهو فوق الربيب) والآن من منا الأقوى، سأنكل بك تنكيلا. 

 (يظهر ملك الشمس فجأة)

ملك الشمس:ماذا تفعلان أيها الأحمقان؟ ماذا تفعلان؟؟ هيا قوما.

الـربـيب:(منتحبا) أرأيت ياسيد الشمس وملكها، لقد اعتدى علي هذا الجبار.

المقـهـور:(ساخطا) أنا اعتديت عليك ياغدار؟

الـربـيب:(مقاطعا) أجل، أجل لاتأمنه إنه مكار.

المقـهـور:ولكنك أنت الظالم.

الـربـيب:بل أنت

(لملك الشمس)

من وجدته فوق الآخر ياملك الشمس العظيم؟

ملك الشمس:(للمقهور) إن ما قمت به لعمل وحشي، حيواني، رجعي، إرهابي.

المقـهـور:لاتصفني بالوحشية فأنا إنسان، نعم أنا إنسان.

ملك الشمس:الإنسان لايظلم أخاه الإنسان، ولا يحقره، بل يعاشره بالمعروف.

المقـهـور:لعلك في صفه، وإن كنا عرفناك صاحب حق وعدل.

ملك الشمس:لا دخل لي فيما بينكما، فأنا لا ناقة لي ولا جمل في القضية، ولم أسمع بها إلا الساعة.

المقـهـور:إذن كيف تصفني بما وصفتني به، دون أن تعرف الأسباب.

ملك الشمس:وما هي الأسباب؟

المقـهـور:لقد أخذ جزء من بيتي...

ملك الشمس:ومن أجل هذا فقط تريد أن تقتله؟

المقـهـور:وهل ما فعله قليل؟

ملك الشمس:وأين تريده أن يذهب؟

المقـهـور:(بغضب) يذهب إلى الجحيم…أو خذه إلى بيتك.

الـربـيب:(محرضا) أرأيت ياسيدي، يملك هذه الدار الواسعة الشاسعة، ثم يحرمني منها.

ملك الشمس:(للمقهور) الحقيقة أقول أنك متوحش ياصاحبي، ولو كنت إنسانا لتركت أخاك الإنسان يسكن معك

(متباكيا)

ما أقسى قلبك ! أترضى أن تطرد هذا الإنسان الوديع انظر إليه إنه لكالحمل.

المقـهـور:كالحمل، كالحمار أنا أرفض ذلك تماما.

ملك الشمس:ارفع أمرك إذن إلى هيئة الأخوة والوئام.

المقـهـور:(غاضبا) وماذا ستفعل هيئة الأخوة هذه؟

ملك الشمس:أتريد أن نصمك بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب؟

أصــوات:(بغضب كأنما رجع صدى) بل نصمه بالوحشية، والبداوة، والرجعية، والإرهاب.

المقـهـور:(خائفا) من هؤلاء ياسيدي؟

ملك الشمس:هؤلاء أهل الحق والعدل، أغضبهم كلامك البذيء.

المقـهـور:(معتذرا) لا، لا أرجوك، ماقصدت إلى ذلك أبدا أنا أحب العدل والحق، وأحب أهل العدل والحق، ولكن ماذا سأفعل؟

ملك الشمس:ترفع دعواك إلى هيئة الأخوة والوئام، وهي تفصل في  قضيتك بالحق والعدل.

المقـهـور:(مذعنا) وأنا رضيت بالحق والعدل.

ملك الشمس:سنستدعي الهيئة فورا للنظر في أمركما

 (للحليف)

استدع لنا الهيئة سريعا فالأمر خطير.

(ينطلق الحليف سريعا لإحضار الهيئة)

المقـهـور:سأحضِّر نفسي لذلك ريثما يأتي الحكيم ومساعداه.

(يتركهما ويدخل بيته)

ملك الشمس:(للربيب) كن ذئبا وإلا التهمك هذا الذئب المتوحش.

الـربـيب:ولكني أعزل من السلاح، ولا يمكنني أن أهدده.

ملك الشمس:لا تخش، سنزودك بما تحتاج عما قريب، لا تخف فنحن معك.

الـربـيب:وأحتاج إلى الشمس، فالمكان مظلم وبارد.

ملك الشمس:سنفتح لك نافذة كبيرة تصلك منها الشمس.

الـربـيب:والوثائق هل حضرتها؟

ملك الشمس:(يقدمها له) ها هي، فيها إثبات بأن لأبيك الحق في هذا البيت.  

(يسلمه الوثائق)

الـربـيب:لن أنسى لك هذا الفضل ما حييت.    

(يعود المقهور فيخفي الربيب الوثائق)

المقـهـور:ألم تحضر هيئة الأخوة والوئام؟

ملك الشمس:ستحضر في الحال، لاتخش فهي لن تتخلف عن نصرة الحق أبدا. 

(يدخل الحكيم ومساعداه)

ملك الشمس:ها هي قد لبت النداء، قيام

(يقومون جميعا)

 ركوع.

 (يركعون جميعا للهيئة الموقرة)

الحكـيـم:عملا على إرساء دعائم الحق والعدل وروح التفاهم بين الإخوة الأشقاء، ونزولا عند رغبة المقهور، هانحن نعود للاجتماع، فما في جعبتك أيها المقهور؟

المقـهـور:سيدي الحكيم، ياأمل الضعفاء، وخليفة الأنبياء، ياناصر المساكين، وخاذل الظالمين، أشكو إليك الربيب، لقد هتك حرمتي، وقاسمني بيتي، ولما ثرت في وجهه اتهمني بالوحشية والرجعية والإرهاب.

الـربـيب:أجل ياسيدي فأنا أتهمه بالوحشية، والرجعية، والإرهاب، فهل رأيتم إنسانا يطرد إنسانا آخر؟ هل ترضون أن يعيش آمنا مطمئنا؟ وأعيش أنا مشردا؟ إن هذا لايقر به عاقل، ولا يفعله إلا همجي ابن همجي، همجي جده.

المقـهـور:سيدي الحكيم لاشك أن ظلمه ظاهر، واعتداءه سافر، وإننا نضع فيكم الثقة الكاملة.

الـربـيب:سيدي الحكيم يجب أن تعلموا علم اليقين أن لنا من الحق أكثر مما أخذنا، ولكننا سنكتفي بما في أيدينا، ولن نسمح لأحد أن يأخذه منا إلا إذا قتلنا.

المقـهـور:لعلكم سيدي تلاحظون تهجمه علي رغم بطلان دعاويه.

الـربـيب:سيدي الحكيم إن عندي ما يبرهن على صدق كلامي

 (يخرج الوثيقة)

هذه الوثيقة تثبت أن لي حقا في هذه الدار ورثت ذلك أبا عن جد، أما عن ظلم المقهور لي واعتدائه على شخصي فهاهو ملك الشمس المبجل وسيدها المكرم يشهد على ذلك.

 (يسلم الحكيم الوثيقة يتأملها فاحصا)

الحكـيـم:(لملك الشمس) ادل بشهادتك ياملك الشمس.

ملك الشمس:سيدي الفاضل، أقسم بشرفي أني لن أقول إلا الحق والصدق، وما عرف عني إلا حب الحق والصدق والخير، ومواساة المظلومين أينما كانوا، أشهد أني رأيت بعيني هاتين، وأنا في كامل قواي الجسمية والعقلية المقهور يجلس على صدر الربيب.

(يتشاور الحكيم مع مساعديه)

الحكـيـم:بعد الاستماع إلى قضيتكما ودراسة أبعادها وخباياها قررنا ما يلي:

 نحن هيئة الأخوة والوئام نندد بشدة بأعمال الربيب كما نعبر عن أسفنا الشديد عن كل عمل وحشي رجعي من شأنه أن يحط من قيمة الإنسان، ويقضي على روح الأخوة الإنسانية.

المقـهـور:(للحكيم) هات التنديد.

(يمسكه ويعلقه بجوار التنديد الأول على صدره.. تنصرف هيئة الأخوة والوئام.. يصيح مفتخرا مفتخرا)

لقد انتصرت عليك أيها المغبون.

ملك الشمس:أبارك لك هذا الفوز.

المقـهـور:أصبح الآن بحوزتي تنديدان، ولم يبق لي إلا تنديد واحد وأقضي عليكما.

ملك الشمس:لا، لا أيها المغرور، يظهر أنك لا تفهم القانون.

المقـهـور:القانون يحدد ثلاثة تنديدات.

ملك الشمس:وأنت لك تنديد واحد.

المقـهـور:وهذا التنديد الذي تحصلت عليه الآن؟

ملك الشمس:هذا ضد الربيب، وحتى تطرده يجب أن تحصل على ثلاث تنديدات ضده.

المقـهـور:(متحسرا) إيه، ما أطول المسافة...إذن سأعود للعمل.

(يعود إلى نقب الجدار)

ملك الشمس:(فرحا) مبارك عليك الانتصار، يظهر أن الأمور تسير على الدرب الذي خططنا بالضبط.

الـربـيب:وأين ما اتفقنا عليه؟

ملك الشمس:تقصد السلاح؟

الـربـيب:أجل السلاح، والشمس قبل السلاح حتى لا يموت نخاعي.

ملك الشمس:لا تخش شيئا نحن معك.

(يصفق فيقبل ثلاثة جنود)

ملك الشمس:(آمرا) انقلوا إليه سريعا كمية من السلاح، وأثثا له بيته الجديد.      

(يسرع الجنود بتنفيذ الأوامر)

الـربـيب:هذا عمل لن أنساه مطلقا.

ملك الشمس:أنا تحت أمرك، لاتطلب شيئا إلا كان أمامك حاضرا في أقل من لمح البصر.

الـربـيب:لقد أكملوا التأثيث.

ملك الشمس:بقي لهم أن يفتحوا لك نافذة لتتسرب منها الشمس إليك.

الـربـيب:وذلك هو الأساس.

ملك الشمس:(يصفق للجنود فيحضرون) أكملتم ما أمرتكم به؟

الجنود:(بصوت واحد) نعم ياسيدي.

ملك الشمس:افتحوا في بيت سيدكم نافذة لتشرق الشمس منها وضعوا في البيت أشجارا للزينة،وأزهارا عطرة.

(يسرع الجنود في تنفيذ الأمر دون تعليق)

الـربـيب:(فرحا) هذا عمل جبار لم أكن أحلم به مطلقا.

ملك الشمس:مازالت هناك أمور يجب أن ننفذها، سنأمرك بها في حينها.

الـربـيب:أنا في الخدمة دوما.

ملك الشمس:سأنصرف، ادخل بيتك واهتم به.

الـربـيب:(خائفا) ولكني أخشى غدر المقهور.

ملك الشمس:أتخشى المقهور؟

الـربـيب:أجل أنا أخشاه، أنت تعرف أنه متوحش وعنيد.

ملك الشمس:(يربت على كتفه مطمئنا) لاتخف لقد رسمنا خطتنا المميتة.

الـربـيب:كيف؟

ملك الشمس:سنشغله نحن بطلب الشمس، وسنترك لك هؤلاء الجنود لحراستك.

الـربـيب:(يقبل يده) لن أنسى لك هذا الفضل أبدا، لقد أوجدتني من العدم.

ملك الشمس:المهم أن لا يصل المقهور إلى الشمس حتى لا ينبت له نخاع، أنت تعرف ماذا سيفعل بنا إن حقق ما يريد.

الـربـيب:لن يصل إليها أبدا، أتريد أن تضع في يده خنجرا لطعننا؟

ملك الشمس:إلى اللقاء إذن...

(يودع الربيب ملك الشمس ويدخل داره الجديدة ولايبقى إلا المقهور يقف إلى الجدار يضربه بقوة وقد كساه العرق وغطاه الغبار… بعد مدة يظهر ملك الشمس)

إيه أيها المقهور ألا تدعنا ننام؟ لقد أقلقت راحتنا.

المقـهـور:(ينظر إليه شزرا، ثم يكمل العمل)

ملك الشمس:بدأت تنبت لك قرون، أصبح رأسك غليظا.

المقـهـور:(يتوقف عن العمل ويتقدم من السيد، وهو يمسح العرق وينفض الغبار) سمني كيفما شئت فأنا لن أتوقف عن النقر حتى أرى الشمس.

ملك الشمس:ستراها في الوقت المناسب.

المقـهـور:(غاضبا) لا تكذب كثيرا لقد مللت وعودك المعسولة.

ملك الشمس:ألم أقل لك أن قرونا بدأت تنبت لك؟ ولكن لابأس سأثبت لك أنني لا أكذب أبدا، وأنني مفعم بالإنسانية والحب والإخاء، وسأسمح لك برؤية الشمس.

المقـهـور:أحقا ما تقول؟

ملك الشمس:سترى الحقيقة بنفسك.

الـربـيب:(وهو يظهر فجأة) أرى أنه لايستحق شعاعا واحدا من الشمس.

ملك الشمس:لا، لا تكن قاسيا.

الـربـيب:إنه يزعج راحتنا، وينغص حياتنا، إنه يدق بالليل والنهار لايتعب أبدا.

ملك الشمس:حقا فعل ذلك، وتعدى شيئا ما حدود الآداب والأخلاق، وانتهك حرمة الشرائع السماوية.

المقـهـور:ولكن...

ملك الشمس:(مقاطعا) لابأس عليك، كل مايأتي منك مقبول، إنك معذور يامقهور.

المقـهـور:ولكن الربيب أخذ جزء من بيتي، وأنا مازلت مصرا على طلب ما سلب مني.

الـربـيب:هيهات أيها الغافل، لقد أثبت بالوثائق أن لي إرثا في هذا البيت.

المقـهـور:(ثائرا) لا هذا تزوير لا أقبله أبدا.

ملك الشمس:أنا عندي فكرة قد ترضيكما.

المقـهـور:اعرضها علينا لننظر فيها، فما عهدناك إلا سديد الرأي، مخلص النية.

ملك الشمس:تقتسمان ما أخذ الربيب بينكما.

المقـهـور:(ثائرا) نقتسم البيت؟ إنه بيتي.

ملك الشمس:على رسلك لاتكن عصبيا، أنا أقصد القطعة التي أخذها الربيب.

المقـهـور:(رافضا بغضب) كيف أقسم حقي مع غيري، ما فعل هذا  مجنون، فكيف يفعله عاقل؟

الـربـيب:وأنا لا أقبل القسمة أبدا، لي من القوة ما أقهرك به بل ما آخذ به حتى الذي مازال تحت يديك.

المقـهـور:أتهددني؟

الـربـيب:أجل أهددك وأهدد ألفا معك.

ملك الشمس:أنا أرى أنه لاداعي للمناوشة والشجار، وإني أقترح عليكما الصلح والصلح خير.

المقـهـور:ولكن أيها السيد الملك...

ملك الشمس:(مقاطعا) ولاتنس بأننا سنسمح لك برؤية الشمس.

المقـهـور:(فرحا) إذا كان كذلك فقد رضيت هيا لنبدأ القسمة.

الـربـيب:(معترضا بشدة) وأنا لن أقبل بهذا أبدا،البيت بيتي وبيت أجدادي.

المقـهـور:أرأيت من منا المتوحش المتعصب، ومن منا الإنسان الوديع المتسامح؟

ملك الشمس:(للربيب) اسكت لاتـنطق ثانية

 (للمقهور)

قبلنا القسمة.

المقـهـور:(فرحا) هيا لنبدأ، ولتباركنا السماء.

ملك الشمس:لا ليس الأمر بالسهولة التي تتصور، يجب أن نشكل لجانا لدراسة الوضع، وقياس المسافات والزوايا، والبحث في الأحوال والملابسات، وما سينجر عن كل حركة نقوم بها، ونعطي كل التفسيرات المحتملة ذلك...

المقـهـور:(مقاطعا بتعجب) حسبك، حسبك إن هذا ليستغرق سنوات طوالا.

ملك الشمس:وقد يستغرق قرونا.

المقـهـور:ولكن...

ملك الشمس:(مقاطعا) ولكن ماذا؟ أتظن الأمر بسيطا؟ أنت معذور أيها المقهور، هذا الأمر نحن نحيط به علما، أما أنت فلا نخاع لك.

المقـهـور:(مذعنا) حق ذاك أيها السيد الملك، فأنا أجهل الناس بالقانون.

ملك الشمس:ثم تقدم تقاريرها لهيئة الأخوة والوئام لدراستها وستدعونا للاجتماع وإذا تمت الموافقة سنقسم القطعة بينكما.

المقـهـور:(محدثا نفسه) وإذا تمت الموافقة سنقسم القطعة بينكما، وإذا لم تتم الموافقة؟

ملك الشمس:(مراوغا) ستعود إذ ذاك كالبطل للميدان لتدافع عن حقك، ولا أحد يجرؤ إذ ذاك على أن يتهمك بالوحشية.

المقـهـور:(مذعنا) قبلت وسأكون حاضرا لطرح قضيتي.

ملك الشمس:لا أيها المقـهـور، لا تكن مغرورا.

المقـهـور:ما تقصد أيها السيد؟

ملك الشمس:(منافقا) أقصد لا تتعب نفسك استرح تماما، وسنقوم بالعمل وحدنا، فحقك سيصلك إلى بيتك كاملا.

المقـهـور:ثقتنا فيكم كبيرة.

ملك الشمس:مهمتك أيها المقهور أن تدعولنا بالتوفيق، إن الله يستجيب للضعفاء.

المقـهـور:(يجثو على ركبيتيه، ويبسط كفيه للسماء) يارب وفقهم وانصرهم على أعدائهم.

ملك الشمس:سنفتح لك نافذة لترى منها الشمس، ولكن يجب أن تعرف أشياء.

المقـهـور:ماهي أيها السيد الملك؟

ملك الشمس:لا تقترب منها إن نورها سيحرقك لامحالة، رغم أننا سنخفف لك نورها.

المقـهـور:لماذا تخفف لي النور؟ أنا في حاجة ماسة للشمس، حتى ينمو نخاعي.

ملك الشمس:لاتتعجل أيها المقهور نحن لانريد لك إلا الخير ألسنا جيرانا؟

المقـهـور:أتمنعني من الشمس بعد أن وعدتني، ثم تقول أني أحب لك الخير؟

ملك الشمس:لابأس سأشرح لك الأمر، إن جسمك الآن أصبح غريبا عن الشمس أليس كذلك؟

المقـهـور:بلى.

ملك الشمس:وحتى يتعود على الشمس تدريجيا يجب أن يكون نورها خافتا، وكلما تعود جسمك زدنا في حرارة الشمس أما إذا أرسلنا على جسمك الشمس دفعة واحدة فستحترق.

المقـهـور:تعني أن جسمي لا يملك القابلية.

ملك الشمس:هو ذاك بالضبط لقد أصبحت تحسن التفكير.

المقـهـورفضلكم لن أنساه أبدا ياسيد الشمس وملكها.

ملك الشمس:(للمقهور) هيا عد إلى بيتك وانتظر الشمس.

(يعود المقهور، ويجلس ناظرا إلى الكوة)

الـربـيب:هل تريد أن تمنحه الشمس حقا؟

ملك الشمس:عد إلى بيتك وطبق ما اتفقنا عليه، ولا يهمك باقي الأمر.     

(يعود الربيب، وينطلق ملك الشمس)

المقـهـور:(محدثا نفسه) لقد طال انتظاري، وعيل اصطباري، متى تظهر الشمس الرؤوم، وتلتئم الكلوم؟؟ سأجعل من ذلك اليوم عيدا فريدا، وأكتب قصيدا، لا بل قصائد وأشعارا، وأقيم هنا منارا، وأدق هنا المسمار، وأشتري سريرا وثيرا، أنام فوقه قريرا، أنام، أنام لاأستيقظ طول الأيام.

(وهو ينتبه إلى نفسه)

ولكن أين هي الشمس التي وعدت بها؟ لعلها خدعة جديدة ما أغباني ! كم تخدعني الكلمات المعسولة.

(تفتح الكوة وتظهر منها الشمس، يقوم المقهور فرحا)

الله ! ما أجمل الشمس ! ! لقد ظننت به سوء، ما أحقرني إن بعض الظن إثم، وظني من هذا البعض.

(يخر ساجدا للشمس)

لجلال وجهك أسجد أيتها الشمس العظيمة.

(يرى جرذانا وصراصير تنزل منها داخل بيته... يصيح خائفا مضطربا)

آه ما هذا؟ ما هذا؟؟

(يدق على الجدار بشدة صائحا)

(ينظر خلفه فيرى جرذانا وصراصير وماء عفنا ينزل عليه من أعلى الجدار الذي أقامه الربيب…يدق بشدة ملك الشمس)

الويل لكم يا مناكيد، الويل لكم مني الويل.

ملك الشمس:(يظهر فجأة) ما هذا يامقهور؟؟ ماعهدناك إلا عاقلا فماذا حل بك اليوم؟

المقـهـو:(معتذرا) عفوا سيدي، ولكن...

ملك الشمس:(مقاطعا) ماذا تريد أعطيناك الشمس كاملة وما زلت تدق علينا وتقلق راحتنا إنك لوقح حقا.

المقـهـور:(متمسكنا) العفو ياسيدي أنا لا أفهم ولكن ما هذه الجرذان والصراصير والمياه العفنة؟

ملك الشمسيجب أن تظهر هذه الأشياء مع الشمس، أنت لاتفهم،  أنت معذور يامقهور.

المقـهـور:(مستسلما) أنت أدرى بالأمور فدعها تكون.

ملك الشمس(محذرا) وإياك أن تمسها بسوء.

المقـهـور:أمرك أيها السيد العظيم.

ملك الشمسلعلك لاتعرف أن هناك هيئة عليا لحماية الجرذان والصراصير والمياه العفنة.

المقـهـور(مندهشا) أحقا ما تقول؟

ملك الشمس:وهل عهدتني أكذب عليك؟

المقـهـور:لا حاشا لله فأنت الصدق...ولكن هل هذه الهيئة تقيم العدل مثل هيئة الأخوة والوئام؟

ملك الشمس:لاشك في ذلك، كل ما أقمناه لايكون إلا على الحق.

المقـهـورالحق ما ذكرت ياسيدي، ياملجأ الضعفاء.

ملك الشمس:إذن، فإياك والتعرض لها.

المقـهـور: إلى أي شيء؟

ملك الشمس:للجرذان والصراصير والعناكب.

المقـهـور:لا لن أتعرض لها مطلقا، ستمرح في بيتي آمنة مطمئنة.

ملك الشمس:والشمس إياك أن تمسها أو تقربها، ابتعد عنها كل البعد، فهي خطيرة وقد تؤذيك.

المقـهـور:(فزعا) تؤذيني؟ أليست رحيمة رؤومة كما يقولون؟

ملك الشمس:(متلعثما) لا، نعم نعم هي كذلك طبعا، ولكنها ولكنها لم تألفك بعد.

المقـهـور:آه فهمت الآن، لن أقربها أبدا.

ملك الشمس:جميل هذا أيها الوديع.

المقـهـور:وما أخذ من بيتي، كيف هو أمره؟

ملك الشمس:لا تحمل هما دع الأمر لنا، نم قرير العين هانئ البال وسنقوم بالمهمة.

المقـهـور:عظيم ما تفعله أيها الملك العظيم ! 

ملك الشمس:وحينما نصل لنتيجة سنأتي لنوقظك.

المقـهـور:(فرحا) سأنام ملء جفوني.

ملك الشمس:وسنسهر نحن ونختصم.           

(يضحكان عاليا)

المقـهـور:إذن ندعو لك بالنصر المبين.

ملك الشمس:إنك لوديع مطيع ولا تستحق إلا الخير.

المقـهـوربارك الله فيك.

ملك الشمسعندي هدية لك.

(يصفق فيحضر جندي يحمل في يده كيسا)

المقـهـور:بماذا ستفاجئني؟

ملك الشمسخذ هذا الفراش الوثير، لقد صنعناه لك من الحرير الخالص، ابسطه بعيدا عن الشمس ونم في أمان، وهذا غطاء تدثر به هو من الحرير الخالص أيضا، لم يصنع إلا للملوك.

المقـهـور:(فرحا) حقا أنا أحب النوم، هل يفيدني النوم؟

ملك الشمس:تأكد من أن نخاعك سينمو سريعا، سريعا.

المقـهـور:(شاكرا) دعني أقبل يديك، دعني أقبل يديك.

 (يجثو على ركبتيه ويقبل يد ملك الشمس)

ملك الشمس:(يودع المقهور) تركتك في أمان، وإياك أن تنسى ماأوصيتك به.

المقـهـور:أنسى نفسي ولا أنسى وصاياك القيمة.

(ينطلق ملك الشمس ويبقى المقهور محدثا نفسه)

 الله! ما كنت أحلم بهذا مطلقا، كل شئ تحقق ببساطة، يظهر أن هؤلاء الجيران طيبون وملك الشمس أطيب، إنهم يـحبون الخير حقا وصدقا، يجب أن أنام الآن، وأفكر في الطريقة التي أرد بها الخير لهم.

(يعود إلى بيته، يبسط الفراش بعيدا عن الشمس، وينام ملء عينيه)

الغـريـب:(يظهر بعد لحظات يصيح مستغربا) الله  ! ما أرى؟؟ ماهذا السكون؟؟...وما هذا الشخير الذي أسمعه، وماذا فعل المقهور من بعدي…لأرى.

 (يلج البيت فيجده نائما يملأ شخيره الحجرة فيصيح متعجبا)

 ياألله ! إنه نائم، ياللداهية  !ياللكارثة ! سأضربه بقوة بهذه العصا عله يفيق، لأضربه قبل أن يدخل في سبات عميق (يضربه) قم، قم من نومك أيها الغبي.

المقـهـور    :       (ينقلب على جنبه ويستمر في نومه)

الغـريـب:(بغضب) قلت لك قم، قم

(يواصل ضربه)

المقـهـور:(يتمطط) آه أيتها الشمس الدافئة.

الغـريـب:قم تبا لك، إن الشمس لاتحصل عليها بالأماني والأحلام قم، قم.    

(يمسكه من ذراعه ويخضه)

المقـهـور(وهو يقوم فزعا) ما هذا، ما هذا؟

الغـريـب:أفق من نومك، الويل لك.

المقـهـور:(يفرك عينيه جيدا) أهذا أنت قد عدت؟

(فرحا)

أهلا بك أهلا، كنت أفكر فيك أنا في حاجة ماسة إليك.

الغـريـب:ماذا تريد مني، نصيحة أو مشورة ؟ أعرف ذلك.

المقـهـورلا، لا بل ماكان يشغل بالي هو من أنت؟ لقد وعدتني بأن تكشف لي عن هويتك، ولكنك لم تفعل.

الغـريـب:(غاضبا) ما أتفهك لا تهتم إلا بالشكليات.

المقـهـور:أتعتبر هذا من الشكليات؟

الغـريـب:أهملت اللب، ورميته وراء ظهرك، واحتفظت بالقشور، إن الجوهر لا يجانس إلا الجوهر...

(بعد لحظات)  خاب ظني فيك أيها الأحمق.

المقـهـور:بل عليك أن تفتخر بي.

الغـريـب:(باستهزاء) ولمه؟

المقـهـور:ألا تراني وقد تحصلت على الشمس؟

(مشيرا إليها) انظر.

الغـريـب:وما هذه الصراصير والجرذان والعناكب والخنافس وهذه المياه العفنة.

المقـهـور:كل هذه الأشياء جاءت مع الشمس، ولا وجود للشمس إلا بها.

الغـريـب:(مستهزئا) ياسلام على الفيلسوف، من أين تعلمت هذا؟

المقـهـور:من ملك الشمس تعلمته أيها الغريب.

الغـريـب:(بحسرة)حقا هو ملك الشمس، وأنا غريب

(بغلظة) اسمع ياغبي الشمس للطهارة والنقاء، للخضرة والصفاء، لاللمزابل والقاذورات.

المقـهـور:(متفاجئا) أحقا ما تقول؟ ما أغباني كيف غاب عن ذهني هذا؟

الغـريـب:ثم أين الشمس التي تزعم؟

المقـهـور:(مشيرا إليها) انظر أمامك ألست تراها؟ إني أراها.

الغـريـب:(متأففا) حقا إنها لاتعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

المقـهـور:ماذا تقصد؟

الغـريـب:(يمسكه من يده ويسحبه) تعال نقترب من هذه الشمس لنراها.

المقـهـور:(محذرا) إياك أن تقترب منها، احذر أن تحترق.

الغـريـب     :ياويحك خدعوك، خدعوك.

المقـهـور:لا أكاد أفهمك.

الغـريـب (يمس الشمس) هذه أيها الأحمق ليست شمسا، لقد وضعوا لك صورتها ليخدعوك بها.

المقـهـور:(متعجبا) ليست شمسا؟ ! ! مستحيل، مستحيل.

(يفرك عينيه ويمس جسده)

الغـريـب :بل هي الحقيقة، أرادوا أن يخدعوك وينوموك ليقضوا حاجتهم، انظر.     (يمزقها)

المقـهـور:(بغضب) هكذا إذن؟

الغـريـب :ثم إن كان ما أعطوك شمسا كما زعموا أين إذن ضوؤها ونورها وخيرها؟

المقـهـور:حقا ماتقول، ليست أدري كيف غاب كل ذلك عن ذهني.

الغـريـب :(وهو ينظر حوله) وما لي أرى بيتك أصبح ضيقا؟ ومن ذا الذي عاشرك فيه؟

المقـهـور:ربيب سيد الشمس.

الغـريـب :(بغضب) لاسيد للشمس ولا ملك، هي ملك لكل من يطلبها لا تحجب ضوء ها عن أي كان أبدا، إن الشمس تؤخذ ولا تعطى.

المقـهـور:هم قالوا لي هذا.

الغـريـب :وأنت صدقت طبعا؟

المقـهـور:أوهموني بالحقيقة ودفعوني إلى التصديق دفعا.

الغـريـب :المهم هذا الربيب يجب أن ينزاح فورا، يجب أن تطهر بيتك منه، هو العلة الكبرى.

المقـهـور:سأبدأ بتنظيف البيت من هذه الحشرات والقاذورات 

الغـريـب :لا تكـن كالطبيب الأحمق الذي يعالج أعراض المرض ويترك أسبابه.

المقـهـور:ماذا تقصد؟

الغـريـب :أنت هكذا دائما بليد، لاتكلف نفسك عناء التفكير، لتفهم ماوراء الألفاظ.

المقـهـور:ساعدني على الفهم.

الغـريـب :إن قدرتهم على إرسال الحشرات والقاذورات إليك أضعاف أضعاف قدرتك على التنظيف.

المقـهـور:حقا.

الغـريـب :إذن يجب أن تقضي عليهم.

المقـهـورعلى ملك الشمس تقصد؟

الغـريـب :على الربيب أولا لتسترد ما ضاع منك، ثم على ملك الشمس لتأخذ حقك.

المقـهـور:ولكنني لا أستطيع.

الغـريـب :(غاضبا) لاتستطيع؟ ابق إذن ذليلا حقيرا.

المقـهـور ألا تعلم أنه يملك أسلحة كثيرة، ويحرسه ثلاثة جنود أشداء؟ أحمر وأسود وأصفر.

الغـريـب : الإرادة أقوى من كل شيء.

المقـهـور:تريدني أن أهجم عليهم.

الغـريـب هو ذاك بالضبط.

المقـهـور:ساعدني إذن.

الغـريـب:من اعتمد على الناس لحقه الإفلاس.

المقـهـور(متعجبا) أتريدني أن أقاتل أربعة؟

الغـريـب :تحين فرصة غفلتهم، واهجم عليهم، فاقتلهم جميعا وجردهم من سلاحهم، ثم ادخل على الربيب فاقتله، ثم حارب السيد وانتزع منه الشمس بقوة.

المقـهـور:أنت ترى ذلك؟

الغـريـب :لا يفل الحديد إلا الحديد، وبالقوة يجب أن تواجه القوة.

المقـهـور:(مذعنا) قبلت وأمري إلى الله.

الغـريـب :(مشجعا) كن ذئبا وإلا أكلتك الذئاب، قاتل فإما أن تحيا حياة كريمة، أو تموت موتة الأبطال الشرفاء.

المقـهـور:(متحمسا) أنا لها، قبلت الفكرة وسأعمل على تطبيقها.

 (يختفي الرجل الغريب في غفلة من المقهور الذي يستمر يحدث نفسه)

سأشحذ هذا الرمح جيدا، ثم أتربص بالجنود الدوائر.

(يقعد أرضا، ويشرع في شحذ الرمح وهو ينظر للجنود)

لقد ناموا، الحمد لله، الرمح أصبح حادا، سأقتلهم  نعم سأقتلهم، اللهم أعن. 

(يمشي ببطء حتى يصل إليهم، يسدد الرمح جيدا، ويطعنهم جميعا)

الجندي الأخير:(صارخا) أي قتلني أي...أي.

(يلفظ أنفاسه، يحس الربيب بالأمر فيخرج)

الـربـيب:(خائفا) لقد أحسست منك الغدر، لن أمكنك من نفسي.

المقـهـور:لو رحمتنا لرحمناك، ولكن من يجعل المعروف في غير أهله يعد ذما عليه ويندم، خذها خذها، تأخذك إلى الجحيم.

(يطعنه عدة طعنات، فيسقطه أرضا ملطخا بالدم)

المقـهـور:(يمسح الدم عن ذراعه) لابأس، لايغسل العار إلا الدماء، بل سأقوم الآن بإزالة هذا الجدار الوهمي الذي أقامه الربيب، ثم أطلب الشمس بعده، بل سأقوم بتحطيم كل الجدران، كل الجدران.

(يبدأ في العمل، فيحطم كل الجدران، فتتهاوى بسهولة)

ملك الشمس:(وهو يظهر خلف الجدار المهدم، أشعث أغبر) ياويلي ماهذا البركان !؟ ما هذا البركان؟؟؟

المقـهـور:(مهددا) انتظرني أيها الدعي الأفاك، انتظرني.

الحكـيـم :(مستغربا) من هذا العملاق؟؟ من فعل به هذا ؟ من فعل به هذا؟… الفرار… الفرار ياجماعة الفرار.

(يفرون جميعا، وتشرق الشمس فيضيء المكان الرحب وتلاحظ الجرذان والصراصير والعناكب فارة).

عين ولمان. سطيف. الجزائر 21-07-1989

 

أضيفت في 06/02/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية