أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 02/09/2022

دراسات أدبية - الأدب الفلسطيني / الكاتبين: خليل السواحري وسمير سمعان

التوجهات العنصرية في مناهج التعليم الإسرائيلية

 

لقراءة الدراسات

 

 

الدراسات

التاريخ 

التربية الدينية 

مدخل 

التوجهات العنصرية 

 الجغرافيا العامة والسياسية

  القيم التربوية الصهيونية

 أدبيات الأطفال اليهود

نماذج من القصص اليهودي 

 

التوجهات العنصرية في مناهج التعليم الإسرائيلية

بقلم الكاتبين: خليل السواحري وسمير سمعان

 

مدخل

 

أثارت تصريحات الحاخام عوفاديا يوسف العنصرية التي أدلى بها في أواخر نيسان 2001م( )، ووصف فيها العرب بأنهم أولاد أفاعٍ، وأن الله ندم لأنه خلقهم، وبالتالي فإن من الواجب قتلهم، أثارت موجة من الاستنكار العربي إلى حد أن أحد المواطنين العرب خصص جائزة مقدارها مليون دولار لمن يقتل هذا الحاخام، ومن المؤسف أن العرب الذين استثارتهم هذه الأقوال لم يفطنوا، فيما يبدو، إلى الكم الهائل من الأدبيات الصهيونية المشابهة التي رددها رواد الصهيونية الأوائل مستندين فيها إلى التوراة والتلمود، وسائر الأدبيات اليهودية التي تشكل العمود الفقري في المناهج الدراسية الإسرائيلية، والتي تستند تاريخياً إلى مصادر عديدة أهمها التوراة، وما أوردته من تفاصيل عن المذابح الشاملة التي ارتكبها يشوع بن نون( ). وإلى الأيديولوجية الصهيونية والمقولات والأفكار التي نبتت على جوانبها، ومن بينها مقولة "العربي الجيد هو العربي الميت"، ونظرية الترانسفير الذي نادى بها لأول مرة الحاخام "يوسف واتيز"، ومؤادها أن لا مكان في هذه البلاد لشعبين، أي أن فلسطين يجب أن تكون خالصة لليهود دون سواهم، وهذا هو الوجه الآخر للمقولة النازية المعروفة "ألمانيا بلا شوائب".

وفي هذا السياق نستذكر ما قاله موشيه منوحن "علّمونا في الجمنازيوم أن نكره العرب وأن نحتقرهم، وعلّمونا كذلك أن نطردهم على اعتبار أن فلسطين هي بلادنا لا بلادهم"( ).

وفي هذا السياق نستذكر كذلك كلمات بن غوريون في تجميل قتل العرب حيث قال: "القتل هو الوسيلة المثلى لتحرير الطاقة الكامنة لدى الجندي اليهودي" وذلك قريب مما قاله موشيه دايان "القتل هو قدر جيلنا" والمقصود الجيل اليهودي، أو كلمات غولدامائير في إنكار وجود الشعب الفلسطيني، أو كلمات مناحيم بيغن وروفائيل ايتان في احتقار العرب واعتبارهم مجرد صراصير يجب سحقهم!!

عوفاديا يوسف ليس نبتة شيطانية في السياق الصهيوني، وكلماته في احتقار العرب والدعوة إلى قتلهم لا تخرج عن السياق العنصري للصهيونية، أو لم يقل مئير كاهانا قبل مصرعه على يد رجل مصري شجاع في نيويورك "لا يظهر المسيح إلا إذا تم قتل العرب" وهي المقولة التي صدقها وما زال يصدقها الملايين من المسيحيين المتصهينين الأمريكيين المغرر بهم حتى دينياً؟

ثم أولم يكافأ تلميذ كاهانا السفاح "باروخ غولدشتاين" بإقامة نصب تذكاري لـه لأنه قتل تسعة وعشرين مواطناً عربياً في الحرم الإبراهيمي في الخليل في شباط 1994م.

ذلك يقودنا إلى البحث في المنطلقات الأساسية للتربية الصهيونية التي جعلت بعض الجنود الإسرائيليين يطبعون على قمصانهم عبارة "ولدنا لنَقتل"

born to kill”.

 

مصادر التربية الصهيونية:

يجمع الباحثون على أن الكتب التي تشكل المصادر الأساسية للتربية الصهيونية هي: كتب العقيدة اليهودية وفي مقدمتها العهد القديم (التوراة، الأنبياء، والمكتوبات) وكتب الشرّاح والمفسّرين من الحاخامات كالتلمود (المشنا والجمارا) والمدراش والهلاخا والهجدا، بما تتضمنه من أصول للمعتقد اليهودي، والأحكام والنصوص التاريخية والأخلاقية، وقوانين اليهود السياسية والمدنية والدينية، وهذه كلها تمثل المصدر الأول من مصادر التربية الصهيونية والمرتكز الأساسي للعملية التربوية، يضاف إلى ذلك قرارات زعماء اليهود في الثلاثة وعشرين مؤتمراً (منذ 1897 حتى 1951)، وآخرها المؤتمر الذي انعقد في القدس لأول مرة سنة 1951، ليبحث في الظاهر مسألة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بينما كان الهدف، وفي كل هذه المؤتمرات جميعها، دراسة الخطط التي تؤدي إلى تأسيس مملكة صهيون العالمية، والاستيلاء على العالم بشتى الوسائل. وهذه الكتب والمراجع والقرارات شكلت دائماً الإطار العام الثابت لليهودية كمعتقد. وهناك باحثون آخرون( ) يرون أن المصدر الثاني للتربية الصهيونية، من حيث الأهمية، هو مؤلفات مؤسسي الصهيونية الأوائل، ومن هذه المؤلفات على سبيل الحصر: كتاب "روما والقدس" لموسى هس (1812 ـ 1875) وكتاب " التحرر الذاتي" لبنسكر رئيس جمعية محبي صهيون

(1821 ـ 1891) وكتاب "الدولة اليهودية" لهرتزل (1860 ـ 1904).

يضاف إلى ذلك كتابات ثلاثة مفكرين آخرين كانوا علامات بارزة في التاريخ الصهيوني، وهم آحاد هاعام (1856 ـ 1927) وهو صاحب فلسفة الصهيونية الثقافية، وأهرون دافيد جوردون (1856 ـ 1922) وهو صاحب فلسفة دين العمل، وفلاديمير جابوتنسكي صاحب فلسفة القوة (1880ـ 1940).

كان لابد للكتاب التعليمي أن يضع بين يدي الطالب اليهودي الحلول الشاملة للمسائل التي تطرحها أمامه الصهيونية، وفي مقدمتها الاحتلال والاستيطان والهجرة وترحيل "الجوييم" من الفلسطينيين، وإخوانهم من عرب الجوار، ممن تستطيع إسرائيل احتلال أراضيهم أو جزء منها، ضمن حملاتها العسكرية التوسعية التي تشنّها عليهم بين حين وآخر، ومن يطّلع على نماذج من الكتب المدرسية يستطيع أن يدرك هذا الاتجاه العدواني لدى الناشئة اليهود، فكل أرض تطؤها قدم الجندي اليهودي هي أرض يهودية، خيرات الأرض والعالم أجمع منحة لهم وحدهم من الرب، وكل ما في أيدي غيرهم من (الجوييم) أو الأمميين هو ملك لليهود، فما تحت أيديهم أي (الجوييم) مغتصب من اليهود وعليهم استرداده منهم بكل الوسائل، ولا حياة لشعوب الأرض بدون اليهود.

وهذه التربية لا تقتصر على الطلبة في مراحل التعليم الثانوية والجامعية، ولكنها تبدأ في مرحلة الروضة عبر قصص الأطفال المطبوعة أو التي تحكى شفوياً في الكيبوتسات والمستوطنات، وفي القرى الزراعية والمدن التي يقيم فيها الأطفال. (انظر الملحق الخاص عن أدب الأطفال).

 

ولو تساءلنا متى بدأت عملية تطوير هذه الاتجاهات التربوية الصهيونية، لوجدنا أنها بدأت مع الشروع بإنشاء المستعمرات والمستوطنات اليهودية على أرض فلسطين عام 1870م، وبشكل خاص على أرض المدينة المقدسة، إلى جانب المشاريع الاستيطانية العديدة مثل برنامج العودة إلى صهيون، ومحبة صهيون، ومع بدء إقامة الأحياء اليهودية على أرض القدس في النصف الأول من القرن التاسع عشر، بمبادرة (موسى مونتفيوري)، الضابط في الجيش البريطاني الذي كان مقرباً من قصر الملكة فكتوريا، وقد تزامن ذلك مع بدء ظهور الكتابات الصهيونية المؤسسة لكل من موشيه هسّ (روما والقدس) وليو بنسكر (التحرر الذاتي) ومؤلفات اليعازر بن يهودا في إحياء اللغة العبرية وبعثها، وتنظيرات زعيم الصهيونية ومؤسسها هيرتزل، ودعوات أهرون دافيد غوردون لاحتلال العمل العربي على أرض فلسطين، وإحلال العمل العبري بدلاً منه.

لقد كان للظروف السياسية التي أحاطت بفلسطين في تلك الفترة، أثر بالغ في تسهيل مهمة الصهيونية، من حيث ضعف العثمانيين، وتدخل أوروبا في شؤون الدولة العثمانية، وسماح بريطانيا للجمعيات الصهيونية بالقدوم إلى فلسطين بهدف السياحة أو التنقيب عن الآثار واكتشافها.

من هذا الكم الهائل والمتراكم من المفاهيم والمخططات الصهيونية بنى الكيان الإسرائيلي سياسته التربوية، وكان للانتداب البريطاني دور بارز في ذلك، منذ اللحظة التي تدخلت فيها بريطانيا بشكل مباشر في فلسطين، إثر صدور وعد بلفور عام 1917م، وإعلان الانتداب عام 1921.

في عام 1953 قام الكيان الصهيوني بسن قانون التعليم للدولة حيث تنص المادة الثانية منه على "أن التعليم في دولة إسرائيل يجب أن يرتكز على قيم الثقافة اليهودية والولاء لدولة إسرائيل والشعب اليهودي وتحقيق مبادئ الريادة في العمل الطلائعي الصهيوني".

يقول (آحاد هاعام) وهو أول من دعا إلى إنشاء جامعة عبرية في فلسطين "من الضروري إقامة المدارس ليتخرج فيها جيل يهودي سليم الروح والعقل والجسم، ومن الضروري تجديد العمل العبري لتقوية الانتماء لهذه الأمة". ثم يوضح الأسلوب التربوي المدروس سيكولوجياً واجتماعياً القادر على احتواء السلبيات التي قد تبرز أثناء التطبيق العملي، بصهر اليهود في بوتقة المسيرة التوراتية الواضحة الهدف والأسلوب، فبادئ ذي بدء "تقام حركة يناط بها إنشاء المستوطنات بناء على خطة ثابتة، ثم تبنى مدارس صهيونية وأماكن علمية لتربية جيل يهودي سليم، فيتخرج الشباب وقد تربوا على حياة جديدة تمكنهم من دخول المعارك ضد العدمية وغير اليهود".

أما زبولون هامر أحد وزراء المعارف والثقافة في الكيان الصهيوني، فقد أكد على يهودية التوجه التربوي في بداية السنة الدراسية 1982 ـ 1983 وقال: "إن أفضل بشرى هي أن يكون الفرد يهودياً إسرائيلياً، فهذا تحدٍ كبير في القرن العشرين ونحن من أجل ذلك مستعدون لخوض الحروب، إذا كانت هناك ضرورة لتحقيق هذه الأمنية". وقد قطعت إسرائيل شوطاً كبيراً في اتجاه تحقيق هذا الهدف، بدءاً من نكبة 1948 وحتى الآن، تجسيداً للفكر التربوي الصهيوني الذي يتعلمه الطفل اليهودي في مراحل تربيته الأولى.

 

لقد أكد زبولون هامر على ذلك موضحاً السمات الحقيقية للتربية الصهيونية بقوله: "إن الهوية الأصلية للإنسان تمتاز بثلاثة عناصر هي: الذاكرة (العودة إلى الماضي البعيد) والعمل والتوقيع المرتبط بالأمل، وكما أن هذه العناصر تشكل تصور المرء لذاته، فإنها تؤثر أيضاً على تصور الأمة لذاتها، ولهذا يلزم كل يهودي أن يتذكر لحظات أساسية من التاريخ، كمعاناة شعبه في مصر، والعهد في سيناء، والشر الشيطاني المتمثل بـ"عماليق" أو العمالقة"( ).

أن أهم المرتكزات التي استند إليها وزير المعارف والثقافة الإسرائيلي في حينه البيان التلمودي الذي ينص على أن من يعمل لأنه مقتنع بذلك، أعظم ممن يعمل بعد أن يؤمر.

 

أهداف التعليم اليهودي:

توخى واضعو المنهاج التعليمي الإسرائيلي تحقيق الأهداف التالية لدى وضعهم لهذا المنهاج الذي يختلف جذرياً عن المناهج الدراسية المعتمدة في مدارس "الأقلية العربية في فلسطين"، وهذه الأهداف هي:

1 ـ خلاص الشعب اليهودي يجب ألا يكون مجرد إيمان بالماضي، بل يجب أن يؤثّر على الحياة اليومية الراهنة.

2 ـ التأكيد على العمل غير المنقطع عن الأمل، فالعمل الذي لا يرتبط بالتوقيع، يمكن أن يخلق انطباعاً بأن الظروف الراهنة غير قابلة للتغيير.

3 ـ يجب أن يخضع الحاضر لتقييم متواصل في ضوء "أحلام الشعب اليهودي" وذكرياته، ويجب أن ينعكس الماضي اليهودي على النظام التعليمي الذي نحن بصدده، لأن التأصل التاريخي والذاكرة، والاهتمام بالعمل، والإيمان بتجدد المجتمع اليهودي المتكامل، مقومات لابد منها لبناء فلسفة التعليم اليهودي.

من خلال ذلك يمكن للتعليم اليهودي أن يجيب على السؤال التالي: "كيف يمكننا نحن اليهود والذين خبرنا إخفاقات المشاريع والأيديولوجيات المثالية، أن نمنع شعبنا من الغرق في سخريات تخنق الروح الإنسانية، وتسخر من الإيمان بإمكانية إحداث تغيير إيجابي؟".

هذه المفاهيم والاتجاهات الصهيونية أصبحت المنطلق في عملية الكتابة والتأليف في مجال "العلوم الإنسانية" بشكل عام، ومبحث "التاريخ" بشكل خاص، ضمن وحدة متكاملة بين ما تقره أجهزة التعليم الرسمية من مناهج وكتب، وبين ما يطرح في الأسواق، على هيئة كتب في التاريخ والقصة وأدب الأطفال، وما تزوَّد به المكتبات للمطالعة.

 

ذلك لأن اليهود في الكيان الصهيوني وفي سائر مؤسسات الحركة الصهيونية واليهودية العالمية يسيرون على مبادئ الاستعلاء والعنصرية والفوقية تجاه (الجوييم): "الوثنيين والكفرة والبهائم والأنجاس، مهما يكن الإله الذي يعبدونه" وأما اليهود وفقاً لما جاء في التوراة والتلمود "فهم أبناء الله وأحباؤه" ولابد من الإقرار بمبدأ النهب والسلب، تحت اسم العودة إلى الأرض الموعودة وتطبيقاً للشعار الصهيوني "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

 

الإقرار بعنصرية التعليم اليهودي:

يقول اثنان ممن اشتغلوا في الدراسات التحليلية لقصص وكتب وأدبيات الطفولة وهما: البروفيسور أديركوهين في كتابه "وجوه قبيحة في المرآة" الصادر عام 1985 في تل أبيب، "ونيلي مندلر" الصحفية المتخصصة في شؤون التعليم والتربية في صحيفة هآرتس:

"هناك أكثر من 1500 كتاب من عدة أصناف بين أيدي الناشئة اليهود، تمثل ما لا يمكن وصفه من فوقية واستعلاء وتحقير لكل ما هو عربي ومسلم، ويمكن العثور على هذه الكتب في كل شارع ومكتبة، في أي مدينة أو مستوطنة". وحتى هذه اللحظة ومنذ عام 1948م هنالك من هذه النماذج كتب وقصص ومطبوعات مختلفة، يمكن إدراجها ضمن صنفين: (الصنف الأول) هو ما يُوضع للطلبة اليهود في المدارس والمؤسسات اليهودية الصرفة، (والصنف الثاني) هو ما يُفرض على الطلبة العرب في المدارس والمؤسسات العربية، في المدن والقرى العربية في فلسطين المحتلة.

 

تقول "نيلي مندلر" في تعليقها على الاتجاه الصهيوني اللاإنساني في مخاطبة عقول الناشئة اليهود( ).

"إن استعراضاً سريعاً لمضامين كتب مباحث العلوم الإنسانية، ومن بينها كتب المطالعة المقررة رسمياً للطلبة من الصف الأول حتى الصف الثامن (قراءات إسرائيل) (وقراءات إسرائيل الحديثة) يبين لنا كم هي محشوة بعبارات التحقير، والأوصاف غير الإنسانية المتوحشة، فالكتب والمراجع التي تقرها وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية لتكون مراجع بين أيدي المعلمين والمربين، هي أشد عنصرية وأكثر فظاعة مما يستخدمه الطلبة أنفسهم". ومما يجدر ذكره أن هذه الكتب لا تعاد مراجعتها في كل ما يقال أو يذكر عن الشعوب الإسلامية والعربية، وكأنها تراوح مكانها منذ آلاف السنين، فالطبعات التي ظهرت في الستينات والسبعينات يعاد تصويرها ليتداولها الطلبة كما هي، كذلك المعطيات والأرقام في أي مجال لا يجوز مطلقاً إدخال أي تعديل عليها، لأن في ذلك كشفاً للزيف الصهيوني في تحوير وتزوير الحقائق عن العرب والإسلام في فلسطين، وسائر أقطار العالمين العربي والإسلامي.

 

تشويه الإسلام والفتوح الإسلامية:

من بين الأسس التي تعتمدها الصهيونية في تربية الناشئة اليهود تشويه الدعوة الإسلامية والفتوح الإسلامية في الكتب المقررة، التي يصدرها مركز المناهج التعليمية في وزارة المعارف الإسرائيلية ونذكر من هذه الكتب:

1 ـ سلسلة كتب (شعب إسرائيل) للصف السابع، تأليف (ب. احيا) و(م. هرباز).

2 ـ كتاب دروس في التاريخ ـ اليهودية بين المسيحية والإسلام ـ صادر عن مركز المناهج التعليمية ـ القدس ـ 1973م، وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية.

3 ـ كتاب (هذا موطني) للصف الخامس الابتدائي، تأليف ش. شكيد/ طبقاً لمنهاج وزارة المعارف والثقافة المعدل.

4 ـ كتاب جغرافية أرض إسرائيل الطبيعية والاقتصادية للمدارس الثانوية ومعاهد المعلمين، تأليف د.(منسيه هرئيل)، د.(دوف نير).

5 ـ كتاب الجغرافيا للصف الخامس، تأليف (د. اكيطوف) و(آرني).

6 ـ كتاب (دولة إسرائيل وانتشارها في عصرنا) فصول تعليمية لتلاميذ المدارس الثانوية، تأليف ميخائيل زيف.

7 ـ كتاب الأقليات في إسرائيل ـ المسلمون والمسيحيون والبهائيون والدروز، تأليف: زئيف فلنائي.

وسنورد بالتفصيل مقتطفات مما ورد في هذه الكتب لدى بحثنا في موقف اليهود من الإسلام والمسيحية.

 

التوجه التربوي نحو العرب والمسلمين:

تكرس الكتب المدرسية نظرة عدائية ومغايرة للواقع تجاه العرب والإسلام والنبي محمد()، ومثال ذلك بعض ما جاء في كتاب روما في عظمتها وسقوطها/ العرب والإسلام تأليف شعبة المناهج التعليمية التابعة لوزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية، بإشراف البروفيسور (غلومر) والبروفسور (حوالستروس يافه).

 

تبرير الاستيطان:

وحول التوجه التربوي في تبرير الاستيطان والأمن الصهيوني لليهود، صورت كتبهم الدراسية اغتصاب الأرض العربية على أنه تحرير، وأن ما تم من أعمال قتل وإبادة من قبل إسرائيل لم يكن إلا حفاظاً على الأمن الإسرائيلي. وقد ورد ذلك بشكل خاص في "كتاب هذا موطني" منشورات وزارة المعارف والثقافة، ويُدّرس للصف الرابع، وكتاب آخر لنفس المؤلف يُدرّس للصف الخامس، وكل ما ورد فيهما ادعاءات كاذبة لتبرير جرائم إسرائيل ضد أصحاب الأرض الأصليين.

 

العنصرية والفوقية في كتب الأطفال:

ـ في الملحق الخاص بأدب الأطفال سنقدم بعض النماذج من هذه القصص التي يتم تداولها في مكتبات مدارس الأطفال وفي المكتبات العامة.

إما من الكتب التي يجري تدريسها ضمن المنهاج فسنذكر فيما يلي بعضاً منها:

1 ـ كتاب (التربية الدينية في المجتمع الإسرائيلي) ـ تأليف مردخاي بارليف/ 1986.

2 ـ كتاب (الدين والفوقية في المجتمع الإسرائيلي) ـ تأليف مردخاي بارليف/ 1986.

3 ـ 120 قصة متخصصة لكاتب قصصي واحد هو "شراغا غفني" يحمل في كل قصة اسماً مستعاراً، وهي تصف العرب بأنهم قتلة يهاجمون المستوطنات وأن سلوك اليهود تجاههم يكون دائماً مثالياً.

4 ـ كتاب رجال في التكوين ـ تأليف اليعازر شموئيلي (أحد فلاسفة التربية الصهيونية في وزارة المعارف). يصف في كتابه منذ طبعته الأولى عام 1933م وحتى الطبعة الثانية عشرة التي صدرت عام 1972م، الإنسان العربي بأنه "طويل القامة عريض المنكبين يلمح في عينيه بريق الغضب، وجهه قاسٍ، وجبينه ضيِّق وصغير، وشاربه مدبب يرتفع على شكل قرنين، عيناه صغيرتان تدوران في محجريهما، وأنفه نسري معقوف".

5 ـ كتاب رجاءً لا تُطفئ العشب ـ تأليف عوديد يتسهار.

6 ـ كتاب ليس على جادة الصواب لنفس المؤلف ـ وفيه يظهر الإنسان العربي بطريقة تخيف الأطفال اليهود وتزرع الحقد والكراهية تجاه العرب.

7 ـ كتاب أولاد المدينة القديمة وحربهم ضد المتسللين ـ تأليف حاييم الياف، يسهم بطريقة أكثر شمولية في تقبيح صورة الجندي العربي، حيث أبرز جندياً أردنياً في الجيش العربي بعينين حادتين تتطلعان بكرهٍ نحو اليهود.

8 ـ السلسلة القصصية داني دين الذي يرى ولا يُرى ـ تأليف أون سريغ، وكذلك السلسلة القصصية تأليف يغآل موسيزون وهي قصص خيالية تتخذ من القرد بطلاً لها وتجعله قادراً على هزيمة الجنود العرب.

إضافة إلى مجموعة أعمال خيالية خارقة، ينفِّذها رجال الاستخبارات من اليهود أثناء الحملة ضد القوات المصرية. ومنها قصة (المباحث الشبان في حرب سيناء) تأليف (افنير كرمئيلي).

9 ـ وهناك قصص عديدة بعد (كامب ديفيد) تصف العربي بأنه يمارس تجارة خسيسة كالتهريب والجاسوسية وخطف الطائرات والعمالة للدول الأجنبية، ومنها على سبيل المثال قصة (ورقة فوق الوادي تأليف (يهوشع بير) وقصة (الفارس من الصحراء) وقصة (الخان على الهضبة) للكاتب (يغآل بن نتان).

 

أثر التوراة على قناعات الشبان اليهود:

جاء في دراسة قام بها عالم النفس الإسرائيلي (جورج تامارين)، لبحث آثار التعصب على الأحكام الأخلاقية من الجوانب التالية:ـ

أ ـ وجود التعصب في أيديولوجية الشباب الإسرائيلي.

ب ـ تأثير تدريس التوراة بطريقة غير نقدية على إمكانية تشكل اتجاهات التعصب المختلفة خصوصاً فكرة (الشعب المختار) وسموِّ الشريعة الموسوية، ودراسة أفعال الإبادة الجماعية التي مارسها الأبطال التوراتيون. وقد ركز (تامارين) على أكثر صور التعصب تطرفاً، وهي صورة الإبادة الكاملة للجماعة المعادية، وأعد لها (1066) استبياناً ذات محتوى واحد، أجاب عليها (563) فتى و (503) فتاة من مختلف الأعمار ومختلف المدارس.

وتطرقت الاستمارة لسفر (يشوع بن نون) في الكتاب المقدس، والذي يُدَّرس في المدارس الإسرائيلية من الصف الرابع وحتى الثامن، وكان السؤال كما يلي:

"إنك تعرف جيداً المقتطفات التالية من سفر يشوع".

"فهتف الشعب وضربوا بالأبواق، وكان حين سمع الشعب صوت البوق، أن هتف هتافاً عظيماً، فسقط السور في مكانه، وصعد الشعب إلى كل رجل، وأخذوا المدينة، وقضوا على كل من فيها، بغير تفرقة بين رجل وامرأة وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف"(يشوع6، 20).

"وأخذ يشوع مقيدة في ذلك اليوم، وضربها بحد السيف، وحرم ملكها هو وكل نفسٍ بها، لم يبق شارداً، وفعل بملك مقيدة كما فعل بملك أريحا، ثم اجتاز يشوع من مقيدة وكل إسرائيل معه إلى لبنة، وحارب لبنة، فدفعها الرب هي أيضاً بيد إسرائيل مع ملكها، فضربها بحد السيف وكل نفس بها، لم يبق بها شارداً، وفعل بملكها كما فعل بملك أريحا"(يشوع10، 28، 30).

 

أجب على السؤالين التاليين:

1 ـ هل تعتقد أن يشوع بن نون والإسرائيليين قد تصرفوا تصرفاً صحيحاً أو غير صحيح؟ اشرح لماذا اخترت هذا الرأي.

2 ـ لنفترض أن الجيش الإسرائيلي احتل خلال الحرب قرية عربية، فهل هو حسن أو سيء أن يتصرف على هذا النحو مع سكان هذه القرية، كما تصرف يشوع بن نون مع شعب أريحا؟ اشرح لماذا.

وقد اختار الإبادة الكاملة التي قام بها يشوع بن نون، لأن سفر يشوع بن نون يحتل مكاناً خاصاً في نظام التعليم الإسرائيلي، نموذج يشكل ما بين 66% و95% من إجابات التلاميذ الأطفال على (السؤال الأول).

وفي تبرير ذلك قال بعض التلاميذ: كان هدف الحرب هو الاستيلاء على البلاد من أجل الإسرائيليين، لذلك فقد تصرَّف الإسرائيليون تصرفاً حسناً باحتلالهم المدن وقتلهم سكانها، وليس من المرغوب فيه أن يكون في إسرائيل عنصر غريب، إنَّ الناس من مختلف الأديان يمكن أن يؤثِّروا تأثيراً لا حاجة للإسرائيليين به.

أما السؤال الثاني فقد كانت إجابة 30% من التلاميذ بشكل قطعي (نعم).

 

وهذا بعض ما كتبه التلاميذ:ـ

"أعتقد أن كل شيء قد جرى بشكل صحيح. إذ أننا نريد قهر أعدائنا وتوسيع حدودنا، ولكننا نحن أيضاً قتلنا العرب كما فعل يشوع بن نون والإسرائيليون (تلميذ في الصف السابع).

وكتب تلميذ في الصف الثامن:

"في رأيي يجب على جيشنا في القرية العربية أن يتصرف كما تصرف يشوع بن نون، لأن العرب هم أعداؤنا، فهم حتى في الأسر سيفتشون عن إمكانية ليبطشوا بحراسهم".

وقد أحدثت هذه الدراسة ونتائجها عند نشرها، ضجة كبرى في إسرائيل، والسبب أنها كشفت بطريقة علمية وموضوعية عنصرية المجتمع الإسرائيلي.

كما تبين من الدراسة التي أجرتها أسماء بيومي شلبي، المعيدة بقسم تربية الطفل في جامعة عين شمس، عن التربية السياسية في أدب الأطفال اليهود في فلسطين المحتلة( ) أن الدين اليهودي يأخذ حيزاً مقداره 93 و 95% في مجموعة قصص الأطفال الإسرائيلية التي قامت بدراستها في حين يشغل "اللادين" حيزاً مقداره 07 و 4%، وذلك يؤكد على عمق تغلغل الثقافة الدينية الرجعية في ثقافة الطفل الإسرائيلي، مقارنة مع ما يسمى بالثقافة العلمانية التي يدّعونها.

وهذا الكتاب هو محاولة لإبراز جوانب التربية العنصرية في مناهج التعليم الإسرائيلية، من خلال عينات ونماذج مختارة من الكتب الدراسية اليهودية في المواد الأساسية وهي: التربية الدينية والتاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية والأدبيات المتداولة في المدارس من قصص وروايات ثم المواد المتعلقة "بالنزاع" العربي - الصهيوني.

وسوف يلمس القارئ مدى النظرة الدونية الاستعلائية تجاه العرب والمسلمين في هذه المناهج، ومدى الحقد والعنصرية التي تحقن بها الناشئة اليهودية في فلسطين، بطريقة يبدو فيها أن التعايش بين العرب واليهود في هذه المنطقة من العالم سيكون مستحيلاً.

فالطلبة الذين يرضعون لبن الحقد والكراهية والدعوة إلى القتل يتحولون حين يكبرون وينخرطون في الجيش إلى قتلة سفاحين، لا يقلون سوءاً ودموية عن النموذج الأبرز في هذا المجال وهو أرئيل شارون، الذي قتل من الفلسطينيين والمصريين خلال السنوات الخمسين الماضية مالا يقل عن عشرين ألفاً عدا عن عشرات الآلاف من الجرحى والمعوقين والمشردين ممن هُدمت منازلهم ودُمرت مزارعهم وما زالت تُدَّمر حتى هذه اللحظة.

إن قراءة موضوعيّة للنماذج التي سنوردها في هذا الكتاب، من مناهج التربية والتعليم للطلاب اليهود في فلسطين المحتلة، تؤكد على استحالة إقامة أي سلام مع هذا الكيان العنصري، ما لم يتم نسف هذه المناهج من جذورها، وهو الأمر الذي يبدو مستحيلاً ما دام قادة إسرائيل يتمسكون بتعاليم التلمود ونصوص التوراة المزيفة التي يحملونها، وما دام تزوير التاريخ العربي والإسلامي والطعن في الشخصية العربية، وبشكل خاص شخصية الرسول العربي الكريم محمد () وخلفائه الراشدين هو السمة الغالبة على هذه المناهج.

 

ففي كتابه "تأثير عملية السلام على مضامين كتب التدريس" الذي صدر عام 1997 أقر البروفيسور "داني بارل طال" حقيقة صهيونية راسخة ترتبط بعدم تنازل التربية الصهيونية مطلقاً عن توجهاتها التعليمية ـ التلقينية لطلابها في سائر مراحل التعليم الدراسية سواءٌ في أوقات الحرب أو السلم بقوله:

"إن من يعتقد أن تغييراً جدياً طرأ على كتب التدريس منذ عام 1953 وحتى اتفاقية أوسلو، تكون خيبة الأمل من نصيبه، ففي البحث الذي أجريته على كتب التعليم التي أُلّفت بعد أوسلو في سنوات 1995 ـ 1996 وجدت أن التغيرات التي أُجريت على المناهج الإسرائيلية لم تكن سوى تغييرات تجميلية (دورية قضايا إسرائيلية، صيف 2001/ ص92)، وبعد أن قمت بتحليل (124) كتاباً في اللغة، الأدب العبري، التاريخ والجغرافيا والمدنيات (التربية الوطنية) المقررة كلها للتدريس بعد عام 1944، وجدت أن غالبية هذه الكتب تشدد على بطولة الشعب اليهودي، وتبرزه بشكل فوقي سوبرماني، فهو صاحب قضية عادلة، يحارب من أجلها ضد عدو عربي ومسلم يرفض الاعتراف بوجود الشعب اليهودي في إسرائيل، كما وأن الحديث عن اليهودي يتم عبر جميع الأوصاف الإيجابية، فهو صاحب أخلاق، مبشِّر بالتطور والازدهار، بينما يفكر العربي دائماً وفقاً لأفكار نمطية سلبية، والتعامل معه يجب أن يتم من خلال إلغاء شرعيته وإنسانيته".

وتُقر الباحثة الدكتورة "هالة إسبانيولي"( ) الرئيسة السابقة للجنة متابعة التعليم العربي في فلسطين المحتلة أنه رغم المحاولة التي تمت عام 1999 لإدخال تعديل بسيط على أهداف التعليم المنصوص عليها في قانون التعليم الرسمي الإسرائيلي، ومن ثم محاولة هذه اللجنة تشريع أهداف خاصة بالتعليم العربي، لم يكن هناك أي تجاوب من قبل أعضاء الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، ومن لجنة المعارف البرلمانية للموافقة على هذه الخطوة والسير باتجاهها.

وهكذا فإن فلسفة التربية الصهيونية تعتبر كتب التربية الدينية مخزنها الكبير، ومعينها الذي لا ينضب، وفي هذا الكتاب سوف نتناول كتب المناهج الإسرائيلية وفقاً للترتيب التالي:

1 ـ المقررات ذات الصلة بالتربية الدينية اليهودية وعلاقتها بالديانتين المسيحية والإسلامية.

2 ـ مقررات التاريخ والجغرافيا.

3 ـ مقررات التربية الوطنية (المدنيات).

4 ـ القيم التربوية الصهيونية.

5 ـ أدبيات الأطفال اليهود وتشمل الأدبيات داخل المنهاج الدراسي والأدبيات خارج المنهاج الدراسي.

6 ـ ملحق: نماذج من أدبيات الأطفال اليهود.

 

 

الفصل الأول التربية الدينية

موقف اليهود من الإسلام والمسيحية

 

 

* كتاب (اليهودية بين المسيحية والإسلام) صدر عام 1973 عن مركز المناهج الدراسية/ وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية ـ القدس/ للصف السابع الابتدائي.

هذا الكتاب نموذج صارخ لتشويه الدعوة والفتوحات الإسلامية، حيث وصفها الكتاب بأنها حرب إبادة وفناء، ورد في الصفحة(29):

"إن التعاليم التي انطلقت من شبه الجزيرة العربية أوجدت وأيقظت قلقاً عميقاً في القلوب، لقد قاد "محمد" حرب إبادة لجميع الشعوب والقبائل التي لم تتقبل تعاليمه، فأباد قسماً كبيراً من اليهود في الجزيرة العربية".

وفي الصفحة (44)، "إن البرابرة ممثلي إحدى التيارات الإسلامية الحاقدة وضعوا اليهود في قرطبة أمام الخيار الصعب، إما الطرد أو الإبادة".

* سلسلة كتب شعب إسرائيل/ للصف السابع تأليف (ب. إحيا) و(م. هرباز) صدر عام 1972.

عرض المؤلفان في الصفحة (50) صورة لمسجد وبجانبه الجيش الإسلامي، وفي أسفل الصورة شعار الحرب عند المسلمين، وهو عبارة عن سيفين يقع في وسطهما من الأعلى هلال، ثم يعلق المؤلفان على هذه الصورة الواردة بقولهما: "الإسلام دين المحاربين".

ورد في الصفحة (225) أن بني قريظة وُضعوا من قبل جماعة (محمد) مدة 225 يوماً في منطقة معزولة حتى اضطر هؤلاء اليهود إلى الاستسلام، فكان مصيرهم مظلماً، أسوأ من مصير إخوانهم من بني قينقاع وبني النضير. فأسر المسلمون جميع الرجال الذين بلغ عددهم (600) وذبحوا بطريقة مفزعة جداً، واستمرت عملية القتل طيلة تلك الليلة حتى الفجر، ثم ألقيت جثث القتلى في الآبار التي حفرت خصيصاً لهذا الغرض، أما الأطفال والنساء فقد بيعوا كالعبيد والإماء.

 

* كتاب "إسرائيل والشعوب". للمؤلفين يعقوب كاتس وموشيه هرشكو صدر عام 1972/ عن قسم المناهج والكتب المدرسية/ وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية.

ورد في الصفحة (18): "إن العرب، أفراداً وجماعات، هم مجرد قبائل رحل يقيمون في الصحراء، يعتمدون في رزقهم على النهب والأشغال الوضيعة", وفي الصفحة (19) ورد: "إن النبي "محمد" بذل جهداً مضنياً لمطابقة ومماثلة دينه مع العادات اليهودية، فقد أمر أتباعه بصيام يوم الغفران، والتوجه في الصلاة نحو القدس. ومع كل هذا كان أبناء الطائفة اليهودية يعرفون أن محمداً ما جاء ليتبع ناموس التوراة والوصايا، وأن دينه يختلف عن دين اليهود في كل تفاصيله، لذلك رفض اليهود التخلي عن عقيدتهم، فسخروا منه بسبب ضآلة معرفته بشؤون التوراة والوصايا، وعندما أدرك (محمد) أن اليهود لن ينجذبوا إليه ولا إلى عقيدته، قرر أن يفرض عليهم قبول دينه عنوة أو طردهم من المدن التي يقطنونها. وحين أدرك (محمد) أن اليهود لن يستجيبوا لـه بالانضمام إلى دينه، توقف عن محاكاتهم وتقليدهم، ومن ثم قرر توجيه المسلمين أثناء الصلاة نحو مكة، وبدل أن يقوم أتباعه بصيام يوم الغفران لليهود، فرض عليهم صيام شهر رمضان، كما أن موعد صلاة الجماعة تحول من السبت إلى يوم الجمعة. وأمر بالصلاة خمس مرات وكل صلاة يجب أن يسبقها غسل اليدين، وأثناء الصلاة يركع المسلم على ركبتيه ثم يسجد، كما فرض (محمد) عدم تناول لحم الخنزير كما يفعل اليهود".

 

وفي معرض الازدراء لقادة المسلمين والعرب، واعتبارهم محتلين لشرق المتوسط وغربه، ورد على الصفحتين (24) و(25) ما نصه:

"تزعم الخلفاء الأربعة الأوائل القبائل العربية على مدى جيل كامل من 632م وحتى 661م، وخلال هذه الفترة اندفع المؤمنون المسلمون من مسقط رؤوسهم، وبسطوا سلطتهم على بلدان كبيرة وواسعة، فقد احتلوا هذه البلدان الواحدة تلو الأخرى إلى أن وصلوا إلى فلسطين (أرض إسرائيل) وبلاد ما بين النهرين وأجزاء من آسيا الصغرى ثم توجهوا غرباً فيمموا شطر مصر فاحتلوا هذه البلاد.

كانت هذه البلاد تابعة للسلطتين الفارسية والبيزنطية، ورغم أن هاتين الدولتين كانتا تدركان مسبقاً أن العرب كانوا دائماً عاجزين عن غزو البلدان الآهلة بالسكان، وأنهم كانوا دائماً يُصدّون ويُهزمون بسهولة، وأن الفرس والبيزنطيين لم يخطر ببالهم يوماً أن سكان الصحراء المتوحشين غير المتحضرين سيتمكنون من التغلب على جيوشهم المدربة والمجهزة بشكل جيد، فلم يدر في خلدهم أن العرب قد تحولوا فجأة إلى شعب آخر تماماً.

وفي الصفحة (36) ورد "أن العرب المحتلين كانوا في غالبيتهم سكان الصحارى، ولكنهم تحولوا إلى حكام لدولة عظيمة. فالعرب انطلقوا للاحتلال بهدف تحويل العالم بأسره إلى أتباع ومؤمنين بـ"محمد" وتحويل الكافرين إلى مؤمنين".

تحت عنوان افتقار العرب للحضارة، ورد على صفحة (28) "أن العرب أثناء احتلالهم بلاد فارس، أخذوا معهم بساطاً فاخراً من قصر ملك الفرس منسوجاً ومطرزاً بصورة رائعة ومرصعاً بالحجارة الكريمة، وبدل أن يحافظوا عليه كتحفة رائعة قاموا بتمزيقه وتوزيعه قطعاً بينهم".

* كتاب الجغرافيا للصف الخامس/ تأليف د. كيطوف وي. ارني.

ورد في الصفحة (102) و"بقوة السيف أجبر العرب الشعوب المغلوبة على القبول بدين (محمد)، فلم يكونوا ليعرفوا الشفقة في الحرب، فقد فنيت قبائل كبيرة، على أن تقبل بالدين الإسلامي".

 

* كتاب (دولة إسرائيل وانتشارها في عصرنا) فصول تعليمية لتلاميذ المدارس الثانوية/ تأليف ميخائيل زيف/ حول مكانة المرأة، في الإسلام وعند العرب.

ورد في الصفحتين (120) و(121) أن مكانة المرأة العربية متدنية فهي لا تنعم بأي نسمة من نسائم الحرية، منذ ولادتها، فلا تفرح بها العائلة، حقوقها مهضومة، وتتزوج وهي صغيرة رغم إرادتها، وترتبط بعد زواجها بأسرتها لتكون وصية عليها، وغالباً ما تحرم المرأة من ميراث أبيها، وهي تعمل في البيت رغماً عنها من الصباح حتى المساء، ويتزوج العربي أربع نساء بالإضافة إلى الجواري، وهذا شائع في الطبقات الغنية ويقل في الطبقات الفقيرة.

* روما في عظمتها وسقوطها/ العرب والإسلام: تأليف دائرة المناهج التعليمية/ وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية بإشراف البروفيسور غلومر والمؤرخة حفا لستروس يافه. صدر عام 1972م.

 

ورد في الصفحة (71): "أن علاقة النبي (محمد) بزوجته خديجة بدأت عن طريق عقد اتفاقية قران بين الاثنين، وزواجه من خديجة هو الذي جعل منه رجلاً ذا شأن وجاه".

ورد في الصفحة (72): "إن النبي محمداً عندما زار سوريا وإسرائيل (فلسطين) تأثر بالديانات الموحدة وخاصة اليهودية".

ورد في الصفحة (74) "أن محمداً كان يأمل أن ينضم إليه اليهود (يهود المدينة) ولم ير أي تناقض بين أقواله وبين معتقدات اليهود". وأن اليهود كانوا يسخرون من (محمد) بسبب قلة معرفته بالتوراة".

وفي الصفحة (78): "أمر محمد المسلمين بالتوجه في صلاتهم نحو الكعبة بدل القدس، بعكس ما كان الحال في بداية الدعوة حين كانت علاقته جيدة باليهود. وفي موقع آخر من نفس الصفحة ورد "إن الأحاديث التي نقلها إلى المؤمنين برسالته كتبت ووضعت في كتاب دعي فيما بعد بالقرآن".

وفي الصفحة (91) ورد: "إن السبب في بناء المسجد الأقصى وقبة الصخرة يعود إلى اعتماد المسلمين على المعتقدات اليهودية التي تقدس جبل الهيكل (هيكل سليمان)".

وفي الصفحة (104) ورد في معرض التهجم على الخلفاء المسلمين: "إن الخليفة العباسي كان يمضي يومه في شرب الخمر وإقامة الحفلات"؛ كما عززوا أكاذيبهم بصور نشرت في الكتاب، منها صورة لامرأتين تقومان بالرقص وتلوحان بزجاجات الخمر في قصر الخليفة العباسي في "سامراء" شمال بغداد.

* دروس في التاريخ/ كتاب مقرر للمرحلة الثانوية، ويدرس في المدارس الرسمية الحكومية، صادر عن مؤسسة معلومات للنشر عام 1987، طبقاً لمنهاج وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية.

 

طرح مؤلف هذا الكتاب موضوع الإسلام وفقاً للمحاور والمرتكزات التالية:

أ ـ تأثر الإسلام بالمسيحية واليهودية، فقد ورد في الصفحتين (192)

و(193) من هذا الكتاب "إن الإسلام تأثر باليهودية والمسيحية واستقى منهما الكثير من أصوله ومعتقداته".

ب ـ الفتوحات الإسلامية بمثابة اجتياح عسكري هدفه الاحتلال، فقد ورد على الصفحة (194) "إن الفتوحات الإسلامية كانت تمثل أكبر الحملات الحربية في تاريخ البشرية، لم يشهد مثلها العالم منذ عهد الإسكندر المقدوني في القرن الرابع ق.م، ووصف العرب بالمحتلين".

ج ـ الإيحاء بأن الإسلام متقلب في معتقداته ليس لـه أصول وثوابت: فقد ورد على صفحة 198 "إن سبب بناء مسجد قبة الصخرة هو منع المسلمين من الحج إلى مكة، حيث يمكن للناس الطواف حول قبة الصخرة بدل الطواف حول الكعبة المشرفة"، بينما يقول عالم آخر عاش في القرن العاشر الميلادي وهو المقدسي: "إن السبب في بناء مسجد قبة الصخرة في موقعه جاء لتحويل الناس عن تأثرهم بروعة بناء كنيسة القبر المقدسي".

د ـ تشويه معتقد الإسراء والمعراج: فقد ورد على الصفحة (199) أنه حسب الأسطورة العربية انطلق (محمد) في إحدى الليالي راكباً على حصانه المجنح، من منزله في مكة إلى جبل الهيكل (في أورشليم) ومن هناك اعتلى فوق حجر صعد به إلى السماء للزيارة. وبعد أن أنهى زيارته أعاده حصانه المجنح إلى منزله في مكة قبل أن ينبلج الفجر. والمكان الذي ربط به (محمد) حصانه حسب الأسطورة هو الحائط الغربي ومازال المسلمون يسمونه بحائط البراق.

ه‍ ـ إهانة خلفاء المسلمين: فقد ورد على الصفحة (210) أن خلفاء العباسيين كانوا يحبون الشرب وحفلات المجون.

وفي موقع آخر على صفحة (223) ورد: "إن الخليفة عمر بن الخطاب مختل، وقد تزوج إحدى بنات ملك فارس، بينما أهدى ابنته الثانية، بعد سبيها، إلى رئيس الطائفة اليهودية".

 

و ـ والتقليل من مكانة (محمد) كنبي، وكأن دعوته دنيوية وليست دينية عقائدية، ورد على الصفحة (235) أن الخليفة كان بمثابة نائب لـ "محمد" دون ذكر الصفة والاحترام والكرامة التي يتصف بها الأنبياء دون سواهم.

مواقف التكرار والتناقض المغلف بالكراهية

حيال المسيحية والإسلام:

في دراستنا لمنهج تدريس التاريخ للمرحلة الإعدادية في المدارس العبرية/ الذي أُقر من قبل وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية، ومن خلال الكتاب الذي أصدره إيال نافيه بعنوان "القرن العشرون" ضمن تصنيف (التاريخ العام) المخصص كوحدة دراسية لطلبة (البيجروت) (شهادة الدراسة الثانوية العامة)، نلمس بأن كتب التدريس هذه تتسم بالاتجاه الانتقائي والفوقي والعدائي، وتتمثل نظرتها للعقيدتين المسيحية والإسلامية بالتكرار والكراهية والتناقض في العلاقة، (فكراهية المسلمين والمسيحيين لليهود) في كتب التدريس والتربية الوطنية وسائر العلوم الاجتماعية، باتت حدثاً واحداً ووحيداً في حيزي الزمان والمكان، وتجلت هذه الكراهية كما يرونها، في عدة أشكال وعلى مدار قرون.

 

ولو عدنا إلى كتب تدريس التاريخ لوجدنا بروز خط التكرار في إثارة أي موضوع مطروح، فعلى سبيل المثال، ورد في كتاب التاريخ للصف السابع "اليهود بين المسيحية والإسلام" ص14 "أن جموع المسيحيين لم تكتفِ بمنع بناء كنس جديدة لليهود أو ترميم القديم منها فحسب، بل إن الجموع المشحونة بالتحريض، بقيادة الرهبان المسيحيين، كانوا يمرون في قرى يهودية ويهجمون على الكنس فيها، يسرقونها وينهبونها ويشعلون النار فيها".

ويذهب نفس الكتاب إلى أعمق من ذلك في تصوير استمرارية الكراهية ضد اليهودية، ورد في ص(98) "بأنها ناجمة عن كون المسيحيين يشعرون بمرارة في أوروبا في العصور الوسطى من قيام اليهود بتحقيق تقدم اقتصادي، لكونهم يُقرضون المسيحيين أموالاً ويحبون الرِّبا"

وفي معرض الحديث عن أحوال يهود البلاد العربية والإسلامية، فإن المؤلف والمنهج معاً يقدمان تناقضاً شديداً، فالكتاب لا يشير دائماً إلى كون اليهود ضحية ملاحقة، ورد على الصفحات من 30-33:

"نال يهود البلاد العربية مكانة واحتراماً وتقديراً، وساهموا في الحياة اليومية والاقتصادية والاجتماعية، وعرفت الجاليات اليهودية فترات ازدهار ونمو، ونبغ منها علماء وحكماء معروفون، ووصل عدد أبناء الجالية اليهودية في اليمن إلى (80) ألف نسمة في نهاية القرن التاسع عشر، ومعظمهم عمل في الحرف والتجارة والتصقوا بالتقاليد الدينية اليهودية وسط معاداة المجتمع المحيط بهم" ويضيف:"تعرض اليهود لمضايقات وملاحقات في الدول العربية والإسلامية، مثلما حدث في إيران والمغرب، وعلى الرغم من ذلك قام الملوك بتوفير الحماية لليهود، وتعاطفوا معهم" (ايال بارنا في الصفحتان 30 و33).

 

الواضح والثابت أن أوضاع اليهود وأحوالهم في البلاد العربية والإسلامية، كانت أفضل بكثير من أوروبا التي كانت في أشكال مختلفة من التطور والتقدم والازدهار.

* لم يسلم الأنبياء والقديسون من تحقير اليهود لهم في كتب التدريس العبرية "السيد المسيح والرسول محمد عليهما السلام".

 

** ففي الصفحة الخامسة من كتاب (رحلة إلى الماضي/ الصادر عن قسم مناهج التعليم/ وزارة المعارف والثقافة والرياضة الإسرائيلية/ عام 1997/ المخصص لطلبة الصف السابع في المدارس الرسمية الحكومية، لم يُعطِ المؤلف للسيد المسيح اسمه المعروف به، المسيح بن مريم، بل استبدل هذا الاسم بكلمة "يسو" وقد تكررت هذه التسمية عند التطرق للسيد المسيح. نفس النظرة بالنسبة للنبي محمد فلم يوصف كنبي بل "محمد" فقط. بالنسبة لكلمة "يسو" تعني بالعبرية "ليمح اسمه وذكره" وبالنسبة للرسول الكريم وردت كلمة "محمد" دونما تكريم واحترام لمكانة النبوة، وذلك في الصفحات 5 و13 و19 و20 و21 و22 و28 و29 و31، كما ورد أن (محمداً) فهم من ذاته أن الله اختاره نبياً. وأنه قرر قبول الرسالة ليصبح رسولاً عام 600م. ومن الألفاظ والتعابير التي أتت على ذكر النبي محمد باسمه فقط:

"محمد يقبل البعثة والرسالة" في مكة يعارضون محمداً ـ في يثرب يستقبلون محمداً ـ محمد يفرض الإسلام في جزيرة العرب ـ المسلمون يعدون السنوات من هجرة "محمد" من مكة.

 

هناك إشارة واضحة للتناقض في هذا الكتاب في النظرة إلى الإسلام، ففي حين ورد في الصفحة (33) من هذا الكتاب "أن اليهود والمسيحيين تمتعوا بمعاملة متميزة، وحازوا على مكانة متميزة لأنهم أهل كتاب"، فقد ورد في الصفحة (34): أنه برغم أن الخلفاء منحوا اليهود والمسيحيين مكانة الرعايا، إلا أنه فرضت عليهم قيود مهينة تعود إلى عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز (717 ـ 720) الملقب بعمر الثاني، من هذه التشريعات: "عدم بناء الكنس والكنائس الجديدة، وعدم جواز ترميم المهدم منها إلا بإذن خاص، كما لا يجوز إقامة أي مظاهر وشعائر دينية في الشوارع. ولا يجوز تعلم القرآن أو الإدلاء بشهادات ضد أي مسلم في المحكمة، كما لا يسمح لهم بركوب الخيل. كما حددت في هذه القوانين علامات معينة توضع على الجزء الخارجي من ملابس اليهود والمسيحيين، فاليهودي يضع علامة صفراء، والمسيحي زرقاء، ويعود الحديث فيتناقض مباشرة وعلى نفس الصفحة بقوله: في الحياة اليومية تقريباً لم تفرض هذه القوانين، وقد واصل الخلفاء استعانتهم بأبناء الرعايا من المسيحيين واليهود، لتسلم وظائف مختلفة في الدولة كالموظفين والأطباء والمترجمين والتجار.

 

الموقف من الإسلام والمسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة:

في سلسلة وقائع تاريخ شعب إسرائيل، وفي الكتاب المقرر لدراسة تاريخ شعب إسرائيل للصف السابع الابتدائي، تأليف ب. أحيا وم. هرباز، يكشف اليهود عن نواياهم الخبيثة تجاه الإسلام والعروبة، فقد انطلق مؤلفا هذا الكتاب في هجومهما وطعنهما في العقيدة الإسلامية من نقطتين أساسيتين تُعتبران جزءاً من صميم الدعوة الإسلامية، إذ وصفا الرسول بالغارق في أحلام اليقظة والمحارب والمبتدع للدين الإسلامي أولاً، وثانياً تخيلهما ورسمهما صورة لـه، تظهره بمظهر بعيد عن حياة التقشف والتواضع والتسامح التي كان يتحلى بها هو وسائر الأنبياء، فالرسول يظهر في الصورة مرتدياً ملابس فاخرة، ويمسك زهرة بإحدى يديه ويشمها، بينما اليد الأخرى على مقبض سيفه، معتمراً عمامة فاخرة، الأمر الذي قد يكشف عن نفسية تسعى وراء اللذات الحسية، وفي نفس الوقت ترغب في القتال وسفك الدماء. وقد ورد ذلك في الصفحتين الخامسة عشرة والثامنة عشرة من الكتاب، مما يظهر مدى حقد اليهود ولؤمهم واستعدادهم لتزييف التاريخ والوقائع. وسنبين فيما يلي الحقائق التي تدحض الأكاذيب والافتراءات التي طالما روجتها الصهيونية للنيل من المواقف الشريفة التي كان يقفها الرسول .

 

إدعاءات الكتاب حول علاقة الرسول بيهود الجزيرة:

يدعي اليهود أن الرسول استمر في علاقته الحسنة مع يهود الجزيرة العربية مدة طويلة، إلا أنه لما أحس أن من الصعب عليه استمالتهم إلى دينه الجديد، شرع بإهانة اليهود ومعتقداتهم. وأمر المسلمين بالابتعاد عنهم وعزلهم، بادئاً حملته بتدبير المؤامرات والمكائد ضدهم، مغفلين عهد النبي في تنظيم علاقات المسلمين بغيرهم، وخاصة مع اليهود الذين كانوا يقطنون حول المدينة: أمثال بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة، كل ذلك تم قبل أن يضطر

الرسول مجابهة اليهود، بعد غدرهم وخيانتهم للمسلمين ونقضهم للعهد الذي وقع بينهم وبين الرسول ، بشكل سافر ولئيم. وفيما يلي نص العهد الذي يحدد العلاقة بين المسلمين واليهود:

"وإنه من تبعنا من يهود فإنه لـه النصر والأسوة غير مظلومين، ولا متناحر عليهم، وإن اليهود ينفقون مع المسلمين ماداموا محاربين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد ، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم".

 

"وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله وإلى محمد (ص)". وقد جمع الرسول قبيلة بني قينقاع قبل قتالهم وحذرهم من نقض الاتفاقية، وعاقبة البغي، وكان مما قاله لهم "احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل، تجدون ذلك في كتابكم، وعهد الله إليكم". فلم يستجيبوا لـه ليفوزوا بالنجاة من غضب الله وعذابه.

كما يدعي اليهود أن الرسول ، طلب إليهم الدخول في الإسلام، ولكن بني قينقاع رفضوا ذلك وقالوا في تبجح واستكبار: "يا محمد لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن لتعلمن أنّا نحن الناس".

 

أما بالنسبة لبني النضير فيدعي اليهود في كتابهم هذا أنه ما إن صفّى محمد حسابه مع بني قينقاع، حتى توجه رأساً إلى بني النضير، حيث طلب إليهم الخضوع إليه والإيمان بعقيدته، وترك المدينة وتسليمه كل ما يملكون، وعندما رفضوا تلبية طلبه هذا، حاصرهم وطلب إلى رجاله قطع نخيلهم الذي كان يعتبر مصدر رزق لهم، ثم أجبرهم على ترك المدينة، وهنا تجدر الإشارة إلى التذكير بأن بني عامر حلفاء قبيلة (بني النضير) كانوا قد غدروا بجماعة من قراء المسلمين، لتعليم القرآن وأحكام الدين، وقتلوهم ونجا منهم يومئذ فقط عمرو بن أمية الضمري، الذي عاد إلى المدينة وفي طريقه لقي رجلين من بني عامر فقتلهما انتقاماً لمقتل القراء المسلمين، وعلى الفور توجه الرسول إلى يهود بني النضير، مصطحباً معه عشرة من أصحابه، وفي مقدمتهم أبو بكر وعمر "رضي الله عنهما" ليستعين بهم لدفع دية القتيلين، ومن ثم مصالحة بني النضير، وقد أظهر بنو النضير البشاشة في بداية أمرهم، إلا أنهم في نفس الوقت كانوا يخططون لقتل الرسول بإلقائهم صخرة كبيرة عليه، إلا أن الله سبحانه وتعالى أرسل وحيه إليه لإخباره بالأمر، فذهب الرسول إلى المدينة: وبذلك أفلحوا في جهودهم لاستعداء المنافقين والعرب من غير المسلمين "وشجعهم عبد الله بن أُبيّ زعيم المنافقين على عصيان أمر الرسول والبقاء في منازلهم، وقال لهم "لا تخرجوا من دياركم وأقيموا في حصونكم، فإن معي ألفين من قومي وغيرهم من العرب، يدخلون معكم حصونكم، فيموتون عن آخرهم" فتشجع حيي بن أخطب زعيم بني النضير، وعزم على مقاومة النبي طامعاً في أن ينصره المنافقون، ويهب لنجدته يهود بني قريظة.

فأرسلوا إلى النبي "إنا لن نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك".

 

فلما سمع ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام، كبّر وكبّر معه المسلمون، ودعا إلى التجهز لحربهم. فلما سمع المنافقون تكبيرات تدوي في المدينة دب الرعب في قلوبهم. وتخاذلوا عن نصرة اليهود الغادرين، ولما رأى بنو النضير إصرار الرسول على مقاتلتهم، وخذلان عبد الله بن أبي لهم، وعدم نجدة بني قريظة لهم، ويئسوا كذلك من محاربته، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وقذف في قلوبهم الرعب، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، فاعتبروا يا أولي الأبصار. (سورة الحشر. الآية2).

 

وكذا الحال مع بني قريظة، يعود الكتاب ليدّعي في الصفحة (العشرين) أن الرسول ما أن أنهى حروبه وانتصاراته على يهود بني قينقاع وبني النضير، حتى توجه إلى بني قريظة مستغلاً ضعف إخوانهم اليهود، وانتصر عليهم وأسر حوالي (600) رجل منهم، وقتلهم بطريقة قاسية، ولم يكن حال النساء والأطفال أحسن من حال الرجال، وقد بيعوا عبيداً وخداماً. أما بالنسبة لعلاقات الرسول مع يهود خيبر فلم يبادئهم الرسول بالخروج إليهم، ولكنه فاجأهم بعد تحريض اليهود من بني قريظة وبني النضير لهم، وظلوا يحرضون القبائل العربية ضد الرسول، ولما سمع الرسول بتحركات يهود خيبر أثناء صلح الحديبية، فاجأهم بالهجوم وحاصر حصونهم، وعندما اقترب الرسول من خيبر، رآه بعض عمال اليهود الذين خرجوا في الصباح الباكر إلى عملهم، ففزعوا وولوا هاربين يتصايحون "محمد والخميس" فكبر حين رأى فزعهم وقال "إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين". وبعد حصار الرسول لحصون يهود خيبر الذي دام مدة شهر، استطاع أن يهزمهم، وجعلهم يستسلمون، وطلب إليهم أن يخلوا عنها تاركين أموالهم ونخيلهم للمسلمين، فقبلوا ذلك ثم عرضوا عليه أن يتعهدوا نخيلهم لأنهم أعلم برعايتها وأدرى بخدمتها، ويكون ثمرها مناصفة بينهم وبين المسلمين، فوافق الرسول على ذلك، ولكن اشترط أن يكون بقاء اليهود أو إخراجهم بيد المسلمين، وقال: إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم، وصالحه اليهود على ذلك. هكذا وبنجاح الرسول في غزوة خيبر استطاع أن يتخلص من غدرهم، إلا أنهم عادوا في زمن الخليفة عمر بن الخطاب ()، إلى الاعتداء على المسلمين وممتلكاتهم، فقام عمر وخطب قائلاً: "أيها الناس إن الرسول كان قد عامل يهود خيبر على أن نخرجهم إذا شئنا، وقد عدوا على عبد الله ابن عمر ثم قال، فمن كان لـه مال بخيبر فليلحق به فإني مخرج يهود"؛ وركب عمر إليهم مع المهاجرين والأنصار وأخرجهم من خيبر، وبذلك نفذت وصية الرسول عليه الصلاة والسلام التي أوصاها قبل وفاته وهي أن لا يجتمع بجزيرة العرب دينان، ثم أخرج اليهود نهائياً من جزيرة العرب، فتخلص المسلمون من شرهم ومكرهم، (وردت التخرصات عن علاقة الرسول بيهود الجزيرة في الصفحات 18 ، 19، 20، 21 من هذا الكتاب).

 

رأي اليهود في مصادر الدين الإسلامي:

في الصفحة (22) من الكتاب إياه وفي الفقرة الثانية، يذكر المؤلفان أن الدين الإسلامي كان خليطاً من الأديان السماوية، فمادة الدين الإسلامي تجمعت نتيجة لسفرات الرسول التجارية، وتعرفه على مبادئ الدين اليهودي، وجمعه لقصص العجائب والتجارب التي حصلت لكل من سيدنا إبراهيم وإسحق ويعقوب وأنبياء إسرائيل، ولم تكن تعاليم محمد جديدة على العرب، لأن اليهود كانوا قد سكنوا الجزيرة العربية منذ خراب الهيكل الأول.

 

رأي اليهود في الصوم لدى المسلمين:

يذكر الكتاب في الصفحة الثامنة عشرة، السطر الخامس عشر، أن المسلمين كانوا قد استبدلوا صوم رمضان/ بصوم يوم الغفران الذي كانوا قد اتبعوه، عندما كان الرسول على علاقة طيبة مع اليهود، ولما أخذت هذه العلاقة تسوء استبدل صيام شهر رمضان بصيام يوم الغفران.

 

رأي اليهود في القبلة في الصلاة:

ورد في الصفحة الثامنة عشرة من الكتاب، أنه حتى يضمن الرسول عدم معاداة اليهود له، وقّع معهم اتفاقية تقضي بأن يتوجه المسلمون في صلاتهم نحو مدينة القدس، ولكن عندما ساءت العلاقة بين محمد واليهود أجبر رجاله بأن يتخذوا الكعبة قبلة لهم في الصلاة بدل مدينة القدس.

 

رأي اليهود بالفتح الإسلامي لفلسطين:

في الصفحة (26) يحاول اليهود أن يبينوا أنهم ساعدوا العرب أثناء الفتح الإسلامي لفلسطين، مدعين بأنهم فرحوا بمجيء المسلمين، خاصة أنهم كانوا يكرهون خيانة القيصر الروماني هرقليس (هرقل) وغدره ومطاردته المستمرة لهم، وأنه بمجرد دخول المسلمين إلى القدس شرع اليهود بإرشاد القواد المسلمين إلى أماكن تواجد وتمركز القوات الرومانية، والسبل التي توصل إلى تجمع القوات البيزنطية، ويضيف الكتاب أن الخليفة عمر بن الخطاب () كان قد عين عدداً من اليهود في وظائف مختلفة.

 

مقتل الخليفة عمر بن الخطاب () :

في الصفحة (27) يزعم مؤلفا الكتاب أن جريمة اغتيال عمر بن الخطاب() تمت على يد نصراني كان يعيش في فارس، وذلك لإثارة الأحقاد والضغائن بين المسلمين والنصارى.

 

طريقة إنفاق مال المسلمين:

يدّعي مؤلفا الكتاب أن جزءاً من المال المتدفق على بيت مال المسلمين كان يذهب لصالح الخليفة ورجال بلاطه ليتمتعوا به (الصفحات 28، 29، 31).

 

الدس لإثارة النعرات القبلية بين أسرتي بني هاشم وبني أمية:

حاول المؤلفان أن يبينا أن العلاقة بين أسرتي بني أمية وبني هاشم بقيت تتحكم فيها النزعة العصبية، حتى بعد دخول بني أمية الدين الجديد (الإسلام) الذي يدعو إلى نبذ العصبية القبلية واستبدالها بالوحدة تحت راية الإسلام.

 

سكنى اليهود في فلسطين والقدس:

يدعي المؤلفان بناء على خارطة رسموها في صفحة (38) وبناء على ما ورد على الصفحات (40، 41، 42) من الكتاب نفسه أن اليهود قطنوا عكا والرملة والقدس والخليل وعسقلان وطبريا، ويضيف مؤلفا الكتاب أنه مكافأة لهم على مساعدتهم ووقوفهم مع العرب خلال الفتح الإسلامي سمح الخليفة عمر بن الخطاب بسكنى سبعين عائلة يهودية في مدينة القدس.

 

ولكن السؤال:

1ـ إذا صح أن اليهود كانوا يقطنون المدن المذكورة، فلا بد أنهم كانوا قليلين جداً في تلك المدن، وأن ذلك لا يعني غلبة العنصر اليهودي في فلسطين.

2ـ لدى مطالعة نص العهدة العمرية لأهل القدس (للبطريرك صفرونيوس) نجد أنها لم تخل من ذكر سبعين عائلة يهودية في مدينة القدس فحسب بل على العكس أجابت العهدة صفرونيوس إلى طلبه فمنعت سكنى اليهود في القدس.

(معاهدة مع أهل بيت المقدس) الطبري ص2405ـ2406، قابل اليعقوبي ج2 ص167 انظر لين بول ص232 وما بعدها للنص والبحث فيه. صالح عمر أهل "إيلياء" يعني بيت المقدس، بالجابية، وكتب لهم فيها الصلح لكل كورة كتاباً واحداً، ما خلا أهل إيليا من اليهود، وفيما يلي نص العهدة العمرية:

بسم الله الرحمن الرحيم

"هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان:

أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها، أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صلبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود.

وعلى أهل ايليا أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن. وعليه مثل ما على أهل إيليا من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم، ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم، حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل "فلان" فمن شاء منهم قعد، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ومن شاء سار مع الروم، ومن شاء رجع إلى أهله... الخ نص العهدة".

 

التناقض في النظرة اليهودية تجاه الإسلام:

وفي محاولة من مؤلفي الكتاب استغلال التسامح الإسلامي من أجل تمرير المعتقدات الصهيونية، ورد على الصفحة 43 "أن اليهود مارسوا حقهم الطبيعي المشروع في مزاولة الحياة الدينية بكل حرية أثناء الحكم الإسلامي، وسمح لهم بفتح الكنس، وإجراء الدراسات الدينية والعقائدية المختلفة، واستبدال التنقيط البابلي لأحرف التوراة بالتنقيط الذي كان قد وضعه ابن الأثير، بالإضافة إلى ممارسة اليهود قرض الشعر وكتابته، زيادة على مراجعة وتفسير الأدب العبري، مما زادهم شوقاً وحنيناً إلى أرض صهيون، وبلورة الفكر الصهيوني وهو الأمر الذي حرمهم منه المسيحيون البيزنطيون أثناء حكمهم لفلسطين، (ربما كان لبيزنطه أسبابها الخاصة في منع اليهود من دراسة التوراة وممارسة شعائرهم الدينية) كما أن الحكم العربي الإسلامي، جريا على عادته وتقاليده السمحة أباح لليهود مزاولة حقوقهم كاملة، إلا أن استغلال هذه النقاط بالذات والمبالغة فيها جاء محاولة سمجة من قبل اليهود لإثبات حقهم في فلسطين، ومحاولتهم الاستئثار بهذه البلاد دون غيرهم.

وعندما جاء العرب بالعقيدة الإسلامية لنشرها في بلاد الشام بين القبائل العربية التي كانت قد سكنت هذه البلاد قبل اليهود، وهم الذين جاءوا في غزواتهم المعروفة، وبعد أن سيطر المسلمون على هذه البلاد، سمحوا للطوائف غير الإسلامية من مسيحية ويهودية بممارسة شعائرهم الدينية، كما أن اليهود حرموا من الإقامة والسكنى في مدينة القدس طبقاً لما جاء في العهدة العمرية المشهورة مع البطريرك صفرونيوس. ومن هذا نفهم أن ادّعاء اليهود بأنهم موجودون قبل الإسلام لا يبرر أنهم موجودون قبل العرب، فالعرب هم سكان فلسطين الأصليون من خلال التاريخ الكنعاني والأدومي والعموني، وهو تاريخ الشعوب التي هاجرت من قلب الجزيرة العربية قبل 3000 ق.م. أي قبل قدوم اليهود إلى فلسطين من مصر بقرون عديدة.

 

التناقض الواضح في موقف اليهود من الفاتحين المسلمين والإسلام:

ورد في إحدى الفقرات من الكتاب نفسه (ص40) أنه على الرغم من أن (المحتلين) المسلمين فعلوا شيئاً حسناً لليهود، إلا أنهم فرضوا ضرائب كثيرة عليهم وسلبوا أراضيهم وسلموها إلى الغرباء، وحولوا مقابرهم إلى مرابض لقطعان الحيوانات، وفي الصفحة نفسها وردت هذه الفقرة (ولكن على الرغم من هذا كان اليهود يرددون قولاً عن الإسلام (مملكة إسماعيل أقوى الممالك) الأمر الذي يشهد أنه مع الفتح الإسلامي تحسن وضع اليهود وسهلت الأمور الحياتية لديهم بمقارنة وضعهم عندما كانوا تحت حكم البيزنطيين.

 

 

 

الفصل الثاني التاريخ

 

العرب والفلسطينيون في كتب تدريس التاريخ:

النموذج: كتاب "القرن العشرون" "القرن الذي غير أنظمة العالم" تأليف "إيال نافيه"، منشورات وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية 1995.

تهدف كتب التاريخ العبرية إلى إنكار وجود الشعب العربي الفلسطيني في فلسطين وحتى في العالم، وخاصة تلك التي صدرت حديثاً في العقد الأخير من القرن الماضي، فعلى سبيل المثال نجد أن كتاب الدكتور مناحيم كيدم/ موجز تاريخ الصهيونية الصادر في العام 1988 لا يأتي على ذكر شعب فلسطين على الإطلاق، ولم يعترف بفلسطين كحيز جغرافي وتاريخي لـه صلة بالتاريخ الحضاري الإنساني المدون الذي يعود إلى أكثر من 3250 عاماً، وقبلها إلى أكثر من خمسة آلاف عام، حين كانت تدعى أرض كنعان، وحين كانت مدينة القدس عاصمة لليبوسيين تدعى "يبوس" وملكها يطلق عليه "شليم" وكلمة أورشليم (مدينة السلام) حملت اسم ملكها، (ملكي صادق) ملك البر والعدل الذي طلب منه سيدنا إبراهيم أن يرفع صلاته لله من أجله، نظراً لتقواه وصلاحه، وهي حاضرة المدائن الكنعانية التي بقيت تحافظ على طابعها الكنعاني العربي حتى بعد عهدي النبي داود وابنه سليمان إلى حين غزو الآشوريين لفلسطين عام 722 ق.م والبابليين في عهد نبوخذ نصر الكلداني عام 586ق.م، وحدوث ما سمي بالسبي البابلي، كما تتعمد هذه الكتب إغفال ذكر فلسطين والقدس في العهود الإسلامية منذ 632م بما تجمع وتحتضن من أماكن مقدسة للمسيحيين والمسلمين، ككنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم ومنزل العائلة المقدسة في الناصرة، والمسجدين الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة ضمن الحرم المقدسي الشريف، وحائط البراق ومسرى النبي الكريم محمد ، ولكن فلسطين ترد عادة باسم "أرض إسرائيل" في كل موقع، وحين يأتي على ذكر الفلسطينيين يعتبرهم "عرب في أرض إسرائيل" دون أن يعترف بهويتهم القومية كشعب لـه خصوصيته أولا ثم قوميته ثانياً.

 

أما كتاب "القرن العشرون، قرن تغيير أنظمة العالم" فهو يذكر اليهود بعبارة ـ الشعب اليهودي ـ وذلك بهدف إنكار حق الفلسطينيين في الوجود على هذه الأرض، والتسليم بملكية اليهود لها. بل لقد ذهب إلى بعد من هذا فاعتبر الفلسطينيين مجرد طائفة.

 

ورد على صفحة (199) من هذا الكتاب ما نصه: "الفلسطينيون هم طائفة عربية تشكل أغلبية في أرض إسرائيل، وهؤلاء العرب يمتلكون شعوراً انتمائياً ضيقاً في حدود الدين، فعرب أرض إسرائيل مثل العالم العربي كله، كانوا مجتمعاً تقليدياً. ومصطلح القومية لم يصل إليهم بشكل عام، لهذا لم تتطور عندهم مؤسسات قيادة أو بنية سياسية تحتية ونظام تعليمي وتربوي يساهم في بلورة الوعي القومي. ومعظم أبناء الطائفة عاشوا في ظل عائلات غنية وميسورة وذات نفوذ، والشعور الديني عندهم يقوم على قاعدة دينية (إسلامية) وأثنية (عربية) دون الارتقاء إلى مستوى المركب القومي الحديث، ومقابل هذا المبنى (المجتمع العربي) ظهر الاستيطان اليهودي على شكل تجمعات سياسية وحضارية ذات وعي قومي ودعم صهيوني من خارج أرض إسرائيل".

 

فالبنى الاقتصادية والسياسية والتربوية والاجتماعية التي تنامت وتطورت في إطار حركة الاستيطان في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي حولت اليهود إلى جيل يُهئ ويُعدّ "الدولة على الطريق".

 

وفي الصفحة (165) يصوّر الكتاب، الإنسان العربي في فلسطين بشكل وحشي تنقصه أسس الحضارة والتطور، لأن هذا العربي لا يملك من القيم والفضائل أي شيء على الإطلاق. وفي موقع آخر من نفس الصفحة يصف الكتاب ثورة عام 1929 في فلسطين بأنها عبارة عن اضطرابات، وأن الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين، هو زعيم متطرف. وفيما يخص مكانة حائط البراق بالنسبة للإسلام يغفل اسمه نهائياً ليطلق عليه اسم الحائط الغربي. ويعرض إليه بطريقة مهينة بعد أن يعطي لليهود كل الحق في استخدامه، ويصف محاولة استيلاء اليهود على هذا الموقع الإسلامي بأنها نزاع، ومما جاء في هذا الصدد قوله: "انتبه رجال الشرطة العرب عام 1925 أن اليهود أثناء صلوات يوم الغفران قد وضعوا كراسي للجلوس عليها (وهذا منافٍ للستاتوس كو Status quo المتعلق بالأماكن المقدسة في المقدس) فأخرجوا الكراسي بالقوة. أما المسلمون فقد فتحوا ثغرة في أحد الجدران القريبة من الحائط ودخلوا عبره راكبين على حمير أثناء تأدية اليهود لصلواتهم وهم يلقون بالأوساخ في كل أنحاء المكان المقدس".

 

عبارات الاستهزاء والإساءة للعرب:

صوّر "إيال بار نافيه" في الصفحتين 81، 83 مقاومة العرب في فلسطين لعمليات السلب والنهب التي تعرضت لها ممتلكاتهم وأراضيهم، على أنه هجوم بربري على اليهود الأبرياء، فقد ورد في الكتاب (ص81) إن العرب شنوا هجمات بربرية وقاموا بأعمال تخريبية ضد المستوطنات اليهودية في الجليل الأعلى، وإن الحركة الوطنية الفلسطينية مؤسسة قائمة على أعمال تخريبية (ص83)، وأن المفتي هو محرض للجماهير في القدس وسواها من المدن ضد اليهود الذين يعتبرهم أناساً يسعون للسيطرة على الأماكن المقدسة الإسلامية. وفي الصفحة (92) يصف إيال بار نافيه الدفاع عن المقدسات الإسلامية في فلسطين والحفاظ عليها، بأنها شكل من أشكال أعمال الإرهاب، وأنها تأتي ضمن تطور النشاط القومي للعرب ضد الإنجليز واليهود في آن واحد، فوصف الزعيمين الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين والشيخ عز الدين القسام بأنهما إرهابيان، وأن حركة الشيخ عز الدين القسام التحررية هي بمثابة تنظيم إرهابي بينما وصف التنظيمات السرية اليهودية كمنظمات الهاغانا والايتسل والليحي بأنها حركات تحررية تحمي المستوطنين اليهود القادمين من سائر أنحاء العالم (ص92).

 

وجاء على صفحة (98) ما نصه: "إن التطرف الذي وصلت إليه الهاغانا سببه معارضة العرب الشديدة والعنيفة"، أي أن الهاغانا كانت واقفة بالمرصاد تنتظر تصرف العرب وتحركهم، لتتعامل معهم بعنف وتطرف شديدين. ويذهب بار نافيه إلى أبعد من ذلك، فهو يصف العرب الفلسطينيين بأنهم بدائيون وهمجيون، وشكك في تطلعاتهم لتحقيق الاستقلال وإقامة الدولة الخاصة بهم، وهذا جزء من تعزيز الأفكار الاستعلائية لدى الطلبة اليهود تجاه الفلسطينيين الذين ينظرون إليهم نظرة دونية، كما ورد على الصفحة (244): "متى ظهرت جذورهم في هذه البلاد عميقة أكثر من اليهود؟" ويضيف أن الفلسطينيين لم يفكروا باتجاه قومي إلا بعد أن ظهرت الحركة الصهيونية، وبعد طرح فكرة الوطن القومي اليهودي...

 

مكانة الجندي العربي في كتاب التاريخ:

لدى توقفه عند مكانة الجندي العربي ودروه في الدفاع عن تاريخ أمته وحضارتها، يسعى (إيال بار نافيه) جاهداً لتشويه صورة هذا الجندي والسخرية من دوره في الحروب التي خاضها ضد المحتل اليهودي لأرض فلسطين وسائر الأراضي العربية، بقوله على صفحة 187: "لا هدف للجندي العربي سوى خدمة أسياده، ففي الجيوش العربية، القادة والجنود ينتمون إلى عوالم مختلفة، الفلاح المصري أو العراقي وجد زعماءه وأسياده في الجيش بثياب ضباط، وعيه السياسي متدنٍ، ظروف حياته صعبة وكرامته مداسة، لماذا يقدم حياته من أجل قضية خاسرة لا علاقة لـه بها؟" وهذا طبعاً من باب تهميش القضية الفلسطينية وتهميش الدور العربي وعلاقته بها.

ويضيف أن الانتقال بالقضية الفلسطينية من صراع من أجل التحرير من الغاصب اليهودي ـ الصهيوني إلى عامل يتسبب في تسميم العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي أولاً، ومن ثم بين إسرائيل والمجتمع الدولي. فقد ورد على صفحة (195) من الكتاب "إن المشكلة الفلسطينية سوف تسمم خلال جيل وأكثر علاقات إسرائيل مع العالم العربي والمجتمع الدولي".

 

ثمة محاولة لتبرير مذبحة دير ياسين على أيدي عصابتي ايتسل (ارغون تسسفي لئومي) و(ليحي) يوم 9/4/1948 حيث يسعى المؤرخون اليهود إلى إسقاط الهولوكوست (المحرقة) ونتائجها على ما يمارسونه في فلسطين من جرائم، وما يقترفونه من مذابح تجاه شعبها، مبررين لأنفسهم كل فعلة شنيعة مع الإصرار على التهرب من مسؤوليتهم عن الجرائم التي ارتكبت وترتكب، حتى هذه اللحظة، بحق أبناء هذا الشعب الذي لم يكن يوماً سبباً في المحرقة التي طالما يتحدثون عنها، ليحملوا العالم مسؤولية ما حل بهم، لذلك يلجأ هؤلاء المؤرخون الإسرائيليون واليهود إلى التهرب من تبعات جرائمهم، ومن المسائل التاريخية التي تظهر إسرائيل واليهود بمظهر الظالم والعنيف نتيجة لما اقترفت أياديهم، لهذا فهم يكرسون دائماً صورة "الضحية الدائمة والشعب المستهدف من خلال "اللاسامية" ومن ثم تصوير ما يقترفونه من جرائم ضد الفلسطينيين والعرب كافة منذ عام 1947 وحتى اللحظة، عبر كل الجرائم وأعمال الهدم والقتل والتدمير والتصفيات التي تتم الآن، وتنفذ بدم بارد منذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987 وانتفاضة الأقصى منذ 29/9/2000، بأن ما يجري على الأرض، مجرد أحداث عابرة لا ذنب لهم فيها، فمذبحة دير ياسين على سبيل المثال جاءت رداً على مضايقة وإزعاج العرب للمستوطنات اليهودية الواقعة غربي مدينة القدس. ومذبحة قبية عام 1953 التي اقترفها ارئيل شارون جاءت رداً على التسلل الذي كان يقوم به أبناء فلسطين الذين طردوا من ديارهم عام 1948، أما المسؤولية في تضخيم أخبار هذه المذبحة فهي تقع على عاتق الدعاية العربية التي ضخمت وبالغت في وصف الجريمة لإثارة حفيظة العرب من أجل الانتقام. وهذا الوصف ورد في ص (261) من كتاب "مختصر تاريخ الصهيونية" لمؤلفه (مناحيم كيدم)، وفي هذا الكتاب أيضاً لإيلي بار نافيه

 

ص(219) هناك محاولة لتبرير المجزرة التي ارتكبها شارون في قرية قبية عام 1953، انظر الصفحة (96) من كتاب موشيه ليفشيتس (تاريخ شعب إسرائيل في العصور الأخيرة ـ الحركة القومية)، وكتاب (كير شنفويم) تاريخ إسرائيل في العصور الأخيرة (ص271).

 

ما أشبه اليوم بالبارحة:

يسعى المؤرخون اليهود إلى تحميل الضحية مسؤولية ما حل بها من نكبات، ويبرئون القاتل والمعتدي، وللتعرف على هذه المنهجية في تبرير مذابحهم وتسويغ مجازرهم وصولاً إلى الهدف الأبعد، وهو الترانسفير وتهويد فلسطين، تحت مسميات عدة انطلاقاً من منهجية الحرب وتدمير الآخر التي برزت مفاهيمها في التوراة، وعززتها أحكام التلمود وتفاسيره، وترجمت إلى كتب ومناهج تعليم وتوجيه الناشئة اليهود، لكي تسير على هدي القيم الصهيونية. لنسوق واحداً من هذه النماذج التي ترى في الضحية سبباً في نكبتها، وترى في القاتل والمعتدي مدافعاً عن فكرته وفعلته. فقد ورد في كتاب "تاريخ شعب إسرائيل في العصور الأخيرة" ـ الحركة القومية ـ الجزء الثاني، ص(96) في وصف مذبحة دير ياسين ونتائجها وفقاً للمنحى الصهيوني، يقول المؤلف: "ترتبط حملة نحشون (وهي الحملة العسكرية التي قادتها الهاغانا ضد قرى القدس) بقضية ذات قيمة عسكرية جانبية جداً، ولكن كان لها تأثيرات شعبية واسعة النطاق "شعبية بالنسبة للجانب العربي". وهنا يعترف ليفشيتس أن دير ياسين هي قرية عربية تقع غربي القدس، طلبت عقد معاهدة عدم اعتداء بينها وبين الهاغانا في مستوطنة جفعات شاؤول. بينما قررت منظمتا (اتسل ولحي) احتلال القرية (تحدياً ونكاية بمنظمة الهاغانا حسبما يدعي المؤلف) لأن القرى المحيطة بدير ياسين تركها أهلها وسكانها مسبقاً خشية البطش بهم. ففي التاسع من نيسان عام 1948 هاجم (120) عنصراً من منظمتي (اتسل ولحي) القرية وأثناء الهجوم عليها بعد تطويقها وخلق جو مرعب فيها، قام اليهود بقتل (245) شخصاًً وتفجير منازل القرية فيما بعد فوق رؤوس ساكنيها، (مع أن منظمة اتسل) ظلت تدعي، بعد أن تكشفت تفاصيل المذبحة، بأنه قبل قيام عناصرها بتفجير المنازل قامت بفحصها للتأكد من أن أحداً غير موجود فيها... والسؤال الذي يطرح نفسه من أين جاء الـ 245 مواطناً من شهداء القرية الذين سقطوا ضحايا لهذه المجزرة؟ وهكذا الحال أيضاً بالنسبة لمجزرة قبية التي نفذها شارون عام 1953، ومجزرة كفر قاسم التي نفذت عام 1956 عشية الاعتداء على سيناء والهجوم على بلدة قلقيلية في نفس هذا التاريخ.

وعلى الرغم من أن المؤلفين: د. مناحيم كيدم في كتابه (مختصر تاريخ الصهيونية) وكيرشنفويم في كتابه (تاريخ إسرائيل في العصور الأخيرة) وليفشيتس في كتابه "تاريخ شعب إسرائيل في العصور الأخيرة ـ الحركة القومية" تطرقوا إلى مجزرة دير ياسين بتعابير وجمل هامشية مقتضبة، إلا أنهم اتفقوا جميعاً على أمرين اثنين هما:

 

أولاً: عدم توجيه تهمة القتل للمهاجمين وعدم تحديد عدد الضحايا.

ثانياً: إن أصداء وأخبار مذبحة دير ياسين كانت عاملاً في هروب العرب من البلاد، مع أنهم لم يذكروا أن منظمتي اتسل ولحي استخدمتا مكبرات الصوت لتبث من خلالها أصوات البكاء والعويل للنساء والأطفال، من خلال السيارات التي كانت تتجول في مدن فلسطين حيفا ويافا والقدس وطبريا وصفد (انظر كتاب التغييب عام 1948 تأليف الياس خير ص168)، وبالعودة إلى كتاب إيال بار نافيه (القرن العشرون) السالف الذكر الذي اخترناه نمطاً للكتاب التعليمي التربوي الإسرائيلي في مبحث التاريخ، نرى الكاتب يبذل أقصى ما لديه من جهد للتنكر لمذبحة دير ياسين، لأنه يريد أن يهمش مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ويوحي بأن عرب فلسطين هربوا من تلقاء أنفسهم، وخلفوا وراءهم بيوتهم وأراضيهم (الصفحتان 194ـ195) ولا يورد أي ذكر أو شرح للمجازر والتفريغ والتدمير الذي نفذته قوات الاحتلال الإسرائيلية منذ عام 1947، حيث تم تدمير المدن والقرى الفلسطينية وسحقها بالكامل بشكل مبرمج، كي لا تقوم لها قائمة وتبعث فيها الحياة من جديد، كما جرى في حيفا ويافا وعكا وطبريا وصفد وبيسان وبئر السبع وقيسارية وعسقلان وغيرها، وكما يجري الآن في غزة وخان يونس ورام الله وبيت لحم وبيت جالا والخليل ونابلس والقدس وسائر القرى والمخيمات من تدمير وهدم وإبادة للبنى التحتية، مما يؤكد إصرار دولة الاحتلال الإسرائيلي على مواصلة تنفيذ برامجها الصهيونية في الاستيطان والاحتلال، المعتمدة منذ اللحظة الأولى للصدام الدامي والاقتتال، وحتى هذه اللحظة التي نشهدها صباح مساء، وتدمير وإزالة هذه المدن التي ساهمت في بناء الحضارة العربية الحديثة.

 

التهميش:

في عرض المادة التعليمية لمبحث التاريخ في إطار الصراع العربي مع الصهيونية: وهو يرتبط بغايتين أساسيتين، أرادت مجموعة التربويين الصهيونيين تحقيقهما:

1ـ مسألة تهميش الوجود الفلسطيني المتجذر، مع تهميش القرى والمدن التي هجرها أهلها عنوة بفعل القتل والتدمير وممارسة الإرهاب، حيث لا يرد أي ذكر لوجود فلسطيني بارز في أي من كتب التدريس على الإطلاق، إلا من خلال السياق الضعيف أو إيراد الأمثال والنماذج.

 

2ـ تهميش الدور الإسرائيلي في حلول النكبة وتحميل تبعاتها على الشعب الفلسطيني نفسه، بمعنى أن إسرائيل لم تكن السبب في وقوع النكبات والكوارث للشعب الفلسطيني، فأصحاب النكبة هم المسببون لها، يتحملون وزرها، وإسرائيل "بريئة من دم هذا الصديق"...

ورد على صفحة (203) من كتاب (القرن العشرون) تأليف ايال بار نافيه في ما يخص تهميش دور إسرائيل واليهود في التسبب بخلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وتحميل العرب أسباب مصائبهم قوله: "حرب الاستقلال حرب بدأت قبل إعلان الاستقلال رسمياً يوم 15/5/1948 على لسان دافيد بن غوريون لدى قراءته ما يسمى (وثيقة الاستقلال) من خلال الصراع الدموي بين عرب أرض إسرائيل (فلسطين) وبين الاستيطان العبري، فالعرب الذين تمتعوا بالتفوق الديمغرافي والطوبوغرافي معاً، قطعوا مناطق في الجليل والنقب وحوالي القدس من المركز والسواحل، وهاجموا أحياءً ومواقع يهودية في المدن المختلطة" بينما أخذت القوات اليهودية الأمور بجدية، وقررت تغيير الصورة العسكرية. وهكذا فإن سكان البلاد العربية لاذوا بالفرار الجماعي وهُزِمَ (الاستيطان!!) العربي في أرض إسرائيل".

 

من قراءتنا لهذا النص نلاحظ عملية تشويه الحقائق التاريخية الخاصة بالتفوق العسكري الصهيوني، من حيث عدد المقاتلين والأسلحة التي كانت متوفرة لدى الفرق والوحدات والعصابات المسلحة المدربة، بحيث لا يجوز لنا أن ننسى أن كميات هائلة من أسلحة الحرب العالمية الثانية، خاصة الإنجليزية منها، كانت مخزنة لدى الهاغانا وعصابتي اتسل وليحي وأن معهد التخنيون (معهد الهندسة التطبيقية) في مدينة حيفا الذي خصص في حينه للتجارب العسكرية المتطورة ودراسة الفيزياء النووية، جنباً إلى جنب مع معهد رحوبوت (معهد وايزمن)، كلا المعهدين استخدما لصيانة وإعادة تجديد هذه الأسلحة المتطورة لاستخدامها في احتلال فلسطين، وطرد الفلسطينيين تنفيذاً لبرنامج التهويد الصهيوني، في حين افتقد الفلسطينيون الأسلحة التي وعدوا بها وجاء بعضها متأخراً، وغالبيتها فاسدة لا تصلح للاستخدام أو الصمود أمام الآلة العسكرية المتطورة التي استخدمتها العصابات والمنظمات الإرهابية الصهيونية، لتمزيق الوجود العربي وتطويقه ثم الإجهاز عليه، وهذا هو ما جرى في فلسطين في الفترة الواقعة ما بين تشرين الثاني عام 1947 وأيار عام 1948.

 

التهميش لجرائم مصادرة الأراضي العربية:

في كتاب كيرشنفويم الصفحة (238) يتابع المؤلف تشويه الواقع عن طريق اتهام المواطن العربي ببيع أرضه، وتضخيم مسألة بيع الفلسطينيين لأرضهم بما يتلاءم ومصلحة إسرائيل عند إقامتها عام 1948.

 

لجأ الكاتب هنا إلى تهميش جرائم إسرائيل في الاستيلاء على الأراضي العربية ومصادرتها، التي تسببت في نهاية المطاف بأحداث يوم الأرض الدامية في 30/آذار/1976. رافق هذا التهميش تنكر كامل لمسألة الصراع حول الأرض وأطماع الصهيونية للاستيلاء عليها ونهبها نهائياً، ولا يتوقف الأمر عند التنكر لملكية الأرض العربية فقط، بل يستخدم أسلوب الإهانة والتجريح والوقاحة، بادعاء أن الحكومة الإسرائيلية اشترت أراضٍ دون أي إثبات موثق، أي أن المؤلف أراد من خلال ذلك أن يبعد الطالب اليهودي الإسرائيلي عن مصطلح "مصادرة الأرض" لأنه في حال معرفته سيتساءل: أرض من صودرت؟ ومن هم أصحابها؟ ومن الذي صادرها الدولة أم الأفراد؟

 

الفوقية العرقية ومصطلح الغوييم (الأغيار) وشعب الله المختار:

تنبعث الفوقية التاريخية من التوراة من خلال ثلاثة مفاهيم مترابطة غير منفصمة وهي: اليهودية والصهيونية والإسرائيلية، فالتوراة تعتبر الشعب العبراني "شعب الله المختار" وسائر الشعوب (غرباء) "غوييم". وهذا المصطلح، شعب الله المختار، وجد لـه تعبيراً في صور وأشكال ومظاهر عدة، وعلى كل الصعد السياسية والثقافية والاقتصادية، وحتى الاختراعات والاكتشافات العلمية كانت تهدف إلى إبراز الفوقية والتفرد اليهودي ـ الصهيوني بلا منازع، وقد وظفت الصهيونية واليهودية العالمية هذا المصطلح بشكل قوي منذ مطلع القرن التاسع عشر، معززة إياه في أعقاب ظهور الدول القومية في أوروبا، ومنح الحقوق للأقليات، وانتشار فكرة التحرر الذاتي للمفكر اليهودي ليوبنسكر التي نجمت عن تغلب جناح أصحاب الانعتاق ورافضي فكرة الهسكلا (التنوير) التي تدعو إلى اندماج الدياسبورا (الشتات اليهودي) في حياة الدول التي يعيشون فيها، لأن ذلك من شأنه إعلاء مكانة اليهود والحط من مكانة أهل فلسطين الأصليين، أي الفلسطينيين العرب، وأكثر من ذلك فقد سعت المؤسسة الصهيونية أولاً والإسرائيلية ثانياً، منذ عام 1897 (المؤتمر الصهيوني الأول) وبعد الخامس عشر من أيار عام 1948 إلى تربية الأجيال اليهودية على هذه الفوقية، لتجذير هذا المفهوم وتعميقه لدى الناشئة اليهود وزرعه في عقول الدارسين، وبأنه لا يوجد في هذه البلاد (فلسطين) سوى اليهود، على اعتبار أن غير اليهودي لا حقوق لـه مطلقاً، وهذا الشعور أخذ في الازدياد والتجذر سنة بعد سنة، بمعنى أن اتفاقيات السلام لا جدوى لها في تغيير الذهنية الصهيونية وتحويلها عن العنصرية البغيضة والعرقية البشعة.

 

وفيما يلي نماذج من هذه الفوقية الممجوجة كما وردت لدى الكتاب والمؤلفين اليهود ممن يشتغلون في التوجيه التربوي في مؤسسات التعليم المختلفة، من الروضة وحتى التعليم الجامعي العالي.

 

ورد في كتاب إيلي بار نافيه/ القرن العشرون/ تاريخ شعب إسرائيل في العصور الأخيرة، اعتماداً على كتاب (التنويلاند) "الأرض القديمة الجديدة لثيودور هرتسل، على صفحة (76) المقارنة التي أجراها بين حال الصهيونية الجديدة (هرتسل) وبين وضع العرب في فلسطين، وكيفية تحول أوضاعهم وأوضاع فلسطين بعد مجيء اليهود عن طريق الهجرة والاستيطان، بحيث يظهر التفوق اليهودي من خلال النص في سائر الميادين والمناحي، فاليهود وحدهم الذين يمنحون السعادة للعرب، ويتصدقون عليهم بالكرامة. ومما وثقه ايال بار نافيه في هذا السياق على الصفحة (57) من كتابه (القرن العشرون) ذلك النص الذي اختاره من كتاب "التنويلاند" (الأرض القديمة الجديدة) لهرتسل على الصفحة (76): "لا يوجد منظر بائس وكئيب ومثير للشفقة كمنظر قرية عربية في فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر. فالفلاحون يسكنون في بيوت من طين، لم تكن مناسبة حتى للبهائم. الأطفال ملقون في الساحة عراة دون رعاية، ويتعاملون معهم كالبهائم".

 

إلا أن بار نافيه يوحي بتبدل الصورة بمجرد البدء بتنفيذ المشروع الصهيوني في الهجرة والاستيطان واحتلال ونهب الممتلكات العربية، وإنشاء المؤسسات اليهودية مباشرة بعد الإعلان رسمياً عن المنظمة الصهيونية العالمية كممثل رسمي ودولي للعمل الصهيوني عام 1897 فيقول: "قدم اليهود إلى أرض إسرائيل للعمل بأنفسهم وبأيديهم في الأرض. واحتلال العمل من أيدي العرب" وهذا يكشف عن نية اليهود والحركة الصهيونية في تحويل الفلسطينيين إلى مجرد أجراء للأرض بعد الاستيلاء عليها.

 

عنجهية الرؤية الفوقية في الكتاب المدرسي:

يستهل بارنافيه حديثه عن العنجهية الفوقية والبطولة الأسطورية اليهودية بالتطرق إلى عملية الانتحار الجماعية التي نفذها من وصفهم بالمدافعين اليهود عن القلعة (متسادا) الذين أصروا على الدفاع عنها حتى الموت، كي لا يكون استيلاء الرومان عليها أمراً سهلاً في عهد الإمبراطور ادريانوس عام 132م، فقد ورد في كتابه ص(73): "إن هذه البطولة كانت موجودة ومتجذرة في الوعي التاريخي والعسكري اليهودي، كحادثة "متسادا"، ففي هذه الفترة قرر الإمبراطور ادريانوس تغيير اسم أورشليم إلى "إيلياء" اسم والدته (ايليا كابتيولونيا) وتحويل اسم يهودا إلى فلسطين وتقسيمها إلى ثلاثة أقسام (فلسطين الأولى وفلسطين الثانية وفلسطين الثالثة).

 

وللمقارنة بين الفلسطينيين واليهود من حيث القدرات العقلية والفنية والقيمية الأخلاقية، ولإبراز الفوقية الأسطورية لشعب الله المختار، وتميزهم حتى على الرومان والأتراك والمسيحيين والمسلمين لدى احتلال هاتين الدولتين لفلسطين: الرومان عام 64ق.م. ومن بعدهم الأتراك في أعقاب خضوع العالم العربي للسلطة العثمانية عام 1516 بعد انتصار الأتراك على المماليك، أورد ليفشيتس في كتابه (شعب إسرائيل في العصور الأخيرة الجزء الأول) طبعة 1985، وعلى الصفحة (420): "كانت هناك نزاعات على خلفية حراسة وحدود الأراضي والقطعان والرعاية، وحتى مسألة عدم فهم اللغة والعادات، فالسكان العرب كانوا بأغلبيتهم فلاحين، ينقصهم الوعي السياسي والقومي"، وعلى الصفحة (13) يقول: "برز اليهود في مجالات كثيرة بفضل قدراتهم وإمكاناتهم مما أثار غيرة وحفيظة المسيحيين".

 

وبالنسبة للنظرة الدونية للعرب فهم على مستوىَ متدنٍ إنسانياً وحضارياً، ورد على الصفحة (28) من المرجع السابق: "منذ القرن السادس عشر كانت (إسرائيل) جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، وتميز حكم الأتراك بثورات البدو ضد الحكم المركزي وصراعات بين الحكام الأتراك، وتميز هذا الحكم بكثرة أعمال السلب والسرقة والنهب والقتل، وتدني مستوى الأمن على طرقات البلاد، وتوجه معادٍ من قبل الحكم التركي لليهود في أرض إسرائيل".

 

عودة إلى التناقض والتخبط:

لم يستقر ليفشيتس على رأي حتى في المقارنة التي عقدها بين الفلسطينيين أصحاب الأرض والوطن وبين المستوطنين الدخلاء، ففي الصفحة (42) من كتابه السالف الذكر يقول: "تجد بعض العلامات والإشارات في نفس الفترة لتحركات قومية عند العرب، خاصة بعد تنامي خوف العرب من سيطرة اليهود على أراضيهم". ويقع كيرشنفويم في نفس التخبط والتناقض الذي وقع فيه ليفشيتس، فقد ورد في صفحة (340) من كتاب (كيرشنفويم) ـ تاريخ إسرائيل في العصور الأخيرة ـ "رغم أن المواطنين العرب أظهروا بشكل عام إخلاصاً لإسرائيل. إلا أن اليهود لم يثقوا بالمواطنين العرب. وذلك بسبب اكتشاف حالات من التجسس في صفوفهم لصالح الاستخبارات المصرية والسورية والأردنية، وهناك سبب آخر وهو الصعوبات الناجمة عن الفوارق التراثية والحضارية وأنماط الحياة".

 

التهرب الفاضح من حقائق أحداث عام 1948 وتبعاتها:

دأبت كتب التاريخ المدرسية الإسرائيلية على إنكار الحقائق التاريخية المتعلقة بأحداث 1948 وتبعاتها الخطيرة على الفلسطينيين أبناء النكبة، من حيث تدمير مدنهم وقراهم، والنظرة إلى قضية اللاجئين الفلسطينيين ومسألة الشتات ومقياس انتماء المواطنين العرب في الكيان الإسرائيلي لهذا الكيان، الأمر الذي أوجد مفهوماً جديداً انبثق عن هذه المحصلة المرعبة المدمرة للنكبة، أخذ عنوان (مشكلة اللاجئين والغائبين الحاضرين ولاجئي الشتات) والهدف من ذلك هو التهرب من الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه، وهذا جزء من النظرة الفوقية اليهودية للفلسطينيين، وللعرب عموماً. وقد كان على العرب والفلسطينيين أن يدركوا حقيقة القدرة اليهودية على الإنجاز، وخاصة في المجال العسكري، لأن معاركهم لم تفضِ إلى أي نتيجة لصالحهم، أي أنها كانت محسومة لصالح اليهود... فقد ورد على الصفحة (210) ما نصه: "العرب (المقصود عرب فلسطين المحتلة 1948) هم فلسطينيون، وبحكم الظروف التاريخية (ظروف الاحتلال) تحولوا إلى مواطنين في دولة أقيمت على قاعدة اقتلاعهم، ولأن الدولة أقيمت كدولة خاصة بالشعب اليهودي، فقد ظهرت مشكلة مع هذه الأقلية القومية، بعد أن كان اليهود في الثلاثينات يشكلون حوالي ثلث السكان، (ملاحظة: كان عدد اليهود في بداية العشرينات 2% من سكان فلسطين) وهذا الثلث هو الأكثر تنظيماً والأكثر تأسيساً والأكثر ثقافة والأقوى جداً" وفي موقع آخر يعترف المؤلفان بار نافيه وليفشيتس بحصول عملية اقتلاع للشعب الفلسطيني خطط لها مسبقاً، وتمت على أساس عرقي وقومي، فقد جاء في الصفحة (42) من كتاب ليفشيتس (تاريخ شعب إسرائيل في العصور الأخيرة ـ الحركة القومية): "إن الفلسطينيين بدأوا يعون مخاطر الصهيونية وأساليبها في نهب الأراضي، دون أن تكون لهم بدايات في الفكر القومي (حسب ادعاء المؤلف). فنهب الأرض وسلبها ومحاولات اقتلاعهم (الفلسطينيين) حفزهم إلى الدفاع عن أراضيهم بكل قواهم، وعندما انطلقت الدعوات إلى مواجهة الخطر الصهيوني، وكان أولها دعوة "نجيب نصار" محرر جريدة الكرمل أخذت المعارضة الفلسطينية تقوى وتتسع، ويزيد إدراكها للخطر الداهم"، بينما يرى بار نافيه على الصفحة (187) في كتابه "القرن العشرون" أن الاقتلاع والترانسفير حصلا للفلسطينيين بسبب تدهور الحالة الاجتماعية لديهم، وتدني مستوى الثقافة لدى الجنود العرب، في حين أن القوات الإسرائيلية في حرب عام 1948 كانت تتمتع "بتفوق عسكري"، ويقفز بار نافيه في مبالغته في رؤياه الفوقية إلى حد ممجوج، بحيث يعتبر دولة إسرائيل مخلوقاً مميزاً جداً في المجتمع الدولي، فقد ورد في الصفحة (198): "أن الشعوب كونت نفسها بشكل تدريجي، بينما فقد اليهود سلطتهم قبل ألفي عام، وما جرى أيام خراب الهيكل الثاني لا يفيدهم في الدولة الحديثة".

 

هذه الرؤى الفوقية ذات الصبغة المتعجرفة، تنم عن روح استعلائية مقيتة وغير موضوعية، تصدر عن مؤلفين لكتب تعليمية من المفروض أن يتوخى أصحابها سبل الموضوعية والدقة التاريخية.

 

بيني موريس يخترق أرشيف المجازر الصهيونية:

رغم عدم اعتراف المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة بمسؤوليتها عن مجازر دير ياسين واللد والرملة وعيلبون والدوايمة، ومن بعدها قبية وكفر قاسم وسواها، وعدم تقديمها اعتذار الدولة الرسمي حتى الآن، شأنها شأن مؤلفي كتب التاريخ التعليمية المقررة من قبل وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية الذين لم يتطرقوا لها إلا بشكل عابر، خاصة مجزرتا دير ياسين وقبية اللتان أتى على ذكرهما بارنافيه في الصفحة (219) باعتبارهما دفاعاً عن المستوطنات اليهودية، وليستا جريمتين بحد ذاتهما، إلا أن المؤرخ بيني موريس في كتابه "حرب الحدود" الصادر عن مؤسسة عام عوفيد بالعبرية عام 1996 وبالإنجليزية عام 1993 يفند المزاعم حول هذه المذابح، خاصة مجزرة قبية التي اقترفتها الوحدة (101) بقيادة ارئيل شارون، تحت ذريعة وضع حد لتسلل الفلسطينيين اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هُجّروا منها قسراً إبان حرب عام 1948، فيأتي تفنيده على شكل اقتباسات من تقرير شارون منفذ هذه المذبحة، فقد ورد في الصفحة (178) من كتاب (حرب الحدود): "اقتحمت القوة قرية قبية بسرعة مذهلة تحت غطاء من النيران الكثيفة حتى الساعة الحادية عشرة والنصف ليلاً، وتمكنت من اقتحام معظم منازل القرية وتطهيرها بواسطة إطلاق النيران والقنابل، بينما النساء والأطفال مختبئون في المنازل. ألقيت القنابل على كل بيوت القرية، وحتى بركة الماء دمرت، وهذه العملية العسكرية كانت تهدف إلى بلوغ حد أعلى من الخسائر في الأرواح"...

ثم يقتبس بيني موريس عن شاريت (نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه) الفقرة التالية: "في قبية وحدها هدم ثلاثون منزلاً. فرد فعل كهذا، وبقوة كبيرة كهذه، لم يحدث مثله، تحركت ذهاباً وإياباً في غرفتي أفكر في الموضوع وأنا محبط حتى الأعماق. وفي الغد سجلت" لو كان لدي أدنى شك في وقوع مثل هذا القتل، لكنت أقمت الدنيا وأقعدتها".  

 

 

الفصل الثالث الجغرافية العامة والجغرافية السياسية

وكتب التربية الوطنية

 

يلمس المتتبع لمقررات ومناهج كتب الجغرافيا في المراحل الدراسية الثلاثة الابتدائية والإعدادية والثانوية، وحتى تلك التي تدرس في كليات المجتمع ودور المعلمين، يلمس بسهولة جوهر القيم التربوية والتوجيه الهادف الذي تحاول زرعه وتجذيره ضمن أطر التربية اليهودية والصهيونية التي رسمتها ووضعتها طواقم الخبراء والتربويين اليهود العاملين في أجهزة التربية والتعليم الإسرائيلية، منذ عام 1949 وإلى حين صدور قانون التعليم الأساسي عام 1953، وهو القانون الذي ارتكز في أساسه على ما سمي "وثيقة الاستقلال" التي تلاها دافيد بن غوريون في تل أبيب يوم 15/5/1948 لدى الإعلان عن قيام الدولة العبرية من جانب واحد، بناء على قرار التقسيم الصادر عن هيئة الأمم المتحدة يوم 29/11/1947، على عكس الموقف الرافض للجنة العربية العليا لفلسطين لهذا القرار، بعد أن قامت حكومة الانتداب البريطاني بتسليم فلسطين كاملة، إدارة وممتلكات وتشريعات وأسلحة وتجهيزات عسكرية، قبل موعد الانتهاء من الانتداب الفعلي.

 

ونظراً لغزارة النماذج فقد قمنا باختيار عينة من هذه الكتب بهدف تحليلها، وهي عينة تجمع بين مبحثي الجغرافيا (الطبيعية والسياسية والاقتصادية) والتربية الوطنية، وتجمع بين الاستيطان والتوسع والضم للأرض الفلسطينية والسورية (الجولان) بعد حربين عدوانيتين، اصطلح المؤرخون العرب على تسمية الأولى بنكبة عام 1948 والثانية بنكسة حزيران عام 1967، بحيث لم يقتصر الأمر على هذين القطرين العربيين، بل تعداهما إلى لبنان، في محاولة منه لنهب المياه وسرقتها والاستيلاء على الأرض، سيما وأن المؤلفين لم يتوانَيا عن إقحام الأراضي العربية المحتلة، أينما وجدت، إضافة إلى فلسطين المحتلة منذ عام 1948 في المواد المقررة للتدريس ضمن المناهج الإسرائيلية الرسمية، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من المشروع الصهيوني الاستيطاني ـ الاحتلالي، كالمرتفعات السورية المحتلة (الجولان) والجنوب اللبناني الذي استمر احتلاله قرابة العشرين عاماً، وخاصة روافد نهر الأردن ومزارع شِبعا وقرية الغجر، فكلها ضمت إلى عناوين ومواد التدريس في مباحث الجغرافيا والتاريخ والتربية الوطنية والكتب المصاحبة والمساعدة، وحتى الكتب التي تتطرق إلى العقيدة اليهودية للمقارنة والمفاضلة بينها وبين العقيدتين المسيحية والإسلامية، لتشمل سائر بلاد الشام والعراق ومصر. لذلك ليس غريباً أن تركز الكتب المنهجية المقررة من قبل وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية، على ضرورة تحقيق المشروع الاستيطاني الصهيوني في المنطقة العربية الذي يعود تاريخه لبدايات القرن العشرين، الهادف لاحتلال الأرض العربية بعد اقتلاع السكان العرب الأصليين من أراضيهم وأماكن سكناهم، وإبادة وتدمير الأشكال والأنماط السكنية العربية، من مدن وقرى وتجمعات للبدو العرب في أراضيهم، بغية طمس المعالم الحضارية العربية للبلاد، وبناء المستوطنات على أنقاضها لاستقطاب وجلب المستوطنين اليهود وتوطينهم فيها، فتقوم سلطات الاحتلال الإسرائيلي وفق منهجية ثابتة تعود إلى ذلك التاريخ الاستعماري ـ الاستيطاني، بوضع اليد والسيطرة الفعلية والمطلقة على كل ثروات وخيرات ومكنوزات الأراضي العربية، ومصادرة هذه الثروات لتحوّل بعد نهبها إلى التكتلات الاستيطانية التي أقيمت لهذا الغرض من كيبوتسات (القرى التعاونية) وموشفوت (المستوطنات العلمانية والدينية) وبؤر "الناحل" العسكرية الاستيطانية المسلحة، إلى جانب الاستيلاء على الأحياء العربية في المدن الفلسطينية، لحلّ مشكلة المهاجرين اليهود المستجلبين لإسكانهم في منازل الفلسطينيين المصادرة بعد إفراغها منهم، وطردهم وتهجيرهم قسراً إلى خارج الوطن، تماماً كما حل في فلسطين المحتلة والجولان وقرى الجنوب اللبناني...

ولما كانت سلطات الاحتلال الإسرائيلية عاجزة عن فرض مناهج تعليمية محددة في سائر الأراضي العربية المحتلة، كما في فلسطين المحتلة منذ عام 1948، فقد لجأت إلى دمج المواد التعليمية المخصصة لهذه المناطق بالمواد التعليمية التي تربط بين غور الأردن الشمالي ومحيط بحيرة طبريا ومنطقة البطيحة، التي تعتبر الجولان امتداداً للجليل والشمال الفلسطيني، وليست جزءاً لا يتجزأ من سوريا.

 

وتجسيداً للمبدأ الصهيوني الذي يدعو إلى الاستيلاء على الأرض وحيازتها دون سكانها، وتحاشياً من افتضاح أمر سلطات الاحتلال الإسرائيلية بالإعلان رسمياً عن ضم الجولان لإسرائيل، تجنباً لمقاومة السكان الأصليين لهذه الخطوة، فقد لجأت السلطات العسكرية الإسرائيلية إلى تنفيذ مخططها ومشروعها في هذه المنطقة، بواسطة تعليمات وإجراءات وبلاغات وأوامر عسكرية، كي تقتلع الغالبية العظمى من السكان العرب الأصليين، من مختلف المناطق العربية التي احتلتها بعد هدم معظم المدن والقرى وتفريغ أهلها منها، وطردهم إلى الأقطار العربية المجاورة، وتحويل من تقبل منهم إلى مجرد لاجئين داخل أوطانهم.

 

وقبل الشروع بتحليل المضامين الخاصة بكتب الجغرافيا وتحديد المحاور وتعيين مواطن التوجيه التربوي المعادي المرتكزة فيها على قاعدتي الاحتلال والاستيطان، المقرونتين بالترحيل والطرد وتفريغ الوطن من أصحابه، لا بد من إجراء مقارنة أو مماثلة بين نمطين من الاحتلال، هما فلسطين والجولان، للتدليل على حجم الاقتلاع والاستيلاء والنهب والمصادرة التي تعرضت لها هذه الأراضي العربية، وذلك من خلال كتب الجغرافيا التي أوردت المساحات الهائلة والمدى العنصري الذي وصلت إليه قوات الاحتلال الإسرائيلي لدى تنفيذها عملياتها التدميرية الإرهابية عند اقتحامها واحتلالها لها، حيث تم الحصول على هذه المعطيات بواسطة الإجراءات والممارسات الواقعية على الأرض التي كشفت عنها الأوامر العسكرية الإسرائيلية التي ارتكزت على قوانين إسرائيلية تعود إلى الخمسينات، وهي التي انبثقت أصلاً من مشاريع المنظمات الصهيونية، منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 ووقوع فلسطين فريسة لانتداب الاستعمار البريطاني منذ عام 1918، حيث تحولت هذه الأوامر والتنظيمات إلى قوانين وتشريعات يتسلح بها الاحتلال الإسرائيلي، لتبرير ممارساته والسيطرة كلياً على الأراضي والممتلكات العربية في أي بقعة يتم احتلالها من قبل إسرائيل، منذ اغتصاب فلسطين عام 1948 وحتى قبل ذلك في ظل قوانين الطوارئ البريطانية. [راجع الدراسة المعنونة سياسة إسرائيل في الجولان: "الاستيطان والتوسع والضم تحقيقاً، لحلم نسجه آباء الصهيونية" للدكتور نزار أيوب، قضايا إسرائيلية "صيف 2001" ص37 ـ 49] وقد ترجمت هذه الحقيقية على أرض الواقع لتدون وتوثق في كتب الجغرافيا والتربية الوطنية التي تدرس للطلبة اليهود، لترسيخها في أذهانهم باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل الكاملة، ومن أبرز هذه الكتب (الجولان والجليل بأقسامه والكرمل وشمال البلاد) تأليف اليعازر فيتكين، صدر عام 1982 بتكليف من قسم المناهج التعليمية/ وزارة المعارف والثقافة، وكتاب تحولات في جغرافية الشرق الأوسط/ للمدارس الثانوية العليا ودور المعلمين ـ تأليف الدكتور أرنون سوفير/ أستاذ الجغرافيا في جامعة حيفا/ صدر عام 1995، وكتاب "يروشلايم يهودا فشومرون والجبل الأوسط المركزي/ تأليف اليعازر فيتكين صدر عام 1984، وكتاب "يروشلايم يهودا فشومرون/ تأليف رنا هفرون/ وفق منهاج التعليم الجديد/ الذي أقر رسمياً من قبل وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية عام 1994.

 

في ما يخص المشابهة والمماثلة بين فلسطين والجولان نتناول مرتكزين هامين يشكلان الدافع الأقوى إلى شهوة الاحتلال، وهما الأرض والثروات الطبيعية، وفي مقدمتها المياه. فبالنسبة لفلسطين أُجبر أهلها عنوة بعد قيام إسرائيل عام 1948 على ترك أراضيهم التي اقتلعوا منها، لتتحول إلى أملاك غير منقولة تحت تصرف سلطة الاحتلال، وقد قدرت قيمتها في حينه بـ 100.383.784 جنيهاً فلسطينياً، واشتملت هذه الأملاك على مقالع ومحاجر واسعة تمتد على مساحة أراضي الجليل وشمال فلسطين والكرمل ومحيط القدس غرباً وجنوباً مع 40.000 دونم مزروعة بأشجار الكرمة (كروم العنب) و95% من كروم الزيتون الموجودة ضمن حدود الدولة العبرية حالياً، وما يقرب من 100.000 دونم من بيارات الحمضيات مُضافاً إلى ذلك 10.000 من المحال والمخازن والمشاغل، علاوة على ما خلفه الفلسطينيون مرغمين قسراً من أملاك منقولة تقدر بـ 19.100.000 جنيه، وذلك ضمن المساحة الواسعة التي تقدر بـ 72% من أراضي فلسطين التاريخية التي تم احتلالها من قبل العصابات الصهيونية المسلحة، لتقام عليها الدولة العبرية من طرف واحد كما أسلفنا، وتبلغ مساحتها حوالي 21.000كم2، ولضبط عملية المصادرة وإحكام السيطرة الكاملة على الأملاك المنقولة وغير المنقولة بهدف أسرلتها. أقر الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) في آذار/ مارس/ 1950 قانون أموال الغائبين (أملاك الغائبين) الذي عين بمقتضاه مسؤولاً خاصاً على هذه الأموال، أنيطت به مسؤولية الأشراف على هذه الأملاك باسم "القيم على أملاك الغائبين"، ثم جرى تعزيز هذا التشريع (القانون) بقانون آخر صدر عن الكنيست، أطلق عليه قانون "سلطة التعمير والإنشاء" (نقل الأملاك) لعام 1950، وقد ساهم في إنشاء "سلطة تعمير" أوكلت لها مهمة شراء الأراضي، ونقل ملكيتها بطرائق مزيفة وملتوية، لاسيما أراضي اللاجئين الفلسطينيين الذين تشردوا في مختلف أقطار العالم وأطلق عليهم هذا القانون وصف الغائبين، لتخضع هذه الأراضي لسيطرة القيم على أملاك الغائبين بموجب قانون أموال الغائبين، وهو الأخطر لأنه يعتبر كل فلسطيني ترك مكان إقامته قسراً إلى بلاد في حال حرب مع إسرائيل (غائباً)، وقد عادت إسرائيل لتطبيق هذا القانون وممارسته بلا تردد على ممتلكات المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ثم في الجولان أيضاً في أعقاب عدوان حزيران عام 1967، بحيث اعتبر كل فلسطيني أو سوري ترك مكان إقامته إلى بلاد في حالة حرب مع إسرائيل غائباً"، وفي هذا الإطار فإن الأمر العسكري (رقم 58) الذي أصدرته سلطات الاحتلال في الضفة الغربية المحتلة يوم 23/تموز/1967 عَرَّفَ الغائب: "بأنه من ترك أرض الضفة الغربية قبل حرب حزيران عام 1967 أو في أثنائها أو بعدها" ووفقاً لهذا التعريف، فإن الفلسطيني الذي كان إبان الحرب مقيماً في بلد ليس في حالة حرب مع إسرائيل، كبلدان أوروبا وأمريكا وآسيا، وغيرها اعتبر بحكم الغائب، ليتم بذلك وضع "الأسس القانونية" التي تصوغها وتقرها سلطة الاحتلال الإسرائيلي التي تقضي بعدم السماح للمواطنين الغائبين بالعودة إلى أراضيهم وممتلكاتهم، لتدخل ضمن نطاق السيطرة الإسرائيلية تلقائياً.

 

ولم تختلف النظرة الصهيونية إلى الجولان عنها إلى فلسطين، فقد قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بوضع اليد والاستيلاء على كل الأراضي والموارد المائية والثروات الطبيعية الموجودة والمتوفرة ضمن حدود القرى والمدن التي تم طرد السكان العرب منها، وما تبقى من التجمعات السكانية فوق الأرض بعد التدمير، مثل مدينة القنيطرة وقرى مجدل شمس وبقاعاتا وعين قينية ومسعدة من بين (312) قرية وبلدة، حيث عززت إجراءاتها القمعية العنصرية بإصدار الأوامر العسكرية التي من شأنها تسهيل مهمتها وخدمة أهدافها في هذا الاتجاه، وذلك بإعلانها الممتلكات الخصوصية، المنقولة وغير المنقولة، أموالاً متروكة مثلها كمثل الأموال الحكومية. وعلى نفس النهج الذي اتبعته حيال الأراضي الفلسطينية، أصدرت سلطات الاحتلال العسكري الإسرائيلي الأمر العسكري (رقم 20) الخاص بالجولان المحتل، ويقضي باعتبار الممتلكات الخصوصية المنقولة وغير المنقولة (كالعقارات والنقود والأوراق المالية) بمثابة "أموال متروكة"، وتعيين مسؤول خاص يقوم بمهمة القيم على الأموال المتروكة (أموال الغائبين)، وهو كما أسلفت شخصية معنوية أوكلت لـه مسؤولية التصرف بهذه الأموال وتأجيرها، والارتباط بعقود شراء وبيع الأموال المنقولة. وهكذا تعتبر الممارسات الإسرائيلية في كل ما يتعلق بالاستيلاء على الأراضي ومصادر المياه في الجولان المحتل، خطوات وإجراءات غير شرعية بتاتاً، لما تمثله من انتهاك للقواعد والأعراف الدولية، فالمادة 49(6) من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949م، تحظر على دولة الاحتلال نقل وتوطين السكان التابعين لها في الإقليم المحتل، وبالتالي عدم شرعية وجودهم في الأراضي المحتلة واستغلالهم ثرواتها. وفي السياق نفسه فإن اتفاقية لاهاي لعام 1907 تحظر على سلطات الاحتلال استخدام الأراضي الواقعة ضمن الإقليم المحتل لغير الأغراض العسكرية.

 

أما بالنسبة لما احتل من أراضي الجولان، وما نهب وسلب من أموال وثروات وخاصة الثروات المائية، فيقدر بـ 1250كم2 من المساحة الكلية للجولان التي تصل إلى 1860كم2 أو 1% من إجمالي مساحة الجمهورية العربية السورية في أعقاب عدوان حزيران عام 1967، وكان هؤلاء موزعين على (312) تجمعاً سكانياً من بلدات وقرى، إضافة لمدينتين هما القنيطرة الواقعة وسط الجولان ومدينة فيق الواقعة جنوبه، أي أن قوات الاحتلال قامت بإجبار (131) ألف مواطن على النزوح القسري بعد هدم وتدمير (306) من القرى والبلدات العربية، وإقامة (33) مستوطنة ومدينة استيطانية لترسيخ مبدأ السيادة الإسرائيلية على الجولان، في أعقاب مصادقة الكنيست على قانون الجولان الصادر عام 1981، ليُصبح هذا الإقليم السوري ليس مجرد منطقة جغرافية تابعة لإسرائيل إدارياً، بل حقاً مكتسباً وجزءاً لا يتجزأ من هذا الكيان قانوناً وتشريعاً (راجع دورية طريق الجولان والغور العدد (1) لشهر تشرين أول عام 2001 إسرائيل/ المجلس الوطني من أجل الجولان ووادي الأردن، والمنتدى السياسي الأمني لمستوطنات وادي الأردن، شمال البحر الميت ومعاليه أفرايم، ولجنة مستوطنات الجولان): وهذه الدورية بمثابة نشرة إعلامية مرافقة للمناهج الدراسية، توزع على الطلبة في المستوطنات المنتشرة في غور الأردن وهضبة الجولان وشمال البحر الميت والضفة الغربية ومحيط القدس الكبرى وجنوب شرق جبال الخليل، والتجمع الاستيطاني "غوش عتسيون" جنوب بيت لحم، فقد ورد في الصفحة رقم (4) من هذه النشرة الاستيطانية تحت عنوان العمود الفقري الشرقي لكاتبه "إبراهام فخمان":

 

1ـ ليس هناك أرض مقدسة عربية يحظر إعطاؤها أو منحها لليهود.

2ـ إن إعادة الحقوق الشرعية للعرب والفلسطينيين وفي مقدمتها حق العودة يجب أن يقابلها طرح المبادئ القومية الصهيونية التي تشكل القاعدة الأساسية والتبرير الفعلي لأي مشروع يهدف إلى تحقيق تسوية سياسية في الجولان والأراضي العربية المحتلة في الضفة والقطاع المحتلين ومدينة القدس.

3ـ لإسرائيل الحق في ضم الأراضي الحيوية التي تم احتلالها في المعارك الحربية، على اعتبار أنها حرب وقائية دفاعية. وعلى العدو أن يدرك أنه سيخسر حتماً في حالة هجومه على هذه المناطق.

4ـ المخرج الوحيد للتوصل لأي حل إقليمي يتمثل بالوضع الراهن والواقع المتجسد على الأرض، وليس بالماضي التاريخي لهذه المنطقة.

5ـ الرفض الكامل من جانب الحركات الاستيطانية لأي مطالب أساسية تدعو إلى تفكيك المستوطنات وإزالتها، ونقل مستوطنيها إلى مواقع أخرى، وأي تحريك أو إزاحة لأي تجمع استيطاني في المنطقة، يجب أن يتم على يد إسرائيل وانطلاقاً من معاييرها واعتباراتها.

6ـ وجوب أن تركز القرارات الإستراتيجية والسياسية لإسرائيل على الأحداث والوقائع البالغة الأهمية في خطورتها، وليس على الأضاليل والطغيان (حسب تعبير الكاتب).

7ـ الرفض القاطع لأي اتهام لإسرائيل بأنها المسؤولة عن مصير اللاجئين الفلسطينيين، والتبعات والتداعيات التي تسببت بالضحايا المباشرة لحرب عام 1948، مع التأكيد ثانية على رفض حق العودة للفلسطينيين.

8ـ مصير إسرائيل لا يتوقف أو يقرر عند حدود مدينة القدس ومحيطها، "الحلول التي يتم التوصل إليها حول القدس"، لأن الحرب تشمل الأراضي كافة، من الناحية الجغرافية والإقليمية، في الوقت الذي لا يجوز فيه التقليل من شأن القدس وتحويل هذه المدينة إلى قضية معقدة ومثقلة بالأعباء، بمعنى أن مصير إسرائيل الاستراتيجي ـ المدني والعسكري ـ يبت فيه مع مراعاة كثافة وقوة ترتبط بـ - العمود الفقري الشرقي ـ الذي يضم منطقة وادي الأردن (إقليم وادي الأردن الهائل) بأسرها مع الضفة الغربية بأكملها والجولان، ذلك أن السكان العرب في أرض إسرائيل الغربية يزيد عددهم اليوم عن ثلاثة ملايين نسمة، وغالبيتهم يتمركزون على طول هذا العمود الفقري الجبلي بغالبيته، أضف إليهم العرب الذين يعيشون في الجليل وفي وادي الأردن وبئر السبع وقطاع غزة،.. هذه الواجهة الديموغرافية لهذه المناطق، باتت تشكل حزاماً ديموغرافياً خانقاً على الصعيدين السياسي والعسكري من شأنه أن يهدد قطاع الشاطئ الإسرائيلي الذي يعتبر العمود الفقري الغربي الضيق القصير والمعرض للأضرار، وفيه ينحشر أكثر من 80% من السكان اليهود، لأنه ما أن تتم موافقة إسرائيل على الانسحاب من إقليم وادي الأردن الكبير، حتى يتجمع تكتل إقليمي عربي يمتد من مشارف دان (القاضي) عند منابع نهر الأردن حتى بغداد، وهذا الإقليم من شأنه أن يتحول إلى جبهة شرقية معادية لإسرائيل وتهددها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد لأن الانسحاب من الجولان من شأنه أن يضيف خطراً استراتيجياً آخر يلحق الضرر الكبير بمصادر المياه التي تعتمد عليها إسرائيل في حياتها، كما أنه يشكل تهديداً حقيقياً على إقليم إصبع الجليل الذي يمتد من رأس الناقورة غرباً حتى المطلة شرقاً على طول الحدود اللبنانية وصولاً إلى هضبة الجولان.

 

السيطرة على المصادر والثروات المائية العربية:

بالنسبة للاستيلاء على مصادر الثروات المائية، ورد في الصفحات 14 ـ 29 الفصل الثاني من كتاب (الجولان والجليل بأقسامه الأعلى والأوسط والأسفل، والكرمل وشمال البلاد) ـ تأليف اليعازر فيتكين /عام 1982 أن الجولان، وما فيه من مصادر وثروات طبيعية وفي مقدمتها الثروة المائية، جزء لا يتجزأ من شمال أرض إسرائيل ، وأنه باحتلال الجولان في أعقاب حرب حزيران عام 1967، تكون الحركة الصهيونية وإسرائيل قد حققتا تطلعاتهما التاريخية في إقليم الجولان الذي يشغل حيزاً هاماً بين أقطار بلاد الشام [سوريا، لبنان، الأردن، أرض إسرائيل (فلسطين)] باعتباره منطقة عبور بين هذه الأقطار. إضافة إلى تربته الخصبة والغنية، وتضاريسه الجميلة ومناخ البحر المتوسط ذي الفصول الأربعة، من الشتاء البارد الماطر والصيف الجاف الحار وفصلي الربيع والخريف الانتقاليين. وكلما اتجهنا شمالاً تزداد كميات الأمطار والثلوج مع ازدياد الارتفاع، ففي الجنوب مثلاً تتراوح كميات الأمطار بين 400ـ 500 ملم وفي الوسط تصل إلى 800ملم، بينما تصل إلى 1500 ملم على جبل الشيخ شمالاً، مما يجعل الجولان غنيّاً بالمياه، وبالمصادر المائية من الأنهار والجداول والينابيع، وأهمها روافد نهر الأردن في سفوح ومنحدارت جبل الشيخ (دان/ القاضي، وبانياس، والحاصباني والوزاني)، وبالنظر إلى الوثائق المدونة في إطار القوانين والأنظمة الإدارية الدولية، فإن القانون الدولي الخاص بإدارة المناطق المحتلة في الصفحة (431) منه، جاء ليؤكد نية إسرائيل المكشوفة من احتلالها للجولان، ومصادرة الممتلكات العامة والخاصة وتعيين مسؤول معين من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي، بموجب الأمر العسكري رقم (21) الذي يجيز "للمسؤول" المعين من قبل سلطات الاحتلال (شأنه شأن القيم على أموال الغائبين) صلاحية التصرف بالأملاك العائدة للحكومة السورية (الدولة المعادية) وبموجب المادة الثانية من الأمر، فإنه يجوز للمسؤول أن يتولى حق التصرف بالمال الحكومي وأن يتخذ كل إجراء يراه لازماً ومناسباً لذلك.

 

ويستند هذا القرار كما ورد في الصفحات الخاصة بالجولان (من ص14ـ ص29) في الكتاب السابق، إلى مراسلات الآباء الأوائل للحركة الصهيونية التي تشير إلى أن أطماعهم في المصادر والثروات المائية في الجولان، تعود إلى بداية القرن العشرين، فقد جاء في نص المذكرة التي بعث بها زعماء الحركة الصهيونية في الثالث من شباط/ عام 1919 إلى مؤتمر الصلح المنعقد في باريس: "إن جبل الشيخ يعتبر حيوياً بالنسبة لدولتنا المستقبلية، باعتباره يشكل مصدراً غنياً بالمياه، وإن سلخ هذا الجبل عن هذه الدولة (اليهودية) من شأنه أن ينزل بها ضربة حقيقية". وقد تضمنت هذه المذكرة وثائق وتصريحات حول مواقف وآراء القادة الصهيونيين التي دعت إلى احتواء "أرض إسرائيل" ـ فلسطين التاريخية ـ وضمها للمناطق الواقعة بمحاذاة الحدود الشمالية والشرقية لفلسطين، (وهي تقاطع ومفارق مياه الليطاني عند جبل الشيخ/ حرمون، وإلى الشرق سهول حوران والجولان) بدعوى حيوية تلك المناطق للدولة والمشاريع التي كان يجري العمل على إقامتها، لما تشكله من مصدر غني بالمياه إضافة لخصوبة تربتها( ).

 

وإذا عدنا قليلاً للأمر العسكري رقم (120) المعدل عن الرقم (21) الذي أصدره قائد قوات الاحتلال في 24/3/1968، وهو الخاص بمصادر المياه والثروة المائية، يتضح لنا بأن هذا الأمر وضع لتسهيل مهمة سلطات الاحتلال في السيطرة المطلقة على مصادر المياه في أرض الجولان، وحتى على منابع نهر الأردن الذي يعتبر تجسيداً لأحلام الصهيونية، منذ نهاية القرن التاسع عشر، حيث دأبت الحركة الصهيونية على إقامة وتوسيع المستوطنات الزراعية والاستئثار بمصادر المياه ومنابعها، استمراراً في انتهاج هذه السياسة بعد قيام إسرائيل بشكل عدواني، حيث منعت إسرائيل العرب من ممارسة السيادة على أراضيهم والانتفاع من مصادر المياه المتوفرة فيها، معتبرة هذه المسألة ضمن أولوياتها الاستراتيجية، يؤكد ذلك قيام إسرائيل يوم 13/1/1964 بقص سد (الوحدة) الأردني السوري المشترك، الواقع على نهر اليرموك. كما قامت بوضع اليد على منابع نهر بانياس في الجهة الشمالية ـ الغربية من الجولان، ونهبها بشكل كامل، إذ يبلغ المنسوب السنوي لهذا النهر (125) مليون م3 من المياه، لاستغلالها في تأمين احتياجات المستوطنات التي أقامتها في الجولان، ولري سهل الحولة ومن ثم تحويل الكمية الباقية لتخزن في بحيرة طبريا.

 

وبالنسبة لنهر اليرموك تقوم إسرائيل باستغلال كميات كبيرة من مياهه تصل إلى (380) مليون م3، سيما وأن هذا النهر يصل منسوبه السنوي إلى حوالي (500) مليون م3، حيث أقامت إسرائيل مضخات على هذا النهر لضخ مياهه إلى بحيرة طبريا، ليتم سحبها إلى وسط وجنوبي إسرائيل لإغراض الري والاستخدام المنزلي، زد على ذلك أن إسرائيل تستفيد من حوالي 307 مليون م3 من المياه، وهو المنسوب السنوي لأنهر ووديان، مصدرها الجولان المحتل وغالبيتها تصب في بحيرة طبريا.

 

وتشير الإحصاءات إلى أن الجولان يزود إسرائيل بحوالي 25% ـ 30% من استهلاكه السنوي من المياه. وهذا هو أحد الأسباب الرئيسة الكامنة وراء الرفض الإسرائيلي المتواصل لتنفيذ بنود قرار مجلس الأمن رقم (242)، والانسحاب إلى ما وراء حدود الرابع من حزيران، لأن ذلك من شأنه إعادة مصادر المياه للجمهورية العربية السورية لتمارس سيادتها عليها بصفتها المالك الشرعي لها، بما في ذلك شمال شرق بحيرة طبريا.

 

مغالطات تاريخية:

في كتاب (الجولان والجليل والغور الشمالي والكرمل) لمؤلفه "اليعازر فيتكين" نرى أن خيوط النسيج التربوي الإسرائيلي والصهيوني قد اكتملت من أجل تحقيق الأهداف الصهيونية، من خلال المحاور التي تبرز في كل فقرة من فقرات هذا الكتاب وذلك على النحو التالي:

 

1ـ التأكيد على التطور الحضاري اليهودي مقابل الخراب والتخلف العربي:

فقد ورد في الصفحات من 4ـ13 وصف مزعوم للحالة التي آلت إليها منطقة الشمال الفلسطيني، ومرافقها الزراعية قبل قدوم اليهود إلى فلسطين، وتسلمهم مقاليد الحكم فيها: "فإسرائيل بمجرد الإعلان عن قيامها شرعت باستصلاح الأراضي في السهول والجبال والأودية في هذا الإقليم، بعد أن كانت خراباً يباباً حيث تم تطوير المنطقة الشمالية على أيدي جماعات من اليهود المهاجرين من مصر، وهؤلاء تمكنوا من توفير الغذاء لسكان هذه المنطقة، بفضل استغلالهم الجيد لهذه الأراضي (ص48ـ69) بأسلوب حديث ومعاصر.

 

2ـ تغريب العالم العربي وشعوبه عن فلسطين:

فيما يخص التركيز على قاعدة فصل فلسطين عن العالم العربي، تتحدث الصفحات من 14ـ33 بإسهاب عن المنطقة التي تقع فيها فلسطين التي يطلق عليها مصطلح (أرض إسرائيل)، فينسبها لليهود معتبراً الأقطار العربية المحيطة بفلسطين دولاً أجنبية غريبة. وحتى على الصفحات من (24ـ35) لدى الإشارة إلى المناخ السائد ودرجات الحرارة، وتدريس هذا الباب على الخارطة، أعتبر المؤلف أن فلسطين والجولان خاضعتان لمناخ إسرائيل في حدودها، ولا تأثير للعوامل الجوية للأقطار العربية على مناخ فلسطين، وكأن فلسطين تقع في إقليم آخر.

 

3ـ التنويه والإيحاء بالفضل اليهودي منذ القدم على إعمار فلسطين:

حيث تم استغلال ثرواتها بشكل يبعث على تواصل النشاط والعمل، وخلق حالة من التشغيل وحركة الشراء والبيع، ودور اليهود في الدفاع عن هذه المكتسبات فوق أرض خلت من ساكنيها، على حد تعبير المؤلف، والقدس (أورشليم) في طليعتها، فعلى الصفحات (70ـ81) في الفصل السادس الذي يتصدره عنوان (الماضي المجيد)، استهل الكاتب حديثه باقتباس آيات وأعداد من العهد القديم "سفر يوشع"(13): قُسّمت أرض إسرائيل لأسباط، جعل لكل واحد منها سكناً سمي سبطاً"، والأسباط هم أجداد اليهود، عمروا أرض إسرائيل واستغلوا الأرض وعملوا فيها.. (وفقاً لأكاذيب المؤلف) وهم يركبون البحر، ويعرفون كيف يدافعون عن أنفسهم، وقد خاض شعب إسرائيل حروباً كان معظمها في منطقة القدس".

 

وفي الصفحات من 90ـ99 ورد "أنه أثناء الهجرة الثانية اليهودية إلى أرض إسرائيل (فلسطين) من عام 1903ـ1914 قامت مجموعات من الشبان والشابات ممن حلموا بالعمل الزراعي في (إسرائيل)، بإيجاد نموذج جديد لاستغلال المياه، وإقامة جمعيات اشتراكية (بحيث يعمل كل حسب طاقته ويأخذ وفق احتياجه)، ففي تلك السنوات امتلكت جمعية الصندوق القومي اليهودي أراضٍ تقع شرق نهر الأردن، جنوب بحيرة طبريا، في مكان اسمه (أم جوني) لتصبح معيناً على مواصلة الاستيطان وتوسعه، وفي العام 1914م نشبت الحرب العالمية الأولى، فكان الأتراك حلفاء للألمان، بينما ساعد اليهود الإنجليز مقابل منحهم الوطن القومي اليهودي فوق أرض إسرائيل (فلسطين)، وفي غضون ذلك طور المهاجرون والمستوطنون عمل مستوطناتهم، وأقاموا لهم مستوطنات جديدة، لأن الأراضي التي وضعوا اليد عليها من العرب كانت عبارة عن مساحات من المستنقعات والكثبان الرملية والصخور المتراكمة، فعملوا على استصلاحها وتهيئتها وفي الصفحات من 100ـ109 اعتبر مؤلف الكتاب (اليعازر فيتكين) استيعاب الهجرات المتوالية من الثالثة إلى الخامسة

(1924 ـ 1929) أنها بمثابة تطور صناعي أحدث تغيراً نوعياً في العمل الاستيطاني، وخاصة الهجرة الخامسة التي أدخلت تغييراً ملموساً على خارطة الاستيطان العبري في نهاية عام 1929، هذا العام الذي شهد أحداثاً دامية في القدس والخليل وصفد ويافا ومناطق أخرى.

 

4ـ النظرة إلى المجاهدين الفلسطينيين والعرب كافة:

ينظر إلى هؤلاء على أنهم مشاغبون، قتلة، عدائيون، وإرهابيون، ففي الصفحات من (109ـ117) شدد المؤلف على تحويل الجهاد والنضال الفلسطيني ضد الصهيونية، والاستيلاء على الأرض والعمل، إلى حالة من حالات الإرهاب والعنف.

كما ورد على الصفحة (109) أن المشاغبين العرب الذين حرضوا على قتل اليهود كانوا قد نجحوا في قتل اليهود الذين لم يستطيعوا الدفاع عن أنفسهم، وكرد على هجماتهم تشكلت مجموعة للدفاع من المهاجرين الطلائعيين اليهود ضد العرب الغزاة، إلا أن الإرهاب العربي ضد الاستيطان العبري استؤنف من جديد.

 

5ـ التحدي بإقامة المستوطنات:

وهذا هو أفضل أساليب الرد على الغزاة الفلسطينيين والعرب، ورد في الصفحة (117): أنه رغم الهجمات التي كان يشنها العرب مع الإرهاب الذي كانت تمارسه بريطانيا (حسب ادعاء الكاتب) أقيمت عشرات المستوطنات على الحدود وفي الداخل، وذلك من أجل حماية (أرض إسرائيل) التي ضمنها وعد بلفور، سيما في الشمال الفلسطيني، أي منذ زمن الهجرة الخامسة عام 1929 وحتى قيام إسرائيل عام 1948، وبالإضافة إلى العلم الذي استخدمه المستوطنون في تطوير مستوطناتهم فقد وُضع على عاتقهم واجب الدفاع عنها، وعشية اندلاع الحرب عام 1948 كان عدد المستوطنات في الشمال (117) مستعمرة ومستوطنة، وقفت في وجه الجيوش العربية التي غزت البلاد وتصدت لها، وبعد إنشاء الدولة تكثفت الهجرة إلى فلسطين، واستوطن اليهود الأراضي التي هجرها العرب الذين هربوا مع الجيوش الغازية خارج الحدود، بعد أن وضعت الحرب أوزارها. والآن بعد أن ضمن الاستيطان أمنه باكتمال السيطرة العسكرية على (أرض إسرائيل) احتل الجيش الإسرائيلي الهضبة السورية بعد تسعة عشر عاماً من قيام إسرائيل، في أعقاب سلسلة من الاعتداءات على مواقع الجيش الإسرائيلي ونقاط تمركزه، فتسببت بحدوث ضحايا وخسائر جسيمة. في هذه الأثناء أقيمت في الجولان عشرات المستوطنات، سكنها حتى هذا التاريخ

(1982م) حوالي تسعة آلاف يهودي مستوطن.

 

6ـ الجولان شأنه كشأن فلسطين في التدمير والتحول الديموغرافي لصالح اليهود بفعل الترانسفير المبرمج:

يتابع أليعازر فيتكين سرده (للعدوان العربي) وردهم عليه بالتدمير وبترحيل أهالي المدن والبلدات الفلسطينية فقد ورد على الصفحات (110ـ

121) قوله: "إن وظيفة المستوطنات حراسة الأرض من الأعداء ضد أي عمل غير مشروع، فقبل حرب عام 1948 كان في الجليل (130) قرية عربية قائمة، هجرت ثلاثون منها بعد أن هرب سكانها مع انسحاب الجيوش العربية الغازية، فدخلت هذه القرى في حوزة (الدولة العبرية) بعد أن صودرت أراضيها وبنيت مستوطنات جديدة على أنقاضها، هذه المستوطنات احتلت دور الدفاع عن أمن الدولة.

 

7ـ الاحتلال الإسرائيلي انتقال من النقمة إلى النعمة:

أجرى اليعازر فيتكين مقارنة بين الماضي العربي لسكان شمال البلاد من غير اليهود (العرب) وبين الحاضر الاحتلالي لليهود، معتبراً أن الاحتلال ما فتئ أن تحول إلى نعمة جلبها معهم اليهود، بعد أن طوروا المنطقة وأدخلوا إليها تحولات حضارية بعد قيام دولتهم، فقد أورد الكاتب الوصف المزري الذي أدلى به شموئيل ديان والد موشيه ديان، عن القرية العربية المتخلفة على حد تعبيره، فقد جاء في الصفحة (120) ما نصه: قال شموئيل ديان أحد مؤسسي مستوطنة (نهلال) الواقعة إلى الغرب من حيفا، أن قرية (معلول) هجرها أهلها.. وكانت هذه القرية بائسة يكتنفها المرض والجهل والفقر، فلذلك كان لابد من إزالتها، ونقل سكانها إلى مواقع أخرى خاضعة للتطور والتحديث، كي ينال سكانها نصيبهم من النعمة الجديدة التي وصلت إلى القرى العربية على يد اليهود.

 

إنها تحولات عربية في مختلف مناحي الحياة في حوض البحر المتوسط تلازمها تصورات صهيونية مهزوزة ومرتبكة حيال العالم العربي، منشؤها الحقد والكراهية الصهيونية، وخلفياتها نظرات ملؤها الدونية وإلصاق صفة التخلف بشعوبه، رغم مظاهر التطور والمعاصرة التي تشهدها هذه الشعوب، إضافة إلى الإصرار على معلومات قديمة، يعود تاريخها في كل بلد إلى سنوات كثيرة خلت.

 

هذه القيم التربوية اليهودية وجدت لها متنفساً وتجسيداً في كتاب "تحولات جذرية في جغرافيا الشرق الأوسط" الذي أقر تدريسه لطلبة المدارس الثانوية العليا والتعليم العالي منذ عام 1948، والكتاب من تأليف البروفيسور "أرنون سوفير" أستاذ الجغرافيا والتربية الوطنية في جامعة حيفا، وقد أعيدت طباعته للمرة الخامسة عام 1995،

 

أما أبرز القيم التي حاول المؤلف إظهارها فهي:

1 ـ الإيحاء بوجوب ضم أراضٍ ومناطق من الأقطار العربية إلى الدولة العبرية بعد قيامها، وأن عدم إلحاقها بها هو إجحاف بحق إسرائيل، ولترسيخ وتعميق هذه المزاعم ورد على الصفحة (189) من هذا الكتاب، أن إمارة شرق الأردن كانت قبل تأسيسها جزءاً من أرض إسرائيل، لكنها في عام 1922 سُلخت منها وأخرجت من نطاق الوطن القومي اليهودي. وفي الصفحة (216) اعتبر المؤلف أن ضم الأراضي العربية إلى الكيان الإسرائيلي هو إحقاق للحقوق التاريخية لليهود، وأنه يجب عدم الإقرار بسلخ الأردن عن إسرائيل الكاملة، واعتبار الأردن كياناً مستقلاً ودولة ذات سيادة، وفي النص الخاص بهذه المقولة الصهيونية جاء على الصفحة المذكورة: "إن هناك بين الإسرائيليين من يؤمنون بأرض الميعاد، وبأرض إسرائيل الكاملة، وبأن نهر الأردن يمر في وسطها ولذلك فهو جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل".

2 ـ اعتبار السيطرة على مصادر المياه العربية في الأقطار العربية المحاذية لها وضمان حصولها على كميات المياه الكافية من الأنهار العربية حق مكتسب، لا يجوز لهذه الأقطار حرمان إسرائيل منه، لأن ذلك سيعمل على تراكم الحالة العدائية بين العرب واليهود، ويؤدي بالتالي إلى اشتعال حرب مياه في المنطقة، ورد على صفحة (255) "أنه منذ قيام دولة إسرائيل أظهرت سوريا تجاهها أشد أنواع العداء، فقد شكلت رأس حربة، في مقاومتها لمشروع المياه القطري الإسرائيلي، وتصديها لتحويل مياه الأردن وإشعال الحرب من أجل السيطرة على مياه رافد نهر دان".

 

3 ـ ترسيخ هاجس العدوان العربي لدى كل حادثة، وعند كل موقع مقابل التسامح الإسرائيلي. ورد في الصفحة (152) أن تقديم الدعم من قبل دول الخليج للأردن ومصر على الصعيدين المالي والعسكري، يشجع هذه الدول على المغامرة العسكرية، ويحولها إلى خطر دائم على إسرائيل. ناهيك عن أن هجرة الفلسطينيين إلى دول الخليج من شأنها أن تقنعهم بالتمسك بالصراع بين إسرائيل والعرب، إضافة إلى تمويل هذه الدول لأعمال وأنشطة الإرهاب المختلفة التي ينوي الفلسطينيون القيام بها.

4 ـ الطبيعة العدوانية للعرب تولد حالة استنفار دائم لدى إسرائيل والصهيونية، وخوفاً مستديماً من قيام العرب بأي عمل من شأنه القضاء على إسرائيل، لذلك فالتحفز واليقظة والحذر حالات ملازمة للإسرائيلي في نظرته إلى العرب والإسلام وموقفه منهما.

 

ورد على الصفحة (151) أن دول الخليج شرعت باستثمار أموال طائلة لرفع وتعظيم شأن الإسلام في سائر أرجاء العالم، مع استغلال قسم من هذه الأموال للصدام مع إسرائيل ومقارعتها، ومكافحة أعمالها والتصدي لها من أجل تعطيل مشاريعها، وقد سهل ذلك وعززه قرب هذه الدول من إسرائيل، بعد أن قصرت المسافة بينها وبين إسرائيل في أعقاب شق طرق كثيرة، وتطور سبل وأساليب المواصلات للوصول إلى حدود إسرائيل بيسر. ولهذا فإن إسرائيل يقظة جداً إزاء تعاظم قوة هذه الدول القادرة على أن تتحول سريعاً إلى قوى معادية لإسرائيل. وعلى الصفحة (152) يقول المؤلف: أن تعاظم قوة دول الخليج اقتصادياً وسياسياً والموجهة ضد إسرائيل، ساهم باتخاذ دول، كانت في السابق صديقة وحيادية تجاه إسرائيل، مواقف سلبية بل ومعادية لها، كالدول الأفريقية التي قطعت علاقاتها بإسرائيل على أمل تقديم العون المالي لها من قبل دول النفط العربية، ولعل برود العلاقات بين اليابان وإسرائيل عائد إلى هذا النشاط.

 

5 ـ شبكات الطرق والمواصلات بين الأقطار العربية المتجاورة، تعتبرها إسرائيل خطراً على كيانها، ووسيلة لتطور الاقتصاد العربي، من خلال السياسة، وبالتالي فهذا شكل من أشكال تعزيز القوة والوحدة العربية في التصدي لإسرائيل. فقد ورد على الصفحة (124) "حتى الطريق المعبد (إيلات ـ شرم الشيخ ـ السويس) الذي بنته إسرائيل بجهدها وبعمل أبنائها الشاق قبل انسحابها من سيناء، تستخدم اليوم محوراً للحركة السياحية في شواطئ خليج إيلات وحركة ملايين المصريين والعرب القادمين من دول الخليج والأردن والعراق باتجاه مصر، هذه المنطقة التي كانت سابقاً مقفرة جرداء في الثمانينات تتحول اليوم إلى منطقة تنبض بالحياة".

 

6 ـ على العرب أن يذكروا إسرائيل بالخير، فاحتلالها لبعض أقطارهم جلب لهم النعمة لا النقمة. وفي موقع آخر من الصفحة (124) يقول المؤلف بأنه "على مصر والإنسان المصري أن يدركا بأنهما مدينان بالفضل لإسرائيل، لشقها هذا الطريق الحيوي الذي يعود بالفائدة على الشعب المصري. وفي الصفحة (217) ورد بأن سياسية الجسور المفتوحة بين الأردن وإسرائيل وقرب الأردن من إسرائيل، ساهم في نشر المعرفة التكنولوجية المنقولة من إسرائيل إلى الأردن، وبخاصة في ميدان التقنية الزراعية.

 

7 ـ التنامي السكاني في أقطار الوطن العربي يشكل خطراً داهماً على إسرائيل. ورد في الصفحتين (124 ـ 125) أن تزايد السكان في مصر وسواها من الأقطار العربية، يشكل عامل عداء بفعل تزايد ظاهرة الصدام والاحتكاك على الحدود، وذلك بالرغم من التوقيع على اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل منذ عام 1979، لذلك فعلى إسرائيل أن تكون يقظة لما يجري في سيناء من إقامة المشاريع الإسكانية، وهذا من شأنه أن يعمق الحقد في العالمين الإسلامي والعربي ويزرع المخاوف والريبة لدى إسرائيل، لأننا نخشى من أن تدير مصر لنا ظهرها وتعود إلى عهد المواجهات والحروب، لأن هذا الترابط بين قيام علاقة مع هذه المناطق في مصر والأردن، من شأنه أن يدعم أواصر الوحدة بين هذين البلدين العربيين، ويشق طريقاً آخر باتجاه السعودية فتعزز العلاقة الأردنية ـ السعودية بينما تبقى (إيلات) وحدها تخوض شكلاً من أشكال العداء والخوف والريبة، وهذا لا يشكل ظاهرة صحية، ولكن خطراً على يهود إسرائيل على المدى البعيد.

 

8 ـ التركيز على وصف "حالة التخلف والجهل" لدى الفلاح العربي في مصر والعراق والأردن وسوريا ومختلف أقطار الوطن العربي في الصفحات "61، 69، 123" وهو تكرار ممجوج وحديث ممل عن الادعاء الإسرائيلي حول تخلف الفلاح العربي لتشويه صورته والتحقير من شأنه.

 

مصر في نظر المؤلف:

ورد على الصفحة (61) ما يلي: "إذا قارنا رسومات المعابد في مصر قبل آلاف السنين مع قطع من التشكيلات والرسومات التي تعود إلى بداية العشرينات والسبعينات والثمانينات من هذا القرن، نجد أنه لم يحدث أي تغير في حياة الفلاح المصري وظروف سكنه، منذ أيام الفراعنة وحتى اليوم. كما ورد في الصفحة (69) "في القرية المصرية ينعدم كل شيء أخضر والتربة فيها جافة ومنهكة. فسكان القرية يعيشون في أكواخ حقيرة مصنوعة من الطين أو في منازل مدهونة باللون الأبيض، وسطوحها مغطاة بالقش وسعف النخيل وعيدان قصب السكر، كما أن أعمال وأشغال الفلاح المصري لا زالت بدائية ولا تختلف كثيراً عن القصص المنقوشة على النصب والمسلات التي تعود إلى عهد الفراعنة منذ 3500ق.م".

وعلى الصفحة 123 جاء: "ما من شك في أن جهداً كبيراً قد بُذل لحل مشكلات القاهرة كي تتحول من مدينة ريفية إلى مدينة متحضرة بالمعنى الحقيقي. إن مستقبل مصر لا يبدو زاهراً وعلى الأمة المصرية أن تبذل جهوداً هائلة لتسير في الطريق الصحيح".

 

الأردن في نظر المؤلف:

استهل المؤلف حديثه عن الأردن بأنها دولة صحراوية حتى مع المساحة المأهولة بالسكان. في الصفحة (172 ـ 177) أراد المؤلف أن يحط من قدر وكرامة الإنسان الأردني والوطن الأردني، ويحمّل مسؤولية بعض جوانب التخلف إلى المواطنين الأردنيين، متجاهلاً خضوعهم للاستعمارين العثماني والبريطاني على مدى أربعة قرون ونصف، منذ عام 1516 ولغاية عام 1948. فقد ورد على الصفحة "173": "كان آخرون يعملون في تهريب السلاح والمخدرات وغزو القبائل الضعيفة، ولكن مع إنشاء الإمارة توقفت أعمال النهب  واللصوصية والأخذ بالثأر". وفي مقارنة بين وضع الأردن قبل عدوان حزيران وبعده عام 1967، جاء في موقع آخر من الصفحة ذاتها "أن السبب في حصول الأضرار التي لحقت بالمرافق السياحية في الأردن يعود إلى مشاركة الأردن في حرب الأيام الستة (عدوان حزيران) بينما يعود ازدهارها إلى التوصل لاتفاقية مع إسرائيل". دون أن يحدد نوع الاتفاق الذي تم التوصل إليه بينهما، وقد جاء ذلك ضمن جمل اعتراضية يسوقها الكاتب عرضاً. وعلى الصفحة

186 عزا المؤلف التقدم الزراعي في الأردن إلى سياسية الجسور المفتوحة التي انتهجتها إسرائيل، فقد ورد في هذه الصفحة: "أن قرب الأردن من إسرائيل ساعد في نقل المعرفة التكنولوجية من إسرائيل إلى الأردن، وبخاصة في مجال الزراعة، وأضاف المؤلف في الصفحتين 185، 186 "أنه لا توجد دولة في المنطقة يمكنها أن تستفيد وتجني أرباحاً كالأردن في حال تحقيق السلام مع إسرائيل". [ملاحظة: ما الذي جناه الأردن بعد سنوات من اتفاقية السلام مع إسرائيل، المحرر].

 

الأردن في الفكر السياسي الإسرائيلي:

تحت عنوان مدخل إلى تكوين الدولة الأردنية وتعيين حدودها، أورد المؤلف في الصفحة (163) "إن إمارة شرق الأردن في بداية تأسيسها كانت جزءاً لا يتجزأ من (أرض إسرائيل) لكنها في عام 1924 أخرجت وفصلت عن المنطقة التي حددت كوطن قومي لليهود في فلسطين". وعلى الصفحة (164) قال المؤلف أن حرب عام 1948 منحت فرصة للملك عبد الله لتحقيق أهدافه، فقد غزا جيشه أرض إسرائيل الغربية، ودخل أجزاء منها تُعرف باسم الضفة الغربية مع القطاع الشرقي من القدس.

أما بالنسبة للمعطيات السكانية وتطورها في الأردن، فقد عمد المؤلف إلى تجاهل الأسباب الحقيقية والجوهرية وراء الزيادة السكانية المتنامية في هذا القطر العربي، والتي من أبرز أسبابها التهجير القسري للفلسطينيين أثناء الحروب العدوانية الإسرائيلية، والعمليات الإرهابية قبل وبعد قيام إسرائيل، وما نشاهده الآن يذكرنا بما جرى في حرب 1948 التي اتفق على تسميتها عربياً ودولياً بالنكبة الفلسطينية، وما تبع ذلك بعد تسعة عشر عاماً من جراء عدوان حزيران عام 1967 وتبعاتهما الخطيرة، وانعكاساتهما على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والديموغرافية في الأردن، إلا أن المؤلف سرعان ما يقع في التناقض الفاضح، فقد ورد في الصفحة 170 ـ 171: "أن السبب في الزيادة الطبيعية للسكان في الأردن وفقاً للتقديرات الإحصائية على مدى ست سنوات من 1975 ـ 1981م التي وصلت نسبتها إلى 7,85% عائد إلى مضاعفة هجرة سكان قطاع غزة إلى الأردن بمقدار (30) ألفاً سنوياً. والأمر ذاته ينطبق على سكان الضفة الغربية الذين يتدفقون إلى الضفة الشرقية بشكل متواصل".

 

سوريا في نظر المؤلف:

تحت عنوان "سوريا دولة ذات متغيرات إقليمية" نلمس تكرار نظرة الإسفاف والتحقير حيال سوريا، شأنها شأن أي قطر عربي آخر، مع اعتبار الفتح العربي ـ الإسلامي لأي بلد عربي احتلالاً، حيث أن سوريا وقعت فريسة لهذا الاحتلال.

ورد في الصفحة 198 "أن الاحتلال العربي جلب معه لمدينة دمشق طرازاً عربياً مسلماً، حافظ على نمطه ما يزيد على أكثر من ألف عام، وكذلك منذ العهد العثماني إلى الآن. ونتيجة لذلك تسود دمشق ظاهرتا الفقر والعوز".

وعلى الصفحة 204 أورد المؤلف: "أن سوريا تشهد هذه الأيام حالات من الفقر والجهل والتخلف في المجال الزراعي، أما على الصعيد الصناعي فهي ضعيفة جداً، وشبكة مواصلاتها قديمة تحول دون إحراز أي تقدم أو تطور في سائر أنحاء الدولة.

 

المزاعم عن الطائفية في القطر السوري:

اعتبر المؤلف المجتمع العربي السوري مجرد تجمع سكاني طائفي موزع بين الطوائف العرقية والاتجاهات الفكرية المتناقضة. فقد ورد على الصفحة

195: "تعيش في سوريا طوائف عرقية متعددة الجنسيات، ولكل طائفة مركز تجمع سكاني، فالعلويون يتمركزون في جبال النصيرية، والدروز يتمركزون في جبل الدروز (العرب)، والأكراد في شمال شرق سوريا، والبدو يقيمون في الصحراء وبواديها، بينما تمركزت سائر فئات الشعب الأخرى حول المدن المركزية الكبرى، وفي ضوء هذا التقسيم الغريب فإن كل مدينة سورية شكلت لها طابعاً خاصاً يختلف عن سائر المدن الأخرى".

 

سوريا والعروبة والإسلام:

في الحديث عن علاقة العرب بسوريا يعتبر المؤلف الفتح العربي الإسلامي احتلالاً، فقد ورد في الصفحة 198: "أن الاحتلال العربي أعطى المدينة السورية طابعاً عربياً وإسلامياً متميزاً، ونتيجة لهذا الطابع العدواني برز في سوريا موقفان معاديان، أولاً تجاه تركيا وثانياً تجاه إسرائيل"، فقد أورد المؤلف على الصفحة 106 وصفاً لهذين الموقفين: أولاً أنها كانت وراء النزاع مع تركيا منذ عام 1939، وثانياً كانت سوريا هي المبادرة إلى العدوان على إسرائيل منذ الخمسينات، وأنها كانت السبب في شن حربي حزيران عام 1967 وتشرين عام 1973. أما بالنسبة للرئيس الراحل حافظ الأسد فهي تعتبره، كما ورد في هذه الصفحة 106 مجرد ضابط ينتمي إلى طائفة العلويين.

 

دول الخليج العربي والمدن العربية المطلة على البحر الأحمر:

يعتبر البروفيسور "أرنون سوفير" إهمال إسرائيل وتجاوزها في المنطقة العربية الواسعة الأرجاء المطلة على الخليج العربي والبحر الأحمر، أمراً في غاية الخطورة، لأنه لا يسمح لها بإنشاء أو تكوين أي علاقة مع دول شبه الجزيرة العربية، الثرية بمواردها وثرواتها البترولية، وبسكانها الذين يتنامى عددهم يوماً بعد يوم، وبشكل ملفت للنظر بحيث تشكل هذه المنطقة سوقاً استهلاكية ضخمة يمكن استغلالها من قبل الشركات والمؤسسات الصناعية الإسرائيلية ذات التنوع في الإنتاج الصناعي، بعد أن أصبحت تتراجع تسويقياً في كل من أوروبا وآسيا وأفريقيا، رغم قرب إسرائيل من المنطقة ووجود موانئ لها على البحر الأحمر والمتوسط، وشعورها بإمكانية إنشاء علاقات اقتصادية متميزة مع دول هذه المنطقة، أضف إلى ذلك تنامى الشعور الإسلامي لدى شعوب هذه الدول التي ترفض أي تفاهم مع إسرائيل، مادامت تصر على مواصلة العداء للأمتين العربية والإسلامية وبخاصة للشعب الفلسطيني، ولعل أشد علامات التخوف والريبة من قبل إسرائيل ناجم عن التطور الديموغرافي للمدن العربية المطلة على البحر الأحمر التي تبني فيما بينها علاقات متينة من حسن الجوار والأخوة العربية ـ الإسلامية، وهي كلها تشكل في نظر البروفيسور (سوفير) خطراً مباشراً على إسرائيل، فقد ورد في الصفحتين

(124 و125): "تواجه إسرائيل خطر تجاوزها وإهمالها في هذه المنطقة التي تشمل القطاع الشرقي من مصر بما فيه مدنها وتجمعاتها السكانية على البحر الأحمر، مثل منطقة نويبع وطابا والعريش وشرم الشيخ، ومدينة العقبة الأردنية التي تعتبر الميناء الأنشط في أقصى شمال البحر الأحمر، ثم مدينة حقل السعودية التي تقع على الحدود الأردنية السعودية، مقابل "مدينة إيلات" الإسرائيلية التي ينظر إليها على أنها مدينة منبوذة نتيجة للعلاقات المتردية مع إسرائيل، وعدم وصول إسرائيل إلى سلم دائم ومقنع يرضى به الفلسطينيون والعرب والمسلمون.

 

أما بالنسبة لنظرة إسرائيل إلى دول الخليج، فإن الدولة العبرية ما تزال مصرة على تسمية هذا الخليج بالفارسي متناسية أن كل الدول القائمة على شواطئ هذا الخليج هي دول عربية، وكذلك الحال بالنسبة للدول العربية القائمة على البحر الأحمر، مثل جمهورية اليمن والمملكة العربية السعودية (التي تمتد حدودها من باب المندب إلى الحدود الأردنية ـ المصرية والفلسطينية عند أم الرشراش). مما حدا بإسرائيل أن تبقى على اتصال مباشر أو غير مباشر بالأحداث التي تجري في هذا الخليج منذ اكتشاف النفط، رغم أن إسرائيل لم تكن قد أقيمت بعد كنظام سياسي، وحتى بعد نشوئها عام 1948 لم تستطع إسرائيل إقامة علاقات من أي نوع مع هذه الدول، وكذلك مع العراق، فقطعت أنابيب البترول الممتدة من السعودية إلى ميناء حيفا التي كانت تعرف اختصاراً بالتابلاين منذ تشغيلها عام 1946، كذلك دمرت وقطعت أنابيب النفط العراقي الممتدة من كركوك إلى ميناء حيفا، كما قامت إسرائيل بضرب أنابيب النفط التي تنقل البترول العراقي عبر قناة السويس عام 1956، وكررت هذه العمليات التدميرية منذ عام 1967 سبع مرات متتالية.

 

لقد أدركت إسرائيل أهمية قرب المسافة بينها وبين دول الخليج، خاصة بعد أن عُبّدت الطرق وشُقّت لربط البلدان العربية ذات الأهمية الاستراتيجية ببعضها البعض سيما تلك التي تحد إسرائيل.

 

ويتابع أرنون سوفير معبراً عن تخوفه بقوله: "أن ما يهم إسرائيل ويشغل بالها تعاظم قوة دول الخليج اقتصادياً وعسكرياً، لأن ذلك سيوجه مستقبلاً ضد إسرائيل، فعلى سبيل المثال وقف ضخ النفط في أعقاب حرب تشرين عام 1973 أثّر تأثيراً مباشراً وقوياً على إسرائيل، وحتى إبّان حرب الخليج عام 1991 وقبلها ألقى العراق بتهديداته ضد إسرائيل، وأطلق عبرها أربعين صاروخاً تحمل رؤوساً متفجرة، ألحقت أضراراً بالسكان وبعض المنشآت وخاصة في منطقتي تل أبيب وحيفا".

وبالنسبة للمساعدات فإن دول الخليج تقدم معونات مالية للأردن وسوريا ومصر لدعمها اقتصادياً، وتجهيزها عسكرياً، وهذا بدوره يشكل خطراً على إسرائيل.

إن غزارة النفط وعائداته من الأموال الضخمة قد تقنع بعض القادة المعنيين في هذه الدول بأن الحرب لا تكلف أموالاً طائلة بل ضئيلة، وأن بالإمكان القيام بمغامرات عسكرية كالتي حصلت في السابق، وأن تدفق الفلسطينيين على هذا النحو الهائل للعمل في دول الخليج يدل على مدى اهتمام هذه الدول بالصراع العربي ـ الإسرائيلي.

 

تأثير دول الخليج في مستوى علاقات دول العالم بإسرائيل:

يذهب "أرنون سوفير" إلى أن تعلق العالم الغربي وارتباطه بالسياسة البترولية العربية لدول الخليج، يمنح هذه الدول قوة سياسية واقتصادية كبيرة، تصل إلى مستوى القدرة على ممارسة الضغط، فقد ورد على الصفحات من

188 ولغاية ص217 من كتابه المشار إليه آنفاً "تحولات جذرية في جغرافية الشرق الأوسط": "أن هذه القوة العربية الموجهة ضد إسرائيل بإمكانها أن تجبر الدول الصديقة والحيادية على اتخاذ موقف سلبي ضد إسرائيل. مثال ذلك نموذج علاقات الدول الأفريقية التي كانت قائمة على ضمان تقديم الدعم المالي لها من جانب دول الخليج. ثم نموذج العلاقات الفاترة بين إسرائيل واليابان التي كان سببها الروابط القوية لليابان باستيراد النفط العربي بشكل دائم وقوي".

 

السعودية إنفاق على الأنشطة الدينية الإسلامية:

عن المملكة السعودية ومكانتها بالنسبة للإسلام، يقول أرنون سوفير: "أن السعودية تنفق على الوعظ والإرشاد الإسلامي أموالاً طائلة من شأنها تحقيق إنجازات كبيرة على صعيد اليقظة الإسلامية التي أخذت تتعاظم في كل مكان، وفي سائر الدول المجاورة والمحيطة بإسرائيل وفي إسرائيل ذاتها".

أما بالنسبة لتركيا فقد ورد على الصفحة 188: "أنه من الصعب التوقع أو إدراك طبيعة العلاقات المستقبلية بين إسرائيل وتركيا، بسبب توجه الشعب التركي في الآونة الأخيرة نحو التمسك بالإسلام، ونتيجة لتعزيز مبادئ وتعاليم العقيدة الإسلامية لدى الشعب التركي، فإن الأتراك سيتعاظم دعمهم وتأييدهم ومن ثم ميلهم لتبني المصالح الإسلامية".

 

الأقطار العربية "أطواق" خانقة:

اعتبر البروفيسور أرنون سوفير الدول العربية كافة بأنها معادية لإسرائيل، وفي المقابل وصف إسرائيل بأنها الدولة الوحيدة المحرومة من الإمكانات والقدرات والفرص المتوفرة، لذلك ليس غريباً أن ينعت الدول العربية بأسرها بأنها "دول طوق" ويصنفها في ضوء ذلك إلى صنفين من حيث قربها وبعدها عن إسرائيل. ورد على الصفحة 309 من كتاب (تحولات جغرافية في الشرق الأوسط): "أننا في إسرائيل معنيون تماماً بما يجري في البلدان العربية المحيطة بنا مباشرة، وتلك البلدان التي نطلق عليها مصطلح الطوق الثاني، وهي الأقطار المجاورة لجيراننا دول الطوق الأول، وهي تعاني من شح المياه والزيادة السكانية الهائلة، ووقوعها في مناطق مشرفة على الصحاري، بالنسبة لدول الطوق الثاني يهمنا جداً أن نعي حقيقة تطلعاتها وآمالها المستقبلية، ومجريات الأحداث فيها، وانعكاساتها عليها كي ندرك مدى تأثير ذلك على إسرائيل، ومن أهم ما يشغلنا في هذه الدول مشاريع الطرق والمواصلات وتسهيلات العبور والترانزيت فيما بينها، وما يتوفر لديها من مشاريع للمياه، وثرواتها البترولية وتصدير منتوجاتها وعائداتها منه، وكيفية الإنفاق على أبناء هذه الدول من هذه العائدات، مع التركيز على معرفة المد الإسلامي فيها وأثره عليها والنزاعات القائمة فيما بينها".

 

ورد في الصفحة (310): "أن تفاقم المشكلة السكانية في دول الطوق الأول والثاني عائد إلى تنامي الفكر الإسلامي وانتشاره بشكل هائل. وهي ظاهرة ليست مؤقتة، بل أن خطرها يتعاظم ويتفاقم يوماً بعد يوم، مهددة المستقبل السياسي لدول المنطقة، وهذا التهديد ناجم عن تفشي ظاهرة المجاعة وشح المياه بشكل ملحوظ، وانهيار النظم القديمة العامة في بناء المدن ومشاريع الإسكان التي لم تقو على الحد من هذه الزيادة التي شكلت ظاهرة مرعبة، قد تؤدي ببعض الدول إلى القيام بأعمال يائسة لإيجاد مصادر مياه جديدة في البلدان المجاورة، أو الانجرار نحو السحر الذي لا طائل منه للإسلام المتطرف".

 

في الصفحة 316 فيما يخص الإسلام وأبعاده وتأثيره تحديداً يقول المؤلف: "لقد نوهنا في هذا الكتاب، مرات عدة، بأن مظاهر الإحباط والفقر والفشل في ميادين التطوير، من شأنها أن تشكل مجتمعة قائمة، بل وصفة مؤكدة لليقظة الإسلامية المتطرفة، حيث تلقى هذه الصحوة تربة خصبة بسبب أعراض التخلف والإحباط والمرارة واليأس السائدة والتي من شأنها، في هذه الأيام، وفي ظل هذه الظروف، أن تثير هبة إسلامية خطيرة، ذلك أن إسرائيل لن تسلم من تأثير هذا التيار، فالموجة الإسلامية تجتاح وتكتسح السكان العرب في إسرائيل، والحركات الإسلامية في مصر والأردن وإيران والعراق وتركيا والجزائر والسودان وفي دول أخرى لها تأثير سريع ومباشر، بل وشديد على ما يجري على طول حدودنا وفي داخل إسرائيل، ويبدو أننا نشهد نهاية مرحلة نضطر معها جميعاً أن ننشغل بهذه اليقظة الإسلامية المتطرفة بتياراتها وأنشطتها، نحاربها بعنف أو نجد سبيلاً للتصدي لها".

 

 

الفصل الرابع القيم التربوية الصهيونية

 

من يطّلع على منهاج التربية في المدارس الإسرائيلية في سائر المراحل الدراسية، تتكون لديه فكرة راسخة بأن هذه التربية تقوم على روح العسكرة والالتحاق بالجيش وإعداد الطفل منذ نعومة أظفاره ليصبح مقاتلاً بروح اسبارطية. هذه الروح التي سادت إسرائيل منذ قيامها عام 1948، فتغلغلت في سائر الأجهزة الرسمية والشعبية الإسرائيلية، ضمن محاولة لخلق "الإسرائيلي الجديد" أي الإسرائيلي ـ اليهودي الذي خرج منتصراً في حربه ضد سبعة جيوش عربية، فعاد ليقيم دولته بعد ألفي عام، وهذا جزء لا يتجزأ من الادعاءات التي تحمل الطابع الأسطوري.

 

وقد اشتدت هذه الروح بعد عدوان حزيران 1967 بعد أن تمكنت القوات الإسرائيلية من احتلال عشرات الآلاف من الكيلومترات المربعة من مساحات الوطن العربي في سوريا ومصر والأردن ولبنان وفلسطين، مما مكّن الجنرالات العسكريين من الانتقال إلى الحياة السياسية، واحتلال مناصب ومواقع عليا في قمة الحكم، ليكونوا فيما بعد النخبة الحاكمة "الايليت" (Elite) القادرة على توظيف هذا النصر وتوجيهه لصالح التربية الصهيونية، خاصة بعد أن لمعت أسماء هؤلاء القادة العسكريين، وأصبحوا في نظر الناشئة اليهود نماذج بطولية وأنماطاً يُحتذى بها في كل زمان ومكان، على طريق تحقيق أسمى الأهداف الصهيونية وأكثرها إغراءً وإشباعاً للطموح الصهيوني المتجذر في أذهان أبناء ذلك الجيل والأجيال التالية، ومن هذه النماذج برزت أسماء اسحق رابين، وعيزرا وايزمان، وإيهود باراك وأرئيل شارون، والآخرين الذين سبقوهم إلى الموت من أمثال موشيه ديان ويغال آلون ويسرائيل جليلي ورحبعام زئيفي، بناة العسكرتاريا اليهودية ورواد الاستيطان المسلح على أرض فلسطين.

 

جاء في صحيفة هآرتس الصادرة يوم 30/5/2001 أن مؤسستين أكاديميتين إسرائيليتين بادرتا إلى دراسة ما آلت إليه التربية الإسرائيلية عبر

(53) عاماً، والنتائج التي انعكست على المسيرة الإسرائيلية الداخلية، ثم على العلاقات العربية الإسرائيلية، خلال السنوات التي أعقبت مؤتمر مدريد واتفاقيات أوسلو 1993. لمعرفة الانعكاسات التي تركتها هذه الاتفاقيات على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية، باعتبارها المؤشر والميزان الحقيقي والعملي المنظور لهذه العلاقات التي ما تزال تمارس في إطار من العداء الصارخ والحقد والعنف والصدام الدامي الذي لا يتوقف عند حد.

 

ولدى بحث هذه النتائج في يومين دراسيين، حمل الأول منهما عنوان "اليوم التالي" وحمل الثاني عنوان "العسكرة والتربية، نظرة نقدية": خلصت الكاتبة "ارنا كازين" إلى إعداد تقرير نشرت صحيفة هآرتس ملخصاً لـه، وإشارات فيه إلى الملامح العامة للتربية الإسرائيلية المبنية على روح العسكرة، منذ مرحلة الحضانة التي يبدأها الطفل الإسرائيلي، تقول الباحثة: "في الواقع ليس هناك أي غرابة في القرارات الأخيرة التي اتخذتها وزيرة المعارف في حكومة شارون ربيبة الليكود المدللة "ليمور ليفنات"؛ فهي تنسجم والرياح التي تهب منذ سنوات في هذه المؤسسة التي تصنع التربية الإسرائيلية، وتصيغها لتلائم تعاليم جابوتنسكي ويوسف ترومبلدور ومناحيم بيغن ومنظمة بيتار. لقد ألغت ما بعد الصهيونية الذي يعرف بالإنجليزية "Zionism Post" بحيث ردت على ذلك بإقرار تدريس موضوع جديد أشد عنصرية تحت عنوان (تراث إسرائيل) لتطبق بذلك توصيات لجنة "شنهار" التي أوصت بتوسيع الدراسات اليهودية، كما أمرت هذه الوزيرة برفع العلم الإسرائيلي على جميع المدارس. هذا التوجه ليس سوى استمرار طبيعي للتوجه القديم القائم على تولي جهاز التعليم نشر قيم الجيش، وليس قيم الديمقراطية".

 

وتضيف أرنا كازين: "إن السّلام سيأتي كما تقول الأغنية: لا تقولوا أن هذا اليوم سيأتي، بل عجلوا بمجيء هذا اليوم (مقطع من أغنية السلام الإسرائيلية)، أي بدون التربية على الديمقراطية فلن ينشأ في إسرائيل جيل ناضج ومستعد لقبول السلام.

 

وفي اليوم الدراسي حول "العسكرة والتربية: نظرية نقدية" الذي عقد في الجامعة العبرية ومعهد الكيبوتسات 30/5/2001 عاد الباحثون ليؤكدوا من جديد أن جهاز التعليم الإسرائيلي لا يخلو فقط من التربية على المواطنة والديمقراطية، وإنما تقوم المدارس بالتربية على العسكرة، إن التصعيد في الصراع مع الفلسطينيين وتقبل المواطنين الإسرائيليين لهذا التصعيد دون مقاومة، هو نتيجة لهذه التربية.

 

تقول الباحثة "حاجيت غور زئيف" من مركز التربية النقدية في معهد الكيبوتسات: "أن التربية على العسكرة تتم بأساليب مختلفة، ففي يوم الاستقلال يتسلق بل يتعمشق أطفال الروضات على الدبابات، ويزينون روضاتهم بأعلام وحدات الجيش الإسرائيلي، بدلاً من الاحتفال بقيم الديمقراطية والمساواة والسلم. وحتى في الأعياد الأخرى الدينية فإن ما ينقل إلى الطلبة، في الغالب هو المفاهيم والقيم العسكرية. فدائماً هناك تمييز بين: "نحن وهم"، الطيبون والأشرار "نحن وهم" أي: الغير، وهم دائماً الأشرار. فمثلاً: في عيد الحانوكا (الأنوار) يصور الآخرون بأنهم أشرار ونحن (اليهود) الطيبون، وهكذا المصريون الفراعنة في عيد الفصح، والعرب في عيد الاستقلال، والرومان في عيد العنصرة. ويتجاهل جهاز التعليم معاني الثقافة والديمقراطية المفترض تعميمها في هذه الأعياد".

 

وتضيف غور زئيف: أن كل المعاني الديمقراطية تغيب عن برامج التعليم بسبب التأكيد على تطبيق قاعدة "نحن وهم" ـ الأغيار ـ الغوييم، لا يتعلم الطلبة التمييز بين مركبات هذه الشخصية الأسطورية، هل كان مردخاي طبيباً (مردخاي شخصية يهودية أنقذت اليهود من بطش الملك بواسطة الحيلة. في قصة البوريم/ عيد المساخر) هل حافظ على يهوديته مقابل المس بالآخرين؟ وهل استعملت استير (فتاة يهودية في القصة) أنوثتها من أجل النجاة، ويمكن هنا التحدث مع الطلاب عن مدى استعمال النساء لأنوثتهن في حالات كهذه وغيرها.

 

بين الحين والآخر يقرأ الطلاب أسئلة موضوعها الجيش، تظهر حتى في كتب الرياضيات، ففي كتاب الرياضيات للصف الخامس من تأليف مردخاي فاسوشتروم ورد السؤال التالي: "من بين 6340 جندياً متدرباً، طلب 2070 جندياً الانضمام إلى وحدة المظليين، و1745 انضموا إلى سلاح المشاة، كم بقي من الجنود؟

يؤخذ الطلبة لمشاهدة معارض فنية لتخليد ذكرى الجنود الإسرائيليين (ياد لبنيم) وهناك يكتشفون الرابط والعلاقة بين الفن وبين الجيش. وتقول الباحثة فيرد شومرون: "أن هذه الطريقة تجند الفن من أجل التغطية المؤسساتية على بشاعة الحرب وويلاتها، وخارج المدرسة يطّلع الطلاب على إعلانات تجارية لشركة (تنوفا) للأغذية تعظم الجيش، مثل إعلان الجبن: 50% لوحدة المظليين 50% لوحدة جولاني، و100% للعائلة) وفي برامج الإذاعة الصباحية تجري مقابلات مع رجال الجيش كخبراء في شؤون الصراع، وفي الكنيست والحكومة يرون جنرالات متقاعدين فقط أو رجال دين يقررون مصيرهم.

 

وتذهب الباحثة "ريلي مزالي" في عرضها لروح التربية على العسكرة إلى القول: "يدخل الجنود إلى الصفوف ويتحدثون أمام الطلبة عن فظائع الجيش الإسرائيلي، دون أن يشير ذلك إلى أي تحفظ لدى الأهالي. وتعقب غورزئيف قائلة: "في جهاز التعليم يبحثون في سائر المواضيع، مناهج التعليم، أساليب التدريس تخصيص ميزانيات، ولكن هناك صمت تام عن العلاقة بين المدرسة والجيش، في جهاز التعليم هناك ظواهر عديدة يمكن اعتبارها بسهولة مظاهر لنظام مناهض للديمقراطية لو أننا سمعنا أنها قائمة في دول أخرى".

 

إحدى الظواهر البارزة في هذا السياق هي تسلم ضباط كبار في الجيش مناصب ووظائف إدارية في المدارس، بعد إنهائهم خدمتهم العسكرية. كذلك تحول وزارة المعارف مشروع "تسافتا" الذي يؤهل ضباطاً متقاعدين من الجيش وجهاز المخابرات (الشاباك) للعمل كمربين (يتم تدريبهم في معهد بيت بيرل)، وقد تخرج منه حتى الآن أكثر من (300) ضابط يحملون الشهادات الجامعية الأولى، وفي السنوات الأربع عشرة الأخيرة تم إلحاقهم بمدارس مختلفة في جميع أنحاء إسرائيل. بعضهم درس مدة سنة واحدة فقط للحصول على إذن للتدريس، وهؤلاء كانوا يزورون المدارس يومين فقط قبل أن يتم تعيينهم، في وظائف إدارية. البعض منهم عينوا معلمين، وآخرون درسوا سنة إضافية، وعينوا في وظائف تربوية، ومنهم أيضاً من تولى مناصب كبيرة في جهاز التربية دون أي تدريب أو إعداد، مثل رون خولدائي، (رئيس بلدية تل أبيب في حينه، وقبلها مدير جمناسيا هرتسليا) ودور ألوني. وتساءلت الخبيرة التربوية الدكتورة "هنرييت دهان كيليب" من جامعة تل أبيب، عما إذا كان هذا الخلط بين الجيش والتربية يخدم التربية أم يعطلها... ويشوه مسارها؟

وتحدثت الدكتورة كيليب عن تجربتها الشخصية كأم لطفل يدرس في إحدى مدارس بئر السبع، فقالت: "أن أولياء أمور الطلاب يبحثون عن النظام والطاعة في المدرسة، يبحثون عن رجل قوي يفرض سيطرته، لأن النظام التعليمي في حالة انهيار، ويزداد العنف، وليس هناك أي تفكير إبداعي بحلول الديموقراطية: أي أن جلب ضباط الجيش إلى المدارس يرتبط بموضوع العنف في المجتمع الإسرائيلي، وضعف جهاز التعليم في التربية وتنشئة الأطفال على النفور من الديمقراطية" بل الاستخفاف بها".

 

 

الفصل الخامس أدبيات الأطفال اليهود

 

أولاً: أدب الطفولة في مناهج التعليم الرسمية

ذكرنا فيما سبق أن ثلاثة خبراء من التربية الإسرائيلية تابعوا بشكل متواصل كل ما يصدر عن أدب الطفولة شعبياً ورسمياً، وهم الكاتبة الصحفية نيلي مندلر منذ عام 1982، والدكتور دانئيل برطال المحاضر في جامعة حيفا، والدكتور اديركوهين وهو أستاذ خبير في جامعة حيفا متخصص بشؤون التربية، واشتهر بكتابه (وجوه قبيحة في المرآة) عن أدب الطفولة، وإذا كنا قد اخترنا نماذج من أدب الطفولة الشعبي، فإن ما يكتب ويوضع كمقررات في الكتب المنهجية الدراسية الرسمية لا يقل خطورة عن الآثار السلبية العنصرية المتجذرة في الأدب الشعبي. وهكذا يمكننا أن نقول أن مؤلفي الكتب المدرسية في وزارة المعارف والثقافة ومنذ قيام الكيان الإسرائيلي حتى الآن، اعتقدوا أن النظر للمواطنين العرب بموضوعية وربطهم بعجلة التوجيه التربوي، واستئصال روح المقاومة والجهاد العربي ضد الصهيونية وإسرائيل، أمر من شأنه أن يمس بمناعة الجيل الصاعد، لذلك تجاهلوا هذه القضية المعقدة، لأنهم لم يعرفوا كيف يواجهونها، وخاصة في الصفوف الدنيا. وفي نظري فإن هذا التجاهل يعتبر موقفاً ثابتاً اتخذته سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ أمد بعيد، أما الكتب العبرية التي قام بفحصها ودراستها الدكتور (بارطال) فهي في غالبيتها منتقاة من سلسلة "قراءات إسرائيل" التي تدرس في الصفوف، من الأول إلى الثامن، إضافة إلى فحص وتحليل كتب الأدب والتاريخ والمدنيات. ونورد هنا على سبيل المثال أمثلة من الكتب المنهجية الرسمية التي تطال ذلك، وفقاً لتحليلات الدكتور (دانئيل برطال). انتصرنا على العدو "من قصة حاييم هزار" قراءات أرض إسرائيل للصف الثامن ـ تأليف ناتان بريسكي لعام 1979. "إنهم متعجرفون، وشريرون، وأنذال"... نحن لسنا شعب حرب... لم نحتل مصر ولا آشور ولا بابل، ولا جبل لبنان القريب منا جداً، والذي رغب في احتلاله واضع سفر نشيد الإنشاد وشعراء سفر"المزامير" من أسفار التوراة.

 

وفي كتاب قراءات إسرائيل للصف الثالث لعام 1971، وردت عبارة على الصفحة 332 تشير إلى أسلوب الطرد والترحيل الذي تم بحق آلاف الفلسطينيين، فقد جاء في هذه الصفحة: "هربوا عبر سبع طرق وجثوا، وسقطوا، وتملصوا، مضروبين بشكل موجع وهكذا تفرق المتعجرفون".

 

وفي قصة "في الماء وفي النار" لأحد الخبراء التربويين العاملين في وزارة المعارف والثقافة ضمن كتاب "قراءات إسرائيل" للصف الرابع عام 1979، وهي قصة تدور حول صبي يبلغ من العمر 12 عاماً تطوع في ما يسمى حرب التحرير لجلب المياه للمقاتلين اليهود المحاصرين في القدس، يمسك به العرب ويضعون المتفجرات في وعاء الماء ويرسلونه إلى اليهود المحاصرين، ويداه مربوطتان وراء ظهره، ووعاؤه ملتصق بجسده، ومع سماع صدى الانفجار ترتفع من موقع المقاتلين العرب "ضحكات هستيرية، وقبل موت هذا الصبي بيوم، قتل صبي آخر حاول مساعدة المحاصرين، أما عن وصفه للعرب فلم ينس اليعازر شموئيلي أن يصف العرب بأنهم شريرون وأنذال.

وفي قصة (جيوش العدو) لـ"يتسحاق سديه" وهو من أبرز قادة الإرهاب اليهودي في عهد الانتداب البريطاني، تدرس ضمن قراءات إسرائيل للصف الرابع، يقول المؤلف: "تقدم العرب بدون مقاومة، من قرية عربية إلى أخرى، لكن هذا الأمر لم يمنعهم من الإعلان عن انتصاراتهم"، "جيشنا العظيم دخل بئر السبع، واحتل جنين، وحداتنا استولت على اللد والرملة، وهكذا أخفوا عن شعبهم وعن سبق إصرار، أن كل هذه الأماكن كانت قرى عربية، ولم تكن هناك حاجة لاحتلالها، ولذلك كانت انتصاراتهم بلا جدوى ووهمية بغالبيتها، وأن الانتكاسات التي مُنوا بها في هجومهم على المواقع اليهودية كانت شديدة جداً في وقعها عليهم".

 

وأما القادة العرب الذين كانوا واثقين من النصر علينا، خلال أسبوع أو أسبوعين، فقد فوجئوا لانتكاستهم... لأن هناك فرقاً بين جندي يعرف لماذا يخرج للقتال، رُبّي وترعرع على خدمة الشعب والوطن، وبين جندي آخر خرج للقتال لأنهم حمّلوه بندقية وألبسوه بزة عسكرية وأرسلوه إلى ساحة القتال، بناء على أوامر صارمة، وليس بدافع وطني، وهكذا فإن الجندي المصري برأي القادة المصريين لا ينبغي لـه أن يفكر، وجواب الجنود الوحيد لضباطهم دائماً هو: نعم سيدي!!!

 

تربية إنسانية أم عملية غسيل للدماغ:

يقول الدكتور "دانئيل برطال" معلقاً على قصة الصبي الذي يبلغ من العمر (12) عاماً: "أن هذا الذي يجري ليس تعليمات، بل تلقين لتربية لا إنسانية يصل إلى مرحلة التبهم التي تتم ضمن عملية غسيل دماغ من أجل كره العرب، حتى وإن كان عرض هذه الأمثلة القاسية غير الإنسانية قد تم عن غير قصد، فإن لذلك المفهوم الذي طرحه (اليعازر شموئيلي)  في كتاب قراءات (مطالعات) إسرائيل للصف الرابع على الصفحة 373، والقضية التي بطلها صبي يبلغ الثانية عشرة، جوانب مرعبة ومخيفة لا يمكن تجاهلها إضافة إلى الأحكام التي سيعممها هذا الطالب فيما بعد على كل العرب بلا استثناء".

 

إن عرض العرب بصورة سلبية، وتجاهل نواة الصراع اليهودي العرقي وبؤره، يبرز دائماً بشكل أكثر وضوحاً، لأن العنصر الرئيس في المادة التعليمية الخاصة بالحروب التي تخوضها إسرائيل مع العرب، هو إبراز بطولاتنا "الإسرائيليين" في هذه الحروب واستعدادنا للتضحية. إن اختيار مواد التعليم والانسجام الذي تؤمنه لهذا الدافع أو ذلك يكمن فيهما مغزىً معين.

 

وفي نموذج آخر للكاتب موشيه شمير في قصته "إليك" من كتاب مطالعات الصف الثامن تحت شعار "ذهبت إلى وسط النار، لأن الحياة هكذا عندنا" نلحظ أسلوباً أشد تحريضاً في عملية غسل الأدمغة، حيث يقول "شمير": "لم يرغب في حياة أخرى، لأنه هكذا هي الحياة، وإذا لم يعد أحدنا ـ هكذا هي الحياة. ولا تتحدثوا عن الموت، لأنه ليس منا، من يهرب من الخدمة أو من المعركة، وعندنا لا يرمون البندقية ويهربون، عندنا يحاربون حتى الطلقة الأخيرة، ليس لأن المحاربين من الفولاذ، ولكن لأن الحياة هكذا هي عندنا".

 

وفي وصف إقامة دولة إسرائيل، وتحديداً في إحدى الدروس الخاصة باحتلال مدينتي اللد والرملة في "مطالعات إسرائيل" للصف الثالث ورد ما نصه: "في الهجوم الذي أذهل العدو، بدأ العرب يهربون بهلع شديد، والجيش العربي هرب خوفاً من المواجهة مع جيش إسرائيل.. استعد العدو لحرب خاطفة متبجحاً بأنه خلال عشرة أيام سيتم احتلال أرضنا".

 

توافق عنصري نازي ـ أمريكي ـ إسرائيلي في صياغة أدب الطفولة:

ليس عجيباً أن تحوز كتب "كارل ماي" الكاتب الألماني الذي لاقت قصصه في أدب الطفولة استحساناً وشرعية رسمية من قبل ألمانيا النازية، لتعمم بين الأطفال والناشئة اليهود لما تتسم به من أشد درجات العنصرية غلواً، وما يتخللها من عنف، دلالات التمييز العرقي الشوفيني، التي تتميز بتوصيف الإنسان الأبيض بأنه المتفوق كامل الأوصاف والخصائص. كما يمثله ذاك المغامر الألماني الآري الذي يواجه صعوبات معقدة تشكل خطراً محدقاً على حياته، ولكنه يظفر أخيراً بالنصر بفضل قوته الجسدية الخارقة التي لا تخور، ونبل خصائصه، حيث تجاوز النصر الذي حققه لذاته إلى رفاقه، فأنقذهم في سبيل تحقيق العدالة. ولعل الظاهرة البارزة الملفتة للنظر هنا أن كتاب القصة اليهود بدأوا بتأليف قصص الطفولة في قمة النشاط النازي عام 1942 إبان المعارك الطاحنة في الحرب العالمية الثانية التي كان يسعى من خلالها (ادولف هتلر) مستشار ألمانيا النازية وزعيمها لفرض سيطرته على العالم، انطلاقاًَ من دعوات وشعارات لا مثيل لها في التاريخ، في عرقيتها وعنصريتها وعدائها للجنس البشري، فقد شرع الكتاب اليهود منذ عام 1942 بترجمة ثلاثين كتاباً وضعت بين أيدي الأطفال والناشئة اليهود أبرزهم: م. ز وولفوبسكي في قصة الرئيس الهندي الأحمر عام 1942، ولصوص الصحراء ترجمة أ. أ. عقيبا عام 1948، "واليد صانعة الانفجار" ترجمة ي. هيرشبرغ عام 1952، والغرب المتوحش ترجمة ح. ترسي عام 1953، وفينتو ترجمة نوح مان عام 1957، واولد شورهاند ترجمة عوديد أفيسار عام 1968، ثم قصص كارل ماي ترجمة ب. فيكسلبر عام 1968، ورغم محاولة غالبية المترجمين اليهود إضفاء أسلوب أكثر تشويقاً ورقياً مما ورد في الأصل، إلا أنه لم يكن بإمكانهم تطهيرها أو تنظيفها بالكامل من لغة البطولة، ذات النبرة العنصرية الفوقية التي تفوق في غلوائها أي نبرة استعلائية، وفي تحقيرها أي نظرة دونية للآخر (للعرب)، ويمكننا أن نلخص أكثر هذه النظرات العنصرية بشاعة من خلال النص التالي على صفحة (137) من قصة فينتو المترجمة منذ عام 1957.

 

لا تتكلم مع هذا الكلب، هو أيضاً سيموت لا محالة، وربما مع كل ذلك لن يموت، صاحب الوجه الشاحب العجوز الذي ليس سوى قط بائس، وينبغي عدم قتله وتصفيته عملياً وإنما طرده بلسعات السوط، ونظرا لكون كتب "كارل ماي" لا تزال أكثر انتشاراً في أوساط العديد من الفتيان والفتيات، فلا غرو أن يجيب فتى في العاشرة والنصف من عمره، من أحد الكيبوتسات، على استفتاء حول القراءة أجري في عام 1968 بما يلي: "البطل الذي كنت راغباً بأن أجسد شخصيته هو "يد الانفجار" (لقب البطل الرئيسي، المتفوق) لماذا؟

(أ) لأنه قناص بارع.

(ب) لأنه قوي جداً.

كنت راغباً بأن أكون زعيماً، لأن الزعيم يعرف كل شيء.

 

وبالنسبة للمجتمع الأمريكي وصلته الوثيقة بهذا الأدب الفاسق وانتشاره بين صفوف الأطفال والناشئة، وتصدير وترويج هذا النوع من الأدب المتدني في الكيان الإسرائيلي، فقد أعد باحث تربوي إسرائيلي عام 1955 دراسة حول هذا الأدب وتأثيره على تربية الأجيال والناشئة، تحت عنوان صارخ "معمل إنتاج المجرمين الصغار"، وجاء عمله هذا استكمالاً لما بدأته طواقم البحث في أمريكا ودول أوروبا من دراسات حول مدى تأثير أدب المغامرات والعنف على سلوكيات القراء الصغار. وفي الستينات أشارت لجنة تحقيق رسمية عينها مجلس الشيوخ الأميركي إلى وجود مثل هذه الرابطة الوثيقة بين الانتشار الواسع لكراسات "الكوميكس" الهزلية الصارخة سيما تلك التي تتصف بإبراز شديد للعنف الوحشي، وتدعو إلى تقديس شخصية الزعيم، وبين تواتر محاولات عصابات للفتيان من أجل فرض هيمنتها على أحياء كاملة في عدة مدن أمريكية، حيث ألزمت السلطات الأمريكية ناشري هذه الكراسات بعرضها على لجنة رقابة خاصة، لفحصها كي تتم الموافقة على اقرارها. وأما بالنسبة لإسرائيل فإنها تُجري بين الفينة والأخرى أبحاثاً تتناول تأثير كتب المطالعة على سلوكيات الأطفال والأولاد والناشئة، وفي استطلاع للرأي أجرته (مؤسسة سالد) بعد مرور عقد من السنوات على قيام إسرائيل تبين أن: "قراءة الأدب الفاسق هي ظاهرة عامة. وأن كل فتى أو فتاة يقرأون هذا الأدب ونسبة قراءته تتزايد باطّراد مع تقدم الجيل. وبينما تشكل هذه القراءة لدى فئات اجتماعية عليا ظاهرة عابرة ونسبة ضئيلة مقارنة بنسبة قراءة الكتب الجيدة، فإنها لدى الفئات الاجتماعية الدنيا تشكل ظاهرة مستمرة، وتعتبر المطالعة هي الأساس".

 

وحول كتاب البروفسور " أدير كوهين" "انعكاس شخصية العربي في أدب الأطفال العبري صدر عام 1985" يعلق أحد المحللين التربويين لكتاب "ادير كوهين" حول أدب الطفولة، فيبدأ اروئيل أوفيك تحليله بالقول:

أنا أحذر من خطورة نشوء نمط معين من الإدراك والتفكير يتولد تلقائياً من مسائل أشبه بالبدهيات المسلم بها، راسخة في العقل. ولعل أصدق "ميزان" يمكنه أن يفحص هذا النمط المعين من الإدراك والتفكير هو الموقف من الإنسان العربي، من حيث أن هذا الموقف يتربّى ويترعرع عليه كل يهودي إسرائيلي منذ الصغر ويكبر معه، ليتكرس بتأثير من الواقع السياسي ـ الاجتماعي الإسرائيلي، لقد تأطرت تشابيه العربي في العبارات التالية:

"يعيش في الصحراء، صانع الخبز، يلبس الكوفية، راعي بقر، ذو سحنة مخيفة، في وجهه ندبة وقذر ونتن وتنبعث منه رائحة كريهة". إن الجهل التام المطبق المقصود لذاته بشكل العربي وهيئته وهندامه وتاريخه وحاضره ومعتقده وعاداته، أدخل في أذهان الطلبة اليهود أن العرب أصحاب شعر أخضر ولهم ذيول، وأنه ليس لهم حق في البلاد (فلسطين) ويؤمنون بأنه ينبغي قتلهم أو شنقهم وترحيلهم، وقلائل فقط من الطلبة حاولوا شرح أسباب النزاع مع العرب بقدر مناسب من التفصيل. فيما اكتفى الباقون بجمل مقتضية ومبتورة من سياق التاريخ مثل: إنهم (أي العرب) ينوون قتلنا.. وتشريدنا من البلاد.. واحتلال مدننا. وقذفنا إلى البحر، وبالنسبة للطلبة الذين يرغبون في السلام يرون أن "السلام" ينبغي أن يعني تسليم العرب بالسيادة الإسرائيلية على أرض إسرائيل الكاملة، بما في ذلك الضفة الغربية وقطاع غزة".

 

وأخيراً يخلص البروفسور "ادير كوهين" رئيس قسم التربية في جامعة حيفا إلى القول مستنداً إلى آراء الطلبة الذين شملهم استطلاعه (520) طالباً وفتىً يهودياً من مدينة حيفا إلى القول: "اتفق الطلبة على رأي خطير للغاية يتلخص في طرد العرب من فلسطين (إسرائيل) بحيث يجب طرد عائلة أي عربي يقف في وجه مشاريع الحكومة الإسرائيلية وتطلعاتها، ومن ثم طرد أهالي قريته أو مدينته برمتها.

 

فالعرب في نظر هؤلاء الطلبة كارهون لنا (اليهود)، ولا نستطيع التوصل معهم إلى سلام، لأنهم يعتقدون أنهم (أي العرب) أخذوا أرضنا. كما يعتقد هؤلاء الطلبة أنه يجب نقل العرب إلى أي دولة ممكنة لأن لهم عدة دول عربية بينما نحن (اليهود) لنا دولة واحدة فقط. وبسبب سفك الدماء في هذه البلاد يظهر أشخاص مثال "مئير كهانا ورحبعام زئيفي صاحب نظرية الترانسفير وعوافاديا يوسف صاحب مقولة "العرب صراصير في زجاجة"، وكلهم يطالبون بطرد العرب من البلاد، وفي نهاية هذا الاستطلاع يكشف الباحث علانية أن الواقع الذي أظهره يحبطه، ويعبر عن شكه "بقدرة الأساليب التربوية المتبعة في المدارس اليهودية على تشكيل بديل إنساني لهذا الأدب الفاسق".

إن مردّ إحباط كوهين وبرطال ومندلر عائد إلى أن أدب الأطفال العبري يفرض على الأطفال اليهود واقعاً يترعرعون في ظله، دون أن يعيشوا طفولة ساذجة بريئة، فضلاً عن أنه ينمي في نفوسهم مشاعر القلق والتوتر والخوف الدائم من المجهول.

 

ثانياً: أدبيات الأطفال اليهود خارج المنهاج التعليمي

دأبت الصهيونية دوماً على حقن أطفالها وناشئتها بأمصال الحقد والكراهية النابعة أصلاً من النظرية الاستعلائية والشوفينية البغيضة "شعب الله المختار" واعتبار سائر الشعوب الأخرى "غوييم" (أغيارا) سيما العربية منها، وعلى وجه الخصوص الشعب الفلسطيني، لا يجوز التعامل معهم على قدم المساواة، بل يجب تسخيرهم لخدمة من اختيروا لسيادة العالم وقيادته ألا وهم اليهود، ويشهد على هذا التوجه الكتب والمؤلفات والنشرات التي توزع للطلبة أبناء الطوائف اليهودية في إسرائيل، بدءاً بالتوراة. "العهد القديم" والتلمود والمنشا كمصادر أساسية للعملية التربوية، وانتهاءً بالمؤلفات الحديثة والكتب المقررة في مناهج الدراسة التي تقرها وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية، وسائر الأحزاب الدينية، ضمن تيار التعليم الديني، حزب المفدال (الديني الوطني) وحزب (اغودات يسرائيل) ومعها الأحزاب القومية الأكثر تطرفاً (حزب حيروت) وحركة غوش ايمونيم، كتلة المؤمنين، وسواها من الحركات والمؤسسات التربوية ذات الطابع الصهيوني التي تقوم على تزويد أبناء الطوائف اليهودية وناشئتها بالكتب الأكثر عنصرية والأشد حقداً، المفعمة بالمواد الكافية لإجراء عمليات غسيل دماغ مبرمجة، إلى حد تمكن هؤلاء الأطفال من الشعور بالكراهية نحو كل من هو غير يهودي "غوي"، أو أي عنصر آخر يقيم أو يستقر فوق نفس الأرض أو الأرض المجاورة لها.

 

وأكثر هذه الكتب تداولاً وشيوعاً تلك التي تدرس في المدارس اليهودية في فلسطين المحتلة منذ عام 1948م، كسلسلة كتب أخبار الأيام "التاريخ" وسلسلة وقائع شعب إسرائيل، وكتاب جغرافية بلادنا (إسرائيل) إلى جانب كتب المطالعة المحشوة بمعاني التعصب والعبارات الشوفينية والاستعلائية الاستعدائية التي تتكرر في سلاسل كتب (قراءة إسرائيل) وسلسة كتب (هذا موطني).

 

أما أخطر الكتب توجيهاً للناشئة اليهود فهي الخاصة بتربية الأطفال، بهدف إثارة عواطفهم وشجونهم وتركيز أذهانهم وقدراتهم نحو أنانية مطلقة، قائمة على الفصل العنصري والتمييز الفاضح وإنكار (الغير) وحقوقه فوق أرض وطنه (الشعب الفلسطيني)، بحيث تصطحب هذه الكتب الطفل اليهودي من رياض الأطفال، ولغاية سائر مراحل الدراسة ومتابعة مسيرتهم حتى النهاية. وبواسطة هذه الكتب يمكن إخصاب خيال الطفل وتربيته على القسوة والتطرف القومي الأكثر تعصباً، والاستهانة بحياة الناس وكرامتهم كما أسلفنا آنفاً. وهكذا خصصت عشرات الكتب المطبوعة بعشرات الآلاف من النسخ والقصص والحكايات لشحن الطفل اليهودي بأقصى درجات العدوانية تجاه كل من هو عربي، أو كل ما يحمل سمات العروبة والإسلام فوق أرض فلسطين وسائر الأراضي المحتلة، ولعل أبرز التعابير الواردة في هذه الحكايات "العرب هم قتلة اليهود" الطفل اليهودي ينتصر على الخنازير الجبانة" وتقوم دور النشر بشكل متواصل بعرض العديد من هذه المؤلفات التي كتبت بأسلوب مشوق وممتع يجذب الطفل إليها بسرعة متناهية، وبين أكثر هذه الكتب رواجاً (عصابة تشوبشيك) و"أربعة أصدقاء" وعملية(غوش عتسيون) وكلها من تأليف أرنونة جدوت، ومقتحمو الأهرامات تأليف "رفائيل ساهر"، وعصابة الأصدقاء في تصيد وتعقب المخربين تأليف ح. الياف وح. أورجيل وأطفال البلد العتيقة يحاربون المتسللين تأليف ح. الياف وح. حيبوري، وسلسلة داني دين بقلم أون سريغ وسلسلة "الغضب الغضب".

 

وإذا كانت الكاتبة الصحفية "نيلي مندلر" قد كشفت منذ عام 1983 في مقالاتها العديدة حقيقة ما يقدم من التوجه وغسل الأدمغة، في إطار أدبيات الطفولة التي تبرز فيها الصورة البشعة للإنسان العربي، والتي تصفها مندلر "صحيفة هآرتس 13/11/1983" "إنها غسيل دماغ وتطهير رؤوس" فإنها قد أقرت بأن الإنسان العربي لا يزال يبدو في كتب التدريس العبرية "إنه وحش ونذل"، فقد وصف الدكتور "دانيئل برطال" أحد خبراء التربية في جامعة حيفا، بأن ما يكتب من أدب الطفولة اليهودية ليس سوى غسيل دماغ من أجل كره العرب بينما قال عنها البروفسور "اديركوهين" في كتابه وجه قبيح في المرآة، الذي صدر عام 1985 عن مؤسسة رشفيم، وهو أستاذ آخر للتربية في جامعة حيفا، قال كوهين بعد استطلاع شارك فيها أكثر من (520) طالباً، أن مستوى الخوف من الإنسان العربي عالٍ بشكل مذهل، ففي أكثر من 75% من الإجابات ترافقت شخصية العربي مع خاطف الأولاد والقاتل والمجرم ورجل المخابرات القاسي الذي في وجهه ندبة والذي يسطو دائماً على الكيبوتسات من أجل النهب والسلب. وفي سلسلة من حكايات الطفولة لاون سريغ "داني دين في حرب الأيام الستة" يقوم المؤلف بتشويه صورة الجندي والمقاتل العربي، حيث يصف القائد المصري الذي يداعب خنجره ويستمتع بنشر الدماء من حوله أنه شخصية مشوهة، يعمل في الاستخبارات المصرية وأنه وحش كأفعوان صيني، ومراوغ مثل ثعلب سوري، أنه مجرم منذ أن كان في بطن أمه، وكان في طفولته أشبه بقاطع طرق منه بطفل طبيعي.

 

وإلى جانب ذلك تضاف أوصاف لأعمال مرعبة قام بها ذلك الطفل، تبدأ بقطع أذن أمه عندما عضها وهو ابن عامين، وتنتهي بعصابة قتلة يرأسها وهو في سن العاشرة فقط. في كل فصل من الفصول الأربعة والعشرين يظهر "داني دين" بشكل يختلف عن الذي سبقه وفي كل حالة يكون خارقا ًويلحق بالعرب الهزائم تلو الهزائم. لأن العرب في نظره مخادعون أعداء قساة: "العرب مخادعون، أعداء قساة، أنظر إليهم نظرة الكراهية، ووجهة نظري أن العرب يريدون قتلي "وددت لو أفعل شيئاً، أن أقبض على هذا العربي وببساطة أن أخنقه". وكتاب داني دين لا يختلف عن سائر قصص وكتب الطفولة الأخرى، فهو محشو بنفس الآراء وبنفس اللغة العنيفة التي تتسم بالسخرية والاستهزاء بالعرب الذين يعتبرهم على درجة متناهية من الحقد والجبن والدونية، على عكس الأبطال العبريين الذين يعرفون بجرأتهم وببطولتهم، وليس هذا فقط، فلهذه الكتب طابع آخر هو تربية النشء ليرى في الاحتلال أمراً عادلاً ويتجاهل الشعب الآخر وحقوقه، حيث يقول: "لنا كل هذه البلاد، نحن سادتها المطلقون، وإننا سنحرر كل هذه البلاد من نير العرب الذين غزوها ويريدون جعلها جزءاً من بلادهم، وإنها ستعود وتصبح كلها لشعبنا، فيا جنود إسرائيل، الوطن المستعبد ينتظركم بفارغ الصبر فتقدموا وحرروا يهودا وأفرايم". وأما أبطال الكتاب (العبريون) فأسماؤهم تشير إلى البطولة والجرأة بينما أسماء العرب مثل "الميجر بندورة" ومقيش (منكوش) وبكرة، وما أشبه ذلك من أسماء، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على إظهار مدى الفارق المزعوم بين البطولة والجرأة اليهودية والسخف والحماقة التي يوصف بها العربي.

وكان أشهر من ألف في هذا المجال "حازي لوفيان" صاحب الروائع الأدبية الذي كان يعمل في الماضي محرراً لمجلة الجيش الإسرائيلي (بمحانيه) بالإضافة إلى عمله كخبير في هيئة الأركان العامة في الجيش، وفي الشؤون العربية، كما كان محرراً أيضاً للمجلة الأسبوعية "ريمون" (قنبلة).

 

وفي كتاب "ماية وعشرون قصة وحكاية متخصصة" للقاص (شراغا جفني) والذي يحمل في كل قصة اسماً مستعاراً يصف العرب بأنهم قتلة يهاجمون المستوطنات، وإن سلوك اليهود تجاههم يكون دائماً مثالياً.وفي كتاب (رجال في التكوين) تأليف اليعازر شموئيلي (أحد فلاسفة التربية الصهيونية في وزارة المعارف) منذ طبعته الأولى عام 1933 وحتى طبعته الثانية عشرة عام 1972، ترد أوصاف الإنسان العربي بأنه (طويل القامة عريض المنكبين، يلمع في عينيه بريق الغضب، وجهه قاس، وجبينه ضيق وصغير، وشاربه مدبب يرتفع على شكل قرنين، عيناه صغيرتان تدور دوماً في محاجرهما وأنفه نسري معقوف) وفي كتاب آخر بعنوان (ليس على جادة الصواب) يُظهر (اليعازر شموئيلي) الإنسان العربي بشكل مرعب، مما يدعو إلى بث الخوف والرعب في قلوب الأطفال وزرع الحقد في أذهانهم، مع تشويه صورة الإنسان العربي بكل المعايير والمقاييس. وفي كتاب (أولاد المدينة القديمة وحربهم ضد المتسللين) تأليف (حاييم الياف): "يبرز بطريقة أكثر شمولية أسلوب تقبيح صورة الجندي العربي، حيث يتخيل جندياً أردنياً في الجيش العربي الأردني بعينين حادتين جاحظتين تتطلعان بكره نحو اليهود ومتعطشتين للدماء".

 

وفي هذا الإطار صدرت مؤخراً طبعة جديدة من سلسلة قصص وحكايات الطفولة الخيالية "حسمبا" (المجموعة السرية المطلقة بالتمام) التي بُدء بنشرها وترويجها منذ عام 1950 على حلقات في جريدة "مشمار" للأولاد (بمعنى المرصاد) ويعتبر هذا النوع من القصص من أوائل قصص الفتيان المكتوبة باللغة العبرية بعد نكبة عام 1948، حيث يمكن إدراجها ضمن سلسلة "جانر" ـ كتب المغامرات المثيرة ـ وبعد أن سجلت قصص "حسمبا" رقماً قياسياً في المبيعات، وبأنها أكثر الكتب الشعبية التي تستهوي القراء الصغار بين الناشئة الإسرائيليين من اليهود إلى درجة تفوق القصص الأجنبية الشهيرة مثل روبنسون كروزو وجزيرة الكنز، وأليس في بلاد العجائب و"ماكس وموريتس" و"توم سوير وثمانون ألف ميل تحت سطح المياه" وغيرها، لما تتضمنه من خيال مجنح وإرهاصات ذهنية تسيطر على عقول الناشئة اليهود، سيما وأن للإنسان العربي المشوه حضور بارز في سلسلة "حسمبا" هذه السلسلة العنصرية في جوهرها التي تجلت عبرها (النظرة الثقافية) الصهيونية بكل معانيها، والتي أرست ورسخت القاعدة الثابتة والمدماك الأول في بناء الموقف التنميطي المقولب (Stereorype) في النظرة الدونية إلى العرب، فإن ما واصلته سلاسل قصص أخرى، شبيهة جداً يصعب حصرها منذ مطلع الخمسينات كما أسلفت، فإن باحثاً تربوياً مثل "اروئيل اوفك" متخصص في كتابة قصص الطفولة يعمل مدرساً لهذا الأدب في جامعات عدة وكليات لإعداد المعلمين في إسرائيل، ويصدر كتبه هذه منذ عام 1978، جاء ليؤكد اليوم من جديد على العنصرية المتمثلة في هذه السلاسل التي وصفها الفاسقة، والتي تشكل خطراً على القراء اليهود الصغار، بفعل تكوينها لنمطية التفكير لدى الجيل الحالي المتحكم بمقاليد الأمور في سائر مؤسسات الدولة العبرية، العسكرية والمدنية، بحيث ذهب هذا الخبير التربوي إلى القول بأن هذه القصص تشكل مصدر إلهام للمغامرات والمكائد لدى الفتية والناشئة اليهود، فانطلقت من أفواههم صرخات الحرب الصاخبة تردد حسمبا! حسمبا! حسمبا!ولعل أهم صرعات "حسمبا" في الأدب القصصي للطفولة مغامراته في ثلاث معارك شكلت ثلاثة مواقف بارزة مثلت مواقف الذروة:

1 ـ "حسمبا" في معتقل الجيش العربي.

2ـ "حسمبا" أثناء المعارك في أحد شوارع غزة.

3 ـ "حسمبا" واللغز المجهول في الحدود الشمالية.

أما الذي حفز الكاتب يغئال موسينزون على اختيار هذا النمط من القصص فهو إدراكه مدى إعجاب الأطفال اليهود بشخصية طرزان المنقذ المصاحبة دائماً لأكثر حيوانات الغابة تندراً وبهلوانية (القرد) تماماً كالقرد الذي يصاحب ويرافق (حسمبا) في جولاته ومغامراته، ليسهل انتقال الأطفال اليهود من طرزان إلى (حسمبا) الذي يجسد مجموعة من المغامرين في شخص واحد، حيث لاقى هذا التنميط رواجاً كبيراً بين أبناء الكيبوتسات، سيما وأن المناخ العام لتلك السنوات (منذ الخمسينات) تميز بما يوصف بالنضال اليهودي، والحرب من أجل إنشاء إسرائيل بعد تغلب العصابات اليهودية (الهاغانا ـ إتسل وليحي) على المقاتلين العرب.

 

تدور أحداث القصة حول ثمانية أولاد أعضاء في مجموعة "حسمبا" وهم القائد يارون زهافي وتمار نائبته وايهود السمين وعزي أمين المستودع وموشيه يرحمئيل (البروفسور) ومنشيه اليمني وزملاؤهم يحاربون الشرطة البريطانية ويخلصون مخبأ الأسلحة التابع لـ "الهاغانا" وينقذون في عملية جريئة قائد الحركة السرية من المعتقل، ويوفرون الحماية لسفينة مغامرين ويحوزون على أوسمة تقدير من قبل القيادة العامة.

 

وقد حظي هذا الكتاب بنجاح باهر (ومفهوم طبعاً!)، وظهرت في أعقابه على فترات متقطعة أربع وعشرون قصة أخرى من سلسلة "حسمبا" وفي الكتب الأخيرة من هذه السلسلة، التي صدرت قبل بضع سنوات ومن بينها "حسمبا" في غزو قناة السويس التي صدرت عام 1970، وحسمبا في مواجهة الخاطفين التي صدرت عام 1977، وحسمبا في سلاح الجو. هذه السلسلة خلقت ما يمكن اعتباره "موجة جديدة" في أدب الأطفال العبري، وفقاً لما بشرت به صحيفة هآرتس في ملحقها الأسبوعي الصادر يوم 10/4/1970. وفي مقابلة مع صحيفة (دفار) كانت قد نشرت يوم 17/6/1970 شرح موسينزون سر نجاح حسمبا بقوله: "استجابت كتب حسمبا مع غريزة المغامرة المتأصلة فينا جميعاً، وخصوصاً لدى الأولاد، إذ يصعب أن تجد ولداً لا يتماثل معه فتيان في مثل عمره، ينفذون عمليات عادة ما يكون تنفيذها من نصيب البالغين. عمليات منسجمة تماماً مع قدر كبير من الخيال والدقة في تطبيقها، وفي قيمها المقدسة. وعلى أي حال ففي جميع القصص الخمس والعشرين التي صدرت حتى الآن، يخوض أولاد حسمبا، عن طريق السلاح، معارك مختلفة، ويتغلبون على لصوص الخيول وجواسيس سلاح الجو، وعلى مجهول يرتدي قناعاً أسود وعلى سائر الأنذال، ويتخلصون من أسر الجيش العربي ويتعاركون، دون وجل، مع من هم أشد منهم بأساً وعنفاً، كما يعبر عن ذلك المقطع التالي:

"... وفي أثناء ذلك كان مسعود قسيس ويارون زهافي متعانقين ومتلاصقين، يوجه كل منهما إلى الآخر ضربات موجعة ودقيقة، غير أن عزوي هَبَّ لمساعدة يارون، وسدد صوب الجاسوس لكمة جانبية جعلته يركع ويسقط أرضاً".

 

ومن قصة "حسمبا" في أسر الجيش العربي ص 9 إذا حَظَرَ عليك أهلك، أيها القارئ الصغير، المشاركة في عمليات تنطوي على أخطار، ففي ذلك إثبات على أنك تتربى على أيدي أهل خطرين، ومن حقك أن تتمرد عليهم، وأن تذهب إلى عمليات كهذه، رغم خطرها. وهذا هو ما فعله داني حقاً، إذ أنه تمرد على أهله وانطلق إلى القيام بعمليات يقف لهولها شعر الرأس.

وبعد ثانية ستسدد اللكمات ويسمع أزيز الرصاص من المسدسات في فضاء الكهف".

 

 

الملحق

نماذج من القصص اليهودي للأطفال

 

هذه عينة من خمس قصص للأطفال اليهود اخترناها لا على سبيل التعيين لنوضح من خلالها التبسيط والمباشرة في التلقين والتربية للناشئة اليهودية في فلسطين، وهي كما ستلاحظون نماذج تنضح جميعها بالكراهية تجاه العرب والدعوة إلى عدم الثقة بهم واعتبارهم في مستوى أدنى من اليهود.

القصة الأولى "الزيارة" تقدم نموذجاً للقصة التعليمية الموجهة التي تسهم في تنشئة الأجيال اليهودية وفقاً للتربية الصهيونية وتعاليمها، وهذه القصة، كغيرها، تحرص على زرع المبادئ الأولية للتربية العنصرية الحاقدة، القائمة على تخويف النشء اليهودي من المحيط العربي، والإنسان العربي وتحذيرهم من مغبة الوثوق به، أو الغفلة لحظة عن الأخطار المحيقة بهم.

 

إن إحاطة الأطفال اليهود بهذا الجو المشحون بالخوف والقلق من شأنه أن يصعّد لديهم النزعات العدوانية ومشاعر الحقد والكراهية ضد العرب، وهو بالضبط ما ترمي إليه الأيدلوجية الصهيونية التي تعرف تمام المعرفة أن استمرار وجودها في الأرض العربية المحتلة مرهون بتأجيج الكراهية واستمرار الحروب.

هذه القصة تعاني من خلل فني واضح، حيث أن هناك حدثين لا علاقة لأحدهما بالآخر، الأول هو العبوة المتفجرة والثاني هو الطفل الأوروبي السائح. في الحدث الأول أشعلت القاصة فتيل القلق والخوف والتحذير من عمليات تخريبية متوقعة، مع إيحاء واضح بأن العرب هم وراء ذلك كله. أما الحدث الثاني فهو الطفل القادم من أوروبا لزيارة البلاد، وفيه حاولت المؤلفة فتح النوافذ والقلوب لاستقبال هذا الإنسان، الصديق الصدوق، وزرع الطمأنينة تجاهه ومبادلته الحب والصداقة بلغة العيون.

وهكذا قدمت القصة النقيضين: العداء للإنسان العربي، والانفتاح والصداقة والحب للإنسان الأوروبي الذي جاء ليفك أطواق العزلة عن إسرائيل.

 

أما القصة الثانية "أحقاً" للكاتبة افيدار فهي ليست قصة، ولكنها حكاية تاريخية عن المستوطن الصهيوني يوسف ترمبلدور الذي قتله المواطنون العرب وهم يدافعون عن قريتهم "الخالصة" ومن ثم أقامت دولة الكيان الصهيوني مستوطنة في موقع القرية العربية أطلقت عليها اسم "كريات شمونة" أو قرية الثمانية إشارة إلى عدد المستوطنين الذين قتلوا إلى جانب ترمبلدور.

 

هذه القصة تنطوي على تشويه بالغ لحقائق التاريخ والجغرافيا، وعلى تكرار الإساءة للعرب، فهم لصوص وقطاع طرق وغادرون ولا يوثق بكلامهم، وهي كما تلاحظون قصة تعليمية فجة تخلو من أية قيمة فنية.

 

القصة الثالثة "المدافع عن ريشون ليتسيون" لا تختلف كثيراً عن سابقتها، فهي تقدم العربي بتلك الصورة النمطية البشعة التي اعتاد الأدب الصهيوني تقديم العرب بها، فهم لصوص، قطاع طرق وجبناء، أما اليهودي لوليك فهو نموذج للشجاعة وحسن الحيلة والذكاء، وهي كما هو واضح قصة سطحية وساذجة وتخلو هي الأخرى من أية قيمة فنية تذكر.

 

القصة الرابعة "المرأة العربية" لنوريت زرحي، وكما هو واضح فإنها تحكي قصة طالبة عربية أدخلت إلى السكن الداخلي للطالبات اليهوديات الفتاة العربية تبدو مذعورة من الجو، جاهلة بطريقة استعمال مرافق الحمام من ماء بارد وساخن، الأمر الذي حولها إلى موضع للسخرية والتندر.

 

وقد أوردت الكاتبة على لسان المرأة العربية ما يشبه تلك العرافة المصرية التي تقول بأن العربي يستحم مرتين في العام في العيد الكبير وفي العيد الصغير.

لا تخلو القصة من لقطة فنية، ولكن المغزى يظل واضحاً وناشزاً، فالمرأة العربية شأنها شأن العرب جميعاً، قذرة وقليلة الاستحمام، والطالبات اليهوديات يقدْنها إلى النظافة بالإكراه، وأخوص داود لا يصدق أن هذه المدرسة (الداخلية) يمكن أن تكون لشيء آخر غير تدريس المواد والموضوعات العلمية المتطورة.

القصة الأخيرة "اسحق بن تسفي في حبرون" للقاصة "رنا هفرون" تصور رحلة يقوم بها الطلبة اليهود من القدس إلى الخليل، وهي قصة مليئة بالمغالطات التاريخية، فأسماء الأماكن التي ادعت أنها عبرية هي أسماء كنعانية عربية، ومغارة المكفلية هي جزء من الحرم الإبراهيمي استولى عليها اليهود بعد حزيران 1967. وكل الكلام عن أبطال اليهود التاريخيين هو محض افتراء.

 

المغزى واضح هو الإيهام بأن هذه الأرض الممتدة من القدس إلى الخليل هي أرض يهودية مثقلة بالأسماء والشخوص اليهود وكذلك المعارك أما العرب فهم كالعادة لصوص وقطاع طرق.

 

هذه القصص / النماذج هي غيض من فيض، أردنا بتقديم ترجماتها هنا أن نؤكد على حقيقة أن أدبيات الطفولة اليهودية لا تقل سوءاً عن المناهج التعليمية، فالتربية العنصرية الاستعلائية تحاصر الطالب في المدرسة (المنهاج)وخارج المدرسة فيما يقدم لـه من قصص مريضة ملفّقة.

 

 

 

الزيارة

 

قصة: تسبيا غولان

وصل أطفال روضة (شيكد) إلى روضتهم في ساعات الصباح كالمعتاد، حيث سارعوا إلى تحية عاملة الحديقة ريبكا والمربيات في الروضة، وبعد ذلك توزع الأطفال كل إلى الزاوية المحببة لديه، عفرا وشيري إلى زاوية الرسم، وتناولتا الأوراق وألوان الرسم، ثم بدأتا بإعداد الرسومات المختلفة والجميلة، أما ابيشاي ويوئاب فكانا منهمكين في إعداد برج عالٍ من مكعبات الأخشاب الملونة والكبيرة ـ معين ويئير وعمري توجهوا إلى زاوية الألعاب في حين ذهب ينيب إلى المكتبة، أخرج منها كتاباً، ثم أخذ يقص على نفسه قصصاً ظريفة وذات أهمية، وبينما الجميع منهمكين كل في زاويته المحببة سمعوا صراخاً قادماً من الحديقة وكان هذا صوت شولا.

لقد رأت شولا جسماً غريباً داخل الحديقة ـ وأرادت أن تنبه زملاءها الأطفال إلى ذلك ـ وعندما ركض الأطفال إلى الحديقة، أشارت شولا بيدها المرتعشة إلى الجسم الغريب، وقد أحسن أطفال الروضة صنعاً، حين سارعوا إلى الاتصال بقوات الشرطة التي وصلت المكان على عجل، وقام رجالها بإخلاء روضة شيكد من الأطفال الصغار والمربيات وعاملة الحديقة، ثم كشفوا الجسم الغريب فكان عبوة ناسفة صغيرة، وضعها مجهولون في الحديقة، ولاشك أنهم من الأعداء، وتم تفكيك العبوة بسلام، وقدم رجال الشرطة التهاني والكلمات الحلوة إلى شولا وزملائها أطفال الروضة على يقظتهم العالية وشدة انتباههم وتصرفهم الحسن، وطلبوا منهم أن لا يترددوا في الاتصال برجال الشرطة إذا ما شاهدوا أي جسم غريب في الحديقة أو أي مكان آخر يذهبون إليه، وبعد مغادرة رجال الشرطة عاد الأطفال إلى روضتهم واتجه كل منهم إلى زاويته المحببة.

حين عادوا إلى الانهماك في ألعابهم مرة أخرى، شعروا فجأة بأن باب الروضة ينفتح ويقف فيه طفل جديد، كان الطفل يقف في الباب مسمراً وكأنه يخشى من التحرك، كانت الطفلة أورلي هي أول من شاهد الطفل الجديد فنادت على زملائها: أيها الأطفال انظروا، إن عندنا في الروضة ضيف.

هنا أوقف جميع الأطفال الألعاب والمطالعة والرسم ووجهوا أنظارهم باتجاه الطفل الجديد، أما الضيف الصغير فكان ما يزال مسمراً في مكانه، خجولاً وتائهاً، كانت عيناه ذابلتين ووجهه يقطر عرقاً من شدة الحياء والخجل، كان يبدو مختلفاً كلياً عن أطفال الروضة، شعره ذهبي أملس، وعيناه زرقاوان كأنهما السماء بشرته بيضاء في حين أن بشرة جميع أطفال الروضة تميل إلى لون الشوكلاتة، وحتى ملابسه كانت تختلف، إنه طفل غريب من بلاد بعيدة.

ما اسمك أيها الطفل؟ سأله يوئاب:

رفع الطفل الضيف عينيه الزرقاوين دون أن يتكلم.

إنه لا يحسن الحديث، قالت عفرا..

أنت مخطئة. قالت لها عاملة الحديقة. إنه يعرف التحدث ولكن بلغة أخرى، إنه يتحدث الإنجليزية، هذا الطفل يسمونه الإنسان، وهو من إنجلترا. وقد جاء ليحل ضيفاً في الروضة ليوم واحد.

مرحباً أيها الإنسان، قال لـه يئير وابتسامة تعلو شفتيه. والابتسامة هي لغة ولكن دون كلمات، ابتسم الطفل الضيف ليئير، وبعد دقائق أخذ الأطفال الطفل الجديد معهم إلى زوايا الألعاب المختلفة، وعرضوا عليه جميع اللعب وحاولوا تعليمه قليلاً من العبرية.

أمضى الطفل الضيف مع أطفال الروضة يوماً بكامله، ولعب معهم بكل الألعاب، وذهب معهم إلى بركة السباحة الصغيرة، وجلس معهم حول مائدة الطعام، لم يكن يستطيع التحدث معهم ولكن بريق الفرحة في عينيه قال أكثر من ألف كلمة.

عندما ودع الطفل الضيف أطفال الروضة قال لهم: سلاماً وإلى اللقاء بالعبرية، وقد صفق لـه الأطفال جميعاً لشدة فرحتهم وتعلقهم به.

قال تمار للمربية: هل تعرفين لقد أصبحنا في النهاية أصدقاء حميمين حتى دون أن نتفوه بالكلمات عندها نظرت المربية تسيفورا إلى أطفال الروضة نظرة تقدير وإعجاب، وقالت: ليت الكبار يتعلمون من الأطفال الصغار هذه اللغة ـ اللغة دون كلمات، لغة الصداقة والحب.

أيها الأطفال الصغار في جميع أنحاء البلاد. ابتسامتكم للضيوف الأجانب القادمين لزيارة البلاد تساعدنا في قهر عزلتنا، وقي تطورنا وازدهار بلدنا.

جريدة معاريف الإسرائيلية 16كانون أول 1983. 

 

 

أحقاً

 

قصة: ميمية تشرنوفيتش افيدار( )

كان يوسف ترومبلدور جندياً متمرساً في جيش القيصر الروسي، وعندما نشبت الحرب بين روسيا واليابان سنة 1904 قاتل ترومبلدور ضد اليابانيين ببطولة، فخرج وقطعت يده، وبعد أن شفي من جراحه طالب بأن يعيدوه إلى جبهة القتال.

أثناء الحرب أسر ترومبلدور من قبل اليابانيين، والده الذي كان يهودياً متحمساً، ربى ابنه وثقفه ليكون يهودياً فخوراً ومحباً لأرض إسرائيل. وهكذا في معسكر الأسرى قام ترومبلدور بتنظيم الجنود اليهود ونأوا بأنفسهم عن محاربة الجيوش الأجنبية، مفضلين الهجرة إلى أرض إسرائيل والكفاح من أجل أرض الوطن. وهذا بحد ذاته يعتبر أوسمة شرف وتميز للبطولة والشجاعة التي نبديها في حين نهاجر إلى البلاد، وبالفعل هاجر ترومبلدور مع مجموعة من الشباب اليهود ممن كانوا معه في الأسر إلى أرض الوطن.

عملوا أولاً في مستعمرة دجانيا والمجدل قرب طبريا كعمال زراعيين، حيث كانوا يعملون في النهار ويحرسون في الليل، لحماية المستوطنات من اللصوص، قطاع الطرق العرب الذين يهاجمون المستوطنات القليلة المتناثرة في الجليل الأسفل، حيث كانت البلاد في حينه تحت سيطرة العثمانيين الأتراك الذين كان يوسف ترومبلدور يكرههم ويقاوم سلطتهم، فكثيراً ما لاحقوه ورغبوا في اعتقاله إلى أن اضطر مغادرة البلاد فترة من الزمن، في هذه الأثناء احتل الإنكليز البلاد من أيدي الأتراك وأصبحت أرض إسرائيل تحت سلطة الانتداب البريطاني.

عاد يوسف ترومبلدور واستقر في منطقة (تلحا) في الجليل التي أصبحت تعرف بعد تغيير اسمها العربي بآخر عبري باسم (تل حي)، ففي عام 1920، تحصن يوسف ترومبلدور في ساحة (تلحا) وأعدوا أنفسهم لمهاجمة العدو ـ العرب من عشائر الغوارنة ـ بيد أن العرب دخلوا بالحيلة إلى هذه الساحة، بحجة أنهم لا يريدون مهاجمة اليهود، بل جاءوا يبحثون عن ضباط فرنسيين تسللوا إلى (تلحا) وأنهم سيقومون فقط بإجراء تفتيش عليهم والخروج مباشرة بعد أن يتموا عملهم. هكذا قال المسلحون العرب، وفي اللحظة التي سمح فيها اليهود للرجال العرب بالدخول إلى الساحة (لأنهم وثقوا بكلامهم)، في هذه اللحظة فتح المسلحون النار، فأصابوا كل المدافعين، فقتلوا سبعة وجرحوا الكثيرين، ومن بينهم يوسف ترومبلدور الذي كانت جراحه كبيرة. وقبل المساء أخلي الجرحى إلى كيبوتس كفار جلعادي، وفي الطريق وبالرغم من جهود الأطباء لإنقاذ حياته أسلم البطل الروح.. وقبل موته لفظ ترومبلدور مقولته الأخيرة "ليس هناك أفضل من الموت من أجل بلادنا".

 

 

 

لوليك فينرغ

المدافع عن ريشون ليتسيون

 

قصة: يهواش ليتسون( )

عندما كان الرعاة العرب يرعون قطعانهم في حقول المستوطنة (ريشون ليتسيون) ويطلقون أيديهم في السطو على ممتلكاتها، كان لويك يتجه نحو المكان يتربص بهم، يقبض عليهم ويضربهم بيديه القويتين، كان العرب يسمونه "خواجا لولو"، وهكذا كانت إصاباته وضرباته الموجهة لهم قوية وموجعة، تنزل عليهم كالصاعقة، تلحق بهم الأذى. كان العرب يطلقون على ريشون ليتسيون بلد القتلى، لأنهم أي العرب كثيراً ما كانوا يقتلون منها، دون أن يصاب أحد منهم (هؤلاء اللصوص) بأذى.

معلوم لدى الجميع قصة تصفية رجال ريشون ليتسيون( ) وعلى رأسهم لوليك للأعمال والممارسات اللصوصية التي كان يقوم بها العرب في الشوارع والطرقات.

في الأيام الأولى للمستوطنين كانت الطريق بين ريشون ليتسيون ويافا محفوفة بالمخاطر، حيث كان اللصوص المسلحون يسطون على المسافرين، يسرقون كل حاجاتهم، فماذا فعل لوليك؟

قام بتشكيل مجموعة من الشبان الشجعان تتكون من عشرة أفراد مزودين بمجاديف طويلة ونقلهم في عربة كبيرة بعد أن غطاهم بالحصر لإخفائهم.

 

صعد لوليك إلى مقعد قيادة العربة، وقاد الخيول في الطريق إلى يافا وعندما وصلوا إلى الشاطئ الرملي فيها أحاطت بالعربة عصابة من اللصوص، فهاجموا لوليك كي يأسروه ويفكوا قيود الخيول ويطلقوها في الحقول، كي يتمكنوا من سرقتها. نزل لوليك من على مقعده ببطء، وانحنى نحو السرج كي يلبي طلبهم، وأطلق صفيراً طويلاً. فقفز الشبان المختبئون من داخل العربة، وطوقوا اللصوص وبدأوا يجلدونهم بالأسواط والمجاديف إلى أن أصمّ صراخهم الآذان، بسبب الضرب المبرح الذي وجهه لهم أبطال ريشون ليتسيون، ثم قبضوا عليهم وربطوهم بالحبال وجروهم إلى المستوطنة وهم يلوحون بعلامات النصر الذي حققوه.

وهكذا استطاع لوليك بعمله هذا إنهاء السطو واللصوصية في الطرق إلى فترة زمنية طويلة بينما دب الرعب في قلوب العرب فسارعوا إلى سرد قصتهم، وما جرى معهم في كل القرى ومضارب الخيام البدوية، واشتهر لوليك ببطولته وجرأته النادرة.

 

 

 

المرأة العربية

 

قصة: نوريت زرحي( )

ها هو الحمام، سارعي الآن للاستحمام.. فالعادة عندنا في هذه المؤسسة، أن نستحم مرة واحدة في اليوم. خرجتْ وغادرت المكان، بينما بقيتُ معهن، وقفن ينظرن إلي باستغراب. نظرت من حولي، فوجدت أن كل شيء جميل...

الأرضية من الرخام والحيطان تلمع... اقتربت أكثر فأكثر إلى الحمام، كانت مرافقه تتلألأ، الحنفيات مصنوعة من الذهب، الخاصة منها بالمياه الساخنة أو المياه الباردة... شاهدتهن وهن مستلقيات، اقتربت من حوض الحمام... صرخن بي، نحن لا نكتفي بغسل الجزء الأسفل من جسمنا بل جسمنا كله.

قلت لهن: لكني اغتسلت في العيد، وأبلغتهن هذه الحقيقة... فنظرن إلي، وقالت إحداهن: أنت لست زهرة تستحم وتغتسل حسب فصول السنة، أنت إنسانة... أدخلي إلى الماء واستحمي لأنه ليس بإمكانك أن تسكني معنا وأنت قذرة ورائحتك نتنة.

كن جميعاً عاريات.. ركضت باتجاه الباب. لكن واحدة منهن كانت تراقبني، وتترصد لي، فمنعتني من الخروج.. نظرت إلى أعلى، واعتقدتُ أنني أستطيع القفز إلى الخارج من أي نافذة، لكنهن أحطن بكل الغرفة. تمكنت أن أزحزح إحداهن، الواقفة عند الباب، لكني لم أستطع أن أبعدها كثيراً، فقد كانت عارية تماماً... قالت لي بهدوء... أدخلي إلى الماء ورددن وراءها، أدخلي أدخلي... وعندها أحطن بي وكأنني مخلوق غريب...فجأة سمعت صوتاً يخاطبني: أدخلي يا فرحيا أنا مسرعة إليك، وإلا سألقي بك إلى الماء رغم أنفك... اندفعت إلى الداخل بحذائي وملابسي... كان هذا حظي العاثر حين فتحت على جسمي حنفية المياه المغلية التي تفور كالنار...

كن يصرخن: طهروها نظفوها، لقد دخلت المياه بملابسها القذرة، كلهن قفزن وتجمهرن حولي... رأيت أن هناك منفذاً يمكن اختراقه، فهربت إلى الخارج، صرخن من ورائي. إذا أبلغت المشرفة بما حدث لك هنا فسنقوم بحرق شعرك... هذه حقيقة ما جرى.. لكن شقيقها داوود لم يقدر أن يصدق ذلك، لأن هذه المدرسة خصصت لتدريس مواد وموضوعات علمية متطورة جداً، إنها الباب الذي نعبر منه إلى العالم الجديد...

 

 

 

اسحق بن تسفي في حبرون

 

للقاصة: رِنّا هفرون( )

في أحد أيام الصيف الحارة خرجنا في رحلة قصيرة من أورشليم( ) إلى حبرون( )، كان برفقتي راحيل ووافير أفيشار ويتسحاق شمي، وكلهم من الشبان الصغار من مواليد حبرون ومن تلاميذ دار المعلمين في أورشليم، يقطنون مع أسرهم في مدينة حبرون حيث كانت الطرق المؤدية إليها (حبرون) معروفة جيداً من قبلهم..

مالت الشمس إلى المغيب فانخفضت درجة الحرارة وارتفع البدر في عنان السماء لينير الطريق المؤدية إلى حبرون، لم تكن هناك فوانيس لإضاءة الطريق في قلب المدينة ولا خارجها، كما لم يكن السبب في جولتنا في هذا الليل الحالك ارتفاع درجة حرارة الصيف لأن الليل كان أكثر أمناً وضماناً بالنسبة إلينا من ظهور اللصوص والهجمات العدائية في ساعات النهار، حيث لم نصادف أي إنسان في طريقنا لا راجلاً ولا راكباً على حمار.

كانت الطريق من برك سليمان حتى حبرون مقفرة، وخالية من أي مستوطنة أو مركز يهودي، رغم أنها ملأى بالذكريات التاريخية العظيمة، منذ عهد آباء الأمة من زمن القضاة ومنذ أيام ملوك يهوذا والهيكل الثالني. أما أسماء المواقع التي نمرّ بها اليوم فهي عبرية سابقة، وأحياناً تحمل هذه المدن أسماءً عربية، وأحياناً أخرى تبقى هذه الأسماء دون تغيير، انظروا الآن إلى أطلال وخرائب بيت زكريا التي بنيت فيها قبور أبطال الحشمونيين الذين حاربوا جيش اليونان المدرع بما فيه من كتائب خاصة تستخدم الفيلة التي يقودها الهنود، وجيشه المزود بالدروع، وفي هذا الموقع سقط البطل اليعازر شقيق يهودا المكابي الذي قتل الفيل وسائقه.

نحن نسير الآن نحو حبرون عبر طريق قديمة مبنية من الحجارة الكبيرة كحجارة الحائط الغربي للهيكل في أورشليم، ويدعى هذا المكان (الوني ممرا) وهو يحمل اسم أحراج البلوط في ضواحي الخليل، وكان أبونا إبراهيم الخليل قد أمضى وقتاً في (الوني ممرا) عندما ظهر لـه الملائكة الثلاثة في هذا الموقع، وممرا هو اسم أحد أخوة الأموريين من أبناء الحيثيين أصحاب الخليل (حبرون) اشكول، منار، ممرا، وهم أصحاب ميثاق إبراهيم.

واستعمل هذا المكان في العهد الروماني كسوق كبير لبيع الأسرى، وفيه باع الإمبراطور هدريانوس الأسرى اليهود بعد ثورة باركوخبا عام 132 وهو الذي بنى في هذا المكان حصناً له.

ودُعي هذا السوق في عهد التلمود (بوطنا) وكان سوقاً للعبيد ليس فقط في عهد روما الوثنية، بل حتى في العهد البيزنطي.

جذبت حسرات الماضي والحاضر أفئدتنا إلى حبرون (الخليل) ومغارة المكفيلا والحي اليهودي فيها، رغم أن الدخول إلى ضريح الآباء محظور لكل من هو غير مسلم، ولم يسمح لليهود بالصعود أكثر من سبع درجات في ساحة المغارة (مغارة المكفيلا).. ومضينا في سيرنا عبر شارع اليهود في حبرون الذي كان يسكن فيه أصدقاؤنا، لقد استقبلونا باحترام، وبقلوب مفعمة بالمحبة، وأنزلونا في بيوتهم في الجيتو الضيق (حي اليهود الضيق).

في تلك الفترة كانت حبرون اليهودية تتنامى وتكبر، ويعيش فيها حوالي ألفي نسمة من اليهود منهم 266 من الاشكناز. وفي نهاية جولتنا قمنا بزيارة الكنيس القديم الذي أقيم في وسط الجيتو، بالإضافة إلى المدرسة الدينية المعروفة التي أسسها الراب المقدس حزقيا الذي ينتشر اسمه في البلاد وفي سائر أرجاء المهجر.

الفهرست

مدخل  5

الفصل الأول : التربية الدينية موقف اليهود من الإسلام والمسيحية19

الفصل الثاني : التاريـخ33

الفصل الثالث: الجغرافية العامة والجغرافية السياسية  وكتب التربية الوطنية47

الفصل الرابع : القيم التربوية الصهيونية71

الفصل الخامس : أدبيات الأطفال اليهود 75

الملحق: نماذج من القصص اليهودي للأطفال87

ـ الزيارة ـ90

أحقاً    93

لوليك فينرغ  المدافع عن ريشون ليتسون95

المرأة العربية97

اسحق بن تسفي في حبرون99

أضيفت في 10/04/2006/ خاص القصة السورية / عن اتحاد الكتاب العرب

 

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية