أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 02/09/2022

دراسات أدبية - اللغة العربية

اللغة العربية
 

 

لقراءة الدراسات

 

 

الدراسات

تعريف اللغة العربية

اللغة العربية 

فقه اللغة - 2 

فقه اللغة - 1

الأبجدية والتعليم في أوغاريت

 فقه اللغة - 3

 

اللغة العربية

 

العربية أكبر لغات المجموعة السامية من حيث عدد المتحدثين، وإحدى أكثر اللغات انتشاراً في العالم، يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة،1 ويتوزع متحدثوها في المنطقة المعروفة باسم الوطن العربي، بالإضافة إلى العديد من المناطق الأخرى المجاورة كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال. وللغة العربية أهمية قصوى لدى أتباع الديانة الإسلامية، فهي لغة مصدري التشريع الأساسيين في الإسلام: القرآن، والأحاديث النبوية المروية عن النبي محمد، ولا تتم الصلاة في الإسلام (وعبادات أخرى) إلا بإتقان بعض من كلمات هذه اللغة. والعربية هي أيضاً لغة طقسية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في العالم العربي، كما كتبت بها الكثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى. وأثّر انتشار الإسلام، وتأسيسه دولاً، ارتفعت مكانة اللغة العربية، وأصبحت لغة السياسة والعلم والأدب لقرون طويلة في الأراضي التي حكمها المسلمون، وأثرت العربية، تأثيراً مباشراً أو غير مباشر على كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، كالتركية والفارسية والأردية مثلا.

 

العربية لغة رسمية في كل دول العالم العربي إضافة إلى كونها لغة رسمية في دول السنغال، ومالي، وتشاد، وإريتريا وإسرائيل. وقد اعتمدت العربية كإحدى لغات منظمة الأمم المتحدة الرسمية الست.

 

تحتوي العربية على 28 حرفاً مكتوباً وتكتب من اليمين إلى اليسار - بعكس الكثير من لغات العالم - ومن أعلى الصفحة إلى أسفلها.

 

يطلق العرب على اللغة العربية لقب "لغة الضاد" لاعتقادهم بأنها الوحيدة بين لغات العالم التي تحتوي على حرف الضاد.

 

تصنيفها

تنتمي العربية إلى أسرة اللغات السامية المتفرعة من مجموعة اللغات الأفرو-آسيوية. وتضم مجموعة اللغات السامية أيضاً لغات حضارة الهلال الخصيب القديمة (الأكادية) والكنعانية والعبرية والآرامية واللغات العربية الجنوبية وبعض لغات القرن الإفريقي كالأمهرية. وعلى وجه التحديد، يضع اللغويون اللغة العربية في المجموعة السامية الوسطى من اللغات السامية الغربية، فتكون بذلك اللغات السامية الشمالية الغربية (أي الآرامية والعبرية والكنعانية) هي أقرب اللغات السامية إلى العربية.

 

والعربية من أحدث هذه اللغات نشأة وتاريخاً ولكن يعتقد البعض أنها الأقرب إلى اللغة السامية الأم التي انبثقت منها اللغات السامية الأخرى، وذلك لاحتباس العرب في جزيرة العرب فلم تتعرّض لما تعرَّضت له باقي اللغات السامية من اختلاط. ولكن هناك من يخالف هذا الرأي بين علماء اللسانيات، حيث أن تغير اللغة هو عملية مستمرة عبر الزمن والانعزال الجغرافي قد يزيد من حدة هذا التغير حيث يبدأ نشوء أي لغة جديدة بنشوء لهجة جديدة في منطقة منعزلة جغرافياً.

 

1 لغات سامية

 ┤────── ─── ─────── ───

2 سامية شرقية   3 سامية غربية

   ┐────── ───

  4 وسطى 5 جنوبية

 

 

نشأتها

هنالك العديد من الآراء والروايات حول أصل العربية لدى قدامى اللغويين العرب فيذهب البعض إلى أن يعرب كان أول من أعرب في لسانه وتكلم بهذا اللسان العربي فسميت اللغة باسمه، وورد في الحديث الشريف أن نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام. أول من فُتق لسانه بالعربية المبينة، وهو ابن أربع عشرة سنة ونَسِي لسان أبيه، أما البعض الآخر فيذهب إلى القول أن العربية كانت لغة آدم في الجنة2، إلا أنه لا وجود لبراهين علمية أو أحاديث نبوية ثابتة ترجح أي من تلك الادعاءات.

 

ولو اعتمدنا المنهج العلمي وعلى ما توصلت إليه علوم اللسانيات والآثار والتاريخ فإن جل ما نعرفه أن اللغة العربية بجميع لهجاتها انبثقبت من مجموعة من اللهجات التي تسمى بلغات شمال الجزيرة العربية القديمة (Old North Arabian). أما لغات جنوب الجزيرة العربية (Old South Arabian) فتختلف عن اللغة العربية الشمالية التي انبثقت منها اللغة العربية، ولا تشترك معها إلا في كونها من اللغات السامية، وقد كان علماء المسلمين المتقدمين يدركون ذلك حتى قال أبو عمرو بن العلاء (770م) : "ما لسان حمير بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا."

 

شاهد قبر امرؤ القيس بن عمرو ملك الحيرة.

 نص شاهد القبر: "تي نفس مر القيس بر عمرو ملك العرب كله ذو أسر التج وملك الأسدين ونزرو وملوكهم وهرب مذحجو عكدي وجا بزجي في حبج نجران مدينة شمر وملك معدو ونزل بنيه الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه عكدي هلك سنة 223 يوم 7 بكسلول بلسعد ذو ولده"، وترجمته باللغة العربية المعاصرة: "1- هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي تقلد التاج. 2- واخضع قبيلتي أسد ونزار وملوكهم وهزم مذحج وقاد. 3- الظفر إلى أسوار نجران مدينة شمر واخضع معدا واستعمل بنيه. 4- على القبائل ووكلهم فرساناً للروم فلم يبلغ ملك مبلغه. 5- إلى اليوم. توفى سنة 223 م في 7 من أيلول وفق بنوه للسعادة", عام 223 بتقويم بصرى يوافق 328 ميلادي,

 

وقد قام علماء الآثار بتصنيف النقوش العربية الشمالية القديمة المكتشفة حتى الآن إلى أربع مجموعات هي الحسائية (نسبة إلى الأحساء) والصفائية والديدانية والثمودية، والأخيرة لا علاقة لها بقبيلة ثمود وإنما هي تسمية اصطلاحية. وقد كتبت جميع هذه النقوش بخط المسند (أي الخط الذي تكتب به لغات جنوب الجزيرة)، وأبرز ما يميز هذه اللهجات عن اللغة العربية استخدامها أداة التعريف "هـ" أو "هنـ" بدلاً من "الـ"، ويعود تاريخ أقدمها إلى عدة قرون قبل الميلاد. أما أقدم النقوش باللغة العربية بطورها المعروف الآن فهما نقش عجل بن هفعم الذي عثر عليه في قرية الفاو (قرب السليل)، وقد كتب بخط المسند ويعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، ونقش عين عبدات في صحراء النقب، ويعود تاريخه إلى القرن الأول أو الثاني بعد الميلاد، وقد كتب بالحرف النبطي. ومن أشهر النقوش باللغة العربية نقش النمارة الذي اكتشف في الصحراء السورية، وهو نص مؤرخ بتاريخ 328 م ومكتوب بنوع من الخط النبطي القريب من الخط العربي الحالي، وهو عبارة عن رسم لضريح ملك الحيرة امرئ القيس بن عمرو وصف فيه بأنه "ملك العرب."

 

لم يعرف على وجه الدقة متى ظهرت كلمة العرب؛ وكذلك جميع المفردات المشتقة من الأصل المشتمل على أحرف العين والراء والباء، مثل كلمات: عربية وأعراب وغيرها، وأقدم نص أثري ورد فيه اسم العرب هو اللوح المسماري المنسوب للملك الآشوري (شلمانصر الثالث) في القرن التاسع قبل الميلاد، ذكر فيه انتصاره على تحالف ملوك آرام ضده بزعامة ملك دمشق، وأنه غنم ألف جمل من جنديبو من بلاد العرب، ويذكر البعض - من علماء اللغات - أن كلمة عرب وجدت في بعض القصص والأوصاف اليونانية والفارسية وكان يقصد بها أعراب الجزيرة العربية، ولم يكن هناك لغة عربية معينة، لكن جميع اللغات التي تكلمت بها القبائل والأقوام التي كانت تسكن الجزيرة العربية سميت لغات عربية نسبة إلى الجزيرة العربية.

 

اللغة العربية من اللغات السامية التي شهدت تطورًا كبيرًا وتغيرًا في مراحلها الداخلية، وللقرآن الكريم فضل عظيم على اللغة العربية حيث بسببه أصبحت هذه اللغة الفرع الوحيد من اللغات السامية الذي حافظ على توهجه وعالميته؛ في حين اندثرت معظم اللغات السامية، وما بقي منها غدا لغات محلية ذات نطاق ضيق مثل: العبرية، والحبشية، واللغة العربية يتكلم بها الآن قرابة 422 مليون إنسان كلغة أم، كما يتحدث بها من المسلمين غير العرب قرابة العدد نفسه كلغة ثانية.

 

 

اللغة العربية الفصحى

تطورت اللغة العربية الحديثة عبر مئات السنين، وبعد مرور أكثر من ألفي سنة من ولادتها أصبحت - قبيل الإسلام - تسمى لغة (مضر)، وتستخدم في شمال الجزيرة، وقد قضت على اللغة العربية الشمالية القديمة وحلت محلها، بينما كانت تسمى اللغة العربية الجنوبية القديمة لغة (حمير) نسبة إلى أعظم ممالك اليمن حينذاك، وما كاد النصف الأول للألفية الأولى للميلاد ينقضي حتى كانت هناك لغة لقريش، ولغة لربيعة، ولغة لقضاعة، وهذه تسمى لغات وإن كانت مازالت في ذلك الطور لهجات فحسب، ويفهم كل قوم غيرهم بسهولة، كما كانوا يفهمون لغة حمير أيضاً وإن بشكل أقل، وكان نزول القرآن في تلك الفترة هو الحدث العظيم الذي خلد إحدى لغات العرب حينذاك، وهي اللغة التي نزل بها - والتي كانت أرقى لغات العرب - وهي لغة قريش، وسميت لغة قريش مذاك اللغة العربية الفصحى يقول الله – تعالى- في القرآن الكريم ((وكذلك أنزلناه حكماً عربياً)، (وهذا كتاب مصدق لساناً عربياً)، (وهذا لسان عربي مبين).

 

الكتابة العربية

اللغات العربية القديمة كانت تكتب بالخطين المسندي والثمودي، ثم دخل مع اللغة العربية الحديثة الخط النبطي، قيل أنه نسبة لنابت بن إسماعيل وأخذ ذلك الخط مكان الخط الثمودي في شمال الجزيرة، وأصبح الخط المعتمد في لغة مضر العربية (الحديثة)، أما لغة حمير العربية (القديمة الجنوبية) فحافظت على الخط المسندي، وأخذ الخط النبطي - الذي هو أبو الخط العربي الحديث - يتطور أيضاً، وكان أقدم نص عربي مكتشف مكتوباً بالخط النبطي وهو نقش (النمارة) المكتشف في سوريا والذي يرجع لعام 328م.

وفي الفترة السابقة للإسلام كانت هناك خطوط أخرى حديثة للغة مضر مثل: الخط الحيري نسبة (إلى الحيرة)، والخط الأنباري نسبة (إلى الأنبار)، وعندما جاء الإسلام كان الخط المستعمل في قريش هو الخط النبطي المطور، وهو الخط الذي استخدمه النبي محمد في كتابة رسائله للملوك والحكام حينذاك، ويلحظ في صور بعض تلك الخطابات الاختلاف عن الخط العربي الحديث الذي تطور من ذلك الخط، وبعض المختصين يعتبرون ذلك الخط النبطي المطور عربياً قديماً، وأقدم من مكتشفات منه نقش ( زبد)، ونقش ( أم الجمال) (568م ، 513 م)، والنقوش السبئية هي أقدم النقوش التي يرجع بعضها إلى 1000 ق.م.

 

 

الخط العربي الحديث

كان الحجازيون أول من حرر العربية من الخط النبطي، وبدأ يتغير بشكل متقارب حتى عهد الأمويين حين بدأ أبو الأسود الدؤلي بتنقيط الحروف، ثم أمر عبد الملك بن مروان عاصماً الليثي ويحيى بن يعمر بتشكيل الحروف، فبدؤوا بعمل نقطة فوق الحرف للدلالة على فتحه، ونقطة تحته للدلالة على كسره، ونقطة عن شماله للدلالة على ضمه، ثم تطور الوضع إلى وضع ألف صغيرة مائلة فوق الحرف للفتح، وياء صغيرة للكسر، وواو صغيرة للضم، ثم تطور الوضع للشكل الحالي في الفتح والكسر والضم. كما انتشرت الخطوط العربية وتفشت في البلاد والأمصار.

 

حول اللغة

اللغة العربية واحدة من اللغات العريقة في العالم الآن، يرجع تاريخها إلى ما لا يقل عن ألف وخمس مئة سنة، بالشكل الذي نقلته إلينا المعاجم التي يرجع تاريخ تدوينها إلى نهايات القرن الثاني الهجري وبدايات القرن الثالث الهجري، ولاسيما بعد ظهور صناعة الورق في البلدان العربية.

 

ويلاحظ أن اللغة العربية لم تجمد في أثواب وقواعد واحدة عبر تلك الأزمان، بل أصابها التغيير في قواعدها وطرق صياغاتها، إضافة إلى تطورات مطالب (الأدب) الذي نسب إليها وظهرت فيه معطيات البلاغة والبيان والبديع وأغراضه كما هي في بعض الآثار (الأدبية) اليونانية والسريانية والسنسكريتية وغيرهما من ما ترجمت عنه أوائل الكتب والمؤلفات المكتوبة باللغة العربية، وهذا قبل أن يبادر أي شخص إلى (تأليف) باللغة العربية.

 

وقد ذكر الدكتور محمد ياسر شرف في مقدمة كتابه (إصلاح الكتابة العربية) أنّ مجموعة كبيرة من الأفكار، التي كانت شائعة بين المشتغلين القدماء في اللغة العربية حول القدرات والمهارات والإمكانات والفعاليات التي تدخل في عمليات تشكّل اللغة في المجتمع، قد اهتزّت بسبب نتائج الدراسات الحديثة المخبرية للغات، إضافة لاختلاف ما ذكره السابقون واللاحقون من مراحل تغيير وتحوير تمرّ بها اللغات من ما يناسب المعطيات الطارئة والظروف الضاغطة والحالات القاهرة، وما تفرزه من ظروف زمانية ومكانية مدفوعة بمقاصد مورفولوجية وإثنية واقتصادية وعسكرية وجغرافية، تثب تأثيراتها إلى مقدمة العوامل الفاعلة بعد مرحلة كمون أو ضعف تأثيري سابق في الترتيب التاريخي، على تنوّع في نسَب ذلك كله إيجاباً وسلباً.

 

ورأى الدكتور محمد ياسر شرف أن الأساس الذي تقوم عليه (القدرة) البشرية في اكتساب اللغة واستخدامها هو أساس واحد، سواء عند العرب وغيرهم من أبناء المجتمعات الأخرى، وأن مجموعة من المؤثرات المحددة لدى المختصين بصور متعددة تلعب أدواراً متفاوتة في دفع التوجّه إلى إتقان اللغة أو إعاقة تقدمه. وهذا من ما اعتمد عليه في معارضة بعض ما قيل إنه (نظرات) مستقرة تتصل بالثقافة العربية عامة واللغة العربية خاصة، معتمداً على تتبعما أكدته تواريخ البحوث العلمية من أن وجود (نظرية سائدة) لا يعني دائماً أنها ٍنظرية صحيحة).

انظر في هذا الشأن وقضايا عديدة ذات اتصال به كتب الدكتور محمد ياسر شرف: إصلاح الكتابة العربية. تدوين الثقافة العربية. ديانات العرب قبل الإسلام. قواعد الإملاء العربي. نشوء مجتمع الإسلام.

 

النطق

اللغة العربية أول لغة في العالم التي تستخدم حرف الضاد، وحتى اللغة الألبانية تستخدم في لغتها حرف الضاد ولكن ذلك بعد وصول الإسلام (واللغة العربية) إليها على يد العثمانيين.

 

هذا من ما يجعل الصواب هو أن يقال إن تفرّد اللغة العربية يتمثل في حرف الظاء (ظ) وليس حرف الضاد (ض) الموجود في اللغات أخرى، وقد سبب هذا الالتباس أن بعض العرب والعجم الذين تحدثوا العربية لم يستطيعوا لفظ الظاء فلفظوها ضاداً، وتكرّس الغلط مع مرور مئات السنين.

 

 

علوم العربية

 

النحو

النحو العربي هو علم يبحث في أصول تكوين الجملة وقواعد الإعراب. فغاية علم النحو أن يحدد أساليب تكوين الجمل ومواضع الكلمات ووظيفتها فيها كما يحدد الخصائص التي تكتسبها الكلمة من ذلك الموضع، سواءً أكانت خصائص نحوية كالابتداء والفاعلية والمفعولية أو أحكامًا نحوية كالتقديم والتأخير والإعراب والبناء.

 

 

البلاغة

الشعر العربي والنثر الذي يضم السجع والطباق والجناس والمقابلة والتشبيه...

 

 

اللهجات العربية

العربية لها كثير من اللهجات المختلفة ويمكن تقسيمها إلى:

 

اللهجة المصرية وهذه بدورها تضم عدة لهجات مثل: القاهرية والاسكندرانية والصعيدية والشرقاوية وأيضاً النوبية.

لهجات الجزيرة العربية وتضم:

اللهجة الجنوبية

اللهجة الحساوية

اللهجة الحجازية

اللهجة الشمالية

اللهجة القصيمية

اللهجة اللهجةالنجدية

اللهجات البدوية

وهي منتشرة في كل الدول العربية الا انها تعتبر اللهجة المهيمنة في كل من دول الخليج ، السعودية، العراق، ليبيا، الأردن

 

اللهجة الجنوبية:

اللهجة الخليجية وتجمع أجزاء من شرق المملكة العربية السعودية والكويت، والإمارات، والبحرين وقطر

اللهجة البحرانية

اللهجة الكويتية

اللهجة العمانية

اللهجة الشحية

 

اللهجة اليمنية، وتتفرع منها:

اللهجة اليافعية

اللهجة الصنعانية

اللهجة الحضرمية

اللهجة الساحلية (اللهجة التهامية) (الحديدة)

اللهجة العدنية

 

اللهجة الشامية- ومن ضمنها:

اللهجات السورية وتضم الدمشقية والحلبية الحمصية واللاذقانية والحورانية (جنوب سورية) والديرية ولهجة الجزيرة السورية وجبال القلمون ولهجة الجبال الغربية (الساحلية) وجبل العرب وغيرها.

 

اللبنانية وتضم:

 البيروتية والطرابلسية والجنوبية والبقاعية وغيرها باختلاف المدن والقرى اللبنانية

 

الأردنية والفلسطينية وتتشابهان إلى حد كبير، وتضم:

الخليلية والغزاوية والمقدسية والبدوية ولهجة الفلاحين وغيرها.

 

اللهجة العراقية

اللهجة المصلاوية

اللهجة البغدادية

اللهجة الأنبارية

اللهجة البصراوية

 

اللهجة الجزائرية

اللهجة المغربية

اللهجة التونسية

اللهجة الليبية

اللهجة السودانية

اللهجة التشادية

اللهجة الحسانية المستعملة في معظم موريتانيا والصحراء الغربية وهي خليط من العربية واللهجات الصنهاجية (الأمازيغية القديمة).

لهجات بدو النقب وسيناء

 

تأثير العربية على اللغات الأخرى

امتد تأثير العربية (كمفردات وبُنى لغوية) في الكثير من اللغات الأخرى بسبب الإسلام والجوار الجغرافي والتجارة (فيما مضى).

هذا التأثير مشابه لتأثير الاتينية في بقية اللغات الأوروبية. وهو ملاحظ بشكل واضح في اللغة الفارسية حيث المفردات العلمية معظمها عربية بالاضافة للعديد من المفردات المحكية يوميا (مثل: ليكن= لكن، و، تقريبي، عشق، فقط، باستثناي= باستثناء...).

اللغات التي للعربية فيها تأثير كبير (أكثر من 30% من المفردات) هي:

 

الأردو والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية وكافة اللغات التركية والكردية والعبرية والإسبانية والصومالية والسواحيلية والتجرينية والأورومية والفولانية والهاوسا والمالطية والبهاسا (مالايو) وديفيهي (المالديف) وغيرها.

 

بعض هذه اللغات مازالت تستعمل الأبجدية العربية للكتابة ومنها: الأردو والفارسية والكشميرية والبشتونية والطاجيكية والتركستانية الشرقية والكردية والبهاسا (بروناي وآتشه وجاوة).

 

دخلت بعض الكلمات العربية في لغات أوربية مثل الإنجليزية والإسبانية.

 

تأثير اللغات الأعجمية على العربية

لم تتأثر اللغة العربية باللغات المجاورة كثيراً رغم الاختلاط بين العرب والشعوب الأخرى، حيث بقيت قواعد اللغة العربية وبنيتها كما هي، لكن حدثت حركة استعارة من اللغات الأخرى مثل اللغات الفارسية واليونانية لبعض المفردات التي لم يعرفها العرب (مثل البطاطا والطماطم).

 

وهناك العديد من الاستعارات الحديثة، سواء المكتوبة أم المحكية، من اللغات الأوربية، تعبِّر عن المفاهيم التي لم تكن موجودةً في اللغة سابقا، مثل المصطلحات السياسية (الإمبريالية، الإيديولوجيا، إلخ.)، أو في مجال العلوم والفنون (رومانسية، فلسفة، إلخ.) أو التقنيات (باص، راديو، تلفون، كمبيوتر، إلخ.). إلاّ أن ظاهرة الاستعارة هذه ليست حديثة العهد، حيث قامت اللغة العربية باستعارة بعض المفردات من اللغات المجاورة منذ القدیم، افتقاراً للمعنى‌ (أي تعبيراً عن مفردات لم تكن موجودة في لغة العرب) (بوظة - نرجس - زئبق- آجر - ورق - بستان- جوهر(مجوهرات) - طربوش - مهرجان - باذنجان - توت - طازج - قناة - فيروز من الفارسية البهلویه مثلاً). وبشكل عام فإن تأثير الفارسية أكثر من لغات أخرى كالسريانيه واليونانية والقبطية والكردية والأمهرية.

ودخل في لهجات المغرب العربي بعض الكلمات التركية والبربرية، مثل فكرون = سلحفاة.

 

هذا وتوجد نزعة إلى ترجمة أو تعريب كافة الكلمات الدخيلة؛ إلاّ أنها لا تنجح في كل الأحيان، فاللغة الحية تنتقي ما يناسبها من كلمات.

فمثلاً، لا يُستعمل المقابل المعرّب للراديو (مذياع) عمليا، بينما حازت كلمة "إذاعة" على قبول شعبي واسع.

 

مناظرة الحروف العربية

كل لغة تشتمل على مجموعة بعينها من الأصوات. فالعربية مثلاً تشتمل على أصوات (حروف) التي لا تتواجد باللغة الإنجليزية أو الأردية.

لذا فيستعمل ناطقو كل لغة أبجدية تتيح لهم تدوين الأصوات التي تهمهم سواء من لغتهم أو من اللغات الأخرى (كلغة القرآن الكريم).

 

الاختلافات بين العربية واللغات السامية

العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظاً بسمات السامية الأولى فقد احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية.

 

فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية.

احتفظت العربية بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى.

احتفظت بمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم، اسم الفاعل، المفعول. وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني.

احتفظت بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة.

يضم معجم العربية الفصحى ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر. ولهذا أصبحت عونا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.

 

التعريب

يستخدم مصطلح التعريب في الثقافة العربية المعاصرة في أربع معان مختلفة وقد يتطرق إلى معان أخرى، وتسبب أحيانا إلى الخلط:

 

قد يقصد بالتعريب إعادة صياغة الأعمال والنصوص الأجنبية إلى شيء من التصرّف في معناها ومبناها بحيث تتوافق مع الثقافة العربية وتصبح نوعا ما عربية السمة

وقد يقصد به أحيانا الترجمة، وهذا قريب الصلة بالمعنى السابق.

لكن يرى اللغويين أن هذا خطأ وتنقصه الدقة؛ فالترجمة ليست تعريبا حيث أنها لا تتعدى نقل النصوص من لغة والتعبير عنها بلغة أخرى.

المعنى الثالث وهو الأشهر في الاستعمال، ويقصد به نقل اللفظة الأجنبية كما هي مع شيء من التعديل في صورتها بحيث تتماشى مع البناء العام والقواعد الصوتية والصرفية للغة العربية. مثل لفظة إبريق، وتلفاز وغيرها من الألفاظ غير عربية الأصل.

 

المعنى الرابع وهو ما يشيع بين الدارسين والمهتمين باللغة العربية، وبقصد به تحويل الدراسة في الكليات والمعاهد والمدارس إلى اللغة العربية بحيث تصبح لغة التأليف والتدريس مثلها مثل أي لغة في العالم.

 

ويتماشى مع هذا المعنى "تعريب الحاسوب" - ليقبل العربية كمدخلات ومخرجات -وما يتعلّق به من برمجيات بحيث تصبح العربية هي اللغة الأساسية للتعامل معه أنظر معالجة لغات طبيعية.

 

والتعريب هو ابتداع كلمات عربية لتعبر عن مصطلحات موجودة بلغات أخرى وليس لها تسمية عربية، ويتم التعريب إما بالشكل العشوائي الذي يؤدي إلى ابتداع المجتمع أو نحته لمصطلح جديد ، ككلمة التلفزيون مثلا، أو يتم بطريقة ممنهجة (وليس بالضرورة علمية أو صحيحة) عن طريق مجامع اللغة العربية مثلا، ويوجد في الوطن العربي عدة مجامع للغة العربية تختلف في تعريبها للمصطلحات مما يخلق بلبلة كبيرة في أوساط المستخدمين لهذه المصطلحات. فهي قد تكون معرّبة بشكل حرفي لدرجة أنها تفقد معناها التقني أو قد تكون مبنية على فهم خاطئ للمصطلح الأجنبي، كما قد تحاول إلباس كلمة عربية قديمة لباسا جديدا بصيغة غريبة لجذر ذو معنى ذا علاقة.

 

الكتابة

تُكتب اللغة العربية بالأبجدية العربية التي يكتب بها الكثير من اللغات الأخرى.

وللغة العربية 28 حرفا (البعض يوصلها ل29 حرفا بإضافة الهمزة "ء").

 

العربية بحروف لاتينية

 

تاريخيا

كتبت العربية بحروف لاتينية في حالات تاريخية نادرة:

 

عربية المدخر (المدجنين) Mudejar: وابتدعها العرب في الأندلس (في القرون الرابع عشر حتى السابع عشر).

 

المالطية وهي لهجة عربية محكية في جزيرة مالطا نشأت بعد الفتح الإسلامي للجزيرة ، يعدّها أصحابها لغة مستقلة.

 

العصر الحديث

نتيجة لضعف دعم الحواسيب للغة العربية في البداية ظهر عدة طرق لكتابة اللغة العربية بحروف لاتينية لكنها تظل محدودة التأثير وبخاصة بعد التقدم الملموس في دعم اللغة العربية حاسوبيا.

 

بعض أنظمة الطباعة وتنسيق النصوص (مثل عرب ‌تخ) تستخدم الحروف اللاتينية لكتابة النصوص العربية، عبر أبجديات خاصة، لتفادى القصور في أنظمة الحاسوب قديما. مع ازدياد دعم يونيكود في الأنظمة الحديثة، تراجعت هذه الطرق كثيرا.

 

عربية الدردشة: وهي طريقة كتابة العربية بحروف لاتينية في الرسائل القصيرة (SMS)(ShortMessageService) على الهواتف المحمولة.

 

هوامش

1: سكان الدول العربية مجتمعة يصل إلى 422 مليون نسمة (تقرير الـCIA World Factbook السنوي).

2: لعل أصل هذا الاعتقاد هو حديث أغلب الظن أنه حديث باطل، قد يصنفه اخرون بانه ضعيف وهو كما يلي "احبوا العرب لثلاث، لاني عربي، ولان القران عربي، وكلام أهل الجنة عربي" ، وقد صنفه الألباني بأنه حديث موضوع. (للتعليق والمشاركة حول الموضوع)

أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية

 

 

 

تعريف اللغة العربية

 

عرف القدماء اللغة بأنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم ولم تستطع التعريفات الحديثة للغة أن تتجاوز هذا التعريف الموضوعي‏,‏ غير أن تعريف اللغة بوظيفتها يختلف عن تعريفها بحقيقتها وعلاقتها بالإنسان‏..‏ فاللغة هي الإنسان‏,‏ وهي الوطن والأهل‏,‏ واللغة التي هي نتيجة التفكير‏..‏ هي ما يميز الإنسان عن الحيوان وهي ثمرة العقل والعقل كالكهرباء يعرف بأثره‏,‏ ولا تري حقيقته‏.‏

 

والأصل في اللغة أن تكون مسموعة أي أن إنسانا ينطقها بلسانه وشفتيه فيسمعها إنسان آخر بأذنيه‏,‏ ولكن عندما عرفت الكتابة بالرسم أو بالحرف منقوشة علي الحجر أو مكتوبة علي الورق أصبحت هناك لغة مقروءة أي أن الإنسان يقرأها بعينيه‏.‏ وأصبحت هناك لغتان إحداهما سمعية والأخرى بصرية‏.‏

 

هذا ولقد مرت علاقة الإنسان باللغة في مرحلتين‏:‏

الأولي‏:‏ مرحلة من قديم الأزمان وهي مرحلة اختراع اللغة علي نحو ما بتيسير من الله‏,‏ وهي مرحلة معقدة بل شديدة التعقيد‏.‏

 

الثانية‏:‏ مرحلة تلقي اللغة‏,‏ وهي مرحلة يعيشها أبناء كل لغة علي حدة‏,‏ فنحن نعيش في إطار العربية‏,‏ كما عاش أجدادنا منذ مئات السنين‏,‏ لقد تناولوا هذه اللغة بروح التقديس‏,‏ وعالجوا كلماتها كما تلقوها بالكثير من الحفاظ علي تراثها‏,‏ والرعاية لأصولها‏,‏ حتى جاءت إلينا معبرة عن تاريخ بعيد‏,‏ وتراث عريق‏,‏ تنطق علي ألسنتنا‏,‏ كما كانت تنطق علي ألسنتهم دون استغراب منا حيث أن أصواتها وصيغها‏,‏ وتراكيبها هي هي كما كانت‏,‏ لم يصبها كثير من التغيير رغم تطاول رغم تطاول القرون‏,‏ وتتابع الأجيال‏,‏ وهو أمر نادر الحدوث في عالم اللغات‏,‏ لم يسجله التاريخ إلا للغة العربية‏,‏ التي نقرأ نصوصها القديمة فلا نحس بقدمها‏,‏ بل إننا نأنس بها‏,‏ ونستمتع بتكرارها وتمثلها واستخداماتها في أحيان كثيرة‏,‏ علي حين أن لغات أخري قد أصبحت من مخلفات التاريخ ولم يمض علي إنشائها قرن واحد فقط

 

ولم تعرف الإنسانية علي طول تاريخها لغة خلدها كتاب‏,‏ إلا اللغة العربية التي بدأت بكتاب الله‏(‏ القرآن الكريم‏)‏ مرحلة جديدة في حياتها الخالدة حيث ساعدت قراءة القرآن علي توفير قاعدة أدائية في الجانب الصوتي‏,‏ وهو أكثر جوانب اللغة تعرضا للتغيير والانحراف والتشويه‏.‏ وهكذا شاءت إرادة الله أن تكون اللغة العربية لغة الإسلام ومن هنا كانت تلك الحملات الضارية التي انصبت علي اللغة العربية بهدف النيل منها بشتى الطرق والصور‏,‏ مما أوجب علي أبنائها المخلصين لها ولربهم أن يعملوا جهدهم لتيسير تناولها وتعلمها للأجيال الجديدة من الأمة العربية والإسلامية ومن رغب في تناولها وتعلمها‏.

 

مفاهيم أساسية:

أكثر جوانب اللغة تعرضا للتغيير والانحراف والتشويه هي القاعدة الأدائية في الجانب الصوتي منها وهو ما نعرفه بالقراءة‏,‏ والقراءة عملية معقدة ذات أبعاد متميزة‏,‏ ولكنها متكاملة‏,‏ لا ينفصل واحد منها عن الآخر‏,‏ أي أن القراءة في حقيقة أمرها نظام صوتي يتعامل مع السليقة اللغوية لدي القارئ أو المتعلم أو السامع فيسهل عليه عملية الإدراك اللغوي‏.‏

 

ولقد حاول المغرضون بكل قواهم وأساليبهم المتعددة أن يلصقوا صفة التعقيد بالنظام الصوتي للغة العربية وهذا أمر بعيد كل البعد عن الحقيقة‏,‏ ولكنهم نجحوا بعض الشيء في أن يلحق القصور والتخبط بمرحلة تلقي اللغة وتعلمها‏.‏

 

وحتى يستقيم الأمر سنبين بعض المفاهيم المتداولة في علم الأصوات اللغوية‏,‏ فمن المعروف أن الأصوات تنقسم إلي مجموعات مختلفة‏,‏ تبعا لاعتبارات مختلفة‏,‏ فهناك اعتبار المخرج‏,‏ واعتبار التصويت‏,‏ واعتبار التوتر‏,‏ وهي الجوانب الثلاثة الأساسية في تقسيم الأصوات عند تلقي اللغة لابد من الاهتمام بهذه الاعتبارات الثلاثة‏.

 

جذور اللغة العربية

لا نغالي إذا قلنا أن انطلاقة اللغة العربية كان من منابع أجواء جنوب الجزيرة العربية ومن اليمن بشكل خاص.

 

وهنا يداهمنا الظن ويساورنا التساؤل: كيف تسنى للغة الجنوب فيما بعد أن تستحوذ على لغة ولهجات مناطق شمال الجزيرة التي تختلف عنها كلياً، ولتصبح بالتالي لهجة إحدى القبائل الشمالية مصدراً أساسياً لعربية اليوم.

 

وهنا يداهمنا الظن ويساورنا التساؤل: كيف تسنى للغة الجنوب فيما بعد أن تستحوذ على لغة ولهجات مناطق شمال الجزيرة التي تختلف عنها كلياً، ولتصبح بالتالي لهجة إحدى القبائل الشمالية مصدراً أساسياً لعربية اليوم.

 

ولكي نوفي حق التساؤل أعلاه عادة ما تتراقص في أخيلتنا مؤثرات استحواذ لغة على لغة أخرى بحكم العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها مجتمعة أو منفردة، وأحياناً ما تتحكم في ذلك ظروف البيئة الطبيعية التي تحتمها الأحداث المفاجئة، وهذا ما حصل فعلاً  قدر تعلق الأمر بتساؤلنا، حيث أن انهيار سد مأرب الشهير والمعروف بأسم عاصمة المملكة السبئية الثانية(650 ـ 115 ق م) في اليمن، وخرابه إثر السيل العَرِم بين (542 ـ570)، ألحق أضراراً لا حصر لها في المنطقة الجنوبية، غيرت من ظروف الحياة المعيشية من جراء أخطار الفيضانات العارمة وتدميرها شبكات تنظيم الري والأراضي الزراعية ودور السكن. إن هذه الكارثة حَدَت بأعداد كبيرة من سكان قبائل المنطقة للنزوح والهجرة صوب المناطق الشمالية، واستقرت في يثرب ومكة والشام والعراق، حتى قيل عن ذلك (تفرقوا أيدي سبأ). هذا بالإضافة إلى غزوات الأحباش والروم والفرس التي سببت فيما بعد توالي هجرات سكان المنطقة إلى الشمال.

 

إن هذه الهجرة المباغتة وما تعاقبتها من هجرات بسبب الغزوات لا تعني بأنه من السهولة على تلك القبائل من فرض سيطرتها على المنطقة برمتها بقدر ما تعني الخضوع لمتطلبات الأستقرار وضمان الحياة المعيشية. إلا أنه رغم الظروف السلبية في الحياة المعيشية فأنه حتمت مستلزمات الحاجة على مدى الزمن لتوطيد أواصر التقارب والإختلاط والجوار والمصاهرة. ومما لا شك فيه أن أزمات التنافر والمشاحنات ظلت دائرة إلى فترة ظهور الإسلام عام 622 م ونشوء فكرة أسس الدولة العربية.

 

ان ما تجدر الإشارة إليه هو انتشار الديانة اليهودية والمسيحية في المنطقة، وتواجد العرب بعيدين عن هاتين الديانتين وانعزافهم إلى الوثنية، حيثأ أَلَّهوا بعض قوى الطبيعة ومن الهتهم الشهيرة مناة الهة الحظ في مكة، واللات وتدعى الربة في الطائف، والعُزَّى أي الزُهرة في قريش، إضافة للحجر الأسود في مكة حيث كانت ُتنصب فوقه الأصنام. ان هذا الأنعزاف الوثني في العهد الجاهلي لم يكن حاجزاً ومانعاً من إقدام جماعات من العرب على اعتناق الديانتين المذكورتين، فقد كان هناك من دان باليهودية في اليمن ويثرب وخيبر، وبالنصرانية في مناطق الجزيرة والعراق والشام، وهناك دلائل عديدة على ذلك الاعتناق.

 

ومما سبق ذكره يتسنى لنا القول من تواجد لغتين متفاوتتين في منطقة الجزيرة العربية هما الآرامية والعبرية إلى جانب العربية التي تأثرت بهما واستعارت منهما العديد من المفردات التي سنأتي على ذكرها فيما بعد.

 

من هذا المنطلق يسعنا القول: إن العربية أحدث لغة من حيث المنشأ والتاريخ بين مجموعة اللغات السامية، وتُعَد أغلبها وسعاً وانتشاراً، قياساً بأختيها الآنفتي الذكر رغم انتمائهن جميعاً لذات الأرومة. (للتعليق والمشاركة حول الموضوع)

أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية

 

 

 

فقه اللغة - 1 

بقلم الكاتب: د. سالم سليمان الخماش

جامعة الملك عبد العزيز بجدة / كلية الآداب والعلوم الإنسانية

 

فقه اللغة عند الأوائل

 

إن أول من استخدم اصطلاح فقه اللغة كان ابن فارس  (ت 395 هـ) في عنوان كتابه (الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها). ثم نصادف هذا الاصطلاح بعد ذلك في عنوان كتاب الثعالبي: (فقه اللغة وأسرار العربية)). ولكننا نجد مفهوم فقه اللغة مختلفا عند الرجلين.

 

مفهوم فقه اللغة عند ابن فارس

يتبين المطلع على كتاب ابن فارس (الصاحبي في فقه اللغة) أنه ينظر إلى هذا النوع من التأليف على أنه دراسة القوانين العامة التي تنتظم اللغة في جميع مستوياتها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية والأسلوبية.

 

مفهوم فقه اللغة عند الثعالبي:

الثعالبي يرى أنّ فقه اللغة علم خاص بفقه وفهم المفردات، وتمييز مجالاتها واستعمالاتها الخاصة والاهتمام بالفروق الدقيقة بين معانيها. وقد ترجم هذه الفكرة عنه بشكل واضح ابن خلدون في مقدمته حيث قال: "ثم لما كانت العرب تضع الشيء لمعنى على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظاً أخرى خاصة‏ بها فرق ذلك عندنا بين الوضع والاستعمال واحتاج الناس إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ، كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب ومن الإنسان بالأزهر ومن الغنم بالأملح حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحناً وخروجاً عن لسان العرب‏.‏ واختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي وأفرده في كتاب له سماه (فقه اللغة).

 

سبب اختلاف المفهومين

ويبدو لنا أن هذا الاختلاف قد نتج عن اختلاف استعمال كلمة (لغة). فابن فارس استعملها بمعناها العام المطلق أي تلك الوسيلة المتعددة المستويات التي يستعملها الناس في التفاهم فيما بينهم. لذا جاء مفهوم فقه اللغة عنده واسعا وشاملا لجميع مستويات اللغة.

 

أما الثعالبي فقد استخدم كلمة (لغة) في معناها الخاص، الذي يقابل كلمة نحو، وهو معرفة المفردات ومعانيها. لذا نرى فقه اللغة عنده هو فقه للمفردات لا التراكيب والأساليب.

 

قال ابن فارس في مقدمة كتابه الصاحبي:

"إِن لعلم العرب أصلاً وفرعاً: أمَّا الفرعُ فمعرفة الأسماء والصفات كقولنا: "رجل" و "فرس" و "طويل" و "قصير". وهذا هو الَّذِي يُبدأ بِهِ عند التعلُّم. وأمَّا الأصلُ فالقولُ عَلَى موضوع اللغة وأوَّليتها ومنشئها، ثُمَّ عَلَى رسوم العرب فِي مخاطبتها، وَمَا لَهَا من الافْتِنان تحقيقاً ومجازاً. والنّاسُ فِي ذَلِكَ رجلانِ: رجلٌ شُغل بالفرع فلا يَعْرِف غيرَه، وآخَرُ جَمع الأمريْنِ معاً، وهذه هي الرُّتبة العليا، لأن بِهَا يُعلم خطابُ القرآن والسُّنة، وعليها يُعول أهلُ النَّظر والفُتيا، وذلك أن طالبَ العلم العُلويُ يكتفي من سماء "الطويل" باسم الطويل، ولا يَضِيرُه أن لا يعرف "الأشَقَّ" و "الأَمقَّ" وإن كَانَ فِي علم ذَلِكَ زيادةُ فَضل. وإنَّما لَمْ يَضِره خفاءُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لأنَّه لا يَكاد يجدُ منه فِي كتاب الله جل ثناؤه فيُحْوَج إِلَى علمه."

 

كتب فقه اللغة عند العرب

كتاب الصاحبي في فقه اللغة لابن فارس

موضوعات فقة اللغة في كتاب الصاحبي في فقه اللغة

 

كتاب القرن الرابع لم يعرفوا تقسيم الموضوعات تقسيماً منهجياً دقيقاً، بل كان يغلب عليهم الاستطراد وعدم المنهجية، لذلك نجد في الكتاب عدداً من الموضوعات عن اللغة وطبيعتها، ثم إن هناك مسائل عن أصوات اللغة وعددا من الأبواب عن الصرف وعن البلاغة ومسائل في الدلالة، وموضوعات في الأسلوب، والاختلاف حول نشأة اللغة. ومن الموضوعات المهمة في فقه اللغة التي نصادفها في كتاب (الصاحبي) ما يلي:

 

(أ) (باب القول على لغة العرب أتوقيف أم اصطلاح)

وفيه يحتج ابن فارس لنظرية التوقيف التي تقول إن اللغة توقيف وتعليم من الله عز وجل مستدلا بدليل (1) نصي من القرآن هو قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) و (2) بدليل عقلي هو قوله إن إجماع العلماء على الاحتجاج بلغة القوم فيما يختلفون فيه أو يتفقون عليه ، ثم احتجاجهم بأشعارهم، يدل أنه لو كانت اللغة مواضعة واصطلاحا لم يكن أولئك في الاحتجاج بهم بأولى منا في الاحتجاج بنا على لغة عصرنا، و (3)  بدليل اجتماعي وهو زعمه "أنه لم يبلغنا أن قوما من العرب في زمان يقارب زماننا أجمعوا على تسمية شيء من الأشياء مصطلحين عليه."

 

(ب) اختلاف لغات العرب. في هذا الباب أورد ابن فارس وجوه الاختلاف بين اللهجات العربية القديمة  ومما ذكره من أصناف هذه الاختلافات:

(1) الاختلاف فِي الحركات كقولنا: "نَستعين" و "نِستعين" بفتح النون وكسرها. قال الفرَّاء: هي مفتوحة فِي لغة قريش، وأسدٌ وغيرهم يقولونها بكسر النون.

(2) الاختلاف فِي الحركة والسكون مثل قولهم: "معَكم" و "معْكم" أنشد الفرّاء:

(3) الاختلاف فِي إبدال الحروف نحو: "أولئك" و "أُولالِكَ". ومنها قولهم: "أنّ زيداً" و "عَنّ زيداً".

(4) الاختلاف فِي الهمز والتليين نحو "مستهزئون" و "مستهزُوْن".

(5) الاختلاف فِي التقديم والتأخير نحو "صاعقة" و "صاقعة".

(6) الاختلاف فِي الحذف والإثبات نحو "استحيَيْت" و "استحْيت" و "صدَدْت" و "أَصْدَدْت".

(7) الاختلاف فِي التذكير والتأنيث فإن من العرب من يقول "هَذِهِ البقر" ومنهم من يقول "هَذَا البقر" و "هَذَه النخيل" و "هَذَا النخيل".

(8) الاختلاف فِي الإعراب نحو "مَا زيدٌ قائماً" و "مَا زيدٌ قائم" و "إنّ هذين" و "إنّ هذان" وهي بالألف لغة لبني الحارث بن كعب يقولون لكلّ ياء ساكنة انفتح مَا قبلها ذَلِكَ.

(9) الاختلاف فِي صورة الجمع نحو: "أسرى" و "أُسارى".

 

(جـ) باب (القول فِي اللغة الَّتِي بِهَا نزل القرآن، وأنه لَيْسَ فِي كتاب الله جلّ ثناؤه شيء بغير لغة العرب) عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل القرآن عَلَى سبعة أحرُف أَوْ قال بسبعِ لغات، منها خمسٌ بلغة العَجْزِ من هَوازن وهم الذين يقال لهم علُيا هَوازن وهي خمس قبائل أَوْ أربع، منها سَعدُ بن بكر وجُشَمُ بن بكر ونَصْر بن مُعاوية وثَقيف. قال أبو عُبيد: وأحسب أفصَحَ هؤلاء بني سعد بن بكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أفصَح العَرَب مَيْد أني من قريش وأني نشأت فِي بني سعد بن بكر" وَكَانَ مُسْتَرْضَعاً فيهم، وهم الذين قال فيهم أبو عمرو بن العَلاء: أفصح العرب عُليا هَوازِن وسُفْلى تميم. وعن عبد الله بن مسعود أنه كَانَ يَستَحبُّ أن يكون الذين يكتبون المَصاحف من مُضر. وقال عمر: لا يُمْلِيَنَّ فِي مَصاحِفِنا إِلاَّ غلمان قريش وثَقيف. وقال عثمان: اجعلوا المُمليَ من هُذَيل والكاتبَ من ثقيف.

 

قال: (أبو عبيد) وزعم أهل العَربية أن القرآن لَيْسَ فِيهِ من كلام العجَم شيء وأنه كلَّه بلسانٍ عربيّ، يتأوَّلون قوله جلّ ثناؤه "إنا جعلناه قرآناً عربياً" وقوله "بلسان عربيّ مبين". قال أبو عبيد: والصواب من ذَلِكَ عندي - والله اعلم - مذهب فِيهِ تصديق القوْلين جميعاً. وذلك أنَّ هَذِهِ الحروف وأصولها عجمية - كما قال الفقهاء - إِلاَّ أنها سقَطَت إِلَى العرب فأعرَبَتها بألسنَتها، وحوَّلتها عن ألفاظ العجم إِلَى ألفاظها فصارت عربيَّة. ثُمَّ نزل القرآن وَقَدْ اختَلَطت هَذِهِ الحروف بكلام العَرَب. فمن قال إنها عَرَبية فهو صادق، ومن قال عجمية فهو صادق.

 

(د) باب (القول فِي مأخذ اللغة)

تؤخذ اللغة اعتياداً كالصبي العربيّ يسمع أبويه وغيرهما، فهو يأخذ اللغة عنهم عَلَى مَرّ من الأوقات. وتؤخذ تلقُّناً من ملقّن. وتؤخذ سماعاً من الرُّواة الثقات ذوي الصدق والأمانة، ويُتَّقى المظنون.

 

(هـ) باب القول فِي الاحتجاج باللغة العربية

لغةُ العرب يحتج بِهَا فيما اختلفُ فيه، إِذَا كَانَ "التنازع في اسم أو صفة أو شيء ومما تستعمله العرب من سننها في حقيقة ومجاز، أو ما أشبه ذلك مما يجيء في كتابنا هذا إن شاءَ الله. فأما الذي سبيله سبيل الاستنباط، أو ما فيه لدلائل العقل مجال - فإن العرب وغيرهم فيه سواء؛ لأن سائلا لو سأل عن دلالة من دلائل التوحيد أو حجة في أصل فقه أو فرعه - لم يكن الاحتجاج فيه بشيء من لغة العرب، إذ كان موضوع ذلك على غير اللغات. فأما الذي يختلف فيه الفقهاء - من قوله جل وعز: (أو لامستُم النِساء) وقوله: (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قُروء) وقوله جل وعز: (ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم) وقوله: (ثم يعودون لما قالوا) - فمنه ما يصلح الاحتجاج فيه بلغة العرب، ومنه ما يوكل إلى غير ذلك.

 

(و) باب (القول على لغة العرب هل لها قياس وهل يشتق بعض الكلام من بعض؟)

أجمع أهل اللغة إلا من شذ عنهم أن للغة العرب قياساً وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجنّ مشتق من الاجتنان. وأن (الجيم والنون) تدُلاَّن أبداً عَلَى الستر. تقول العرب للدّرع: جُنَّة. وأجَنه الليلُ. وهذا جنين، أي هو فِي بطن أمّه أَوْ مقبور. وأن الإنس من الظهور. يقولون: آنَسْت الشيء: أبصرته. وَعَلَى هَذَا سائرُ كلام العَرَب، عَلم ذَلِكَ من عَلِم وجَهِلَه من جهل.. وَلَيْسَ لَنَا اليوم أن نخترع ولا أن نقول غير مَا قالوه، ولا أن نقيس قياساً لَمْ يقيسوه، لأن فِي ذَلِكَ فسادَ اللغة وبُطلان حقائقها. ونكتةُ الباب أن اللغة لا تؤخذ قياساً نَقيسهُ الآن نحن.

 

(ز) باب (مراتب الكلام فِي وُضوحه وإشكاله)

 أما واضح الكلام - فالذي يفهمه كلّ سامع عرَف ظاهرَ كلام العرب. كقول القائل: شربت ماءً ولَقيت زيداً. وكما جاء فِي كتاب الله جلّ ثناؤه: "حُرِّمَتْ عليكم المَيْتَةُ والدمُ ولحمُ الخِنْزير" وكقول النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم: "إِذَا اسْتَيْقَظَ أحدُكم من نومه، فلا يَغْمِسْ يدَه فِي الإِناء حَتَّى يَغْسِلَها ثلاثاً".

 

وأما المشكل، فالذي يأتيه الإشكال من: غَرابة لفظه، أَوْ أن تكون فِيهِ إشارة إِلَى خبر لَمْ يذكره قائلهُ عَلَى جهته، أَوْ أن يكون الكلام فِي شيء غير محدود، أَوْ يكون وَجيزاً فِي نفسه غير مَبْسوط، أَوْ تكون ألفاظه مُشتركةً.

 

فأما المُشكلِ لغرابة لفظه - فمنه فِي كتاب الله جلُّ ثناؤه "فلا تَعْضُلوهن"، "ومِن الناس من يعبُد الله عَلَى حَرف"، "وسَيِّداً وحَصُوراً"، "ويُبْرئُ الأكْمَهَ" وغيرُهُ مما صَنَّف علماؤنا فِيهِ كتَبَ غريب القرآن. ومنه فِي حديث النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم: "عَلَى التِّيعَةِ شاة. والتِّيمة لصاحبها. وَفِي السُّيُوبِ الخُمُس لا خِلاطَ ولا وِراطَ ولا شِناقَ ولا شِغارَ

 

والذي أشكل لإيماء قائله إِلَى خبر لَمْ يُفصح بِهِ – فكقوله: إِن العصا قُرِعَت لِذِي الحِلْمِ.

 

والذي يشكل لأنه لا يُحَدُّ فِي نفس الخطاب - فكقوله جلّ ثناؤه: ""أقيموا الصلاة" فهذا مجمّل غير مفصل حَتَّى فَسَّره النبي صلَى الله تعالى عَلَيْهِ وسلم:

 

والذي أشكل لوجَازة لفظه قولهم:

 

الغَمَراتِ ثُم َّيَنْجَلِينَا

 

والذي يأتيه الإشكال من اشتراك اللفظ: قول القائل: وضَعوا اللُّجَّ عَلَى قَفيَّ. (اللج هو السيف) ويظهر هنا أن الإشكال ليس من جهة الاشتراك اللفظي كما زعم ابن فارس وإنما من جهة غرابة اللفظ.

 

(ح) باب (الأسماء كَيْفَ تقع عَلَى المسميات)

يُسمَّى الشيئان المختلفان بالاسمين المختلفين، وذلك أكثر الكلام كرَجُل وفَرَس. ونُسمى الأشياء الكثيرة بالاسم الواحد، نحو: "عين الماء" و "عين المال" و "عين السحاب".

 

ويسمى الشيء الواحد بالأَسماء المختلفة (الترادف)، نحو: "السيف والمهنّد والحسام".

 

والذي نقوله فِي  هَذَا: إن الاسم واحد وهو "السيف" وَمَا بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى. وَقَدْ خالف فِي ذَلِكَ قوم فزعموا أنها وإن اختلفت  ألفاظها فإنها ترجع إِلَى معنى واحد. وذلك قولنا: "سيف وعضب وحُسام". وقال آخرون:  لَيْسَ منها اسم ولا صفة إِلاَّ ومعناه غيرُ معنى الآخر. قالوا: وكذلك الأفعال. نحو: مضى وذهب وانطلق. وقعد وجلس. ورقد ونام وهجع. قالوا: ففي "قعد" معنى لَيْسَ  فِي "جلس" وكذلك القول فيما سواهُ . . . ومن سُنَن العرب فِي الأَسماء أن يسمّوا المتضادَّين باسم واحد. نحو "الجَوْن" للأسود و "الجَوْن" للأبيض. وأنكر ناس هَذَا المذهب وأن العرب تأتي باسم واحد لشيء وضدّه. وهذا لَيْسَ بشيء. وذلك أن الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمي السيف مهنَّداً والفَرَسَ طِرْفاً هم الَّذِين رَوَوْا أن العرب تُسمِّي المتضادَّين باسم واحد. وَقَدْ جرَّدنا فِي هَذَا كتاباً ذكرنا فِيهِ مَا احتجوا به، وذكرنا ردَّ ذَلِكَ ونقصه، فلذلك لَمْ نكرّرِهُ.

 

(ط) باب (النحت)

العرب تَنْحَتُ من كلمتين كلمةً واحدة، وهو جنس من الاختصار، وذلك مثل: "رجل عَبْشَميّ" منسوب إِلَى اسمين، وأنشد الخليل:

 

أقول لَهَا ودمعُ العين جارٍ      ألَمْ تَحْزُنْكِ حَيْعَلةُ المنادي

 

 مكان قوله: "حَيَّ علي". وهذا مذهبنا فِي أنّ الأشياء الزائدة عَلَى ثلاثة أحرف أكثرها منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد "ضَبَطرٌ" [ضبط وضبر] وَفِي "الصِّلِّدْم" إنه من "الصَّلد" و "الصَّدْم". وَقَدْ ذكرنا ذَلِكَ بوجوهه فِي كتاب مقاييس اللغة.

 

معجم مقاييس اللغة

لأبن فارس كتاب آخر نادر في موضوعة وقيّم في مادته هو (معجم مقاييس اللغة)، فهو معجم فريد في بابه ، لا يشبهه في تناول المفردات إلا كتاب (مفردات غريب القرآن) للأصفهاني، إلا أن الأخير خاص بمفردات القرآن الكريم لا يتعداها، وأما المقاييس فقد تناول معظم مفردات اللغة. وقد بُنـي معجم مقاييس اللغة على فكرتين تُعدان من أهم موضوعات فقه اللغة: (1) إن لمفردات العربية مقاييس صحيحة وأصولا تتفرع منها. وهذه الفكرة ذكرها ابن فارس أيضا في الصاحبي في باب (القول على لغة العرب هل لها قياس وهل يشتق بعض الكلام من بعض) حيث قال: "أجمع أهل اللغة إلا من شذ عنهم أن للغة العرب قياساً وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجنّ مشتق من الاجتنان. وأن الجيم والنون تدُلاَّن أبداً عَلَى الستر. تقول العرب للدّرع: جُنَّة. وأجَنه الليلُ، وهذا جنين، أي هو فِي بطن أمّه أَوْ مقبور." وقد طبق هذه الفكرة في معجم المقاييس. (2) والفكرة الثانية هي رأيه في أصل ما فوق الرباعي، وقد ذكر ذلك في الصاحبي عندما قال: "مذهبنا فِي أنّ الأشياء الزائدة عَلَى ثلاثة أحرف أكثرها منحوت، مثل قول العرب للرجل الشديد "ضَبَطرٌ" [ضبط وضبر] وَفِي "الصِّلِّدْم" إنه من "الصَّلد" و "الصَّدْم." ولكنه في المقاييس توسع في تطبيق هذا المفهوم على ما يريو على ثلاثمائة لفظ، وما خرج عن ذلك نسبه إما لزيادة حرف على الثلاثي أو نسبه إلى أصل الوضع. وهنا سنورد أمثلة الاشتقاق الذي اصطلح من بعده على تسميته بالاشتقاق الأصغر:

 

برم الباء والراء والميم يدلُّ على أربعة أصولٍ: إحكام الشَّيء، والغَرَض به، واختِلاف اللَّونين، وجنسٌ من النَّبات.

 

فأمّا الأوّل فقال الخليل: أبْرَمْتُ الأمرَ أحكمتُه. قال أبو زياد: المبارم مغازلُ ضِخامٌ تُبْرِم عليها المرأةُ غَزْلَها، ويقال أبرمْتُ الحَبْلَ، إذا فتَلْتَه متيناً، وَالمُبْرَم الغزْل.

 

وأمَّا الغَرَض فيقولون: بَرِمْتُ بالأمرِ عَيِيتُ به، وَأبرَمَنِي أعْيَانِي. قال: ويقولون أرجُو أنْ لا أَبْرَمَ بالسُّؤَالِ عن كذا، أي لا أعْيَا.

 

وأمّا اختلاف اللَّوْنَيْن فيقال إنّ البريمَينِ النَّوعانِ مِنْ كلّ مِن ذي خِلْطَيْنِ، مثل سوادِ اللَّيْلِ مختلطاً ببياض النهار، وكذلك الدَّمع مع الإثْمِد بَريمٌ. قال أبو زياد: ولذلك سُمّي الصُّبْحُ أوَّلَ ما يبدُو بَرِيماً، لاختلاط بياضِه بسواد اللَّيل؛ وَالبريم شيءٌ تشدُّ به المرأةُ وسَطَها، منظَّم بخَرَزٍ.

 

والأصل الرابع: البَرَم، (وأطيبُها ريحا) بَرَمُ السَّلَم، وأخْبَثُها ريحاً بَرَمَةُ العُرْفُط، وهي بيضاءُ كبَرَمَةِ الآس. قال أبو زياد: البَرَمَةُ الزَّهرةُ التي تخرج فيها الحُبْلة. أبو الخطّاب: البَرَم أيضاً حُبوبُ العِنَب إذا زادَتْ على الزَّمَعِ، أمثال رُءُوس الذّرّ.

 

وشذّ عن هذِهِ الأصول البُرَام، وهو القُرَاد الكبير، تقول العرب: «هو أَلْزَقُ مِنْ بُرام»؛ وكذلك البُرْمة، وهي القِدْر.

 

والظاهر أن الأمر بخلاف ما قال ابن فارس لأن هذه المعاني راجعة إلى أصل واحد وهو اللف والبرم. فالغرض هو الشعور بعصر في الجوف، وبرم الشجر لأن زهرته مبرومة، واختلاف اللونين لأن الحبل يلف منمن شريختين مختلفتي اللون.

 

جدر الجيم والدال والراء أصلان.

 

فالأوَّل الجِدار، وهو الحائط وجمعه جُدُر وَجُدْران، وَالجَدْرُ أصل الحائط، ومنه الجَديرة، شيءٌ يُجْعَل للغنم كالحظيرة. ومن هذا الباب قولهم هو جديرٌ بكذا، أي حريٌّ به، وهو مما ينبغي أن يثبت ويبني أمرَه عليه. ويقولون: الجديرة الطبيعة.

 

والأصل الثاني ظُهور الشيء، نباتاً وغيره. فالجُدرِيّ معروف، وهو الجَدَرِيُّ أيضاً. وَالجَدَر سِلْعَةٌ تظهر في الجَسَد، وَالجَدْر النبات، يقال: أجْدَرَ المكانُ وَجَدَرَ، إذا ظهر نباته.

 

وَالجَدْرُ: أثر الكَدْمِ بعُنق الحمار، وإنما يكون من هذا القياس لأنَّ ذلك يَنْتَأُ له جلدُه، فكأنَّه الجُدَرِيّ.

 

جرح الجيم والراء والحاء أصلان: أحدهما الكسب، والثاني شَقّ الجِلْد.

 

فالأوّل قولهم (اجترح) إذا عمل وكَسَب؛ قال الله عزّ وجلّ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} (الجاثية21)؛ وإنّما سُمّي ذلك اجتراحاً لأنه عَمَلٌ بالجوَارح، وهي الأعضاء الكواسب. وَالجوارحُ من الطَّير والسباع: ذَوَاتُ الصَّيد.

 

وأما الآخَر (فقولهم) جرحَه بحديدةٍ جرْحاً، والاسم الجُرْح. ويقال جرَح الشاهدَ إذا ردّ قولَه بِنَثاً غيرِ جميل، وَاستَجْرَحَ فلانٌ إذا عمل ما يُجْرَح من أجله.

 

عوي العين والواو والياء:  أصلٌ صحيح يدلُّ على ليّ في الشىء وعطْفٍ له.

 

قال الخليل: عَوَيت الحبلَ عَيًّا إذا لويتَه، وعَوَيت رأس النّاقة، إذا عُجْتَه فانعوى، والناقة تَعْوِي بُرَتَها في سَيرها، إذا لوَتْها بخَطْمها، وتقول للرّجُل إذا دعا النّاسَ إلى الفتنة: عوى قومًا، واستعوى. فأمَّا عُوَاء الكلب وغيرِه من السباع فقريبٌ من هذا، لأنّه يَلوِيه عن طريق النَّبْح: يقال عَوَتِ السّباع تَعوِي عُواءً؛ وأمّا الكَلْبة المستحرِمة فإنَّها تسمَّى المعاوِيَة، وذلك من العُواء أيضًا، كأنَّها مُفاعلة منه. والعَوَّاء: نجمٌ في السماء، يؤنّث، يقال لها: «عوّاء البَرْد»، إذا طلعت جاءت بالبرد، وليس ببعيد أن تكون مشتقَّةً من العُواء أيضًا، لأنّها تأتي ببردٍ تعوي له الكلاب؛ ويقولون في أسجاعهم: «إذا طلعت العَوَّاء، جَثَمَ الشتاء، وطابَ الصّلاء»، وهي في هذا السَّجع ممدودة، وهي تمدُّ وتقصر. ويقولون على معنى الاستعارة لسافِلَة الإنسان: العَوَّاء.

 

ويبدو لنا أن ما قرره ابن فارس من أن عوى الذئب مأخوذ من معنى لوى ليس صحيحا لأنه من الكلمات المحاكية لمعناه أي لصوت الذئب، لأنه يخيل إلينا أن صوته (عووووو).

 

برق الباء والراء والقاف تعود إلى أصلين أحدهما اللمعان  والآخر شئ به نقط بيض وسود. والواقع أن هذا أصل واحد وليس كما زعم. والذي يظهر لنا أنهما يعودان إلى أصل واحد لأن اجتماع البياض والسواد يؤدي إلى حدوث ما يشبه البريق لتداخل اللونين كما يتداخل النور والظلام.

 

ما جاء من كلام العرب على أكثَر من ثلاثة أحرف

 

اعلم أنّ للرُّباعيّ والخُماسيّ مذهباً في القياس، يَستنبِطه النَّظرُ الدَّقيق. وذلك أنّ أكثر ما تراه منه منحوتٌ، ومعنى النَّحت أن تُؤخَذَ كلمتان وتُنْحَتَ منهما كلمةٌ تكون آخذةً منهما جميعاً بحَظَ. والأصل في ذلك ما ذكره الخليل من قولهم حَيْعَلَ الرَّجُل، إذا قالَ حَيَّ عَلى.

 

ومن الشيءِ الذي كأنَّه متَّفَقٌ عليه قولهم عَبْشَمّى من عبد شمس.

 

فعلى هذا الأصل بَنَيْنَا ما ذكرناه من مقاييس الرُّباعي، فنقول: إنَّ ذلك على ضربين: أحدهما المنحوت الذي ذكرناه، والضَّرْب الآخر (الموضوع) وضعاً لا مجالَ له في طُرق القياس، وسنبيِّن ذلك بعَون الله.

 

ما جاءَ منحوتاً من كلام العرب في الرُّباعي

 

ومن ذلك بَحْثَرْتُ الشيءَ، إذا بَدّدته، وَالبَحْثَرَة: الكَدَر في الماء. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من بحثْتُ الشَّيء في التراب ومن البَثر الذي يَظْهَر على البَدَن، وهو عربيٌّ صحيحٌ معروف، وذلك أنَّه يَظْهَرُ متفرِّقاً على الجِلْد

 

ومن ذلك السَّحْبَل: الوادي الواسع، وكذلك القِرْبة الواسعة: سَحْبلة؛ فهذا منحوت من سحل إذا صبّ، ومن سَبَل، أومن سَحَبَ إذا جرى وامتدّ،

 

ومن ذلك المُغَثْمَرُ، وهو الثَوْب الخشنُ الرَّدىء النَّسْج. يقال: ألبستُهُ المغَثْمَرَ لأدفع به عنه العينَ؛ وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من غثم وغثر، أمّا غثر فمن الغُثْر، وهو كلُّ شىء دُونٍ. وأمّا غثم فمن الأغثم: المختلط السَّواد بالبياض.

 

ما زيد فيه حرف للمبالغة

 

ومن هذا الباب ما يجيءُ على الرُّباعي وهو من الثلاثي على ما ذكرناه، لكنَّهم يزيدون فيه حرفاً لمعنىً يريدونه مِنْ مبالغةٍ، كما يفعلون ذلك في زُرْقُمٍ وخَلْبَنٍ، لكن هذه الزيادَة تقع أوّلاً وغيرَ أوّلٍ.

 

ومن ذلك البَحْظَلَة قالوا: أنْ يَقفِزَ الرَّجُل قَفَزانَ اليَربوع، فالباء زائدةٌ؛ قال الخليل: الحاظل الذي يمشي في شِقِّه، يقال مَرَّ بنا يْحَظَلُ ظالِعاً.

 

ومن ذلك البِرْشاع الذي لا فُؤاد له. فالرَّاء زائدة، وإنما هو من الباء والشين والعين التي تدل على الكراهة والضيق.

 

ومن ذلك البَرْغَثَة، الراء فيه زائدة وإنما الأصل الباء والغين والثاء. والأبغث من طير الماء كلون الرَّماد، فالبَرْغَثَةُ لونٌ شبيهٌ بالطُّحْلة، ومنه البُرْغُوث.

 

ومن ذلك البَرْجَمَةُ: غِلَظُ الكَلام، فالراء زائدةٌ، وإنَّما الأصل البَجْم. قال ابنُ دريد: بَجَم الرّجُل يَبْجُمُ بُجُوماً، إذا سكَتَ من عِيَ أو هَيْبَةٍ، فهو باجِمٌ.

 

ومن ذلك بَرْعَمَ النَّبْتُ إذا استدارَتْ رُءُوسُه، والأصل بَرَع إذا طال ومن ذلك البَرْكَلَةُ وهو مَشْيُ الإنسان في الماء والطِّين، فالباء زائدةٌ، وإنما هو من تَرَكَّلَ إذا ضَرَبَ بإحدى رجليه فأدخلها في الأرض عند الحفْر.

 

ومن ذلك الفَرقَعة: تنقيضُ الأصابع، وهذا مما زيدت فيه الراء، وأصله فَقَع.

 

ما وضع من الرباعي وضعا

 

البُهْصُلَةُ: المرأة القَصِيرة، وحمار بُهْصُلٌ قصير. وَالبُخْنُق: البُرْقُع القصير، وقال الفرّاء: البُخْنُق خِرْقةٌ تَلْبَسُها المرأة تَقِي بها الخِمَار الدُّهْنَ. البَلْعَثُ: السّيِء الخُلُق. البَهْكَثَةُ: السُّرْعة. البَحْزَج: وَلَدُ البَقَرة وكذلك البُرْغُزُ. بَرْذَنَ الرَّجُل: ثَقُل. البرازِق: الجماعات. البُرْزُلُ: الضخم. ناقة بِرْعِس: غَزِيرة. بَرْشَط اللَّحْمَ: شَرْشَرَهُ. بَرْشَمَ الرَّجُلُ، إذا وَجَمَ وأظهر الحُزْن، وَبَرْهَم إذا إدامَ النظَر. والبَرْقَطَة: خَطْوٌ متقارب.

 

وممّا وضع وضعًا وليس ببعيدٍ أن يكون له قياس: غَرْدَقْتُ السَّتْرَ: أرسلتُه، والغُرْنُوق: الشاب الجميل. والغُرْنَيْق طائر.

 

كتب على شاكلة الصاحبي في فقه اللغة

هناك كتب أخرى طرقت موضوعات تشبه تلك التي اشتمل عليها كتاب الصاحبي. من هذه الكتب: (الخصائص) لابن جني، و(المزهر في علوم اللغة) للسيوطي.

 

 

 

كتاب الخصائص لابن جني

ولد ابن جني من أب رومي يوناني. نشأ بالموصل وأخذ النحو عن الأخفش وأبي على الفارسي الذي لازمه طويلاً، واجتمع بالمتنبي الذي، أعجب بسعة علمه في اللغة، في بلاط سيف الدولة وفي شيراز عند عضد الدولة. وكان المتنبي إذا سئل عن دقيقة في شعره قال: اسألوا عنها صاحبنا ابن جني . أهدى كتاب (الخصائص)  إلى بهاء الدولة الذي تولى الملك في بغداد. وتوفي هذا العالم اللغوي الفذ سنة 392هـ.

 

جاء في مقدمة الخصائص "هذا أطال الله بقاء مولانا الملك السيد المنصور المؤيد بهاء الدولة ... كتاب لم أزل على فارط الحال وتقادم الوقت ملاحظا له عاكف الفكر عليه ... هذا مع إعظامي له وإعصامي بالأسباب المنتاطة به واعتقادي فيه أنه من أشرف ما صنف في علم العرب وأذهبه في طريق القياس والنظر ... وأجمعه للأدلة على ما أودعته هذه اللغة الشريفة من خصائص الحكمة ونيطت به من علائق الإتقان والصنعة.

 

ثم يبين ابن جني غرضه من تأليف هذا الكتاب قائلا: "ذلك أنا لم نر أحدا من علماء البلدين تعرض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه فأما كتاب أصول أبي بكر [ابن السراج] فلم يلمم فيه بما نحن عليه إلا حرفا أو حرفين في أوله وقد تعلق عليه به وسنقول في معناه. على أن أبا الحسن [الأخفش] قد كان صنف في شئ من المقاييس كتيبا إذا أنت قرنته بكتابنا هذا علمت بذاك أنا نُبْنا عنه فيه وكفيناه كُلفة التعب به وكافأناه على لطيف ما أولاناه من علومه."

 

ابن جني قصد بقوله في المقدمة "لم نر أحدا من علماء البلدين تعرض لعمل أصول النحو على مذهب أصول الكلام والفقه" تطبيق مناهج أصول الكلام والفقه على المباحث اللغوية. وبعبارة أخرى يريد أن يطبق منهج التعليل والقياس الذي اعتمده الأصوليون والفقهاء في استنباط الأحكام من النصوص على النظر في اللغة. ويقال إنه أول من أدخل منهج القياس في الدرس اللغوي.

 

ونجده في (باب ذكر علل العربية أكلامية هي أم فقهية) يقارن بين القياس عند اللغويين من جهة وعند الفقهاء والكلاميين من جهة أخرى، فيقول: "اعلم أن علل النحويين وأعنى بذلك حذاقهم المتقنين لا ألفافهم المستضعفين أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين وذلك أنهم إنما يحيلون على الحس ويحتجون فيه بثقل الحال أو خفتها على النفس وليس كذلك حديث علل الفقه وذلك أنها إنما هي أعلام وأمارات لوقوع الأحكام ووجوه الحكمة فيها خفية عنا غير بادية الصفحة لنا ألا ترى أن ترتيب مناسك الحج وفرائض الطهور والصلاة والطلاق وغير ذلك إنما يرجع في وجوبه إلى ورود الأمر بعمله ولا تعرف علة جعل الصلوات في اليوم والليلة خمسا دون غيرها من العدد ولا يعلم أيضا حال الحكمة والمصلحة في عدد الركعات ولا في اختلاف ما فيها من التسبيح والتلاوات إلى غير ذلك مما يطول ذكره ولا تحْلى النفس بمعرفة السبب الذي كان له ومن أجله وليس كذلك علل النحويين وسأذكر طرفا من ذلك لتصح الحال به.

 

ويحتج للشبه بين علل النحويين والكلاميين بما ذكره أبو إسحاق في سبب رفع الفاعل ونصب المفعول حيث قال: "إنما فعل ذلك للفرق بينهما، ثم سأل نفسه فقال  فإن قيل  فهلا عكست الحال فكانت فرقا أيضا قيل الذي فعلوه أحزم وذلك أن الفعل لا يكون له أكثر من فاعل واحد وقد يكون له مفعولات كثيرة فرفع الفاعل لقلته ونصب المفعول لكثرته وذلك ليقل في كلامهم ما يستثقلون ويكثر في كلامهم ما يستخفون فجرى ذلك في وجوبه ووضوح أمره مجرى شكر المنعم وذم المسئ في انطواء الأنفس عليه وزوال اختلافها فيه ومجرى وجوب طاعة القديم سبحانه لما يعقبه من إنعامه وغفرانه ومن ذلك قولهم إن ياء نحو ميزان وميعاد انقلبت عن واو ساكنة لثقل الواو الساكنة بعد الكسرة وهذا أمر لا لبس في معرفته ولا شك في قوة الكلفة في النطق به وكذلك قلب الياء في موسر وموقن واوا لسكونها وانضمام ما قبلها ولا توقف في ثقل الياء الساكنة بعد الضمه لأن حالها في ذلك حال الواو الساكنة بعد الكسرة وهذا كما تراه أمر يدعو الحس إليه ويحدو طلب الاستخفاف عليه وإذا كانت الحال المأخوذ بها المصير بالقياس إليها حسية طبيعية فناهيك بها ولا معدل بك عنها."

 

يمكن القول بأن موضوعات الخصائص تدور حول القضايا التالية:

أ) ماهية اللغة وتعرفها وماهية الكلام والقول والإعراب.

ب) أصل اللغة ومبدئها وجمع اللغة وتوثيقها وحجيتها.

ج) موضوعات تتعلق مستويات الدرس اللغوي: الأصوات والاشتقاق والصرف والنحو.

 

موضوعات فقه اللغة في كتاب الخصائص

يجدر بنا في هذا المقام أن نفصل الكلام في قضايا فقه اللغة المشهورة التي وردت في الخصائص وهي كالتالي:

 

- تعريف اللغة:

- نجد في الخصائص أشهر تعريف للغة في الفكر العربي والإسلامي، وهو تعريف تناقله بعد ذلك اللغويون والأصوليون. يقول ابن جني: أما حدها فإنها أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم هذا حدها، وأما تصريفها ومعرفة حروفها فإنها فعلة من لغوت أي تكلمت وأصلها لغوة ككرة وقلة وثُبَة كلها لاماتها واوات لقولهم كروت بالكرة وقلوت بالقلة، وقيل منها لغي يلغي إذا هذي ومصدره اللغا. وكذلك اللغو قال الله سبحانه وتعالى وإذا مروا باللغو مروا كراما أي بالباطل وفي الحديث من قال في الجمعة صه فقد لغا أي تكلم.

 

- مبدأ اللغات:

-  تعرض ابن فارس لمبدأ اللغات ولكن بشكل مقتضب أما ابن جني فقد ذكر النظريات الثلاث المتداولة بين مفكري عصره في باب بعنوان (باب القول على أصل اللغة أإلهام هي أم اصطلاح).

 

بدأ أولا ببيان صعوبة البحت في هذا الموضوع الشائك قائلا: "هذا موضع محوج إلى فضل تأمل." ثم بدأ بعد ذلك بإيراد رأي أهل الاصطلاح قائلا: غير أن أكثر أهل النظر على أن أصل اللغة إنما هو تواضع واصطلاح لا وحي وتوقيف‏.‏ وذلك أنهم ذهبوا إلى أن أصل اللغة لا بد فيه من المواضعة. قالوا‏:‏ وذلك كأن يجتمع حكيمان أو ثلاثة فصاعداً فيحتاجوا إلى الإبانة عن الأشياء المعلومات فيضعوا لكل واحد منها سمة ولفظاً إذا ذكر عرف به ما مسماه ليمتاز من غيره وليغنى بذكره عن إحضاره إلى مرآة العين فيكون ذلك أقرب وأخف وأسهل من تكلف إحضاره لبلوغ الغرض في إبانة حاله‏.‏ بل قد يحتاج في كثير من الأحوال إلى ذكر ما لا يمكن إحضاره ولا إدناؤه كالفاني وحال اجتماع الضدين على المحل الواحد ... فكأنهم جاءوا إلى واحد من بني آدم فأومئوا إليه وقالوا‏:‏ إنسان إنسان إنسان فأي وقت سمع هذا اللفظ علم أن المراد به هذا الضرب من المخلوق وإن أرادوا سمة عينه أو يده أشاروا إلى ذلك فقالوا‏:‏ يد عين رأس قدم أو نحو ذلك‏.‏ فمتى سمعت اللفظة من هذا عرف معنيُّها وهلم جرا فيما سوى هذا من الأسماء والأفعال والحروف‏.‏ ثم لك من بعد ذلك أن تنقل هذه المواضعة إلى غيرها فتقول‏:‏ الذي اسمه إنسان فليجعل مكانه مرد والذي اسمه رأس فليجعل مكانه سر وعلى هذا بقية الكلام‏.‏

 

ثم ذكر رأي القائلين بالتوقيف وحججهم:

 

إلا أن أبا علي رحمه الله قال لي يوماً‏:‏ هي من عند الله واحتج بقوله سبحانه‏:‏ ‏(‏وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا‏)‏ وهذا أيضاً رأي أبي الحسن على أنه لم يمنع قول من قال‏:‏ إنها تواضع منه‏.‏ على أنه قد فسر هذا بأن قيل‏:‏ إن الله سبحانه علم آدم أسماء جميع المخلوقات بجميع اللغات‏:‏ العربية والفارسية والسريانية والعبرية والرومية وغير ذلك من سائر اللغات فكان آدم وولده يتكلمون بها ثم إن ولده تفرقوا في الدنيا وعلق كل منهم بلغة من تلك اللغات فغلبت عليه واضمحل عنه ما سواها لبعد عهدهم بها‏.‏ وإذا كان الخبر الصحيح قد ورد بهذا وجب تلقيه باعتقاده والانطواء على القول به‏.‏

 

ثم بعد هذا يذكر رأي عباد بن سليمان الصيمري الذي يرى أن اللغة بدأت طبيعية عن طريق المحاكاة: "وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها إنما هو من الأصوات المسموعات كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزيب الظبي ونحو ذلك‏.‏ ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد‏.‏ وهذا عندي وجه صالح ومذهب متقبل‏.‏ 

 

ثم نراه أمام هذه الآراء المتباينة وغياب الأدلة القطعية يفصح عن تردده في هذه القضية قائلا: "واعلم فيما بعد أنني على تقادم الوقت دائم التنقير والبحث عن هذا الموضع فأجد الدواعي والخوالج قوية التجاذب لي مختلفة جهات التغول على فكري‏.‏ وذلك أنني إذا تأملت حال هذه اللغة الشريفة الكريمة اللطيفة وجدت فيها من الحكمة والدقة والإرهاف والرقة ما يملك علي جانب الفكر حتى يكاد يطمح به أمام غلوة السحر‏.‏.. ثم أقول في ضد هذا‏:‏ كما وقع لأصحابنا ولنا وتنبهوا وتنبهنا على تأمل هذه الحكمة الرائعة الباهرة كذلك لا ننكر أن يكون الله تعالى قد خلق من قبلنا .. من كان ألطف منا أذهاناً وأسرع خواطر وأجرأ جناناً‏.‏ فأقف بين تين الخلتين حسيراً وأكاثرهما فأنكفيء مكثوراً‏.‏

 

- باب في الاشتقاق الأكبر

هذا موضع لم يسمه أحد من أصحابنا غير أن أبا علي رحمه الله كان يستعين به ويخلد إليه مع إعواز الاشتقاق الأصغر‏.‏ لكنه مع هذا لم يسمه وإنما كان يعتاده عند الضرورة ويستروح إليه ويتعلل به‏.‏ وإنما هذا التلقيب لنا نحن‏.‏ وستراه فتعلم أنه لقب مستحسن‏.‏ وذلك أن الاشتقاق عندي على ضربين‏:‏ كبير وصغير‏.‏ فالصغير ما في أيدي الناس وكتبهم كأن تأخذ أصلا من الأصول فتتقراه فتجمع بين معانيه وإن اختلفت صيغه ومبانيه‏.‏ وذلك كتركيب ‏"‏ س ل م ‏"‏ فإنك تأخذ منه معنى السلامة في تصرفه نحو سلم ويسلم وسالم وسلمان وسلمى والسلامة والسليم‏:‏ اللديغ أطلق عليه تفاؤلا بالسلامة‏.‏

 

وعلى ذلك بقية الباب إذا تأولته وبقية الأصول غيره كتركيب ‏"‏ ض ر ب ‏"‏ و ‏"‏ ج ل س ‏"‏ و ‏"‏ ز ب ل ‏"‏ على ما في أيدي الناس من ذلك‏.‏ فهذا هو الاشتقاق الأصغر‏.‏ وقد قدم أبو بكر رحمه الله رسالته فيه بما أغنى عن إعادته لأن أبا بكر لم يأل فيه نصحا وإحكاما وصنعة وتأنيسا‏.‏

 

وأما الاشتقاق الأكبر فهو أن تأخذ أصلا من الأصول الثلاثية فتعقد عليه وعلى تقاليبه الستة معنى واحداً تجتمع التراكيب الستة وما يتصرف من كل واحد منها عليه وإن تباعد شيء من ذلك عنه رد بلطف الصنعة والتأويل إليه كما يفعل الاشتقاقيون ذلك في التركيب الواحد‏.‏

 

وقد كنا قدمنا ذكر طرف من هذا الضرب من الاشتقاق في أول هذا الكتاب عند ذكرنا أصل الكلام والقول وما يجيء من تقليب تراكيبهما نحو ‏"‏ ك ل م ‏"‏ ‏"‏ ك م ل ‏"‏ ‏"‏ م ك ل ‏"‏ ‏"‏ م ل ك ‏"‏ ‏"‏ ل ك م ‏"‏ ‏"‏ ل م ك ‏"‏ وكذلك ‏"‏ ق و ل ‏"‏ ‏"‏ ق ل و ‏"‏ ‏"‏ و ق ل ‏"‏ ‏"‏ و ل ق ‏"‏ ‏"‏ ل ق و ‏"‏ ‏"‏ ل و ق ‏"‏ وهذا أعوص مذهباً وأحزن مضطربا‏.‏ وذلك أنا عقدنا تقاليب الكلام الستة على القوة والشدة وتقاليب القول الستة على الإسراع والخفة‏.‏ وقد مضى ذلك في صدر الكتاب‏. لكن بقي علينا أن نحضر هنا مما يتصل به أحرفا تؤنس بالأول وتشجع منه المتأمل‏.‏

 

فمن ذلك تقليب ‏"‏ ج ب ر ‏"‏ فهي أين وقعت "للقوة والشدة‏."

 

منها جبرت العظم والفقير إذا قويتهما وشددت منهما والجبر‏:‏ الملك لقوته وتقويته لغيره‏.‏ ومنها رجل مجرب إذا جرسته الأمور ونجذته فقويت منته واشتدت شكيمته‏.‏ ومنه الجراب لأنه يحفظ ما فيه وإذا حفظ الشيء وروعى اشتد وقوى وإذا أغفل وأهمل تساقط ورذى‏.‏

 

ومنها الأبجر والبجرة وهو القوي السرة‏.‏

 

ومنه البُرج لقوته في نفسه وقوة ما يليه به وكذلك البَرج لنقاء بياض العين وصفاء سوادها هو قوة أمرها وأنه ليس بلون مستضعف

 

ومنها رجبت الرجل إذا عظمته وقويت أمره‏.‏ ومنه رجب لتعظيمهم إياه عن القتال فيه وإذا كرمت النخلة على أهلها فمالت دعموها بالرجبة وهو شيء تسند إليه لتقوى به‏.‏ والراجبة‏:‏ أحد فصوص الأصابع وهي مقوية لها‏.‏

 

ومنها الرباجي وهو الرجل يفخر بأكثر من فعله قال‏:‏ وتلقاه رباجيا فخورا تأويله أنه يعظم نفسه ويقوي أمره‏.‏

 

واعلم أنا لا ندعى أن هذا مستمر في جميع اللغة كما لا ندعي للاشتقاق الأصغر أنه في جميع اللغة‏.‏ بل إذا كان ذلك الذي هو في القسمة سدس هذا أو خمسه متعذرا صعبا كان تطبيق هذا وإحاطته أصعب مذهبا وأعز ملتمسا‏. ‏بل لو صح من هذا النحو وهذه الصنعة المادة الواحدة تتقلب على ضروب التقلب كان غريباً معجباً‏.‏ فكيف به وهو يكاد يساوق الاشتقاق الأصغر ويجاريه إلى المدى الأبعد.

 

- إمساس الألفاظ أشباه المعاني 

يقصد ابن جني بعبارة (إمساس الألفاظ أشباه المعاني) محاكاة الألفاظ لمعانيها. وقد بين أنواع هذه المحاكاة:

 

(أ) محاكاة الصوت: من ذلك تسميتهم الأشياء بأصواتها كالخازباز لصوته والبط لصوته والواق للصرد لصوته وغاق للغراب لصوته وحنين الرعد.

 

(ب) محاكاة طبيعة الأحداث والأشياء: يقول: كثيراً ما يجعلون أصوات الحروف على سمت الأحداث المعبر بها عنها فيعدلونها بها ويحتذونها عليها‏. من ذلك قولهم‏:‏ خضم وقضم‏.‏ فالخضم لأكل الرطب كالبطيخ والقثاء وما كان نحوهما من المأكول الرطب‏. والقضم للصلب اليابس نحو قضمت الدابة شعيرها ونحو ذلك‏.‏ فاختاروا الخاء لرخاوتها للرطب والقاف لصلابتها لليابس حذواً لمسموع الأصوات على محسوس الأحداث‏.‏

 

ومن ذلك قولهم‏:‏ النضح للماء ونحوه والنضخ أقوى من النضح. قال الله سبحانه‏:‏ فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ‏‏ فجعلوا الحاء لرقتها للماء الضعيف والخاء لغلظها لما هو أقوى منه‏.‏

 

(جـ) محاكاة الحركة: قال سيبويه في المصادر التي جاءت على الفعلان‏:‏ إنها تأتي للاضطراب والحركة نحو النقزان والغلبان والغثيان‏. فقابلوا بتوالي حركات المثال توالي حركات الأفعال‏.‏ ووجدت أنا من هذا الحديث أشياء كثيرة على سمت ما حداه ومنهاج ما مثلاه‏.‏ وذلك أنك تجد المصادر الرباعية المضعفة تأتي للتكرير نحو الزعزعة والقلقلة والصلصلة والقعقعة والصعصعة والجرجرة والقرقرة‏.‏ ووجدت أيضاً الفَعَلى في المصادر والصفات إنما تأتى للسرعة نحو البَشَكي والجَمَزي والوَلَقي.

 

(د) محاكاة قوة الأحداث أو كثرتها: ومن ذلك أنهم جعلوا تكرير العين في المثال دليلاً على تكرير الفعل فقالوا‏:‏ كسّر وقطّع وفتّح وغلّق‏.‏ وذلك أنهم لما جعلوا الألفاظ دليلة المعاني فأقوى اللفظ ينبغي أن يقابل به قوة الفعل والعين أقوى من الفاء واللام وذلك لأنها واسطة لهما.

 

(هـ) محاكاة ترتيب الحدث: وذلك أنهم قد يضيفون إلى اختيار الحروف وتشبيه أصواتها بالأحداث المعبر عنها بها ترتيبها وتقديم ما يضاهي أول الحدث وتأخير ما يضاهي آخره وتوسيط ما يضاهي أوسطه سوقاً للحروف على سمت المعنى المقصود والغرض المطلوب‏.‏ وذلك قولهم‏:‏ (بحث‏).‏ فالباء لغلظها تشبه بصوتها خفقة الكف على الأرض والحاء لصحلها تشبه مخالب الأسد وبراثن الذئب ونحوهما إذا غارت في الأرض والثاء للنفث والبث للتراب‏. ومن ذلك قولهم‏:‏ شد الحبل ونحوه‏.‏ فالشين بما فيها من التفشي تشبه بالصوت أول انجذاب الحبل قبل استحكام العقد ثم يليه إحكام الشد والجذب وتأريب العقد فيعبر عنه بالدال التي هي أقوى من الشين ولاسيما وهي مدغمة فهو أقوى لصنعتها وأدل على المعنى الذي أريد بها‏.

 

- تصاقب الألفاظ لتصاقب المعاني

وهو أن تتقارب الحروف لتقارب المعاني‏.‏ وهذا باب واسع‏.‏

 

من ذلك قول الله سبحانه‏:‏ {‏‏أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} أي تزعجهم وتقلقهم‏.‏ فهذا في معنى تهزهم هزا والهمزة أخت الهاء فتقارب اللفظان لتقارب المعنيين‏.‏ وكأنهم خصوا هذا المعنى بالهمزة لأنها أقوى من الهاء وهذا المعنى أعظم في النفوس من الهز‏.‏

 

ومنه العسف والأسف والعين أخت الهمزة كما أن الأسف يعسف النفس وينال منها والهمزة أقوى من العين كما أن أسف النفس أغلظ من التردد بالعسف‏.‏ فقد ترى تصاقب اللفظين لتصاقب المعنيين‏.‏

 

ومنه الجرفة وهي من ‏"‏ ج ر ف ‏"‏ وهي أخت جلفت القلم إذا أخذت جُلْفته وهذا من ‏"‏ ج ل ف ‏"‏ وقريب منه الجنف وهو الميل وإذا جَلَفت الشيء أو جرفته فقد أملته عما كان عليه وهذا من ‏"‏ ج ن ف ‏"‏‏.‏

 

ومن ذلك تركيب ‏"‏ ح م س ‏"‏ و ‏"‏ ح ب س ‏"‏ قالوا‏:‏ حبست الشيء وحمس الشر إذا اشتد‏.‏ والتقاؤهما أن الشيئين إذا حبس أحدهما صاحبه تمانعا وتعازا فكان ذلك كالشر يقع بينهما‏.‏

ومنه العَلْب‏:‏ الأثر والعَلْم‏:‏ الشقّ في الشفة العليا‏.‏ فذاك من ‏"‏ ع ل ب ‏"‏ وهذا من ‏"‏ ع ل م ‏"‏ والباء أخت الميم

ومن ذلك العلز‏:‏ خفة وطيش وقلق يعرض للإنسان وقالوا العلوص لوجع في الجوف يلتوي له.

ومنه الغَرب‏:‏ الدلو العظيمة وذلك لأنها يغرف من الماء بها فذاك من ‏"‏ غ ر ب ‏"‏ وهذا من ‏"‏ غ ر ف ‏".‏

واستعملوا تركيب ‏"‏ ج ب ل ‏"‏ و ‏"‏ ج ب ن ‏"‏ و ‏"‏ ج ب ر ‏"‏ لتقاربها في موضع واحد وهو الالتئام والتماسك‏.‏ منه الجبل لشدته وقوته، وجبن إذا استمسك وتجمع، ومنه جبرت العظم ونحوه أي قويته‏.‏

 

وقد تقع المضارعة في الأصل الواحد بالحرفين نحو قولهم‏:‏ السحيل والصهيل قال‏:‏

وذاك من ‏"‏ س ح ل ‏"‏ وهذا من ‏"‏ ص هـ ل ‏"‏ والصاد أخت السين كما أن الهاء أخت الحاء‏.‏

ومنه قولهم سحل في الصوت وزحر، والسين أخت الزاي كما أن اللام أخت الراء‏.‏

 

ومن من مضارعة الأصلين: جلف وجرم فهذا للقشر وهذا للقطع وهما متقاربان معنى متقاربان لفظاً لأن ذاك من ‏"‏ ج ل ف ‏"‏ وهذا من ‏"‏ ج ر م ‏"‏‏.‏

 

ومن مضارعة الأصول الثلاثة: ا‏:‏ صال يصول كما قالوا‏:‏ سار يسور‏.‏

وقالوا‏:‏ زأر كما قالوا‏:‏ سعل لتقارب اللفظ والمعنى‏.‏

وقالوا‏:‏ صهل كما قالوا‏:‏ صهل كما قالوا‏:‏ زأر‏.‏

ومنه غدر و ختل (وتدلان على الخفاء).

 

المزهر في علوم اللغة للسيوطي

المزهر وفقة اللغة : لم يذكر السيوطي صراحة أن هذا الكتاب في فقه اللغة، إذن ما هي مسوغات اعتباره من كتب فقة اللغة . هناك اعتباران وراء هذا:

 

1- مما يدل على أنه أحد كتب فقه اللغة هو أنه ضمن في مقدمته جزءاً من مقدمة ابن فارس في كتاب الصاحبي في فقه اللغة، يقول: "وقبل الشروع في الكتاب نصدر بمقالة ذكرها أبو الحسين أحمد بن فارس في أول كتابه فقه اللغة قال:  اعلم أن لعلم العرب أصلا وفرعا . . إلخ."

 

2- عند النظر في موضوعات هذا الكتاب نجد أبواباً كثيرة من موضوعات فقه اللغة التى عرفناها في كتاب الصاحبي أو في الخصائص فمثلاً هناك موضوع بداية اللغة، والاشتقاق، الترادف، والاشتراك اللفظي، والقياس. إذن لاشك أن السيوطي وضع هذا الكتاب وفي ذهنه أنه يضع كتاباً في فقه اللغة .

 

ترتيب المزهر:

- لقد اتبع السيوطي ترتيبا لطيفا "هذا علم شريف ابتكرت ترتيبه واخترعت تنويعه وتبويبه وذلك في علوم اللغة وأنواعها وشروط أدائها وسماعها حاكيت به علوم الحديث في التقاسيم والأنواع وأتيت فيه بعجائب وغرائب حسنة الإبداع وقد كان كثير ممن تقدم يلم بأشياء من ذلك ويعتني في بيانها بتمهيد المسالك غير أن هذا المجموع لم يسبقني إليه سابق ولا طرق سبيله قبلي طارق وقد سميته بالمزهر في علوم اللغة."

 

موضوعات المزهر:

إن المزهر يتميز بتقسيم منهجي واضح بعكس الكتب السابقة. وهذا التقسيم متأثر بمنهج علماء الحديث. وهناك خمسة أقسام رئيسة:

 

(ا) اللغة من حيث الإسناد: في هذا القسم والذي يليه يظهر تأثير علم الحديث واضحا في المنهج والمصطلحات. يعدد السيوطي في مقدمته ثمانية أنواع من الموضوعات عائدة إلى إسناد اللغة، هي: (1) معرفة الصحيح الثابت، (2) معرفة ما روي من اللغة ولم يصح ولم يثبت (3) معرفة المتواتر والآحاد (4) معرفة المرسل والمنقطع (5) معرفة الأفراد (6) معرفة من تقبل روايته ومن ترد (7) معرفة طرق الأخذ والتحمل (8) معرفة المصنوع وهو الموضوع ويذكر فيه المدرج والمسروق.

 

(ب) اللغة من حيث الألفاظ: يشتمل على ثلاثة عشر نوعا: معرفة الفصيح، معرفة الضعيف والمنكر والمتروك، معرفة الرديء المذموم، معرفة المطرد والشاذ، معرفة الحوشي والغرائب والشوارد والنوادر، معرفة المهمل والمستعمل، معرفة المفاريد، معرفة مختلف اللغة، معرفة تداخل اللغات، معرفة توافق اللغات، معرفة المعرب، معرفة الألفاظ الإسلامية، معرفة المولد.

 

(جـ) اللغة من حيث المعنى: يتضمن ثلاثة عشر نوعا من الموضوعات: خصائص اللغة، معرفة الاشتقاق، معرفة الحقيقة والمجاز، معرفة المشترك، معرفة الأضداد، معرفة المترادف، معرفة الإتباع، معرفة الخاص والعام، معرفة المطلق والمقيد، معرفة المشجر، معرفة الإبدال، معرفة القلب، النحت.

 

(د) طرائف اللغة وملحها: يدخل تحته موضوعات مثل: معرفة الأمثال، معرفة الآباء والأمهات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات والأذواء والذوات، معرفة الملاحن والألغاز.

 

(هـ) حفظ اللغة وضبط مفاريدها: ومنه معرفة الأشباه والنظائر.

 

(ز) رجال اللغة ورواتها: وأنواعه تتعلق بموضوعات مثل: معرفة آداب اللغوي، معرفة كتاب اللغة، معرفة التصحيف والتحريف، معرفة الطبقات والحفاظ والثقات والضعفاء، معرفة الأسماء والكنى والألقاب والأنساب.

 

أهمية كتاب المزهر: كتاب المزهر من أهم كتب اللغة بوجه عام ومن أهم كتب فقه اللغة بوجه خاص لأمور منها :

 

(1) اشتماله على أبحاث وافية تتعلق بعدد من موضوعات فقه اللغة, مثل: أصل اللغة، وظيفة اللغة، الاشتقاق، الاشتراك اللفظي، الأضداد، الترادف، القلب، الإبدال، النحت، وغيرها.

 

(2) اعتمد ترتيباً وتبويباً علمياً لطيفاً بناه منهج أهل الحديث، الأمر الذي جعل هذا الكتاب سهل المأخذ، واضح المنهج.

 

(3) اشتمل على آراء أخذت من مصادر متعددة من كتب اللغة والأصول والبلاغة والكلام. فمثلاً المجاز موضوع شائك لم يكتف فيه السيوطي بإيراد آراء اللغويين وإنما استقصى فيه الآراء المختلفة التي أدلى بها اللغويون والبلاغيون وأهل الكلام والأصوليون وغيرهم .

 

(4)  حفظ المزهر بين دفتيه كثيرا من المواد والآراء التي كانت جزءا من كتب قيمة فقدت في عصرنا الحاضر.

 

 

 

فقه اللغة وسر العربية للثعالبي

ذكرنا من قبل أن مفهوم الثعالبي لفقه اللغة يختلف عنه عند ابن فارس، فالثعالبي يراه فقها وفهما دقيقا متعلقا بالمفردات والفروق الدقيقة بين استعمالاتها.

 

فقه اللغة وسر العربية ينقسم على قسمين رئيسين:

الأول: هو فقه اللغة، والثاني: سر العربية.

 

القسم الأول يشتمل على ثلاثين باباً وكل باب يحتوي على عدد من الفصول. والناظر في القسم الأول يجد أنه يشبه معجماً مؤلفاً حسب ترتيب المعاني لا ترتيب الألفاظ حسب أوائلها أو أواخرها.

 

أمثلة من القسم الأول (فقه اللغة)

 

في تَقْسِيم اللِّينِ

 

ثَوْبٌ لين

رِيح رُخَاء

رًمْح لَدْن

لَحْمٌ رَخْص

بَنَان طَفْل

شَعْر سُخام

غُصْن أُمْلُود

فِرَاشٌ وثِير

أرْضٌ دَمِثَة

بَدَن نَاعِمٌ

فَرَس خَوَّارُ العِنَانِ إذا كان ليِّنَ المَعْطَفِ.‏

 

في خِيَارِ الأشْيَاءِ

سَرَوَاتُ النَّاسِ

حُمْرُ النَّعَمِ

جِيَادُ الخَيْلِ

عِتَاقُ الطَّيْرِ

لَهَامِيمُ الرَجَال

حَمَائِمُ الإبِلِ ، واحِدُها: حَميمَة ، عَن ابْن السِّكِّيتِ

أحْرَارُ البُقُولِ

عَقِيلَةُ المَالِ

 

حُرُّ المتَاعِ والضِّيَاعِ.‏

فِيمَا لا خيْرَ فِيهِ مِنَ الأَشْيَاءِ الرَّدِيئَةِ والفُضَالات والأثْفَالِ

خُشَارَةُ النَّاسِ

خَشَاشُ الطَّيْرِ

نُفُايَةُ الدَّرَاهِمِ

قشَامَةُ الطَّعَام

حُثَالَةُ المائِدَةِ

حُسَافَةُ التَّمْرِ

قِشْدَةُ السَّمْنِ

عَكَرُ الزَيْتِ

رُذَالَةُ المَتَاعِ

غُسَالَةُ الثَيَابِ

قُمَامَةُ البيْتِ

قُلامَةُ الظُّفْرِ

خَبَثُ الحَدِيدِ.‏

في الخُلُوِّ مِنَ اللِّبَاسِ والسِّلاح

رَجُلٌ حَافِ مِنَ النَّعْلِِ والخُفِّ

عُرْيَان مِنَ الثِّيَابِ

حَاسِر مِنَ العِمَامَةِ

أَعْزَلُ مِنَ السِّلاحِ

أَكْشَفُ مِنَ التُّرْسِ

أَمْيَلُ مِنَ السَّيْفِ

أَجَمُّ مِنَ الرُّمْحِ

أَنْكَبُ مِنَ ا لقَوْسَ.‏

في خَلاءِ الأعْضَاءِ مِن شعُورِهَا

رَأْسٌ أَصْلَعُ

حَاجِب أَمْرَطُ وَأََطْرَطُ

جَفْن أَمْعَطُ

خَد أَمْرَدُ

عارِض أثَطُّ

جَنَاح أحَصُّ

ذَنَبٌ أجْرَدُ

بَدَن أمْلَطُ ،

قَالَ اللَيْثُ:

الأمْلَطُ الَّذِي لاَ شَعْرَ على جَسَدِهِ كُلِّهِ إلا الرأسَ واللِّحْيةَ، وكانَ الأحْنَفُ بنُ قَيْس أَمْلَطَ.‏

 

في الإشْبَاعِ والتَّأكِيد

أَسْوَدُ حَالِك

أبْيَض يَقِقٌ

أَصْفَرُ فَاقِعٌ

أخضَرُ نَاضِر

أَحْمَرُ قَانِئ.‏

فصل في الأولاَدِ

وَلَدُ الفِيلِ دَغْفَل

وَلَدُ النَّاقَةِ حوَارٌ

وَلَدُ الفَرَسِ مُهْر

وَلَد الحِمَارِ جَحْشٌ

وَلَدُ البَقَرَةِ عِجْل

وَلَدُ البَقَرَةِ الوَحْشِيَّةِ بَحْزَجٌ وَبَرْغَز

وَلَدُ الشّاةِ حَمَل

وَلَدُ العَنْزِ جَدْي

وَلَدُ الأسَدِ شِبْل

وَلَد الظَبيِ خَشْفٌ

وَلَدُ الأرْويَّةِ وَعْل وَغًفْر

وَلَدُ الضَّبُع فُرْعُلٌ

وَلَدُ الدُّبِّ دَيْسَمٌ

وَلَدُ الخِنْزِيرِ خِنَّوْص

وَلَدُ الثَّعْلَب هِجْرِسٌ

وَلَدُ الكَلْبِ جَرْو

وَلَدُ الفَأْرَةِ دِرْصٌ

وَلَدُ الضَّبِّ حِسْل

وَلَدُ القِرْدِ قِشَّةَ

وَلَدُ الأرْنَبِ خِرْنِق

وَلَدُ اليَبْرِ خِنْصِيصٌ ، عن الخارَزَنجي عَنْ أبي الزَّحْفِ التَّمِيميّ

وَلَدُ الحيّةِ حِرْبِشٌ

وَلَدُ الدَّجَاجِ فَرُّوجٌ

وَلَدُ النَّعامِ رَأْلٌ.‏

 

في تَقْسِيم الشفَاهِ

 

شَفَةُ الإنْسانِ

مِشْفَر البَعِيرِ

جَحْفَلَةُ الفَرَسِ

خَطْمُ السَّبُعِ

مِقَمَّةُ الثَّوْرِ

مَرَمَة الشَاةِ

فِنْطِيسَةُ الخِنْزِيرِ

في تَقْسِيمِ الثَّدْي

ثًنْدُؤَةُ الرَّجُلِ

ثَدْيُ المرْأةِ

خِلْفُ النَّاقَةِ

ضَرْعُ الشَّاةِ والبَقَرَةِ

طُبْيُ الكَلْبَةِ.‏

 

في ضربِ الأعْضَاءِ

 

الضَّرْبُ بالرَاحَةِ عَلَى مُقَدَّم الرّأْسِ صَقْع

وَعَلَى القَفَا صَفْع

وَعَلَى الوَجهِ صَكّ (وبِهِ نَطَقَ القُرْآنُ)

وَعَلَىَ الخَدِّ بِبَسْطِ الكَفِّ لَطمٌ

وَبِقَبْضِ الكَفَ لَكْمٌ

وَبِكِلْتَا اليَدَيْنِ لَدْم

وَعَلَى الذَّقَنِ والحَنَكِ وَهْز ولَهْزٌ

وَعَلَى الصَدْرِ والجَنْبِ بِالكَفِّ وَكْز وَلَكْز

وَعَلَى الجَنْبِ بالإصْبَعِ وَخْزٌ

وَعَلَى الصَّدْرِ والبَطْنِ بالرُّكْبَةِ زَبْن

وبالرِّجْل رَكْلٌ ورَفْسٌ

وَعَلَى العَجُزِ بالكَفِّ نَخْسٌ

وَعَلَى الضَرْعِ كَسْع

وَعَلى الاسْتِ بِظَهْرِ القَدَمِ ضَفْن.‏

 

في تَقْسِيمِ الرَّمْي بأشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ

 

خَذَفَه بالحَصَى

حَذَفَهُ بالعَصَا

قَذَفَهُ بالحَجَرِ

رَجَمَهُ بالحجَارَةِ

رَشَقَهُ بالنَّبْلِ

نَشَبَهُ بالنُّشَّابِ

زَرَقَهُ بالمِزْرَاقِ

حَثَاهُ بالتُّرابِ

نَضَحَهُ بالمَاءِ

لَقَعَهُ بالبَعْرَةِ .

 

قَالَ أبُو زَيْدٍ: وَلا يَكُونُ اللَّقْعُ في غَيْرِ البَعْرَةِ مِمّا يُرْمَى بِهِ ، إِلا أنَهُ يُقَالُ: لَقَعَه بِعَيْنِهِ إِذَا عَانَهُ أيْ: أصَابَهُ بِالْعَيْنِ.

 

في تَفْصِيلِ جَمَاعَاتٍ شَتّى

جِيلٌ مِنَ النَّاسِ

كَوْكَبَةٌ مِنَ الفُرْسَانِ

حِزْقَة مِنَ الغِلْمَانِ

حَاصِب مِنَ الرِّجَالِ

كَبْكَبَةٌ مِنَ الرَّجَّالَةِ

لُمَّة مِنَ النِّسَاءِ

رَعِيل مِنَ الخَيْلِ

صِرْمَةٌ مِنَ الإِبِل

قَطِيعٌ مِنَ الغَنَمِ

عَرْجَلَة مِنَ السِّبَاعِ

سِرْب مِنَ الظِّبَاءِ

عِصَابَةٌ مِنَ الطَّيْرِ

رِجْلٌ مِنَ الجَرَادِ

خَشْرَمٌ مِنَ النَّحْلِ.‏

 

وأما القسم الثاني من كتاب الثعالبي وهو سر العربية فيشبه كتاب الصاحبي في موضوعاته، بل إنه نقل فصولا كاملة منه نحو: (فصل في النحت)، (فصل في الإشباع والتوكيد) (فصل نظم للعرب لا يقوله غيرهم ).

 

كتب على شاكلة فقه اللغة للثعالبي

 

المخصص لابن سيده

هناك من حذا حذوا الثعالبي، منهم من تابعه في المفهوم فقط ولم يؤلف كتاباً مثل ابن خلدون الذي لم يؤلف كتاباً في فقه اللغة ولكنه شرح مفهوم فقه اللغة قائلا: "ثم لما كانت العرب تضع الشيء لمعنى على العموم ثم تستعمل في الأمور الخاصة ألفاظاً أخرى خاصة‏‏ بها فرق ذلك عندنا بين الوضع والاستعمال واحتاج الناس إلى فقه في اللغة عزيز المأخذ كما وضع الأبيض بالوضع العام لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالأشهب ومن الإنسان بالأزهر ومن الغنم بالأملح حتى صار استعمال الأبيض في هذه كلها لحناً وخروجاً عن لسان العرب‏.‏ واختص بالتأليف في هذا المنحى الثعالبي."

 

وهناك من ألف كتاباً على طريقة الثعالبي ولكنه لم يسمه فقه اللغة وهو ابن سيده في كتاب المخصص، وهو أضخم قاموس موضوعي في العربية مؤلف من خمسة أجزاء ضخمة وقسم كل جزء إلى أسفار ذاكرا في كل سفر المفردات المتعلقة بموضوعاته الجزئية. ذكر في مقدمته هدفه من هذا المصنف: "تأملت ما ألفه القدماء في هذه اللسان المعربة الفصيحة وصنفوه لتقييد هذه اللغة المتشعبة الفسيحة فوجدتهم قد أورثونا بذلك فيها علوماً نفيسة جمة وافتقروا لنا منها قلباً خسيفةً غير ذمة إلا أني وجدت ذلك نشراً غير ملتئم ونثراً ليس بمنتظم إذ كان لا كتاب نعلمه إلا وفيه من الفائدة ما ليس في صاحبه ثم إني لم أر لهم فيها كتاباً مشتملاً على جلها فضلاً عن كلها"

 

ترتيب المخصص: ثم ذكر السبب الذي دعاه إلى ترتيبه حسب الموضوعات قائلا: " و[أنا] مُبَيّنٌ قبل ذلك لمَ وضعته على غير التجنيس بأني لما وضعت كتابي الموسوم بالمُحكَم مُجَنَّسا لأدُلَّ الباحث على مظنة الكلمة المطلوبة أردت أن أعدل به كتاباً أضعه مُبَوَّباً حين رأيت ذلك أجدى على الفصيح المدره والبليغ المُفَوَّه والخَطيب المصقع والشاعر المجيد المدقع فإنه إذا كانت للمسمى أسماء كثيرة وللموصوف أوصاف عديدة تنقى الخطيب والشاعر منها ما شاءا واتسعا فيما يحتاجان إليه من سجع أو قافية على مثال ما نجده نحن في الجواهر المحسوسة كالبساتين تجمع أنواع الرياحين فإذا دخلها الإنسان أهوت يده إلى ما استحسنته حاستا نظره وشمه."

 

ثم بيّن ابن سيده مميزات منهج كتابه هذا فقال: "فأما فضائل هذا الكتاب من قبل كيفية وضعه فمنها تقديم الأعم فالأعم على الأخص فالأخص، والإتيان بالكليات قبل الجزئيات، والابتداء بالجواهر والتقفية بالأعراض على ما يستحقه من التقديم والتأخير وتقديمنا كم على كيف وشدة المحافظة على التقييد والتحليل، مثال ذلك ما وصفته في صدر هذا لكتاب حين شرعت في القول على خلق الإنسان فبدأت بتنقله وتكونه شيئاً فشيئاً ثم أردفت بكلية جوهره ثم بطوائفه وهي الجواهر التي تأتلف منها كليته ثم ما يلحقه من العظم والصغر ثم الكيفيات كالألوان إلى ما يتبعها من الأعراض والخصال الحميدة والذميمة."

 

موضوع معجم المخصص: وفي نهاية مقدمته بين ابن سيده موضوع هذا المعجم الفريد: "وأما ما يشتمل عليه هذا الكتاب، فعلم اللسان... [وهو] في الجملة ضربان أحدهما: حفظ الألفاظ الدالة في كل لسان ... وذلك كقولنا طويل وقصير وعامل وعالم وجاهل والثاني: في علم قوانين تلك الألفاظ ...، وتلك القوانين كالمقاييس التي يعلم بها المؤنث من المذكر والجمع من الواحد والممدود من المقصور والمقاييس التي تطرد عليها المصادر والأفعال ويبين بها المتعدي من غير المتعدي واللازم من غير اللازم وما يصل بحرف وغير حرف وما يقضي عليه بأنه أصل أو زائد أو مبدل وكالاستدلالات التي يعرف بها المقلوب والمحول والاتباع."

 

نسيم السحر لأبي منصور الثعالبي

 

هو كتيب في اللغة للثعالبي نفسه مرتب بحسب المعاني. وإليك نماذج من أقسامه:

 

تقسيم الجودة، تقسيم الطول، تقسيم اللين ، تقسيم الشدة، تقسيم الكثرة، تقسيم القلة، تقسيم السعة، تقسيم الأصوات، تقسيم الكسر.

 

وعن اختلاف المأوى باختلاف صاحبه يذكر: "وطن الإنسان، عطن الإبل، إصطبل الدواب، زرب الغنم، عرين الأسد، وِجار الذئب والضبع، كناس الظبي، قرية النمل، نافقاء اليربوع، كور الزنابير، خلية النحل، جحر الضب والحية، عش الطائر، أُدحيّ النعامة، أُفحوص القطاة.

 

كفاية المتحفظ ونهاية المتلفظ لإبراهيم الطرابلسي بن الأجدابي

 

قال المؤلف في مقدمته: "هذا كتاب مختصر في اللغة وما يحتاج إليه من غريب الكلام ، أودعناه كثيرا من الأسماء والصفات وجنبناه حوشي الألفاظ واللغات وأعريناه من الشواهد ليسهل حفظه، ويقرب تناوله."

وقد رتبه على أربعين بابا. منها:

باب ألقاب الإنسان في أطوار حياته.

با في ألوان الخيل وشياتها.

باب في المحالّ والأبنية.

باب النبات .

باب في الأطعمة.

 

وقد شرحه أبو عبدالله الصميلي الفاسي، والمرتضي الزبيدي، ونظمه شعرا الخويي، وجمال الدين الطبري، وشمس الدين الهواري وغيرهم. وطبع النهاية عدة طبعات في مصر ولبنان وسوريا .

 

 

 

الإفصاح في فقه اللغة

الإفصاح معجم موضوعي (أي مرتب حسب موضوعاته) وضعه في عصرنا عبد الفتاح الصعيدي وحسين يوسف موسى. وقد أسس مؤلفاه مادته على مادة المخصص لابن سيده. ولأن واضعيه أرادا منه معجما موضوعيا بحتا فقد قاما بحذف القسم الثاني من أقسام المخصص وهو المتعلق بالأمور الصرفية وهذا يعني حذف آخر الجزء الرابع وحذف الجزء الخامس من المخصص،. إضافة إلى ذلك اختصرا كثيرا من استطرادات ابن سيده، وأضافا في مواضع كثيرة مواد جديدة دخلت في معجم العربية الحديث. وظهر في مجلد واحد مما يقرب تناوله ويسهل استعماله.

شكرا للأستاذين:

فاضل تقي الله الذي سجل بعض هذه المحاضرات كتابة وعبد الله الرويلي الذي تفضل مشكورا بطباعتها. (للتعليق والمشاركة حول الموضوع)

أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية

 

 

فقه اللغة - 2

 

 

بقلم الكاتب: د. سالم سليمان الخماش

جامعة الملك عبد العزيز بجدة / كلية الآداب والعلوم الإنسانية

 

وسائل الاتصال غير الكلامية

برغم أن اللغة الصوتية هي الوسيلة الإنسانية الشائعة بين الأمم إلى حد أنه لم يثبت وجود شعب لا يستعمل اللغة الصوتية في الاتصال، إلا أن الإنسان يستخدم بجانب ذلك وسائل اتصالية غير كلامية، بعضها قد يصاحب الكلام وبعضها الآخر مستقل عنه.

 

(أ) الملابس والأزياء: وهي تستخدم للتعبير عن الأحوال النفسية كلبس الملابس البراقة والجديدة في الأعياد ومناسبات الزواج والفرح. وتُرتدى الملابس السوداء للتعبير عن الحزن على موت قريب أو صديق. وقد ترتدى ملابس خاصة في مناسبات دينية كارتداء الإزار والرداء في الحج. والملابس لها قيمة اجتماعية تنبيء عن انتماء الفرد إلى مجتمعه وتقاليده، وهي رمز للمحافظة، والتساهل فيها قد يكون مؤشرا للتمرد الاجتماعي. والملابس قد تنبئ عن وظيفة الفرد أو نوع نشاطه واهتماماته، فهناك ملابس خاصة للملوك والعسكر، وخدم المطاعم والفنادق، الأطباء والممرضين، وعمال الصيانة وغيرهم.

 

(ب) الرسوم والصور: لقد استخدم الإنسان الصور والرسم منذ عصور بعيدة جداً وقد وجدت على جدران الكهوف التي عاش فيها الإنسان القديم ودلت هذه الصور أنها لم تكن جمالية بحته وإنما كانت للاتصال وتبادل الرسائل مع أفراد جنسه. وفي عصرنا الحاضر أصبحت الصور لا غنى عنها في التعليم والإعلام. لذا يندر أن تخلو صحيفة أو مجلة منها. وأصبحت الصور التلفزيونية وخاصة الحية أقوى تعبيرا من الكلمة.

 

(جـ) الإشارات والإيماءات: قيل إن الإنسان يستطيع أن يصنع آلاف الإشارات عن طريق استعماله لكافة حواسه و أطرافة، حتى إن Paget ذهب إلى القول بأن اللغة الإنسانية بدأت بحركات إشارية ثم تطورت إلى صيحات تطورت إلى كلمات تصاحب تلك الحركات، ثم أصبح الإنسان بعد ذلك يعتمد على الصوت أكثر من الإشارات. واللغة الإشارية تبدأ منذ مراحل الطفولة الأولى، فصغير البشر يقرأ الغضب في وجه أبيه والاستحسان في وجه أمه قبل أن يفقه كلمة واحدة. والإشارة ضرورية لإيضاح الاتصال الكلامي. إن الكلمات المكتوبة لا تنقل إلا 7% من شعور الإنسان وموقفه، أما النطق فيرتفع فيه المردود إلى 38%، في حين أن تعبيرات الجسم تقفز بالرقم إلى 55% [1]. وقد وجد أولئك الذين حرموا نعمة السمع في اللغة الإشارية وسيلة تمكنهم من التعبير عن مشاعرهم وآرائهم. وقد أصبحت لغة الإشارة معترفا بها في كثير من دول العالم، يُنظر إليها على أنها اللغة الطبيعية الأم للأصم، بل لقد أصبح لدى المبدعين من الصم القدرة على إبداع قصائد شعرية ومقطوعات أدبية ، وترجمة الشعر الشفوي إلى هذه اللغة التي تعتمد على الإيقاع الحركي للجسد ولا سيما اليدين، فاليد وسيله رائعة للتعبير بالأصابع وتكويناتها، يمكنه أن يضحك ويبكي ، أن يفرح ويغضب ، كما يمكنه الغناء والتمثيل باليد ، بدلا من الغناء والتمثيل الكلامي ، وقد أطلق أحدهم شعار "عينان للسماع."[2]

 

(د) النار والدخان: استخدمت النار وسيلة للاتصال في المجتمعات القديمة، فالعربي يشعل النار ليبدي استعداده لاستقبال الضيوف، وقوة النار دليل على صدق كرم صاحبها وضعف النار أمارة على ضعف الجود والمروءة ، قال الشاعر يهجو:

 

قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم     قالوا لأمهم بولي على النار

 

وقد استخدم اليونان النار وسيلة للاتصال السريع أثناء الحروب، حتى قيل إن أخبار سقوط طروادة نقلت من بلاد الأناضول إلى أثينا عن طريق إشعال سلاسل من النيران. والدخان أيضاً يستخدم إشارة لطلب النجدة أو للإعلام بمواقع التائهين في الجبال أو الغابات. ويستخدمه الهنود الحمر للاتصال.

 

(هـ) الطبول: يقال "دقت طبول الحرب" لأنها كانت تستخدم بعضهم استخدمها وسائل للإنذار من عدو داهم أو للدعوة لحشد الجنود والجيوش والناس للحرب والغزو. وتستخدم الطبول أيضا لإشهار الزواج والفرح. و فرق الموسيقى في الجيوش الحديثة تعطى إشارات معينة باستخدام الطبل وبعض الآلات المزمارية والنحاسية لتنفيذ تشكيلات معينة أثناء الاستعراضات العسكرية.

 

(و) البوق والصفارات والأجراس: يستخدم اليهود البوق للدعوة إلى صلواتهم، وتدق الكنائس أجراسها لدعوة أتباعها. والبوق أيضا أداة للإنذار قال تعالى (فإذا نفخ في الصور )، ونحن اليوم نستخدمه في السيارات لتنبيه المارة أو تنبيه قائدي السيارات الأخرى إلى تجاوزاتهم المرورية. والجيوش الحديثة تستخدم الأبواق لإصدار إشارات عسكرية تتعلق ببعض التشكيلات والتحركات الميدانية، ويذكر أن الجيش الأمريكي يستخدم 40 نوعاً من أصوات البوق كل منها له دلالة معينة. والصفارات أيضا تستخدم للاتصال عبر مسافات طويلة. ففي قرية Kusnoy كسنوي التركية يتبادل الناس الرسائل بواسطة الصفير بشكل ملفت للنظر، إلى درجة أنهم يتبادلون الشتائم والسباب في شكل أنواع من الصفير. وسكان  Gomeraغوميرا في جزر الكناري عرفوا بإسرافهم في استخدام الصفير وسيلة للاتصال بينهم عبر مسافة بعيدة. والصفارة يستخدمها العسس للإنذار والإشعار بوجودهم. ويستخدمها رجال المرور لتنظيم حركة السيارات في مناطق الاختناقات وتقاطع الشوارع. وحكام الرياضة ومدربوها يستخدمونها لتنظيم بداية الألعاب ونهايتها أو للتنبيه إلى الأخطاء التي يرتكبها المشاركون في هذه الألعاب.

 

(ز) أصوات غير لغوية: هذه الأصوات تستخدم لزجر الحيوانات أو حثها. منها مثلا: ده، جَه، لزجر الإبل، إسّ، هِسّ هج لزجر الغنم، وكخ لزجر الطفل. وقد تستخدم هذه الأصوات للتعبير عن الألم، مثل أح، أخ، أو الحزن والأسف أوّه آه ...الخ.

 

أنظمة الاتصال عند الحيوانات والحشرات

 

وسائل الاتصال عند الطيور:

تصدر الطيور أصواتاً مختلفة، منها ما تستخدمه لتحذير بعضها البعض، ومنها ما تعبر به عن مرحها ولعبها، وتصدر ذكور الطيور أصواتاً، تحذر بها غيرها من الذكور من الاقتراب من أعشاشها. كما تصدر أسراب الطيور أصواتاً معينة، عندما تهم بالهجرة، فيجتمع الآخرون لدى سماع تلك الأصوات للاستعداد للرحيل. أما العصافير، فهناك زقزقة النداء، التي يحدثها الذكر لاجتذاب الأنثى عند التزاوج، وزقزقة التحذير التي تحذر العصافير بها بعضها البعض، عند اقتراب الأعداء.

 

ومن أعجب أساليب التفاهم، هو أسلوب الحديث، بين الطائر الذي يسمى "الهادي إلى العسل"، والحيوان المعروف باسم "آكل العسل". فالأول منها يحب أكل يرقات النحل حين تكون كالدود، وآكل العسل مغرم بالعسل. فنرى الهادي إلى العسل، يطير مطوفاً في أنحاء الغابة، باحثاً عن شجرة فيها خلية نحل، ثم يرتد مسرعاً إلى "آكل العسل"، فيحوم فوق رأسه، صارخا: "سِرْ، سِرْ" ليقوم آكل العسل فيتبع أثر الطائر. ولما كان هذا الحيوان في حماية من جلده الكثيف الشعر، فلا يضره لسع النحل، فهو يهجم على الخلية، ويمزقها إرباً، ثم يجتمع هو والطائر على هذه المائدة الشهية .

 

وسائل الاتصال عند الحشرات:

لقد عكف العلماء، على دراسة ما وصفوه بلغة النحل، ولغة الحشرات، وكانت خلاصة مشاهداتهم، ورصدهم لها كالتالي:

 

لغة النحل

لما كان العمل الذي تؤديه النحلة محدوداً، ألا وهو صناعة العسل، وجمع المواد الأولية اللازمة له، وما يتبع ذلك من أعمال، فإنها لم تكن بحاجة في لغتها إلى ما يعبر عن أكثر من هذه المعاني، ولذلك فإن أهم ما يحتويه ما يمكن أن نسميه "قاموس لغة التفاهم" بين النحل، هو مفردات، تصلح للتشجيع على جلب الرحيق، والدلالة على مكان وجوده. وفيما عدا ذلك، فإن بقية الأعمال داخل الخلية، تتم بصورة آلية. أما إذا  ظهر عامل مفاجئ، كهجوم جسم غريب على الخلية، فتكفي الإشارة المعبرة عن ذلك. فالنحلة الجماعة للرحيق مثلاً، عندما تأتي إلى الخلية، وتفتح فمها، وتدلي لسانها على ذقنها، وتدفع نقطة الرحيق إلى قاعدة اللسان، بحيث تراها الشغالة، الصانعة للعسل؛ إنما تقف في وضع يغنيها عن الطلب من النحلات صانعة العسل، أن تأتي وتمتص الرحيق من فمها.

 

ولكن، كيف تكون اللغة بالنسبة للأمور التي هي أكثر تعقيداً؟ كالدلالة على بستان ممتلئ بالزهور، اكتشفته إحدى الشغالات؟ إن اللغة التي تستخدم هنا هي لغة الرقص، وهو نوعان:

 

أولاً : الرقص الدائري: إذا كانت المسافة التي تفصل مكان الرحيق، عن مكان الخلية لا تتجاوز خمسين مترا، فإن الشغالة تقف على أحد الأقراص الشمعية، وتقوم برقصات دائرية يميناً وشمالاً، ويراقبها باقي النحل، ثم يشاركها رقصاتها، ويدور معها حيث دارت، ثم يتجه الجميع مسرعين، لمغادرة الخلية والوصول إلى المكان الذي استمدت منه النحلة الأولى رحيقها. والشغالات يذهبن إلى المكان، وقد عرفنه جميعاً، دون أن يتبعن النحلة الأولى. والعجيب أن النحلة الراقصة لا تدل برقصها على المكان فحسب، بل إنها تعبر عن وفرة الرحيق، ومدى تركيز المواد السكرية فيه من خلال فترة الرقص، التي كلما ازدادت دل ذلك على زيادة كمية الرحيق، مما استدعى خروج عدد أوفر من الشغالات، يخرجن إلى ذلك النوع المحدد، ولا يضيعن الوقت في البحث بين الأنواع الأخرى.

 

ثانياً: الرقص الاهتزازي: عندما يكون مكان الرحيق أكثر من خمسين مترا، إلى 11 كم، تستخدم النحلة السارحة، الرقص الاهتزازي، وهو عبارة عن لفات تتناقص كلما بعدت المسافة، بحيث تكون سبع لفات عندما تكون المسافة 200 متر، وتكون 4.5 إذا كانت المسافة كيلومترا واحداً، بينما تكون لغتين إذا كانت المسافة 6 كم .

 

ولغة الرقص تحدد الاتجاه كذلك، فإذا كان رأس الشغالة إلى أعلى أثناء الرقص، فمعنى ذلك أن الرحيق في اتجاه الشمس، وإذا كان رأس الشغالة إلى أسفل فالاتجاه مضاد للشمس، وإذا كان مائلاً بزاوية 60ْ فمعنى ذلك أن الرحيق على زاوية 60ْ على يسار الشمس، وهكذا .

 

تعتمد الحشرات على حواس الشم، والرؤية، والسمع، في تفاهمها واتصالها، حسب البيئة والظروف التي تعيش فيها. فالجراد يعتمد على الرؤية أكثر من أي حاسة أخرى، بينما غيره من الحشرات يعتمد على السمع، أو الشم، ويعتبر الرعاش، من الحشرات التي تعتمد على الرؤية أكثر من أي حاسة أخرى، حتى أن البعض يطلق على الرعاشات، حشرات التجسس.

 

أمّا لغة الإشارات، والألوان، فهي شائعة في كثير من الحشرات، فمثلاً حشرة الصرصور المدغشقري العملاق، نجد الذكر منه يستخدم خمسة أنواع من الإشارات، للدلالة على العداء أو الصداقة أو التناسل، أو الجوع، أو العطش، وكل إشارة لها معناها الذي تفهمه بقية أفراد النوع. أما الفراشات، فتستخدم إناثها الألوان، وتوزيعها بطريقة معينة، حينما تلمحها الذكور تتجه إليها مباشرة. وتستخدم الحشرة النارية لغة الإضاءة، حيث تقبع الأنثى بين الأعشاب ليلاً، وترسل ومضات صوتية كل سبع وخمس ثوان، ويبادلها الذكر ومضات أخرى، ثم يتم اللقاء عقب ذلك، وكذلك الحال في الذبابة النارية .

 

وهناك اللغة الكيماوية، والتي تسمى في بعض الأحيان لغة الرائحة، وهي تعتمد على بث روائح معينة، أو فرز مواد معينة، أطلق عليها العلماء، اسم الفيرمونات، وهي شائعة بين النمل، والنحل، وعديد من الحشرات حرشفية الأجنحة، مثل الفراشات. وتستخدم الفيرمونات، ليتم التعارف بين الأنواع، حيث تنتشر الفيرمونات في الجو، أو على سطح الماء. وكل مستعمرة لها رائحة خاصة، وفي خلايا النحل، مثلاً، عندما يوجد عابر سبيل، أو جنود من مستعمرة أخرى، لها رائحة مختلفة، فإنهم يتعرضون للمقاومة الشرسة. كذلك عندما يقترب غريب من مستعمرة النحل، تلسعه إحدى الشغالات، ثم بعد فترة قصيرة، تنضم مجموعات أخرى من الشغالات، تشاركن في الهجوم عليه، وذلك لأن الشغالة الأولى، قامت بإفراز رائحة خاصة، دلت الأخريات على وجود غرباء وأنهن لابد أن يسارعن بالمشاركة في التصدي له .

 

وهناك لغة اللمس: حيث نجد كثيراً من الحشرات، مزودة بشعيرات خاصة تكتشف بها الظروف المحيطة بها، وحيوان الأرضة، يستخدم شعيرات اللمس، للتعرف على الأماكن، مثل إجراء بناء أماكن خاصة لها. ونجد الذكر في ذبابة الفاكهة، يتعرف على الأنثى عن طريق اللمس .

 

وسائل الاتصال عند الحيوان

أورد كثير من العلماء المتخصصين، في علوم الحيوان، صوراً من أساليب التفاهم بين الحيوانات والطيور، ونختار أمثلة لبيان تلك الأساليب التالية:

 

اللغة المرئية، وذلك بأن يأتي الحيوان بمجموعة حركات، لها معناها عند بقية الحيوانات من جنسه، كهز الذيل، وتحريك قرون الاستشعار. فمثلاً الفيلة، تُحيِّي بعضها البعض، عند لقائها في الغابة برفع الخرطوم إلى أعلى، وبعد التعارف وتجاذب أطراف الحديث يودع بعضهم بعضاً برفع إحدى الساقين الأماميتين، والانحناء إلى الأمام قليلاً، والخراف تلعب ،وتمرح، وتتفاهم، أثناء اللعب بهز أذيالها بحركات مختلفة، وكذلك الكلاب .

 

المحادثة الصامتة، أو اللغة الكيماوية، وذلك عن طريق إنتاج روائح خاصة وبثها في الهواء، فمثلاً. في حالة حيوان الأرضة، يقف الحراس عند باب مملكتهم، وعند دنو خطر ما من باب المستعمرة، يقوم هؤلاء الحراس، بإفراز مادة كيماوية، لها رائحة مميزة، فيقوم باقي الأفراد بالاستعداد للدفاع.

 

والذئب إذا زاد طعامه عن حاجته، دفن جزءاً منه في التراب، وخلف هناك شيئاً من رائحته، عالقاً بالمكان، فيفهم سائر الذئاب فحوى رسالته حق الفهم. والكلاب كذلك تدور بينها أحاديث لا تنقطع عن طريق الشم .

 

اللغة المسموعة، وذلك عن طريق موجات الصوت، التي تنتقل في الهواء، أو تحت الماء بين الأسماك، لتحذر بعضها البعض، عند حدوث الأخطار. فأسراب الأسماك في البحار والمحيطات، تقوم بإصدار تلك الأصوات، عن طريق مثانات هوائية، بداخل أجسامها، وتعمل هذه المثانات عمل الطبول. هذا إلى جانب حركات وإشارات، تعتمد عليها الأسماك خصوصاً في مواسم التزاوج.[3] والدلفين ينتج أنواعاً من النباح والصفير والطقطقه وأصوات فوق صوتية وتحت صوتية لا تستطيع الأذن الإنسانية سماعها.

 

والضفادع زودها الله بأكياس تحت ذقونها، تملؤها بالهواء، وعند مرور هذا الهواء، فإنه يصطدم بالحبال الصوتية، محدثاً "النقيق"، كأسلوب للتفاهم بين الضفادع.

 

وأمّا الحصان، فإن الأم تصدر صوتها، "الصهيل"، فنرى صغارها تسرع إليها على الفور.

 

والدببة كذلك، تتحدث فيما بينها، ونرى الدبة الأم عند دنو خطر ما، تأمر صغارها بالهرب، وتسلق الأشجار ليكونوا في مأمن من الأعداء، ثم إذا شعرت بالأمان، ضربت بكفها جذع الشجرة، فيسرع صغارها بالنزول. كما تصدر القردة أصواتاً متنوعة، ويجتمع أفرادها، يتجاذبون الحديث بهذه الأصوات .

 

هذا دفع عدداً من علماء النفس واللغة إلى محاولة تعليم اللغة الإنسانية لبعض الحيوانات وكان التركيز على الشمبانزي فقاموا بمحاولة تعليمة:

 

لقد حاولوا أن يعلموه ألفاظاً ينطقها لكن التقارير تقول إنه تعلم معاني عددا من الكلمات لكنه فشل في النطق بها لأن تركيب فكيه لا يسمح له بنطق أصوات إنسانية.

 

فعمدوا إلى تعليم قردة لغة الإشارة وذكر إنهم استطاعوا أن يعلموها ما يقارب مئة كلمة، وزعم أنها أصبحت تركب جملاً بسيطة من الإشارات، بل ذهبوا إلى القول بأنها اخترعت كلمات وإشارات من ذاتها.

 

وحاول آخرون أن يعلموا قردا كلمات عن طريق الأشكال ولاستبعاد عامل المحاكاة حاولوا أن لا تكون هناك علاقة محاكية بين الشكل والمعنى وزعموا أنه تعلم عدداً من الكلمات وأنتج عن طريقها عددا من التركيبات.

 

وقد شكك بعض العلماء) في هذه التجارب قائلين إنها تقوم لا تقوم بذلك طواعية بسبب التقليد أو الترغيب أو الرهبة.

 

الفرق بين اللغة الإنسانية ووسائل الاتصال عند الحيوان

 

ليس بين الحيوانات والحشرات من يظهر استخداما مقصودا وذكيا للرموز والإشارات كما نرى في النشاط اللغوي الإنساني. 

 

يقول كلاينبيرغ Klineberg إن الفرق الجوهري بين لغة الإنسان ووسائل الاتصال غير البشرية هو أن الحيوانات والحشرات لا تستطيع التعبير إلا عما هو حاضر وآني، لأنها تصدرها على أنها رد فعل لحالة انفعالية حاضرة ولا تفيد معان رمزية أو مجردة. لذا فالإنسان فريد في المملكة الحيوانية لامتلاكه لهذه الوسيلة التي استطاع بها أن يحرر نفسه من سجن الحاضر.

 

ويقول فندريس Vedryes: إن الحيوان لا يستخدم الصوت علامة لشئ آخر كما يستخدمه الإنسان، وإنما يستخدمه ردة فعل انعكاسية. وهناك فرق بين استخدام الصوت علامة وبين استخدامه ردة فعل لأن الأول يمكن التعبير به عن الأشياء في حال غيابها، وأما الثاني فتعبير مرتبط بالحاضر ويقابل حالات نفسية خاصة من فرح ورعب ورغبة.[4]

 

ويبين نوعام تشومسكي Noam Chomsky اللغوي والنحوي المشهور: إن هناك منطقة خاصة باللغة في مخ الإنسان وهي جزء من التركيبة الوراثية له، وهي كما يبدو وراء القدرة على استغلال مجموعة محدودة من القواعد لتأليف ما لنهاية له من الجمل، الأمر الذي لا نجده عند أي جنس من المخلوقات الأخرى. ويعتقد تشومسكي أن هذه الخاصية هي الأمر المهم عند المقارنة بين وسائل الاتصال عند الإنسان وتلك التي نجدها عند الحيوان.

 

استخدام الصوت وسيلة للاتصال بدلاً من الإشارة وغيرها

يقول فخر الدين الرازي كان يمكن للناس أن يستعملوا غير الصوت للتعبير، كالحركات المخصوصة بأعضاء الجسم، ولكنهم وجدوا الأصوات المتقطعة أولى من غيرها لوجوه:

 

1- إدخال الصوت إلى الوجود أسهل من إدخال غيره لأنه يتولد في كيفية مخصوصة قي إخراج النفس وذلك أمر ضروري فصرف ذلك الضروري إلى وجه ينتفع به أولى من تكلف طريق آخر قد يشق على الإنسان الإتيان به.

2- الصوت كما يدخل في الوجود بسهولة بنقضي بمجرد استعماله وأما سائر الأمور الأخرى فإنها قد تبقى، وربما يطلع عليها من لا يراد إطلاعه عليها.

3- الصوت قابل للإشارة إلى المعدوم والغائب وغير المرئي وأما الإشارة فإنها قاصرة عن ذلك.

4- الصوت يمكن الإشارة به إلى المعاني المتعددة المرتبطة بشيء واحد، فيمكن الإشارة إلى لون التفاحة أو طعمها بينما يتعذر ذلك بالإشارة.

5- الصوت يمكن استعماله في الظلام ومن وراء حجاب بينما الإشارة لا يمكن استخدامها إلا مع وجود النور وإمكان الرؤية.

 

ويمكننا أن نضيف إلى ما تقدم بأن الإنسان القديم كان مهدداً بأنواع من المهالك والأخطار من حيوانات وحشرات التي كان أكثرها تدب في الليالي الحوالك وكان يحتاج إلى وسيله اتصال تمكنه من طلب النجدة والعون فلو كان لا يستخدم الصوت وهو في أمس الحاجة إلى الاتصال لانقرض النوع الإنساني منذ زمن بعيد، أي إن امتلاك اللغة الصوتية كان أحد أسباب استمراره وبقائه.

 

تعريف اللغة:

ابن جني: عُرف العرب في علومهم باهتمامهم بالتعريف والحد ولكننا لا نجد تعريفا للغة قبل القرن الرابع الهجري عندما عرفها ابن جني في خصائصه قائلا: هي أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم .

 

وذكر أنها أصلها لغوة ككرة وقلة وثُبَة كلها لاماتها واوات لقولهم كروت بالكرة وقلوت بالقلة، وقيل منها لغِي يلغي اذا هذي ومصدره اللغا. وكذلك اللغو قال تعالى (وإذا مروا باللغو مروا كراما) أي بالباطل وفي الحديث من قال في الجمعة صه فقد لغا أي تكلم.

 

وعرفها ابن خلدون في مقدمته: " اللغة في المتعارف هي عبارة المتكلم عن مقصودة."

 

وابن الحاجب: كل لفظ وضع لمعنى. وابن الحاجب هنا يساوي اللغة بمفردات اللغة.

 

وقد حاول تعريف اللغة مئات العلماء من اجتماعيين وفلاسفة ولغويين، ومن أفضل تعريفاتها تلك التي قدمها:

 

فندريس Vedryes: إن أعم  تعريف للغة هي "أنها نظام من العلامات." هذا التعريف يخرج الأصوات التي ينتجها الحيوان لأن الفارق بين لغة الإنسان والحيوان أن الحيوان لا يستخدم الصوت علامة، ولكن هذا تعريف عام لأنه ليس كل نظام من العلامات يعتبر لغة. فالإشارات المرورية الضوئية نظام ولكنها ليست بلغة، وكذلك الإشارات الموسيقية وما أشبهها، وقد أغفل من التعريف أهم سمات اللغة وهي مادتها الصوتية.

 

سابير Sapir: أنثربولوجي ولغوي معروف، وضع تعريفاً للغة على النحو التالي: "اللغة وسيلة إنسانية محضة وغير غريزية لإيصال الأفكار والعواطف والرغبات عن طريق نظام من الإشارات المقصودة". يخرج هذا التعريف أصوات الحيوانات والأصوات غير الكلامية التي يصدرها الإنسان، كالبكاء والسعال و"آه" و "أوّه" و"أف" وغيرها لأنها ليست أجزاء من نظام وبعضها غير مقصودة مثل الضحك والبكاء والسعال.

 

كاتز Katz: اللغة: "وسيلة للاتصال ذات عناصر مركبة نحوياً وموجدة صوتياً لنقل رسائل مفيدة من متكلم إلى آخر." هذا التعريف يأخذ في الاعتبار النظريات والآراء التي أصبحت متداولة في هذا الحقل وخاصة نظريات دي سوسير. فقد ميز أمرين مهمين في اللغة (1) النظام اللغوي وهو القواعد النحوية والصرفية والمعجمية الفطري منها والمكتسب المخزونة بالذاكرة، (2) استعمال هذه القواعد وهذا النظام لإنتاج رسائل مسموعة .

 

سمات وخصائص اللغة الإنسانية

للغة الإنسانية خصائص وسمات تميزها عن غيرها من وسائل الاتصال سواء الإنسانية الأخرى أو الحيوانية، وقد ذكر علماء اللغة منها:

 

1- الاصطلاحية:

وتعني عدم وجود علاقة مفروضة بين الكلمة ومعناها. ربما يكون هناك محاكاة صوتية في بعض الكلمات ولكنها ليست إجبارية ولا نستفيد المعنى بناء على تلك المحاكاة. إن اللغة لها الحرية في وضع أي لفظ لأي معنى بشرط أن يصطلح عليه أهل اللغة. وهذه الخاصية لها تأثير كبير في إثراء اللغة ومرونتها ولو كانت علاقة المحاكاة مشروطة لأصبح الإنسان مقيداً واللغة مكبلة ولعجزنا عن وضع كلمات محاكية لمعان كثيرة. ولغة الحيوانات ليست اصطلاحية لأنها تولد وهي مزودة بنظام اتصال غريزي. لذا نظامها جامد وهذا يترتب عليه صغر النظام وجموده.

 

2- الازدواجية:

(تعدد المستويات) نظام الاتصال عند الإنسان مكون من عدد من المستويات:

 

(أ) المستوى الأول، وهو المستوى الصوتي (في العربية 28 حرفا، و3 حركات قصيرة، و 3 حركات طويلة، ليصبح المجموع 34 صوتا.

(ب) المستوى الثاني وهو المستوى المعجمي والصرفي وهو الذي نستطيع به إيجاد مئات الآلاف من الكلمات المركبة من عناصر المستوى الأول.

(ج) المستوى الثالث، وهو المستوى النحوي، الذي يمكننا عن طريق استخدام عناصر المستوى السابق ووفق قواعد معينة إنتاج ما لانهاية له من العلامات في شكل جمل.

 

3- الإنتاجية:

وهي أوضح سمات اللغة الإنسانية. هذه الخاصية هي التي تجعل الإنسان قادرا، بواسطة قواعد محدودة ومخزون ضخم من العلامات، على إنتاج عدد غير محدود من الجمل و فهم عدد لانهائي منها حتى وإن لم يكن قد سمعها من قبل. بينما الحيوان لا ينتج من الرسائل إلا ما هو موجود في نظامه الاتصالي. هذه الميزة جعلت اللغة الإنسانية متكيفة مع الظروف والأحوال، بعكس الحيوان فنظامه مغلق جامد غير متكيف ومما يثبت ذلك التجربة التي قام بها فريش الذي كان معجبا بنظام الاتصال عند النحل، ولكن تجربة معينة قام بها جعلته يكتشف أن نظام الاتصال عند النحل نظام لا يتمتع بالإنتاجية والابتكار ولا يستطيع التكيف مع الظروف والمتغيرات.

 

لقد قام الألماني  Frischفريش بوضع خلية نحل تحت برج للاتصالات وأخذ من هذه الخلية عشر نحلات أطلعها على رحيق وضعه في أعلى البرج ثم أطلقها لتعود تخبر بقية الخلية عن جهة الغذاء وبعد مسافته. عادت النحلات إلى الخلية. بعد ذلك رأى عجباً لقد انطلق النحل من الخلية وأصبح يدور حول البرج مدة أربع ساعات ولم تصعد نحلة واحدة إلى الرحيق فأستغرب ذلك ووصل به تحليله إلى أن نظام الاتصال عند النحل نظام جامد غير متكيف مع الأحوال، لأن هذا النظام ليس به علامات تشير إلى "فوق" و"تحت." فعجز أن يتخطى هذه العقبة ويطور هذا النظام كما يصنع الإنسان.

 

4- إمكانية الإشارة إلى البعيد:

استخدام الإنسان للصوت علامة مكنه من الخروج من سجن الحاضر فأصبح يستطيع أن يشير إلى البعيد زمانا أو مكانا. فهو قادر على الإشارة إلى أشياء تبعد عنه آلاف الأميال كبرج أيفل ، سور الصين، الأهرام ، ومرتفعات الهملايا ...الخ، وأن يتحدث عن أمور حدثت منذ قرون كمعركة ذي قار وبدر وحطين وهي بعيدة زماناً ومكاناً. أما الحيوان فهو مسجون في الحاضر لا يستطيع التعبير إلا عما هو آني وواقع.

 

5- إمكانية المراجعة:

بإمكان الإنسان أن يؤلف كلاماً من عنده وأن يراجع ويتفقد درجات وضوحه أو غموضه ويدقق فيها وأن يعدل فيه ويحسن من صورته وجماله بعكس الحيوان الذي لا يستطيع أن يفكر في رسائله الاتصالية لأنها جاهزة سلفا وجامدة وغير قابلة للتغيير.

 

6- التعبير عن اللاحسي:

أي المجرد والمعنوي والوهمي والغيبي. فهناك كلمات تدل على الجنس لا الفرد مثل أسد، بقرة، كرسي، وهناك كلمات تدل على أمور معنوية نحو الصدق والكرم، وأخرى تدل على أمور غيبية كالملائكة والجنة وجهنم، أو وهمية نحو الرخ والغول وعروس البحر والسعلاة.

 

7- التوريث الثقافي لا التوريث النوعي:

نحن نعلم صغارنا اللغة عن طريق التلقين والاحتكاك، وإن لم يعيشوا بيننا وعاشوا في مجتمعات لغوية أخرى نجدهم يتعلمون لغة تلك المجتمعات. هذا هو التوريث الثقافي. أما التوريث النوعي فهو ما نلمسه عند الحيوان، فصغاره تولد وهي مزودة بنظام الاتصال عند نوعها.

 

اللغة والكلام

يفرق علماء اللغة المحدثون بين طبيعتين للغة الإنسانية هما: اللغة (النظام اللغوي) language والكلام  .speechويعود الفضل في هذا التفريق بينهما إلى عالم اللغة السويسري دي سوسير، الذي يقول للغة وجهان (أي وجهان لعملة واحدة ):

هما 1- اللغة (النظام اللغوي) 2-الكلام، وبين الاثنين فروق:

 

اللغة (النظام اللغوي)

 

اللغة (النظام اللغوي)

الكلام

1- نظام من الإشارات مخزون في الذاكرة .

1- استخدام تلك الإشارات لفهم رسالة أو لإنتاجها بواسطة شخص معين في مكان وزمان معينين.

2- اللغة موجودة في حالة من الإمكان أي وجود بالقوة لأنها غير متحققة على الواقع وإذا تحققت أصبحت كلاماً. والمخزون في الذاكرة هو انطباعات الأصوات الناتجة عن حركة أعضاء النطق أو اهتزاز طبلة الأذن. بالإضافة إلى قدرات فطرية وقواعد صرفية ونحوية ومخزون من المفردات.

2- الكلام إيجاد بالفعل.

3- اللغة تسمو فوق الفرد، إنها ملك للمجتمع الذي اختار هذا النظام للتفاهم بين أفراده. ولا يمكن أن تكون أداة اتصال إلا إذا كان يمتلكها جميع أفراد المجتمع الكلامي.

3- الكلام استخدام اللغة من قبل شخص معين، أي إنه فعل فردي.

4-اللغة يتلقاها الفرد بشكل سلبي منذ صغره وحتى شيخوخته ولا يملك من أمرها شيئاً ولا يستطيع أن يغير فيها شيئاً.

4- الفرد سيد كلامه، له الحق في الكلام أو السكوت. له الخيار في استخدام أساليب بلاغية في حدود قواعد اللغة وله الحق في تأليف الكلام حسب المقام ومقتضى الحال. ويمكنه الجهر بكلامه أو الهمس به. 

5- اللغة ثابتة ذات طبيعة جامدة لأنها قواعد محفوظة في الذاكرة بحسب طبيعتها العقلية السيكولوجية.

5- الكلام ذو طبيعة متلاشية فبمجرد انتهائك لفظ عبارة ما ينتهي الكلام بحكم طبيعته الفيزيائية غير الباقية.

6- اللغة ذات طبيعة سيكولوجية نفسية لأنها قواعد مخزونه في الذاكرة.

6- الكلام ذو طبيعة سيكولوجية (نفسية) لأنه علامات مرتبطة بمعان معينة، وذو طبيعة فيزيائية (طبيعية) لأنه

 

الكفاية والأداء

فرق تشومسكي اعتماداً على آراء دي سوسير في اللغة والكلام بين نوعين من القدرات اللغوية، هما الكفاية competence و الأداء performance والفرق بين تصوري الرجلين هو أن دي سوسير يرى الكفاية اللغوية مخزونة في العقل الجمعي وأما تشومسكي فيرى أنها مخزونة في عقل الفرد.

 

المقدرة اللغوية ( الكفاية )

الأداء اللغوي

الكفاية هي القواعد التي يمتلكها الشخص عن لغته وهي إما (1) قوالب وقدرات فطرية يولد الشخص مزودا بها أو (2) قواعد صوتية ونحوية اكتسبها من خلال احتكاكه بأفراد مجتمع كلامي معين.

استخدام القدرة اللغوية في موقف معين بواسطة متكلم معين. والأداء يتأثر بالظروف المصاحبة للكلام كالتعب والضوضاء والدواعي الأسلوبية والجمالية للكلام

 

الفرق بين الجملة  والتعبير

التفريق بين الكفاية والأداء يؤدي إلى التمييز بين الجملة sentence المرتبطة بقواعد الكفاية و التعبير utterance  المتعلق بالأداء.

 

الجملة

التعبير

1- هي هيآت مجردة وقواعد مخزونه في الذاكرة.

2- جزء من النظام اللغوي

3- بعض الجمل قد لا يتحقق كتعبير مقبول نحو: "دارك تحترق مع أني لا أعتقد ذلك."

4- الجملة غير مرتبطة بزمن معين أو مكان أو ظرف محدد.

1- حدث كلامي معين.

2-جزء من الأداء.

3-التعبيرات المقبولة لا يعني بالضرورة أنها تحقق كامل للجمل النحوية الصحيحة.

4-مرتبط بزمان معين وشخص معين.

 

 

وظائف اللغة

ليس للغة وظيفة واحدة، فهناك وظائف كثيرة بعضها يمكن تمييزه وكثير ربما يكون غامضا، تبعا للقصد من الكلام والظروف التي قيل فيها. وهذه الوظائف ربما تكون أكثر وضوحاً عندما نربطها بكيفية نقل الرسالة من متكلم إلى آخر. فعند أي محادثة يوجد هناك دائماً عدد من العناصر المؤلفة لظروف الكلام.

 

1- المتكلم: وهو المرسل

2- المخاطب: وهو المتلقي وقد يكون معينا أو غير معين.

3- قناة: متخيلة أو حقيقية.

4- رسالة : ترسل عبر القناة وهذه الرسالة تحمل موضوعاً.

5- موضوع: تحمله الرسالة.

 

 

 

 

ووظائف اللغة ترتبط بهذه العناصر وتختلف باختلافها وقوة التركيز على أيّ منها دون الأخريات.

 

1-الوظيفة التعبيرية:

هي استخدام اللغة للتعبير عن مشاعر المتكلم وعواطفه ومواقفه من الآخرين والحالات الراهنة. ويكون التركيز فيها على المرسل. تتميز اللغة هنا: (1) بالتعبير عن المشاعر والاعتماد على الكلمات التقييمية مثل: هذا أمر قبيح (القبح أمر نسبي)، فلان خائن، هو شهم. (2) استخدام الكلمات الإيحائية، مثلاً: وجب جهاد العدو الصهيوني. وقام مجموعة من المجاهدين الفلسطينيين باقتحام مركز للعدو الصهيوني في عملية استشهادية. فالكلمات التي تحتها خط تنبيء عن موقف المتكلم لقيمتها الإيحائية، ولكن لو قيل قام مجموعة من الشبان الفلسطينيين باقتحام مركز إسرائيلي في عملية هجومية فإن  هذه الجملة غير تعبيرية لأنها تخلو من التعبيرات التي توحي بموقف المتكلم.

 

وتستخدم الوظيفة التعبيرية في مواقف معينة مثل الشجب والاستنكار والاعتذار والشكر والمدح والتعزية والتعجب.

 

2- الوظيفة العملية:

هي استخدم اللغة مقام الفعل، وهذا يظهر في عبارات إمضاء العقود والمعاملات والزواج والطلاق وإصدار الأحكام والتسمية. نحو قولك: زوجتك بنتي فلانة، أو: وهبتك هذه الدار، وأنت طالق. فهذه العبارات تقوم مقام الفعل ويترتب عليها أمور قضائية ودينية واحتماعية.

 

3- الوظيفة الاجتماعية:

هي التي يراد منها فتح قنوات الاتصال بين الناس وتوثيق الصلات بينهم. هذه الوظيفة ليس الهدف منها نقل المعلومة بالدرجة الأولى بل توثيق الروابط الاجتماعية، فالإنسان مخلوق اجتماعي بطبعة يكره الصمت ويفضل التواصل، لذلك لا بد أن يستخدم هذه الوسيلة لتحقيق ذلك. وهذا يتأتى من خلال ثلاثة أمور:

 

1- فتح قنوات الاتصال بينه وبين الآخرين، ويكون ذلك عن طريق:

(أ) عدد من أساليب التحية (ب) السؤال عن الطقس والأحوال المعيشية، (جـ) الكلام عن الظرف أو الحال الراهنة التي يوجد فيها مع غيره.

2- المحافظة على سلامة القناة الاجتماعية عن طريق تشجيع المتكلم على الحديث أو حثه على الاستماع.

3- إغلاق قناة الاتصال بطريقة مقبولة اجتماعياً مثل "سلم لي على والدك" أو "هل توصينا بخدمة،" أو "أستأذنك الآن،" "مع السلامة".

 

4- الوظيفة الإعلامية:

وهي استخدام اللغة لنقل الحقائق ووصف الوقائع بطريقة موضوعية مجردة عن الرأي الشخصي والانفعالي للمتكلم، في مثل قولنا: (قام مجموعة من الشبان الفلسطينيين بمرمي مجموعة من الجنود الإسرائليين بالحجارة) فهذه الجملة يغلب عليها الطابع الموضوعي الحيادي. وكثيرا ما تبرز هذه الوظيفة في الأخبار الصحفية وفي الشهادات القضائية. وتظهر أيضا في اللغة الإرشادية ولغة العلوم والتاريخ والقانون.

 

5- الوظيفة الجمالية:

تتضح هذه الوظيفة في الفنون الأدبية كالشعر والقصة والمسرحية. ففي هذه الفنون يكون الاحتفاء بشكل الرسالة وجمالها أكثر بروزا من موضوعها. ففي القصيدة مثلا يكون الاهتمام بالوزن والقافية والصور الشعرية والمحسنات البديعية إلى درجة قد تؤدي إلى التساهل في النواحي النحوية والصرفية.

 

6- الوظيفة التوجيهية (التأثيرية):

هي استخدام اللغة للتأثير في سلوك الآخرين ومواقفهم وآرائهم. ومن أبسط مظاهر الوظيفة التوجيهية: الأمر والنهي والإغراء والتحضيض.

 

ولكن هناك طرق معقدة للتأثير نراها في الخطب الدينية والسياسية، وفي الدعاية والإعلان، حيث تستخدم جماليات اللغة وتستغل العواطف والغرائز للتأثير في المتلقين. وقد أصبح الإعلان صناعة معقدة تتظافر فيها جهود كثير من علماء الاجتماع والنفس واللغة لصنع إعلان واحد، انظر استخدام اللغة والأحوال النفسية في الأمثلة التالية:"نيسان على كل لسان"، وإعلان تويوتا: "معنا للحياة معنى،" و "ضماني في أماني"

 

بداية اللغة

 

التجارب الملكية:

لقد شغلت لغز بداية اللغة عقول المفكرين واللغويين وحتى الملوك والسلاطين، الذين حاولوا الوصول إلى جواب شاف لهذا السؤال المحير بسلوك أسهل الطرق في نظرهم فقاموا، بما خولوا من سلطان، بالقيام بتجارب غير إنسانية على الأطفال لمعرفة أي اللغات كانت هي الأصل. وهذه التجارب اصطلح عليها فيما بعد بالتجارب الملكية.

 

1- تجربة الملك الفرعوني Psammetichus (بيسماتيكوس): يروي المؤرخ اليوناني Herodotus هيرودوتس أن بيسماتيكوس أمر بعزل مجموعة من الأطفال حديثي الولادة في مكان بعيد عن العمران وأن لا يسمح لهم بالاختلاط بأي شخص وأن تمنع عنهم جميع الأصوات، وكان هدفه أن يعرف بأي لغة سيتكلم هؤلاء الأطفال وهل بوسعهم أن يتكلموا من ذات أنفسهم بهذه اللغة. ويقول الذين رووا التجربة أن الأطفال قد بدءوا الكلام وكانت الكلمة الأولى التي لفظوها هي bekos وقد كان الملك يتوقع أن يبدءوا الكلام باللغة الفرعونية ولكنه فوجئ بنطق كلمة غريبة، فسأل عن أصلها فأخبر بأنها فريجية، وهي لغة كانت منتشرة في بلاد الأناضول وأنها تعني "الخبز،" فاعتبر الملك أن الفريجية هي أصل اللغات كلها. لكننا لا نثق بهذه التجربة لأننا لا ندري هل عزل الأطفال تماماً وهل فعلا نطقوا كلمة bekos ، أو أن الأمر كان مجرد توهم، كذلك هناك احتمال أن الأطفال بدءوا لغة جديدة لا تشبه لغة سابقة وكان من مفرداتها هذه الكلمة التي ربما أشبهت بصورة أو بأخرى الفريجية ولكن هذا لا يعني أنهم نطقوها على أنها جزء من اللغة الفريجية.

 

2-تجربة فريدريك الثاني Frederick II في مطلع القرن الثاني عشر: في الواقع نحن لا ندري هل سمع عن التجربة الماضية أم لا، ولكن على أي حال أمر هذا الملك بعزل مجموعة من الأطفال في مكان بعيد ومنع المربين من محادثتهم ليرى هل سيتكلمون من ذات أنفسهم وبأي لغة سيتكلمون، ولكن هذه التجربة باءت بالفشل الذريع لأن الأطفال ماتوا قبل أن ينبسوا بكلمة .

 

3- تجربة جيمس الرابع James IV of Scotland: ملك اسكتلندا في القرن السادس عشر الميلادي (1473-1513) الذي أمر بعزل مجموعة من الأطفال ليعرف هل سيبدءون الكلام باللغة من ذات أنفسهم، وما هي تلك اللغة. وقد ادعى في نهاية التجربة أن هؤلاء الأطفال بدءوا الكلام فطرياً بلغة عبرية فصيحة. ولا شك أن هذه النتيجة كانت ملفقة لأنها بواعثها كانت أفكارا دينية مبيته، فهذا الملك أراد أن يثبت المقولة المسيحية التي تزعم بأن العبرية هي أم اللغات وهي لغة آدم ولغة أهل الجنة.

 

الحالات الموثقة

إن أقوى دليل للرد على مزاعم التجارب الملكية هو دراسة الحالات الحقيقية لأطفال وجدوا معزولين وحرموا من الاحتكاك بالبشر أو سماع لغاتهم، وقد بلغ عدد حالات الأطفال المتوحشين الذين حضنتهم الحيوانات 36 حالة لم يوجد بينها من يتكلم لغة إنسانية. ومن هذه الحالات الموثقة حالة:

 

1- فيكتور Victor الفرنسي: وُجد هذا الفتى في إحدى غابات فرنسا يعيش بين الحيوانات، وعند القبض عليه وجد أنه لا يمتلك أي لغة. وكان عمره 12 سنة، وأدخل مدرسة للصم مع أنه لم يكن أصما. وسماه الذين تعهدوا حضانته (فيكتور). وقد عُهد به إلى طبيب فرنسي Itard ليعلمه اللغة ولم يستطع أن يتعلم إلا جملا قليلة مختلة التراكيب. وبعد محاولات كثيرة  أعلن هذا الطبيب فشله، وتنصل من هذه المسؤولية، وتركة عند خادمته حتى مات.

 

2- الطفلة الأمريكية جيني Genie: وهي فتاة حبسها أبوها بعيداً عن الناس ولم تختلط بأحد من البشر حتى وصل عمرها 13سنة. وقد وصل خبرها إلى السلطات الأمريكية التي حجرتها من عزلتها. ووجد أنها لا تتكلم أي لغة. وقد وجد علماء اللغة والنفس فرصة لفحص الأفكار والنظريات اللغوية السائدة، وقد حاول كثيرون أن يعلموها اللغة الإنجليزية ولكنهم لم يستطيعوا أن يعلموها إلا ألفاظاً قليلة ولم تستطع أن تتقن تراكيب الجمل بشكل طبيعي. وقد تنقلت بين العلماء وبيوت الرعاية، وفي النهاية انقطعت أخبارها ولم تعد محط اهتمام الباحثين.

 

3- طفل صحراء حلوان: هذا غلام عثر عليه في صحراء حلوان بين قطيع من الغزلان، وسمع بعد أن قبض عليه يصيح بأصوات غير مفهومه. وقد ذكر إبراهيم أنيس أنه زاره في أحد الملاجئ بعد شهور من العثور عليه وظهر له أنه يتكلم بكلمات متقطعة غير مفهومة استمدها ولا شك ممن حوله، وكان يتعثر في النطق بها كأنه طفل في السنة الثانية من عمره.[5]

 

4- طفلا كوبنهاجن: يروي يسبيرسون أن طفلين نشأا في كوبنهاجن توأمين مع أمهما التي أهملتهما بشكل شائن، فشبا منعزلين عن الناس زمنا ما. ثم كان أن مرضت الأم وأودعت المستشفى تاركة طفليها في رعاية عمة لهما صماء بكماء. وقد سُمع هذا الطفلان يتكلمان لغة غريبة، وقد سمع يسبيرسون هذه اللغة ودرس مفرداتها ووجد أنها تتصل بلغة البيئة غير أنها كانت ممسوخة حذف منها أصوات وعوض عنها بأخرى، كما وجد أن بعض كلماتها مما يمكن أن يُعد صدى لأصوات الطبيعة.

 

القيمة العلمية لدراسة الحالات الموثقة:

قيمة هذه الحالات الموثقة هي أنها:

1- تبطل دعاوى التجارب الملكية لأن هؤلاء الأطفال في الحالات السابقة، رقم 1، 2، 3، وجدوا لا يمتلكون لغة إنسانية. وهذا يبدو عائد إلى كون الطفل وحيدا في كل من هذه الحالات فلم يكن هناك حاجة إلى إنتاج لغة.

 

2- أيدت هذه الحالات الرأي القائل بأن هناك فترة حرجة لتعلم اللغة التي إن تجاوزها الفرد وهو لم يتعلم لغة إنسانية خملت قدراته الفطرية اللغوية ولم يعد قادرا على إتقان اللغة.

 

3- يمكن القول بأن الحالة الرابعة، التي لم يكن الأطفال وحيدين، تعضد الرأي القائل بأن الأطفال المعزولين قادرون على إنتاج لغة جديدة تتمثل فيها خصائص اللغة الإنسانية لأنه قيل إن الطفلين كان يستخدمان كلمات محاكية.

 

نظريات بداية اللغة

كما قلنا من قبل إن موضوع أصل اللغة قد أرق كثيرا من المفكرين والفلاسفة ورجال الدين. فتعددت الآراء والنظريات حوله معتمدين تارة على النصوص الدينية وتارة على الحجج العقلية وأحيانا على ضروب من الحدس والتخمين. وقد ميز المطلعون على نتاج هذا الجدال ثلاث نظريات رئيسية: هي (1) نظرية الأصل الإلهي (2) النظرية الاصطلاحية، (3) النظرية الطبيعية. ونظريات أخرى حاولت الجمع بين اثنتين منهما.

 

1- نظرية الأصل الإلهي (التوقيفية)

(أ) عند المسلمين وقد اصطلح عليها بالنظرية التوقيفية ومن أشهر الذين قالوا بها من علماء اللغة بن فارس وأبو علي الفارسي ومن علماء الأصول والكلام الأشعري وابن فورك وابن حزم وقد احتجوا لذلك بحجج نقلية وعقلية:

 

الحجج النقلية (من القرآن الكريم):

1- قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) دل هذا على أن الأسماء توقيفية وإذا ثبت ذلك في الأسماء ثبت أيضاً في الأفعال والحروف إذ لا قائل بالفرق ، وأيضاً الاسم إنما سمي اسماً لكونه علامة على مسماه والأفعال والحروف كذلك وتخصيص الاسم ببعض أنواع الكلام اصطلاح للنحاة.[6] وقد رد ابن جني على هذا بقوله: إن معنى (علم) لا يعني بالضرورة علمه الألفاظ والأسماء بل إنه وضع فيه قدرة تساعده على وضع الأسماء والتفاهم بها.

 

2- قوله تعالى ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباءكم ما أنزل الله بها من سلطان)، لقد ذم الله في هذه الآية قوماً على تسميتهم بعض الأشياء ببعض الأسماء بدون توقيف[7] فلو لم تكن اللغة توقيفية لما صح هذا الذم. ورُد هذا الاستدلال بأن المراد ما اخترعوه من الأسماء للأصنام من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ووجه الذم مخالفة ذلك لما شرعه الله.

 

3- قوله تعالى (ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم) حيث جعل اختلاف اللغات من آياته. والمراد  هنا اختلاف اللغات لا اختلافات الجوارح التي لا يستغرب الاختلاف فيها لأن الاختلاف في اللغات أبلغ وأجمل.[8] وأجيب عن هذا الاستدلال بأن المراد التوقيف عليها بعد الوضع وإقرار الخلق على وضعها.

 

الحجج العقلية:

1- لو كانت اللغات اصطلاحية لاحتيج في التخاطب بوضعها إلى اصطلاح آخر من لغة أو كتابة، وهذه تحتاج إلى اصطلاح سابق، ويلزم من هذا الدور التسلسل وهو محال فلا بد من الانتهاء إلى التوقيف.

 

2- لو كانت اللغة اصطلاحية لجاز التغيير فيها لأنه لا حجر على الناس فيما اصطلحوا عليه وهذا غير جائز لأنه مؤدٍ إلى تبديل في اللغة وهذا بدوره مؤد إلى تغيير في الشرائع لأن معاني نصوصها قد تتغير بتغير الاصطلاح. نقول إن الواقع ينقض هذا الآن فاللغة تتغير ولكننا لا نشعر بهذا التغيير إلا بعد مئات السنين، وهذا واضح من وجود اللهجات المختلفة التي ظهرت بسبب تغيرات في النحو والأصوات والدلالة، والعربية الفصحى تطورت من لغة قديمة هي السامية القديمة وقبلها كان هناك لغة قديمة تجمع اللغات السامية الحامية.

 

(ب) عند أهل الكتاب:

كثير من علماء اليهود والنصارى يقولون بالأصل الإلهي للغة مستدلين أيضا بأدلة نقلية وعقلية:

 

أدلة نقلية: استدلوا بما ورد في التوراة في سفر التكوين، فصل 2، فقرة -19-20 (وَكَانَ الرَّبُّ الإِلَهُ قَدْ جَلَبَ مِنَ التُّرَابِ كُلَّ وُحُوشِ الْبَرِّيَّةِ وَطُيُورِ الْفَضَاءِ وَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى بِأَيِّ أَسْمَاءٍ يَدْعُوهَا، فَصَارَ كُلُّ اسْمٍ أَطْلَقَهُ آدَمُ عَلَى كُلِّ مَخْلُوقٍ حَيٍّ اسْماً لَهُ. وَهَكَذَا أَطْلَقَ آدَمُ أَسْمَاءً عَلَى كُلِّ الطُّيُورِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْبَهَائِمِ). وهذا النص لا يقوم دليلا على ما الأصل الإلهي لأنه يقول إن آدم هو الذي وضع الأسماء.

 

أدلة عقلية: كتب ساسميلك  Sussmilchمقالة عن أصل اللغة نشرت سنة 1767م بدأها بمقدمة أكد فيها أن اللغة وسيلة للمنطق والتفكير وبدونها لا يمكن للإنسان أن يقوم بعمليات عقلية أو منطقية أو تجريدية. ثم قال اللغة إما أن تكون في أصلها إنسانية أو إلهية، وإذا كانت إنسانية فإما أن تكون طبيعية أو اصطلاحية. ولكنها ليست طبيعية لأن الطبيعي ما نراه من لغات الحيوانات التي تكون متشابهة لدى النوع كله ولا تتغير تبعا للزمان أو المكان فصوت البقرة في الهند أو في أفريقيا أو أوربا واحد ولم يتغير منذ آلاف السنين.

 

إذن هل هي اصطلاحية ؟ إذا كانت اصطلاحية فلا بد أنها جاءت بطريق الصدفة أو بطريق القصد؟ ونستطيع أن نقول إنها لم تأت عن طريق الصدفة لأن الصدفة تعني عدم النظام والمتأمل في اللغة يجد أنها بنيت على نظام بالغ النظام والتركيب، ليس فقط في لغات الأمم المتحضرة وإنما حتى في لغات البدائيين.

 

إذن، هل جاءت بطريق القصد والتفكير والاختيار الحكيم ؟ هذا لا يمكن أن يقوم به الإنسان بدون رموز وكلمات أي بدون لغة، وهذا ينتهي بنا إلى القول باستحالة أن تكون اللغة من اختراع الإنسان. إن اللغة تعود إلى ذات أعلى وأذكى. إن الله هو مبدىء اللغة.

 

(ج) عند أمم أخرى:

في إحدى محاورات أفلاطون، يتحيز أحد المتناظرين، ويُدعى كرايتليس، للرأي القائل بأن اللغة هبة منحتها السماء لبني الإنسان، وأن أسماء الأشياء ليست رموزاً مجردة، ولكنها جزء لا يتجزأ من جوهر المسمى.

 

وكذلك قال الفيلسوف اليوناني هيراكليلتوس Heraclitus الذي عاش في القرن الخامس قبل الميلاد إن اللغة "وحي من السماء"،.[9]

 

وينسب الإسكندنافيون في أساطيرهم اللغة إلى الآلهة، وتعزوها الأساطير الهندية على الإله إندرا   Indra .

 

2- نظرية الاصطلاح

أصحاب هذه النظرية يقولون إن واضع اللغة هم البشر الذين اصطلحوا على أصوات معينة ليشيروا بها إلى الأشياء حين غيابها وهي تقوم مقام الإشارة باليد عندما تكون هذه الأشياء حاضرة. وقد استدل القائلون بالأصل الاصطلاحي من المسلمين بحجة نقلية وحجج عقلية:

 

الحجة النقلية:

احتج أهل الاصطلاح من القرآن بقوله سبحانه وتعالى :) وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه (أي بلغتهم فهذا يقتضي تقدم اللغة على بعثة الرسل ، فلو كانت اللغة توقيفية لم يتصور ذلك إلا بالإرسال فيلزم الدور لأن الآية تدل على سبق اللغات للإرسال والتوقيف يدل على سبق الإرسال لها. واعترض على هذا الاستدلال بأن آدم عليه السلام هو الذي عُلّمها كما دلت عليه الآية وهو بدوره عَلَمها لأقدم رسول.

 

حججهم العقلية:

1- لو كانت اللغات توقيفية فذلك إما بأن يخلق الله تعالى علما ضروريا في العاقل أنه وضع الفظ لكذا، وهذا باطل لأنه يلزم منه كون العاقل عالما بالله بالضرورة، لأنه إذا كان عالما بالضرورة بكون الله وضع لفظ كذا لكذا كان علمه بالله ضروريا، ولو كان كذلك لبطل التكليف.[10]

 

2- وقالوا أيضاً إن اللغة اصطلاحية بناءً على ما نراه مشاهداً من تعلم الأطفال لها حيث يتعلمون اللغة بالتلقين والإشارة وسماع من حولهم.

 

وقد اشتهر بالقول بالاصطلاح من المسلمين أبو هاشم أحد كبار المعتزلة وأتباعه، وقد ذهب إلى هذا في بعض أقواله ابن جني مبينا أن معنى (علّم) لا يعني بالضرورة علمه الألفاظ والأسماء وإنما وضع فيه قدرة تمكنه من وضعها والتفاهم بها. وذكر أن الغزالي وهو فيلسوف وأصولي معروف، قال في المنخول: اللغات كلها اصطلاحية إذ التوقيف يفهم بقول الرسول ولا يفهم قوله بدون سبق اللغة. ومن الذين قالوا بالاصطلاح الفيلسوف الفارابي. ويستنتج من قصة حي بن يقظان أن مؤلفها الفيلسوف ابن طفيل لا يعتقد بالتعليم الإلهي في القدرة اللغوية لأن الحكيم آسال عندما قابل حي بن يقظان، الذي عاش بين الحيوانات منعزلا عن البشر في جزيرة نائية،  وجده قد وصل إلى أرقى درجات المعرفة الإيمانية لكنه كان لا يتكلم لغة، فاضطر إلى تعليمه إياها عن طريق الإشارة إلى الأشياء باليد والنطق بالألفاظ.

 

وقال محمد حجازي: إن آدم يرمز إلى الإنسان الأول على الأرض والأسماء ترمز إلى القدرة على اللغة.

 

وقد أجاب عباس حسن عن الاستدلال بقوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) أنها لا تدل على تعليم اللغة إذ ما فائدة تعليم آدم ما ليس محيطاً به.

 

وقال الشيخ السكندري: العقل والاستقراء يرينا أن اللغات تعود إلى أمهات وتلك الأمهات تعود إلى جده واحدة وهي اللغة الأولى القديمة ، وهذه اللغة كانت تمتلك ألفاظاً قليلة معدودة يحتاج إليها الإنسان في التعامل مع أخيه الإنسان وهذه الكلمات جاء بعضها عن طريق المحاكاة وبعضها جاء عن طريق الاصطلاح.

 

وممن قال بنظرية الأصل الاصطلاحي للغة من غير المسلمين:

 

أرسطوا: كان يرى أن اللغة اصطلاحية ولا علاقة بين الاسم ومعناه وكان يرد على قول الطبيعيين ويقول هناك كلمات كثيرة لا توجد بينها وبين ما تشير إليه علاقة محاكاة، ولو كانت اللغة طبيعية لتشابهت اللغات. ويقال إن الفيلسوف اليوناني ديمقريطوس Democritus قد سبقه إلى هذا الرأي.

 

وقد استمر القول بهذا الرأي أيام الرومان القدماء، وإبان العصور الوسطى، وعصر النهضة، وحتى العصور الحديثة، وكان أشهر من قال به في القرن التاسع عشر الفيلسوف الإنجليزي آدم سميث Adam Smith، والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو Jean Jacques Rousseau الذي قال: إن الإنسان وضع اللغة بعد أن أصبح مخلوقا ذكياً وكوّن المجتمعات وطور الفنون. ولا ندري كيف قبل روسو فكرة أن ينشئ الإنسان المجتمعات ويطور الفنون بدون امتلاك لغة، ثم بعد ذلك يضع اللغة. وقد قيل إن روسو في النهاية رجع عن هذا الرأي.

 

الجمع بين الرأي التوقيفي والاصطلاحي: عندما رأى الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني تعارض مذهبي القائلين بالتوقيف والقائلين بالاصطلاح، ولا دليل قاطع في المسألة مع ضعف دليل أهل الاصطلاح لأنه يقتضي أن يسبق الاصطلاح على اللغة اصطلاح سابق وهكذا، رأى أن المخرج هو الجمع بين الرأيين والتوفيق بينهما للخروج من هذا المأزق فافتراض أن القدر من اللغة الذي مكن من الاصطلاح على اللغة لا بد أن يفترض فيه التوقيف، وأما باقي اللغة فاصطلاحي.

 

3- النظرية الطبيعية

هذه النظرية تقول إن اللغة بدأت بمحاكاة الأصوات المسموعات كدوي الريح وحنين الرعد وخرير الماء وشحيج الحمار ونعيق الغراب وصهيل الفرس ونزيب الظبي ونحو ذلك ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد.

 

وقد قال بهذا الرأي من المسلمين عباد بن سليمان الصيمري الذي يرى أن لا بد أن يكون بين الكلمة ومعناها علاقة طبيعية حملت الواضع أن يضع لفظ كذا لكذا وإلا كان اختصاص المعنى بلفظ من بين الألفاظ بلا مخصص.[11]

 

ومن الفلاسفة اليونان الذين قالوا بهذا الرأي أفلاطون الذي قيل إنه قال إن هناك علاقة طبيعية بين الكلمة وما تشير إليه.

 

وقد كان الفلاسفة اليونانيون المعروفون بالرواقيين Stoics يعتقدون بعلاقة طبيعية بين الكلمة وما تشير إليه، ويستدلون على ذلك بوجود الكلمات المحاكية onomatopoeia لمعناها في اللغات. وقال بذلك أيضا إبيقور Epicurus الذي علل وجود الكلمات غير المحاكية بأنها تعود إلى كونها نقلت من معانيها الأصلية إلى أخرى عن طريق الاستعارة والمجاز.

 

التوفيق بين الأصل الإلهـي والطبيعي  عند الغربيين: هناك نظرية حاولت التوفيق والجمع بين نظريتي الأصل الإلهي والطبيعي. أصحاب هذه النظرية يقولون: إن آدم عندما كان في الجنة كان إنساناً كاملاً يتمتع بمعرفة سماوية وافية، لذلك كانت أسماؤه التي أطلقها على الأشياء ذات علاقة طبيعية قوية وكانت تعبر في لفظها عن طبائع الأشياء وحقائقها وكان هناك انسجام تام بين الكلمة والشئ ,ولكنه بعد اقتراف الخطيئة وهبوطه إلى الأرض فقد تلك القدرات اللغوية السماوية ووجد نفسه وذريته مضطرين إلى إنشاء كلمات قائمة على التواضع والاصطلاح وضعيفة المحاكاة.

 

النظريات الطبيعية في العصر الحديث

شغل لغز بداية اللغة مفكري ولغويي القرن التاسع عشر فتعدت الآراء وتباينت الادعاءات وطغت النظريات الطبيعية على غيرها، ومن هذه النظريات الحديثة:

 

(أ) نظرية Bow-Wow: يرى أصحابها، أن اللغة نشأت من تقليد أصوات الطبيعة، وهي النظرية التي أشار إليها ابن جني بقوله: "وذهب بعضهم إلى أن أصل اللغات كلها، إنما هو من الأصوات المسموعات، كدوي الريح، وحنين الرعد، وخرير الماء، وشحيج الحمار، ونعيق الغراب، وصهيل الفرس، ونزيب الظبي، ونحو ذلك. ثم ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد. وهذا عندي وجه صالح متقبل".

 

وترى هذه النظرية أن الإنسان الأول، عندما أراد أن يميز بين الكائنات، بأسماء ليتحدث عنها، أو يشير إليها في حين غيابها، أخذ في محاكاة أصواتها الطبيعية، فنباح الكلب، مثلاً، اتخذ رمزاً ليدل على هذا الحيوان، ومثل ذلك عواء الذئب، وزئير الأسد، ومواء القط، ومن ثم أصبحت هذه الأصوات الحيوانية المختلفة رموزاً، يشير بها الإنسان الأول إلى هذه الحيوانات، ومثل ذلك في حفيف الشجر، وزفير النار، وقصف الرعد، وخرير الماء وغيرها. ومن هذه الأصوات، تكونت مجموعة من الكلمات، هي أقدم الكلمات في لغات البشر، ثم تطورت هذه الأصوات، أو الكلمات من الدلالة على هذه المعاني الحسية المباشرة، إلى معان أخرى، أكثر تجريداً، ومن هذه الأصوات البدائية، تكونت اللغات فيما بعد على مدى قرون طويلة.[12]

 

وقد لاقت قبولاً كبيراً، في القرن التاسع عشر، والعشرين وأيدها علماء بارزون، مثل Jesperson جسبرسين ، و Herder هيردر، ومن العرب: إبراهيم أنيس، وعلي عبد الواحد وافي، ودافعوا عنها دفاعاً شديداً ووصفوها بأنها: "أدنى النظريات إلى الصحة، وأقربها إلى المعقول، وأكثرها اتفاقاً مع طبيعة الأمور.[13] والسؤال الذي يفرض نفسه: كيف حوكيت وسميت الأشياء الجامدة ، كالحجر والجبل، والشجر. وأهم ما يؤخذ على هذه النظرية، أنها تحصر أساس نشأة اللغة، في الملاحظة المبنية على الإحساس بما يحدث في البيئة وتتجاهل الحاجة الطبيعية الماسة إلى التخاطب والتفاهم، والتعبير عما في النفس، تلك الحاجة، التي هي من أهم الدوافع إلى نشأة اللغة الإنسانية.[14]

 

(ب) نظرية Ding Dong: أشهر القائلين بهذه النظرية Max Muller ماكس موللر، الذي قال إن الإنسان قادر بفطرته على صوغ الألفاظ عند الحاجة وقد صاغ كلماته الأولى  معبرا بها عن شعوره الداخلي عند سماعه أصوات الطبيعة في الخارج. فكل شيء يسمع صوته أو يرى شكله يولد عنده انطباعا داخليا يترجمه بفطرته إلى كلمات لغوية.

 

(ج) نظرية Yo-He-Ho كان يقول بهذه النظرية الفرنسي  Noiré نويري، وهي تفترض أن اللغة بدأت بأصوات غير مقصودة كانت تصاحب النشاط الجسماني للبشر، وهذه الأصوات كان يراد منها تنظيم إيقاع العمل، خاصة عند الجر أو الدفع أو الحمل أو القطع أو ما شابه ذلك من النشاطات. ثم تطورت هذه الأصوات غير المقصودة مع الزمن لتصبح أغان وأناشيد وشعرا.

 

(د) نظرية التنفيس عن النفسPooh-Pooh : هذه النظرية، تقرر أن الفضل في نشأة اللغة، يرجع إلى غريزة خاصة تحمل الإنسان على التعبير عن انفعالاته، بحركات وأصوات خاصة، مثل انقباض الأسارير، وانبساطها، أو الضحك، أو البكاء، أو غير ذلك، مما يعبر به عن انفعالات كالغضب، والخوف، والحزن، والسرور، نحو: أح، أخ، أف، أوّه، آه. وهذه الألفاظ كانت متحدة عند جميع الأفراد في طبيعتها، ووظائفها، وما يصدر عنها، وأنه بفضل ذلك اتحدت المفردات، وتشابهت طرق التعبير عند الجماعات الإنسانية الأولى، فاستطاعوا التفاهم فيما بينهم.

 

والنقد الذي يوجه إلى هذه النظرية هو أنه لا يمكننا أن نتصور أن اللغة بدأت من هذه الكلمات لأنها مازالت في اللغة على شكل تعبيرات وأسماء أصوات اعتراضية، مما يبين أن طبيعتها تختلف عن بقية كلمات اللغة. وبعض هذه الألفاظ أيضاً ليس قديما بل نشأ حديثا، والإنسان يغيرها دائما، وهي ولا تخضع لقواعد الجمل النحوية بل هي كلمات خاصة لها طبيعة معينة ولا يمكن اعتبارها أصلا لكلمات اللغة إضافة إلى أن بعض أصواتها لا يشبه بقية أصوات اللغة.

 

(هـ) نظرية الأصل الإشاري والحركي للغة :

 

يقول  Pagetباجيه إن اللغة بدأت بإشارات بالشفتين واللسان وتشكيلات في عضلات الوجه، وقد حاول أن يدلل على ذلك بأمثلة من ألفاظ الضمائر في اللغة الإنجليزية، مثل بروز الشفتين عند نطق ضمير YOU وكأنك تشير إلى المخاطب.

 

وانكماش الشفتين عند نطق ضمير المتكلم " I " كأن المتكلم يشير إلى نفسه.

 

وانكماش جانب الفم عند نطق لفظ ضمير الغائب HE

 

ثم صاحب هذه الإشارات بعض الأصوات لتأكيدها ثم بعد ذلك ضعف دور الإشارات وقوي دور الأصوات واستعيض عن الإشارات بأصوات كلامية. ولو طبقنا هذه النظرية على العربية لقلنا مثلاً:

 

أنا : فيه إشارة إلى المتكلم بتقلص الشفتين إلى الداخل.

 

هو: فيه إلى شارة الغائب ببروز الشفتين.

 

ومن النظريات الحديثة تلك التي تربط بداية اللغة بنظام الحركة ومناطق تحكمه في المخ. ومن الأدلة التي يستأنسون بها هو أن أي خلل أو عطب في مناطق المخ المتحكمة في الحركة يصاحبها اختلال في الكلام واللغة عند الإنسان، بينما لا يحدث هذا عند القردة، فأي عطب في مناطق المخ المتحكمة في الحركة لا ينتج عنه اختلال في صيحاتها. هذا الترابط والتلازم بين الحركة والكلام يدل في نظرهم على أن اللغة بدأت بحركات ثم تطورت إلى حركات وأصوات ثم تحولت بعد ذلك إلى أصوات. ومن الأدلة أيضا على هذه النظرية أن كلام الإنسان في أكثره مصحوب بحركات باليد والرأس وتشكل في ملامح الوجه، ويضيفون أيضا أن الصوت ناتج عن حركة في أعضاء النطق.

 

(و) نظرية التطور: هذه النظرية تعتمد كثيراً على معطيات نظرية Darwin دارون في النشوء والتطور في الأحياء. هذه النظرية أثرت في كثير من العلوم الإنسانية كالأنثروبولجيا (علم الإنسان) وعلم الاجتماع والفلكلور وغيرها. وقد وجد بعض علماء اللغة فيها وسيلة لتفسير أصل اللغة، لذا نجدهم يفترضون أن اللغة لم تبدأ كاملة منذ الوهلة الأولى وإنما تطورت مع تطور جسم ومخه وقدراته العقلية. ويقارنون أطوار تطور لغة الإنسان القديم بمراحل النمو عند الأطفال. وهذه المراحل في نظرهم كالتالي:

 

1- مرحلة الأصوات الانبعاثية الساذجة حين كانت أعضاء النطق غير ناضجة والميول والرغبات غير واضحة، هذه المرحلة في نظرهم تشبه حالة الطفل في الشهور الأولى من حياته.

 

2- مرحلة الأصوات المكيفة المنبئة عن الأغراض والرغبات المصحوبة بإشارات متنوعة. في هذه المرحلة يظهر التمييز للأصوات كالجهر والهمس، والشدة والرخاوة، والتمييز في نطق بعض الأصوات الشفوية (ب، م) وهذه المرحلة تناظر حالة الطفل في أواخر السنة الأولى عندما يبدأ بترديد أصوات مثل: با با، ما ما، دا دا ...إلخ.

 

3- مرحلة المقاطع التي أصبح الإنسان فيها ينطق أصوات محددة المعالم في صورة مقاطع قصيرة محاكية أصوات الحيوانات والأشياء في الطبيعة، وتشبه هذه المرحلة حالة الطفل في بداية السنة الثانية عندما يبدأ يسمى الأشياء بحسب أصواتها مثل تسمية الكلب "هوهو" والقطة "نَوْ نوْ" والساعة "تك تك".

 

4- مرحلة تكوين كلمات من مقاطع، وهذه تمثل الجذور اللغوية الأولى التي استعملها الإنسان الأول لقضاء حاجاته، وقد بلغ هذه المرحلة اللغوية بعد أن اكتملت قدراته العقلية ونضجت أعضاؤه الصوتية، واشتدت حاجته إلى التفاهم مع غيره، ويناظر هذه المرحلة من أطوار نمو الطفل تلك التي  يبدأ فيها التفاهم مع من حوله ويصبح لديه قدرا من المفردات التي تساعده في الإشارة إلى الأشياء في محيطه وبيئته.[15]

 

خاتمة:

إن هذا موضوع شائك يذهب بنا إلى ماض سحيق من تاريخ الإنسانية. وليس هناك أدلة نصية قطعية في هذه المسألة. وأما الأدلة العقلية فهي قائمة على افتراضات كلامية وعقلية بحتة لا علاقة لها بالواقع. وهذا هو الذي جعل كثيرا من المفكرين يترددون بين هذه الآراء كابن جني والغزالي. ورأينا آخرين كالرازي والباقلاني يفضلون عدم القطع برأي في هذه المسألة لتكافؤ الأدلة وعدم وجود مرجح.

 

كل هذه الأمور مجتمعة تجعلنا لا نقطع برأي جازم وإنما نقول إنه يبدو أن الأصل الإلهي في اللغة هي تلك المقدرة الفطرية اللغوية التي وهبها الله للإنسان وجعله قادرا إيجاد نظام من العلامات يستطيع به التفاهم مع الآخرين من جنسه. ومسألة هل بدأت هذه اللغة بكلمات محاكية أو غير محاكية ليست مهمة في نظرنا لأنه لا علاقة لها بالأصل الفعلي للغة. فالإنسان لو لم ذا صوت لاستخدم وسيلة إشارية أخرى. نحن نرى اليوم الصم والبكم يستخدمون الإشارات كلغة ذات نظام صرفي ونحوي قادرة على التعبير بتراكيب تشتمل على علامات للعدد والزمن والضمائر. وهناك مجموعات من البشر حرمت السمع والبصر فعمد أفرادها إلى استخدام نظام لغوي قائم على تشكيلات من اللمسات. وهناك من يقول إنه لو عزل اثنان أو ثلاثة من الأطفال في مكان ما لاستطاعوا أن ينشئوا لغة جديدة قد تضاهي اللغات الأخرى في تراكيبها ونحوها وصرفها. إذن المسألة المهمة في أصل اللغة ليست الكلمات. المهم هو أن هذا المخلوق قد وهب قدرات عقلية ولغوية فطرية تمكنه من استخدام أي وسائط متاحة ليستعملها نظاما للتفاهم مع غيره. وقد نجح علماء في بريطانيا في الكشف عن أول مورث، أو جين، مسؤول عن تطور اللغة والكلام عند الإنسان. يقول البروفيسور انتوني موناكو من مركز ويلكوم لدراسات المورثات البشرية، إن هذا الكشف يعد أول دليل علمي على وجود مورث يمكن أن يكون له علاقة واضحة بمشاكل نشأة اللغة وتطورها، ومن شأنه إلقاء الضوء على ألغاز اللسان والكلام وأسرارهما.[16]

 

أصل واحد أم متعدد؟

اختلف العلماء حول مسألة هل هذه اللغات الإنسانية والعائلات اللغوية تعود إلى لغة أُم ، أم أنها تعود إلى أصول مختلفة. وهذه قضية أخرى لا يمكن الوصول فيها إلى رأي يقيني قاطع.

 

1- هناك من يقول إنها نشأت من لغة واحدة والقائلون بهذا يذكرون أن هناك ما يقارب 500 جذر لغوي تتشابه في لغات مختلفة. وهناك أيضاً ما يسمى بالصفات العالمية الشائعة في اللغات LANGUAGE UNIVERSALS  التي تبين أن لغات البشر تشترك في سمات عامة وشائعة، كوجود أقسام الكلمة والضمائر وأسماء الإشارة وغيرها.

 

2- هناك من يرجع اللغات الإنسانية إلى أصول مختلفة لا علاقة بينها، وأما السمات الشائعة في اللغة فلا تقوم دليلا على وحدة الأصل وإنما تعود إلى القدرات اللغوية الفطرية وإلى تشابه التفكير الإنساني عند الشعوب.

 

مراجع

[1]  خالص جلبي، "نشوء اللغة وتطورها"، الشرق الأوسط.

[2]   http://www.mym2.4mg.com/prog1.htm

[3]   موسوعة مقاتل، "لغات" http://www.moqatel.com

[4]  فندريس، اللغة، تعريب عبد الحميد الدواخلي و محمد القصاص، 36.

[5]  إبراهيم أنيس، اللغة بين القومية والعالمية، ص 30-31.

[6]  الشوكاني، إرشاد الفحول.

[7]  شمس الدين الأصفهاني، شرح المنهاج، 1/171.

[8]  شمس الدين الأصفهاني، شرح المنهاج، 1/171.

[9]  موسوعة مقاتل، (الشبكة العالمية)

[10]  الشوكاني، إرشاد الفحول،1/ 84.

[11]  شمس الدين الأصفهاني، شرح المنهاج، 1/169.

[12]  انظر موسوعة Moqatel  على الشيكة العالمية.

[13]  المصدر السابق.

[14]  المصدر السابق.

[15]  رمضان عبد التواب، دراسات في فقه اللغة.

[16]  BBC Online,  01/10/03 ,http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1578000/1578127.stm

أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية

 

 

فقه اللغة - 3

 

بقلم الكاتب: د. سالم سليمان الخماش

جامعة الملك عبد العزيز بجدة / كلية الآداب والعلوم الإنسانية

 

اللغات السامية

السامية تسمية حديثة عهد اقترحها عالم اللاهوت الألماني –النمساوي شلوتزر Scholzer عام 1781 للميلاد، لتكون علماً على عدد من الشعوب التي أنشأت في هذا الجزء من غرب آسيا حضارات ترتبط لغوياً وتاريخياً، كما ترتبط من حيث الأنساب، والتي زعم أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، بناء على ما جاء في التوراة في صحيفة الأنساب الواردة في الإصحاح العاشر من سفر التكوين، من أن الطوفان عندما اجتاح سكان الأرض لم ينج منه سوى نوح وأولاده الثلاثة: سام وحام ويافث وما حمل معه في سفينته من كل زوجين اثنين. وقد شاعت هذه التسمية وأصبحت علماً لهذه المجموعة من الشعوب عند عدد كبير من العلماء في الغرب ومن سايرهم من  العرب" على الرغم من أن هذه التسمية لا تستند إلى واقع تاريخي، أو إلى أسس علمية عرقية صحيحة، أو وجهة نظر لغوية. [1]

إن هذه الشعوب التي أطلق عليها خطأ اسم "الساميون" هي في حقيقة الأمر قبائل عربية هاجرت بفعل العوامل الطبيعية من جزيرة العرب بحثاً عن الماء والكلأ، ومنها تفرعت الأقوام الأخرى، يؤكد هذا القول ما ذهب إليه "كثير من العلماء الباحثين في أصل الأجناس والسلالات من أن العرب هم أصل العرق السامي، ومن أرومتهم تفرعت الأقوام الأخرى وتشعبت قبائلها، ولهذا الفريق شواهد تاريخية وعرقية ولغوية يدعم بها حجته ويثبت آراءه." [2]

 

الموطن الأصلي للغات السامية

اختلف علماء الساميات حول الموطن الأصلي للغة السامية الأم. ومن أشهر الآراء في هذا الباب تلك التي تقول إنه:

1-أرض إرمينية وكردستان:

ويعتمد أصحاب هذا الرأي على أدلة دينية ولغوية توراتية. فقد ورد في العهد القديم أن سفينة نوح رست على جبل في إرمينية وقد عاش نوح وأبناؤه في هذه المنطقة، وقد لعن حام وأبعد منها، ورحل عنها يافث، وبقي فيها سام الذي نشأ أبناؤه هناك فيها، ومن ذريته كان أرفكشد. ويزعم هؤلاء أن في هذه المنطقة إقليم يسمى أربختس، وهذا الاسم ما هو إلا تغيير أرفكشد وهو أحد أبناء سام قائلين أنّ الفاء والباء حروف شفوية والكاف والخاء حروف متقاربة المخارج، أي أن أصل أربختس هو - أربخست - أرفكشد.

 

2- أرض بابل في العراق، أي جنوب العراق، وقد قال بهذا الرأي:

إرنست رينان، ، وفرينـز هومل، وبيترز، وأغناطيوس جويدي، الذي يقول إن الكلمات المشتركة في النبات والحيوان والظواهر الجغرافية في اللغات السامية تناسب بيئة جنوب العراق وبلاد بابل. فمثلا كلمة نهر موجودة في الأكادية والعبرية والآرامية والعربية والسبئية والأثيوبية بينما بعض هذه اللغات لا يوجد أنهار بأرضها كالعربية، فالجزيرة تخلو من مثل هذه الظاهرة الجغرافية. ويتساءل من أين جاء هذا اللفظ في العربية. يقول لا جواب لهذا في رأيه إلا أن يكون العرب قد عرفوا النهر من قبل، وكان في لغتهم وبقي فيها بعد أن انتقلوا من موطنهم الأصلي. كذلك يزعم أن الجبل له كلمات مختلفة في اللغات السامية: في الآرامية طورا، وفي الأكادية شادوا، وفي العبرية صر، وفي العربية جبل، وهذا في رأيه يعود إلى أنهم لم يعرفوا هذه الظاهرة في موطنهم الأول، وعندما تفرقوا في البلاد التي فيها جبال كل منهم وضع له لفظا مختلفا عن الآخر.

 

ومن الانتقادات التي وجهت إلى هذا الرأي:

أ- هناك وثيقة تبين أن أحد الملوك الساميين في العراق وهو الملك سرجون الأكادي 2600 ق.م كتب عن أصله في نقش مشهور يفهم منه أنه وعشيرته قد جاءوا إلى العراق من شرقي جزيرة العرب.

ب- هناك وثائق كثيرة تدل على أن أرض العراق كانت أرضاً غير سامية في الأصل حيث كانت موطناً للسومريين وهم جنس غير سامي، ولهم عادات ولغة وملامح غير سامية.

ج- إن وجود كلمة نهر في جميع اللغات السامية مع عدم وجود نهر في بعض المناطق ليس دليلاً قويا، لأن الجزيرة العربية كانت في قديم الزمان بلادا خصبة ذات أنهار وجنان. وأما اختلافهم في كلمة جبل فلا دليل يستفاد منه لأننا نراهم اختلفوا في كلمة رجل ، وقمر ولا يستطيع أن يزعم زاعم أنهم لم يعرفوا مسمياتها إلا بعد رحيلهم من بابل.

 

3- أرض إفريقيا:

التي قد انتقلوا منها إلى آسيا منها. وقد قال بهذا الرأي المستشرق البريطاني بارتون  ونولدكه، مدللا عليه الأخير بوجود تشابه بين اللغات الحامية واللغات السامية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف اختفت اللغات السامية من أفريقيا ما عدا الحبشية القريبة من جزيرة العرب؟ إن ما يتكلم عنه نولدكه مرحلة موغلة في القدم تعود إلى ما قبل العائلة الحامية السامية. هذه الدلائل اللغوية غير واضحة والتشابه لا يعني أن الأصل لا بد أن كان في إفريقيا. لم لا يكون أصل الحاميين والساميين في جزيرة العرب ثم انتقل الحاميون إلى إفريقيا ؟

 

4- شمال سورية بلاد آمورو كما كانت تسمى في النقوش القديمة.

ويحتج المستشرق الأمريكي كلاي بوثائق تقول إن الأسرة البابلية الأولى قد جاءت إلى العراق نازحة من الغرب من إقليم آمورو في سورية، ويشير كلاي إلى بعض التشابه بين الأساطير العراقية والأساطير الفينيقيية وأساطير الساميين في بلاد سورية. هذا التشابه في الخرافات والأساطير لا يقوم دليلا لأن هناك تأثيرات متبادلة بين الإقليمين. ثم كيف يمكننا أن نبرر انتقال الإنسان من بيئة غنية بالنبات والزراعة والمياه والطقس اللطيف إلى مناطق قاحلة. ثم كيف استطاعوا قطع الصحراء قبل استئناس الجمال التي لم  يثبت استئناسه إلا في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.

 

5- جزيرة العرب (اليمن خاصة):

قال بهذا عدد من المستشرقين مثل إيراهارد شرادر وأيده من بعد فنكلر، وتيله، والأب فنسان، والأثري الفرنسي جاك دي مورجان، والمستشرق الإيطالي كايتاني، الذين يرون أن الموطن الأصلي للساميين كان شبه الجزيرة العربية." [3] وهذا ما أكده إسرائيل ولفنسون,  ويؤيد هذا الرأي الأمور التالية: (أ) إن انتقال البشر من المناطق القاحلة إلى الخصبة أمر منطقي تماما. أما القول بعكسه فليس له ما يؤيده من ناحية العقل أو التاريخ. (ب) إن العربية تحتفظ بكثير من السمات اللغوية للغة السامية الأم بينما فقد هذه السمات كثير من اللغات السامية المحاذية لأقوام غير سامية، ومن يحتفظ بالسمات الأولى هو أولى بالأصل من غيره، ولا يعقل أن يكون العرب قد انتقلوا من مناطق لأقوام غير سامية ثم جاءوا إلى جزيرة العرب وبقوا محتفظين بسماتها القديمة. (ج) وجود سمات مشتركة بين العبرية والسبئية، يؤكد هذا ما ذهب إليه مرجوليوث من أن الوطن الأصلي لبني إسرائيل هو بلاد اليمن وليس شبه جزيرة سيناء، وقد اعتمد في رأيه هذا على بعض الخصائص اللغوية المشتركة بين السبئيّة والعبرية، إلى جانب اعتماده على تشابه العادات والتقاليد والأخلاق الدينية عند السبئيين وبني إسرائيل. (د) وجود علاقة بين أسماء بعض الآلهة السامية في الأساطير البابلبية مثل تيامت، وهي آلهة وثنية تهيمن على السواحل، واسم ساحل تهامة وهو ساحل البحر الأحمر في غرب الجزيرة العربية. وعلاقة لغوية بين الأسماء الدينية في التوراة والقرآن الكريم كجنة عدن وبلاد عدن في جنوب الجزيرة العربية.

 

خريطة توزيع اللغات السامية

 

 

تقسيم اللغات السامية

اللغات السامية تنقسم إلى ثلاثة فروع هي (1) اللغات السامية الشرقية و (2) اللغات السامية الشمالية الغربية (٣ اللغات السامية الجنوبية الغربية (أو الجنوبية).

 

ولا يضم الفرع الشرقي غير اللغة الأكادية وهى أقدم لغة سامية تم تأكيد وجودها على أساس النصوص المسمارية. وكانت الأكادية مستعملة في بلاد ما بين النهرين منذ حوالي سنة ٣۰۰۰ قبل الميلاد حتى ما يقارب ١۰۰ سنة بعده.  واستمرّ استعمالها لغة كتابة منذ حوالي 2000 ق.م وحتى القرن الثاني أو الثالث الميلادي. وقد تطور منها لهجتان هما البابلية في الجنوب والآشورية في الشمال، اللتان خلفتهما الآرامية في القرن السادس ق. م. إنّ الفرق الرئيسي بين اللغات السامية الشرقية واللغات السامية الغربية هو اختلاف نظام الأفعال.

ويحتوي الفرع السامي الشمالي الغربي على اللغات العمورية والأوغاريتية والكنعانية والآرامية. أما العمورية فهي لغة اكتشفت استناداً إلى بعض الأسماء الشخصية التي دخلت في النصوص الأكادية والمصرية وتعود إلى النصف الأول من الألف الثاني ق .م. والأرجح أن العموريين القدماء كانوا من الأقوام البدوية السامية.

 

وتمثل اللغة الأوغاريتية شكلاً قديما من الكنعانية وكانت مكتوبة ومنطوقا بها في أوغاريت (رأس شمرا) على الساحل الشمالي لفينيقيا في القرنين ١٤ و ١٣ ق.م. والنصوص الأوغاريتية الأولى التي عثر عليها في أواخر العشرينات من القرن العشرين مكتوبة بأبجدية مشابهة للخط المسماري.

 

أمّا الكنعانية فتتكون من عدد من اللهجات المترابطة فيما بينها ترابطاً وثيقاً والتي كانت مستعملة في فلسطين وفينيقيا وسورية. وتعود مدوّناتها إلى حوالي سنة ١٥۰۰ ق.م. واللغات الكنعانية الرئيسية هي الفينيقية والفونية والمؤابية والأدومية والعبرية والعمونية وكانت كلها بادئ الأمر تُكتب بالخط الفينيقي. والمدوّنات الفينيقية تعود من مطلع العهد المسيحي إلى ١٠٠٠ سنة ق.م. (نقوش من لبنان وسورية وفلسطين وقبرص وغيرها). أمّا اللغة الفونية التي تطورت من الفينيقية في مستعمراتها حول البحر المتوسط ابتداء من القرن التاسع ق .م فقد ظلّت مستعملة حتى القرن الخامس الميلادي. وأما المؤابية والأدومية والعمونية فكانت منتشرة في أراضى الأردن الحالية. ولم يبق من مدوّنات تلك اللغات إلا القليل من النقوش والخواتم التي تعود إلى الفترة ما بين القرنين ٩ و ٥ ق .م. والأرجح أن الآرامية حلّت محّل تلك اللغات. وأكثر تلك المدّونات شهرة هو النص المؤابي المنقوش في حجر ״ميشع״ والذي يعود إلى حوالي سنة ۸٤۰ ق .م. ويحتوى النص على رواية حروب ميشع (ملك المؤابيين) ضد عمري ملك إسرائيل. أما اللغة العبرية الكلاسيكية أو عبرية الكتاب المقدس فكانت معروفة منذ العهد القديم وكُتبت بها نصوص على مدى ألف سنة. وأقدم النقوش العبرية هو لوح (تقويم جزر) الذي يعود إلى حوالي سنة ٩٢٥ ق .م. وكانت العبرية تُكتب بالأبجدية الكنعانية الفينيقية إلى أن اتخذ اليهود في القرن الرابع ق.م. الخط المربّع من الآرامية وظلّوا يستخدمونه إلى أيامنا هذه. ومع حلول القرن الثالث ق .م.لم يكن مستعملا من العبرية إلا المشناوية في يهوذا. ومع ذلك فقد احتفظ اليهود بتلك اللغة على مدى القرون باعتبارها لغة مقدسة وتم إحياؤها ـ مع ببعض التعديلات ـ في القرن العشرين لتصبح لغة رسمية لإسرائيل في فلسطين المحتلة.

 

أما المدوّنات الآرامية فتعود إلى 8٥۰ ق .م . (على لوح حجري من تل فخرية في سورية). وقد انتشرت الآرامية انتشاراً سريعاً لتصبح في القرن السادس ق .م. لغة الإدارة واللغة الشائعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط فحلّت محل اللغات السامية الأخرى بما فيها الأكادية والعبرية. وحتى عصر الفتوحات العربية الإسلامية في القرن السابع لم يكن لها نظير في الشرق الأوسط إلا اللغة اليونانية. أما مصادر الآرامية قبل الميلاد (الآرامية العتيقة أو الإمبراطورية) فهي النقوش وبعض الخطابات والوثائق المكتوبة على ورق البردي بالإضافة إلى كتابَيْ عزرا ودانيال من العهد القديم. وتضم الآرامية الغربية: النبطية والتدمرية والآرامية اليهودية الفلسطينية) والآرامية السامرية، والآرامية المسيحية الفلسطينية (السريانية الفلسطينية). ومع أن معظم سكّان المملكة النبطية في البتراء وجوارها في جنوب الأردن، وتدمر (شمالي شرقي سورية) والخضر في شمال العراق كانوا عرباً إلا أنهم كتاباتهم كانت بالآرامية مستعملين أنواعاً خاصة بهم من الخط.

 

السامية الجنوبية الغربية أو الجنوبية

وتحتوي اللغات السامية الجنوبية الغربية أو الجنوبية على (1) العربية الجنوبية و (2) العربية الشمالية و(3) اللغات الإثيوبية.

ومن مصادر اللغة العربية الجنوبية بعض النقوش القديمة إضافة إلى اللهجات العامية المنطوق بها حاليا في اليمن و عُمان. وقد اشتقت أبجديتها من الخط الكنعاني الذي جيء به إلى المنطقة من شمال الجزيرة العربية حوالي سنة ١٣۰۰ ق .م . وتعود النقوش العربية الجنوبية ـ وهي في شكل نذور ووثائق ونقوش على القبور ـ إلى فترة ما بين ٧۰۰ ق. م. و ٥۰۰م. وتضم العربية الجنوبية بضع لهجات منها السبئية والمعينية والقتبانية ولهجة حضرموت. أما اللغات المعاصرة لجنوب الجزيرة العربية فليست مكتوبة وهى في طريقها إلى الانقراض نتيجة انتشار اللغة العربية الشمالية. وأشهر تلك اللغات هي المهرية والسقطرية.

 

العربية الشمالية

وتنقسم إلى العربية البائدة وهي التي كان يتكلمها أبناء قبائل ثمود ولحيان في شمال الحجاز وسكان الصفا في بلاد الشام. وثمة آلاف النصوص القصيرة المنقوشة على الصخور التي تعود إلى فترة ما بين ٧۰۰ ق.م .و٤۰۰ م. ويعود أقدم النصوص العربية المكتوبة بالخط المشتق من الأبجدية النبطية إلى القرن الرابع للميلاد. ويقع مهد اللغة العربية الباقية (الفصحى) في شمال الجزيرة العربية. والمصادر الأولى لتلك اللغة هي الشعر الجاهلي والقرآن الكريم. ومع ظهور الإسلام وانتشاره انتشرت العربية وأصبحت لغة الثقافة والعلوم من بلاد فارس وآسيا الصغرى إلى المحيط الأطلسي وأسبانيا.

 

والإثيوبية تشبه لغات جنوب الجزيرة العربية أكثر مما تشبه العربية الشمالية. وأقدم تلك اللغات هي الجعزية المعروفة باسم الإثيوبية. ويعتقد بعض علماء الساميات أنها تفرّعت من لغة جنوب الجزيرة العربية في بداية العهد المسيحي لتبلغ أوج اتّساعها في القرن الرابع. وكان تكلّم بها في ذلك الوقت سكّان مملكة أكسوم الواقعة على الحدود الحالية بين إثيوبيا وإريتريا .ومع أنّ الجعزية قد توقف استعمالها كلغة للكلام منذ حوالي ١۰۰۰م  إلاّ أنها ظلت لغة الطقوس الدينية في الكنيسة الحبشية.

 

ومن يتأمل الكلمات التي وردت في الجدول التالي يدرك العلاقة اللغوية بين هذه اللغات: [4]

 

العربيّة

الإثيوبيّة

الأكاديّة

الأوغاريتية

الآراميّة

العبريّة

أخ

إِخْتُ

أَخُو

أخُ

أحَا

أحُ

بَعْل

باعِل

بيلُ

بعل

بَعلا

بَعَل

كَلب

كلب

كلبُ

كلب

كلبا

كِلِف

ذُباب

زمب

زمبُ

ـ

دَبَّاثا

زِفوف

زَرْع

زَرِع

زِيرُ

درع

زرعا

زِرَع

رأس

رِءِس

رِيشُ

ريش

ريشا

رُأش

عين

عين

ينُ

عن

عينا

عَيِنْ

لسان

لسان

لِشانُ

لسن

لِشَّانا

لَشُن

سِنّ

سِنّ

شنُّ

ـ

شِنانا

شِنْ

سماء

سماي

شمو

شمم

شِمَيّا

شمايم

ماء

ماي

مُو

مي

مَيّا

مَيم

بيت

بِت

بيتُ

بت

بيتا

بَيِتْ

سلام

سلام

شلامُ

شلم

شِلاما

شَلُوم

اسم

سِم

شُمُ

شم

شِمَا

شِم

 

الخصائص المشتركة بين اللغات السامية

(أ) وجود عدد كبير من الحروف الحلقية، وهي: ع، غ، ح، خ، هـ، ء. لكن بعض هذه الأصوات لم يبق على حاله في بعض اللغات، بل تغير بعضها إلى أصوات أخرى. ولم تبق كاملة إلا في العربية الشمالية والعربية الجنوبية والأغاريتية. (انظر الجدول).

 

حروف الحلق

ع    تغير إلى

ء

الأكادية

ح    تغير إلى

هـ > ء

الأكادية

خ   تغير إلى

ح

العبرية والآرمية

غ   تغير إلى

ع  > ء

ع

الأكادية

العبرية، الآرمية، الإثيوبية

 

(ب) وجود عدد من حروف الإطباق وهي: ق، ،ص، ط، ض، ظ لكنها لم تبق أيضا على حالها في جميع هذه اللغات، بل تغير بعضها. ولم يحتفظ كاملة إلا العربية الشمالية والعربية الجنوبية (انظر الجدول).

 

حروف الإطباق

ض   تغير إلى

ص

ع

الأكادية، العبرية، الأوغاريتية

الآرمية

ظ   تغير إلى

ص

ط

الأكادية، العبرية، الإثيوبية

الآرمية

 

(ج) يقوم بناء الكلمة على الحروف الصامتة، فهي وحدها التي تؤدي المعنى العام وأما الحركات القصيرة والطويلة والزوائد فوظيفتها تأدية المعاني الاشتقاقية والصرفية، كتَبَ، كاتب، كُتِب، مكتب.

 

(د) يقوم معظم جذور الكلمات السامية على ثلاثة أحرف، وقليل مكون من حرفين مثل أب أخ أو فوق الثلاثة مثل أرنب، قنفذ، عقرب.

(هـ) امتازت اللغات السامية بوجود عدد كبير من صيغ الفعل الدلالية التي قلما توجد في عائلات لغوية أخرى، نحو: فعَل، فعّل، أفعل، فاعل ، تفعّل، افتعل، انفعل،  تفاعل، استفعل، افعلّ، افعوّل، افعوعل.

 

(و) ندرة صيغ الدمج الذي نصادفه في اللغات الأوربية مثلاً حيث تدمج كلمتان أو ثلاث لتصبح واحدة كما في الإنجليزية bodyguard المدموجة من (Body+gaurd) و (homework) المدموجة من (home+work)، لكن هناك في الساميات وخاصة العربية ألفاظ قليلة جاءت عن طريق ما يسمى بالنحت وهو غير الدمج مثل حمدله وبسمله وجعفل.

 

(ز) وجود علامات إعرابية تدل على الموقع الإعرابي أو الحالة التركيبية: المسند إليه، الاسم المسند، و المضاف إليه، إلخ ...، وعلى نصب المضارع وجزمه، وقد فقدت بعض اللغات السامية هذه العلامات ولكن العربية احتفظت بالعلامات الأصلية: الفتحة والضمة والكسرة والسكون وهناك علامات فرعية  كنيابة حركة عن حركة، وحرف عن حركة عن حرف والحذف ...)

 

(ح) وجود صيغ للتثنية في الأسماء والضمائر المنفصلة والمتصلة الدالة على المخاطب والغائب.

 

(ط) اتساع النزعة الفعلية في اللغات السامية، أي أن هناك اهتمام بالفعل بدليل وجود صيغ متعددة له وهناك اشتقاقات لأفعال من أسماء جامدة مثل بطن فلان أي أصابه مرض في بطنه وكبدته  أي أصبت كبده.

 

(ي) تمييز المخلوقات والأشياء إلى مذكر أو مؤنث ولا ثالث لهما، نحو شمس، بئر، سماء، وجبل، قمر، ليل، نهار.

 

انظر جدول أصوات اللغات السامية

 

الاختلافات بين العربية واللغات السامية

العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظاً بسمات السامية الأولى فقد احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية.

1- فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية. (قارن جدول الأصوات السامية ومقابلاتها)

2- احتفظت العربية بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى.

3- احتفظت بمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم، اسم الفاعل، المفعول. وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني.

4- احتفظت بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة.

5- يضم معجم العربية الفصحى ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر. ولهذا أصبحت عونا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.

الاختلافات بين العربية والسامية الأم

بالرغم من أن العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظا بالسمات السامية القديمة، الصوتية منها والصرفية، وهي بهذا أقرب هذه اللغات إلى السامية الأولى، إلا أن هناك اختلافات بينها وبين أمها الأولى، وهذه الاختلافات يمكن تصنيفها كالتالي:

 

الاختلافات صوتية:

(1) تغيرت بعض الأصوات السامية في العربية:

j   <   g     (ج)

   P >    f (ف)

 Š   >    S (س) فأصبح صوت (ش) السامي و (س) السامي ينطقان في العربية (ش).

Ś    >   Š  (ش)

 

(2) القلب المكاني لبعض الكلمات مثل: بركة > ركبة ، ويدلنا على انقلابها من بركة ما نجده في الأوغاريتية brkm والأكادية burku ، وقد بقي من ركام هذا الأصل في العربية الفعل (برك) أي نزل على ركبه (< بركه).

(3) التغيير الصوتي: حيث حدث إبدال في لبعض الأصوات في مثل: أبّل >  أبّن "مدح الميت" (قارن الجذر ?bl في الأغاريتية والعبرية والآرمية: "ينعى") ، أحد > واحد (قارن: أحد في الأغاريتية و أحّاد في العبرية) ، ألمنة > أرملة (قارن: الأكادية  almattu والأغاريتية almnt

 

اختلافات صرفية

(1) تغير صيغة تفعل السامية إلى افتعل، نحو اكتسب (< تكسب)، اختبر (<  تخبر). [5]

(2) أداة التعريف في العربية الـ وفي العبرية هـ ، ويرى بعض علماء الساميات أن هناك علاقة بين أداة التعريف واسم الإشارة، وعليه يرجح هؤلاء أن أداة التعريف في السامية الأم كانت هل (hal) وحذفت الهاء من العربية وأصبحت الـ ، وحذفت ل من البرية وأصبحت هـ .

(3) إقحام النون في بعض المفردات، نحو أنف (أف) قارن الأكادية appu’، والأوغاريتية p’ والعبرية app’؛ أنثى (أثثى) قارن الأوغاريتية ŧt’ (أثة) والأكادية aššatu’.

(4) تغير بعض الضمائر المتصلة، مثل: تغير ضمير الفاعلات: قتلا (أي قتلن) إلى قتلنَ قياسا على المضارع (يقتلن). وتغير ضمير المتكلم المتصل إلى ت في نحو كتبتُ والأصل كتبكُ.

 

اختلافات دلالية:

أي تغير معنى لفظة عن معناها الأصلي إلى معنى خاص، ومن أمثلة ذلك:

لحم: التي يبدو أنها كانت تعني "الطعام" ثم تغير معناها في العربية بسبب التخصيص إلى "لحم الحيوان" وفي العبرية إلى "خبز" وفي السريانية إلى "طعام" و "خبز".

هلك: كانت تعني سار ورحل وهذا معناها في العبرية والآرمية، ولكنها أصبحت تعني في العربية "مات" وهذا التغيير حدث بسبب التلطف في ذكر الموت، قارن رحل أي مات. ولكنها فيما بعد أصبحت أقوى في الدلالة من مات نفسها. ولذلك استخدم فعل رحل بدلها.

أهل: يبدو أن معناها كان "خيمة" ثم استعملتها العرب مجازا للزوجة والأبناء، باعتبارهم من يسكنون داخل الخيمة.

أمس: "مساء اليوم السابق" (قارن الأكادية amšat أمشت) تغير معناها إلى "اليوم السابق."

 

الاشتقاق [6]

اختلف العرب حول تعريف الاشتقاق:

(أ) عرفه الرماني بأنه "اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه (حروف ذلك) الأصل"

 

(ب) وأورد أبو البقاء له تعريفين: (1) رد كلمة إلى أخرى لتناسبهما في اللفظ والمعنى، و(2) أخذ كلمة من أخرى بتغيير ما في الصيغة مع التناسب في المعنى"

 

يلاحظ هنا أنه يوجد اختلاف بين التعريفين فأحدهما عبر فيه بـ (اقتطاع) والآخر بـ (رد). فما سبب هذا الاختلاف؟ أجاب عن هذا التهانوي في كتابه كشاف اصطلاحات الفنون حيث قال إن هذه التعريفات على ضربين:

الأول تعريف بحسب العمل (اقتطاع) وهو أي تأخذ من اللفظ ما يناسبه في التركيب فتجعله دالا على معنى يناسب معناه. وهذا ما نفعله حين نشتق المشتقات القياسية كاسم الفاعل واسم المفعول واسم المكان واسم الزمان من الفعل حسب قواعد اشتقاقية معينة. فالمأخوذ مشتق والمأخوذ منه مشتق منه ولسنا مطالبين بالسماع. وهذا يعبر عنه في علم اللغة باصطلاح: Derivation.

والثاني بحسب العلم وعبر عنه بـ (رد) وهو أن تجد بين اللفظين تناسبا في أصل المعنى والتركيب فترد أحدهما إلى الآخر، فالمردود مشتق والمردود إليه مشتق منه، وهذا الذي ذكره يشبه ما يعبر عنه باللغات الغربية باصطلاح Etymology وهو أن تنسب كلمة إلى أصل معنى جذرها، مثل (جنين) و(جنن) و(جنة) المأخوذة من (جن) الذي يدور حول معاني "التغطية والستر."

وهناك أمر ثالث مختلف عما ذكر وقد يخفى على بعض الدارسين فيعتبرونه من النوع الأول ألا وهو التصريف وهو تغير في هيئة الكلمة لتوافق التركيب في الجملة وما يقتضيه من حيث الزمان  أو العدد أو الفرد أو الجنس مثل ذهب، ذهبوا، ذهبتُ، ذهبتَ؛ وعامل، عاملان، وعاملون.

 

أصل المشتقات

الاختلاف في أصل الاشتقاق

اختلف أهل اللغة في أصل الاشتقاق فذهب البصريون إلى أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه، وذهب الكوفيون إلى أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه نحو ضرب ضربا وقام قياما.

وأما البصريون فاحتجوا بما يلي:

 

1- المصدر يدل على زمان مطلق والفعل يدل على زمان معين فكما أن المطلق أصل للمقيد فكذلك المصدر أصل للفعل وبيان ذلك أنهم لما أرادوا استعمال المصدر وجدوه يشترك في الأزمنة كلها لا اختصاص له بزمان دون زمان فلما لم يتعين لهم زمان حدوثه لعدم اختصاصه اشتقوا له من لفظه أمثلة تدل على تعين الأزمنة ولهذا كانت الأفعال ثلاثة ماض وحاضر ومستقبل لأن الأزمنة ثلاثة ليختص كل فعل منها بزمان من الأزمنة الثلاثة فدل على أن المصدر أصل للفعل

 

2- المصدر اسم والاسم يقوم بنفسه ويستغنى عن الفعل وأما الفعل فإنه لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى الاسم وما يستغنى بنفسه ولا يفتقر إلى غيره أولى بأن يكون أصلا مما لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى غيره

 

3- الفعل بصيغته يدل على شيئين الحدث والزمان المحصل والمصدر يدل بصيغته على شيء واحد وهو الحدث وكما أن الواحد أصل الاثنين فكذلك المصدر أصل الفعل

 

4- المصدر له مثال واحد نحو الضرب والقتل والفعل له أمثلة مختلفة كما أن الذهب نوع واحد وما ويوجد منه أنواع وصور مختلفة.

 

5- الفعل بصيغته يدل على ما يدل عليه المصدر والمصدر لا يدل على ما يدل عليه الفعل ألا ترى أن ضَرَب يدل على ما يدل عليه الضرب والضرب لا يدل على ما يدل عليه ضَرَب، وإذا كان كذلك دلّ على أن المصدر أصل والفعل فرع لأن الفرع لا بد أن يكون فيه الأصل وصار هذا كما تقول في الآنية المصوغة من الفضة فإنها تدل على الفضة والفضة لا تدل على الآنية وكما أن الآنية المصوغة من الفضة فرع عليها ومأخوذة منها فكذلك هاهنا الفعل فرع على المصدر ومأخوذ منه

 

6- لو كان المصدر مشتقا من الفعل لكان يجب أن يجرى على سنن في القياس ولم يختلف كما لم يختلف أسماء الفاعلين والمفعولين. فلما اختلف المصدر اختلاف الأجناس كالرجل والثوب والتراب والماء والزيت وسائر الأجناس دل على أنه غير مشتق من الفعل

 

7- لو كان المصدر مشتقا من الفعل لوجب أن يدل على ما في الفعل من الحدث والزمان وعلى معنى ثالث كما دلت أسماء الفاعلين والمفعولين على الحدث وذات الفاعل والمفعول به فلما لم يكن المصدر كذلك دل على أنه ليس مشتقا من الفعل.

 

8- تسمية المصدر مصدرا دليل على أصالته، لأن (المصدر) في اللغة هو الموضع الذي يُصدَر عنه ولهذا قيل للموضع الذي تصدر عنه الإبل مصدر فلما سمي مصدرا دل على أن الفعل قد صدر عنه.

 

أما الكوفيون الذين قالوا بأن المصدر مشتق من الفعل فاحتجوا بما يلي:

1- المصدر مشتق من الفعل لأن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتل لاعتلاله ألا ترى أنك تقول قاوم قِوَاما فيصح المصدر لصحة الفعل، وتقول قام قياما فيعتل لاعتلاله، فلما صح لصحته واعتل لاعتلاله دل على أنه فرع عليه.

 

2- الفعل يعمل في المصدر، ألا ترى أنك تقول ضربت ضربا فتنصب ضربا بضرب، فوجب أن يكون المصدر فرعا للفعل لأن رتبة العامل قبل رتبة المعمول.

 

3- المصدر يذكر تأكيدا للفعل، ولا شك أن رتبة المؤكَّد قبل رتبة المؤكِّد فدل على أن الفعل أصل والمصدر فرع.

 

4- هناك أفعال لا مصادر لها خصوصا على أصلكم وهي نعم وبئس وعسى وليس وأفعال التعجب فلو كان المصدر للزم وجود الأصل هنا وهو مصادر هذه الأفعال.

 

وذكر فؤاد ترزي حججا فات الكوفيين إيرادها لتعضيد رأيهم، منها:

5- المصدر اسم لمعنى وأسماء المعاني أسماء مجردة لا يمكن أن تكون أصولاً لألفاظ أقرب منها إلى التجسيد واللغات كما هو معروف تسير في تطورها من التجسيد إلى التجريد لا العكس.

 

6- إن لكثير من الأفعال مصادر متعددة والمعقول أن يشتق المتعدد من الواحد لا الواحد من المتعدد، من ذلك مثلا (مكث) الذي ذكر من مصادره: مَكْث، مُكْث، مَكَث، مكوث، مُكْثان، … إلخ.

 

رأي عبد الله أمين

يرى عبد الله أمين إن أصل المشتقات جميعاً ليس الفعل ولا المصدر، وإنما شيء غيرهما هو الأسماء الجامدة وأسماء الأصوات. الأسماء الجامدة المرتجلة التي لم تشتق من غيرها، نحو: شجر، حجر، سماء، ماء، بطن، يد. وأسماء الأصوات هي حاحا للغنم وسأسأ للحمير، قعْ، دنْ، غاقْ، قبْ. هذه اشتق منها الفعل، ومن الفعل اشتق المصادر وبقية المشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول واسم الزمان واسم المكان …إلخ. ويمكن بيان ذلك كالتالي:

 

أسماء الأصوات، والأسماء الجامدة   >   أفعال   >   مصادر ومشتقات أخرى

 

النقد:

(1) إنه ينفي أن تكون الأفعال مرتجلة وهي جزء مهم من اللغة متعلق بنشاط الإنسان منذ وجد على البسيطة كالكسر والشق والدق والقطع و لا يعقل ألا يضع الإنسان كلمات لهذا النوع من النشاط.

 

(2) هناك أفعال كثيرة لا تنتمي إلى أسماء جامدة أو إلى أسماء أصوات نحو علم، سار، نام، جلس، وغيرها لذا كان لا بد من افتراض ارتجالها. [7] إضافة إلى أن هناك أفعالا لا تنتمي إلى اسم من أسماء المعاني وأسماء الأعيان والأصوات مثل علم وسمع وجمع.

 

الجذر

الجذر: هو الحروف الأصلية المشتركة بين كلمات معينه تشترك في معنى عام، مثل (ج.ن) التي تتكرر في: جنَّ- جَنه – جَنان –جنين – جُنة، جَنَن.

 

آراء العلماء في الجذر: قال بعضهم هي كلمات كان لها في مرحلة من تاريخ اللغة معان معينة. وقال آخرون إن الجذور ما هي إلا افتراضات استنتجت من المشتقات ولا وجود لها إلا في أذهان بعض اللغويين.

الصلة بين الجذور والمشتقات:

هناك علاقة صوتية فبين جَنة – جَنان –جنين – جُنة، جَنَن وجود الجيم والنون. ثم هناك علاقة دلالية معنوية لأن معاني هذه الألفاظ تشترك في معنى عام هو "التغطية والستر"

أمثلة أخرى:

غ ف ر (التغطية)

غفر: غطى؛ الغفارة: غطاء للمرأة؛ مغفر: البيضة التي يضعها الفارس على رأسه؛ غفر: عفا (غطى على ذنبه)؛ الغفير : الكثير (لأنه يغطي).

 ع ف و (التغطية والنماء)

عفا: نما وطال (يغطى)، العفاء: الريش والشعر (شيء ينمو ويغطي).

عفا: غفر له (غطى على ذنبه) عفت الديار: طمست (غُطيت) (للتعليق والمشاركة حول الموضوع)

مراجع

[1]  كايد، إبراهيم، "العربية بين الساميات"

[2]  كايد، إبراهيم "العربية بين الساميات"

[3]  كايد، إبراهيم "العربية بين الساميات"

[4]  موسوعة مقاتل "السمات العامة للغة العربية"

[5]  رمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة، 234.

[6]  انظرفؤاد ترزي، الاشتقاق.

[7]  ترزي، 70.

أضيفت في 01/06/2008/  خاص القصة السورية

 

 

الأبجدية والتعليم في أوغاريت

 

بقلم الكاتب: سجيع قرقماز

 

شهد العالم في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد بداية التحولات الثقافية , والتعليمية, من حيث التفكير بتغيير الأنماط الكتابية السائدة, وبالأخص الثورة على الهيروغليفية, والمسمارية, الأكثر تداولا ًفي العالم القديم حينها , والثورة جاءت من الساحل السوري الذي كان صغيرا ً بمقاييس المساحة, والنفوذ والقوة, لكنه كان الأكبر من حيث المساهمة الحضارية التي قدمها للإنسانية.

 

لا شك بأن محاولات برمجة اللغة, والكتابة في ذلك الوقت كانت هاجسا ً بالنسبة للقائمين عليها لكي يتم تسهيل التعامل معها, نظرا ً للصعوبات الكبيرة في التعامل مع اللغتين الدوليتين السائدتين حينها:

1-الهيروغليفية , وكثرة رموزها وأسمائها وحروفها .

2-المسمارية المقطعية , حيث كل شكل ٍ فيها يمثل مقطعا ً صوتيا ً كاملا ً.

وحيث في الكتابتين آلاف الأشكال المكتوبة , مما يجعل استخدامها صعبا ً.

وهذا ما نراه إلى اليوم في اللغتين (اليابانية , والصينية) اللتين لا تعتمدا  الأبجدية.

لذلك - وكما حدث في تعميم الحاسب في العصر الحديث – كان اختراع الأبجدية نوعا ً من تعميم الكتابة, وجعلها في متناول الناس, وليس الطبقة الحاكمة (السياسية والدينية).

 

الأبجدية واللغة والكتابة

قبل الحديث عن أبجدية أوغاريت، دعونا نفرق بين المصطلحات المتعلقة بهذه القضية, وخاصة التفريق بين اللغة والكتابة والأبجدية:

- اللغة, وهي التي تحدث بها الناس منذ مئات الآلاف من السنين.   

- الكتابة, وجدت بأشكال ٍ مختلفة منذ عصور ما قبل التاريخ.

- الأبجدية, أي ترتيب الحروف لاستخدامها في الكلمات, وفق أسس معينة, والتي تدل الأبحاث الأثرية أن (أوغاريت) هي التي اخترعتها في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد , وإن كنا نحبذ القول دائما ً (أقدم أبجدية حتى   الآن ) فهذا لأن محاولات أخرى في اختراع الأبجدية, وجدت في تلك الفترة , وخاصة ً في (مصر) لكن الأبحاث ـ حتى الآن ـ  لم تعط دليلا ًعلى وجود أبجدية, لكنها يمكن أن تعطي, وكما كان العالم يقر بأبجدية (جبيل ) الأولى, قبل اكتشاف (أوغاريت) فإنه عند وجود أدلة ٍ مادية على أن أية دولة ٍ أو حضارة ٍ قد اخترعت الأبجدية في وقت يسبق (أوغاريت ) سيصحح التاريخ ثانية ً وهذه هي الميزة الجميلة للعلم بعيدا ً عن أية تعصبات إقليمية ٍ.

 

أول أبجديةٍ في التاريخ

أساسٌ مصري , صنع ٌ سوري , وتوزيع ٌ لبناني

كما ذكرنا في البداية هناك محاولات في الكتابة الأبجدية, وفي وادي النيل تحديدا ً لكن هذه المحاولات لم تعط سوى الأبجدية السينائية, غير المكتملة, ورغم عدم وجود دليل ٍ أكيد ٍ على أن الأوغاريتيين أخذوا من المصريين , أو أن أبجديتهم نهلت من المصرية, فإن التشابه يقود إلى ذلك, وإن التأثر والتأثير المتبادلين في تلك الفترة يفرض ذلك, وهذا ما سنراه عند المقارنة بين أبجدية (جبيل) وأبجدية (أوغاريت). مع ذلك فإن بعض الدارسين للغة الأوغاريتية –ومنهم راؤل فيتالي - يؤكدون أن الأبجدية الأوغاريتية هي اختراع ٌ محلي ٌ صرف , وليس تطويرا ً لأية أبجدية ٍ أخرى.

دونت أبجدية (أوغاريت) في عهد ملكها الأشهر–نقماد الثاني– (1370-1340ق .م ) وهي مكونة من 30 حرفاً, وتأخذ الترتيب الأبجدي العربي المعروف (أبجد هوز حطي كلمن....) ولا تختلف عن العربية إلا في غياب الضاد عنها ,وفي وجود حرف (سين) ثان ٍ لم يستخدم إلا في الكلمات التي هي من أصل ٍ غير أوغاريتي. 

أما أبجدية ( جبيل ) فقد دونت في القرن العاشر قبل الميلاد في عهد – أحيرام الشهير – وهي مكونة من 22 حرفا ً , وإذا قارنا بينهما نجد أن  أبجدية (جبيل) هي  تطوير ٌ لأبجدية (أوغاريت) ولا يمكن أن تسبقها , والمعروف  طبعا ً أن  أبجدية (جبيل) هي الفينيقية التي أخذها الغرب من سورية , وحيث كانت أوغاريت غائبة (مدمرة) ويبدو أنها المقصودة في كلام –فيليب حتي -:  (إن الفضل يعود لـ - قدموس – أخي– عربا– في إدخال حروف الهجاء إلى بلاد الإغريق (بالطبع ومنها إلى أوروبا). إذا ً هناك أساس مصري ٌ, وفعل ٌسوري ٌ, وتوزيع لبناني (بالمقاس الحديث للتوصيف).

 

فن الكتابة في أوغاريت: 

إن الكتابة التي كانت تعتبر في العهود السحيقة بمثابة أم العلوم، تشغل مركز الصدارة في اهتمامات مثقفي أوغاريت. ونجد بهذا الصدد، من بين نصوص رأس الشمرة، نصاً يحمل دلالة كبيرة. إنه على وجه التحديد صلاة كتبت بصيغة رسالة موجهة من كاهن إلى أحد الآلهة، وموضوعها طلب حظوة كاتب مستجد ومساعدته، ومما جاء في  النص:

(للقضية التي أستعطفك من أجلها، لاتظهر، في عظمتك، عدم الاهتمام ... بهذا التلميذ الفتي، الجالس أمامك . لاتظهر عدم الاهتمام ... في فن الكتابة، أي سر، اكشف له ... العدّ، المحاسبة،أي حل، أكشف له... الكتابة السرية، أكشف له! القصب المبري والجلد،الدهن والفخار،أعط ذلك لهذا التلميذ الفتي .. إذن، من كل ما يتصل بفن الكتابة، لا تهمل شيئا ).

لم يكشف في أوغاريت، كما هي الحال في ماري، عن صف ومقاعد درس، كما لم يكشف عن فروض كتبها التلاميذ ودققها مدير المعهد، كما هي الحال في ايبلا. لكن، ما أكثر الشواهد  التي تدل على نشاط مدرسي مكثف، واذا لم يجر ذلك النشاط بالضرورة في أماكن معدة للتعليم خاصة، فلدينا بالمقابل أكثر من قرينة، تبرهن على أن التعليم كان يتم في القاعات المعدة للأضابير،وفي المكتبات، إذ إن معظم الوثائق ذات الطابع المدرسي، قد وجدت في تلك القاعات.

وهكذا فقد جمعت من الديوان الغربي للأضابيرفي القصرالملكي،عدة أقلام كانت تستخدم لحفرالإشارات المسمارية فوق فخارالرقم، كما عثر على تمرين مدرسي. يتضمن أربعة حروف تفصل بينها خطوط صغيرة عمودية، ثم كلمة مركبة من تلك الحروف. فيمكننا التخيل بأن المعلم كان يملي على تلاميذه تلك الأحرف، ويكون عليهم من ثم أن يؤلفوا منهاكلمة.

وهناك  اكتشافات كثيرة تلحظ  جهود الكتبة، والتعليم الذي كانوا يقدمونه دون حدود لتلامذتهم. وتميز بسهولة، إذا كانت الإشارات المسمارية من نقش يد ماهرة مدربة، أو أنها من صنع يد قليلة خبرة.

 

تفكيـك المقطـع الصوتي:

لا يسعنا إلا أن نتوقف هنا عند تلك اللحظة التاريخية التي تفتقت فيها فكرة عبقرية في ذهن كاتب من كتبة أوغاريت . كان ذلك الكاتب يبغي تدوين اللغة المحلية، وشغله هاجس اكتشاف طريقة في الكتابة، أسهل مما كان معروفا في ذلك العصر. يقول جبرائيل سعادة عن ذلك : 

"هؤلاء الكتبة من أوغاريت كانت بين أيديهم على الدوام نصوص أكادية بالكتابة المسمارية المقطعية. وتعلموا هم أنفسهم، كتابة الأكادية التي كانت آنذاك اللغة المنتشرة.

وها هي ألف سنة تدور دورتها، دون أن يدور في خلد أحد أنه كان بالإمكان إيجاد كتابة، يمثل فيها كل شكل حرفا واحدا، بدلا من تمثيل مقطع صوتي، وتلك هي القاعدة البسيطة التي نهضت عليها جميع أبجدياتنا الحديثة . كان قد رسخ في اعتقاد الكتبة أن الحرف الجامد على ارتباط لافكاك له مع الصوت الذي يليه . وكان المقطع الصوتي، على ذلك، يؤلف عنصرا ثابتا، غير قابل للتجزئة، شأنه شأن الذرّة . ونعلم مقدار ما بذل من جهود، وعلم، ووقت، قبل التوصيل إلى تفتيت الذرة. وعلى المنوال نفسه، أمضت البشرية زمناً مديداً، ،قبل أن تكتشف إمكانية تفكيك المقطع الصوتي. كانت البشرية، ولا شك، تتطلع إلى كتابة جديدة، تخلصها من القيم المقطعية التي تجعل الكتابة على درجة كبيرة من الصعوبة. تلك الرغبة الكامنة كمون الجمر تحت الرماد، خرجت إلى حيز الواقع، وأصبحت حقيقة ملموسة عندما تحقق المشروع الجريء الذي باشره كاتب نجهل اسمه، وقدر له أن يعيش على الشاطئ السوري، في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. إن ذلك الإبداع القائم ولا شك على العبقرية، وعلى ملكة تجريد راسخة وعظيمة، قد أتاح ولادة أبجدية في غاية التبسيط، ولا تشتمل إلا على ثلاثين حرفاً فقط."

 

رقم القراءة الأبجدية:

توجد  عدة وثائق غاية في الأهمية ، لأنها تدخل بنا إلى صميم العلاقة بين الكتبة والتلاميذ , ونعني بذلك رقم القراءة الأبجدية، والتي نجد فيها أحرف أبجدية أوغاريت الثلاثين مرتبة بحسب التسلسل الذي كان معتمدا آنذاك، وهذا التسلسل المحدد الذي تشهد عليه جميع رقم القراءة التي عثر عليها حتى الآن، يدل على أن تلك الوثائق إنما وضعت بغاية التعليم، أي أن الكتبة المستجدين كان باستطاعتهم أن يحفظوا بسهولة أكبر، وعن ظهر قلب، الأحرف الثلاثين وهي تعرض أمامهم حسب تسلسل لا يتغير . وتجدر الإشارة إلى أن ذلك الترتيب، يكاد يكون ترتيب الأبجدية اليونانية ذاته، لو لابعض الفروق الطفيفة .

ويتابع  جبرائيل سعادة :

"إنه لأمر يبعث على التأثر أن نفكر بأن الأطفال اليوم في عدد كبير من بلدان المعمورة، يتعلمون استظهار الأبجدية بالترتيب الذي اختاره لها كاتب من أوغاريت منذ أربعة وثلاثين قرنا من الزمن ."

 

يبلغ عدد رقم القراءة الأبجدية المكتشفة حتى الآن  اثني عشر رقيماً، بعضها لم تنشر بعد، يوجد بينها خمسة رقم نقشت فيها الأبجدية مرة واحدة، دون وجود أي نص . فتلك التي كتبت بخط جميل كانت، دون أدنى شك، بمثابة رقم نموذجية أعدها الكتبة للتداول بين أيدي التلاميذ . أما تلك التي تتراوح كتابتها جودة ورداءة، فهي تشير ولاشك إلى أنها من صنع كتبة مستجدين، يبذلون جهدهم في إعادة رسم الإشارات . وهناك رقيم لا يحمل إلا الأحرف الستة الأولى من الأبجدية . فهو، على ما يبدو، وظيفة لم تكمل، لسبب أو لآخر .

يوجد  أيضا رقيمان يشهدان بوضوح تام أنهما لكاتب مستجد , في اللوح الأول يعيد نسخ الأحرف العشرة الأولى سبع مرات، ثم  ازدادت ثقته بنفسه، فاندفع ينسخ جميع الإشارات دفعة واحدة . ثم الرقيم الثاني الذي يوجد في قسمه العلوي إشارات الأبجدية مكتوبة بيد المعلم موزعة في سطرين، في الأول منهما اثنان وعشرون حرفا، وفي الثاني ثمانية .

بينما في القسم السفلي راح التلميذ، بسبب شروده أو سذاجته ينسخ النموذج المعطى له مبتدئا بالأحرف الثمانية من السطر الثاني، من القسم العلوي .

وهناك  لوح مثير للفضول هو إما مسودة، وإما نموذج مخصص للكتبة المكلفين بالمراسلة . إذ بالإضافة إلى الأحد عشر حرفا الأولى من الأبجدية، توجد  بعض عبارات التمني التي غالبا ما نشاهدها في رسائل رأس الشمرة . (فلتحفظك الآلهة، فلتنقذك !.) فلتحقق أغلى الأماني، برضى الآلهة، لأخي، لصديقي ! ..))

نعرض أخيرا إلى رقيم رتبت فيه أبجدية أوغاريت في أعمدة، ويوجد مقابل كل حرف المقطع الصوتي الأكادي المطابق له باللفظ . إنه ولا شك جدول مقارن وضع لخدمة الكتبة المكلفين بالترجمة من الأوغاريتية إلى الأكادية، وبالعكس . ويسمح لنا هذا اللوح الأخير أن نتحدث عن معارف كتبة أوغاريت، وإطلاعهم على اللغات الأجنبية، وعلى كفاءتهم في ميدان الترجمة ."

 

اللغات الأجنبية:

نحن الآن بصدد الحديث عن القرنين الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد، حيث كان معظم الكنعانيين في أوغاريت يتحدثون اللغة التي حفظتها لنا النصوص المكتوبة بالمسمارية الأبجدية التي تحدثنا عنها أعلاه،  يمكن  إذن أن  نقول  إنها :  اللغة  الكنعانية أو : اللغة الأوغاريتية .وهي لهجة سامية قريبة كل القرب من اللغة العربية التي تشترك معها بأكثر من ألف كلمة . بالإضافة إلى الكنعانيين،كان هناك عدد لابأس به من الحوريين قدموا من شمال شرقي سورية . وكان هذا الشعب الهندو ـ أوروبي يتكلم ويكتب اللغة الحورية . وهكذا يمكن القول بأن الأوغاريتية والحورية كانتا اللغتين المحليتين للمدينة.

لا بد من إضافة اللغة الأكادية , والتي تعتبر اللغة الرسمية في ذلك الوقت , وهي التي ولدت في بلاد الرافدين نحو منتصف الألف الثالثة ق .م. وكانت لغة المراسلات السياسية , والتجارية في مختلف ممالك ذلك العصر . وكذلك اللغة السومرية , ويمكن وصفها باللغة العلمية . , ورغم  أن لغة  المراسلات مع (مصر , والحثيين ,   وقبرص ) باللغة الأكادية , فقد وجدت بعض الرقم وعليها كتابات بلغة تلك البلدان .

لغة التعليم والأدب  في أوغاريت لم تخرج عن الأوغاريتية , والحورية , جنبا ً إلى جنب مع الأكادية , والسومرية . وهناك نماذج عديدة لترجمات , ونصوص مقارنة , ومقتطفات من آداب تلك الشعوب منقوشة بأكثر من لغة .

 

أبجدية أوغاريت:

وجد الرقيم الذي دونت عليه الأبجدية في إحدى الغرف الملحقة بقصر  أوغاريت ، وهو لوح طيني مشوي قياسه : 6-1,5-1 سم , وهو محفوظ حاليا ً في متحف دمشق الوطني , يقول العالم السوفيتي (شيفمان) عنها:

" تنتسب اللغة الأوغاريتية , من حيث التصنيف العام المعترف به إلى الفئة الكنعانية الأمورية من مجموعة اللغات السامية الشمالية الغربية ."

ويقول عنها العالم الفرنسي أندريه كاكو: إن الأبجدية الأوغاريتية , كما هو الحال في الفينيقي والآرامي والعبري والعربي , لهجةٌ تابعة ٌ للغات السامية "

 

اللغة الأوغاريتية واللغة العربية الفصحى:

في ندوة أقيمت في جامعة اليرموك في الأردن ألقى جبرائيل سعادة محاضرة حول اللغة الأوغاريتية واللغة العربية تحدث فيها عن الجوانب المشتركة بين اللغتين  ونحن هنا لن نفصل كثيرا ً في هذه المحاضرة بل سنتناول أهم مفاصلها التي تخدم بحثنا هنا يقول سعادة:

"نرى لزاما ً علينا أن نخوض في العلاقة بين اللغة الأوغاريتية واللغة العربية لأن العلماء الأجانب من أوروبيين وأمريكيين عودونا , مع الأسف , أن يبعدوا عن أبحاثهم وتحرياتهم كل ما هو عربي , لا سيما في مجال دراسة اللغات الاشرقية القديمة".

ويصرح د. علي أبو عساف:

" نلاحظ أن معظم العلماء المهتمين بدراسة اللغات الشرقية قللوا من استشهادهم بمفردات اللغة العربية وقواعدها حين يدرسون نصاً أوغاريتياً  أو آرامياً, إن اللغة التي نتحدث عنها ليست سوى المرحلة النهائية التي تطورت إليها لغات بلادنا القديمة, التي وصلت إلينا بالخط المسماري,أو بالأحرف الأبجدية, فهي إذا ًوريثة تلك اللهجات بكل ما في هذه الكلمة من معنى."

 

 الدكتور الياس بيطارمدرس اللغات القديمة  يقول في كتابه (قواعد اللغة الأوغاريتية ):

"إن البناء اللغوي للغة الأوغاريتية ربما يمثل الطفولة المفقودة للغة العربية التي لم تكشف حتى الآن .فالأوغاريتية تتطابق مع الجذور اللغوية التي تظهر في هذا العدد الهائل من الألفاظ المشتركة بين اللغتين , وكذلك في البناء اللغوي الذي أثبتت دراسته – بالمقارنة مع اللغات الشرقية الأخرى – أنه واحد."  

 يتابع سعادة:

"بالنسبة للمفردات , يبلغ عدد الكلمات الأوغاريتية  الواردة في النصوص المكتشفة حوالي 2768 كلمة يتضمن هذا العدد أسماء الآلهة , وأسماء الأشخاص, وأسماء الأماكن , حيث يبلغ 1492 كلمة, فإذا طرحنا هذا العدد من مجموع الكلمات, يصبح عدد الكلمات النكرة 1276 كلمة. لقد أحصى العالم العراقي عزالدين الياسين عدد المفردات المشتركة بين الأوغاريتي والعربي فتوصل إلى 660 كلمة , لكن تبين بعد ذلك أن العدد يصل إلى حوالي ألف كلمة , أي أن ثلثي المفردات الأوغاريتية مطابقة تمالما ً للمفردات العربية , أو قريبة جداً منها(جدول 1).

إن التشابه لا يقف عند هذا الحد, فهناك تفريق بين الحاء والخاء في اللغتين, وكذلك بين العين والغين, وهناك نقاط تشابه في مجال الصرف, والنحو: كالتشابه في الجملة الفعلية, واستخدام المثنى, وجمع المذكر السالم , وجمع المؤنث السالم , وجمع التكسير."

 

التشابه مع اللهجة الدارجة في اللاذقية:

هذا التشابه واضح ٌ في أكثر من مجال , يقول العالم الإنكليزي جون هيلي:

"إن سكان اللاذقيةهم في مجال الثقافةواللغة ورثة الشعب الذي كان قاطنا  ً في أوغاريت , فلا غرابة أن تكون بعض المفردات , وكذلك أشكال ٌمن قواعد الصرف قد بقيت في اللغة المحلية الدارجة , ولا شك أن هذا سيسهل دراسة النصوص الأوغاريتية ,وخاصة ً عندما ترد عبارة:  (شبع بكي ) ."

أضف إلى ذلك اختفاء حرف النون في اللغة الأوغاريتية, والدارجة اللاذقانية: بت عوضاً عن بنت, إت عوضا ًعن أنت أف /أنف, حطة / حنطة ...(للمزيد راجع جدول رقم 2).

 

فإذا كان الصمد الذي اخترعه الأوغاريتيون , السبب في اكتشاف أوغاريت ,عندما اصطدم صمد محمود منلا (الزير) بحجر ٍ كبير ٍ من حجارة أوغاريت , ففتح الباب واسعا ً أمام التحريات الأثرية التي عرفت العالم على أوغاريت , وحضارتها, فإن الكلمات الأوغاريتية التي ما تزال تعيش بيننا كثيرة ٌ جدا ً , ,فإذا سمعت ابن اللاذقية يقول حتى اليوم :

" ما فا الدجن ببيتنا " فهو يقصد: لا يوجد الدجن في بيتنا , والدجن اسم إله القمح (داجن) ويقصد به في اللاذقية الخبز.

ولا تستغرب أن يقال عن الأهبل : خفوشة , فقد كان أجدادنا الأوغاريتيون يستخدمون الكلمة بالمعنى نفسه .

أخيرا ً إذا كنت من اللاذقية فلا يحرجك تندر البعض حول كلمة : عيّن(المشددة) فاستخدام الإسم كفعل ٍ كان دارجا ُ في أوغاريت , وكذلك تسكين الحرف الأخير من الفعل الجماعي : أخدوهْن , أكلوهْن ...

 

أما إذا كنت فعلا ً من أحفاد الأوغاريتيين فهذا فخر ٌ لك , وواجب ٌ عليك أن تحرص على تلك الحضارة , وتعرف العالم عليها , وإلا ينطبق عليك ما أفعله ببعض السياح السوريين عندما يزورون أوغاريت , فأقول لهم :

أولاً: المهم في أوغاريت لن تروه هنا , فهو في المتاحف والكتب .

ثانياً: هذه الحجرة الكبيرة , ليست طاولة , كما يحاول الدليل المحلي اقناعكم .

ثالثاً: إذا كنتم تعتقدون أن الأغاريتيين أجدادكم فأنتم مخطئون .

 

 

(الجدول رقم 1)

المفردات الأوغاريتية المطابقة للعربية:

 

أسماء

برق,دمع,كبد,كلب,مطر,كرم ,ملك,  ملكة,ذئب,ذراع,ظبي,خنزير,دم,خيمة, خمر بركة، أب، أخ وأخت، هو، هي، هن، ولد، زيت، حطب، يد، مخ, أرز، ، أفعى، أجرة، أسير، إصبع، أمر إذن، هلال، حكيم، حلم، حكمة، حليب، حمار،حياة، عجل وعجلة، عظم، عظيم،عطر، عندما عود، عرب، على، عالي وعلي، عفر، عبد، غزو، غلام، ظلمة، قصير، قدس، قرن، كما، كاهن، كأس وكيس، كتف، كل، كف، جدي، جدار، جوف، جبل، سنونو، شعير، سكران، إست، شرع، سن، سماء، شفة، سافل، شائب، شبع، سبلة، ثدي, صغير,صيد,صدق,صمد,طل,طيب,ثغر,ثور,تينة,تحت,ترميم,تنين,تل, تفاح, دقيق,دقن,ظهر ,ظل,ظلمة,وداد, دور,ذليل,ذمة,ذبيحة,رأس,روح,رحى,راحة, رحيم,رحب,راع,رب,نهر,نهار,نعل,ناعم,نغم, نجار,نسر,نار,نفس,لسان,لب,لبوة,موعد,مقام,مطر,موت,مزروع,مركبة,

مرض,منحة,منفخ,فؤاد,فحم,فعل,تام,بئر,بعد,بكر,بتولة,بيت,بن,بين,بلا,

بك,وحيد,يسر,يتيم,يد,يم,يوم,يمين. 

 

أفعال

أحب، أخي، أخد، أكل، أجر، إذن، حجر,حدث,حرث,خسر,عزز,عاد,

عدد,علا,عبر,ظمأوقص,قدم,قرب,قل,قام,قبر,قبل,قابل,قصد,كان,جعر,

سأل,سقى,سكن,سار,صاح,صلى,طعن,طرد,طبخ,تم,تابع,زرع,دنى,دام,

ركب,ناح,نجا,نسي,نصب,لبس,مسح,مص,مات,مر,ملأ,فتح,فرش, بكى,

بشر,بصر,برك,بارك,بين,بلي,وقى,وسن,ورث,شرب,كتب,بنى,أمر,بلل,

 

 

(الجدول رقم 2)

بعض نماذج من الكلمات الدارجة في اللاذقية والتي نراها في النصوص الأوغاريتية:

 

غلة: بمعنى مبلغ

خزق:بمعنى مزق

هوبر  : صرخ

كمان : أيضا ً

أجر  : رجل

شلف  :رمى

اس,اساته :لا يزال

سكر : أغلق

شقل  : حمل

عين  : نظر إلى

بعدين  : ثم

حشك :حصر

بقبش  : فتش عن

دبلان : مريض

جورة  : حفرة

سمط : صفع

تفل  : وقع إلى الأسفل

كسم : شكل

سفأ : نهم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أضيفت في 18/06/2008/  خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

أضيفت في 18/06/2008/ خاص القصة السورية / جمعت من مصادر مختلفة

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية