أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 03/09/2022

الكاتب: مصطفى محمد الصوفي

       
       
       
       

التراث الشعبي-دراسة

     

حكايات شعبية حمصية عامية

حكايات شعبية حمصية

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

باحث وكاتب قصة من حمص 1952

مدير المركز الثقافي في حمص

 

المشاركات:

له العديد من القصص والمقالات والدراسات في الأدب والنقد والتربية وعلم النفس

والتي تنشر بشكل دوري في الجرائد والمجلات المحلية والعربية

 

الإنتاج الأدبي:

1ـ صرخة على حاجز الزمن / مجموعة قصصية ـ دار المعارف ط1 2000

2ـ رجل من مجرّة أخرى / مجموعة قصصية ـ مطبعة اليمامة 2004

3ـ أحلام لينة بالحرية / مجموعة قصصية للأطفال دار الإرشاد 2006

حكايات شعبية من ذاكرة حمص      وزارة الثقافة 2007

5ـ الأدوات والمكنيات التراثية والأمثال الشعبية  وزارة الثقافة 2008

تحت الطبع

ـ صور من التراث الشعبي الحمصي

ـ أرانبٌ وثعالبٌ ونسور / مجموعة قصصية للأطفال

ـ نبوءةُ الأميرِ وشجرة التين / قصتان للأطفال

ـ أسامةُ يحبُّ العلمَ / سلسلة إعداد الطفل العربي

ـ مسابقات الحيوانات / قصص للأطفال

عنوان المؤلف:

ـ حمص ـ المركز الثقافي العربي

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

ترقب الولادة الجديدة

امرأة في المحطة الأخيرة

ليلة زفاف

آلهة الصيد وقوسها المكسور 

الجاكيت

 

آلهة الصيد وقوسها المكسور

 

طرقات رقيقة تصدر عن ضربات المطرقة على إزميل النحت... تنتشر برتابة في أجواء الصالون كأنها ألحان موسيقية جميلة يحسُّ في أعماقه أنها تصدر عن نبضات قلبه وهو مستغرق بكامله في نحت مشروع عمره كلّه كما لم يستغرق في مشروع من قبل. عمل به منذ أيام بكل طاقته النفسية والجسدية وموهبته الإبداعية ومشاعره وعواطفه جميعها اجتمعت دفعة واحدة في إنجاز هذا المشروع بأسرع وقت وكأنَّ مصيره ومستقبل حياته منوط بإتمامه كما يرغب ويشتهي. لم يكن يخطّط أن يعرض مشروعه في سوق الفن ولا أن يحصل على جائزة أو تقدير على عمله. فقط يهمُّه أن يصنعه لنفسه ولها "لآلهة الصيد" لم يكن يتوقَّف عن العمل ليل نهار ولم يفكِّر في النوم أو الطعام أو الراحة إلاَّ للحظات قليلة يتناول فيها سندويشة صغيرة تسدُّ رمقه أو يشرب فنجاناً من القهوة ينفث معه دخان غليونه كالعباقرة ويغرق في سحابة الدخان يضيع فيها فيشعر بنشوة رائعة ولذَّة لا توصف وهو يرقب ما أنجز من تمثاله التي تبرز ملامحه الفاتنة شيئاً فشيئاً... وفي تلك اللحظات تدبُّ الحياة في التمثال الجميل فيتململ بدلال وينزل عن عرشه بهدوء ساحر... يجلس بجانبه... يرتشف القهوة معه تتحول اللحظات إلى أجواء سماوية رائعة.‏

قهوتها سادة كما طلبتها في أول لقاء لهما ارتشفتها بنعومة وحنان وهي تمسك الفنجان كأنها تحمل طفلاً رضيعاً بين يديها ترفعه إلى شفتيها الرقيقتين.. تقبلِّه بأطراف شفتيها كأنها تخشى أن تخدش شفافيته وتضعه بتأنٍّ وتتابع حديثها بكل ثقة واطمئنان لا تخلو أحياناً من نبرة انفعال أو ارتباك يزيدها تألقاً وسحراً... لم تكن تتحدَّث عن الرجل ولا يدري لم كانت تتجاهل الكلام عنه..؟ كان حديثها كلَّه عن المرأة حديث العارف بأسرارها ومكنونات قلبها كأنها تغوص في بحر كونته بنفسها فتنقل من وجود المرأة إلى حياتها وكيانها وعواطفها وانفعالاتها ورغباتها... ثم تتوقف فجأة لتزيح بأناملها خصلات شعرها الحريرية عن وجهها في لحظة الصمت تلك يعود الصفاء إلى عينيها الجميلتين فتغزلان مقالة أخرى مختلفة تماماً...‏

ينهي الفنان قهوته ويمسح حبَّات العرق عن جبينه... يقترب من تمثاله بخشوع يمدُّ أطراف أصابعه إلى الرقبة الطويلة الأنيقة يهمس مبتسماً وهو يخاطب التمثال: كان يجب أن يسموكي "فينوس" وليس "ديانا" فأنت تملكين أسلحة من الجمال والسحر أكثر فتكاً من أسلحة الصيد... كان يجد صعوبة كبيرة في صنع هذا المثال أكثر من أي مشروع آخر أنجزه حتى الآن. في كل أمثلته السابقة كان يصنعها بسهولة كما يحبُّ ويشتهي أو بمعنى آخر كان يصيغ المرأة ببساطة كما يريد، يُظهر بعض مفاتنها أو يطمس بعضها الآخر أو يجعلها مبتسمة أو حزينة أو باكية أو متوسلة أو قاسية الملامح كلها كبرياء وشموخ أو عارضة أو عارية أو محتشمة أو... أمَّا في هذا المثال فإنه يريد أن يضعها كما هي تماماً دون زيادة أو نقصان أو لمسات من مشاعره وعواطفه والمشكلة التي واجهته أن المثال الذي يعمل به هو في الواقع مختلف عما هو في الفكر بل يعيش حالة من التناقض مع نفسه وأحياناً مع من حولـه وهذا بالنتيجة يحيِّر الفكر ويشتّته فيعطي صوراً متناقضة من الجمال مشوهة. فتضطرب العواطف والانفعالات تجاهها مما يجعل التوفيق بين هذه الصور أكثر صعوبة وعملية تصفيتها من الشوائب شبه مستحيلة ليصبح العمل كاملاً...‏

في إحدى الجلسات الخاصة جلست آلهة الصيد بجانب نجمة الشرق واضعة رجلاً فوق أخرى مبرزة بعض مفاتن ساقيها تدخن سيجارتها الغالية الثمن تتحدث كالعادة عن المرأة اللصيقة بدمها وفكرها وروحها... إن المرأة تفكر بعاطفتها لا بعقلها وتتصرف بأعصابها لا بأعضائها فإذا أحبَّت أخلصت حتى الموت وإذا كرهت حقدت حتى الموت فالأفضل للرجل أن يحذر بشدَّة عندما يدنو من قلبها لأنه مقبرة في كل الحالات...‏

ارتجفت أصابع الفنان وكاد فنجانه يسقط من يده وشعر برعشة من الخوف والدهشة من قلب المرأة الذي يحوي كلاً من الموت والحياة في الوقت ذاته. كما أثار حيرته كيف يجمع الموت أيضاً الحب والكره في بوتقة واحدة. أراد أن يستوضح الأمر فنظر إلى آلهة الصيد رأى عينيها تشعَّان ببريق عجيب أما نجمة الشرق فقد شحب وجهها وخيَّم على ملامح وجهها الرعب وعلى عينيها الساحرتين مسحة حزن وكآبة فانكمشت في مقعدها ونظرت خفية إلى آلهة الصيد متضرّعة ألا تبوح بأسرار القلب أكثر من ذلك...‏

عادت رعشة الخوف تداعب أوصال الفنان رافقتها رجفة خفيفة فكتم سؤالاً اختلجت به شفتاه.‏

لم تكن هذه المرة الأولى التي التقى بها آلهة الصيد فقد زارته كثيراً في أحلام يقظته جالسها تسامر معها حاورها... تمتَّع بعذب حديثها وبخصلات شعرها الحريرية وعندما يدنو من أسرار قلبها تتلعثم وتلوذ بالصمت. يبدو أن طرق أبواب قلبها ممنوع وعندما يتلاشى خيالها في ضباب الصالون يعود إلى وحدته وغربته الموحشة. نظر الفنان إلى لوحة صغيرة معلَّقة على جدار الصالون.. تأمَّلها بعمق... تنهَّد بعمق وسحب نفساً عميقاً من دخَّان غليونه أطلقه في فضاء الصالون. كانت اللوحة بسيطة رسم عليها قلبين متداخلين لونهما سماوي على خلفية بيضاء خاليين من سهم يخترقهما وقطرات الدماء النازفة منهما. يحكيان قصة حب طاهرة بريئة حميمية خالية من الشوائب والألم تماماً كما يحلم خياله بصورة حب لذيذ... ممتع.. صافٍ بلا سهام ولا صيد ولا دماء ولا كوابيس...‏

لم يبق من تمثال آلهة الصيد سوى القوس والسهم بدأ العمل بهما بكل تأنٍّ ودقة وهدوء حتى لا ينقطع القوس فينطلق السهم... رن جرس الهاتف... اندهش عندما سمع صوت آلهة الصيد مرتبك قليلاً يسأله عن نجمة الشرق.. لم يصدق أنه يسمع صوتها الساحر... اعتقد للوهلة الأولى أنها تسأله عن مشروعه. أجاب بتسرع: لم ينته بعد سأتصل بك فور انتهائه. وأغلق سماعة الهاتف. كان يريد لمشروعه أن يكون مفاجأة. سيدعوها إلى حفلة إزاحة الستارة مع شمعة حمراء صغيرة وفنجاناً من القهوة ومع دخان غليونه سيتمتع بملامح وجهها الجميلة ترتسم عليه فرحة المفاجأة وعندما تهدأ المفاجئة سيقدِّم لها مشروع عمره هدية بين يديها...‏

عندما بدأ مشروعه التقى بها صدفة في الشارع حاول أن يتهرَّب حتى لا يقابلها وجهاً لوجه فيضعف أمامها ويبوح لها بأسرار مشروعه الذي أخفاه عن أقرب الناس إليه وعن نجمة الشرق التي تعرف أدقَّ أسراره حتى لا تضيع المفاجأة ويفقد متعتها. لكنَّها أصرت أن تعترض طريقه... سلَّمت عليه بحرارة سألته حدثته بسرعة وكثافة كأنها بأشدِّ الحاجة لرجل تتحدث معه وتبوح له بعواطفها لكنه اعتذر بسرعة وأنهى اللقاء ناولها قطعة سكاكر ومضى مسرعاً فوقفت حزينة حائرة تكاد ترتمي على الرصيف من الحنق والغضب...‏

سأل نجمة الشرق مرة: لم سلَّح اليونان آلهة الصيد بالقوس والسهام ألا يكفيها سلاح عينيها تصطاد بهما من تشاء؟‏

أجابت نجمة الشرق بضحكتها الرائعة: لهذا أسطورة قديمة عند اليونان تقول بأن آلهة الصيد خرجت مرَّة إلى الصيد وتركت قوسها وسهامها في البيت واستخدمت عينيها فقط فاصطادت غزالاً وسيماً رائعاً أخذته ورعته وأحبته وملَّكته قلبها وروحها وجسدها وأمضت أجمل الليالي معه وفي ليلة غريبة تركها نائمة بجانبه وفرَّ فرار الجبان دون أن يترك أثراً وراءه سوى جراح قلبها ومشاعرها ومنذ ذلك الحين وهي تعيش وحيدة منعزلة يائسة وصمَّمت ألا تترك القوس والسهام وألا تصيد إلا بهما وأن تذبح صيدها فوراً دون تردّد ولا شفقة...‏

ضحك الفنان ضحكة حزينة ووجد أنه لا بد من إنهاء نحت القوس والسهم رغم صعوبة العمل بهما... أنهى اللمسات الأخيرة على مشروعه العظيم وأكمل مفاتنه بدقة تامة وجلس يرقبه بإمعان وهو يشرب قهوته وينفث دخانه وقد شعر بالخيلاء والعظمة وصرخ في أعماقه: هائل... عظيم... رائع. لا ينقصه سوى الروح...‏

خيم الظلام على أجواء الصالون فطمس معالمه وغطَّى الفنان تمثاله بستارة سماوية اللون وجهَّز طاولته الخشبية الصغيرة وضع عليها زجاجة بيرة وصحناً فيه بضع حبَّات من الفستق وفي الوسط شمعة حمراء صغيرة. بدأت ضربات قلبه تضطرب والوقت يقترب من ساعة الصفر لا يفصله عنه سوى أن يمسك سماعة الهاتف ويحرِّك القرص بالأرقام المطلوبة.‏

كان متلهفاً لهذه اللحظة العظيمة وعندما أزفت شعر بالخوف يداعب قلبه فنظر إلى لوحة القلبين الحميمين فذكَّرته بحديث نجمة الشرق: إن المرأة بحاجة دائماً إلى رجل: أخ.. أب.. صديق... زوج.. حبيب.. لكنها عندما تحصل على الحبيب تسقط كل الصفات الأخرى من رغباتها، شجَّعه هذا القول وبثَّ في نفسه الجرأة فأمسك سماعة الهاتف وأدار أرقامه بحماس وقوة... سمع الجرس يرن بإلحاح في الطرف الآخر: مرة.. مرتان.. أربع. هل سيخذله الحظ فلا يجدها عندما يحتاجها؟ لكن... هذا هو صوتها يجيب لكنه غريب ومختلف النبرات حتى يكاد لا يعرفه. ردَّت بانزعاج وارتباك نعم... مين؟ ثم انفجرت بضحكة سوقية حاولت كتمانها. وليس هذا فحسب فهناك ضحكة أخرى خشنة وصوت هامس يطالبها أن تغلق السماعة. وحركات هرج ومرج. وهي تهمس بكلمات متقطعة واضعة أصابعها على سماعة الهاتف: انتظر لحظة. معنا الليل طويل وعاد صوتها قوياً يردِّد: ألو. مين؟ ثم وهي تغلق السماعة بانزعاج: يبدو أنها معاكسة.‏

أحسَّ بالغثيان والدوار يلفُّ مرسمه.. رمى سماعة الهاتف وانهار متهالكاً في مقعده وصرخ من أعماق قلبه صرخة دوَّت في أرجاء الصالون... تبعها صوت دوي وقرقعة غريبة. فتح عينيه فرأى قوس آلهة الصيد مكسوراً وقد انطلق سهمه فاستقرَّ في القلبين الحميمين والدماء تنزف منهما... تناول غليونه أشعله. نفَّث سحابة دخان هائلة عبقت في المكان كله ضاع فيها واختفت معالمه وهمس بحزن: أرأيت يا نجمة الشرق لقد عادت آلهة الصيد تستعمل عينيها مرة ثانية.‏

 

   

 ليلة الزفاف

 

رغم انتهاء الحفلة، مازال جمع الناس في باحة الدار القديمة، يلعقون بقايا وليمة العرس؛ بعضهم يفرّغ شحنات أعماقه بحركات رقصٍ ثعبانيةٍ، وآخرون ينظّفون ألسنتهم بالغناء من بقايا الأطعمة الدسمة؛ أما الوالدان والأخوة فقد قبعوا في الممر كالحراس، الذين أتعبتهم نوبة الحراسة طوال الليل، وهم يترقبون بحذر ظهور المنديل الملطخ بالبقع الحمراء، ليبصقوا عليه ثم يتمدّدون على أسرتهم، ويستغرقون في شخير عميق مرتاحي البال.

الأم كانت كالقفّة المهملة متقوقعة في الزاوية، وقد اغرورقت عيناها بالدموع، وضعت يدها على خدّها، ولجم الصمت لسانها، وقلبها يلهج بدعاء مكتوم.

بينما الأب تقوّس ظهره، وافترش الأرض منهاراً، وعيناه مسمرتان على الأرض بذلٍ وهوانٍ، ينتظر الفرج ليرفعهما قليلاً، ولسانه يضرع إلى ربه أن يرفع عنه البلاء ويستره ....

الأخ الصغير كان يدخل، ويخرج بعصبية النحل الذي لا يهدأ، دون أن يقتنع بما يحدث؛ ولكنه يشعر ببعض الحزن والأسف، لأن أخته ستتركهم وتعيش في بيت آخر.

أما سالم الكبير فكان كالثور الهائج، يثير اللغط والضجيج، ويطرق الباب ويصرخ بعنف، يكاد يفقد صبره، ويشعر بالاختناق ولم يعد يطيق الانتظار.

تململ عبد الحميد تحت الغطاء مقهوراً، نظر إلى عروسه بضيق وحرج وقال هامساً:

_ وأخرتها يا خديجة لم لا يسكت هذا الحيوان ؟، ويتركنا نرتاح ونأخذ نفسنا...؟

( تبتلع خديجة ريقها بصعوبة، وتنظر إلى جهة الباب بارتباك )

ـ لابد أنه المجنون سالم لن يسكن، أو يهدأ حتى يطمئن ويرى الراية الحمراء ويرتاح ...

ـ هذه قلة ذوق إنه يخرّب علينا ليلتنا الجميلة....لم العجلة؟ نحن دخلنا منذ ربع ساعة، مازال الليل طويلاً والرب كريماً "يروح ينام،الله يأخذه ".

سالم أصبح وجهه أحمر يتّقد كالجمر، وحبّات العرق أخذت تسيل من جبينه، وقد علا صريخه مخترقاً جدران الغرفة ليقضّ مضجع العروسين .

ـ متى تخرج يا أرنب ....؟ هل ننتظرك طوال الليل ؟... هيا أخرج وخلّصنا...

نفخ عبدو متأففاً متذمراً، وأخذ يغلي من الغيظ، ورمى عن جسده الغطاء .... فظهرت عروسه نصف عارية، أمسك قطعَ ملابسه الداخلية، وأخذ يرتديها بعصبية وارتباك، ونظر إلى خديجة التي تقوقعت على نفسها بحياء، محاولةً أن تغطّي جسدها الأسمر الجاف...

ـ سألقّن هذا الحمار درساً لا ينساه، لقد كنت أعرفه منذ الصغر لكن لم أعتقده بهذا الحمق والجنون، إنها وقاحة ورذالة لم أر مثلها في حياتي .

لملمتْ خديجة الغطاء ولفّته حولها، ونظرتْ إلى عبد الحميد بحرج وحياء ....

ـ سالم موسوس ولا يثق بأحد، إنه يشكّ بكل شيء حتى بنفسه ... وهو يريد أن يتأكد من ....

كانت الجلباب عند رقبته فالتفّت عليها كحبل المشنقة، وكاد أن يخنق نفسه بها...

ـ أخ منه اعتقدت أننا سنمضي ليلة ممتعة و...ما... ذا.. قلت ...؟ بما يشك هذا الأحمق .... ؟ ومم يتأكد هذا الغبي ... ؟ هيا انطقي ...

( غطّت نصف وجهها وغضّت بصرها، تابعتْ كلامها بتردد متقطع ...)

ـ منذ أن كنت صغيرة كان سالم يلاحقني كظلّي، ويرتاب في كل تصرفاتي ....

ـ نعم ماذا تقصدين.... ؟ أية تصرفات تعنين....؟ تحدّثي بسرعة قبل أن أقوم بعمل أهوج أندم عليه.

ـ لا شيء مهم يا عبدو، في الحقيقة كنت أحب أن ألعب مع الصبيان، وكان يمنعني ويضربني عليه.

ـ أهذا كل شيء ...؟ فقط تلعبين معهم ...؟ احك لي كل شيء .... هيا .

ـ مرة كنا نلعب لعبة العريس والعروس، فضبط أحدهم يقبّلني، فأكل منه علقة ساخنة ... وحبسني في البيت وكانت ليلتي سوداء...

ـ هو كان يقبّلك وأنت ماذا كنت تفعلين ...؟

ـ كنت أقاومه... والله كنت أمنعه بكل قوّتي ..

ـ نعم وماذا بعد يا ست خديجة ...؟ هيا أحكي واكشفي المستور.

بينما الطرق يشتدّ على الباب، والجلبة تعلو أكثر ... كان الجو يتوتّر في الداخل وينذر بشرٍّ مستطيرٍ....

ـ لاشيء مهم أيضاً يا عبدو، فمنذ مدّة ضبط أحدهم يتسلّل من نافذة غرفتي، فرمى الولد نفسه على الأرض فانكسرت رجله، ولكنه قام يجري كالسعدان، ولم يجد سالم أمامه سواي...

( أخذت تبكي ووضعت كفّيها على عينيها)

ـ يا إلهي ماذا كان يفعل في غرفتك ؟ يا بنت الـ... هل كان لصاً ...؟ قولي بسرعة قبل أن أفقد صوابي .... يا ما تحت السواهي دواهي !!

ـ والله الصبي كان قصده شريف ويحبني، ويريد الزواج مني فأراد أن يراني بعيداً عن مراقبة سالم، وأنا طردته .... أقسم أني طردته مباشرة، لكن سالم لم يصدق وضربني بـ"القشاط" على ظهري حتى سلخني .....

كشفت الغطاء، وأدارت له ظهرها العاري لتريه الخطوط السوداء القاتمة، التي خلّفها الجَلْدُ على ظهرها. نظر إليها عبدو لحظات ثم أشاح وجهه، وكظم غيظه وغمغم...

ـ أخ لو قتلك وقتها كنت خلصت منه ومنك .... الآن عرفت لم جاء يخطبني لك، ويستعجل الزواج ...؟ أراد أن يتخلّص منك ويبليني أنا، ياله من حقير وتافه؛ والآن يكاد أن يخلع الباب ليطمئن عليك .

ـ الحقيقة أنه أراد أن يحسم الأمر، ويرتاح مني بسرعة، وأرغمني للموافقة على الزواج منك رغم أنك متزوج، ولديك أولاد وتكبرني بخمسة وعشرين سنة.

ـ يالي من مغفّل ؟! عملها أبن الحرام، لقد استغربت وقتها أن يعرض علي الزواج بشروط وتسهيلات مغرية ..على كل حال نحن أولاد اليوم، اصدقيني القول بكل صراحة ... هل أنت... هل أنت...؟

( اصطبغ وجهه ببقع حمراء بدلاً من المنديل، وتلكأ بالكلام ثم نطقها ) هل أنت عذراء ؟...أم.. أم..

أخذت تنتحب وتكوّرت على نفسها، ودفنت وجهها بين كفّيها... ثم دمدمتْ بكلماتٍ ناقصةٍ....غير مفهومةٍ، اعتقدها جواباً لم يصل إلى مسامعه، فأمسك بذراعيها وهزّها بعنف، وأزاح يدها عن وجهها، ووضع أذنه قرب شفتيها، وصرخ بها لترفع صوتها وتسمعه الجواب ....

ـ والله .... بشرفي أنا طاهرة، لو كنت .....ولو كنا تزوجنا ... لعرفت بنفسك ...

ـ ترك ذراعها وتنفّس بعمق، ثم قطب حاجبيه ....تلفّت في أرجاء الغرفة فرأى يد مكنسةٍ خشبيةٍ طويلةٍ، أمسكها، هزّها بعنفٍ ...

شهقتْ خديجة من الرعب، لكنه أتجه نحو الباب الذي ما زال سالم كالضبع الهائج يريد خلعه، فتحه فأصبح وجهاً لوجه مع سالم ....

تسمّر الجميع في مواقعهم، يترقبون بقلق ما سيحدث ...

صرخ عبدو:

ـ ماذا تريد يا أهوج يا مجنون...؟ ماذا تنتظر...؟ هل تريد أن تدخل لنتزوج أمامك... لقد طيّرت صوابي... وأعجزتني ... وقطعت نسلي، هيا أغرب عن وجهي أنت وأهلك والجميع ... لقد انتهت الحفلة .... هيا أخرجوا، وإلاّ كسرت العصا على رؤوسكم العفنة ...

دهش الجميع، صدموا، لم يصدقوا ما يسمعون، حاول سالم الاعتراض، لوّح عبدو أمامه بالعصا...

وجد الجميع أن الموقف جدّي لا يحتمل المناقشة، بدأوا يتسلّلون كالحرامية الهاربين من العسكر... تأخّر سالم قليلاً وتردّد قرب الباب .... هدّده بالعصا... فانصاع مقهوراً لاوياً ذيله، وانسلّ منزعجاً وصفق الباب خلفه بعنف...

اصبح عبدو وحيداً، شعر ببعض الارتياح .... تمنى لو أوجعهم ضرباً، وحطّم العصا على جنوبهم، ولكنه استدار إلى الجدار الحجري الأسود فضربه بقوة، انكسرتْ العصا وتهشمتْ، وتناثرتْ بقاياها على الأرض، هزّ رأسه، ابتسم ابتسامة باهتة ....ثمّ اتجه نحو غرفة النوم .

خديجة كانت تقف عند الباب، وقد ارتدت ملابسها كاملة، وهي ترتجف من الفزع والخوف ... مرّ عبدو قربها، لم تتجرأ أن تنظر في عينيه، كانت تنتظر أن ينطق كلمة الطلاق، ويطردها من البيت ... لكنه نظر إليها بهدوء ... اقترب منها، مدّ يده إلى جيدها، فخدّيها، داعبها برقة وحنان، ومسح بالأخرى خصلات شعرها الناعمة، التي تلمع تحت أشعة ضوء القمر .....ابتسم ، اطمأنت، هجمت على يديه تقبلهما بلهفة، وحزن، ورجاء؛ لفّ خصرها وقادها معه ... وهو يهمس:

ـ هيا يا خديجة ، يا زوجتي الحبيبة، اخلعي ملابسك، لننام ونرتاح هذه الليلة، ونتابع مهمتنا الصعبة غداً ....

 

 

امرأة في المحطة الأخيرة

 

عادت إلى بيتها منهكة يائسة. رمت حقيبتها كأنها حمل ثقيل أسقطته عن كاهلها. تهالكت في مقعدها كخرقة بالية. وضعت رأسها بين كفَّيها.. بدأت تبكي.. تنتحب.. تشهق من أعماقها كأنها في حالة احتضار.. تساؤلات كثيرة.. تعتلج في نفسها.. تعذبها.. تحرقها.. تدميِّ قلبها.. عقلها أصبح مشلولاً عاجزاً عن أية إجابة تشفي غليلها وتهدئ نفسها..‏

في آخر لقاء لها معه أحسَّت بعنف أن النهاية تقترب وأن لحظة الفراق أضحت وشيكة.. كان اللقاء بارداً برودة الموت وعواطفه تجمَّدت في منتصف كانون خالية من الحيوية والحرارة.. في نهاية اللقاء لم يُبدِ أيَّة رغبة في رؤيتها مرة ثانية كما تعوَّدت في آخر كل لقاء.. يا إلهي ما أصعب التعود وما أقسى الحرمان..‏

هكذا وبكل بساطة تنطفئ شمعة الحب فجأة في قلب الرجل كأنه "شمعدان" يستبدل شمعاته كلَّما خبت. وكأن الحب ثوب يملُّ من لبسه فيرميه دون اهتمام. أو كتاب انتهى من قراءته فيضعه دون رحمة في سلة المهملات لتحمله سيارة الزبالة إلى مكبِّ النسيان.‏

يبدو أنها وصلت إلى المحطة الأخيرة إلى النهاية مرة أخرى.. وكأنه كتب عليها القدر أن تعيش طوال حياتها بكل جوارحها لحظات السعادة والألم. وبعد أن تمضي تجلس وحيدة مدمَّرة تستعيدها وتجترَّها طوال الوقت مرَّات ومرات حتى تتحول إلى هاجسها في الليل وكوابيس تسحقها وتقض مضجعها فتحرمها من الراحة والنوم.‏

من بين ركام الحزن كانت تتساءل هل يعاني مثلما تعاني؟ أم هي فقط ضحية هذا الحب المأساوي ومرارة العذاب؟ وهو ينام مرتاح البال مطمئن السريرة. لا يرى في نومه سوى الأحلام الوردية السعيدة.‏

آه ما أصعب لحظات الفراق؟ هي تعرفها تماماً عاشتها وعانت منها فترة طويلة. أطول من فترة الحب الذي نعمت به لفترة قصيرة. ثم ينتكئ الجرح وينزف سنين طويلة حتى يندمل قليلاً وتخف آلامها مع مرور الزمن وربما تتلاشى لكنها وقعت في الحب من جديد فاعتقدت أنه نهاية أحزانها.. ولم تتوقع أنها رحلة جديدة في عالم البؤس والشقاء.. لحظة الفراق رصاصة أطلقها عليها فأصابتها في الصميم لكنها لم تقتلها إنما خلَّفت وراءها جرحاً عميقاً مزقها وحطم كيانها زمناً طويلاً..‏

وها هو الآن ينتكس مرة أخرى وينفتح على آلام أشد وأوجاع أكبر..‏

كان يسحقها سؤال أذهل تفكيرها. لم دائماً جرحها أعمق من جرح الرجل؟ ولم تعاني من كل هذه العذابات والذل وحيدة في المحطة الأخيرة..؟‏

تجربتها المريرة والمتكررة أثبتت لها أن المرأة تحب بكل عواطفها.. بكل جوارحها.. وكل قلبها.‏

ويصبح الحب محور تفكيرها وأحلامها وحياتها كلها من اللحظة الأولى التي يخفق قلبها للحب تحوله برضى ومتعة لا توصف إلى سجن لحريتها وطموحاتها وإلى قيد يسوَّرها بحدود صلبة لا تترك فيها منفذاً صغيراً تتنشق منه نسمة غير الحب..‏

بينما الرجل يحب بعكس المرأة تماماً. يحب بسرعة ويتخلَّص من حبه بنفس السرعة فلا يترك لنفسه فرصة لتعاني من المرارة والعذاب.. يحب بعقله فلا يغير الحب من أعماقه أو حياته سوى القليل وعندما تحين لحظة الفراق يستطيع بكل بساطة أن يقلب الصفحة الأخيرة ويطوي الكتاب ببرودة أعصاب ويقذفه جانباً ويجلس بكل هدوء يدخن سيجارته وهو يستعيد لحظات المتعة واللَّذةَ في قصة حبه فينتشي بها من جديد. ثم ينهض مسرعاً يفتش ويخطِّط لحبٍّ جديد يبعث الحرارة والحيوية في رجولته من جديد..‏

آه.. كم تشعر بهوة كبيرة بين مشاعرها وعواطفها ومشاعره وعواطفه وبين معاناتها ومعاناته. فهي رغم دنو الخاتمة ما زالت تحترق أعماقها بشعلة أمل صغيرة في أن تحصل معجزة ما توقف هذه النهاية الفاجعة وتعيد لها الحب الذي يتسرَّب من بين يديها كأن روحها تغادرها رغماً عنها. لا تستسلم لهذه الخاتمة القاتلة بعد أن كانت تعتبر أن حبها هو البداية والنهاية في حياتها كلها. لم تتعلم درساً من حبها الأول فأعطت حبها الثاني أيضاً كل ما تملك ولم تبق لنفسها شيئاً. فسبَّب لها آلاماً مبرِّحة وتركها أشلاءً متناثرة. واستغرقت زمناً عصيباً تلملم بقاياها المتشظية وتستعيد بناء ذاتها من جديد وتشعر بإنسانيتها من جديد وتقف على قدميها من جديد لتخرج من عزلتها وتتجاوز غربتها وتحطم القيود التي فرضتها على نفسها.‏

آه.. ما أسوأ الرجل يعتبر الحبَّ محطة قصيرة في حياته يستريح فيها ويتمتَّع بها ثم يغادرها إلى محطة أُخرى بكل سهولة وبساطة تاركاً وراءه في كل محطة أشلاء امرأة محطَّمة.. منهارة.. يائسة.. فقدت طعم الحياة ولِذَّة الفرحة. والرغبة في الاستمرار بالحياة. ويتابع الرجل طريقه بكل نذالة ودناءة.. باحثاً عن صيد آخر يستهلكه بشهية عارمة ثم يرمي بقاياه في ركن مهمل من المحطة.‏

أما هي فيا للأسف والعار. لقد لُدغت من جحرٍ مرتين. وجرحت مرتين. وعانت من المأساة والعذاب مرتين. فهل ستفكِّر مرة أخرى في الحب؟ وهل سيبقى الحب في قلبها خرافة أسطورية تفتش عن حلِّ رموزها وكشف أسرارها وتعيش مخاطر السفر في كهوفها المرعبة دائماً. فتبقى في رحلة سندبادية دائمة.‏

 

 

ترقّب الولادة الجديدة

 

جلبابه رقيق يغطّي قليلاً ما تحت ركبتيه، تبدو عليها آثار القذارة، مرقّع بمزق عديدة.....تعلو رأسه حِطّةٌ سميكةٌ قديمةٌ غيّر الوسخ لونها الأصلي، يحيط بها عقال مهتريء بالٍ، تتدلّى منه عدة ذؤابات، انتفش شعر لحيته وشاربيه بشكل منفّر .... عيونه غائرة، زائغة .... أظافره محشوة بالأوساخ.... منها مكسور ومنها مقضوم.....لوّنها التبغ الأحمر بلون بنيّ قاتم، ترسّبت على واجهة ثنايا فمه، طبقة صفراء داكنة، وعشّش التبغ في جذور شعيرات أنفه، فبدت رائحته تزكم الأنوف......

لم يكن فرح مجهولاً فكل الناس في القرية يعرفونه، رجالاً ونساءً، وأطفالاً، ينادونه باسمه، ويلقّبونه بشتى الألقاب ...

يهزؤون منه يتندّرون به، يردّ عليهم ببلاهة، وضحكة، وسذاجة، ويتمتم بكلمات غير مفهومة.

في مضافة القرية " المنزول " يحتلّ فرح مكانه دائماً قرب عتبة الباب، وأحذية الحضور ..... يستقبل القادمين ويودع المغادرين، ويصبّ القهوة والماء، يلبّي الطلبات دون كلل ولا ملل إلى نهاية السهرة، يفرغ صحون السجاير المليئة بالأعقاب، وينتقي عدداً منها صالحاً فيكمّلها إلى النهاية في نشوة ومتعة عميقتين، وقبل ذهابه إلى الزريبة يمرّ على زوجة المختار فتعطيه رغيفاً عليه بعض العيش، تداعبه قليلاً تسخر منه بكلمات لطيفة، ويتابع طريقه إلى مكان نومه مسروراً ...

لم يكن أحد يعرف حقيقة فرح، وأصله، وفصله، وجدوه بينهم. المختار أبو مفلح وأبو ليلى، يقولان في أحاديث خاصة:

أن والديهما وجداه مشرداً بين الحقول، لحق بهما وعاش في القرية على فضلات الناس، وعندما شبّ استخدمه المختار لخدمته، وخدمة عائلته والمضافة؛ واستخدمه الجميع مقابل ما يتصدقون عليه من الطعام الزائد، والملابس البالية .....

شدّته كثيراً سهرة المضافة يسمع أحاديث الناس، وحكاياتهم الخرافية باهتمام يتابع ثرثرة الجميع دفعه واحد، كأنه ينتظر أن يسمع منهم شيئاً ما يخصه، وما زال يترقب حتى الآن ...

يفاجئه بعضهم أحياناً بسؤال حسّاس:

ـ ألا تريد أن تتزوج يا فرح ؟ فتّش عن واحدة مثلك لنزوجك إياها ....

( كان يبتسم بحياء ويغضّ بصره، ويداري أسماله، كأنه يرتكب ذنباً كبيراً ).

كانت الزريبة مكان نومه المفضّل، يقضي فيها أحلى وأمتع الأوقات، ينسج فيها عالمه الخاص الحالم، بعيداً عن الناس؛ يفترش كومة التبن، ويضع " القفة " تحت رأسه، يتمدّد قرب العجلة، يرتاح من عناء السهر، والعمل المرير، يشعر بسعادة غامرة معها، يناجيها، يحدّثها، يحاورها، يحكي لها الحكايات التي كان يسمعها في السهرة، تهمهم، تصدّقه، تبدي فهمها له، تنصت له جيداً...

قضى أجمل أيامه، وأمتع ساعات عمره فوق كومة التبن الدافئ، مع أحلامه الممزوجة برائحة "الزبل"، وفي أيام الشتاء الباردة يستدفئ بحرارة أنفاس العجلة، وعبق التبن، وحرارة أوساخ البهائم، ينام نوماً هادئاً عميقاً تتسرّب إلى أحلامه كوابيس مجهولة الهوية والمعنى، يرى فيها العجلة تتحوّل إلى وحش ضخم مفترس يلتهمه بشراهة، أو يخرج منها رجل صغير لحيته تغطيه، يعرف ملامحه جيداً، يطعنه برمح يرتمي على العجلة يتلوّى من الألم. ومرة أخرى يرى العجلة تثب عليه تريد اغتصابه يدافعها كارهاً باشمئزاز...

مع الفجر تختفي الأحلام، وتتلاشى فلا يذكر منها شيئاً، يستيقظ كالعادة ينظف الزريبة، يضع التبن للبهائم، يقبّل العجلة بين قرنيها، يطعم الفراخ، يجمع البيض، يجلس على باب الزريبة ينتظر شروق الشمس ....

زوجة المختار الجميلة الجذّابة الممتلئة؛ غالباً ما كانت تتشاجر مع زوجها، يعلو صراخهما، فيوقظ فرح من رقدته. لم يكن المختار يستطيع أن يلبّي جميع طلباتها ولا أن يشبع رغباتها الجامحة، يحاول جاهداً أن يرضيها وأن يوفق بين كونه زوج جميلة متمردة، وبين مقامه كمختار للقرية له مكانته الهامة.

مرّت الأيام وحملت العجلة، وباتت على أبواب الوضع أخذت تجد صعوبة، وألماًً في الحركة أخبرته في ساعات صفاء، ومناجاة بأنها ستلد بعد منتصف الليل، وأن ينتظر هذا الحدث الهام عند منتصف الشهر القمري ....

كانت العجلة صديقته الوحيدة، وحبيبته الجذابة، وعرّافته الغالية أمرته أن يترقّب بصمتٍ ولادتها خلال حدث هام .

ليلة منتصف الشهر غادر السهرة مبكراً، وخفية من الحضور الذين لم يلحظوا غيابه، ولم يفتقده أحد .. كانت تلك الليلة تعتبر من مقدمات الخريف، الغيوم الداكنة حجبت ضوء القمر، والريح تتململ يميناً ويساراً في ضيق شديد من طول الرقاد، وقطرات المطر القليلة تتماوج بهدوء في طريقها إلى الأرض ...

زوجة المختار تتزيّن استعداداً للاستقبال زوجها في حفلة آخر الليل ...... مرّ فرح عليها ..... دخل دون استئذان ... بدت أمامه بملابسها الداخلية الشفافة، تتهادى كالموج، بجسدها الممتلئ الذي يكاد يتفجّر ... استغربتْ عودته مبكراً، قهقهتْ بدلال ... قالت:

ـ لماذا عدت مبكراً يا فرح ؟

ـ ستلد العجلة الليلة يا معلمتي، سأبقى بجانبها.

أحضرت له رغيفاً وبعض الطعام، زاغت عينا فرح، وغطّتهما طبقة من الغبش، وهو يحدّق في الجسم الثائر، الذي يمشي كالوعل؛ غضّ بصره وحوّله إلى مكان آخر. سألته دون توقع:

ـ لم لا تتزوج يا مقصوف العمر ؟.

تناول وجبته منها، وتمتم بكلمات غير مفهومة، وطلب من سيدته أن تغلق النوافذ جيداً فالعاصفة قادمة.

ضحكت بغنج، وهي تشيّع الشبح القاتم، يبتعد نحو مقرّه وتمتمت:

ـ قال... عاصفة ... قال ..؟ .

العجلة كانت تزفر بقوة، وتضطرب في اختلاجات مؤلمة، تقف ثم تجلس ..وتتأوّه... بينما فرح يراقبها باهتمام وحزن، ويمسح رأسها وجسدها بحنان.

طال الوقت فغفى قليلاً لكنه استيقظ على صراخ المختار وزوجته يتشاجران، ويتجادلان بصوت عالٍ ... هزّ رأسه أسفاً واستنكاراً، ثم عاد إلى عجلته التي اشتدّ ت آلامها، وهياجها، وقوي زفيرها، والليل قارب على الانتصاف، والريح ارتفع صفيرها، وقطرات المطر بدأت تضرب بعنف سطح التوتياء، بينما تعالت الصرخات، والضربات من داخل المنزل، يبدو أن المختار اشتدّ غضبه مع اشتداد العاصفة، وللمرّة الأولى في حياته الزوجية يتصرف بحزم، ويتخذ موقفاً قاسياً.

أجهشت الزوجة بالبكاء وصرخت بخوف:

ـ أين أذهب في هذا الليل وفي هذا الجو ؟ .

أجابها بغضب:

ـ إلى جهنم هذا لا يهمني. لم أعد أحتملك أكثر من ذلك .

صفق الباب وراءها، وتركها حائرة في باحة الدار. وقفت في العتمة، وتحت المطر، والريح أخذت تلعب بثياب نومها الرقيقة ... لم تصدق أنه أخيراً فعلها، وفي منتصف الليل... همست لنفسها:

ـ يا إلهي أين سأذهب في هذا الوقت ؟ لا بد أنه مجنون !! أتزيّن له في النهار فيطردني آخر الليل ؟. أيثأر لعجزه وكرامته بهذه الطريقة ؟ استبدّت الثورة في أعماقها؛ تلفّتت حولها يائسة، وقع نظرها على الزريبة، تذكّرت فرحاً، ابتسمت، حدثت نفسها:

ـ إنه خير منك، صحيح أنه صرصور قذر، لكنه لا يتصنّع الرجولة مع النساء؛ إنك لا تستحق ظفري.

تفلتْ باتجاه المنزل الذي انطفأت أنواره، ومضتْ تلملم شالها حول جسدها ...

نظر إليها فرح ببلاهة، ودهشة، والأسئلة تعتلج في أعماقه: كيف تخرج سيدته في هذا الطقس العاصف ؟ وبلا ملابس؟ ولم جاءت إلى الزريبة ؟ ؟؟؟

دخلت دون أن تتأفّف كالعادة، وكأنها لم ترى أوساخ فرح، ولم تشم رائحته، ولا قذارة الزريبة وعفونتها. يبدو أنها وجدت كل شيء في الزريبة جميلاً، جذاباً مريحاً؛ فهوت بجسدها الغض على كومة التبن الذي تكسّر تحت ثقله؛ اقتربت من فرح وضعت رأسها على فخذه، وأجهشت في البكاء وهي تندب:

ـ لقد طردني النذل الجبان، لم يعد يريدني، لم يعد رجلاً، كم أكرهه، وأشمئز منه ؟

لم يدر ما يقول ؟ ولا كيف يتصرف ؟ بلع ريقه بصعوبة، وغمغم بكلمات متقطعة غير مفهومة ... وهو في اشدّ حالات الارتباك والحيرة ... وضعت كفّها على فمه وهمست :

ـ لا تتكلم يا فرح ... فقط دفئني فالبرد شديد.

" التصقت به أكثر " وتابعت:

ـ هل ولدت العجلة يا فرح ؟

أجابها متلعثماً :

ـ ستلد بعد قليل يا ستي ... لن تتأخر ...

ـ أتعرف يا فرح ؟ التبن أفضل من سريره وفراشه الناعم، وأنفاس العجلة أرقّ من شخيره المقرف؛ وأنت يا فرح، أنت أفضل منه، أنت تستحقني أكثر منه؛ إنه جبان يا فرح، من يطرد زوجته من بيتها في هذا الجو العاصف ؟ .

تصبّب العرق غزيراً من جميع أنحاء جسده، جعلته يدفئها رغماً عنه، أنسته العجلة ولم يعد يسمع صوت الريح المزمجرة . اختلط صوت لهاثها مع زفير العجلة المتألمة. وكانت ملامح الفجر تنبثق بصعوبة، عندما امتدّت إليها يدٌ قويّة رفعت جسدها المضطرب عالياً، وقذفته في زاوية معتمة من الزريبة، ثم قبضت على خناق فرح، وشدّت عليه بقوة، وهوت طعنات قاتلة مزّقت جسده، ورمته فوق جسد العجلة، واندلقت أحشاؤه عليها واختلط دمه بدمائها النازفة .

لم يتمكن أن ينبس بكلمة واحدة، فغرق في صمته إلى الأبد وقد تدلّت إحدى يديه عند مؤخرة العجلة، فلامست مولودها الجديد الذي كان يخرج ببطء ليبدأ حياة جديدة ...

 

 

الجاكيت

 

وقف أمام والده منتصب القامة، حاول أن يبدو أطول قليلاً، وبصوت جهد أن يكون أخشن ممّا هو عليه، ودون أن ينظر في عيني والده قال :

ـ أريد أن أشتري "جاكيتاً " يا أبي ....

ـ ولماذا "الجاكيت" يا بني ....؟

صمت قليلاً ...ارتبك... تلعثم شعر بالحزن، وبعض الغضب...

كان عليه أن يكون أكبر قليلاً ليصبح مؤثراً، ومقنعاً أكثر ولكنه أجاب متعثراً :

ـ أريد ..." جاكيتاً " .... لأنه .... لأنني هكذا أريد ..

اصطبغتْ وجنتاه بحمرة وردية، وتجمعت حبّات العرق على جبينه الأملسَ، ثم قطب حاجبيه، وأخذ ينظر خلسة إلى والده، وهو يتشاغل بحمامات البرج، التي ترفرف وتطير وتحط دون ملل أو كلل ....

أطال الوالد زمن الترقب، والانتظار، وهو يفكّر بعمق، لعلّه يهتدي إلى قرار صائب حول هذا الأمر الخطير، أو لعلّ ولده يملّ وييئس، فينسحب من أمامه ذليلاً، وينسى طلبه الغريب.

لم يكن عقل الصغير يفهم سبب إصرار والده، أن يعرف كل هذه التفاصيل المزعجة، لم "الجاكيت" ؟ وهل هو ضروري ؟ وعندك قميص وكنزة وجلابية و.....

عجيبة هذا الأب، يبدو أنه دقّة قديمة؛ أليس مجرد شعوره بالحاجة إلى "الجاكيت" كافياً ؟، لينقده ثمنه بسهولة ويسر، ويريح ويرتاح ....

بعد أن أصبح عرقه طوله، وتعبت رجلاه من الوقوف، و بعد أن يئس الوالد أخرج محفظته الجلدية العتيقة ببطء وامتعاض، وأخذ يفرك بعض الوريقات النقدية بأصابعه، حتى يتأكد أنها ليست ملتصقة ببعضها، سحب منها ورقتين فئة العشر ليرات وورقة فئة الخمس، نفضها في الهواء بحركة يائسة، ثم نظر إلى ولده متضرعاً أن يتراجع الصبي عن طلبه في اللحظة الأخيرة، ثم مدّ يده إلى منتصف المسافة، فامتدت يد الصبي بسرعة خاطفة، وشدّها بلهفة من بين أصابع والده الباردة، فكادت أن تتمزق ....

ودون أن يقول كلمة شكراً مضى مبتعداً، ولم ينظر وراءه خوفاً أن يعود الوالد عن عطاءه الكريم .

في طريقه إلى السوق أسرع الخطى .... لم يركب الباص حتى لا ينقص المبلغ الذي وضع كفّه عليه، وهو في أسفل جيب سرواله، حتى لا يضيع منه في غفلة من الزمن ...

سار وقد غمرته السعادة، وطار كالريشة على جناحي الفرحة والأحلام الوردية...

لم يكن أحد من أقرانه يلبس "جاكيتاً " فالرجال هم فقط الذين يرتدونه، وبعد قليل سيشتري واحداً، ويعود بسرعة يتبختر به أمام " نعيمة " لتعرف أنه أصبح رجلاً، وسيرى ابتسامتها الساحرة ترتسم على شفتيها الرقيقتين، وستتلوى أمامه كالأفعى من الخجل؛ وسيلحّ أن يسرق قبلة خاطفة من فمها مثل باقي الرجال، وإلاّ لماذا سيشتري "الجاكيت" ؟.

السوق مزدحمة بكل شيء... الناس ... الأحذية ... السيارات ... الضجيج .... التلوث .... حتى يكاد يجد بصعوبة مكاناً لقدميه الصغيرتين ...

وقف مشدوهاً متحيّراً شدّته واجهة محال الألبسة الجاهزة، بألوانها البراقة، وأضوائها المبهرة ....تأمّل طويلاً .... لكنه لم يتجرأ على اقتحامها ..." لا بد أن هذه بضاعتها غالية "... حدّث نفسه...

لفت انتباهه أن الداخلين والخارجين مختلفون عنة، وبمبلغ خمس وعشرين ليرة سيهزأ به أصحابها، ويضحكون منه، وربما حجزوه فوق السقيفة.

بعد ضياع فترة طويلة من الوقت، وجد نفسه أمام مدخل بناية قديمة ذات أحجار سوداء عتيقة، وقد علّق على الجدار مجموعة من "الجاكيتات" المستعملة ...

يا لطيف هذا رائع، ومناسب تماماً ...هنا سيبقى على الرصيف بين الناس، يدقّق، ويفحص ما يريد شراءه، ثم يمضي دون أن يلفت نظر البائع، وعندما يعجبه شيء سيطلبه منه فيقيسه، وسيتأكد من ثمنه قبل أن يلفّه له، وهذا أهم شيء عنده، وهو حتى الآن لم يتأكد أن مبلغه سيعجب باعة الأرصفة أم لا ؟.

كان مازال مبهوراً ... يتأمّل بعمق، ويفكّر بهدوء، ويقلّب الاحتمالات، عندما انتشلته يد قويّة من تأمّلاته وشروده وصوت أجشّ، قاسٍ، أعاده إلى ساحل عالمه البائس، وملامح صلبة أثارت فزعه وهو يخاطبه:

ـ هل تريد "جاكيتاً" يا أستاذ ..؟

كلمة أستاذ أطارت صوابه، وأفقدته توازنه، ولم يعرف كيف يجيب:

ـ آه ... لا .... أو ... نعم ..

وبمهارة الحاوي وضع الرجل القاسي الملامح "جاكيتاً "على كتفيه وبأمر صارم:

ـ البس ... أنه جميل عليك ...

لم يقاوم ولم يجب؛ فكّر بشيء واحد فقط فهمس:

ـ كم ثمنه .....؟

تجاهل البائع سؤاله وعلّق " الجاكيت" وأخذ آخر، ووضعه علي كتفيه، وأدار الصبي حول نفسه، وهو يظهر إعجابه ...

أعاد الصبي سؤاله ثانية:

ـ كم ثمنه ...؟

لم يرد البائع ذو الصوت الأجش ... لكنه وجده كبيراً فعلّقه مكانه، وأنزل آخر فوجد كمّيه قصيرين .... أبدله بآخر ...

لم يع الصبي ما يحصل معه، فكان يكرّر سؤاله كالببغاء:

ـ كم ثمنه ...؟

ارتسمت على شفتي البائع ابتسامة باهتة مصطنعة، وهو يدير الصبي بين يديه كالقبعة في يد الساحر. أداره دورة كاملة فدار معه بسهولة وسأله:

ـ ما رأيك، أنه مناسب تماماً ؟.

لم يجب الصبي بل سأله مرة أخرى:

ـ كم ثمنه ....؟

وبأنامل رشيقة وضع جاكيتاً جديداً على كتفي الصبي، وتفحصه البائع بعمق ثم ضحك أخيراً وقال:

ـ إنه مناسب لك تماماً كأنه فصّل لك؛ أليس كذلك يا حلو ....؟ لم تعجبه ضحكة البائع، وجعلته يتصبّب عرقاً ويحمرّ خجلاً. أخيراً أثار انتباهه شيئاً أخر غير الثمن فقال:

ـ لكن لونه أصفر .... كم ثمنه ....؟

غارت الابتسامة في وجه البائع، وحلّ محلّها تقطيبة غاضبة وقال محتدّاً:

ـ الآن فهمت عليك، وعرفت ما تريد ؟.عندي لك قطعة ممتازة ستعجب شواربك؛ لا مثيل لها في السوق ...

دسّ يده تحت كومة ملابس عتيقة، وأخرج كيساً فيه قطعة سوداء قاتمة، وبحركة رشيقة وضع "جاكيتاً" على كتفه بقياسه تماماً، كما قال البائع .... وعلى واجهة إحدى المحال القريبة منه، نظر إلى خياله الذي ظهر فيه كخفّاش ليلي، حتى أنه لم يعرف نفسه ....

دار يميناً ويساراً، ورفع يديه ولوّح بهما، ابتسم معجباً بنفسه وهمس:

ـ آه ... يا سلام.... ها قد أصبحت رجلاً بجاكيت، سيطيّر عقل نعيمة .... وستعجب به، وستكف عن قولها له كلما رأته:

ـ آه ... يا عبدو لو كنت أكبر قليلاً ؟ لكنا فعلنا الأعاجيب .

هاقد أصبح كبيراً فانتظريه ليرى تلك الأعاجيب، وسيعود بسرعة راكباً بالباص، بعد أن يعيد له البائع المبلغ المتبقي من ثمنه ...

فطن فجأة إلى أمر هام كان قد نسيه للحظات، فنظر إلى البائع بعينٍ كسيرةٍ وهمس بصوت خفيض:

ـ كم ثمنه ...؟

عادت الابتسامة القاتمة إلى وجه البائع، وردّ بصوت خشن

ـ سأبيعه لك بسعر مغرٍ لأنك شاب صغير، وجميل ( وفتّل شاربيه )، ومهذّب، وتستحق كل خير، هات فقط مائة وخمساً وعشرين ليرة ....

ومدّ يده فاتحاً كفه أمام الصبي، الذي اصفرّ وجهه وقال متلعثماً:

ـ نعم ... ما .... ذا .... كم تريد ...؟ لكن لا يوجد معي سوى خمس وعشرين ليرة ...

لم يمهله البائع حتى يكمل كلامه .... امتدت يداه الخشنتين إلى كتفي الصبي، وخلع بعصبية الجاكيت عنه فكاد أن يمزّقه ....

وبنظرة احتقار، واشمئزاز، وغضب، دفعه بقسوة نحو الطريق وهو يتمتم:

ـ لقد ألبستك "جاكيتات" بأكثر من خمس وعشرين ليرة ....

أصبح الصبي بين أرجل المارة، فزاد الازدحام على جسده الرقيق، وكفاه تغطّيان وجهه، ونعيمة تنظر إليه بلا "جاكيت" تبتسم بأسى وعتاب، وهي تهمس :

ـ آه... منك.... لماذا لست أكبر قليلاً ...؟ .  

 

أضيفت في 19/04/2005/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية