إهـــــداء
إلى من أعطتنا حياتها وقلبها وفكرها....
وهي تسرد لنا الحكايات الجميلة في ليالي
الشتاء الباردة
فبثّت الدفء في عقولنا والحرارة في
حياتنا والحنان في نفوسنا
لعلها تكون بادرة عرفان بالجميل ووفاء
لذكراها
....
إلى كل جدّة قدمت حياتها لهذا الوطن،
وخلّفت أجيالا تحبها وتحب الوطن
إلى جدتي الغالية....
أهدي هذا المشروع من تراث الأمة وأصالتها
وهويتها ومستقبلها
مـقدمة
الحكاية الشعبية في التراث
الحكاية الشعبية من أهم جوانب الأدب
الشعبي في تراثنا القومي الذي يصور بدقة واقع حياة الشعب من عادات وأعراف
وعقائد وفنون. ذلك الموروث التراثي الذي نتعرف من خلاله على طباع ونفسية
وصفات حياة أفراد المجتمع وأخلاقهم ومعاناتهم، وتصور جوانب حياة الناس اليومية
الثقافية والسلوكية، والموروثات الشعبية تشمل الحكايات الشفاهية،
والأمثال، وتقاليد الأفراح والأحزان، والأعياد والأغاني، والأهازيج،
والعدّاويات، والدبكات، والزي الشعبي، والمسكن والعادات والمعتقدات وغيرها ممّا
ورثته الأجيال بعضها عن بعض على مر التاريخ حتى وصلتنا كما نعرفها حالياً،
فالتراث يمثل كل المأثورات والخصائص التي تشكل الشخصية القومية الوطنية للإنسان
العربي في حقبة ما من تاريخ الأمة.
وتشير الدراسات إلى أن الموروثات الشعبية
ذات أصول قديمة وجذور موغلة في التاريخ، يعود تاريخها إلى آلاف السنين، لكنها
تعرضت للتغيير والتبديل والحذف والإضافات لتتناسب مع التطورات الاجتماعية
والثقافية والدينية والبيئية، فحافظ الناس على ما يناسبهم وتركوا ما لا يلائمهم
وأضافوا إليها من ثقافتهم المعاصرة ما يريدون
.
في الوقت الحاضر نجد أن معظم الصور
والمظاهر التراثية بدأت تتلاشى وتندثر مع الزمن، وتوقف العمل بها منذ أكثر من
ربع قرن نتيجة التطور الاجتماعي والثقافي والحضاري والتقني الهائل، في الحياة
الاجتماعية، وظهور وسائل الإعلام الحديثة من تلفاز وإذاعة، وصحف وكتب واتصالات،
عملت جميعها بقوة على إزاحة الموروثات الشعبية والمظاهر التراثية، عن مكانتها
فأهملها الناس وتخلوا عنها، وانتفت الحاجة لممارستها والاستمرار فيها.
فالأولاد لم يعودوا يتحلقون حول الجدّة،
لتروي لهم حكاياتها الجميلة الساحرة بعد أن حلّت ( الشاشة الصغيرة ) محل الجدّة
كجدّة حديثة متطورة، بالإضافة إلى كتب ومجلات الأطفال الأدبية التي أصبحت أكثر
ملائمة لعقلية الطفل، وثقافته ونفسيته وطموحه، كما أن عادات وتقاليد الأعراس
والمناسبات لم يعد بالإمكان ممارستها، والعمل بها بعد التطورات الاجتماعية،
والاقتصادية في الريف والمدينة من زحمة العمل، وضيق الوقت والمسكن والساحات،
وانصراف الناس إلى اهتمامات أخرى معاصرة، كل هذا أدّى إلى إلغاء مظاهر الأعراس
الشعبية، والاحتفالات العامة للناس، وحلّ محلّها الحفلات في الصالات المغلقة
المزدحمة والألحان الصاخبة، والرقص الفردي لعدّة ساعات، ثم تنتهي الحفلة بأن
تسير قافلة العرس إلى الفندق أو بيت العروسين وانتهى الأمر.
أما أطفال " الحارة " فلم يعد بإمكانهم
ممارسة ألعابهم الشعبية القديمة التي تحتاج إلى ساحة واسعة، وبيئة طبيعية
مناسبة، فحلّت محلهّا الألعاب الرياضية والملاعب والأندية.
كما أن انتشار العلم والوعي غيّر كثيراً
من مفاهيم وقيم، ومعتقدات الناس فابتعدوا عن العمل بالسحر والرقي والكتابة
والحجب، والعلاج بالوسائل القديمة واندثار صور الجن والغيلان والوحوش الخرافية
من الخيال والذاكرة الشعبية، لتتحول عقلية الناس نحو العلمية والواقعية
والمادية الملموسة ...
ومهما كنا متفائلين فالحقيقة أن عصر
التراث الشعبي قد احتُضر وانتهى، ولم يعد يهتم أحد به سوى الدارسين والباحثين،
الذين يعملون جهدهم لجمعه من ذاكرة الجيل القديم، أو ما بقي عالقاً منه في
أذهانهم، ويقومون بتسجيله وتوثيقه وتحليله، وربع قرن آخر من الزمن كاف لأن
يتلاشى ويختفي نهائياً من الذاكرة، إمّا بالموت أو الخرف أو ضعف الذاكرة
.
وكما توقف عصر العمل بالتراث الشعبي
وممارسته، توقف أيضاً عصر ابتداع الفلكلور الشعبي، فالإبداع مرتبط بالخيال الذي
يستمد مادته من الأساطير، والصور الغريبة والشخصيات الخرافية، والشعور بالعجز
عن الفهم، وتحقيق الطموح والغايات الحياتية الصعبة، فالخيال الشعبي كبلته
القيود الهائلة من الإنجازات العلمية، والحقائق الكونية والاكتشافات الطبيعية
والأدوات التقنية المتطورة، فلم يعد الإنسان الحالي بحاجة للتفكير بالغيبيات
والمعجزات، والحلم ببساط الريح والفانوس السحري وطاقية الإخفاء وغيرها، وهو يرى
أمام عينه الطائرة والسيارة والتلفزيون، والمراكب الفضائية، والطب الحديث الذي
كشف معظم الحقائق المستورة وهتك ستر العتمة، وكشف عجز القوى الخرافية أمام
الأسلحة المتطورة والقنابل الذرية، وبعد أن فضح كذبة حورية البحر وجمال ست
الحسن وشاعرية القمر، فسحب من تحت الخيال الشعبي بساط التحليق، والانفعالات
والعواطف وسلاح الرومانسية والإثارة والرغبة والحب.
كتب ماسبيرو في كتابه ( أغاني شعبية
مصرية ) يقول: ( إن مصر تطورت بسرعة وأن كثيراً مما رآه في زيارته الأولى، وما
سمعه قد اختفى وانقرض أو في طريقه إلى الانقراض فلا بد من الإسراع في جمعها
وتسجيلها ...)، وهذه الدعوة إلى جمع التراث وتسجيله تكتسب أهمية قصوى لدينا من
اعتبارات قومية أساسية يتحمل مسؤوليتها مفكرو ومثقفو الأمة، لجمع وتسجيل الأدب
الشعبي الشفاهي الذي مازال متداولاً بين الناس بالحد الأدنى والمحدود، من أجل
الحفاظ على تراث الأمة وهويتها وأصالتها
...
أسس جمع الحكايات
عندما كانت الجدة تفرغ ذاكرتها لنا،
بطريقة ( كان يا ما كان في قديم الزمان ) لم نكن نملك وسائل تسجيل{ كاسيت }،
ولا القدرة أو الرغبة في كتابة الحكاية وحفظها، وكان كل همنا الاستماع وترقب
نهاية الحكاية، وعندما جاء الوقت وشعرنا بضرورة تسجيل هذا التراث الشعبي
الجميل، وحفظه للأجيال القادمة قبل أن يندثر ويطويه النسيان، بحثنا عن الجدة
فوجدناها قد ماتت رحمها الله، وأصبحت عظامها مكاحلاً أو رأينا للأسف الجدات
الباقيات لم يعد بإمكانهم الحكي، أو خرفت ذاكراتهن وشاخت وانطمست فيها معالم
الحكاية، ففقدنا بهذا مصدراً أساسيا وهاماً للحكاية الشعبية.
كان الأمر مخيفا ًفعلا ًوكان لابد من
العمل بجهد وبسرعة، لتدارك هذا الإهمال الخطير الذي وقعنا فيه، ولم يعد أمامي
سوى الجيل الثاني الذي سمع الحكاية في الماضي، وسماع ما حفظه منها أو ما علق
بذاكرته من الحكايات، وكانت المهمة صعبة والعقبات كثيرة، منها أن ذاكرة الجيل
الثاني تحفظ حكايات مشوشة، أو مبتورة أو مخلوطة بحكايات ألف ليلة وليلة وكليلة
ودمنة، أو حكايات القصص الأدبية الحديثة للأطفال، فكان لابد من بذل جهد كبير
لغربلة الحكايات، وفرز الأصيل منها عن الدخيل، وحذف الإضافات، أمّا العقبة
الثانية فكانت تتمثل في أن معظم حفظة الحكايات من النساء، وهذا يحتاج إلى ظروف
مناسبة للاجتماع معهن عدة مرات، ولفترات طويلة لإفراغ جعبتهن كاملة، وهذا يكاد
يكون شبه مستحيل إن لم تكن النساء من القريبات أو المعارف المقربة
.
والصعوبة الكبرى كانت توثيق الحكاية،
ونسخها فاستخدام آلة التسجيل أمر مربك للقاص، أو مرفوض على الأغلب لاعتبارات
نفسية واجتماعية، ومتابعة الراوي بالكتابة أيضاً شبه مستحيل، فكان الحل الوحيد
هو سماع الحكاية من القاص شفهيا،ً ثم كتابتها بعد ذلك من الذاكرة مع ما يطرأ
على الحكاية من تغيير، وتبديل في بعض الكلمات والألفاظ، أو نسيان بعض التفصيلات
الصغيرة، وعندما يتعذر الاجتماع مع راوية الحكاية أطلب منها كتابتها بلغتها،
ثمّ إعادة دراستها وتنقيحها وكتابتها من جديد.
كان لابد من العمل رغم كل العقبات
والصعوبات، وبذل الجهد المتواصل مع التغاضي عن بعض السلبيات، والمثابرة والصبر
في سبيل الهدف الكبير، وهو إنجاز مشروع جمع الحكاية الشعبية وتوثيقها وحفظها،
وصيانة تراث هذه الأمة وإبراز معالم ثقافتها وتاريخها.
وقد توخيت في عملية جمع الحكايات الشعبية
الاعتبارات التالية :
أولا: الاقتصار فقط على الحكاية الشعبية
الأصيلة، وحذف الإضافات المستحدثة والطارئة على الحكاية بفعل الوعي الثقافي
والمعرفي المعاصر للفئات الشعبية
.
ثانيا: استبعدت أية حكاية مستمدّة من
التراث الشعبي المكتوب، خاصة من ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، والقصص الدينية
التي لها أصول في السيرة النبوية، وكتب التاريخ والأخبار الإسرائيلية القديمة
التي تأثر بها الفكر الشعبي، وتحتوي على الكثير من الغرائب أو المخالفات
للعقيدة الإسلامية، وهي تعد دخيلة على الحكاية الشعبية الأصلية
.
ثالثاً: كتبت الحكايات بلغة فصيحة مبسطة
قدر الإمكان، أو بلغة قريبة إلى العامية، للحفاظ على روح الحكاية وبيئتها
وجوّها النفسي، لذلك أبقيت على بعض الكلمات والجمل والألفاظ كما روتها الجدّة
تماماً، ورأيت من المفيد جداً للباحثين عرض قسم مهم من الحكايات بلغتها العامية
الأصلية بوصفها نموذجاً .
رابعاً: حذفت بعض الكلمات البذيئة التي
وردت في بعض الحكايات، لأنها تخدش الذوق العام وتسيء إلى الأخلاق وهي غير صالحة
للنشر، ولا يفيد إيرادها في النص الحكاية لا شكلاً ولا مضموناً، وربما
استبدلتها بكلمات أرفع مستوىً، كما حذفت بعض الأحداث والأفكار التي
تتعارض مع أخلاق مجتمعنا العربي المسلم وقيمه الدينية ومعتقداته وأعرافه
الأصيلة
.
خامساً: اتبعت في التبويب وترتيب
الحكايات المضمون، وبدأت بحكايات بسيطة سهلة تناسب الأطفال، شخصيات أبطالها
غالباً من الحيوانات، وتحمل قيماً تربوية وأخلاقية مفيدة وصالحة، والفئة الأخرى
تتميز بأحداثها القوية والمثيرة والمخيفة والعنف، وتعتمد أساليب السحر
والخرافات والغرائب وهي تناسب الكبار من الشباب والأولاد
.
سادسا: أكثر الحكايات ليس لها اسم أو
عنوان، وكان كل راوي يضع لها عنواناً مختلفاً عن الآخر، فاخترت لها اسما يناسب
أحداثها، أو أسماء شخصياتها، لتمييزها عن باقي الحكايات
.
كانت بداية مشروع جمع الحكايات الشعبية
من مدينة حمص وريفها منذ عام 1995، وما أقدمه في هذا الكتاب هو جهد أعوام
متواصلة ومضنية، لكن المشروع يستحق هذا العناء من أجل إنجاز هذه المهمة القومية
للحفاظ على تراث الأمة وهويتها ووجهها الأصيل
...
تراجم رواة
الحكايات
ـ كرجية رسلان:
مواليد كفرعايا 1913 م ـ توفيت : 1989م
وهي جدّة المؤلف ولدت في قرية كفرعايا
وتزوجت وعاشت في بابا عمرو، أمية لا تعرف القراءة ولا الكتابة كانت الراوية
الأساسية والمشهورة للحكاية الشعبية في بابا عمرو، ومن أهم النساء اللاتي كن
يحكين الحكايات الشعبية للأطفال في أيام الشتاء، وأخذ عنها معظم النساء
الحكايات، وبقيت تحكي لي حتى أواخر السبعينات حيث توقفت بسبب تحول اهتمام
الأطفال عن سماع الحكايات، وقد سمعت منها شخصياً في مرحلة الطفولة أغلب
الحكايات الواردة في الكتاب.
ـ نزهة الصوفي
:
مواليد حمص 1930 م توفيت عام 1997
أم المؤلف الراوية الثانية عن كرجية
رسلان، أمية لا تعرف القراءة والكتابة عاشت مع حماتها في بيت واحد وسمعت منها
الحكايات، وكانت تساعدها في روايتها وتحل مكانها عند غيابها
ـ وردة الشيشكلي :
مواليد حماه 1933
ـ عبد الرحيم العمر:
مواليد حمص 1948 م
ـ خضير القاسم :
مواليد حمص ـ جديدة 1938
ـ عبد الكريم إسماعيل :
1948 حمص
ـ أمين صطوف :
البويضة جنوب حمص 1936
ـ فرحان العموري :
سكرة شرقي حمص 1948
ـ حيان شبان :
مواليد حمص 1951
ـ أم مريم :
مواليد حمص 1947
الفرشة أو استهلال الحكاية
لكل حكاية مقدمة أو فرشة كما يقولون تهدف
إلى لفت الانتباه وإثارة المستمع وتهيئته لتلقي الحكاية.
وهذه المقدمة تختلف من بلد إلى
آخر ومن فئة إلى أخرى، المقدمة الحمصية تستهل الحكاية غالباً على النحو التالي:
" كان يا مكان في قديم الزمان، وسالف العصر والأوان نحكي وإلاّ ننام، وإلاّ
نصلي على النبي العدنان. . . كان في بزمانو
... "
وهي مقدّمة تحمل معان كثيرة، يتم إيصالها
إلى ذهن المستمع، فأحداث الحكاية الشعبية حدثت في الماضي القديم في زمان ومكان
ما دون تحديد، لا نعرف تاريخ البداية بالتحديد، وإذا كان هذا وقت الاختيار بين
الحكي والنوم، فإن المستمع يقرّر أو قد قرّر سلفاً أن الوقت هو وقت القص وبداية
السهرة الممتعة، وأن وقت النوم لم يحن بعد، فيهيئ نفسه وتتشكّل جلسة السمر
كالعادة بالتحلّق حول العجوز، ويستنفر حواسّه جميعها لمتابعة الحكاية المثيرة،
وأحداثها الغريبة.
بعد أن تصل العجوز إلى هذه النقطة من
المقدمة تتوقف وتصمت قليلاً، لتفسح للأولاد فرصة كي يقرّروا بأنفسهم ماذا
يريدون، الحكي أو النوم، فيصرخون بصوت واحد: ( نحكي يا ستي ... نحكي ). تبتسم
الجدة ابتسامةً حلوة، و تشعر بالزهو والخيلاء وهي تشهد عزيمة الأطفال، وإصرارهم
على أن يسمعوا منها الحكاية، فتبدأ الحكاية بصوت جهوري وثقة بالنفس:( كان في
بزمانو ..)، وهذا استهلال ثان للحكاية للدخول في صلب الموضوع، وبعضهم يختصر
المقدمة الأولى، ويبدأ مباشرةً بالاستهلال الثاني المباشر ( كان فيه بزمانو )،
وهذا غالباً أسلوب الرجال وليس النساء، فالرجال لا يحبذون المقدمات الطويلة،
ويدخلون في موضوع الحكاية مباشرة، ومنهم يبدأ بمقدمة أقصر مثل: ( كان يا ما كان
يا سادة يا كرام، كان في ...) أو( كان في قديم الزمان...) وهذه أيضاً يتميز بها
الرجال عن النساء. ثم يبدأ القص.
لابد للحكاية الشعبية من مقدمة،
واستهلال، كبيرة كانت أو صغيرة، ونادراً ما تسمع حكاية دون مقدمة، لأن القاص
يشعر بأن الحكاية تكون ناقصة دون مقدمة.
أمّا فرشة الحكاية، فهي مقدمة طويلة
للحكاية أو حكاية من نوع آخر، لا يتقنها سوى القليل من العجائز الجدّات،
والفرشة التي تختص بها العجائز، عبارة عن أهزوجة شعبية، أو زجل، أو أقصوصة، أو
حكمة، أو حزورة، غايتها الإثارة، وشدّ الانتباه، وتلطيف الأجواء، أو إضفاء
المرح والنكتة على السهرة وجلسة السمر.
نماذج مـن فرشـات الحـكاية
1المـقص
يطلب الأولاد من الجدّة حكاية بقولهم: ( احكيلنا حكاية)
فتبتسم الجدّة وتقول: " احكيلكم على
المقص ؟ " فيجيب الأطفال فرحين : نعم.
فتقول: " كلمتين وبس". وتسكت
يحتجّ الأطفال ويسود جو من المرح والزعل
وعدم الرضى بين الأطفال الذين يصرون على الجدّة أن تحكي لهم حكاية أطول.
2شـقارق
بقارق
ومن أجمل الفرشات التي سمعناها من
العجائز أيضاً تلك التي تعتمد على المفارقات، وعكس الأمور مما يعطيها نكهة
مميزة. تقول :
(عن
شقارق عن بقارق، عن حدّادين العبي، عن خياطين المعالق، الكذب عمري ما عرفتو،
والصدق ملح الرجال، طلعت مشوار، لقيت بطريقي برغوت قد الأرنبو، مسكتو، شدّيت
عليه الجلال وركبتو، خضت فيه البحر، طلع لعند ركبتو. قعدت قبل الصبح، والدنيا
نهار، دخلت الإسطبل، لحط الجحش للتبن، سمعت صوت، طلعت عليه، لقيت المزابل عما
تنبح على الكلاب، وشفت حيط راكب على حرامي، لحقتو حتى مسكتو، لاحني ولحتو، من
كتر عزمي إجيت تحتو، شوفوا رقبتي صارت حمرا من كتر ماضربتو
) .
3كـت
كـتيتان
(
إجا كت كتيتان، نط وبال بالدكان، مسّح
بكبكوبة خيطان.
راح لعند أم عباس، قاللها: خيطيلي الباس،
قالتلو: ما بخيطلك حتى تشبّ الفارا على الرف، وتجيبلي بكرة خيطان.
راح لعند الفارة، قاللا: يا فارة مشببك
... مشببك ؟. قالتلو: مشببني ... مشببني ؟ ما بدي القط بياكلني.
راح لعند القط قاللو: ياقط، مأكلك...ما
أكلك ؟. قاللا: مأكلني ...ما أكلني ؟ ما بدّي بخاف العصاي تضربني.
راح لعند العصاي، قاللا: يا عصاي
مضربك...مضربك ؟. قالتلو: مضربني...مضربني ؟ مابدي بخاف من النار تحرقني.
راح لعند النار، قاللا: يا نار محرقك...
محرقك ؟. قالتلو: محرقني...محرقني ؟ ما بدي بخاف من المي تطفيني.
راح لعند المي قاللا: يا مي
مطفاك...مطفاك ؟. قالتلو: مطفاني...مطفاني ؟ ما بدي بيجي الجاموس بيحرني.
راح لعند الجاموس قاللو: يا جاموس
محررك...محررك ؟. قاللو: محررني...محررني ؟ ما بدي بخاف من السكين تدبحني.
راح لعند السكين، قاللا: يا سكين مدبحك
... مدبحك ؟. قالتلو: مدبحني ... مدبحني ما بدي بخاف من الحدّاد يطرقني.
راح لعند الحدّاد قاللو: يا حدّاد، مطرقك
... مطرقك ؟. رد عليه الحدّاد: مطرقني ... مطرقني هادا عملي، والله خلقك وخلقني).
4أبو
عـدوس وأم عـدوس
كان في أبو عدوس وأم عدوس، أبو عدوس طلع
عالبريي ليفلح، مر بياع الخواتم والأساور لعند أم عدوس، اشترت منو خواتم وأساور
وأعطتو حقن برغلات الموني...
رجع أبو عدوس من الفلاحة، حطي الأكل يا
أم عدوس، ردت عليه أم عدوس: ويلي ما في شي غير خش خش خش. أبو عدوس ضرب أم عدوس.
أم عدوس تركت البيت وراحت قعدت عالمزبلي زعلاني.
مرت من جنبا بسّي وصارت تنوي، قالتلا أم
عدوس: بعتك أبو عدوس والله ما بدوس.
مرت من جنبا جاجي وصارت تبحش وتقاقي،
قالتلا أم عدوس: بعتك أبو عدوس والله ما بدوس.
بعد شوي مر من جنبها جمل عليه حمل تين
وحمل زبيب، فرحت أم عدوس وقالت: بعتك أبو عدوس والله هلّق بدوس.
جرّت الجمل ورجعت لعند أبو عدوس. قالتلو:
لكن يا أبو عدوس هيك برضى وبدوس. قام أبو عدوس نزّل حمل التين وحمل الزبيب ودبح
الجمل وعمل منو كبيّ، وصار عندن كبّي كتير حمل أبو عدوس الكبّي وطلع عا السطح
وصار يرميها على الناس في الشارع.
مر صاحب الجمل وسأل أم عدوس: كنا شافت
جمل عليه حمل تين وحمل زبيب ؟ قالتلو: نعم لقاه أبو عدوس ودبحو. سألا الرجل
امتى صار هالحكي ؟ قالت أم عدوس: لما صارت السما تشتي كبّي.
راح هرب صاحب الجمل وهو عما يصيح: ياهو
يا ناس تعو شوفو اللي علّقني بعجوز خرفاني وما فيا عقل, إمتى الدنيا بتشتي كبّي
؟.
5القطـة
البيضا والكـلب
كان في قطا بيضا صغيري ، بتمشي بالطريق
بغندري في ليلة مقمري. شافت قدامها درخوش
.
مدت ايدها فيه طلعت محنّايي، اطلّعت على
السما رجعت عيونها مكحلي.
مرّت على بيت السلطان، لبسوها بدلي كتّان.
مرت على بيت الوزير, لبسوها توب حرير.
مرّت على بيت القاضي، لبسوها قلادي.
رجعت عاالبيت متل العروس.
لاقاها بالطريق كلب أسود رذيل، إجا بدو
يشلّحها ثيابها وقلادتها.
قالتلو: عميل مثل ما عملت، بتنال متل ما
نلت .
طمع الكلب وراح عالدرخوش، مدْ ايدو طلعت
مقطوعة، اطلّع عالسما رجع أعمى.
مر على بيت السلطان، ضربوه بالقضبان.
مر على بيت الوزير، ضربوه بالجنازير.
مر على بيت القاضي، مسكوه ورموه بالوادي
.
6المـرا
القصـيري
كان في مرا قصيري، عندا دار صغيري.
كنّستها، ونضفتا، ورشّتا كويّس، لقت فيها فليس، اشترت فيه صحن دبيّس، حطتو على
الرف.
إجت دباني هدّت عليه ، قالتلا: كش، ردت
عليا: ما بكش. قالتلا: كش. ردت عليا: ما بكش. قالتلا: كش. ردّت عليا: ما بكش.
راحت اشتكت عليها للقاضي. فكّر القاضي
وقالا للمرا: وين ما شفتي دباني، اضربيها بالشحّاط واقتليها وحقها علي.
ما خلّص القاضي كلامو حتى وقفت دباني على
دقنو، قامت المرا شلحت الشحّاط وضربتها.
صرخ القاضي: أخ ليش هيك عملتي ؟ . ردّت
عليه: ما أنتي قلتلي .
ـــــ
رصدت عدداً قليلاً من هذه المقدمات
والفرشات، بسبب تلاشيها وموت الجدّات أصحاب الحكاية الأصلية، ونسيان أغلبها من
قبل حفظة الحكايات من الجيل الثاني.
هذه نماذج من المقدمات والفرشات التي
تستهل الجدّة بها حكايتها الجميلة، تعبّر عن وعي الذاكرة الشعبية لضرورتها،
وتدل على الإبداع في الأدب الشعبي المميز وطبيعة الثقافة السائدة والأجواء
النفسية الخاصة لعامة الشعب.
وكما تختلف مقدمة الحكاية من الرجل إلى
المرأة، فإن اللغة والألفاظ المرافقة للقص أيضاً تختلف بينهما. فالمرأة تستخدم
ألفاظ معينة في القص مثل: ( يا عيني ، يا بعد روحي ، تقبرني ، يا ويلي ، يا
خطيتو ، المعتّر.. . الخ ) وهي ألفاظ لا يستعملها الرجال عادةً.
لذلك كُتبت الحكاية الشعبية بألفاظها
الأصلية، وروحها وبيئتها الخاصة، يستطيع المستمع أو الدارس أن يميزّ بين الراوي
المرأة والراوي الرجل في الحكاية.
الحـكايات الشـعبية
الأطـفال الخمسـة والذئب
الراوي: عبد الرحيم العمر
كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان
امرأة ولديها خمسة أطفال، يسكنون في غرفة صغيرة على أطراف القرية ولها باب خشبي
صغير، كانت أمهم تعمل وتقدم لهم الطعام، وفي كل مرّة كانت عندما تخرج من البيت
تحذرهم من أن يفتحوا الباب لغريب مهما كان السبب، وأن ينتظروا حتى يسمعوا صوتها
ويتأكدوا منها فيفتحوا لها الباب.
في أحد الأيام خرجت في الصباح للعمل،
طلبت منهم أن يغلقوا الباب ( البجّار الخشبي )، وأن لا يفتحوا لأحد وذهبت
لعملها مطمئنة. بعد ساعة من الزمن جاء ذئب متوحش ضخم، طرق الباب وقال:
ـ افتحوا يا أولاد الباب أنا أمكم.
انتبه الأطفال إلى صوت الذئب الخشن،
فقالوا له:
ـ أنت لست أمنا لأن صوت أمنا ناعم وأنت
صوتك خشن .
اغتاظ الذئب وذهب فغاب ساعة من الزمن،
وأكل كمية من السكر البلوري ليصبح صوته ناعماً ثم عاد إلى البيت، وطرق الباب
وطلب بصوت ناعم من الأولاد أن يفتحوا الباب. سمع الأولاد صوتاً مشابهاً لصوت
أمهم لكنهم أرادوا التأكد من ذلك، فنظروا من ثقب الباب فرأوا ذيل الذئب الطويل
يلوح خلفه، فقالوا له: أنت لست أمنا، أنت لك ذيل وأمنا ليس لها ذيل.
غضب الذئب كثيراً من نباهة الأولاد، وذهب
إلى جحره ولفّ ذيله تحت ثيابه، وأكل بعض السكر وعاد إلى بيت الأولاد وطرق
الباب، سمع الأطفال صوته ونظروا من ثقب الباب، فلم يروا الذيل ولكن شاهدوا قدمي
الذئب ومخالبه فعرفوه، فقالوا له:
ـ إن قدمي أمنا بيضاوان وأنت قدماك
سوداوان.
اغتاظ الذئب وكاد ينفجر قهراً من هؤلاء
الشياطين، الذين لم يستطع حتى الآن أن يخدعهم، وذهب مسرعاً إلى الطاحون ومسح
رجليه بالطحين فأصبح لونهما أبيض، وأكل بعض السكر البلوري وعاد فطلب من الأطفال
بصوت ناعم فتح الباب، فنظر الأطفال فلم يروا ذيل الذئب، ورأوا لون قدميه
بيضاوين كالثلج، وكان صوته ناعماً، فانخدعوا فيه وفتحوا له الباب، فهجم عليهم
والتهمهم واحداً واحداً ماعدا الصغيرين فقد اختبأا تحت القفة، فلم يرهما الذئب.
عادت الأم فلم تجد أطفالها فأخذت تصرخ
عليهم، وتناديهم، فخرج عليها الصغيران من تحت القفّة، وقصّوا عليها ما حدث،
غضبت كثيراً وخرجت تبحث عن الذئب، وأخذت معها سكيناً وإبرة وبكرة خيطان، وبعد
جهد كبير وجدته أخيراً في مغارة قرب البئر، وهو مستغرق في نومه فهجمت عليه
وشقّت بطنه بالسكين، وأخرجت أطفالها، ثم وضعت بدلاً منهم بعض الأحجار، وخاطت له
بطنه من جديد، وتركته وعادت بالأطفال إلى البيت، استيقظ الذئب بعد قليل وهو
يشعر بالعطش الشديد، فخرج يجرّ نفسه بصعوبة نحو البئر بسبب ثقل الحجار في بطنه،
وعندما وصل حافة البئر وأراد أن يتدلى فيه ليشرب منه سقط في الماء وأغرقته
الأحجار ومات وارتاح الأطفال من شرّه
.
أبو قـرن وقـرنين
الراوية: نزهة الصوفي
كان في أيام زمان رجل وزوجته، وعندهما
بنت وحيدة وهم في عيشة مبسوطة. في يوم من الأيام جاءت أختها وطلبت منها البنت
لتنام عندها هذه الليلة حتى تؤنسها لأن زوجها مسافر، فوافقت الأم وأوصتها بها
خيراً، ذهبت معها الفتاة إلى البيت في الطرف الآخر من الغابة، وسهرا تلك الليلة
حتى منتصف الليل ثم نامتا .
لكن الزوج عاد فجأة قبل الصباح، فانزعج
من وجود الفتاة في البيت، وطلب منها أن تعود إلى بيت أهلها، فأخذت الفتاة تبكي
ورجته أن يتركها عندهم حتى الصباح، فرفض ذلك بحجة أنه لا يوجد عندهم مكان يتّسع
لتنام فيه. وأخرجها من البيت وأغلق الباب وراءها، فخافت البنت كثيراً في هذا
الليل وصارت تبكي ثم سارت في الغابة باتجاه بيت أهلها، فضاعت فلقيها في الطريق
أبو قرن وقرنين، وكان يفتش طوال الليل عن فريسة يأكلها دون فائدة، حتى وجد
الفتاة وحيدة في الغابة وأراد أن يأكلها.
قالت له الفتاة: أنا بنت صغيرة ولا
أشبعك، ولكن إذا أوصلتني إلى البيت، أعطيك قفةً من التمر وقفة من الزبيب، فتأكل
منه حتى تشبع، ويصبح عندك مونة من الطعام، فوافق وأوصلها إلى البيت وطرق الباب
وهو يقول: ( البنت اللي عند خالتها، ضاعت بالغابة يا حنينتها، رجعها أبو قرن
وقرنين، ويريد قفة تمر ورغيفين ) فلم يسمعه أحد فأعاد عدّة مرات حتى يئس من فتح
الباب، فأكلها وعلّق ثيابها على الباب ومضى في حال سبيله
.
في الصباح خرج والداها فشاهدا ثياب
ابنتهما، فعرفا أن أبا قرن وقرنين أكلها، فحزنا عليها ولام الرجل زوجته لأنها
سمحت لها بالذهاب مع خالتها، وغضبت الأم وقررت الانتقام لابنتها فتربّصت الفرصة
المناسبة.
بعد شهور عاد ابن أختها من السفر، فجاء
لزيارة خالته وسلّم عليها، فاستقبلته ورحبت به ثم تركته نائماً فذبحته وقطّعت
لحمه وطبخته، ودعت أختها وزوج أختها على الغداء وقدمت لهم لحم الولد، فأكلا منه
حتى شبعا، وبعد أن انتهيا من الطعام وجلسا يتسامران، قامت أختها وأتتها بملابس
ولدها وعظامه، وقالت لها: هذا ابنك أكلته أنت وزوجك، مثل ما أكل أبو قرن وقرنين
ابنتي والآن أصبحنا خالصين وعاش الطرفان في حزن وغم طول الحياة
الطـير الأخضـر
الراوي فرحان العموري
كان في قديم الزمان رجل عنده ولد وبنت،
وعندهم بقرة صغيرة صفراء اللون كان الولدان يرعيانها ويحبانها وتحبهما وهما
متعلقان بها كثيراً، ماتت زوجة الرجل فتزوج امرأة أخرى لكنها بدت شريرة
لا تحب الأولاد، وتكره الولد والبقرة خاصة، فأخذت تكيد لهما وتفكر في طريقة
للتتخلّص منهما ومن البقرة.
في يوم من الأيام جعلت نفسها مريضة،
وأرسلت بطلب أحد الأطباء من أصحابها ليعالجها، فطلبت منه أن يوصف لها لحم
البقرة الصفرا، وأنها لا تشفى حتى تأكل من لحمها، وتدهن جسمها بدمها. وكان ذلك
فبعد أن فحصها الطبيب وصف لها أمام الجميع لحم البقرة والدهون بدمها، وبين لهم
أنه لا دواء لها غيره، ورغم معارضة الأولاد وحزنهم الشديد على البقرة وافقوا
مضطرين عليه، فذبح الرجل البقرة وأكلت المرأة من لحمها ودهنت من دمها، وبعد
قليل ادّعت أنّها شفيت من المرض، وقامت مثل الغزالة ففرح الأب بشفائها.
بقي همها الوحيد الولد (حطّت نقرها من
نقره وبدها يا هو يا هي بالبيت ). لكن الأب تمسك بولده الوحيد، ولم يضحّ به من
أجل زوجته، فذهبت المرأة إلى عند ساحرة شريرة، فصنعت لها سحراً وكتبت للأب
والولد، فصار الرجل يكره ابنه ولم يعد يطيق رؤيته.
وفي يوم عملت نفسها مريضة أيضاً وأخذت
تتدلل على رجلها، وتتغنّج عليه ومنعته أن يقرب منها، فصار يراضيها ويسألها عن
طلباتها وينفذها لها لترضى عليه، وعندما تمكنت منه طلبت منه أن يذبح ابنه
ويطعمها من لحمه، فقام الرجل وذبح ولده فطبخته وأكلت من لحمة، وتركت عظامه
ورمتها في الحديقة. رأتها أخته فصارت تبكي، ولمّت عظامه وهي حزينة عليه، وضعتهم
بكيس وحفرت حفرة في الحديقة ودفنتهم، وأصبحت كل يوم تسقي العظام وتبكي على
أخيها0
مضت سبعة أيام على هذا الحال، وإذ خرج من
الحفرة طير أخضر صغير، أحلى من كل الطيور، دار بالحديقة من شجرة لشجرة، وصار
يزقزق ويناغي بألحان حزينة، وحط أخيراً على شباك غرفة أخته وصار يغني:
"
أنا الطير الأخضر بشد العسكر، أبوي دابحاني
وخالتي إكّالة لحامي، أختي الحنونة لملمت عظامي وحطتهم بكيس خامي، بعد سبعة
أيام صرت طير أطير بالبلداني..."
سمعته أخته وعرفت أنه أخوها فقربت منه ،
وصارت تلمّس ريشاته، ودموعها تنزل غزيرة من عيونها مثل المطر من حزنها عليه،
طار بعيد عنها ورجع ومعه قلادة من ذهب ورماها على أخته، أخذتها ولبستها وصارت
مثل العروس فيها. رأت خالتها بعينيها ما حدث للبنت، فانزعجت وحسدتها وطمعت
بقلادة مثلها ...
في اليوم التالي وقف الطير على الشباك
وصار يغني أغنيته، أتت خالته وصارت تلمّس ريشاته، فطار بعيداً ورجع ومعه إبرة
مسمومة، ورماها عليها فجاءت برقبتها وماتت لوقتها، وبقي الطير كل يوم يقف على
الشباك ويغني أغنية لأخته، ويرمي إليها الهدايا من الحلي والجواهر، وهي فرحانة
ومبسوطة به.
البنت القطـة
الراوي: عبد الرحيم العمر
كان في قديم الزمان امرأة لا تنجب
الأولاد, فدعت ربها أن يرزقها بنتاً ولو كانت قطة. بعد عدّة شهور حملت المرأة
وولدت قطة فرعتها، وربّتها حتى كبرت.
كان أبوها وأمها يتركانها في البيت وحدها
ويذهبان للعمل في الحقل، أما القطّة فكانت تخرج وتتمشّى في المدينة، وتتفرّج
على البيوت والدكاكين والأسواق وتمضي النهار وتعود قبل عودة والديها...
في أحد الأيام وهي تمشي في المدينة،
صادفت قصر الملك الكبير الفخم الذي تحيط به حديقة واسعة غناء كثيرة الأشجار،
أرادت الدخول إلي القصر فمنعها الحارس وطردها بعيداً عن باب القصر، لكنها عادت
ودارت حول السور حتى وجدت مكاناً تسلّقته وقفزت داخل القصر، تجولت في المكان
فرأت حديقة كبيرة فيها من جميع أنواع أشجار الفواكه والثمار، وفي وسط البستان
بحيرة ماء صغيرة، فاشتهت أن تسبح فيها، فخلعت ملابس القطة وظهرت منها صبية
فاتنة ورائعة الجمال، وخلعت خواتم أصابعها العشرة ووضعتهم فوق ثيابها، ونزلت
إلى البحيرة فسبحت فيها حتى اكتفت، ثم قطفت كمية من الفواكه ولبست ثياب القطة
وعادت إلى البيت.
لما رجع والداها وجدا في البيت الفواكه
والثمار الطيبة التي لم يريا مثلها في حياتهما، فاستغربا الأمر ولم يعرفا كيف
جاءتهما، فأكلا منها حتى شبعا وحمدا الله تعالى وناما
.
كرّرت القطة الأمر عدّة أيام وفي كل مرّة
كانت تغافل الحارس وتدخل وتخرج دون أن يستطيع منعها أو الإمساك بها وكان الحارس
منزعجاً من هذه القطة ومستغرباً من قصتها ولم تأت وتذهب كل يوم...
في أحد الأيام انتبه ابن الملك إلى
الحارس ولاحظ انشغاله وانزعاجه، فسأله عن أمره فحكى له قصة القطة التي تدخل
وتخرج إلى القصر منذ عدّة أيام في الموعد ذاته، فانشغل ابن الملك أيضاً بقصة
القطة وصمّم أن يكتشف سرها..
في
اليوم التالي اختبأ ابن الملك في الحديقة بين الأشجار يراقب ما يحدث إلى أن حان
الموعد، فدخلت القطة وخلعت ثيابها فبانت كما ولدتها أمها. افتتن ابن الملك
بحسنها وجمال جسمها، وتركها حتى نزلت إلى الماء تسلّل إلى مكان ثيابها وأخذ أحد
خواتمها.
عندما خرجت القطة وجدت أحد خواتمها
مفقوداً فاستغربت الأمر، وفتشت عليه كثيراً دون فائدة فارتدت ملابسها
وعادت إلى بيتها حزينة.
في اليوم التالي فعل ابن الملك مثل اليوم
السابق، وأخذ خاتماً آخر وعندما غادرت، لحق بها ومشى وراءها دون أن تراه حتى
عرف بيتها.
في اليوم التالي لم تعد القطة إلى حديقة
القصر بسبب حزنها على ضياع خاتميها وخوفها أن تفقد الباقي. افتقدها ابن الملك
وانشغل باله عليها وبعد عدّة أيام تأكد أنها لن تعود، فحزن واغتمّ ورقد مريضاً
في فراشه فجلبوا له كبار الأطباء لكنهم عجزوا عن مداواته. فحزنت أمه عليه
واغتمّت كثيراً وجلست إلى جانبه تحاول أن تعرف قصته فصارح أمه وأخبرها حقيقة
حاله، وأنه يحب القطة ويريد منها أن تخطبها له، فاستاءت أمه من هذا الخبر وصاحت
وولولت وخافت من الفضيحة، وحاولت بكل الوسائل أن تثنيه عن عزمه فلم تتمكن من
إقناعه، وفي النهاية تحت إصرار ابنها وخوفها على حياته وافقت، وذهبت إلى بيت
القطة تطلب خطبة ابنتهم لابنها، فاستغرب والدي القطة الأمر وأفهماها أنه لا
يوجد لديهما ابنة ولا يوجد معهما في البيت سوى قطة صغيرة، فأخبرتهم أنها جاءت
تخطب القطة لابنها، وعرضت عليهم وزن القطة ذهباً, فوافقا في الحال وهم مدهوشان
من أمر الملكة، وقبض الوالدان المال وسلّماها للقطة وفرحا لأنهم تخلّصا منها.
حملت زوجة الملك القطة إلى القصر
وهي خجلة ومستحية من الناس، ودخلت على ابنها وقالت له مستهزئة: خذ عروسك
واتهنّى فيها، وتركته وأغلقت عليه الباب.
قام ابن الملك من فراشه وكأنه لم يكن به
شيئاً، فأخذ القطة وحضنها بشوق وأخذ يكلّمها ويبثّها حبه وغرامه، وهي ساكتة
ومندهشة من أمره وتصرفاته. وأخيراً قال لها: اخلعي ملابسك فإني أعرف حقيقتك.
فلم ترد عليه، عندها قام إلى الخزانة وأخرج الخاتمين وقدمهما لها، فتأكدت القطة
أنه يعرف حقيقتها، فخلعت ملابسها وبدت صبية أحلى من القمر، لبست الخاتمين وجلست
بجانبه، وطلب أمه فدخلت عليه وشاهدت عنده صبية مثل القمر فحدثها بقصة القطة،
وعرفت الحقيقة وفرحت بها أشد الفرح وأرسل ابن الملك في طلب والديها وعقد قرانه
عليها وأقام الأفراح والليالي الملاح، وعاش الجميع في سعادة ونعيم وطيب الله
عيش السامعين .
هيلوني والبقرة الشهباء
الراوي : فرحان العموري
كان يا ما كان في سالف العصر والأوان
لحتى كان، كانت عائلة متوسطة الحال تعيش في قرية جميلة هادئة، وعندهم بنت اسمها
هيلونة وصبي اسمه خالد، ويربون بقرة هولندية شهباء تحلب لهم كمية كبيرة من
الحليب يبيعونه ويعيشون منه.
كان الأولاد والأم يحبون البقرة كثيراً
ويعتنون بها، وبعد فترة مرضت الأم مرضاً خطيراً توفيت على إثره، وقبل أن تموت
أوصت الأولاد بالبقرة وأن يعتنيا بها ولا يتخليا عنها مهما حصل.
حزن الجميع على موت الأم، وعاشوا على
ذكراها فترة من الزمن إلى أن صارت جارتهم تتقرّب من الأب، وتتودّد للأولاد
وتظهر لهم الحب والرعاية حتى أحبوها، وتعلّقوا بها ونالت إعجابهم ورضاهم، فطلب
الصبيان من أبيهم أن يتزوج جارتهم، فوافق في الحال وتزوج من الجارة، وعاشوا في
البداية فترة من الزمن مبسوطين وسعيدين، لكن المرأة مع الأيام بدأت تتحول
وتتغير وأصبحت تغار من الأولاد وتكرههم وتنفر منهم، وتضمر لهم في نفسها الشر
وتحاول إيذائهم بشتى الطرق.
هيلونة صارت صبية لكنها كانت سمراء
عاتمة، وكانت زميلاتها في المدرسة يعبن عليها أنها غير جميلة، وأنها مادامت
سمراء لن يخطبها أحد، وستبقى عانساً طوال حياتها.
عادت البنت إلى البيت حزينة، تبكي من
القهر ودخلت إلى الإسطبل، وجلست تشكي همها للبقرة ، لما حنّت عليها البقرة
وقرّرت أن تساعدها، قالت لها: غداً صباحاً قبل أن تفطري أحضري معك ماعوناً
واحلبي مني حليب الصباح، وسمّ بالله واشربيه كله على الريق، يتغير لونك بإذن
الله تعالى، وتصبحي بيضاء متل الحليب الذي شربته
.
فرحت هيلونة وقامت نشيطة، ومبسوطة حتى
تضايقت خالتها وتعجبت من فرحتها، وصارت تراقبها لتعرف سبب تغيرها، في المساء
نامت البنت مبكراً وراحت بسابع نومة، وما أن طلعت الشمس قامت نشيطة، وأخدت معها
الماعون ووضعته تحت أبزاز البقرة، فامتلأ حليباً وسمّت بالله وشربته، وما أن
انتهت من شربه حتى صار لونها أبيض كالحليب ذاته.
كانت خالتها تراقبها ورأت ما حدث معها
فجن جنونها وطار عقلها وحقدت عليها، وسألتها عن سر
تغيرها، فلم تخبرها لكن خالتها ضربتها
بقسوة حتى أقرّت وحكت لها قصتها مع البقرة، فذهبت الخالة في الحال إلى البقرة،
وضربتها وعنّفتها لمساعدتها هيلونة، وطلبت منها أن تصنع بها كما صنعت
بهيلونة، وحلبت البقرة بقسوة وعنف فجمّعت بعض الحليب، وشربته بلهفة لكنها أصبحت
أكثر سمرة وسواداً من قبل، فزاد غضبها وحقدها على هيلونة والبقرة معاً وصمّمت
على الانتقام والثأر منهما. ذهبت المرأة إلى طبيب القرية وأعطته مبلغاً كبيراً
من المال مقابل أن يقول إنها مريضة، وأن يصف لها لحم البقرة الشهباء كدواء لها
لا تشفى بغيره.
ورجعت إلى البيت ونامت في الفراش، ووضعت
تحتها رغيفا من الخبز المحمّص كلما تحرّكت يفرقع تحتها ويصدر صوتاً، فتصيح
وتتوجع من الألم من ظهرها وأضلاعها التي تتكسّر ، حزن زوجها وطار عقله، ونذر
النذور لشفائها وأحضر لها طبيب القرية في الحال
.
بعد أن فحصها الطبيب باهتمام شديد قال:
إن زوجتك لا يشفيها سوى أن تدهن جسمها ثلاث مرات من دم بقرة شهباء، وأن تأكل من
لحمها ثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع تشفى بإذن الله تعالى.
فرح الرجل وقال لأولاده: لا يوجد بقرة
شهباء سوى بقرتنا، سنذبحها لتشفي خالتكم من المرض.
عرف الأولاد بمكر خالتهم ورفضوا الموافقة
على ذبح البقرة، لكن أباهم صمّم على ذبحها، فذهبوا إلى البقرة وأخبراها بالقصة،
وأسرّت هيلونة في أذن البقرة وقالت لها: " يا بقرتنا اهربي ولا تنمسكي
".
فحاول الأب أن يمسك البقرة فلم يقدر،
فأمسك هيلونة وضربها، وطلب منها أن تطلب من البقرة أن تنمسك. فهمست هيلونة في
أذن البقرة وقالت لها: " يا بقرتنا انمسكي ولا تنذبحي
".
فأمسك الرجل بالبقرة لكنه لم يستطع أن
يذبحها، فأجبر ابنته أن يطلب منها أن تنذبح فقالت لها هيلونة: " يا بقرتنا
انذبحي ولا تنسلخي " فانذبحت ولم تنسلخ. ثم ضغط على ابنته فقالت لها: " انسلخي
ولا تتقطعي " فانسلخت ولم تتقطع. ثم قالت لها: " تقطّعي ولا تنطبخي ". فتقطعت
فوضعوها في الدست على النار، وبقيت طول النهار لا يستوي لحمها ولا ينضج،
فأجبرها أبوها فقالت لها: " يا بقرتنا استوي ولا تنأكلي ". وأخيراً دعت أن تؤكل
ولكن يصبح طعمها مراً بفم كل من يأكل منها ويصيبه الإسهال . فأكلت المرأة من
لحم البقرة فشعرت بمرارة شديدة وأصابها الإسهال الشديد
.
أما هيلونة فجمعت عظام البقرة، وصعدت إلى
الجبل القريب، ودفنتها هناك وجلست تبكي البقرة، ولما افتقدها أهلها بحثوا عنها
فلم يعثرو لها على أثر، فخافوا عليها. ولكن أخاها عرف مكانها فدلهم عليه،
فذهبوا وشاهدوها على قمة الجبل، وقفوا على سفح الجبل ونادى أبوها عليها وقال:
(
عيني هيلونة وروحي هيلونة، هلّي من عالي
جبال يا روح الغزال ) .
فردّت عليه وقالت: ( عيني أبويا وروحي
أبويا، الآن أبويا بدو اياني وعلّي فيني يا جبال وعلّي فيني يا جبال ) . فعلّت
الجبال بها كثيراً .
وفعلت هذا مع جميع أفراد أهلها فكانت
الجبال تعلّي أكثر وأكثر. أخيراً طلب الأب من أخيها خالد أن يناديها، فتقدم
خالد ونادى على أخته:
(
إختي هيلوني وعيوني هيلوني، وهلّي من عالي
جبال يا روح الغزال ).
فكرت هيلوني قليلاً ثم ردّت على أخيها
حزينة وقالت: ( أخي خالد، روحي خالد، أخويا بدو إياني، أوطي يا جبال، وانزلي يا
جبال ). فهبطت بها الجبال ونزلت وعادت مع أهلها إلى البيت
...
كانت خالتها مريضة بعد أن أكلت لحم
البقرة، ولم يتوقف معها الإسهال فأحضروا لها الطبيب، فلم يجد لها دواءً ولا
شفاءً حتى ماتت، وبعد موت الخالة كشف الطبيب قصة اتفاقه مع خالة الأولاد،
ليذبحا البقرة فغضب الرجل على زوجته، وحزن على فقدانه البقرة، وطلب السماح من
ابنيه وعاش بعد ذلك الجميع في هناء وسرور واتفاق رغم فقر الحال
.
الأمير والمهرة
الراوية : وردة الشيشكلي
كان في قديم الزمان ملك وعنده أمير صغير
جميل سبحان الخالق ما أجمله، وكان الولد مدللاً ومحبوباً عند الجميع شاءت
الأقدار أن ينتهي أجل الأم فمرضت وماتت وهو صغير، وبعد فترة من الزمن تزوج
الملك امرأة أخرى، فأصبح للولد الأمير خالة ( مرت أب ) تعيش معه في القصر، ولكن
هذه المرأة لم تتفق مع الولد ولم ينزل لها من زور، وصارت الخالة لا تطيق الولد
وتكره رؤيته وتعمل بكل الطرق لتؤذيه، وتوغل صدر والده عليه
.
كان للولد مهرة صغيرة يحبها ويعتني بها
ويدلّلها، والمهرة كانت تحبه كثيراً، كل صباح كان يمر على الزريبة، فيسلّم
عليها ويضع لها العلف الجيد، وأحسن الطعام والماء ثم يودعها ويذهب إلى المدرسة،
وعند الظهر يعود إلى البيت وقبل أن يدخل يتفقّدها ويؤمّن لها حاجاتها ثم يدخل.
في يوم من الأيام عاد الأمير فوجد مهرته
حزينة، سألها عن حالها، فأجابته: أنها رأت خالته تخون أباه مع العبد في القصر،
وهي الآن معه في غرفة النوم، فخرج الولد منزعجاً وشاهد العبد يخرج من غرفة
خالته، فلاحظ العبد أن الولد يشكّ بأمرهما فأخبر خالته فانزعجت المرأة كثيراً
وخافت أن يكشف سرها للملك وأخذت تحسب له ألف حساب. اتفقت مع العبد أن يتخلّصا
من الولد بأية طريقة، فقررت أن تضع له السمّ في الطعام.
في اليوم التالي دخل الولد إلى مهرته
ليتفقدها فوجدها مهمومة وحزينة فسألها عن سبب حالها، فأخبرته بأن خالته والعبد
وضعا له السم في الطعام، فطمأنها الولد ودخل إلى البيت، فاستقبلته خالته على
غير العادة بالتأهيل والترحيب، وقادته إلى المطبخ ووضعت له الطعام بنفسها ودعته
ليأكل، فقال لها: أنا مستعجل وعندي درس في المدرسة، فضعي لي الطعام في زوّادة،
وسآكل في المدرسة حتى لا أتأخر. ففعلت وخرج من البيت ورمى الطعام ثم عاد بعد
ساعة إلى البيت سليماً، استغربت خالته ذلك الأمر.
في اليوم التالي دخل الولد على المهرة،
فوجدها تبكي حزينةً، فسألها عن الأمر فقالت له: لقد وضعا لك إبر مسمومة في عتبة
البيت حتى تدعس عليها وتموت، فضحك وقال: هذه بسيطة.
ذهب إلى المدرسة مطمئناً، ولمّا عاد دخل
البيت وقفز فوق العتبة، فقالت له خالته: لماذا فعلت ذلك فقد تقع، وتنكسر رجلك
أو تنقرف رقبتك. فضحك منها وأجابها: اليوم علمنا أستاذ الرياضة القفز، وطلب منا
أن نتدرّب عليه في البيت. انزعجت الخالة من تصرفات الولد الذي خرّب وفشّل عليها
تدابيرها حتى الآن. اجتمعت المرأة مع العبد لتدارس الأمر، فسألها العبد عن
تصرفات الولد عند خروجه ودخوله من البيت، فأخبرته أنه يمر ليرى المهرة في كل
مرة عند دخوله وعند خروجه، فعرف العبد علاقة المهرة بالموضوع، وقال لها يجب أن
نتخلّص من المهرة حتى نستطيع أن نتخلّص من الولد، وطلب منها أن تتظاهر بالمرض
وتترك الباقي عليه ...
حضر الملك يوماً فوجدها مريضة تتوجع من
الألم، فحزن عليها، وأحضر لها أمهر الأطباء في المملكة فعجز الجميع عن علاجها،
فلبس العبد ثياب الأطباء وحمل حقيبة، وحضر إلى القصر ومر من أمامه وهو ينادي: "
أنا الطبيب أنا المداوي أنا أشفي كل الأمراض الغريبة
"
فسمع الملك وأمر بإحضاره، فدخل العبد على
أنه الطبيب المداوي وتعهد بشفاء الملكة، وبعد أن فحصها طويلاً، قال للملك: إن
مرض الملكة غريب لم أر مثله من قبل، وطلب من الملك أن يتركه لوحده في غرفة لمدة
ثلاث ساعات حتى يتوصل إلى طريقة ودواء لعلاج هذا المرض الغريب الذي أصاب
الملكة، فوضع الملك تحت تصرفه غرفة خاصة، فاختلى بها وعمل نفسه أنه يقرأ في
كتبه القديمة، وبعد ثلاثة ساعات خرج وهو منهك وقال للملك: يا مولاي تبين لي أن
الملكة ليست مريضة بل مسحورة من قبل ملك الجان الأزرق، والتعامل معه صعب جداً
ويحتاج إلى شروط وطلبات كثيرة، فطلب منه الملك أن يفك لها السحر مهما كلّف
الأمر، وسيعطيه كل ما يريد.
عاد العبد إلى الغرفة وبقي فيها ساعة من
الزمن ثم خرج، وقد تمزّقت ثيابه وانتفش شعره واصفرّ لونه، وقال: يا مولاي بعد
جهد كبير وعراك طويل توصلّت مع ملك الجان إلى طريقة لفك السحر، وهي أن تدهن جسد
الملكة بدم مهر صغير أشهب بين عينيه غرّة بيضاء وتأكل قلبه، وهذا يجب أن يتم في
أسرع وقت ممكن قبل أن يفوت الأوان.
عرف الملك أن المهر المطلوب هو مهرة
ولده، فحزن كثيراً وقرّر أن يكلم ولده بالأمر غداً
...
في الصباح دخل الولد إلى المهرة، فوجدها
تبكي بغزارة، فسألها عن السبب فأجابته: يا أمير الموضوع وصل إلى ذقني الآن
وسيطلبني الملك للذبح، فحزن الولد حزناً شديداً وسألها عن الحل. فأجابته
المهرة: عندما يطلبني أبوك منك غداً وافق وقل له: تكرم يا أبي المهر غال علي،
لكن من أجل خالتي أعطيك إيّاه حتى تذبحه، لكن عندي طلب منك قبل ذلك أرجو تحققه
لي، فالمهرة ربيتها وتعبت عليها كثيراً حتى كبرت ولم أركبها، فأريد منك أن تعمل
لي سباق وتجمع لي الفرسان حتى أتودّع منها، وبعدها تأخذها وتفعل بها ما تشاء،
وعندما يوافق أبوك ويحدّد الموعد تجهز ( زوّادتك ) وبعض المال واترك الباقي
عليّ ...
وافق الملك على طلب ابنه وفرح على رضاه
بذبح المهرة، وقرّر في اليوم التالي أن يقيم السباق ونادى بالفرسان
أن تجتمع في الميدان، ودخل الأمير إلى المهرة وأسرجها ووضع زوادته من الطعام
والمال في خرج على ظهرها، وركبها واصطف مع الفرسان.
بدأ السباق فانطلق الابن بفرسه وصاح على
والده: الوداع يا أبي دير بالك من خالتي فإنها كاذبة وشريرة، وفي لمح البصر
غابت المهرة والأمير عن أعين الناس، ولم يدر أحد أين اختفيا.
وجد الأمير نفسه في بلاد غريبة، فقالت له
المهرة الحمد لله على السلامة، الآن أصبحت بعيداً عن خالتك وبلاد أهلك ولن
يطالك هنا أحد، خذ المال والطعام وشعرة من ذيلي، واسرح في بلاد الله الواسعة
حتى يفرجها الله عليك، وإذا وقعت في مشكلة واحتجتني فاحرق الشعرة تجدني أمامك
في الحال، ثم ودعته وبكيا على الفراق واختفت المهرة في الفلاة.
سار الأمير أياماً حتى صادف راعٍ على
مشارف مدينة، فسلّم عليه وجلس معه وسايره، وعرف منه أخبار هذه البلاد، ثم أعطاه
ليرة ذهبية فذبح له الراعي إحدى الغنمات وشواها، وأكلا منها حتى شبعا ونام عنده
إلى الصباح، فأعطاه ليرة أخرى وبادل ثيابه مع ثياب الراعي العتيقة والوسخة،
ووضع قطعة من ( كرشة ) الغنمة على رأسه فظهر كالأقرع، وودّعه وسار حتى دخل إلى
المدينة وتجوّل فيها حتى تعب، فوصل إلى قرب قصر كبير تسكن فيه بنات الملك
الثلاث، وحوله بستان كبير وفيه بستاني عجوز يعتني بالأشجار والورود فيه، فأعجب
الأمير الشاب بهذا القصر وحديقته الغناء.
رأى البستاني الأمير يدور حول القصر
فسأله عن أخباره فأجابه أنه غريب، وفقير ويبحث عن عمل. فحن عليه البستاني
وأدخله إلى القصر ورحب به وعينه معاوناً له يساعده في عمل البستان، فرح الأمير
وعمل بجد ونشاط وفرح به البستاني وأحبه لأنه أراحه من عمله الشاق وأكرمه ووثق
به.
بعد أيام أراد البستاني العجوز أن ينزل
إلى المدينة للتبضع، فأوصى الأمير بالبستان وطلب منه أن يمنع دخول أحد إليه حتى
لا يخرّب فيه، فطمأنه الأمير .
ذهب العجوز وجلس الأمير تحت الشجرة
ليرتاح فتذكّر صديقته المهر، فأخرج الشعرة وحرقها فحضر أمامه في الحال. سلّم
عليه وعانقه وجلسا يتحادثان، كانت الأميرة الصغيرة ترى من شباك القصر ما يفعل
الأمير دون أن ينتبه إليها. فقام الأمير وركب مهرته ولبس لباس الفرسان، وأخذ
يجري يميناً وشمالاً ويخرّب في البستان، ويقطّع الأغصان حتى تعب فنزل عن فرسه،
وأخذ شعرة من ذيله وودعه ولبس ثيابه القديمة ونام تحت الشجرة.
حضر العجوز فرأى ما حل بالبستان من
الخراب، فطار عقله وأيقظ الأقرع من نومه وصرخ بوجهه وبهدله، وأراد أن يضربه لكن
الأميرة الصغيرة صاحت به، وأمرته أن يتركه فتعجّب من موقفها.
في اليوم التالي طلبت الأميرة من
البستاني أن يرسل لها الأقرع ليحمل الزبالة من القصر، فأرسله لها وأوصاه أن
يكون مؤدباً، فلمّا دخل الأمير طار عقله ممّا رأى في القصر من عجائب، وغرائب
الدنيا ولمح الأميرة الصغيرة، فرأى فتاة مثل القمر في الحسن والجمال، وعليها
حلّة رائعة زادتها رونقاً وسحراً.
استقبلته الأميرة و رحبت به وطلبت منه أن
يجلس قربها لتتحدّث معه، وهو مستغرب ومتعجب من موقفها منه، فاعتذر عن الجلوس
لأنه ليس مقامه، ضحكت الأميرة وأعطته كيس الزبالة وكيسا آخر فيه وزّة محشية
بالرز والصنوبر ليأكلها، فعاد بها إلى البستاني وحدثه بما جرى معه، فاستغرب
البستاني من هذا الكرم على غير العادة، وجلسا معاً يأكلان حتى شبعا وناما تلك
الليلة.
في الصباح جاء الخبر إلى الملك أن جيشاً
جرّاراً جاء يغزو مدينتهم، فجهّز الملك جيشه الصغير ليدافع عن المدينة داخل
الأسوار، أمّا الأمير الأقرع لمّا سمع بالخبر أحرق الشعرة، فحضر المهر أمامه
ولبس ثياب الفرسان، وهجم على الجيش وقتل الفرسان وأهلك الجنود وهرب الباقون
مدحورين. بينما الأميرة كانت تراقب ما يحدث من شرفة القصر، والملك وجنوده يرون
من فوق الأسوار ما يجري. تعجّب الملك من هذا الفارس الجبّار الذي جرح إصبعه
أثناء القتال، فرمى له منديله فلفّ به جرحه ثم اختفى الفارس عن الأنظار، وعاد
إلى البستان وعمل نفسه نائماً لا علم له بشيء
...
كان للأميرة الصغيرة شقيقتان عازبتان
ففكّرت الأميرة الصغيرة بطريقة تتزوج من الفارس المجهول بعد أن عرفته وأحبته
ولم تعد تصبر عنه، وأن تعمل على تزويج أخواتها أيضاً، فانتقت ثلاثة تفّاحات
واحدة دايبة كثيراً والثانية مستوية والثالثة فجّة، وأرسلتها في صينية إلى
الملك، استغرب الملك الأمر ولم يعرف معناه، فسأل وزيره الحكيم عن تفسيره ؟ فقال
الوزير: يا ملك الزمان أعطني الأمان, فأعطاه الأمان فقال: أنت عندك ثلاث بنات
الأولى كبرت وقطعت سن الزواج، والثانية لاحقتها، والثالثة أصبحت على أبواب
الزواج، ولا تريد أن يفوتها القطار، وهذه رسالة من الأميرة تقول فيها أنها ترغب
بالزواج، وأنه يجب تصرف أخواتها من طريقها.
فرح الملك بهذا الطلب وقرّر أن
يلبيه ويزوج بناته، فأحضر بناته الثلاث وشاورهم بالأمر، فاختارت الكبيرة ابن
الوزير والوسطى ابن قائد الجيش، أمّا الصغيرة فطلبت من والدها أن يقيم مهرجاناً
كبيراً يحضره جميع الشباب، ومن سيقع عليه الاختيار سترميه بتفّاحة ذهبية ويصبح
زوجها.
وافق الملك على طلبها وأمر بالاستعداد
والتجهيز للمهرجان، وفي اليوم الموعود مرّ جميع شباب المدينة، ولم يبق أحد سوى
الأقرع، فلم ترم أحداً بالتفاحة، فغضب الملك وسألها عن الأمر فقالت له: ما زال
هناك شاب لم يحضر، فطلب الملك من شرطته أن يفتشوا عنه، فلم يجدوا سوى الأقرع
نائماً تحت الشجرة فحملوه، وأحضروه إلى الملك؛ وعندما حضر رمته الأميرة
بالتفّاحة، فغضب الملك وحزن واستاء من اختيار ابنته، لكنه رضخ لشرطها الذي وافق
عليه، ووعدها بتنفيذه سابقاً، فأمر بزواجها من الأقرع، وقرّر طردهما من
المدينة، لكن الملك لم يتحمل الصدمة فمرض من الحزن ونام في سريره، وحضر أشهر
الأطباء لمعالجته دون جدوى.
أمّا حكيم الأطباء المشهور، فقد رأى أن
حالته لا يشفيها إلاّ أن يأكل من لحم الريم ويشرب من حليبه، فنادى الملك أن كل
من يحضر له المطلوب سيملّكه نصف المملكة ويعينه ولياً لعهده.
وكان هذا الريم غير موجود إلا في جبال
بعيدة وعالية لا يطالها أحد، فخرج أزواج بناته الثلاث وسافروا في طلب الريم،
أمّا الأقرع فإنه أحرق الشعرة خارج المدينة فحضرت المهرة أمامه، فركبها وبلمح
البصر كان فوق الجبال، فاصطاد ثلاثة من الريم وذبحها وسلخها، وجمع حليبها في
ثلاث زجاجات، وأخذ مرارة الريم، وفقأها على لحم اثنين منهما، وصب على حليبهما
منها وترك الثالثة نظيفة، ثم علّقهم على المهر وعاد مسرعاً.
في الطريق قابل عديليه نائمين من التعب
تحت الشجرة، فرأيا ما معه، فعرضا عليه أن يشترياها منه، لكنه رفض أخذ المال
وأعطى كل منهما ريماً، وزجاجة حليب هدية دون مقابل ففرح الشباب وجدوا مسرعين
عائدين إلى القصر.
عادوا إلى المدينة فحضرت ابنته الكبيرى
وزوجها إلى القصر، وقدّما للملك اللحم والحليب، فذاقه فإذا هو مر كالعلقم، فأمر
بسجنهما. وجاءت الثانية وزوجها فقدما اللحم والحليب للملك فوجده علقماً أيضاً،
فأمر بسجنهما. أما ابنته الصغيرة فجاءت وحدها وقدمت لأبيها اللحم والحليب،
فوجده طيباً لذيذاً فأكل من لحمه، وشرب من حليبه وشفي في الحال، لكنه قرّر أن
يقطع رأس أزواج بناته الثلاثة، فلما أحضروا الأصلع بين يديه رأى منديله ملفوفاً
على إصبعه التي جرحت في المعركة، فعرف أنه منديله الذي أعطاه للفارس المجهول
وقت الحرب، وأخبرته ابنته أنه هو من أحضر الريم إليه، ففرح وحضنه وعرف قصته
وأنه أمير وابن ملك، فأمر بإقامة الاحتفالات وجدّد الأعراس، والأفراح سبعة أيام
وسبع ليال لا أحد يأكل أو يشرب إلاّ من بيت الملك وعاشوا باللذة والنعيم وطيب
الله عيش السامعين...
الـزاغـة
الراوية : وردة الشيشكلي
كان يا مكان في قديم الزمان، رجل وامرأته
فقيري الحال يعيشان في كوخ صغير على أطراف الغابة ولم يرزقهما الله بخلفة رغم
السنين الطويلة. في يوم من الأيام توضأت المرأة في الليل وصلّت ركعتين لله
تعالى، ودعت المرأة ربّها أن تحبل وتلد ولو زاغة، وبأمر المقادير أجاب الله
دعاءها، فحملت وبعد تسعة أشهر ولدت فإذا بالمولود فرخ زاغة.
بعد مدة قصيرة مات زوجها فبقيت المرأة
وحيدة تربي الزاغة وتطعمها وترعاها، حتى كبرت وصارت تطير خارج البيت وتأكل من
الأرض مثل باقي الطيور.
في أحد الأيام طارت الزاغة بعيداً في
الغابة فرأت فيها بحيرة ماء صغيرة بين الأشجار ماؤها صافية كالزلال فنزلت على
الضفة وخلعت ثوبها الريش على إحدى الأشجار، وإذا بها صبية حلوة شقراء جسم مثل
البلور سبحان الذي خلقها، سبحت في البحيرة مدة من الزمن وهي مسرورة ثم خرجت
ولبست ثوبها ورجعت كما كانت، وطارت وعادت إلى الكوخ.
كان في المدينة ملك عنده ابن ربّته أمه
على الدلال والرفاه حتى صار شابا، فأرادت أن تزوجه فلم تعجبه بنات
المملكة كلها حتى احتارت أمه معه، خرج مرة للصيد في الغابة فوصل إلى البحيرة،
فرأى صبية مثل القمر تسبح في الماء، فجلس متخفياً بين الأشجار يراقبها وقد أخذ
جمالها عقله، وبعد قليل خرجت الصبية من الماء ولبست ثوب الريش، وتحولت إلى زاغة
وطارت في السماء ولم يعرف أين ذهبت. في اليوم التالي ذهب إلى البحيرة في الموعد
نفسه، فوجد الصبية تسبح كالعادة فراقبها حتى طارت وبقي على هذا الحال عدة أيام
يراقب الصبية ويتابعها حتى عرف بيتها.
رجع يوماً إلى أمه وقال لها: الآن أريد
أن أتزوج، ففرحت أمه وسألته عن عروسه فدلها على صبية في كوخ الزاغة وطلب أن
تخطبها له. حاولت الأم أن تغير رأيه وعرضت عليه أن تخطب له بنت الوزير أو بنت
القاضي، و يترك بنت الكوخ الفقيرة دون فائدة، أصرّ الأمير على موقفه وقال: إذا
لم تزوجيني هذه البنت ( حطيلي التابوت وخليني موت ). فاضطرت أمه أن ترضخ
لرغبته، فذهبت إلى الكوخ، فوجدت فيه عجوز فقيرة, سألتها عن ابنتها، فقالت لها:
يا ملكة الزمان ليس عندي بنات في البيت إلا هذه الزاغة.
عادت أمه وأخبرته بالقصة، فقال لها: هذا
ما أريده أن تخطبي لي الزاغة. صرخت الأم وولولت وقالت له: كيف تتزوج الزاغة
وأنت ابن الملك ماذا يقول عنا الناس هذا مستحيل. فدخل غرفته وأغلق عليه ووضع
الحزن في الجرن، وامتنع عن الطعام والشراب، والنوم حتى صار كالعود ومرض مرضاً
شديداً أعجز الأطباء عن شفائه، حنّت عليه أمه ورقّ قلبها، وقالت لنفسها: أمري
إلى الله سأخطب له الزاغة .
ذهبت إلى العجوز وطلبت الزاغة لابنها،
فتعجّبت العجوز منها وأعطتها الزاغة، وقبضت ثمنها كيساً من الذهب، فحملتها
الملكة معها ورجعت إلى القصر، لما رآها ابن الملك ردّت إليه الروح، وقام مثل
الحصان ولم يعد فيه شيء. فقالت له أمه: خذ زاغتك وتزوجها وانبسط معها.
في المساء خلعت الزاغة ثوب الريش فبانت
صبية حلوة ليس لها مثيل في البلاد، ونامت تلك الليلة مع ابن الملك، وفرح بها
كثيرا وكانت ليلة من العمر.
في الصباح نهضت الزاغة قبل أن يستيقظ
الجميع، ولبست ثوب الريش ورجعت زاغة ووقفت تتفلّى على الشباك. دخلت أمه في
الصباحية وجدته مسروراً ومبسوطا، بينما كانت الزاغة على الشباك فقالت له:
صباحية مباركة سلامة عقلك يا ابني. وتركته حزينة ومضت
.
بعد عدّة أيام دخلت أمه فوجدتهما كما
هما، فقالت له: يا ابني بهدلتنا بين الناس كيف تعيش أنت والزاغة ؟. غداً الوزير
عامل حفلة كبيرة بمناسبة زواج ابنه، وقد دعانا لنحضر الحفلة، كيف ستذهب أنت
والزاغة إلى الحفلة ؟ فضحك منها وقال: بسيطة يا أمي اتركي الموضوع علي وغداً
ترين خيراً إن شاء الله .
يوم الحفلة خلعت الزاغة ثوب الريش، ولبست
أحلى الثياب فصارت أميرة من الأميرات، فذهبت مع ابن الملك إلى الحفلة فرآها
الناس، وطار عقلهم فيها فرقصت، وانبهر الناس بجمالها ورقصها. انتهت الحفلة
وعادت إلى البيت ولبست ثوب الريش ورجعت زاغة كما كانت.
دخلت أمه في الصباح قالت له: كانت معك
صبية أحلى من كل صبايا الدنيا ما مثل الزاغة، ما رأيك أن أخطبها لك وأزوجك
إياها ؟ فضحك وقال: كما تريدين يا أمي غداً نرى إن شاء الله تعالى.
تعجبت أمه واستغربت تصرفاته وأخذت تراقبه
في الليل، فاكتشفت أمر الزاغة ورأتها عندما خلعت ثوبها وخبأته في الصندوق وبدت
صبية رائعة الجمال، هي ذات الصبية التي رأتها في الحفلة، فعرفت سرّ الزاغة
وغافلتها وأخذت ثوبها الريش وأحرقته.
في الصباح لم تجد الزاغة ثوبها، فبكت
وناحت كثيراً عليه، دخلت الملكة وقالت لها: يكفي بكاءً ودموعاً لن تحتاجي ثوب
الريش بعد اليوم أنت زوجة ابن الملك، وأحلى الأميرات ذهبت أيام الزاغة ولن
ترجع، وحاولت معها حتى رضيت، وصنعت لابنها عرساً جديداً وأقامت الأفراح
والليالي الملاح، ودعت جميع نساء البلد إلى العرس ليشاهدوا عروس ابن الملك،
وعاشوا باللذة والنعيم وطيب الله عيش السامعين.
الصياد والسلحفاة
الراوية : كرجية رسلان
كان يا ما كان في قديم الزمان صيّاد فقير
الحال يعيش مع عائلته في بيت قديم خرب، كان يخرج إلى البحر للصيد فيرمي شبكته
يصيد يوم وعشرة لا يصيد فلا يجدون ما يأكلونه.
خرج
يوماً إلى البحر وسمى بالله ورمى شبكته وسحبها فوجدها فارغة ثم رماها عدّة
مرّات، وفي كل مرّة تخرج فارغة، كاد أن ييئس من تأمين رزقه وطعام أولاده هذا
اليوم, ورمى الشبكة للمرة الأخيرة فخرجت فيها سلحفاة كبيرة، غضب كثيراً وقال:
عجيبة رزقتي اليوم سلحفاة ماذا سأفعل بها ؟
أراد الصيّاد أن يتخلّص منها ويرميها في
البحر لكنه توقف فجأة، وفكّر أن يأخذها إلى البيت ليلعب فيها الأولاد فتنسيهم
جوعهم وألم بطنهم، ففرح الأولاد كثيراً عندما رأوا السلحفاة، وأمضوا اليوم
يلعبون ويمرحون ويتسلون بالسلحفاة، بينما كانت المرأة تبكي وتندب حظّها التعس
مع زوجها. فقال لها الصياد: هذا رزقنا اليوم فاصبري ياإمرأة حتى الله يفرجها
علينا.
نام الأولاد جائعين بعد أن تعبوا من
اللعب مع السلحفاة، فحملت المرأة السلحفاة ووضعتها تحت ( القفّاعة ) ونامت
حزينة، وبعد منتصف الليل خرج من تحت ( القفّاعة) صبية حلوة أجمل من حورية
البحر، تسلّلت تحت جنح الظلام إلى شاطئ البحر ونادت أختها، فخرجت لها صبية أجمل
منها فسلّمت عليها، وحكت لها قصتها مع الصيّاد الفقير وعائلته التي نامت جائعة
وقد حن قلبها عليهم، وطلبت منها أن تحضر لها كمية من اللحم والبرغل والطحين
والسمن، فأحضرتهم لها وحملتهم وعادت إلى البيت فطبخت أطيب الطعام، وعجنت وخبزت
طوال الليل ثم وضعتهم تحت القفّاعة وعادت إلى قوقعتها.
في الصباح نهضت زوجة الصياد ورفعت
القفّاعة لتخرج السلحفاة للأولاد، فرأت ما أدهشها من الطعام الشهي والخبز
اللذيذ، فأخبرت زوجها وأحضرت الأولاد وأكلوا حتى امتلأت بطونهم، ثم أمضوا اليوم
يلعبون بالسلحفاة فرحين مسرورين حتى المساء.
أما الصياد فقد حمد الله على هذه النعمة
وعرف أن الله لن يتركه على هذا الحال، وبقي في البيت ليرتاح ولم يخرج إلى الصيد
ذلك اليوم، مضت عدّة أيام على هذا الحال يجدون الطعام جاهزاً تحت القفّاعة،
فيأكلون منه دون أن يعرفوا من أين يأتي الطعام ومن يصنعه لهم.
يوماً جلس الصياد وامرأته يفكّران في سر
الأمر، وقرّر الرجل أن يسهر طول الليل ليكتشف السر، في الوقت المحدّد كالعادة
خرجت الفتاة الحورية من تحت ( القفّاعة ) بثوبها الجميل، وقامتها الممشوقة
متسلّلة نحو البحر، فتبعها الصياد متخفياً فرآها تقابل أختها وتحمل الأغراض
وتعود نحو البيت، فتركها حتى انتهت من الطبخ والخبز فتسلّل نحو القفّاعة، وأخذ
بيت السلحفاة ورماه في التنّور أمام عيني الفتاة، فحزنت عليه وبكت كثيراً ويئست
من عودتها إلى وطنها في أعماق البحر، ثم عقد عليها الصيّاد وتزوجها.
في الصباح رآها الجيران فأعجبوا بحسنها
وجمالها، وشاع صيتها في البلد حتى وصل خبرها إلى أسماع الملك، فأراد أن يراها
فأقام حفلة كبيرة دعا إليها أهل البلد من الرجال والنساء.
في الحفلة رقصت الحورية رقصة أطارت فيها
عقول الحاضرين، فأحبها الملك وأراد الحصول عليها، فاخبر وزيره برغبته فيها وطلب
منه أن يدبر له مكيدة للحصول على هذه الحورية، أشار عليه الوزير أن يستدعي
الصيّاد ويطلب منه طلباً صعباً فإذا عجز عنه يضرب عنقه، فسأله عن هذا الطلب ؟
فأجابه الوزير: اطلب منه أن يحضر لك عنقوداً من العنب يأكل منه هو وحاشيته ولا
ينقص منه شيئاً.
نفّذ الملك ما أشار عليه الوزير واستدعى
الصيّاد وطلب منه العنقود، وأمهله ثلاثة أيّام لإحضاره وإلاّ سيضرب عنقه.
بكي الصياد على حاله وعاد إلى البيت
حزيناً مهموماً وقال لزوجتيه: مدوا لي الفراش لأودع وأموت. فسألوه عن مشكلته
فلم يرد, فألحوا عليه كثيراً حتى أخبرهم بما يريد منه الملك، وأنه سيقتله بعد
ثلاثة أيّام إن لم يحضر المطلوب. ضحكت الحورية وطيبت خاطره وقالت له: أنا أعرف
ما يريد الملك وسأرد له كيده في نحره بعون الله، سأحضر لك العنقود الذي طلبه
قبل اليوم الثالث فكن مطمئناً.
لم يقتنع الصيّاد بكلامها ونام مهموماً
تلك الليلة حتى صباح اليوم الثالث، أمرت الحورية الصياد أن يذهب إلى شاطئ البحر
وينادي أختها، ويسلّم عليها ويطلب منها عنقود عنب من دالية دارهم القديمة.
فعل الصياد كما أمرته الحورية فأحضرت له
الأخت عنقوداً من العنب غريباً لم ير مثله في حياته. عاد إلى البيت وفي
الطريق اشتهى أن يأكل من العنقود فصار يأكل منه طول الطريق، وكل حبة يأكلها
تظهر حبة بدلاً منها فتعجب وأيقن بالفرج.
في البيت أكل منه الأولاد حتى شبعوا، ثم
حمله في اليوم الموعد إلى الملك، فاستهزأ منه وظن أنه سيحصل على غايته، فأكل
منه وشاركه الوزير ومستشاره وحاشيته، فلم يذوقوا عنباً ألذ وأطيب منه، ثم أكل
الحراس والجنود وأهل البلد، ولم ينقص العنقود حبة واحدة.
احتار الملك والوزير من هذا الأمر
العجيب، واجتمعا ليفكرا في طريقة ثانية للتخلص من الصياد، فأشار عليه الوزير أن
يطلب من الصياد مولوداً ابن يوم يحكي له حكاية طويلة كلها كذب من أولها إلى
آخرها.
عاد
الصيّاد ثانية إلى البيت مهموماً أكثر، وحكى لزوجته الطلب المستحيل الذي طلبه
للملك، فقالت له الحورية: بسيطة اذهب إلى البحر واطلب من أختي أن تحضر لك ابن
أختها الصغيرة الذي ولد اليوم، وقل لها أن خالته تريد أن تراه.
فعل الصياد ما طلبت منه زوجته وأحضرت
أختها طفلاً صغيراً في لفته، حمله وعاد إلى البيت. في الطريق قال له الطفل:
مرحباً يا زوج خالتي، هذا الملك سيء ووزيره أخبث منه لن يخصمها معك برائحة طيبة
ولن يشبع طلبات، ويريدون أن يقضوا عليك حتى يتزوج الملك خالتي، سأريحك منه بإذن
الله. مرْ الآن إلى السوق، واشتري لي خنجراً مسموماً وضعه تحت الّلفة واترك
الباقي عليّ ..
فعل الصياد وعادا إلى البيت وأمضى الطفل
الليل يسامرهم ويحكي لهم الحكايات حتى ناموا جميعاً.
في الصباح حمله الصياد إلى مجلس الملك،
فسلّم الطفل عليهم فاستغربوا ذلك، وجلس الصيّاد بين الملك والوزير، وقال للطفل:
الآن احك لنا حكاية طويلة كلها كذب من أولها إلى آخرها.
تنحنح الولد ثم قال: صلوا على النبي
العدنان، من زمان وأنا شاب, كنت أفلح الأرض على ثور صغير وبقيت ثلاثة أيام دون
طعام ولا شراب، وقبل آخر خط فلاحة وجدت جوزة عفنة، فطمرتها بالخط وبلت عليها
وإذ بالجوزة نبتت من تحت الأرض، وطالت وصارت تكبر وتكبر حتى غطّت الأرض، وصار
فيها جوز ما بيعرف عدده إلاّ الله، فأمسكت حجراً صغيراً ورميته على الشجرة،
فسقط منها جوز قدر بيدر الحنطة، ولم يكن عندي إلا كيساً واحداً فملأته، وحملته
على الثور فسقط الثور من ثقل وزن الحمل ولم يقدر أن يستمر به، وكان عندي ديكاً
قدر الكبش فحمّلت الكيس عليه، وضربته بالمسّاس فطار بالكيس إلى البيت، وجمعت
الجيران حتى أنزلوه معي فإذا بظهر الديك مجروحاً، فعصرت بعض الجوز ودهنته به،
ووضعت عليه ورقة الجوز ولففته على الجرح، فإذا بورقة الجوز تنبت وتكبر أمام
عيني حتى صارت شجرة، فخفت على الديك وسحبت خنجراً مثل هذا، وأخذت أقطع الأغصان
وأضربها ( هيك .... وهيك... )
في هذه اللحظة أخرج الطفل الخنجر من
اللفة، وضرب به رأس الملك فأطاره ثم رأس الوزير فقطعه.
والتفت إلى الصياد وقال: والآن يا زوج
خالتي اجلس على عرش الملك، فأنت أصبحت ملك هذه البلاد بدلاً من الملك الخبيث،
فصار الصياد ملكاً والحورية ملكة، وحكما بالعدل والحق ومساعدة الناس
والمحتاجين، وعاشوا جميعاً بالعز والنعيم وطيب الله عيش السامعين
لحـكمة يريدها الله
الراوي : خضير القاسم
كان في قديم الزمان ملك وعنده مستشار
حكيم يشاوره في كل الأمور، ويستفهمه عن كل ما يحدث معه، وكان في كل مرة يسأله
عن مسألة غريبة وصعبة يرد عليه المستشار بقوله: " هذه لحكمة يريدها الله
" .
في أحد الأيام كان الملك يمشي في بستانه
يشمّ الهواء، ويتمتع بالمناظر الجميلة ويروّح عن نفسه دخل أحد الأغصان اليابسة
في عينه فانقلعت، تألّم الملك وحزن كثيراً ثم طلب المستشار وسأله عن سبب حدوث
ذلك معه، فأجابه الحكيم: حدث هذا لحكمة يريدها الله.
غضب الملك من ردّه وأمر وزيره أن يأخذه
ويقتله ويريحه منه ومن حكمته، فأخذه الوزير ولكن حنّ قلبه عليه وخبأه في بيته،
وقال للملك بأنه قتله.
بعد مدّة من الزمن كان الملك يتنزّه على
الشاطئ ويفكر في أحوال الدنيا، فجاء قوم متوحشون فنزلوا على الشاطئ، وكانوا
يفتشون عن شخص يقدمونه قرباناً لآلهتهم، فوجدوا الملك وحيداً على الشاطئ فقبضوا
عليه وقادوه إلى جزيرتهم، وهناك عرضوه على الكاهن، فلمّا رآه غضب منهم وعنّفهم
ورفض أن يقدّم قرباناً للآلهة رجلاً أعور العين فأمرهم أن يعيدوه، ويأتوه بشخص
سليم يصلح قرباناً.
عاد الملك إلى بلاده ونجا من الموت وعرف
وتيقّن أن الحكيم كان على حق، وأن قلع عينه كانت لحكمة يريدها الله ولولا قلع
عينه لما نجى من الموت، فتأسف على قتل الحكيم وندم على فعلته،وتمنى لو أن
الحكيم حياً، عندما سمع الوزير رأيه أخبره بما حصل وأنه لم يقتله وأحضره بين
يدي الملك، فرح الملك كثيراً ورحب بالحكيم وأجلسه بجانبه، وعاد ينتفع من حكمته.
سـر المـرأة
الراوي: خضير القاسم
كان في سالف العصر والأوان، رجل وزوجته
يعيشان معاً في سرور وهناء وصدق وصراحة مبسوطين في حياتهما. في أحد الأيام زاره
صديقه فجلسا يشربان الشاي ويتحدّثان ويتسامران، ومن خلال الحديث نصحه الصديق
ألاّ يعطي سرّه لزوجته فالزوجة لا تؤمن على السر، ولو خبأته فترة من الزمن
فإنها عند الحاجة تستخدمه ضد زوجها وقد تورده الهلاك، فأنكر الزوج كلام صديقه
وقال له: إن زوجته مختلفة عن باقي النساء وأنها تحفظ السر ولا تخونه مهما حدث
بينهما.
بدأ الصديقان يتجادلان دون نتيجة،
فتراهنا على هذا وطلب الصديق من الرجل أن يمتحن زوجته ويضعها تحت الاختبار،
فيقول لها سراً خطيراً وينتظر عدة أيام ثم يختلق معها شجاراً قوياً، ويطردها من
البيت ويرى ما يحدث بعد ذلك.
وافق الرجل على هذا الكلام ليثبت لصديقه
صحة كلامه وظنه في زوجته، واثقاً أنه سيكسب الرهان وافترقا على هذا الاتفاق.
في اليوم التالي طلب الرجل من زوجته أن
تذهب لزيارة أهلها، وتمضي اليوم وتعود في المساء فذهبت، ثم قام إلى الحديقة
وحفر فيها حفرة كبيرة، ووضع فيها كيساً من الأحجار ودفنه ثم ردم الحفرة
بالتراب، وأبقى آثار الحفرة ظاهرة على سطح الأرض لتبدو كأنها حفرة جديدة
.
عندما عادت زوجته إلى البيت مرت من
الحديقة رأت آثار الحفرة، فسألت زوجها بلهفة عن حكاية الحفرة ؟ فردّ عليها بغضب
متصنّعٍ: لا شيء. لكن الزوجة أخذت تلحّ على زوجها وتلاحقه بالأسئلة حتى أظهر
أنه خضع لإصرارها حتى كشف لها السر فقال: إنه سر خطير يجب أن تكتميه عن كل
الناس، وإلاّ فسيكون فيه خراب بيتي وقطع رقبتي
.
فأكدّت له الزوجة أن سرّه في بئر عميق
وأن ما يمسّه يمسّها، ولن تبوح به لأحد ولو على قطع رقبتها. ففرح زوجها وباح
لها بالسر وقال: إنه في غيابها نزل رجل متسللاً إلى البيت ليسرقه، فحاول منعه
والقبض عليه فتعارك معه وضربه بعصا فمات، فحفر له حفرة في الحديقة ودفنه فيها
ليخفي معالم الجريمة ولا يعرف بها أحد، والآن لا يعلم بهذا السر غيري وغيرك
فإياّك أن يفلت لسانك بكلمة أمام أحد فتكشفين الجريمة.
مضت عدّة أيّام بعد الحادث، ثم اختلق
الزوج شجاراً مع زوجته فضربها ضرباً موجعاً فغضبت منه، وعيّرته وهدّدته بفضح
سره بقتل الرجل ودفنه في الحديقة، فزاد الرجل من ضربها حتى صبغ جلدها ثم تركها
وخرج من البيت مظهراً غضبه منها.
لم تتأخر المرأة كثيراً بعد خروج زوجها
وذهبت في الحال، فأخبرت الشرطة بفعلة زوجها وأحضرتهم إلى البيت وأرتهم مكان دفن
الرجل المقتول، فنبشوا الحفرة فلم يجدوا فيها سوى كيساً من الأحجار، أثناء ذلك
حضر الزوج إلى البيت، فرأى ما فعلته زوجته وكيف نبشت الشرطة الحفرة وأخرجت كيس
الأحجار، فضحك حتى انقلب على قفاه.
استغربوا هذا الأمر منه ولما سألوه عن
حقيقة الأمر روى للشرطة الحقيقة، وكيف اختلف مع صديقه في الأمر وتراهن معه،
وأنه اصطنع الموضوع كله ليختبر زوجته، فانكشفت وبانت على حقيقتها وأنها مثل
باقي النساء والمشكلة أن صديقه كسب الرهان، فتركتهم الشرطة بعد أن عرفت
الحقيقة، ودعا الرجل صديقه على الغداء، وبقي الرجل وزوجته يعيشان حياتهما
كالسابق، لكنه لم يعد يأمن امرأته على سرٍّ قط بعد ذلك الحادث
.
الصـديق الـوفي
الراوي: خضير القاسم
كان رجل غني يملك أموالاً وأراضٍ وبيوتاً
وغيرها، وليس عنده سوى شاب مدلل، وقد تسلّطت عليه شلة من الشباب ترافقه
وتستغلّه، وتستفيد من أمواله في الطعام والشراب والرحلات والسهرات، وكان أبوه
يحذره من شلة أصدقائه تلك ، ويطلب منه أن يتركهم لأنهم يرافقونه بسبب غناه وليس
لشخصه، لينتفعوا بأمواله وما يصرفه عليهم، لكن الولد لم يقتنع برأي والده،
فأراد الأب أن يثبت له صحة رأيه ويكشف له حقيقة رفاقه.
طلب الأب من ابنه أن يمتحن أصدقاءه ليعرف
حقيقتهم، فأتى بخروف وذبحه وسلخه ولطخ قميصه بدمه، وطلب من ابنه أن يذهب
بالقميص إلى كل واحد من أصدقائه، ويقول لهم: إنه قد نزل على بيتهم لصاً وتعارك
معه واضطر لقتله، ويطلب منهم أن يحضروا ليساعدوه في دفنه والتخلّص من جثته.
فعل الشاب كما أوصاه والده وذهب إلى
صديقه الأول وحكى له قصته، وطلب مساعدته فاعتذر صديقه بشدة بسبب مشاغله الكثيرة
فانكشف الأول، وذهب إلى صديقه الثاني وطلب مساعدته فرد عليه بأن هذه جريمة قتل،
ويجب أن يسلّم نفسه للشرطة ويأخذ جزاءه فانكشف الثاني، فتركه وذهب إلى صديقه
الثالث وطلب مساعدته فرد عليه بخشونة، وطرده وهدّده بإخبار الشرطة عنه فانكشف
الثالث.
عاد الشاب حزيناً وأخبر والده بما حصل،
فضحك الأب وقال له: لقد رأيت بنفسك حقيقة رفاقك وكشفت أمرهم، والآن سأثبت لك
حقيقة الصديق الوفي، فالصديق عند الضيق، خذ هذا القميص واذهب إلى القرية
المجاورة، واسأل عن أبي محمود وسلّم عليه، وأخبره الحكاية ذاتها وقل له: إن أبي
قتل اللص ويريد أن يتخلص منه، وانتظر ما سيفعل
.
ذهب الشاب وفتش عن بيت أبي محمود حتى
استدل عليه فطرق الباب فخرج إليه الرجل ورحب به، وقال له: إن أبي يسلّم عليك
ويقول لك إن لصاً نزل على بيتنا يريد السرقة فتعارك مع أبي وقتله، ويريد منك أن
تساعده في التخلّص منه، فرد عليه الرجل: ابشر يا بني اسبقني وسألحق بك.
عاد الشاب وأخبر والده وبعد قليل وصل أبو
محمود مسرعاً يحمل على كتفه فأساً، وحبلاً وكيساً وقد لبس ثياب العمل فدخل
البيت ملهوفاً يسأل عن حقيقة الأمر وأين جثة الحرامي...
استقبله
الوالد بالأحضان ورحب به، وقال لولده: هذا رفيق العمر وقد رأيت بنفسك ما يفعل
الصديق الحقيقي، شكر الرجل صديقه على تلبية الدعوة، وجلسا معاً وحكى له القصة،
فضحك أبو محمود وجلسوا يأكلون الخروف، ويتسامرون ويستعيدون ذكريات الشباب،
والولد يتعجب ويتأسف على الوقت الذي أضاعه من عمره، ولم يجد رفيقاً له مثل صديق
والده أبي محمود .
الوصـية
الراوي
: خضير القاسم
كان رجل وله ثلاثة أولاد وزوجته متوفاة،
وكان يملك دوراً وأراضٍ وأملاكاً, فتنازل عن أملاكه لأولاده قبل موته، ولم يترك
لنفسه سوى الدار القديمة المهدمة التي لا تساوي شيئاً، كان الأولاد في البداية
يرعون والدهم المسن المريض ويؤمنون له طلباته وحاجاته ولا يتركونه لحظة واحدة.
بعد سنوات تزوج الأول وأخذ زوجته وغادر
البيت ولم يعد يزور والده إلاّ في المناسبات القليلة، وبعد فترة تزوج الثاني
وسكن مع زوجته في دار مستقلة، ولم يعد يزور والده سوى كل عدة شهور مرة.
بعد
فترة من الزمن تزوج الثالث واستقل في بيته الجديد مع زوجته ولم يعد يزور والده
أيضاً.
بدأ
الرجل المسن يشعر بالوحدة والحزن ومرارة إهمال أولاده له، وأحسّ بالندم وأنه
ارتكب خطأً كبيراً عندما تنازل عن أملاكه لأولاده ليتمتعوا بها فنسوه وأهملوه.
فأصبحت الأيام تمر عليه صعبة قاسية لا يزوره أحد ولا يهتم به، ولم يعد يجد لقمة
طعام يأكلها .
في أحد الأيام تذكره أحد أصدقاءه
القدامى، فزاره في بيته القديم فوجده في حالة يرثى لها، أثار شفقته وحزنه عليه
بعد العز الذي كان يعيشه فأحضر له بعض الطعام أكله وحمد الله، وبدأ يشكو لصديقه
إهمال أولاده له، وانقطاعهم عن زيارته وانشغالهم بزوجاتهم وأولادهم وبكى
بكاءً مراً .
فكّر الصديق قليلا ثم أشار على الرجل
بأمر لعلّه يصلح أحواله، ويعيد إليه اهتمام أولاده وزوجاتهم به، فأعجبته الفكرة
وقام بتنفيذها، وبعد عدة أيام مرت زوجة ابنه الكبير إلى بيت عمها، وعندما دخلت
رأته يخبئ صندوقاً خشبياً عتيقاً كان بين يديه عند دخولها، فأثار انتباهها
فسألت عمها عن الصندوق، فتهرّب من الجواب وأصرت عليه، فتظاهر بأنه خضع لإلحاحها
وطلبها فقال لها: هذا الصندوق يضم الأموال والجواهر التي بقيت عندي، ولا أعرف
ماذا أفعل بها وأنا أتفقدها كل يوم وقد خصّصتها للولد الذي يهتم بي ولزوجته
التي ترعاني، ولم أكن أحب أن أخبرك أنت أو أخبر أحداً بهذا السر، وأترك الأمور
لطبيعتها إلى أن أكتشف من هو الأفضل من أولادي، والأكثر رعاية لي لأعطيه
الصندوق، والآن بعد أن عرفت السر فأرجو ألا تقولي لأحد، واتركي الأمر سراً بيني
وبينك.
فرحت زوجة الابن الكبير وطار عقلها لأن
عمها خصّها بهذا السر، وصمّمت على أن تحصل على الصندوق دون الآخرين، فقامت
ونظفت البيت وغسلت له ثيابه، وأحضرت له الطعام فأكل وشرب وحمد الله. ولما عادت
إلى بيت زوجها أخبرته بالموضوع، فشجّعها على عملها وحثّها على المتابعة حتى
يوصي لهما بالمال.
وفي اليوم التالي حضرت كنته الثانية،
وعمل معها ما فعل بالكنّة الأولى، وفعلت هي كما فعلت الأولى. وعادت إلى زوجها
فأخبرته بالموضوع ففرح، وحثّها على متابعة رعايتها لوالده وأن تترك الأمر سراً
حتى يحصلا على المال.
وفي اليوم التالي جاءت الكنّة الثالثة،
وحصل معها ما حصل مع الأخريات، وأخبرت زوجها فشجّعها على الاهتمام بوالده
للحصول على المال، و كل منهم يوصي زوجته ألا تخبر أخوته الباقين.
هكذا عاد الأولاد وزوجاتهم يهتمون بالرجل
المسن، ويرعونه أشد الرعاية، ويجلبون له أحسن الملابس وأطيب الطعام، ويتنافسون
على خدمته ورعايته، وعاش آخر سنوات حياته في أحسن حال ونجحت نصيحة صديقه في
إعادة أولاده وزوجاتهم إليه طمعاً بالمال.
عندما توفي الرجل ودفن الأولاد والدهم في
قبره، عادوا مسرعين مع زوجاتهم كل منهم يريد أن يستولي على صندوق المال. في
البيت بدأوا يتجادلون ويتعاركون على الصندوق وكل منهم يقول إنه من حقه.
حضر صديق والدهم وأراد فض النزاع بينهم
وأقنعهم أن يتركوا له فتح الصندوق، وتوزيع ما فيه عليهم بالتساوي أو كما أوصى
والدهم، فوافق الجميع وأحضر الصديق الصندوق وجمعهم حوله وفتحه أمامهم، فوجدوا
فيه ثلاثة قضبان مكتوب عليها ( حمار كل من يوزع أملاكه على أولاده في حياته،
وقد تركت لكل زوجة من زوجات أولادي قضيباً تأخذه وتضرب به زوجها لأنه يستحق
العقوبة على عقوقه لوالده ).
الكسـل نهايته وخيمة
الراوي: أمين صطوف
كان ياما كان في قديم الزمان كان رجل
يملك مزرعة على أطراف الضيعة، وكان يربي فيها ديكاً ودجاجة وبطةً وخروفاً
وعجلاً. لكن الرجل كان مهملاً وكسولاً وجباناً، وكان سور المزرعة يخرب شيئاً
فشيئاً دون أن يصلحه، حتى جاء في إحدى الليالي ضبع كاسر فوجد فتحة في السور،
فدخلها وخرّب في المزرعة وحاول أن يدخل إلى زريبة الحيوانات، وتحطيم الباب
ليفترس الحيوانات، ولكن الليل مضى وقارب أن يطلع النهار فتركها وعاد إلى الغابة
.
في الصباح شاهد الرجل ما فعله الضبع في
المزرعة فاستاء كثيراً، وحكت له الحيوانات عن محاولات الضبع لاقتحام باب
الزريبة، وطلبوا منه أن يقوي الباب ويصلح السور حتى لا يتمكّن الضبع من الدخول
إلى المزرعة وفتح الباب، فقال إن شاء الله ولم يفعل شيئاً
.
في اليوم التالي جاء الضبع أيضاً، ووجد
فتحة السور كما كانت فدخل منها وخلع الباب المكسور، وانقض على الدجاجة وافترسها
وعاد إلى الغابة. بكت باقي الحيوانات على الدجاجة، وطلبت من صاحبها أن يصلح
الباب، ويدعمه حتى يحميهم من الضبع المتوحش، فوعدهم خيراً لكنه لم يفعل شيئاً،
في الليلة الثالثة جاء الضبع، ودخل بسهولة وأكل الديك فحزنت عليه باقي
الحيوانات، وطلبت مرة ثالثة من صاحبها أن يصلح السور والباب فوعدهم أيضاً.
وفي الليلة الرابعة أكل الضبع البطة، وفي
الخامسة أكل الخروف، وفي كل مرة يعد الرجل حيواناته بإصلاح الباب وسور المزرعة
ولكنه لم يفعل شيئاً. في المرة الأخيرة قال له العجل في اليوم التالي: يا صاحبي
لم يبق من حيواناتك غيري، وعندما يفرغ مني الضبع لن يبق أمامه سواك فخذ حذرك من
الآن، وإلا سينتهي أمرك مثلنا بسبب كسلك وإهمالك
.
خاف الرجل على نفسه ولكنه بدلاً من أن
يصلح الباب وسور المزرعة قصد أحد الصيّادين الأقوياء، وحدّثه عن قصته وطلب منه
أن يصيد له الضبع، وأعطاه مبلغاً من المال. فوعده الصياد خيراً وعاد الرجل إلى
مزرعته مرتاح البال، وانتظر تلك الليلة فلم يأت الصياد.
وفي صباح اليوم التالي دخل الزريبة فلم
يجد العجل في الزريبة فخاف كثيراً على نفسه، وقصد الصيّاد وسأله عن سبب تأخره
عنه فاعتذر بمشاغله الطارئة، ووعده أن يذهب هذه الليلة لاصطياد الضبع.
عاد الرجل وانتظر الصياد إلى المساء،
فجاء الضبع فلم يجد أمامه سوى صاحب المزرعة فأكله ومضى في حال سبيله وعندما جاء
الصياد وجد المزرعة خاوية والريح تصفر فيها وتلعب بسورها وأبوابها.
طاعـة الأم
الراوي: أمين صطوف
كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان،
امرأة وبنتها الشابة الكسولة تعيش في كوخ صغير وسط الغابة، وبينما كانتا
جالستين في المساء هبّت ريح باردة قوية، ففتحت الباب على مصراعيه فقالت الأم
لابنتها: قومي أغلقي الباب يا بنيتي فأنا مقعدة ولا أستطيع أن أقوم، وقد حلّ
المساء وأخشى أن يدخل علينا أحد، ونحن وحيدتان فلا نستطيع أن ندافع عن أنفسنا.
لم تسمع البنت كلام أمها وبقيت جالسة
ومتكاسلة تتسلّى بتمشيط شعرها، وبقي الباب مفتوحاً يصفق مع الهواء، وصادف مرور
أحد العفاريت يتجول على حماره في ذلك الوقت من الليل، فشاهد الباب مفتوحاً
والنور مضاءً، فنزل عن حماره وربطه في الباب ودخل، فرأى الأم جالسة مريضة
والبنت مضطجعة تمشط شعرها، ولا تكاد تستطيع أن ترفع رأسها، فتعجّب من أمرهما
وكيف تركتا الباب مفتوحاً عليهما في هذا الليل. خافت المرأة وابنتها كثيراً
وقالت الأم: من ساعة وأنا أقول لك أن تغلقي الباب وهذه النتيجة.
جلس العفريت متربعاً على الفراش وصرخ
بالفتاة أن تقوم وتضع له الطعام، فقامت بسرعة وقد ارتعدت فرائصها من الخوف،
وأحضرت له كل ما عندهما من الطعام فأكل حتى شبع، ثم طلب منها أن تصنع له كاساً
كبيرةً من الشاي، فأحضرته بسرعة دون تردد أو تلكؤ، وبعد ذلك طلب من الفتاة أن
ترقص ومن الأم أن تغنّي، وتدق لها بالصينية ففعلتا مرغمتين، وبقيتا على هذه
الحال حتى نعس العفريت ونام .
جلست الأم وابنتها تفكران في طريقة
للخلاص من مصيبة هذا العفريت الثقيل الدم، فطلبت الأم من ابنتها أن تحضر
الساطور من المطبخ فأحضرته، وأمسكت به الاثنتان وضربتا رقبة العفريت بكل
عزمهما، فقطعتا رأسه وتدحرج على الأرض، فصاح العفريت من حلاوة الروح: تنّي يا
امرأة حتى أموت، فأرادت الفتاة أن تضربه مرّة ثانية لكن أمها حذّرتها لأنه يعيش
بالضربة الثانية، وأمرت ابنتها أن تضع الرأس في السلة، وتعلّقه في السقف ولفّتا
الجثة الضخمة ببساط قديم.
بعد فترة من الزمن وبينما هما كذلك طُرق
الباب فخرجت الفتاة، ونظرت من ثقب الباب فرأت زوجة العفريت واقفة أمام الباب،
فخافت وعادت إلى أمها وأخبرتها بالأمر. فكرت الأم قليلاً ثم طلبت من بنتها أن
تفتح للغولة، وأن تلتزم الصمت ولا تنطق بكلمة واحدة أمامها.
دخلت الغولة وسألتهما عن زوجها العفريت،
فقالت لها المرأة: إن الغول كان عندهما وضافهما، وبعد أن أكل وارتاح، ذهب في
عمل له إلى السوق، ولكنه ترك رأسه عندهما، وأوصاهما إذا تأخر وجاءت زوجته تسأل
عنه أن تأخذ الرأس معها، وتعلّقه في البيت ريثما يحضر، وطلبت المرأة من ابنتها
أن تحضر السلّة، وأعطته للغولة فحملته وعادت إلى البيت، وجلست تنتظر رجوعه وهي
متعجّبة من تصرفات زوجها.
أما الأم فانتظرت ساعة، ثم وضعت جثة
الغول الملفوفة بالبساط على حمار الغول، ووضعت كلبهما الأسود الجارح في الخرج،
وضربت الحمار قضيبين وقالت له: عد بصاحبك إلى البيت.
مضى الحمار مسرعاً حتى وصل إلى البيت،
فاستقبلته زوجة العفريت وأنزلته عن ظهر الحمار، ورأت الخرج مملوءاً فقالت
تحدّثه: ماذا جلبت لي معك يا مضروب، وأدخلت الخرج إلى البيت وفتحته، فهجم عليها
الكلب ونتّفها بأنيابه الحادة، ولم يترك فيها لحم على عظم.
عاد الكلب إلى البيت فلما شاهدته المرأة
اطمأنت وفرحت بما فعل الكلب، وأمرت ابنتها أن تغلق الباب، ونبّهتها ألاّ تتكاسل
مرة أخرى، وتتهاون في إغلاق الباب حتى لا يدخل عليهما أحد، فيحدث لهما مكروه هم
في غنى عنه.
النصـيحة بجمـل
الراوي : خضير القاسم
كان رجل فقير الحال، ضاقت به الدنيا فرحل
يفتش عن عمل يسترزق منه، فلم يجد عملاً سوى عند بدوي كبير في السن، واتفق
معه أن يشتغل عنده لمدة ثلاث سنوات بطعامه وشرابه، وثلاثة جمال.
في نهاية الأعوام الثلاثة أخذ الرجل
جماله الثلاثة، وودعه ورحل عائداً إلى أهله فرحاً بمكسبه.
في الطريق صادفه شيخ مسن تبدو عليه
الحكمة والوقار، فسأله عن قصته ووجهته، فحكى له قصته من أولها إلى آخرها. فكّر
الشيخ قليلاً ثم قال له: ما رأيك أن تبيعني جمالك الثلاثة مقابل ثلاث نصائح
تنفعك في حياتك؟ فكّر الرجل قليلاً ثم وافقه وقال: هات نصائحك وخذ الجمال.
قال الحكيم: النصيحة الأولى " إياك أن
تنام بين اثنين " .
فضحك الرجل وأعطاه الجمل الأول، وقال
خسرنا الجمل الأول هات الثانية لنرى.
قال الحكيم: " إياك أن تنام في مكان
منخفض أو في بطن الوادي ".
فضحك الرجل أكثر وقال خسرنا الجمل
الثاني، ثم فكر قليلاً وحدث نفسه قائلاً: لعل الثالثة يكون فيها الخير، وطلب
النصيحة الأخيرة منه.
فقال الحكيم: " نم زعلانأ ولا تنم
ندماناً ".
لما سمع الرجل النصيحة هزّ رأسه أسفاً
وقال في نفسه " أكلناها بعبنا وخسرنا تعبنا " ثم أعطاه الجمل الثالث، ومضى في
طريقه لا يرى دربه.
بعد مسافة طويلة جلس ليرتاح ويتناول بعض
الطعام، فمرّ عليه رجلان يركبان على جمل، فسلّما عليه ونزلا عنده، فدعاهما إلى
مشاركته الطعام، فلبا الدعوة شاكرين كرمه، ولما انتهوا من طعامهم جلسوا
يتحدّثون إلى المساء، فأرادوا النوم ففرش الرجل على الأرض، ونام الرجلان على
جانبيه وهو في الوسط. في الليل تذكر الرجل النصيحة الأولى التي تقول: " أن لا
ينام بين اثنين " فنهض بهدوء وترك عباءته مكانها، وجلس بعيداً عنهما يراقبهما
طوال الليل .
بعد منتصف الليل استيقظ الرجلان، واستل
كل منهما خنجره وضرب به الآخر ظناً منه أنه الرجل الغريب فقتلا بعضهما، فدهش
الرجل مما جرى، وقال: والله هذه النصيحة تساوي مائة جمل لقد أنقذت حياتي، ثم
جمع أغراضه وركب جمل اللصين، وتابع طريقه إلى أن وصل إلى وادٍ كبيرٍ، وقد عسكرت
فيه إحدى القوافل للراحة والنوم فانضم إليهم وسهر معهم حتى منتصف الليل فنام
الجميع، وقبل أن ينام تذكّر نصيحة الحكيم الثانية التي تقول: " بأن لا ينام في
بطن الوادي " فقام وجمع أغراضه، وصعد إلى أعلى التلة ونام فيها.
في الصباح استيقظ فشاهد عجباً، لقد مرّ
سيلٌ كبيرٌ في الوادي فأغرق من فيه، وجرف كل من أتى في طريقه، ونجا الرجل بفضل
نصيحة الحكيم، فقال والله هذه أيضاً تستحق مائة جمل، وبينما كان الرجل يفتش في
الوادي وجد جملاً واقفاً على طرف الوادي، وعلى ظهره خرج من المال، فجرّ الجمل
وراءه وتابع سفره إلى أن وصل بيته ليلاً، فدخل على زوجته النائمة فرأى شاباً
جملاً نائما في غرفتها، فغضب وثارت حميته وامتشق سكيناً وأراد ذبحه، فتذكر
نصيحة الحكيم الثالثة التي تقول: " أن ينام زعلاناً ولا ينام ندماناً " فتركه
ونام .
في الصباح استيقظت زوجته ورحبت به، وحمدت
الله على سلامته، وعرفته بالشاب الذي كان ينام عندها بأنه شقيقها الذي لم تره
منذ أن تزوجت، وكان صغيراً وقد جاء ليتفقد أخته في غيابه، ولما علم بسفره بقي
عندها يرعاها ويقضي لها حوائجها.
فقال في نفسه والله إن الثالثة تستحق
أيضاً مئة جمل، وجلس مع زوجته وأخيها، وقص عليهما حكايته منذ سفره وحتى عودته،
فتعجب الجميع مما جرى معه وعاشوا في فرح وسرور ونعيم
.
عــزرو وعصابة الحـرامية
الراوي : عبد الرحيم العمر
كان في قديم الزمان رجل فقير بسيط اسمه
عزرو، يعيش مع زوجته وأولاده الصغار، وكان عزرو جباناً يخاف من العتمة، ولا
يتجرأ أن يخرج في الليل وحده ليبول فيوقظ زوجته لترافقه. ملّت المرأة من حال
زوجها فشكته في أحد الأيام إلى جارتها، فأشارت عليها أنه عندما يخرج ليبول في
المرة القادمة أن تتركه في الخارج، وتغلق الباب حتى الصباح، فيتعود على الشجاعة
والجرأة في الظلام.
نفّذت الزوجة تعليمات جارتها، وعندما خرج ليبول في الليل
تركته في الخارج، وأغلقت الباب وراءه. عندما أصبح عزرو وحيداً في الظلام خاف
كثيراً وأخذ يصرخ، ويرجوها أن تفتح له الباب، فلم ترد عليه ولمّا يئس جلس أمام
الباب وهو يرتجف من الخوف، وبعد منتصف الليل بينما كان جالساً ( متكوكعاً )
أمام البيت من البرد والخوف شاهد زوال أشخاص يتحرّكون حوله فصرخ فيهم : من ؟.
فأجابه أحدهم نحن عصابة ( الزعران ). وأنت من تكون ؟
أجابهم دون أن يفكر: أنا ( زعيم الزعران
) .
قال له اللص: ما دليلك على أنك زعيم الزعران ؟
أجابهم: أنا إذا عصرت الحجر أحولها إلى
ماء .
فقالوا له: فرجينا حتى نصدّق كلامك ؟
وكان جالساً قرب ( قن ) الدجاج، فمدّ يده
في الظلام إلى القن وأخرج بيضة، وعصرها أمامهم في الظلام، فسالت البيضة من بين
أصابعه، فصدقوه وأعجبوا بقوته وخافوا منه.
سألهم إلى أين طريقكم اليوم ؟ قالوا:
هدفنا اليوم شيخ الضيعة لنسرق غنمه.
أعطوه فرساً فركب وذهب في مقدمتهم، ولما
وصلوا إلى بيت الشيخ طلبوا منه أن يدخل أولاً باعتباره زعيمهم، فحاول الاعتذار
والتملّص، فأصرّوا عليه فرضخ لطلبهم ودخل إلى الزريبة، فرأى فيها غنماً كثيراً،
فصاح فيهم: أتريدون غنماً بقرون أم بدون قرون ؟. فطلبوا منه أن يخفض صوته حتى
لا يوقظ صاحب البيت، وأن يأتي بأي نوع من الغنم. فصاح بصوت أعلى من الأول هل
تريدون غنماً أزرق أو أبلق ؟. فقالوا: راح تفضحنا وطّي صوتك وناولنا الغنم
الموجود. فأمسك بعصا وصار يضربها على عامود الخشب، ويصرخ بأعلى صوته متألماً:
دخيلك أنا لا علاقة لي بالموضوع، الحرامية خارجاً هم اللذين أتوا بي معهم، فلما
سمع الزعران هذا الكلام اعتقدوا أنهم انكشفوا، فركبوا خيولهم وهربوا وتركوا
عزرو وحيداً.
لما ابتعدوا أخرج عزرو الأغنام، وقادها
أمامه إلى البيت. في الطريق شاهده الزعران فاجتمعوا عليه يهنئونه بالسلامة،
وسألوه عما حصل معه ؟ فقال: اجتمع علي عشرة أشخاص، فقتلتهم جميعا وسقت الغنم
وحدي. فرح الزعران وطلبوا منه حصّتهم، فردّ عليهم لقد تركتموني وحدي فلا
تستحقون شيئاً، ألحوا عليه ورجوه، فأعطاهم غنمة يذبحونها ليتعشّوا بها بينما
يوصل الغنم إلى بيته ويرجع إليهم.
وصل عزرو إلى البيت ودقّ الباب ففتحت
زوجته، ورأت الغنم الكثير مع زوجها ففرحت به، وأدخلتهم إلى الزريبة. قال عزرو
لزوجته اذبحي غنمة واطبخيها وكلي أنت والأولاد، بينما أذهب مشواراً مهماً ولا
تفتحي الباب لأحد حتى أقول لك أنا عزرو.
عاد عزرو إلى الزعران ولما وصل إلى قربهم
أخذ يصيح دخيلك يا شيخ أنا ما إلي علاقة، الحرامية قاعدون وراء التلة يأكلوا
الغنمة المشوية، سمع الزعران الصراخ فخافوا وتركوا الأكل وهربوا. ضحك
عزرو منهم وجمع اللحم المشوي، وحمله وعاد إلى البيت، فطرق الباب، سألت زوجته من
الطارق ؟ فأجابها أنا زوجك افتحي بسرعة. فسألته: ما اسمك ؟ فردّ عليها
غاضباً: افتحي بسرعة قبل أن تبرد اللحمة ويلحق بي الحرامية.
أعادت علية سؤاله عن اسمه، فتذكّر وصيته
لزوجته ألاّ تفتح الباب حتى يقول لها اسمه لكنه نسي اسمه، فحاول معها كثيراً أن
تفتح له الباب دون جدوى، فجلس أمام الباب يفكّر حتى خطر له أن يذهب إلى بيت
أخته لعلهم يذكّرونه باسمه. طرق الباب ففتح له ابن أخته الصغير فصاحت أمه من يا
بني ؟ فقال الولد: هذا خالي عزرو. فرح عزرو لما سمع اسمه، وعاد فوراً إلى بيته،
لكنه لما وصل البيت نسي اسمه ثانية. فرجع إلى بيت اخته، وطرق الباب ففتح له
الصغير ولما رآه قال: أهلاً بخالي لماذا لم تدخل منذ قليل ؟ فسأله عزرو:
مين أنا ؟ فرد الصبي: أنت خالي. فسأله ثانية: خالك مين ؟. فقال
الصبي: سلامة عقلك يا خالي، أنت خالي، أخو أمي. وبقي يجادل الصغير كثيراً دون
فائدة، ولم ينطق الصغير اسم خاله. فعاد إلى بيته حزينا، ونام على عتبة باب بيته.
في الصباح فتحت زوجته الباب فرأته على
هذه الحال فصاحت: سلامة عقلك يا عزرو، لم أنت نائم على الباب ؟ فصرخ عزرو الحمد
لله تذكرت اسمي، ودخل إلى بيته وصار يرعى الغنم بالليل والنهار، ولم يعد يخاف
من الظلام، وفرحت زوجته بذلك وعاشوا بالفرح والنعيم وطيّب الله عيش السامعين.
الفـرّان والقاضـي
الراوي : عبد الرحيم العمر
كان
في قديم الزمان رجل فقير وزوجته، والرجل ليس له عمل يرتزق منه، مرة قالت المرأة
لزوجها الفقير بعد أن عجز عن تأمين الطعام والشراب لأولاده: اذهب إلى القاضي
واشرح له حالك، واطلب منه أن يؤمن لك عملاً أو يقرضك 500 ليرة لتتاجر فيها.
وبعد إلحاح ذهب الرجل، وانتظر القاضي أمام باب بيته حتى خرج هجم عليه، وقبل
يديه وشرح له فقره وحاجته، فأجابه القاضي بعد أن حنّ قلبه عليه: والله لا أملك
مالاً الآن، ولكن من أجل العمل عندي فرن قديم وعاطل يمكنك أن تصلحه، وتخبز فيه
صفيحةً وأقراصاً ولا أريد منك أجراً سوى أن تأت لي ببعض الطعام مما تصنعه
للزبائن.
فرح الرجل ووافق في الحال، وفتح الفرن
ونظّفه وأصلحه، وجلب الحطب وأشعله، وصار يخبز ويطبخ للناس ما لذّ وطاب، ويأخذ
على كل وجبة ليرة مع بعض الطعام يحمله إلى بيته وأولاده، فيأكلون ويشبعون
ويحمدون الله تعالى.
مضى على هذا الحال أكثر من شهر، والفران
يعيش في أحسن حال ونسي أمر القاضي. لكن القاضي تذكّر فجأة قصة الرجل الفقير
والفرن، وقال في نفسه: لم أر الرجل منذ أن أخذ مفاتيح الفرن، ولم أر منه شيئاً.
فقام وذهب إلى الفرن فرأى الرجل يعمل فيه بجد ونشاط، وعنده زحمة عمل وناس
كثيرون، فغضب من الفران وعاتبه على تصرفه، ونكرانه الجميل والمعروف. اعتذر إليه
الفرّان وتعلّل بالنسيان وكثرة العمل، ووعده خيراً منذ الآن، وشمّ القاضي رائحة
لذيذة تثير الشهيّة، فسأل الفرّان عنها ؟ فأجابه أنه يشوي ثلاث بطّات للأمير،
فطلب منه أن يقدّم له واحدة ليذوقها، فأخرج الفران بطّة ووضعها أمام القاضي،
فأكلها بنهم شديد وقضى عليها. أثناء ذلك حضر أولاد الفرّان، وسال لعابهم على
رائحة الطعام، فقال له القاضي: حرام عليك قدّم واحدة للأولاد أيضاً، ليأكلونها
ولا تبقى حسرة في نفوسهم، فقدم الثانية للأولاد، فهجموا عليها وأكلوها في الحال
مسرورين، ولم يتركوا منها سوى العظام. ثم قال القاضي: حرام أن تطبخ الطعام ولا
تذوقه, أخرج البطة الثالثة وكل منها، فجلس عليها الفرّان والأولاد والقاضي
وقضوا عليها، ومصمصوا عظامها. لمّا انتهوا وشبعوا, قال الفرّان: والآن يا حضرة
القاضي ماذا سأفعل عندما يحضر عبد الأمير ويطلب البطّات.
أجابه القاضي: بسيطة قل له: وضعت البطّات
في الفرن فلمّا أحسّوا بحرارة النار طاروا، واترك الباقي علي. وهذا ما صار
عندما أتى العبد وسأل عن البطّات قال الفرّان: إن قلت لك الحقيقة لا تصدقني.
فاستغرب العبد وتعوّذ من الشيطان، وسأله عن حقيقة الأمر ؟. أجاب الفرّان: سبحان
الخالق القادر على كل شيء، لقد وضعت البطّات في الفرن، فلمّا أحسوا بالحرارة
صفقوا بأجنحتهم، وطاروا بالسماء.
غضب العبد كثيراً وقال له: أنت تضحك علي
وتظنني مجنوناً لأصدقك، ثم رفع عصاه وهجم عليه، فهرب الفرّان راكضاً في الشارع،
وصار العبد يصيح: أمسكوا الحرامي. فقابله في الطريق حطاباً يحمل الحطب على
حماره أراد أن يمسكه، فدخل الفرّان تحت الحمار واختبأ تحته، ولمّا أراد الخروج
شدّ ذيل الحمار، فانقطع وخرج الذيل بيده. غضب الحطّاب منه ولحق به مع العبد،
فقابله في الطريق رجل يجرّ جحشاً عليه زوجته الحامل، فاعترض طريقه وأراد
إمساكه، فقفز من فوق الجحش فجفل، وأوقع المرأة فأسقطت جنينها. فغضب الزوج، ولحق
بالفرّان مع الآخرين.
دخل الفران إلى الجامع فدخلوا وراءه فصعد
إلى المئذنة, فلحقوا به فلمّا وصل آخرها، والجميع وراءه قال: هي ميتة واحدة،
والطلب علي أصبح كبيراً فرمى نفسه من فوق المئذنة، فسقط على شلّة من العميان,
فمات تحته أحدهم وهرب الفران، فقاموا ولحقوا به مع الآخرين يطالبون بدم زميلهم.
بقي الفران يركض حتى تعب، فرأى مخفر
الشرطة أمامه، فدخل وسلّم نفسه ودخل الجميع خلفه، فوضعهم رئيس المخفر في السجن،
ثم حوّلهم إلى المحكمة ليحكم بينهم القاضي.
جاء القاضي إلى المحكمة وفكر قليلاً ثم
قال منزعجاً: لا تتركون القاضي يرتاح أبداً الآن وقت راحتي، وقد انتهى وقت
المحكمة ابقوا إلى الصباح، وإذا كنتم مستعجلين يدفع كل واحد منكم مائة ليرة
فأحكم بينكم. وافق الجميع على الدفع فعقد القاضي المحكمة.
سأل القاضي رئيس المخفر: من المدعى عليه
؟ فأدخل الفرّان إليه، فعرف صاحبه، فغمزه وطمأنه وأجلسه أمامه، وأمر أن يدخل
المدعي الأول، فدخل العبد ودفع مئة ليرة، وحكى له القصة من أولها. فسأل الفرّان
عن الموضوع، فأقرّ الفرّان بذنبه، فسأل القاضي العبد: أنت مسلم ؟ فأجابه: نعم.
فسأله: أتؤمن بالله أنه قادر على كل شيء؟. فقال: نعم. فسأله: أليس الله يحيي
العظام وهي رميم؟. قال: صدقت. فقال له: أليس الله قادر على أن يحيي البطّات،
وهي موتى في الفرن؟ ويجعلها تطير. فسكت العبد قليلاً ثم قال: لكن يا سيدي ...
فقاطعه القاضي، وصرخ فيه: إمّا أنك تؤمن بهذا، وإما أنت كافر وسأقيم عليك
حدّ الكفر؟ ما رأيك ؟ فأجابه العبد فزعاً: لا... لا يا سيدي أنا مؤمن. فقال
القاضي: انتهينا من قضيتك الله معك.
طلب القاضي المدّعي الثاني، فدخل الحطاب
بعد أن دفع مئة ليرة، وحكى قضيته للقاضي، فسأل الفرّان، فأقرّ بذنبه. فقال
القاضي: حكمت عليك المحكمة أن تأخذ الحمار وتربيه وتطعمه عندك حتى ينبت ذيله من
جديد، فتعيده لصاحبه، فصاح الحطاب: لكن يا سيدي هذا سيأخذ وقتاً وسنيناً طويلة،
وأنا بحاجة إلى الحمار لشغلي ورزقي وإطعام أولادي، فأجابه القاضي: أنت حر إما
أن تسلّم الحمار للفران فيعيده إليك مع ذيله، وإما أن تتنازل عن حقّك، فقال
الحطاب وهو حزين: نعم أتنازل عن حقي، وأترك الحمار معي وأمري إلى الله، وخرج
مستاءً من المحكمة.
ثم طلب القاضي المدّعي الثالث، فدخل زوج
المرأة ودفع مئة ليرة، وقصّ قضيته على القاضي، وأقرّ الفرّان بذنبه، فقال
القاضي: حكمت عليك المحكمة أيها الفران أن تأخذ المرأة لعندك، وتتكفّل بنومها
وطعامها حتى تحمل من جديد، وتعيدها إلى زوجها حاملاً كما كانت، فصرخ الزوج:
ولكن يا سيدي كيف أترك زوجتي عنده هذا حرام ولا يجوز أبداً ؟. فردّ القاضي هكذا
حكمت المحكمة, فإمّا أن ترضى بالحكم، وإمّا أن تتنازل عن حقك ؟ فتنازل الرجل عن
حقه وخرج، وهو غضبان يتذمّر من حكم القاضي.
نادى القاضي على المدعي الرابع، فدخل
العميان ودفعوا مئة ليرة، وقصّوا قضيتهم على القاضي، وأقرّ الفرّان بذنبه. فقال
القاضي: حكمت المحكمة على الفران أن يجلس تحت المئذنة، ويطلع أحد العميان على
المئذنة، ويرمي نفسه عليه حتى يموت، ويأخذوا حقهم منه، وطلب من أحدهم أن ينفّذ
الحكم، فرفض الجميع وهربوا من المحكمة
...
بقي الفرّان والقاضي فقال القاضي: ارتحت
الآن ؟ خذ هذه مئتي ليرة، وارجع إلى الفرن تابع عملك، لكن لا تنسى أن تبعث لي
من الأكلات التي تطبخها للناس، فشكره الفرّان وقبل يديه وخرج مسروراً
.
عـشــــــــــتك
الراوي : كرجية رسلان
كان يا مكان في قديم الزمان نحكي وإلا
ننام وإلا نصلي على النبي العدنان ، كان رجل اسمه عشتك عنده بنت صبية مدلّلة
ماتت أمها عندما كانت صغيرة، فزوّجها لرجل صالح في ضيعة بعيدة تقع على
سفح الجبل قمّته عالية، يفصل بينه وبينها غابة كبيرة يحتاج الوصول إليها مسيرة
يوم ونصف.
بعد فترة من الزمن، تذكّر الرجل ابنته
واشتاق إليها، فعزم على زيارتها وفكّر بهدية يحملها معه، قال في نفسه: عيب أن
أذهب ويدي فاضية، فدخل إلى بيت المونة، وأزال الأغراض عن الصندوق الخشبي العتيق
الذي لم يلمسه منذ أن ماتت زوجته، وعندما فتحه فاحت منه رائحة العفونة، فتّش
بين أغراض زوجته المرحومة فوجد قطعة قماش، وحذاءً مستعملاً ، وضعهما في كيس
ونام مرتاح البال.
فكًر بابنته فرآها في المنام تجلس في
حديقة، وحولها أشجار وثمار سلّم عليها وسألها عن حالها، وأخبرها بأنه سيزورها،
ومعه قطعة قماش وحذاء. لم يبد عليها السرور لهذا الخبر إنما قطبت جبينها، وظهرت
كأنها في صحراء قاحلة أرادت أن تقول له شيئاً لكن الديك عاجله بالصياح، فنهض من
فراشه مقبوض النفس، وأسرع في الرحيل وهو يحدث نفسه عن سبب تغيّر ابنته عندما
سمعت أنه سيزورها.
حمل
أغراضه وسار في الظلام على درب الغابة الطويل، وعند منتصف النهار، وصل خربة
متهدّمة فجلس قرب جدار مهدوم يتناول طعامه فرأى "حردوناً " يقفز حافياً على
الأحجار والأشواك يهزّ رأسه، فوجّع قلبه فقال: لا بد أن الحردون يتألّم وهو
حافٍ، فسأله هل تريد الحذاء ؟ فهزّ الحردون رأسه بالموافقة، فرماه له وقال:
ابنتي عندها حذاء غيره، وهي أكيد تحب أن تساعدك..؟؟
فهزّ الحردون رأسه شاكراً فتركه ومضى،
وبعد ساعات من السير، وعلى أطراف الغابة رأى شجرة توت عارية الأوراق، والريح
تلعب بأغصانها، فحزن عليها وقال: لا بد أن ابنتي عندها ثوب غيره، والشجرة تموت
من البرد بدون غطاء هذا حرام، فلفّها بقطعة القماش ومضى حتى وصل إلى بيت ابنته
بعد المغيب فرحّبت به وقبلته، وسألته عن أحواله وأخباره، فحدثها بقصته من أولها
إلى آخرها، والحذاء والحردون وقطعة القماش، والشجرة حتى وصل إليها.
حزنت ابنته ونظرت إليه ثم قطبت حاجبيها
كما حصل في المنام، وهمست لنفسها: يعوض الله مالنا في الطيب نصيب. وفرشت
لوالدها في بيت المونة لينام، ولمّا أصبح وحيداً نظر حوله فوجد الغرفة مليئة
بأكياس ومواعين فيها برغل وعدس وزبيب، ورز وكشك ودبس وسمن وعسل ... الخ.
فقال في نفسه: ابنتي مسكينة تتعب كثيراً
عند الطبخ، فأتى ببرميل كبير وأفرغ محتويات الأكياس والأواني فيه، وخلط بعضها
ببعض، ثم نام مرتاح البال.
في الصباح دخلت الفتاة فرأت ما حلّ
بالمونة فطار صوابها، وكظمت غيظها حتى لا تزعجه، وعند المساء وضعت والدها في
قنّ الدجاج لينام فيه. لمّا سكن الليل ونام الجميع صارت الدجاجات تقرق وتتفلّى
وتحك جلدها، فقال في نفسه: مسكينة ابنتي، من كثرة أشغالها ليس لديها وقت لتنظف
الدجاجات وتعتني بهم، فقام من فوره وجاء ببرميل ماء، وضعه على الموقد حتى غلي
الماء، وأخذ يمسك الدجاجة يطمسها لحظات ثم يخرجها، فيعصرها ويضعها على الرف حتى
انتهى منها، فشعر بالارتياح وقال: الآن أصبحت الدجاجات نظيفة، فهدأت ونامت
نوماً عميقاً.
في الصباح دخلت ابنته لتجمع البيض، فوجدت
أمامها مفاجأة كبيرة، فالدجاجات ميتة جميعها. ناحت وبكت كثيراً، وقالت لوالدها:
لم يعد أمامك غيري وزوجي ؟ هيا اجمع أغراضك لأعيدك إلى بيتك وأغناني الله عن
زيارتك.
عادت معه في طريق الغابة إلى أن وصلت
شجرة التوت، فرأت لفّة القماش ترفرف مع الريح، فضحكت وهزّت رأسها عجباً،
وجمعتها وقالت: أكلت همّ الشجرة أكثر مني؟ خليها تموت من البرد. ثم تابعا
طريقهما إلى أن وصلا إلى الخربة، فوجدت الحذاء في مكانه حيث تركه أبوها
والحردون يلعب حوله. فقالت للحردون : أنت بحاجة إلى الحذاء ؟ فهزّ رأسه موافقا.
فأخذته وقالت: طول عمرك حفيان عمرك ما تلبس، وتركت أباها يتابع طريقه، وعادت
إلى بيتها وزوجها وعاشا في ثبات ونبات .. وتوتي .. توتي من عبي لعبكم مفلوتي....
أحـمق الناس
الراوي
: عبد الرحيم العمر
كان أيام زمان في ضيعة بسمان رجل يعيش مع
زوجته وثلاث بنات كسولات وبليدات. في يوم من الأيام بينما كان الرجل جالساً بين
أفراد أسرته شعر بالعطش فقال لابنته الكبيرة: قومي ياابنتي انشلي لنا ماءً من
الجب لنشرب هيا، فأبوك ميت من العطش.
قامت البنت متكاسلة, تتثاءب إلى الجب,
أدلت الدلو فيه ببطء ثم وقفت تتأمل، وتنظر بعمق إلى الماء فأدهشها أن الجب عميق
وماءه كثير، وأحسّت بالخوف وأخذت تحسب الحسابات وتضرب الأخماس للأسداس، فقالت
تحدّث نفسها: بعد عدةّ سنوات سأتزوّج وسأرزق بولد، وسيأتي لزيارة بيت جدّه
ويلعب قرب الجب فيقع فيه ويموت، فحزنت وأخذت تبكي وتنوح وتولول وتندب حظّها
...
تأخرت البنت فأرسل الرجل أختها الوسطى
لترى ما حدث لها، فوجدت أختها على هذه الحالة، فاستغربت وسألتها عن حكايتها،
فشرحت لها الموضوع من أوله إلى آخره، فجلست بجانبها وصارت تبكي وتنوح معها. بعد
قليل أرسل الرجل البنت الصغيرة لتتفقّد أخواتها، فسمعت قصتهما وجلست تبكي
معهما. غضب الرجل من تقاعس البنات في جلب الماء، فطلب من زوجته أن تذهب وتستطلع
حقيقة الأمر، فذهبت ولم تعد أيضاً.
نهض الرجل وقد شغله الأمر وذهب إلى الجب،
فوجد الجميع يبكون ويندبون، فتشاءم وتعوّذ من الشيطان الرجيم، وسألهم عن
حكايتهم فأخبروه قصة أختهم الكبيرة، وكيف سيغرق ابنها في الجب. فطار صوابه وكاد
أن يفقد عقله، وقال في نفسه: يظهر أن الله ابتلاني بعائلة كلها مجانين وحمقى،
وحلف يميناً معظماً أن يهجرهم ويسافر في بلاد الله الواسعة، ولن يعود حتى يجد
أغبى وأحمق منهم.
سار في طريقه أياماً وليال دون هدف أو
غاية، حتى وصل إلى قرية على سفح الجبل, فصادف امرأة تخبز على التنور, طلب منها
رغيفاً وبعض الماء، فأعطته ما يريد وسألته المرأة إلى أين طريقك ؟ فقال لها
بقهر: إلى جهنم الحمرا. فطار عقل المرأة من الفرح وقالت له: الله بعثك لي من
السماء وفي الوقت المناسب، فأنا أنتظر من زمان أحداً مسافراً إلى جهنم الحمرا
لأرسل معه بعض الأغراض إلى ابنتي التي ماتت في العام الماضي. استغرب الرجل ودهش
من هذا الكلام وقال في نفسه إنها بداية طيبة. سألها: كيف عرفت أن ابنتك ذهبت
إلى جهنم ؟. فقالت: لقد سألت زوجي بعد أن دفنها إلى أين ذهبت ابنتنا ؟. أجابني
ذهبت إلى جهنم الحمرا عقبالك إن شاء الله. ثم طلبت من الرجل أن ينتظرها قليلاً
حتى تعود، وذهبت إلى البيت وعادت بعد قليل، ومعها بعض الحلي والذهب والثياب
والطعام، وأعطتهم للرجل وأوصته أن يسلمهم لها باليد، ويبلّغها سلامها وأنها
مشتاقة إليها كثيراً ...
حمل الرجل الأغراض ومضى في طريقه، وهو
يحدّث نفسه بأنه وجد من هو أغبى من بناته وزوجته. بعد أن قطع مسافة بعيدة لحق
به رجل على فرسه، وسأله: إن كان قد شاهد رجلاً في طريقه مسافراً إلى جهنم. فكّر
الرجل قليلاً, ثم قال له: نعم لقد مرّ منذ فترة قصيرة وهو يعدو مسرعاً، لكن
ماذا تريد منه ؟ فحكى له قصة زوجته مع المسافر إلى جهنّم، وكيف ضحك عليها
وأعطته الحلي والذهب والأغراض. فقال له الرجل: إذاً أسرع لتلحق به قبل أن يبتعد.
أراد الرجل أن يركب الفرس, فقال له:
انتظر يا رجل الفرس بأربعة أرجل، وهذا يعيق سرعتها إلى أن ترفع رجلاً وتضع
الثانية، وترفع الثالثة وتضع الرابعة, تكون أنت قد رفعت رجلك ووضعت الثانية،
فتسبق الفرس وتلحق بغريمك، فاقتنع منه دون جدال وترك فرسه ومضى يعدو على رجليه.
ضحك الرجل ووضع أغراضه على الفرس وركبها،
ومضى في طريقه إلى أن وصل إلى قرية صغيرة، فرأى الناس مجتمعين على باب الجامع
خائفين مذعورين. فسألهم عن الأمر. أجابوه: إن وحشاً هاجم القرية ثم دخل إلى صحن
الجامع الذي فيه البئر الوحيد في القرية، ولهم ثلاثة أيام على هذا الحال دون
صلاة ودون ماء، حتى كادوا أن يموتوا من العطش، ولا يعرفون كيف يحلون المشكلة.
فكّر الرجل قليلاً ثم قال لهم: الأمر
بسيط سأصرفه عنكم بسلام، لكن أجمعوا لي الذهب والحلي الموجود لديكم، واتركوني
معه هذه الليلة، ولن يطلع الصبح حتى أتفق معه، ويعود إلى بيته ويترك لكم الجب.
فجمعوا له ما طلب وفي المساء دخل إلى الجامع، وبقي فيه إلى منتصف الليل، ثم حمل
أغراضه على فرسه وركبها، وخرج من الباب الآخر، ومضى مسرعاً في طريقه إلى قريته.
قرّر الرجل أن يعود إلى زوجته وبناته بعد
أن وجد من هو أغبى وأحمق منهم بكثير، ورضي بحياته وعاش في أحسن حال ومرتاح
البال .
لعبة القـط والفئران
الراوي : عبد الرحيم العمر
كان عواد رجلاً فقير الحال، يعيش في
مدينة دمشق ولا يجد في بلده عملاً ولا ثمن الطعام. ضاقت به الحال، فقرّر أن
يترك بيته ويهاجر إلى حلب علّه يجد فيها عملاً يرزق منه، فسافر ماشياً، وهناك
بحث ووجد عملاً عند تاجر اشتغل عنده طوال العام، ووفّر من أجرته مبلغ 700 دينار.
لاحظ التاجر أمانته وجدّه في عمله، فعرض
عليه أن يزوجه ابنة أخيه، فوافق وعند الخطبة طلب أبو العروس مهراً لابنته ألف
دينار نقداً، ولم يتنازل عن دينار واحد.
ذهب الرجل يفتش عمّن يقرضه مبلغ 300
دينار فلم يجد أحداً سوى اليهودي المرابي الذي طلب منه فائدة على المبلغ أيضاً
300 دينار لمدّة ستة شهور، وشرط عليه إذا تأخّر عن الموعد أن يدفع له كيلو غرام
من لحمة.
وافق عواد مضطراً وأخذ المبلغ ودفع مهر
العروس، وتزوج في غرفة صغيرة أعطاها له معلّمه التاجر، وبعد شهر حنّ الرجل إلى
بلده وأخبر زوجته بعزمه، فوافقت على الذهاب معه، ولما وصل إلى بلده وجد بيته
خرباً مخلّع الأبواب، وقد صار مجمعاً للأوساخ والقمامة، فنظّفت زوجته البيت
وأصلح الأبواب والنوافذ، واشترى حصيراً وناما تلك الليلة.
في الصباح أعطته زوجته قيمة مهرها ألف
دينار وطلبت منه أن يشتري بعض الأغراض الضرورية وبعض الطعام، ويشتري بالباقي
جملاً وحملاً للتجارة لعل الله تعالى يرزقهما ويحسّن أحوالهما.
نفّذ عواد ما طلبت زوجته وأخذ حمل الجمل،
وسافر به إلى بغداد فباعه وربح 300 دينار وعاد ففرحت زوجته بذلك، وطلبت منه أن
يشتري جملاً ثانياً فيذهب بحملين بدلاً من حمل، ففعل وسافر بهما وعاد بربح
كثير، وفي كل مرة تزيد الجمال حتى أصبحت ستة جمال سيسافر بها في تجارته، فأعطته
زوجته صورتها حتى لا ينساها ودعت له بالسلامة.
في هذه الرحلة قرّر أن يقضي عواد عدّة
أيام يتفسح فيها، ويتفرج على مدينة بغداد، فباع الأحمال ودخل ليتغدّى عند لحام،
وخلال تناوله الطعام سأل صاحب المطعم عن المدينة، ومعالمها ومن أين يشتري
الهدايا ؟ وأين ينام وكيف يقضي وقته ؟ فدلّه الّلحام وقال له: يمكنك أن تذهب
أينما تريد، ولكن لا تدخل إلى الملعب لأن فيه شلّة زعران نصابين يشلّحونك ثيابك
دون أن تدري.
تجول الرجل وقضى حوائجه وفي طريق عودته
وقف أمام الملعب، وفكّر بقصة الزعران وحدّثته نفسه أن يرى حقيقة ما يحدث داخل
الملعب، وعندما دخل استقبلته الشلة، ورحبوا به وسألوه من أين وماذا يعمل وما
يريد ؟ وبقوا يتودّدون إليه حتى أقنعوه أن يلعب معهم لعبة المراهنة على الديك
والقط، وهي أن يضعوا الديك في زاوية ثم يتركوا القط، فإذا ذهب القط فوراً إلى
الديك يخسر الرهان، وإذا لم يذهب إليه يربح الرهان فوافق وبدأ اللعبة، وفي كل
مرة يذهب القط مباشرة إلى الديك، فيخسر عواد حتى خسر أمواله ثم راهن على جماله
فخسرها، وأخيراً خرج من الملعب بثيابه الداخلية فقط.
عاد الرجل إلى اللحام بحال يرثى لها،
فحزن على حاله وقال له: ألم أحذرك منهم ؟ فتضرّع إلى اللحام أن يأويه، ويدعه
يعمل عنده بأكله وشربه ونومه فقط حتى يفرجها الله عليه. أشفق عليه اللحام ووافق
على أن ينام في الدكان ...
أما الزعران فقد وجدوا صورة زوجة عواد
الجميلة وعليها العنوان، فاتفقوا أن يذهبوا إليها ويضحكوا عليها ويأتوا بها إلى
بلدهم. فركبوا جمال الرجل وسافروا حتى وصلوا بيت الزوجة، فسلّموا عليها وقدموا
أنفسهم على أنهم أصحاب زوجها وشركاؤه في التجارة، وأنه ربح الكثير واشترى
دكاكين ومخازن وبيوتاً كثيرة، وأنه أرسلهم إليها ليرافقوها إلى زوجها في بغداد،
وهذه جماله والصورة علامة منه، فصدقتهم الزوجة في البداية ورحّبت بهم وقدمت لهم
الطعام، وفرشت لهم غرفة للنوم، وبدأت تجهّز أغراضها للسفر في الصياح.
الزعران لم يناموا وأمضوا الليل يتحدّثون
عن زوجها، وقصته معهم وهي تسمع كلامهم من باب الغرفة، وعرفت قصدهم وغايتهم
فرتبت لهم مكيدة ثم نامت.
في الصباح قالت لهم بأن لديها بعض
الأعمال لتنجزها قبل السفر، وتجمع حوائجها وما يلزمها للسفر وطلبت منهم أن
يسبقوها، ويتركوا لها العنوان لتلحق بهم بعد يومين.
سافر الزعران لينتظروها في بغداد، وهم
فرحون ومسرورون واعتقدوا أنها صدقت كذبتهم، أما الزوجة فإنها لبست لبس الرجال
وركّبت لحية، ووضعت على رأسها شماغاً وعقالاً ولبست ( مزوية ) فصارت مثل
الأمراء، ثم ركبت جملاً وسافرت إلى بغداد، وهناك مرّت على دكان اللحام لتتناول
الطعام، فرأت زوجها يعمل أجيراً عند اللحام، وهو في أسوأ حال، فطلبت كيلو لحم
شقفاً وكيلو كباباً وحمصاً وسلطة، وملأت الطاولة من أنواع الطعام. استغرب
اللحام أمرها فقال: يا أمير العرب لمن كل هذا الطعام ؟. فأجابته: هذه عادتي
وبعد أن أشبع توزع الطعام على المحتاجين، ثم طلبت من زوجها أن يشاركها الطعام،
وحلفت عليه حتى رضي وجلس معها، وأثناء الطعام أسرّت له بحقيقتها، وقصة مجيء
الزعران إليها، فرح الرجل بزوجته وحدّثها عن قصته، وموضوع الرهان الذي خسر فيه
كلّ ما يملك.
خطّطت المرأة للانتقام من الزعران، فطلبت
من اللحام أن يؤمّن لها غرفة للنوم، ويصيد لها خمس فأرات ويستأجر خمسة رجال
شجعان لحراستها ومرافقتها، وأعطته ألف وخمسمائة دينار ووعدته بمكافأة كبيرة
أيضاً بعد إنجاز المهمة، فرح اللحام بالمال وأمّن لها ما طلبت في الحال.
في الصباح أخذت الزوجة الفئران والرجال،
ودخلت إلى الملعب فرحب بها الزعران، واعتقدوها رزقة كبيرة ساقها الحظ إليهم،
وعرضوا عليها لعبة الرهان على القط والديك كما فعلوا بزوجها، فوافقت وراهنت على
ألف دينار، وضع الزعران الديك في طرف الملعب، وأفلتوا القط في الطرف الآخر،
فأخرجت المرأة إحدى الفأرات، وأفلتتها أمام القط فلحقها القط، وترك الديك فربحت
المرأة. في المرة الثانية راهنت على ألفين فربحتها، وفي الثالثة على أربع ثم
ثمانية فربحت في كل مرة، ولم يبق مع الزعران أموالاً فراهنوا أخيراً على
الملعب، وعلى ثيابهم فربحتهم، وطلبت من رجالها أن ينزعوا عنهم ثيابهم، ويطردوهم
خارج الملعب ففعلوا، وخرج الزعران عراة إلى الشارع، وصار الناس يضحكون عليهم
ويشمتون بهم.
باعت المرأة الملعب وجمعت أموالها، وعادت
إلى اللحام فأعطته ألف دينار مكافأة، واشترت بالمال قافلة تجارة، وعادت مع
زوجها إلى بلادهم مبسوطين معزّزين مكرّمين غانمين فباعوا التجارة، وربحوا
أموالاً كثيرة واشتروا بيتاً كبيراً وبستاناً
...
بعد أيام عاد عواد إلى البيت مهموماً
ليخبر زوجته أن القاضي طلبه، لينفّذ العقد بينه وبين اليهودي الذي استدان منه
تتمّة مهرها بعد أن تأخّر عن الموعد شهراً، وأن اليهودي مصمّم على أن يأخذ منه
كيلو من لحمه، ولم يرض بكل الأموال التي عرضها عليه، فقالت له: غداً اذهب أنت
إلى المحكمة واترك الباقي علي.
ذهبت المرأة إلى القاضي وحكت له قصتها
وقصة زوجها، وطلبت منه أن تجلس مكانه في المحكمة وأن يأخذ ألف دينار، ويذهب في
رحلة يتمتع فيها مع زوجته وأولاده، ويتركها تحكم بقضية زوجها. وافق القاضي
ولبست ثيابه وجلست مكانه في المحكمة، ولما حضر زوجها واليهودي وحكى كل منهم
قصته. هزّت الزوجة رأسها وفكّرت قليلاً وقالت لليهودي: ألا ترضى بتعويضك عن
التأخير بالمال؟. فأجاب: لا أرضى بكل أمواله وأريد تنفيذ الشرط، وأن يعطيني
كيلو لحمة من جسمه. فردّت عليه: هذا من حقّك أعطوه سكيناً، فأعطوه، وقالت
لليهودي: اقطع من الرجل كيلو لحمة قطعة واحدة ودون أن ينزل منه قطرة دم, وإذا
قطعت أكثر ولو غراماً أو نزل منه قطرة دم أقطع رأسك في الحال.
خاف اليهودي ولم يتجرأ على تنفيذ الشرط،
وتنازل عن حقه ورضي بتعويضه بالمال، فقالت المرأة لعواد: أعطيه حقه ستمئة دينار
فقط حسب الاتفاق, فأخذها ومضى إلى بلاده بعد أن خسر تكاليف السفر والمحكمة،
وعادت المرأة وزوجها إلى بيتهم وبستانهم فرحين مسرورين بعد أن فرجها الله
عليهم، وعاشوا بثبات ونبات وخلّفوا الصبيان والبنات.
سـالم وسـليم وكوسـا
الراوية: كرجية رسلان
كان يا ما كان في قديم الزمان كان هناك
رجلان سالم وأخوه سليم، يعيشان معاً منذ أن كانا صغيرين لا يفارق أحدهما
الآخر. كان سالم الأصغر ذكياً وفهيماً، وسليم الأكبر غبياً وبسيطاً. لما ساءت
الأمور وضاقت المعيشة في البلدة. قال سليم لأخيه: سأذهب إلى القرية المجاورة
لأعمل بها وأكفيك مونتي. رفض سالم في البداية ولكنه تحت إصرار أخيه وافق، فأوصى
أخاه أن يعمل عند كل الناس إلاّ عند رجل اسمه كوسا.
ذهب سليم حتى وصل مشارف القرية التي
سيعمل بها، وهناك قابله رجل وسأله عن طلبه، فأخبره بأنه يفتّش عن عمل، فطلب منه
أن يعمل لديه فهو بحاجة لرجل ليساعده، فسأله سليم عن اسمه فأجابه: أن اسمه
كوسا. تعوذ سليم من الشيطان وقال له: أنا لا أعمل عند رجل اسمه كوسا, وتابع
طريقه وسأل الكثير من الناس عن عمل فلم يجد أحداً يحتاج إلى عامل. اعترضه كوسا
مرة أخرى وأعاد الطلب عليه، فرفض وتابع البحث حتى المساء فتعب، وجلس تحت شجرة
متضايقاً يندب حظّه.
عاد إليه كوسا مرة أخرى وقال له: لن تجد
عملاً عند غيري مهما بحثت ما رأيك ؟ فوافق سليم أخيراً رغماً عنه حتى لا يعود
خالي الوفاض، واشترط عليه كوسا أن ينفّذ كل ما يطلب منه، فإذا قرّر ترك العمل
يقدّ له قدّة من جبينه، أي يسلخ له قطعة جلد، وإذا قرّر كوسا أن يعفيه من
العمل، فإن سليم يقدّ له قدّة، فوافق سليم ولحقه إلى البيت، هناك تعرّف على
زوجته وطفله، ثم قاده إلى الإسطبل حيث مكان نومه مع الثيران، وأمره أن يضع لهما
طعام حتى يشبعا، وكانا لا يشبعان فبقي يضع لهما التبن في المربط طوال الليل،
فلم يذق طعم النوم حتى الصباح.
عند الفجر سلّمه كوسا عدّة الفلاحة،
وأعطاه رغيفاً من الحنطة ورغيفاً من الشعير، وسطلاً من الماء العذب وسطلاً من
الماء المالح، وأمره أن يذهب بالثيران ومعه الكلبة، وحيث تربض الكلبة يفلح،
وعند الغذاء يعطي الكلبة رغيف الحنطة والماء العذب، ويأخذ هو رغيف الشعير
والماء المالح، وعندما تعود الكلبة يعود معها، ففعل سليم كما أمره معلّمه
بالتمام، وعند الغداء أكل سليم رغيف الشعير بصعوبة ولم يستطع شرب الماء المالح،
وأطعم الكلبة طعامها، وعاد وراءها في المساء ثم قاد الثيران إلى المربط ووضع
لهما التبن، وأراد أن يستريح فصاحت به زوجة كوسا: خذ الطفل أسكته ونظّفه وغني
له حتى ينام، فبقي هكذا حتى بعد منتصف الليل حتى هدّه التعب، فنام رغما عنه
تعباً وجائعاً بين الثيران.
وعند الفجر طلب منه معلمه مثل اليوم
السابق، وبقي على هذه الحال أسابيع حتى هدّه الجوع وأنهكه التعب، ولم يعد يحتمل
فطلب من معلمه أن يعفيه من عمله، فذكّره كوسا بالشرط الذي بينهما ففكّر قليلاً
ثم رضي، فقدّ له كوسا قدة من جبينه، وعلّقها في صدر بيته، ولملم سليم جراحه
وعاد إلى البيت والدماء تسيل منه فعرف أخاه انه اشتغل عند كوسا، فقال له: هذا
جزاء من لا يسمع الكلام.
قرّر سالم أن يثأر لأخيه فذهب إلى كوسا،
وطلب أن يعمل عنده ورضي بشروطه، ودخل الإسطبل فنظّف المربط، وترك الثيران بدون
طعام، ونام حتى الصباح فأخذ عدّة الفلاحة والخبز والماء ولحق بالكلبة، وأخذ
يفلح بالأرض لكن الثيران أنهكها الجوع، وتوقفت عن الفلاحة بعد عدّة ساعات
فضربها حتى أدماها، ثم تركها وجلس يستريح ويغنّي، وعند وقت الغداء رمى رغيف
الشعير والماء المالح للكلبة، وأكل هو رغيف الحنطة وشرب الماء العذب، واستراح
قليلاً ثم ضرب الكلبة فعوت وركضت باتجاه البيت.
لما رآه كوسا راجعاً في هذا الوقت تعجب
منه، وسأله: لماذا عدت مبكراً ؟ فاخبره أن الثيران جوعانة، والكلبة تعبانة
فتحيّر كوسا من هذا الأمر، وأمره أن يطعم الثيران فوضع لهم سالم بعض العور فلم
تذقه، وأمرته زوجة معلمه أن يأخذ الطفل ويسكته ويجعله يبول وينظّفه ثم يدخله
لينام، فأخذ سالم الطفل إلى الخارج وهددّه إن بال سيضربه وإن لم يبل سيضربه
فارتفع بكاؤه وعويله، فأعاده إلى معلمته وبقي الطفل يبكي طوال الليل وبال على
الفراش.
في اليوم الثاني فعل كما فعل في اليوم
الأول فعادت الثيران، وما كادت تصل باب البيت حتى وقعت دون حراك، ووجد الباب
موصداً ومعلمه غير موجود فحاول أن يدخل الثيران من فتحة في سور الدار فعجزت عن
ذلك، فضربها بشدة دون جدوى حتى انهارت ميتة فجلس قليلا يفكر، ثم قطع رأسي
الثورين بالسكين، وأدخلهما ووضعهما على المعلف في الإسطبل، وقطع لحمهما ووضعه
في المطبخ ونام. عندما عاد معلمه رأى ما حصل للثيران فبكى وناح عليها وضرب رأسه
حتى تورّم ثم دخل مع زوجته إلي غرفة النوم، يفكّر معها في هذا البلاء وفي طريقة
للخلاص من سالم دون أن يطرده، وفي المساء طلبت منه معلّمته أن يأخذ الصغير
ليسكته فأخذه وهدّده إن بال أن يضربه، فأخذ يبكي أكثر، فعاد إلى معلّمته وقال
لها: إن الطفل لا يسكت ولا "يفرّ" فماذا يفعل به، فانزعجت منه وصرخت به خذه وإن
لم "يفر" أملص رقبته، فأخرجه وهدّده فزاد بكاء الطفل فملص رقبته، وعاد به إلى
أمه قطعتين، فصرخت الأم وبكت وناحت عليه، وبات الزوجان في همّ وغمّ مما حلّ
يهما، وفي آخر الليل قال كوسا لزوجته: يجب أن نتخلّص من هذا الشيطان قبل أن
يخلّص علينا، غداً نذهب جميعنا في نزهة إلى ضفة النهر، وننام هناك ونجعل سالماً
ينام من جهة النهر وقبل الفجر ندفعه وهو نائم، ونسقطه في الساقية فيغرق ونرتاح
منه، فسمع سالم كلامهما، فتحسّب للأمر.
في الصباح حمل سالم الأغراض وذهبوا إلى
النهر، وجلسوا يشوون اللحمة ويأكلون ويشربون حتى الليل، ففرشوا للنوم ونام سالم
من جهة النهر، وبعد منتصف الليل نام الجميع، فقام سالم وأزاح معلّمته إلى
مكانه، ونام مكانها فأصبحت من جهة النهر، وعند الفجر أفاق كوسا ونحر زوجته
ودفعها وقال لها: ادفعي، فأخذا يدفعان حتى سقط جسد في الماء، فصاح كوسا فرحاً:
اذهب يا سالم الله لا يردّك ارتحنا منك. لكن سالم صاح أيضاً: اذهبي يا معلمتي
الله لا يردّك. فاكتشف كوسا أن زوجته هي التي سقطت في الساقية، ففقدها كما فقد
ولده والثيران، فأراد أن ينقذ نفسه وينفد بحياته، فسلّم نفسه إلى سالم، فقدّ له
قدّة ووضعها في جرابه، وأخذ قدّة أخيه من البيت وعاد إلى أخيه، وأعاد له قدّته
إلى جبينه، وجلسا فرحين وحكا له الحكاية من أولها إلى آخرها، كما تعرفونها.
وتوتي توتي من عبي لعبكم مفلوتي.
المـلك والمـهرج
الراوي: عبد الكريم اسماعيل
في يوم من الأيام خرج ملك البلاد يصطاد
فأوغل في الغابة, وتاه الملك عن حاشيته وفي الطريق شعر بالعطش، فمرّ على بيت
وجده في طريقه وطرق الباب، فخرجت امرأة جميلة أحلى من القمر فتنه حسنها،
وجمالها فطلب منها ماءً للشرب فناولته الماء، وجلس يتحدّث إليها وعرف أنها زوجة
المهرّج في قصره، فأضمر في نفسه أمراً وعاد إلى جماعته.
رجع الملك إلى قصره وقد ملكت المرأة عقله
وعواطفه، ولم يعد يستطيع النوم من التفكير بها، فاستشار وزيره بالأمر فأشار
إليه الوزير أن يرسل المهرج برسالة إلى بلاد بعيدة، ليخلو له الجو خلال غيابه،
استدعى الملك المهرّج وأعطاه الرسالة وأمره أن يوصلها إلى الملك المجاور وأن
يعود بالجواب.
ذهب المهرج إلى بيته وأخبر زوجته بالمهمة
التي كلّفه بها الملك، فجهّزت له لوازم السفر والنوم والطعام، ووضع المهرج
الرسالة تحت الفراش ونام، وعند الفجر ركب فرسه ورحل مسرعاً، وبعد مسيرة يوم
تفقّد الرسالة فلم يجدها معه، وتذكّر أنه نسيها تحت الفراش، فعاد أدراجه
متأسفاً على إضاعة الوقت ...
أما الملك فقد جاء في اليوم التالي إلى
بيت المهرّج، فاستقبلته الزوجة ورحبت بزيارته، ووضعت له الطعام والشراب، وبعد
أن انتهى من طلبها لنفسه وعبّر لها عن حبه، فأبت وعابت عليه أن يفكّر الملك
بإحدى رعاياه، ويتنازل إلى فضلات خدمه، فاستحى الملك وخجل من نفسه، واعتذر منها
وخرج مسرعاً لكنه نسي مسبحته الملكية في البيت.
عاد المهرج لأخذ الرسالة من تحت الفراش,
فلمح مسبحة الملك وعرف أن الملك دخل بيته في غيابه، فوضع المسبحة في جيبه وخرج
دون أن يتكلّم، وتابع سفره إلى أن أوصل الرسالة وعاد بالجواب، لكنه طول السفر
كان مهموماً يفكر بأمر الملك وزوجته، وكيف سيتصرف دون أن يصل إلى نتيجة.
عندما وصل إلى البيت استقبلته زوجته
بحرارة واشتياق، فقابلها ببرودة وجفاء، وقدمت له الطعام ومدّت له الفراش ليرتاح
من عناء السفر، فنام وحده دون أن يقرب منها، واستمر على هذا الحال ثلاثة أيام
دون أن تفهم سبب تغيره عليها.
في اليوم الرابع طلب المهرج من زوجته أن
تذهب لزيارة أهلها، وتبقى عندهم حتى يعيدها، فأطاعته وهي تشك بأمره، وبقيت عند
أهلها عدّة أسابيع لم يسأل عنها، فسألها أبوها عن السبب فأجابت أنها لا تعرف
الحقيقة، فذهب الأب إلى المهرّج ليعرف منه سبب بعده، فلم يقل له شيئاً سوى أنه
لم يعد يريد زوجته، وأنها ستبقى في بيت أهلها.
ذهب الأب إلى القاضي يشكو صهره المهرّج،
فطلب القاضي المهرج للنظر في قضيته، وكان من عادة الملك أن يحضر مجالس القضاء.
اجتمع الأب وابنته والمهرج بحضور القاضي والملك، وطلب من الأب عرض دعواه فبدأ
بقوله: يا سيدي القاضي كان عندي بستان اعتنيت به ورعيته، حتى أثمر وأينع وأعطى
الخير الوفير والثمار والأشجار، فطلبه مني هذا الرجل فأعرته إيّاه، وتمتّع
بحرثه وزرعه وحصاده وأكل ثمره، ثم بعد سنوات أعاده إليّ قاعاً صفصفا تذروه
الرياح ...
سأل القاضي المهرج عن ردّه على هذا
الكلام فأجاب: هذا صحيح يا سيدي القاضي لقد أعطاني الرجل البستان كما وصفه
وزيادة، ودفعت له ثمنا غالياً من المال، واستمتعت به كثيراً وعشت فيه مسروراً،
إلى أن دخلته في أحد الأيام فوجدت فيه آثار سبع الغاب، فخفت على نفسي من بطشه
وعلى حياتي من الهلاك، فأعدت البستان إلى صاحبه لأنفد بجلدي، وهذه حكايتي وأنا
راضٍ بما تحكم يا سيدي القاضي.
صمت القاضي طويلاً وقد حار بما يحكم،
وكيف يحل هذه المشكلة فهو لم يفهم حقيقة الأمر، لكن الملك فهم سرّ الموضوع وأن
الرجل عرف قصة دخوله إلى بيته وأنه يشك في زوجته، فوقف وصرخ بالمهرّج: اتق الله
يا رجل إن سبع الغابة دخل إلى بستانك وخرج، لكنه لم يطأ أرضك ولم يأكل من ثمره،
فقم وخذ زوجتك فإنها طاهرة ولا توزن بالذهب.
وافقته الزوجة على هذا الكلام فاقتنع المهرّج بحقيقة
الأمر، واطمأنت نفسه فرضي عن زوجته، وأجزل لهما الملك العطاء، وعادا إلى بيتهما
مرتاحي البال، وعادت المياه إلى مجاريها وصفت النفوس، وعاشا بالهناء والسرور
والفرح والحبور
صـرنا مـثل الناس
الراوي : حيان شبّان
كان في قديم الزمان ملك من الملوك اسمه
صقر صاحب دين وحكمة وأخلاق وعادل بين الناس، لم يرزقه الله سبحانه وتعالى سوى
بولد واحد، فرباه أحسن تربية وعاش على الرفاه والدلال، وتعلم الأخلاق الفاضلة
وحسن المعاملة، حتى يحبه الشعب ويصبح ملكاً عليهم بعد عمر طويل، وأمه كانت
جميلة وبنت أصل أحبّت ابنها كثيراً وتعلّقت به، ولم تعد تصبر على فراقه ساعة
زمان.
شبّ الولد وكبر وأصبح جسمه قوياً جميل
الأوصاف، لكنه كثير الحركة تولّع بالصيد والقنص والسفر. في أحد الأيام قرّر
الولد أن يخرج مع أصحابه إلى القنص، فتجهّز الشاب قبل الفجر للخروج إلى الصيد،
فلما رأته أمه قالت له: أنا خائفة عليك يا ابني وبالي مشغول، لا تخرج إلى الصيد
حتى لا يحدث معك سوء فالزمن غدّار، اقعد في القصر وتمتع بحياتك فلا ينقصك شيئاً.
ضحك الأمير وقال: أنا لم أعد صغيراً يا
أمي حتى تخافي علي فقد صرت رجلاً وقد الحصان، ارتاحي وطمّني بالك سأعود لك
بالسلامة، ومعي الصيد الوفير إن شاء الله تعالى، فحزنت الأم وذهبت إلى الملك
وقالت له: إما أن يبقى ابنك ولا يخرج إلى الصيد، وإمّا أن تذهب مع ابنك حتى
تبقى عيونك عليه وترعاه حتى يرجع بالسلامة.
سمع الملك كلام زوجته وجهز نفسه، وخرج مع
ابنه إلى صيد الغزلان في الصحراء ليرافقه ويعتني به ويحميه من غدرات الزمان. في
الطريق قال الملك لابنه: سنرى من يصيد أول صيد أنا أو أنت. فردّ عليه الابن:
أنت فارس الفرسان يا أبي، ولا أحد مثلك في العالم، وبقيا يتحادثان ويتضاحكان
مسافة بعيدة، حتى رأيا غزالاً يمرّ من أمامها، فرماه الأمير بالسهم الأول وحاول
ألاّ يصيبه عن قصد, ورمى عليه الملك فأصابه، وفرح الجميع بهذا الصيد وحملوه على
الحصان، وتابعوا طريقهم مسافة من الزمن فشاهدوا طيراً كبيراً قدر النعامة،
واقفاً على رأس تلّة صغيرة قريبة منهم. قال الملك لابنه: أنت تذهب من هذه الجهة
وأنا أذهب من الجهة الأخرى، فنحاصره فإذا نفذ من واحد تلقّاه الثاني.
سمع الأمير كلامه ولما اقترب من الطير،
وأصبح على مرمى سهمه، طار الطير ثم نزل بعد مسافة، فلاحقه فطار وابتعد كثيراً،
وبقي يلاحقه حتى تمكّن منه وأصابه بسهم فقتله، فرح الأمير بصيده ولم يدر أين
أصبح والده، وكان الأمير تعباً فجلس يرتاح وقد هدّه الجوع والعطش، والمشي
الطويل تحت الشمس، فنصب سهامه على الأرض، وفرش الطير على السهام وفرد جناحيه
واستظلّ به ونام.
أما الملك فإنه لاحق الطير من الجهة
الأخرى، ورماه فلم يصبه ولما طار تابعه مرة أخرى، وسار وراءه وأضاعه ثم رآه بعد
فترة على سفح الجبل، فأطلق عليه سهماً فأصابه لكن الطير لم يتحرّك من مكانه،
فرماه بسهم آخر فأتى في وسطه أيضاً، فاقترب منه بحذر وهو يشعر بالفرحة والغبطة،
ويحدّث نفسه قائلاً : سيرى ابني حقيقة أنني أحسن صياد في المملكة ؟
ولما صار فوق الطير رأى منظراً صعقه،
وطيّر صوابه وفجّر عواطفه، فقد كان ابنه على الأرض مضرجاً بدمائه، وقد أتى سهم
أبيه في قلبه، فارتمى الملك على ابنه واحتضنه، وبكى وناح عليه حتى جفّ دمعه، ثم
حمله على كتفه وحمل الطير على الكتف الثاني، وعاد إلى جماعته فقصّ عليهم حكاية
المصيبة التي وقعت له، فحزنوا على الأمير ثم لفوه بثوب من القماش، ووضعوه على
حصانه وعادوا إلى ديارهم.
استقبلتهم الملكة ملهوفة وسألت عن ابنها،
فأجابها الملك بكل رباطة جأش: لقد تأخّر قليلاً وهو قادم مع الصيد، ورأت حصان
ابنها يحمل لفّة من القماش، فسألت عنها. فأجابها الملك: إنه أكبر صيد صدته في
حياتي وقد حملته على حصان ابنك، وقبل أن ننزله وأريك إيّاه أريد منك أن تأتي
لنا بأكبر قدرٍ في البلد حتى يسعه، ولكن على شرط أن يكون الدست من بيت لم يدخله
حزن حتى الآن، فقبل أن تسألي عن القدر اسألي إن كان أهل البيت قد أصابتهم
مصيبة، ودخل بيتهم الحزن أم لا ؟.
أطاعته الملكة وذهبت تبحث عما طلبه، وهي
متعجبة من أمره وأمر شرطه، وبعد بحث طوال النهار عادت الملكة في آخر النهار
خالية اليدين، وقد هدّها التعب والبحث والسؤال، وقالت للملك: لقد درت على كل
البيوت وسألت كل الناس، فلم أجد بيتاً لم يدخله حزن، أولم تحدث فيه مصيبة فما
العمل؟.
فكّر الملك قليلاً وسألها: وهل دخل بيتنا
الحزن قبل الآن، أو حدثت عندنا مصيبة ؟.
فأجابته: لا يا ملك الزمان لم يحدث شيئاً
مما تقول.
فقال لها حزيناً: الآن تساوينا مع الناس؛
أنزلي ابنك من على الحصان، فهو الصيد الكبير الذي صدته اليوم، ودعينا نحزن عليه
كما حزن الناس على مصيبتهم.
كان الحزن قد تمكّن من الملكة خلال
جولتها على البيوت، وما سمعته من المصائب والأهوال التي جرت لهم، فهانت عليها
مصيبتها وأقامت العزاء ثلاثة أيام؛ بعدها عادوا إلى حياتهم العادية، وعاشوا
بقية حياتهم بالرضى والنعيم والسلام.
المـلك والفـلاح
الراوي: عبد الكريم إسماعيل
كان في قديم الزمان ملك في البلاد يخرج
في أغلب الأيام متنكراً مع وزيره يتفقّد أحوال الرعية. في أحد الأيام وهو يتجول
شاهد امرأة جميلة تمشي كالغزالة، وهي تحمل على رأسها صينية طعام، فتبعها مع
وزيره حتى وصلت حقلاً خارج المدينة، وهناك شاهد فلاحاً يحرث الأرض بجد ونشاط
وهو يغني. عندما شاهد الفلاّح امرأته قادمة استقبلها بالغناء والموّالات حتى
وصلت إليه، فركن الثيران جانباً وأنزل صينية الطعام، وجلس وإياها تحت شجرة
كبيرة وبدأا يأكلان الطعام، وهما يضحكان ويمزحان سعيدين مسرورين، بينما كان
الملك ووزيره يراقبان ما يجري دون أن يراهما الفلاّح وزوجته.
ولما انتهيا من طعامهما أمسك الفلاّح
الصينية، وأخذ يدقّ عليها ويغني أغاني شعبية، وامرأته ترقص وتتمايل أمامه
بغندرة كالغزالة حتى تعبا، فحملت صينية الطعام وعادت المرأة إلى البيت، وتابع
الفلاّح حراثة الأرض بكل همة ونشاط
.
استغرب الملك تصرفات الفلاح والزوجة
وأعجبته كثيراً، فحضر في اليوم التالي في الموعد نفسه، فشاهدهما يتصرفان
كالعادة كما فعلا أول يوم، وتابعهما الملك عدّة أيام وأصبح يحسدهما على هذه
الحياة، وعندما عاد الملك من جولته طلب من الوزير أن يستدعي الفلاّح إلى قصره
فأرسل من يحضره، ولما حضر الفلاح بين يدي الملك سأله عن حياته وأسرته ومعيشته،
ففهم منه أنه في قمة السعادة والسرور في حياته مع زوجته وعمله، وهو قانع بهذه
الحياة ولا يحسد الملك على ملكه.
فكّر الملك قليلاً أنه يملك كل الأموال
والسلطة والجاه، وثلاث زوجات ولا يجد في حياته لحظة سعادة وسرور، فطلب من
الفلاح أن يبادله بزوجته، ويعطيه زوجاته الثلاث ومعهم كل ما يملكنه من أموال،
لكن الفلاح رفض، فهدّده الملك وخيّره بين أن يقطع رقبته ويأخذ منه زوجته، وبين
أن يوافق على المبادلة ويبقى على حياته، فوافق الفلاح مضطراًً وهو حزين على
فراق زوجته الصالحة، وأرسل الملك من يحضر زوجة الفلاح وجهّز زوجاته الثلاث،
وأمر الفلاح أن يأخذهما إلى بيته.
سار الفلاح مع زوجاته الثلاث الجديدات،
وهو حزين إلى أن وصل إلى نهر، فأراد أن يقطع بزوجاته من ضفة إلى أخرى، فحمل
الأولى على كتفه، وفي وسط النهر وقف وقال لها: اصدقيني القول لماذا لا يحبك
الملك ولا يريدك؟ وماذا كنت تفعلين له؟ فقالت: كانت يدي طويلة وأسرق منه كل ما
تطاله يدي فلا أترك له شيئاً. فقال لها: هذه بسيطة فأنا لا أملك ما أخاف عليه
منك، وتابع سيره ووضعها على الضفة الأخرى، وعاد فحمل الثانية إلى النهر وسألها
مثل الأولى فقالت: لا يوجد فيّ عيب سوى أني كنت أحب الرجال، وأحضرهم سراً إلى
غرفتي، ففكر الفلاح قليلاً وقال: أمرك بسيط بإمكانك أن تفعلي ما تشائين، فأمرك
هذا لا يهمني، وتابع طريقه وأوصلها إلى الضفة الأخرى، وعاد وحمل الثالثة إلى
وسط النهر، وسألها ما سأل رفيقاتها فأجابته: لم أفعل ما يغضب الملك لكني كنت
أكذب عليه دائما، ولم أصدق معه كلمة واحدة، وأختلق المشاكل وأكثر النق، فرماها
بسرعة في النهر وقال: والله هذا ما لا أستطيع أن أتحمله، ومضى إلى الضفة
الأخرى، وتابع مع زوجتيه الباقيتين إلى البيت، فوضع كل واحدة في غرفة، ونام هو
في غرفة مستقلة.
في الصباح جلس مع زوجته وقال للمرأة التي
تسرق: هذا البيت تحت تصرفك، افعلي به كما تشائين واسرقي منه ما تريدين، وقال
للثانية: سأفتح لغرفتك باباً إلى الشارع، ليدخل ويخرج منه من تريدين من الرجال،
وتركهما وذهب إلى حقله.
المرأة الأولى لم تجد في البيت ما تسرقه،
فقامت وأخذت تعمل في البيت، ترتّبه وتنظّفه وتمسحه، وبعد أيام جلست تعمل في غزل
الصوف لتتسلى، وتصنع منه كنزات للأطفال وتنزل إلى السوق فتبيعها وتشتري ببعض
ثمنها طعاماً وتوفّر الباقي، أمّا الثانية فعندما رأت الأمور ميسّرة لها،
وزوجها فتح لها باباً لتفعل ما تريد، خجلت من نفسها ورفضت استقبال الرجال
وتعلّقت بزوجها، وبدأت تصنع له الطعام وتحمله إلى الحقل، وتجلس معه تحت الشجرة،
وتتناول الطعام معه مسرورة من هذه الحياة الجديدة ومع الأيام تعلّمت الرقص،
فصار يدق لها على الصينية ويغنّي وهي ترقص كما كانت تفعل زوجته السابقة
...
أما الملك فإنه لم يهنأ مع زوجة الفلاّح
ولا دقيقة، فقد كانت تمضي الوقت وهي تبكي حزينة على فراق زوجها وعجز عن
إرضائها، وفي يوم أرسل الملك وزيره ليستطلع له أخبار الفلاح وزوجاته، فذهب
الوزير إلى بيت الفلاح فعرف ما فعل الفلاح بالمرأة الكذّابة، وكيف أغرقها في
النهر وتخلّص منها، وعرف ما صارت إليه الزوجة الثانية وكيف تابت من السرقة
وأصبحت تغزل الصوف وتبيعه في السوق، وكيف جمعت لزوجها مبلغاً كبيراً من المال،
وكيف أن الزوجة الثالثة أيضاً تابت عن الرجال، وتعلّمت أن تحمل الطعام لزوجها
وترقص له، وهو يغني لها كما كانت تفعل الزوجة القديمة.
عاد الوزير إلى الملك وأخبره بكل هذا،
فاندهش الملك وطار عقله، ثم أحضر زوجة الفلاّح القديمة وحمّلها بالهدايا
والأموال، وأعادها إلى زوجها الفلاّح، وعاش الفلاّح مع زوجاته الثلاث بالفرح
والسرور والنعيم وطيّب عيش السامعين
.
حـال الـدنيا
الراوي: عبد الرحيم العمر
كان يوجد ملك حكيم وفهيم؛ في يوم من
الأيام كان جالساً يفكّر طويلاً بحال الدنيا، فلم يتوصل إلى نتيجة مرضية
ومقنعة، فطلب من وزيره أن يعرف له حقيقة الدنيا وما فيها، وإلاّ سيقطع رأسه
وأمهله ثلاثة أيام، فذهب الوزير إلى بيته وجلس يفكر حزيناً، كيف سيعرف حال
الدنيا وما فيها دون نتيجة، وفي اليوم التالي خرج إلى البرية هائماً على وجهه
حزيناً يائساً، وهو يمشي شاهد فلاّحاً يحرث أرضه وهو مسروراً ومبتهجاً، ويضرب
موالاً في الروحة وموالاً في الرجعة
.
ذهب الوزير إلى الفلاح وسأله عن أحواله
ثم قال له: أريد أن تقول لي كيف تنظر للدنيا وما فيها ؟.
فقال الفلاح: يا وزير الزمان " الدنيا
فيا وما فيا، والرضا فيها منّا وفيّا، واللي بيحفر لأخيه حفرة بيوقع فيّا
" .
فرح الوزير بهذا الجواب وعاد مسرعاً إلى
الملك وقال له: لقد عرفت الجواب يا ملك الزمان وأعاد عليه ما سمع من الفلاّح،
فسرّ الملك بهذا الجواب وفكّر قليلاً وقال لوزيره: والله هذا الجواب ليس من
عندك، ستقول لي ممن سمعت هذا الكلام وإلاّ سأقطع رأسك.
حاول الوزير أن يتهرب من الجواب، ولكن
الملك أصرّ عليه فأخبره بقصة الفلاّح، فأمر الملك عسكره فأحضروا له الفلاّح في
الحال بين يديه، فسأله الملك عن حقيقة الدنيا، فأجابه الفلاّح بالجواب ذاته.
فسرّ الملك منه وأعطاه ليرة ذهبية، وقال
له: كل يوم تمرّ لعندي صباحاً، وتعيد لي هذا الكلام وتأخذ ليرة ذهبية، فقال
الفلاّح: سمعاً وطاعة يا ملك الزمان. ثم انصرف وعند خروجه وجد أعمى على باب
الملك يتسول، فأعطاه الليرة الذهبية ومضى إلى بيته.
مضى على الفلاّح عدّة أيام يدخل إلى
الملك، ويقول له الكلام ذاته، ويأخذ عليه ليرة ذهبية ويعطيها للأعمى عند خروجه
إلى أن أوقفه الأعمى مرّة، وسأله عن قصته ولمَ يدخل كل يوم إلى الملك، ويخرج
بليرة ذهبية ويعطيها له ؟ فقصّ عليه الفلاّح حكايته، فحسده الأعمى وأراد أن
يكيد له، فدخل إلى الملك بعد خروج الفلاح، وقال للملك: إن الفلاّح يقول أن
رائحة فمك كريهة.
فغضب الملك وأضمر الشر للفلاّح، وفي
اليوم التالي عند دخول الفلاّح أوقفه الأعمى وقال له: سمعت الملك يقول: إن
رائحة فمك كريهة وهو متضايق منك.
فوضع الفلاح لثاماً على فمه حتى لا يشم
الملك رائحته، ولمّا شاهده الملك تأكّد من قول الأعمى، وبعد أن ردّد على مسامعه
الكلام قال له الملك: اليوم ليس معي ليرات ذهبية، ولكني سأكتب لك كتاباً إلى
فرن الاعتراف في المملكة، فتذهب إليه وتعطيهم الكتاب، فيكرموك كما تستحق
.
أخذ الفلاّح الكتاب مختوماً، ولم يعرف ما
يحتويه وعند خروجه استقبله الأعمى، فقال له: الملك أعطاني هذا الكتاب إلى فرن
الاعتراف بدلاً من الليرة الذهبية، وسيعطوني الجائزة هناك فخذه أنت واحصل
على نصيبك .
أخذ الأعمى الكتاب فرحا وبحث عن فرن
الاعتراف حتى وصل إليه، فدفع لهم الكتاب، فأخذه مدير الفرن وفتحه فوجد فيه: إذا
وصلكم حامل هذا الكتاب، فضعوه في بيت النار فوروصوله
.
فنفذوا أوامر الملك ووضعوا الأعمى في بيت
النار وأحرقوه في الحال...
يرجع كلامنا إلى الفلاّح أتى كالعادة في
صباح اليوم التالي، ودخل على الملك، فاستغرب الملك من رؤيته وسأله ماذا فعلت
بالكتاب ؟ أجابه الفلاح: أنه منذ أول مرة أحضره فيها الملك، يأخذ الليرة
الذهبية، وعند خروجه يعطيها للأعمى الذي يقف على بابه وكذلك فعل بالكتاب.
فاستغرب الملك هذه القصة وعرف حقيقة
الأعمى وحسده للفلاح، وأنه حاول الكيد له، فقال للفلاّح: منذ اليوم سأعينك
مستشاري الأول وستجلس بجانبي، فحاول الفلاّح الاعتذار لكن الملك أصر على قراره،
فأصبح الفلاّح من أكثر المقربين للملك، فدبّ الحسد في نفس الوزير منه هذه
المرة، وأصبح يكيد له عند الملك ويتهمه بشتى الاتهامات، فقال مرّة للملك: إن
هذا الفلاّح نصّاب ولا يعرف شيئاً، وأنه يدعي الحكمة والمعرفة وإذا أردت سأكشفه
أمامك في الحال بسؤاله عن أمر واحد.
فجمع الملك الفلاّح والوزير معاً وقال:
هات ما عندك يا وزير ؟
فقال الوزير: سأسأله يا مولاي عن ثلاث
كلمات فإن عرف معناها أقطع رأسي، وإن لم يعرف معناها يكون كاذباً وتقطع رأسه.
فوافق الملك وأحضر السياف، ووقف بينهماً
لتنفيذ أوامر الملك في الحال .
سأل الوزير الفلاح: ما معنى الكلمات
الثلاث: بو ... بو ... بو
ففكّر الفلاّح قليلاً ثم أجابه: أول بو
معناها: " الله لا يطفي للكريم ضو، وثاني بو معناها: عمرها شجرة ما وصلت للجو،
وثالث بو معناها: الله على الحسود اللي محضرو سو
.
فأمر الملك بقطع رأس الوزير في الحال،
وعين الفلاّح وزيراً بدلاً منه وزوجه ابنته وعاشوا في الفرح والنعيم وطيّب الله
عيش السامعين .
الـكريم والبخـيل
الراوي: عبد الرحيم العمر
كان في قديم الزمان رجل كريم وأهله بخلاء
كثيراً ومبالغون بالبخل، فكره الحياة بينهم وقرّر أن يسافر في بلاد الله
الواسعة ويتركهم، فحمل زوّادته ومضى في طريقه، وكان أيضاً رجل بخيل يعيش بين
أهله الكرماء المسرفين بالكرم، فلم تعجبه الحياة بينهم ولم يتحمل كرمهم فقرّر
تركهم والرحيل عنهم، وحمل زوّادته ومضى في طريقه، وبعد مسافة قصيرة التقى
الرجلان وترافقا في طريق سفرهم، وكان كلما توقفا للطعام فرد الكريم زوّادته،
وأكل مع رفيقه حتى انتهى طعامه، وبعد مرحلة جلسا تحت شجرة فانتحى البخيل جانباً
وأكل من طعامه، ولم يدعو الرجل الكريم للأكل معه، فطلب منه الكريم بعض الطعام
فرفض، وقال له: دبّر نفسك سفرنا طويل وأخشى أن يخلص الطعام ولا نجد ما نأكله
فأموت من الجوع.
تابعا السفر على هذا الحال عدة أيام حتى
عجز الكريم عن المسير بسبب التعب والجوع، فتركه البخيل عند عين الماء ومضى في
طريقه، فشرب الكريم بعض الماء وجلس وارتاح بعض الوقت، ثم صعد فوق الشجرة ونام
عليها، وتوكل على الله ودعا بالفرج القريب، وبعد قليل حضر عفريتان إلى عين
الماء، وجلسا تحت الشجرة ليرتاحا فقال أحدهما للآخر: ابنة الملك مريضة وعجز
الأطباء عن مداواتها، ودواؤها في هذه الشجرة التي نجلس تحتها لو أخذوا من
ورقها، وطحنوه وخلطوه بزيت الزيتون، ودهنوها منه تشفى في الحال
.
وقال الثاني لصاحبه: إن البلد شحيحة
بالماء، وفي التلّة المجاورة نبع غزير بالماء، وما عليهم إلاّ أن يزيحوا الصخرة
عن باب الكهف، فتجري العين وتسقي البلد وتفيض عنهم.
ذهب
العفريتان فنهض الكريم نشيطاً، وجمع بعض أوراق من الشجرة، وبقي ينتظر فرصة
للوصول إلى البلد، فحضر أحد الأفيال وشرب من العين، ووقف تحت الشجرة فرمى
الكريم نفسه على ظهره، ومضى الفيل به حتى وصل إلى البلدة، فنزل هناك وذهب إلى
قصر الملك وطلب مقابلته، وأخبره برغبته بمداواة ابنته، فقال له الملك: إذا لم
تشفها سأقطع رأسك وأعلّقه بجانب تلك الرؤوس، وإذا شفيتها أزوّجك إيّاها وأبني
لك قصراً بجانب قصري.
وافق الكريم ودخل إلى غرفة الأميرة، وخلط
الأوراق بالزيت ودهن جسمها منه، ثم غطّاها باللحاف وتركها نائمة عدّة ساعات حتى
غرقت بعرقها، وبدأت تتحرك ثم أفاقت وطلبت الطعام فأكلت حتى شبعت، وفي اليوم
التالي شفيت من مرضها ولم يبق فيها شيء
.
فرح الملك بشفاء ابنته وأعلن قيام
الاحتفالات والأعراس، والولائم على حساب الملك لمدة سبعة أيام، وزوج ابنته
للرجل الكريم، وأسكنه في قصر فخم وكبير، وقربه من مجلسه وصار مستشاره الخاص.
في يوم من الأيام بينما كان الكريم
جالساً في مجلس الملك، دخل عليه وفد من الأهالي يشكون إليه قلّة الماء والعطش،
فتذكّر الكريم قصة الصخرة، فأمر بعض الرجال أن يصعدوا إلى الكهف في أعلى الجبل،
ويزيحوا الصخرة التي تغلق مدخله، فتسيل عليهم نبع الماء وتروي عطشهم، فصعد
الرجال ولما أزاحوا الصخرة جرى الماء غزيراً وصار نهراً، فشربوا منها وسقوا
أرضهم وزرعهم، وفرح الناس بالخير على وجه الكريم
...
أما الرجل البخيل فإنه كما عرفنا ترك
الكريم عند نبع الماء بين الموت والحياة، وسار في طريقه فالتقى بعصابة من قطّاع
الطريق، نهبوه وخلصوه زوّادته وملابسه، وتركوه في البرية حتى جاع وعطش، وكاد أن
يموت من التعب والجوع، ووصل بصعوبة إلى المدينة، وصار يشحذ في الشوارع ليحصل
على لقمة الطعام، وبينما كان يتسكع في الشوارع بثيابه الرثّة مر من أمام
شرفة القصر، شاهده الكريم فعرفه وأمر الحراس أن يأتوا به، فلمّا حضر لم يعرفه
في البداية، فعرّفه الكريم على نفسه فاستحى منه واعتذر على ما بدر منه، واستغرب
حالته وسأله عما حدث معه، فقصّ عليه حكايته منذ أن تركه إلى أن وصل إلى ما هو
عليه، وأمر له بالطعام والثياب، وغرفة خاصة ليرتاح وينام فيها...
عاد البخيل فاشتعل الحسد في نفسه، وصمم أن يعود إلى
العين ويجرب حظه عندها، وقبل شروق الشمس تسلل دون أن يراه أحد وسافر متوجها إلى
العين، ولمّا وصل إليها صعد إلى الشجرة وجلس ينتظر فيها حتى المساء، فحضرت
مجموعة من السباع والضباع، لتشرب من العين فشعرت بوجود بني آدم على الشجرة،
فاجتمعت حولها وصارت تهزّ الشجرة، حتى سقط البخيل على الأرض فهجمت عليه الوحوش
ونتفته وأكلته، ولم تترك منه سوى العظام، وعاش الكريم عند الملك مع زوجته
الكريمة الجميلة في عز وجاه، ونبات وخلفوا الصبيان والبنات
الخياطـة وابن المـلك
الراوي: وردة الشيشكلي
كان في قديم الزمان رجل فقير الحال وله
بنت صبية جميلة، وذكية وعين الله عليها أراد أن يعلّمها الخياطة، فأرسلها إلى
خياطة بالحارة لتتعلّم عندها، وتساعدها بأمور البيت وتسقي الحديقة التي يشرف
عليها قصر الملك. في يوم من الأيام رآها ابن الملك تسقي حوض الورود، فأعجب
بجمالها وأحبها وقال لها: يا ساقية الحبقة بتعرفي بالحبقة كم ورقة.
فقالت له: أعرف بالحبقة كم ورقة إذا أنت
عرفت بذقنك كم شعرة وبإسطبل أبوك كم بقرة.
غضب من ردها وتركها، عاد في اليوم التالي
فسألها نفس السؤال، فردت عليه الجواب، احتار في أمرها وكيف الوصول إليها فدعى
الخياطة، وقال لها: خذي ألف دينار وادعيها عندك هذه الليلة. فقالت الخياطة
للبنت: عندي جهاز عروس يجب أن ننهيه اليوم أريد منك أن تساعديني به. وافقت
البنت وعادت في المساء، وجلست تعمل في العليّة، حضر ابن الملك إلى بيت الخياطة،
فقالت الخياطة للبنت: نسيت بكرة الخيطان بالغرفة التحتانية انزلي أحضريها. نزلت
البنت والغرفة معتمة فأمسكها ابن الملك وقبّلها، صاحت البنت: يا معلمتي في بيتك
رابوص بيقرص وبيعض وبيبوس. فتركها وهرب.
مرضت الصبية وغابت عن الخياطة عدة أيام،
ولما تعافت رجعت إلى معلمتها، وخرجت تسقي الورد في الحديقة رآها ابن الملك فقال
لها: الحمد لله على السلامة يا ساقية الحبقة تعرفي بالحبقة كم ورقة ؟. فردت
عليه: أعرف بالحبقة كم ورقة إذا عرفت بذقنك كم شعرة وبإسطبل أبوك كم بقرة ؟.
فقال: يا معلمتي في ببيتك رابوص بيقرص
وبيعض وببوس.
فعرفت أنه من أمسكها وباسها في بيت
معلمتها، فعادت وهي تفكّر كيف تنتقم منه وترد له المقلب
.
في اليوم التالي ذهبت البنت إلى الخياط
وطلبت منه أن يفصل لها ثوباً من اللبّاد مع خشاخيش وأجراس. ثم ذهبت إلى جارتها
وطلبت منها أن تمثّل دور الشحادة، وتذهب إلى قصر الملك وتأخذها معها ففعلت،
ولما دخلت القصر ذهبت سراً إلى غرفة ابن الملك، ونامت تحت السرير، فجاء ابن
الملك لينام آخر الليل، أطفأ الأنوار وجلس على السرير، فخرجت وبدأت ترقص وتخشخش
بالأجراس وتقول: أنا عزرائيل الصغير بعتني عزرائيل الكبير لأقبض روحك.
خاف ابن الملك ورجاها أن لا تقبض روحه،
فوافقت بشرط أن يشرب الشراب الذي قدمته له، فشربه وخرجت وتركته وحده. فأصابه
مرض غريب لم يعرف له أحد دواء وعجز الأطباء من معالجته، فلبست البنت الخياطة
لباس الطبيب، وحملت معها حقيبة وأخذت تنادي:" أنا الطبيب أنا المداوي، أنا أشفي
من كل الأمراض ". فركضت الخادمة إلى الملكة، وأخبرتها عن الطبيب فأحضرته، وعرضت
عليه حالة ابن الملك. فقالت البنت: أمره بسيط الآن يشفى بإذن الله، وأدخلته إلى
غرفة وحده، وقالت له: أنا سأشفيك الآن لكن اسمع مني هذا القول: " إذا جاءك
أحدهم مرة، وقال من أجل حكيمك لا تضيع غريمك فاقبل منه ". فوعدها بذلك، وسقته
شراباً مضاداً للشراب الأول، فشفي في الحال وتركته وعادت إلى بيت الخياطة،
وخرجت لتسقي الورود في الحديقة فرآها ابن الملك وقال لها: " يا ساقية الحبق
بتعرفي بالحبقة كم ورقة ؟". فأجابته: " أعرف بالحبقة كم ورقة إذا كنت عرفت
بدقنك كم شعرة، وبإسطبل أبوك كم بقرة ؟" فقال لها: " فيه أبو رابوص بيقرص وبيعض
وببوس ". فقالت له: " أنا عزرائيل الصغير بعثني عزرائيل الكبير لأقبض روحك" .
فغضب ابن الملك وأحضر والدها لينتقم من هذه الإهانة الكبيرة التي ألحقتها به
البنت الخياطة، فطلب منه أن يفصل بدلات للعساكر من الحجر، وإلاّ سيقطع رأسه.
عاد والد الخياطة إلى ابنته وهو في غم
كبير، فسألته عن سبب ذلك ؟ فأخبرها بطلب ابن الملك منه، فطلبت منه أن ينتظرها
وذهبت إلى الخياطة، وأخبرتها بالقصة فقالت لها: بسيطة قولي لوالدك أن يذهب إلى
الملك وحاشيته، ويوزع عليهم بعض الأحجار كي يصنعوا له منها خيطاناً يخيط بها
البدلات. في اليوم التالي جاء أبوها، وطلب من الملك ما أمرته به الخياطة، فتعجب
ابن الملك وقال له: والله هذا ليس من صنعك هذا من صنيع ابنتك
.
وفي
اليوم التالي طلب منه أن يأتي إليه لابساً وعرياناً، وحفياناً ولابساً، وماشياً
وراكباً في الوقت نفسه، فعاد إلى ابنته حزيناً وحكى لها القصة، فذهبت إلى
الخياطة وأخبرتها بما حدث، فعلّمتها أن يلبس والدها فردة حذاء واحدة، وأن يركب
على قصبة، وأن يلبس سروالاً قصيراً، وقبعة على رأسه. ففعل مثلما أخبرته ابنته،
ودخل على ابن الملك بهذه الهيئة فضحك منه الجميع. وقال ابن الملك: والله لقد
غلبتني ابنتك أريد أن تزوجني ابنتك، وأعطاه مهرها كيساً من الذهب، فوافق وذهب
يبشّر ابنته.
ذهبت البنت وسألت معلمتها، فقالت لها
الخياطة: نصيبك بدو يصيبك هذا قدرك لكن الله يعينك من شرّ هذا الرجل. وافقت
البنت وقامت الأعراس والاحتفالات، وفي يوم الدخلة نام هو في غرفة وهي في غرفة
ثانية، ولم يقرب منها.
في الصباح أمرها أن تدخل المطبخ وتحضّر
له الطعام، فقالت له: أنا أصبحت زوجتك وملكة فكيف سأدخل المطبخ وأصنع لك الطعام
أمام الخدم ؟. فقال لها: أنا تزوجتك كي تقشري البصل حتى تعرفي قيمتك. فقالت:
أنا ما بتفرق معي لكن الناس سيقولون زوجة الملك قشّارة بصل.
وصارت البنت تشتغل بالمطبخ مع الخدم وابن
الملك يعاملها معاملة الخادمة ولا يقرب منها أبداً.
في يوم قامت الحرب بينهم وبين مملكة
أخرى، فجهّز ابن الملك الجيش، وخرج فيه إلى المعركة وعسكر بعيداً عن المدينة،
فذهبت البنت إلى معلمتها وحكت لها قصتها، فطلبت منها الخياطة أن تجهّز مجموعة
من الفرسان البنات، وتلبسهم لباس الفرسان، وذهبت بهم إلى قرب معسكر الملك وضربت
الخيام هناك.
في المساء أتت إلى ابن الملك وسلمت عليه
وقالت له: أنا ابن الملك الفلاني، خرجت للصيد ومررت من هنا فرأت الجيش فأردت أن
أعرف أخباركم ؟. فرحّب بها الملك وجهّز الطعام، وبعد أن أكلوا وشربوا وسهروا.
قالت له: ما رأيك أن نلعب الشطرنج فإذا غلبتني أعطيتك زوجتي تنام عندك، وإذا
غلبتك تعطيني زوجتك تنام عندي. قال ابن الملك: لكن زوجتي قشارة بصل، فأجابته لا
يهم أنا موافقة، فلعبا فغلبها ابن الملك. فقالت له: بعد قليل سأرسل لك زوجتي،
ولكن زوجتي منقبة، وتستحي أن تخلع النقاب عن وجهها فلا تحاول أن تكشف عن وجهها.
ذهبت البنت إلى معسكرها وبدّلت ثياب
الفرسان، ولبست أحلى الثياب ووضعت نقاباً على وجهها و عادت إلى خيمة ابن الملك
ونامت معه، وفي آخر الليل طلبت منه أن يهديها السيف فأعطاها إياه، وعادت إلى
جماعتها ورحلوا إلى المدينة وانتهت المعركة وعاد ابن الملك وجيشه.
بعد مدة حملت بنت الخياطة وأنجبت ولداً
جميلاً مثل القمر، وسمته عكا وتركته عند معلمتها لتربيه.
في العام التالي قامت حرب وخرج ابن الملك
بالجيش، وعسكر في المكان نفسه وفعلت البنت مثل ما فعلت بالمرة الأولى ونامت مع
ابن الملك وفي الصباح أخذت منه الخاتم، وحملت وأنجبت ولداً أجمل من الأول،
وسمته صور ووضعته عند معلمتها أيضاً لكي تربيه. وفي المرة الثالثة نامت معه
وأخذت منه المنديل أيضاً، وحملت وأنجبت هذه المرة بنتاً وسمتها ست بدور ووضعتها
مع أخوتها.
كبر الأولاد وتعلّموا في المدرسة وأخذوا
يذهبون إلى القصر لزيارة أمهم في مطبخ، فيأكلون ويلعبون في الحديقة، وكان ابن
الملك يراهم ويلاعبهم وأصبح يحبهم كثيراً ويتمنى أن لو كان لديه أولاد مثلهم،
وكانوا كلما أتوا إلى القصر يدقون الباب ويغنون: "خيّا عكا خيّا صور خيتنا الست
بدور افتحولنا باب الدور". فيسمعهم ابن الملك ويفتح لهم، ويدخلهم إلى الحديقة
ليلعبوا فيها طوال النهار.
بعد فترة أراد ابن الملك أن يتزوج، فخطب
بنت ملك وأقام عرساً كبيراً، جمعت البنت الخياطة أولادها، وأخبرتهم القصة
وعرفوا أنهم أولاد ابن الملك، وأعطتهم السيف والخاتم والمنديل، وذهبوا ووقفوا
على مدخل القصر، ولما أتى الملك للدخول على عروسه، اعترضوه وأخبروه أنهم
أولاده، فسألهم عن أمهم فقالوا: هي مقشرة البصل، فلم يصدق، فأظهروا العلامات
فتذكّر القصة وفرح بهم كثيراً، وأحضر أمهم من المطبخ واعتذر منها، وألبسها لبس
الملكات وجدّد الأفراح والأعراس سبعة أيام بلياليها لا أحد يأكل، أو يشرب إلا
من بيت الملك، وعاشوا بالفرح والنعيم وطيب الله عيش السامعين
.
العجـوز وصـحن الدبـس
الراوي: نزهة الصوفي
كان يا ما كان في غابر الأزمان، امرأة
أرملة وفقيرة الحال، وعندها ثلاث بنات صغار تعمل، وتتعب وتشقى لإطعامهم
ورعايتهم. في يوم من الأيام اقترحت البنت الصغيرة على أمها أن يساعدوها في
العمل وتأمين حاجات البيت، فطلبوا من أمهم أن تأتي لهم بالصوف ليغزلوه، ويصنعوا
منه كنزات فتبيعه أمهم في السوق، وتشتري لهم بثمنه طعاماً، وهذا ما حصل وتعاون
البنات الثلاث على حياكة الصوف حتى صنعوا منه كنزة جميلة أخذتها الأم إلى
السوق، فباعتها ببعض الدراهم واشترت لأولادها صحناً من الدبس، وعادت به إلى
البيت.
استمرت على هذا الحال عدّة أيام، وفي يوم
بينما كانت عائدة بصحن الدبس، واجهت عجوزاً نحيفاً، مقعداً، مرمياً على قارعة
الطريق، ذقنه طويلة، مهلهل الثياب.
قال لها العجوز: " طبي دبيستك واحمليني
ولبيتك وديني ".
فقالت له الأم: هذا تعب بناتي الصغار
فكيف أرميه وأحملك بدلاً منه ؟ وماذا سأفعل بك.
فقال لها العجوز: طبي دبيستك واحمليني
ولبيتك وديني، ومثل ما بقولك اعمليلي أنا رزقتك ما راح تندمي فيني
.
أخيراً وافقت معه الأم ورمت صحن الدبس،
وحملته على ظهرها وقالت: أمري إلى الله.
أنزلته في البيت فاستغرب بناتها قصة
العجوز، واستنكروا على أمهم أن تتخلى عن صحن الدبس من أجل هذا العجوز الهفتان،
وسألوا أمهم ماذا سيفعلون به ؟.
فقال العجوز للمرأة: " الفرشة مدّي لي،
وبالّلحاف غطيني ".
فمدّت له الفراش وغطّته باللحاف. فقال
لها: " الآن جيبي عصي ودقّيني ".
فرفضت المرأة في البداية لكنه ألحّ
عليها، ورجاها أن تفعل ما يريد، فأتت ببعض العصي، وأخذت تدقّه مع أولادها حتى
أصبح كالعجينة، فرفعوا عنه الغطاء وإذ بالعجوز تحوّل إلى كومة من الذهب. فرح
الأولاد والمرأة بهذه الرزقة العظيمة، وطلبت المرأة من ابنتها الكبيرة أن تذهب
وتستعير من جارتهم الغنية ( المسحة ) التي يكيلون فيها الحب، فاستغربت جارتهم
هذا الطلب، وأرادت أن تعرف ماذا سيكيلون فيها فوضعت في أسفلها علكة، وعندما
أعادوها لها وجدت فيها قطعة من الذهب ملزوقة بالعلكة، فطار عقلها وذهبت إلى
جارتها، وسألتها عن مصدر الذهب فلم تجبها، فألحّت عليها حتى اعترفت لها الجارة
بكل ما حدث، فغرّها الطمع وحملت في اليوم التالي صحناً من الدبس، وجابت الشوارع
حتى قابلت عجوزاً فقيراً مريضاً، فطلبت منه أن يأمرها برمي صحن الدبس وحمله إلى
البيت، فحاول التملّص منها لكنها أرغمته على قول ذلك، فقال لها ما تريد فحملته
إلى البيت، وقالت له أن يطلب منها أن تمدّ له الفراش وتغطّيه باللحاف، ثم أمرته
أن يقول لها أن تضربه بالعصا، فأخذ يبكي ويرجوها أن ترحمه وتتركه في حال سبيله،
لكنها لم ترد عليه وسحبت العصي هي وأولادها، وصاروا يضربونه وهو يصيح ويستغيث
من الألم حتى همدت حركته، فرفعوا الغطاء عنه وإذا هو جثة هامدة، وكومة من اللحم
المفعوس، والفراش بركة من الدم.
حضرت الشرطة فقبضت عليهم، ووضعوهم في
السجن بتهمة قتل الرجل العجوز ولقوا جزاء طمعهم وحسدهم لجيرانهم.
الحـطّاب وبناته الـثلاث
الراوية: كرجية رسلان
كان في حطّاب فقير جداً كبيراً في السن
عنده ثلاث بنات، يحطب كل يوم بعض الحطب يبيعه ويشتري بثمنه قليلاً من الطعام
لبناته بحيث لا يكاد يسد الرمق. استمر على هذا الحال حتى انهدّ حيله وضعفت
قوته، ولم يعد يقوى على العمل، فقرّر أن يتخلّص من بناته ويرتاح من همهنّ،
فأخذهن إلى الغابة بحجة أنهن سيساعدنه، وبعد فترة من العمل جلس الجميع على حافة
البئر ليرتاحوا.
ادعى الحطاب أن المسلّة وقعت منه في
البئر، فطلب من ابنته الكبيرة أن تنزل إلى البئر لتبحث عن المسلّة فدلاّها
بالحبل، وبعد قليل نادته ابنته أنها لم تجدها، فأنزل ابنته الوسطى وقال لها:
أربع عيون يرون أفضل من اثنتين. أيضاً بعد مدة من الزمن نادته الوسطى أنها لم
تجد المسلّة، فأنزل البنت الصغيرة وقال لها: ست عيون يرون أفضل من أربع، ثمّ
دلاّها بالحبل إلى أخواتها، ولما أصبحت أسفل البئر رمى الحبل في البئر وتركهم
ومضى في حال سبيله.
بقيت الأخوات يفتشن حتى يئسن من إيجاد
المسلّة، فأخذن ينادين أباهم ليخرجهم من البئر، لكن دون فائدة حتى تعبن وشعرن
بالجوع، فبكين كثيراً حتى نعسن ونمن، وبعد ساعات أفاقت الصغيرة، فقامت تتلمّس
جدران البئر في الظلام فمرّت على فتحة صغيرة يدخل منها هواء بارد، فدخلت منها
بصعوبة، فإذا هي في دار كبيرة واسعة في وسطها شجرة كبيرة معلّق بأغصانها صيد
كثير من الغزلان والطيور، فشمّرت عن يديها وعملت بهمّة ونشاط، ونظّفت الدار
وكنّستها، ورشّتها بالماء ورتّبتها، وأنزلت الصيد ونظّفته وقطّعته، ووضعته في
قدر كبير وطبخته وطبخت معه قدراً من البرغل، ثم رتّبت المائدة وصفّت عليها
الطعام، وملأت صينية من الطعام وحملتها، وعادت بها إلى أخواتها، فتعجبوا من
أمرها وسألوها من أين هذا الطعام وكيف وجدته، فروت لهم ما جرى معها، فأكلوا حتى
شبعوا وحمدوا الله ثم ناموا حتى الصباح.
أما الدار فقد كان أصحابها ثلاثة فرسان
شجعان يسمّون:" علاء وحسن وحسين " يخرجون كلّ يوم إلى الصيد ولا يعودون إلى
المساء، ذلك اليوم عادوا فرأوا العجب، المائدة مرتّبة وعليها أشهى الطعام، تفوح
منه أطيب الروائح، لم يذوقوا مثله في حياتهم، فعرفوا أن أحداً ما دخل الدار في
غيابهم، وفعل كل هذه الأعمال، فأكلوا بنهم وشبعوا وناموا إلى الصباح.
في اليوم الثاني عندما عادوا إلى البيت
رأوا الأمور ذاتها قد حدثت فزاد استغرابهم، وقرّروا أن يعرفوا من يأتي في
غيابهم، ويصنع كل هذه الأعمال، واتفقوا أن يبقى أخوهم الكبير حسين ليكشف لهم
السر. لكن حسيناً جلس فترة طويلة من الليل حتّى ملّ ونعس ونام، ولما عادوا
أيقظوه من النوم، وقد جرى ما يحدث في كل يوم، ولم يتمكن حسين من معرفة الحقيقة.
في اليوم التالي بقي الأخ الأوسط حسن، فجرى معه مثل ما جرى مع حسين ونام ولم
يعرف ما يحدث، فجاء دور الأصغر علاء فصمّم على كشف السر مهما كلّفه الأمر.
جلس علاء يراقب ساعات طويلة من الليل حتى
أحسّ بالنعاس، وحتى لا ينام أحضر دلواً ملأه بالماء، وعلّقه في الشجرة وجلس
تحته، فكان تسقط على وجهه نقطة ماء كل لحظة، فتنبهه من غفلته فبقي مستيقظاً
طوال الوقت، وبعد منتصف الليل رأى فتاة رائعة الحسن والجمال تدخل إلى الدار من
الطاقة الصغيرة، وشاهدها كيف تنظف وترتب وتصنع وتطبخ الطعام، وتجهّز المائدة،
وعندما انتهت وحملت صينية الأكل إلى أخواتها، هجم عليها علاء وأمسك بها وصاح
بها: أنت إنسية أم جنية ؟
خافت الفتاة منه ولاذت بالصمت ولم تجبه،
فأجلسها وبقي يسايرها ويحدّثها بألطف الكلام حتى اطمأنت، فروت له قصتها من
أولها إلى آخرها، فذهب معها وأحضر أخواتها وأعطاهم الأمان، وجلسوا جميعاً
يتسامرون حتى حضر إخوته، ففرحوا بهن كثيراً، وتزوج كل منهم الفتاة التي تماثله
بالعمر، وعاشوا جميعاً في السرور والهناء وراحة البال والصفاء.
تفـاح الجـبل للحـبل
الراوية: نزهة الصوفي
كان
يا مكان في قديم الزمان كان يعيش فلاح مع زوجته مبسوطين بدون أولاد لا صبيان
ولا بنات، وفي يوم من الأيام سمعت زوجة الفلاّح منادي ينادي: ( تفاح الجبل
للحبل ... تفاح الجبل للحبل ). فطار عقلها من الفرحة وحنّت للأولاد، فاشترت من
البائع تفاحة جميلة خد أحمر وخد أصفر، ودفعت ثمنها ما جنته في حياتها من المال،
ووضعت التفاحة في الشباك حتى يعود زوجها من البستان، لتأكل التفاحة معه مساءً
قبل أن ينام.
جاء الزوج تعباً وجائعاً فوضع عدّة
الفلاحة في الإسطبل ودخل إلى البيت، فرأى التفاحة فأعجبته واشتهاها، وظن أن
زوجته احتفظت له بها، فأكلها بلقمتين ووجد طعمها لذيذًا لم يذق مثله في حياته
وجلس يحمد الله، في المساء فقدت المرأة التفاحة فلم تجدها، فسألت زوجها عنها
فأخبرها أنه أكلها وشكرها عليها، فصاحت وناحت وقالت له: إنها تفاحة الجبل
للحبل، وقد أكلتها لوحدك يا ويلي ماذا سيحدث معك، فضحك على عقلها وقال: عقلك
صغير حتى تصدقي هذه الأمور.
مضت الأيام والشهور وقد نسيا موضوع
التفاحة، لكن الرجل بدأ يشعر أن بطّة رجله تكبر، وأخذت تؤلمه فذهب إلى الطبيب،
فتعجب من أمره وقال له: الغريب أن بطة رجلك حامل وفيها ولد وهذا لم يحدث من
قبل. خاف الرجل وفزع من هذا الأمر، واستحى أن يقول لزوجته الحقيقة، فلمّ أغراضه
بحجّة أنه مسافر سفرة بعيدة، وذهب وسكن في الغابة وحده حتى جاءه المخاض تحت
شجرة كبيرة، وكان على الشجرة طاووس وقاقا، فساعداه حتى خرجت من بطة رجله بنت
حلوة مثل القمر، لفّها في بعض الملابس ووضعها على غصن شجرة، وعاد إلى بيته،
وكأن شيئًا لم يحدث.
تقاتل الطاووس والقاقا على الطفلة حتى
تغلّبت القاقا عليه، وأخذت الطفلة إلى عشها فأطعمتها، ورعتها، وسمتها ست الحسن
حتى كبرت الصبية، وصارت سبحان الذي خلقها، وكانت تلعب مع الغزلان في البرية
وتأكل من ثمار الغابة.
في يوم من الأيام خرج علاء الدين للصيد
والقنص، فرأى الصبية سارحة مع الغزلان، فقال لرفاقه كل الصيد لكم إلا هذا الصيد
لي، ولاحق الغزلان حتى صاد الصبية بالشبكة، فتعجب من حسنها وجمالها كأنها البدر
التمام، فأخذها إلى البيت وألبسها أحسن لباس وفرش لها أحسن غرفة في القصر،
وأوصى أمه وأخته بها، لكنهما كانا بغياب علاء الدين يعاملاها معاملة الخادمة
ويقسوان عليها.
أما علاء الدين فقد عشق الصبية ولم يعد
يصبر عليها، فقال لأمه أنه يريد أن يتزوجها، فحاولت أمه منعه من الزواج منها،
ولكنه أصرّ علي الزواج منها وعمل فرحاً كبيرًا وتزوجها، فوجدها مليحة وبنت ناس
وصاحبة نخوة وناموس، وصارت ترعى البيت وتنظفه وتكنسه، وتطبخ الطعام وعاشا حياة
سعيدة وفي أحسن حال.
بعد فترة من الزمن أراد علاء الدين أن
يسافر في رحلة تجارة بعيدة، فأوصى أمه وأخته أن يعتنيا بزوجته في غيابه، لكنهما
بعد أن سافر علاء جعلتا الصبية تخلع ملابسها، وألبستاها ثياباً عتيقة وسخة،
وضربتاها حتى ورم جسمها، وأعطياها كسرة خبز يابسة وطرداها من البيت، وهدّداها
إن عادت سيقتلانها.
وبعد رحيل الصبية ألبست الأم ثياب العروس
لابنتها، وزينتها حتى صارت مثل زوجة علاء الدين، وعملت قبراً على أنه قبر أخته،
ولما عاد أخبرته أن أخته ماتت، فحزن عليها حزنًا شديدًا، ورأى أخته التي تنكرت
على أنها زوجته حالتها متغيّرة، فسأل أمه عن هذا الأمر فقالت له: حالها تغيّر
من الحزن على أختك ومن غيابك عنها.
أما الصبية ست الحسن فقد مشت في البرية،
حتى وصلت إلى شجرة كبيرة جلست تحتها تستريح، فنامت من النعس والتعب، فمرّت
القاقا ورأتها على هذه الحال فأخذتها إلى البيت، واعتنت بها وعرفت قصتها فطيّبت
خاطرها وقالت لها: اصبري سيأتيك الفرج إن شاء الله، وتأخذين بثأرك من أعدائك.
في الصباح بنت لها القاقا قصراً أحسن من
قصر علاء الدين، وفيه حديقة وبستان فيه من كل الفواكه والثمار وما لذّ وطاب،
وعيّنت لها حراساً وحاشية وخدّاماً فعاشت في القصر كالأميرات
.
في يوم من الأيام مرّت أخت علاء الدين
العاملة زوجته المزيفة من قرب سور القصر، فشاهدت العنب في البستان، فعادت إلى
علاء الدين، وطلبت منه عنقوداً من العنب لأنها تتوحم، أرسل الخادم إلى القصر،
وطرق الباب فأطلّت عليه صاحبة القصر ست بدور من الشرفة وسألته ماذا يريد ؟ فقال
لها: يا ستي أريد عنقود عنب لزوجة الملك لأنها تتوحم، فردت عليه: " أمي
اشتهت التفاحة وأبي أكلها وحبل فيّ، والطاووس والقاقا تقاتلوا علي، وابن
الملك حملت أخته وردّت وحامها علي، روح يا مقص قص لسانه حتى لا يفسد عليّ".
فقصّ المقص لسانه، وعاد ( يلغلغ ) في الكلام فلم يفهم عليه سيّده شيئاً، وتعجّب
علاء الدين مما حصل للخادم، فأرسل الثاني فعاد يلغلغ مثل الأول، فغضب علاء
الدين وصمّم أن يعرف حقيقة الأمر، فذهب إلى القصر ودقّ الباب، فعرفته الفتاة
فأرسلت له الخادم ليسأله ما يريد، فقال للخادم: لقد أرسلت خادمي ليطلبا عنقوداً
من العنب، فعادا ولسانهما مقطوع، فقصّ عليه الخادم القصة وكيف طلبا،
وماذا ردّت عليهما ست الحسن، وكيف أن المقص قطع لسانهما، ولما سمع علاء الدين
القصة شكّ بالأمر وأن سراً خطيراً وراءه، فطلب مقابلة صاحبة القصر، فأمرت
الخادم أن يدخله فرآها مثل الأميرات جالسة على عرش من الذهب سبحان الذي خلقها،
فعرفها وعرفته وسألها عن قصتها، فحكت له ما جرى معها منذ أن تركها وسافر وحتى
الآن وما فعلت بها أمه وأخته، فغضب من أمه وأخته لأنهما خدعتاه، وصمم أن ينتقم
منهما، فطلبت منه ست بدور أن يحضرهما إلى القصر، فذهب الخادم ودعاهما إلى
القصر، ولما دخلا إلى الحديقة هفّت نفسهما على الفواكه الشهية، فأكلا منها
بنهم، وأمرت سيدة القصر الخادم أن يفلت الكلاب الجائعة عليهما، فهجمت عليهما
ونهشت لحمهما ولم يبق منهما إلاّ العظام، وأمر علاء الدين الخدم أن يجمعوا
العظام ويدفنوها، وبينما كانت الست بدور تمشي في الحديقة دعست على عظمة منها،
فصدر عن العظمة صوتاً ( زيق ) فقالت: الفتاة زيق زقّك، حزن دقّك، أنت متّي وأنا
استوفيت. وعاشا في لذّة ونعيم وطيب الله عيش السامعين.
قمـع الرفـوف
الراوي: عبد الرحيم العمر
كانت صبية اسمها " قمع الرفوف" تعيش مع
والدها وخالتها، وكان أبوها رجلاً بسيطاً ومسكيناً، وخالتها كانت متضايقة منها،
وتعمل على التخلص منها. في إحدى الليالي أمرتها أن تنام على السطح وحدها، فقالت
لخالتها: إنها تخاف أن تنام وحدها. فأصرّت خالتها على ذلك وإلاّ ستطردها
وضربتها وأجبرتها على الصعود إلى السطح حزينة وخائفة، فصعدت الصبية وجلست في
العتمة، ولم تستطع أن تنام، فبقيت سهرانة طوال الليل، ولما ظهر القمر في
السماء، أنست وفرحت به وصارت تغني له:
أهلا وسهلا بأبو الغرايب
بالليل عندي وبالنهار غايب
فسمعت خالتها غناءها فنقلته لأبيها وقالت
له: انظر ابنتك عاشقة وتغني لحبيبها. فغضب الأب وصعد إلى السطح، فتيقن من الأمر
وسمع غناء ابنته وأحس بالعار، وفكر بطريقة يتخلص بها منها، فأشارت عليه زوجته
أن يأخذها إلى الغابة لتقطف معه الرمان، وهناك يتركها فتأكلها الوحوش.
في الصباح أخذ الرجل ابنته إلى الغابة،
ونزلا تحت شجرة الرمان، فمدّت البنت يدها لتقطف الرمان فضربها بالسيف فقطعها،
ومدّت الثانية فقطعها وقطع رجليها، وتركها غارقة في دمائها وعاد إلى بيته.
أرسل الله للصبية زوج من الحمام، وقف
أحدهما عند رأسها والآخر عند رجليها. قالت إحداهن للأخرى: إذا أكلت قمع الرفوف
الرمان بقشره، ولحست مكان الجرح تلتصق يديها ورجليها مكانيهما، ويعودون كما
كانوا بإذن الله، ورميا لها خاتماً من الماس وطارا في السماء.
سمعت الصبية الكلام وفعلت كما قالوا،
فقامت تمشي كما كانت وأحسن من الأول، ووجدت الخاتم بجانبها فلبسته، ومشت في
الغابة حتى تعبت، فجلست تحت شجرة تبكي وشعرت بالبرد، وفتّشت حولها فوجدت جلد دب
فلبسته، ونامت حتى الصباح.
صادف أن ابن الملك خرج يومها للصيد
في الغابة، فمر قربها فرآها من بعيد وظنها دباً نائماً فقال لمن معه: كل الصيد
لكم أما هذا الصيد فهو لي، ولفّها بشبكة وحملها على فرسه، وعاد بها إلى البيت.
وضعها في حديقة القصر وربطها في إحدى الأشجار ووضع لها بعض الحشيش وتركها.
بعد
أيام صار عرس كبير في البلد، فلبس ابن الملك أحسن الثياب وخرج إلى العرس، فمرّ
من أمام قمع الرفوف، فسألته أن يأخذها معه فردّ عليها مستهزئا، هذا ما ينقصني
أن تذهب الدبّة معي إلى العرس ..! فحزنت قمع الرفوف وبقيت بعد ذهابه فترة من
الزمن، ثم فركت الخاتم وتمنت أحلى الثياب، فحضرت أمامها لبستها، فظهرت كبنات
الملوك، وذهبت مسرعة إلى الحفلة فلفتت أنظار الناس بحسنها وجمالها، ورقصت أحلى
الرقصات ثم أخذت منديل ابن الملك، ودبكت على الأول بجانب ابن الملك، فطيّرت
عقله وتعلّق قلبه بها كثيراً، وقبل نهاية الحفلة اختفت، وعادت إلى مكانها في
الحديقة.
عاد ابن الملك إلى قصره حزيناً مكسور
الخاطر، وقلبه مشغول بالأميرة، مرّ من قرب قمع الرفوف، فسألته عن حاله فردّ
عليها منزعجاً: اتركيني بحالي ما لي نفس أن أتكلّم مع أحد.
في اليوم التالي لبس ابن الملك أحلى
الثياب وتزين أحسن زينة، وخرج ذاهباً إلى الحفلة فقالت له قمع الرفوف: خذني معك
إلى الحفلة ولن تندم، فردّ عليها ماذا سأفعل بك ؟ ابق مكانك أحسن لك وخليك في
حالك، وفعلت قمع الرفوف مثل اليوم الأول، وبعد أن دبكت وتعبت جلست بجانب ابن
الملك تسايره، فأخرج علبة الدخان، ولفّ منها سيجارة فطلبت العلبة ودخّنت منها،
وخبأتها في ملابسها، فسألها ابن الملك من تكون ؟ ومن أهلها ؟ وأين تسكن ؟ فلم
ترد عليه، فطلب أن يقابلها فقالت له: غداً بعد العصر اصنع لنا " سيّالة"
وستجدني عندكم، ففرح الأمير وعاد إلى قصره مسروراً متلهفا للقاء حبيبته.
في اليوم التالي طلب من أمه أن تصنع له
السيّالة فقالت له: لا أعرف كيف يصنعونها، فردّ عليها: ( دبري حالك )، وتركها
وذهب. جلست أمه حزينة محتارة، فسألتها قمع الرفوف عن حكايتها فقصّت عليها أمر
السيّالة وطلبات ابنها، فقالت لها: هذا بسيط جهّزي لي بعض الحنطة والسمنة
والقشدة والسكر، واتركي الباقي علي، ففرحت الأم وأحضرت لها ما تريد، فركت قمع
الرفوف الخاتم، وطلبت منه أن يصنع السيّالة، فأصبحت جاهزة في الصينية خلال
لحظات، ووضعت فيها منديل ابن الملك وعلبة الدخان، ولفّت صينية السيّالة وأعطتها
إلى الأم، فحملت الأم الصينية إلى ولدها ووضعتها أمامه، فشم رائحتها اللذيذة
وفرح بها كثيراً، وجلس ينتظر حبيبته فتأخّرت عليه، وطال انتظاره، ففكّ الصرّة
عن الصينية، فوجد منديله وعلبة الدخان فيها، فطار صوابه وصاح، ووقع مغشياً
عليه. حملوه إلى غرفته، ولما أفاق، سأل أمه من صنع السيالة؟ فقالت له: أنا
صنعتها. فأقسم عليها أن تقول الحقيقة، عندها اعترفت له أن قمع الرفوف هي التي
صنعت السيالة، لم يصدّق وجلس في الحديقة طول الليل يراقب الفتاة، حتى رآها بعد
منتصف الليل ترفع الجلد عن رأسها، لتمشّط شعرها على ضوء القمر، فشاهد شعرها
الطويل الناعم، ووجهها الجميل كالقمر. هجم عليها ومزّق الجلد عنها وأحرقه،
فبانت صبية جميلة لم ير مثلها في الدنيا، فحملها إلى القصر، وسألها عن حكايتها
فحكت له قصتها من أولها إلى آخرها وحتى أحضرها معه إلى القصر، فطيب خاطرها وزاد
حبه لها وطلبها للزواج منه فوافقت، وأقاموا الأفراح والليالي الملاح وعاشوا في
سبات ونبات، وخلفوا صبيان وبنات.
الحجـر المسـحور
الراوي: فرحان العموري
كان في قديم الزمان، صياد سمك فقير الحال
يتعب كثيراً طوال النهار، وبالكاد يصيد بعض السمكات الصغيرة ويعيل أسرته ويؤمن
لهم قليلاً من الطعام. ونتيجة حظه السيء ويأسه من النتيجة امتنع أياماً عديدة
لا يخرج إلى الصيد حتى هدّهم الجوع، فطلبت منه زوجته أن يخرج إلى البحر ورجته
أن يجرّب حظه هذه المرّة لعله يصيد بعض السمك، وتحت إلحاح زوجته أخذ شبكته
ووضعها على كتفه، وخرج إلى مكانه المعتاد على البحر، رمى الشبكة وأخرجها بعد
ساعة فوجدها فارغة، ورماها ثانية فكانت أيضا فارغة، ثم ثالثة ورابعة حتى قاربت
الشمس على المغيب دون نتيجة، فعزم أن تكون هذه المرة الأخيرة فرمى الشبكة وبعد
قليل سحبها فوجدها ثقيلة. فرح كثيراً وظن أنها مليئة بالأسماك فعالجها كثيراً
حتى رفعها بصعوبة، وفوجئ بأنها فارغة إلاّ من حجر بقدر رأس الحصان، فحزن على
هذا الحظ التعس، وغضب وحملها ليرميها في البحر، فسمع صوتاً يقول: يا صياد لا
ترميني، بنفعك احتفظ فيني.
لم يصدّق أذنيه وهمّ برميها ثانية، فسمع
الصوت مرة أخرى, فعرف أن الحجر تكلّمه وأن في الأمر سر كبير، فحملها وعاد إلى
بيته. عندما رأته زوجته يعود بحجر دون سمك وطعام انزعجت ولامته وعنّفته كثيراً،
فقال لها: اصبري حتى نرى آخر هذا الأمر وحدثها عن سر الحجر، فقالت: سنصبر ونرى
إن كانت هذه الحجر ستطعمنا أم سنموت من الجوع، ونامت ونام الأولاد جائعين وبقي
الرجل ساهراً يراقب الحجر دون جدوى...
في الصباح وجد الرجل كيساً من المال على
الحجر، فطار عقله من الفرح، وأخذه وأيقظ زوجته والأولاد وغنوا ورقصوا من البهجة
والسرور، وأيقنوا أن الصبر مفتاح الفرج. ونزل الرجل إلى السوق فاشترى لحماً
وسمناً وزيتاً وخضاراً وفاكهة، وعاد بها إلى البيت، فأكل الجميع حتى شبعوا
ولبسوا ملابس جديدة وأمضوا اليوم في فرح وسرور.
في صباح اليوم التالي وجد كيساً آخر فطار
من الفرح، وأصبح كل يوم يجد كيساً جديداً، فتحسّنت الأحوال وأصبح من الأغنياء،
فبنى قصراً فخماً وفرشه بأحسن الفرش، وبقوا ساكتين لا يقولون شيئا عما جرى معهم
بعد أن أوصاهم الحجر أن لا يفشوا سرّه لأحد وإلا خسروه إلى الأبد.
لاحظ الجيران تغيّر أحوال جيرانهم وهذا
الغنى الكبير المفاجيء على جيرانهم الفقراء، فاستغرب الجميع هذا الأمر، وبدأوا
يتساءلون ويتهامسون عن حقيقة السر العجيب، وأخذوا يتساءلون عن سبب هذا التغير،
وبدأت الناس تزورهم وتتودّد إليهم وتجمعت النساء حول زوجة الصياد وأخذوا يسألون
الزوجة عن سر غناهم فلم تجبهم في البداية، لكنهم ألحّوا عليها ولا حقوها
بالأسئلة، فعجزت المرأة عن المقاومة، وضاقت نفسها بالسر فباحت به لجاراتها,
وأخبرتهم عن حقيقة الحجر المسحور، وصارت تفتخر بأحوالها وقصرها وغناها، وتتباهى
بين النساء، وبسرعة فشى السر من واحد إلى آخر حتى شاع بين الناس، فعرف الجميع
قصة الحجر المسحور وحسدوهم عليه.
في الصباح استيقظ الجميع ووجدوا أن القصر
قد اختفى ووجد الرجل والمرأة والأولاد أنفسهم في كوخهم القديم، وقد فقدوا القصر
والأموال والعز والجاه، وبحثوا عن الحجر في كل مكان فلم يجدوه، وعادوا إلى
حالهم القديم.كما كان ...
اللـولـو بأغـصانو
الراوية: وردة الشيشكلي
كان يا مكان في قديم الزمان كان في تاجر
كبير عنده ثلاث بنات. أراد أن يذهب إلى الحج فجمع بناته وسألهن عن طلباتهن،
فقالت الكبرى: إنها تريد ثوبا من حرير، والوسطى طلبت أساور من ذهب، أما الصغرى
ففكرت قليلا ثم قالت له: أريد اللولو بأغصانو.
ذهب الرجل إلى الحج ولما انتهى من
المناسك، نزل إلى السوق ليشتري هدايا لبناته، فاشترى ثوب الحرير، وأساور الذهب،
وسأل التاجر عن اللولو بأغصانه ؟ فاستغرب طلبه وأرسله إلى جاره. فتعجب الآخر من
طلبه وأرسله إلى جاره، وبقي يسأل حتى وصل إلى شيخ التجار، فقال له شيخ التجار:
يا رجل أنت تاجر كبير وعاقل، فلا تطلب مثل هذا الطلب، حتى لا يضحك عليك الناس،
لأن اللولو بأغصانو هو ابن ملك الجان الأحمر، فكيف تشتريه لابنتك فغضب الرجل
غضبا شديداً من ابنته وصمّم أن ينتقم منها.
لما عاد إلى بيته سلّم الهدايا لابنتيه،
وأتى بحبل وربط الصغيرة، وأقسم أن يعطيها للنخاس حتى يبيعها في سوق النخاسين
بأرخص الأثمان وتبقى عبدة طوال عمرها، فأنزلها العبد إلى السوق ليبيعها فوصل
الخبر إلى ابن ملك الجان الأحمر اللولو بأغصانو، فأرسل عبده مسروراً في الحال
مع كيس من الجواهر، ليشتريها ويحضرها إليه معصبة العينين، ففعل مسرور وفرح
التاجر بالذهب والجواهر، وسلّم الصبية لمسرور, الذي عصّب عينيها وسار بها، وبعد
قليل وجدت نفسها في قصر مليء بالجواري، والعبيد، والحدائق، والأزهار كأنه جنة
من الجنان، ولم يكن معها في القصر إلا مسروراً.
في المساء وضعوا لها العشاء مما لذّ
وطاب، فأكلت حتى شبعت ثم أحضر لها مسرور كأسا من الشراب اللذيذ، فشربته ونامت
ولم تستيقظ إلاّ في الصباح، فوجدت إلى جانبها منديلاً، فسألت مسروراً عنه ؟.
فقال لها: هو من زوجك اللولو بأغصانو، وسيفيدك عند اللزوم. سألته لماذا لا تراه
ويحضر إليها ؟. قال: لا أعرف متى سيظهر لك ؟.
بعد أسبوع وجدت منديلاً آخر ثم بعد
فترة منديلاً ثالثاً. سألها مسرور مرة إن كانت تريد أن تزور أهلها؟ فأجابته:
نعم. فعصّب عينيها ثم فتحتهما وفجأة وجدت نفسها في بيت أهلها، فرحبت بها أمها
وسألتها عن حالها وعيشتها، فأجابت: بأنها تعيش أحلى عيشة ولا ينقصها شيئاً من
المال واللباس والطعام، وسألتها عن زوجها، فقالت لها: لم أره حتى الآن فهو يأتي
يوم في الجمعة وأنا نائمة، ويذهب قبل أن أفيق ويترك لي منديله، فسألتها: ماذا
تفعل قبل أن تنام ؟. قالت: أتعشى ويعطيني مسرور شراباً لذيذاً، اشربه ثم أنام.
قالت لها أمها: إذا أعطاك الشراب فغافليه واسكبي الشراب في المزهرية، وتظاهري
بالنوم لتري ما يحدث ؟ وعندما حل المساء جاء مسرور فعصّب عينيها ثم فتحتهما،
فوجدت نفسها في القصر، ولما قدم لها الشراب، غافلته وأفرغته في المزهرية
وتظاهرت بالنوم. حملها مسرور إلى غرفة النوم ووضعها على السرير، وجاءت الجواري
فألبسنها أحلى الثياب، وزيّنوها بأجمل الحلي ثم خرجن، فدخل الملك اللولو
بأغصانو وضمّها بين ذراعيه، وأخذ يكلّمها عن حبّه وشوقه لها وهي نائمة، وأمضى
معها السهرة ثم أطفأ الضوء ونام. الصبية سمعت ورأت كل شيء، ولكن عملت نفسها
نائمة، وعندما تأكّدت أنه استغرق بالنوم، نهضت وأشعلت شمعة ونظرت إليه، فبهرها
حسنه وجماله، وأحبته أكثر وتعلّقت روحها فيه، ونظرت إلى بطنه فوجدت على سرّته
قفل ومفتاح، فتلهفت لتعرف ما فيه، فتحت القفل فظهر وراءه باب، دخلت فيه فوجدت
سوقاً كبيراً فيه من جميع الأشكال والألوان والبضائع وأهل الحرف، يبيعون
ويشترون ويصنعون الأدوات، ونجارين وحدادين وصيّاغ وكل الصناع، فأخذت تسأل الناس
عما يفعلون فيجيبونها: أنا أخيط ملابس لابن الملك، والثاني يصنع سريراً لابن
الملك، وآخر يصنع قلادة لابن الملك، وغيره يصنع فرشة ولحافاً لابن الملك لأن
الملك تزوج، وزوجته حامل وستلد عن قريب، وينتظرون مولودها ليهدوه هذه الهدايا.
فرحت عندما علمت بهذه الأمور، وبعد أن
انتهت من جولتها، عادت وخرجت كما دخلت، وأرادت أن تقفل القفل، فسقطت نقطة من
الشمعة على سرّته، فأفاق الملك وعرف ما فعلت، فغضب غضباً شديداً. وقال: لقد
خنتني وعرفت ما لا يجب أن تعرفيه، وتعجّلت في كشف السر، وما جزاء الخائن إلاّ
الموت، فتدخلت عليه وأعلنت ندمها وتوبتها ورجته أن يعفو عنها, وأنها أحبته من
قلبها فلم يردّ عليها، وأمر مسرورًا أن يأخذها، ويذبحها ويأت له بكأس من دمها،
فحملها مسرور إلى البرية وأراد أن يذبحها فرقّ قلبه عليها، فتركها وذبح طيراً
وملأ كأساً من دمه وعاد به إلى سيّده.
أما البنت فقامت ومشت في البرية حتى وجدت
كوخاً فيه عجوز، فأدخلتها وأشفقت على حالتها، وأطعمتها ورحبت بها، وقالت لها:
إنها وحيدة وستجعلها ابنتها، وبقيت عندها حتى ولدت غلاماً مثل أبيه في الحسن
والجمال، وربّت ابنها ورضيت بقسمتها، والعجوز فرحانة فيها كثيراً.
في أحد الأيام جاءت العجوز من السوق، وهي
تكاد تطير من الفرحة، وقالت للبنت: سنرتاح من الأكل والشرب ثلاثة أيام، لأن
الملك اللولو بأغصانو أقام عرساً كبيراً مدة ثلاثة أيام، والناس لا تأكل ولا
تشرب إلا من بيت الملك، واليوم السهرة في قصر الملك، فجهّزي نفسك حتى نذهب إلى
الحفلة. اعتذرت منها البنت لأنها تعبة، وبعد مدة من الزمن أخرجت منديلاً من
مناديل الملك، وطلبت ثياب ملكات فحضر أمامها كل شيء، لبست أحلى البدلات حتى
صارت أجمل الأميرات، وذهبت إلى حفلة الملك، وربطت منديلها على الباب ودخلت
فلفتت أنظار الجميع، ورقصت أحلى الرقصات، وفي نهاية الحفلة فقدت منديلها فلم
تجده، فصارت تغني:
(
منديلي منديلي، شراقي من بلد العراقي،
شاغلته ست الحسن يا مين يلاقي ).
فضج الناس وصاروا يفتشون عن المنديل
فغافلتهم، وهربت وعادت إلى بيت العجوز.
دخلت عليها العجوز فقالت: آه يا بنتي لو
ذهبت إلى الحفلة لرأيت أحلى الأميرات، ونجمة السهرات وقد ضيعت منديلها
الذي أخذه الملك، وصار يسأل عن صاحبته، فاختفت ولم يعرف أحد من هي ؟.
فضحكت البنت، وقالت يعوّض الله.
في اليوم الثاني لبست العجوز ثيابها
وطلبت منها أن تذهب معها إلى الحفلة، لترى ما يحدث فاعتذرت وقالت لها: ابني
مريض وسأبقى بجانبه، فتركتها وخرجت، وبعد فترة قصيرة أخرجت المنديل الثاني،
ولبست أحلى الثياب وذهبت إلى الحفلة، وعلّقت منديلها على الباب، ودخلت فرحّب
بها الحاضرون، وغنّت حتى تعبت ورقصت، وعندما أرادت أن تخرج لم تجد منديلها في
مكانه فغنت:
(
منديلي منديل مطرّز وباللولو مخرّز، شاغلته
ست الحسن، يا مين يتفرج )
انشغل الناس بالبحث عن منديلها فغافلتهم
وهربت. في البيت حكت لها العجوز ما حدث فضحكت ولم ترد. في اليوم الثالث أيضا
ذهبت إلى الحفلة، وأخرجت المنديل الثالث، ولبست ثياباً أجمل من ثياب الملكات
وأتت إلى الحفلة. أما الملك فقد صمّم أن يعرف صاحبة المنديل، فأخذ المنديل الذي
عرفه أنه من مناديله، ودخل يراقب صاحبته من بعيد وقد أعجبه وسحرته بجمالها،
وبعد أن رقصت وغنّت وطيّرت عقل الجميع، فقدت منديلها فلم تجده، فغنت:
(
منديلي هوني هوني، مطرز بعرق ليموني، شاغلة
كاملة الحسن، الله يظلم الّلي ظلموني
).
وعندما أمسكها الملك وعرف أنها زوجته،
وأنها ولدت له غلاماً جميلاً وأنها تعيش مع العجوز، حوّل الملك العرس على زوجته
السابقة، وجاء بالولد فوجده يشبهه تماماً وعلى سرته قفل ومفتاح، ففرح به كثيراً
وعاشوا جميعا باللذة والنعيم وطيب الله عيش السامعين.
الشاطـر حسـن وأمـه
الراوية: كرجية رسلان
كان شاب مثل القمر اسمه الشاطر حسن، وسيم
الطلعة، كثير الحركة، يعيش على الشطارة والحيلة وخفة الدم، يحبه الناس جميعاً
لحسن أخلاقه، وكانت أمه امرأة عجوز صاحبة دين لا تترك وقتاً من الصلاة، تحب
ابنها وتدعو له دوماً بالرضى، وكانت تطلب من ابنها أن يتزوج بنت حلال، وصاحبة
أصل تساعدهما في عمل البيت، وتنجب لهما الأولاد من الصبيان والبنات وتفرح به
على حياتها، فكان يضحك ويقول: لا أتزوج حتى أجد بنت أحلى من القمر، وطبخها أطيب
من طبخك. فتدعو له أن ينال مراده.
في يوم من الأيام وهو يتجول بين الحقول
والبساتين، لمح صبية مثل البدر التمام، تضع نقاباً على وجهها وتحمل صينية على
رأسها، فاعترضها وسلّم عليها وسألها: ما تحمل على رأسها ؟. فأجابته: أنها تحمل
الغداء إلى والدها في الحقل، فطلب منها أن يذوق طعامها، فوضعت الصينية أمامه،
فأكل لقيمات فوجده شهي الطعم لم يذق مثله في حياته، فسألها عن بيتها، فدلّته
عليه ومضت في حال سبيلها.
عاد حسن إلى أمه ملهوفاً، وقال لها:
البشارة عندك، لقد وجدت أحلى عروس في البلد، وطعامها أطيب طعام ذقته في حياتي،
وطلب منها أن تذهب بسرعة و تخطبها له.
حاولت أمه أن تؤخّره أياماً حتى تسأل عن
أصلها وفصلها قبل أن تخطبها، لكنه أصرّ على رأيه.
ذهبت الأم وخطبت الفتاة, وبعد أيام أقام
العرس وتزوجها فسرّ بها، وقضى معها أجمل الأوقات وطبخت له أشهى المأكولات، وبعد
فترة من الزمن بدأت الفتاة تسيء معاملة أمه، وتشكو عليها كلّ يوم، وهو يحاول أن
يرضيها ويطيّب خاطرها دون جدوى.
في يوم عاد من الصيد ومعه إوزّة كبيرة،
وطلب من أمه وزوجته أن يطبخوها بالرز والصنوبر، وخرج إلى عمله. أمرت العجوز
كنتها أن تنقّي الرز ولا تضيع منه حبة واحدة، فأخذته وصارت تنقيه فسقطت منها
حبة وجاء الديك وأكلها، فأمسكت به وذبحته وأخرجت الحبة منه، فغضبت العجوز منها
وبهدلتها وضربتها، فانزعجت الكنّة ودخلت غرفتها وأغلقت عليها الباب.
عاد حسن إلى البيت فوضعت له أمه الطعام،
أكل منه فلم يعجبه، سأل أمه: من طبخ الإوزة ؟. فحكت له القصة، فدخل على زوجته
فوجدها زعلانة وحزينة. حاول إرضاءها فلم ترض، وقالت له لقد طفح الكيل ولم أعد
أتحمّل أكثر من ذلك، إما أنا وإما أمك في البيت.
فكّر
حسن قليلاً فلم يجد حلاً سوى أن يأخذ أمه إلى المغارة في سفح الجبل يضعها هناك،
ويجلب لها الطعام كل يوم، وبما أنها أصبحت عجوزاً يمكن أن تقضي بقية حياتها
هناك وتريح وترتاح.
في الصباح حمل أمه على الحمار مع بعض
الزاد والماء، وأوصلها إلى المغارة وعاد، وعاشت العجوز في المغارة حزينة وحيدة
تصلي وتصوم، وتدعو الله أن يهدي ابنها ويحفظه ويسعده، وكان حسن يحضر لأمه
الطعام والماء كل أسبوع، ويتفقّد أحوالها وحاجاتها ويعود.
في أحد الأيام أتى إلى المغارة شابان
جميلان يشعّ النور من عينيهما، فسلّما على العجوز فردّت عليهما أحلى السلام،
ودعتهما ليرتاحا ويتناولا الطعام معها، ويسلّيانها فشكراها على كرمها وأخلاقها،
وسألها الأول: ما رأيك في الصيف ؟. فأجابت: الصيف جميل، ليله مقمر، ونهاره
دافئ، وخيره كثير من الفواكه والثمار والخضار الله يبارك فيه.
سألها الثاني: ما رأيك في الشتاء ؟.
فقالت: الشتاء كله خير، تنزل فيه الأمطار ويزرع فيه الناس ويسهرون حول النار،
ولولا الشتاء ما جاء الصيف، ولولا الصيف ما جاء الشتاء.
أعجبهما جواب العجوز، فدعا لها الأول أن
يخرج من فمها جوهرة كلما نطقت بكلمة، وأشار الثاني إلى الأرض فتفجّر نبعاً ماؤه
كالزلال، ونمت حوله الأشجار وحملت من كل أنواع الثمار، ثم ودّعاها وغابا عن
الأنظار. فرحت العجوز وأخذت تشرب من الماء وتتوضأ لكل صلاة، وتأكل من الفواكه
اللذيذة، وتحمد الله على هذه النعمة العظيمة.
عندما جاء ابنها يتفقدها شاهد الأرض غير
الأرض، والخير كثير والماء وفير، وأمه تعيش في جنة، فتعجّب وسألها عن القصة
فحكت له حكاية الشابين، وكلما كانت تنطق بكلمة يخرج من فمها جوهرة، فزاد عجبه
وفرحه، واعتذر من أمه، وطلب منها السماح فرضيت عليه، وحملها على الحمار وعادا
إلى البيت، فاستقبلها الناس والجيران وفرحوا بالجواهر التي تخرج من فمها،
ووصاروا يجمعونها ويأخذونها إلى بيوتهم.
لما رأت زوجته ذلك ذهب غضبها وانزعاجها
ورحبت بحماتها وصارت تجمع الجواهر منها، ثم اختلت بزوجها وطلبت منه أن يأخذ
أمها إلى المغارة التي وضع أمه فيها، فوعدها بذلك.
في الصباح حمل أم زوجته ووضعها في
المغارة وعاد، وبعد أيام حضر الشابان إلى العجوز الثانية فسلما عليها، فلم ترد
عليهم السلام وقالت لهما بلهجة منزعجة: ماذا تريدان، ولماذا أتيتما ؟ فسألاها
عن بعض الطعام والشراب، فقالت بغضب: ليس عندي لا طعام ولا شراب، فسألها الأول:
ما رأيك في الصيف؟. فقالت: كله حرّ وشوب وتعب وغبار الله لا يعيده، وسألها
الثاني: ما رأيك في الشتاء؟. فأجابت: أرذل من الصيف ليس فيه سوى البرد، والثلج
والوحل الله لا يفرجينا إياه.
غضب الشابان من كلامها وأشار الأول إلى
الأرض، فجفّ النبع ويبست الأشجار، واختفت الخضرة وأصبحت الأرض قاحلة جرداء،
ودعا لها الثاني أنها كلما قالت كلمة تخرج من فمها حصاة، فشتمتهم وسبّتهم،
فتركوها ومضوا في حال سبيلهم.
بعد أسبوع أتى حسن ليعيد أم زوجته، بينما
جمعت زوجته الناس لاستقبالها بالزينة والطبول والأفراح، ولما وصل حسن إلى حماته
العجوز، وجد الأرض قاحلة ليس فيها عرق أخضر ولا نقطة ماء، ورأى حماته تكاد تموت
من العطش، والجوع فسألها عن حكايتها؟ فأخذت تسبّه وتلعن الساعة التي تعرّفت بها
عليه، وكلما نطقت بكلمة خرجت من فمها حصاة تصيب وجهه، فتعوذ بالله من الشيطان
ولعن الطمع وسوء الأخلاق، وحملها على الحمار وعاد إلى البيت.
وفي الضيعة استقبلها الناس يرحبون
بعودتها، وينتظرون الجواهر منها، فأخذت تسبّهم وتلعنهم ويخرج من فمها الحصى,
يضرب وجوه الناس، فهربوا من أمامها وتركوها وحدها.
لما رأت ابنتها هذا الحال أخذت تبكي
وتنتحب على أمها، فوضعها الشاطر حسن وراء أمها على الحمار وطردها من البيت،
وعاد إلى أمه وقبل يدها وطلب منها الرضى والغفران، فدعت له بالتوفيق والسعادة
والهناء، وخطبت له بنت الجيران، وعاشوا في هناء وسبات ونبات وخلفوا الصبيان
والبنات.
----------------------------------------------------------------------
إلى (حكايات
شعبية2)
|