أصدقاء القصة السورية

الصفحة الرئيسية | خريطة الموقع | مكتبة الموقع | بحث | مواقع | من نحن | معلومات النشر | كلمة العدد | قالوا عن الموقع | سجل الزوار

إصداراتي الأدبية

أكثر من 25 مليون زائر، لموقع القصة السورية، رغم إنشغالي بالكتابة للثورة السورية، خلال الأعوام العشرة الأخيرة

يَحيَى الصُّوفي

SyrianStory-القصة السورية

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

 

 

السابق أعلى التالي

التعديل الأخير: 04/09/2022

الكاتب: د. طارق البكري-لبنان

       
       
       
       
       

 

كامل الكيلاني رائداً لأدب الطفل

نماذج من أعمال الكاتب

بطاقة تعريف الكاتب

 

 

 

 

بطاقة تعريف الكاتب

 

مواليد : بيروت 5/12/1966

 

الشهادات:

1 – دكتوراه: مجلات الأطفال ودورها في بناء الشخصية الإسلامية / جيد جدا/ 1999

2 - ماجستير: الصحافة الإسلامية في الكويت مجلة المجتمع نموذجا / جيد/ 1996

3 - ليسانس : لغة عربية / جيد جدا مع مرتبة الشرف / 1991

4 – ماجستير فني اللغة العربية وآدابها في جامعة الكويت (كامل كيلاني رائدا لأدب الطفل العربي) 2005

 

الخبرات:

عمل وكتب في عدد كبير من الصحف والمجلات اللبنانية منها :

جريدة اللواء و النهار والسفير وتولى إدارة تحرير مجلة الرسالة اللبنانية لمدة 5 سنوات متتالية .

عمل في إذاعة صوت الوطن اللبنانية لمدة 7 سنوات في قسم الأخبار لغاية سفره وانتقاله إلى الكويت بدعوة من جريدة الأنباء الكويتية .

عمل في جريدة الأنباء مدة 8 سنوات متتالية تولى فيها مهمات متعددة منها الإشراف على صفحة يومية للطفل وتحرير عدد من الملاحق اليومية

تولى إدارة مجلة براعم الإيمان بتكليف من وزارة الأوقاف لمدة سنة ونصف السنة

شارك في لجنة رسمية لتطوير العمل الإعلامي الخاص بوزارة الأوقاف

إدارة تحرير مجلة الفرحة الكويتية في الفترة الأولى من انطلاقتها

عمل مراسلا لإذاعة الشرق التى تبث من باريس

عمل في إذاعة الكويت قسم الأخبار السياسية

يعمل حاليا في مجلة أسرتي ويتولى تحرير (أولاد وبنات) ملحق يصدر عن مجلة أسرتي إلى جانب عمله في مركز فهد المرزوق لثقافة الطفل

تولى أيضا العمل كسكرتير تحرير إدارة الإصدارات الخاصة في جريدة القبس الكويتية

سكرتير تحرير مجلة التقدم العلمي

كتب في العديد من الصحف العربية وأجريت معه العديد من اللقاءات المحلية والعربية 

 

الإصدارات:

صدر له العديد من الكتب والقصص الخاصة بالأطفال والكبار وترجمت بعض أعماله الى الفرنسية والإنكليزية منها :

مجموعة الغابة الغناء: دار العيساوي / سوريا / 4 قصص

مجموعة العلماء الصغار: دار حافظ / سوريا / 8 قصص

مجموعة العصفور الصغير كوكو / دار مكتبي / 8قصص

كتاب: مجلات الأطفال العربية / مصر / 2001

كتاب : مدرسة التجارة من جيل الكبار إلى جيل الشباب / دار المنار الكويت / 2003

كتاب: 50 قصة قصيرة للأطفال / دار الرقي بيروت / 2003

كتاب: قراءات تربوية في الإعلام الإسلامي / دار حافظ سوريا / تحت الطبع

كتاب: مجلات الأطفال الكويتية / دار مكتبي سوريا / تحت الطبع /

مجموعة قصصية للكبار: جراح ساخنة / دار حافظ/ تحت الطبع /

مجموعة قصصية صدرت موخرا عن: مركز فهد المرزوق لثقافة الطفل / الكويت/ هي بعنوان:

بائع الحلوى – صديقتي التي أحبها وتحبني – الباب الوفي المزعج – لعبة الحب – نور والقطة الجريحة

عن دار الرقي بيروت صدر له 18 قصة دفعة واحدة /2003/

صدر له 20 سي دي رسوم متحركة

صدر له شريط أناشيد بعنوان الحواس الخمس وغيرها كثير من القصص المنوعة

نشرت له العديد من المواقع

كما يوجد لديه العديد من الإسهامات الإذاعية والصحفية والتلفزيونية

زيارة موقع الكاتب     مراسلة الكاتب                                        للتعليق على القصص      مواضيع أخرى للكاتب

نماذج من أعمال الكاتب

صانع الأحلام

أين ينتهي البحر

البنت المقدسة 

 

البنت المقدسية

 

إكرام ابنة قرية مقدسية قديمة محتلة…

جدها مسعود لم ينزح من قريته قبل سنوات طويلة رغم أنهم  طردوه من بيته وأرضه.. فضل أن يبقى يفلح ترابه ويزرعه.. وإن كان يخدم من اغتصب بيته وبستانه فقد كان يؤمن بأنه لا يخدمه هو، بل يخدم الأرض التي يحبها.. ويعرف كل حبة رمل فيها.

لم يكن جد إكرام يفهم بالسياسة ولا بالعسكر..

كان متدينا بسيطاً، صحيح أنّه كان يصلي ويصوم ويحفظ آيات كثيرة من القرآن الكريم.. لكنه لم يكن يفهم إلا بالزرع والحصاد..

وبالرغم من معيشته الصعبة.. وما ذاقه من المحتلين من آلام وجراح.. رضي العيش في خدمة المحتل ولو دون بيت..

فهو يفضل النوم في ظل شجرة من أشجاره التي زرعها بيديه من أن يرحل ويعيش في قصر من القصور..

****

إكرام الصغيرة لم تعرف جدها الا بسماع قصص عنه..

استشهد قبل ولادتها بأعوام..

لم يقتل في معركة ضد المحتل، ولا في تظاهرة أو حتى مجرد اعتراض...

قتله ابن مغتصب أرضه التي ورثها عن أجداده.. 

قتله الصبي بعد أن أهداه أبوه بندقية جديدة بمناسبة بلوغه العاشرة من عمره..

أراد الصبي أن يجرب بندقيته الجديدة.. وبدلاً من أن يجربها على عصفور أو فأر أو حتى صرصار؛ صوب بندقيته نحو قلب الجد مسعود..

كان مسعود يفلح الأرض ويسقيها عرقه..

رفع مسعود معوله إلى الأعلى ليهوي به نزولاً يشق الأرض..

فاجأته طلقة البندقية في قلبه مباشرة..

***

تعرف إكرام قبر جدها..

تحمل اليه من وقت لآخر عوداً أخضر تغرسه في تراب القبر..

تقرأ الفاتحة وتدعو له ولنفسها ولأسرتها.. ثم تغادر كما جاءت وعلى كتفها شنطة المدرسة..

***

والد إكرام  يحمل جنسية المحتل غصباً عنه..

لم يكن أمامه خيار: أما الإذعان أو الرحيل..

جدته (أرملة مسعود) رفضت الأثنين.. حبست نفسها في كوخ متهالك، قررت الموت في قريتها لتدفن قرب زوجها الشهيد..

عاشت الأسرة حياة بسيطة جداً، في حي تحيط به مساكن المحتلين كالسوار بالمعصم..

لم تكن إكرام تعرف الكراهية... كانت مثل جدها مولعة بالأرض...

***

في مدرستها طالبات كثيرات يشبهنها تماماً.. لكل واحدة منها قصص تحكيها...

هن يشعرن أنهن أسعد حظاً من نظيراتهن البنات اللاتي بمثل سنهن ويعشن خارج الوطن، أو تحت قصف الاحتلال وإرهابه في ما تبقى من وطن..

كانت هي أيضاً تظن أنها محظوظة لبقائها في أرض الوطن، بل أكثر حظا لأنها قريبة الى قبر جدها وتسكن داخل قريتها التي كانت..

هي تذهب الى المدرسة، وهن قد لا يذهبن، ويعشن ظروفاً قاسية..

هي تعيش في أمان مصطنع.. وهن يعشن في ساحات الدم...

لكنها لم تشعر بالأمن التام، فكل ما هو عربي حذر على الدوام...

***

تفتحت إكرام على هذا المشهد..

أقصى مكان تذهب اليه هو المدرسة في الصباح والعودة الى البيت ظهراً..

تحرص على الذهاب والعودة مسرعة..

تهرول جنب الحائط وتدخل البيت ولا تخرج الا عند الضرورة، وأحياناً تذهب الى جارتها مريم التي تسكن الحي نفسه لتراجع لها دروسها وتشرح لها ما غمض عليها في دراستها...

***

ومريم في الحقيقة ليست مدرسة.. لم تكن تعمل في مدرسة ولم تكن تعمل أبداً..

حاولت مراراً أن تجد عملاً، لكن ماذا تفعل بأطماع أصحاب العمل؟؟ عندما كانت تقول لهم: عيب عيب.. يضحكون ويطردونها قائلين بلكنة عربية  سخيفة: (ها ها.. روح حبيبي  روح ... دورلك مكان تاني).

لذلك قعدت مريم في البيت تعلم أبناء الحي وبناته.. تعطيهم دروساً خصوصية مقابل أجر زهيد... لكنه يبقى أفضل بمليون مرة من موافقة أصحاب العمل هؤلاء على طلباتهم...

***

في المساء..

وقبيل نومها.. تفتح إكرام نافذتها الصغيرة، تتمدد على السرير، ترمي ببصرها الى السماء تتأمل النجوم المنتشرة مثل حبات لؤلؤ حول القمر...

***

حي إكرام لا ينعم بالأمن التام مثل سائر الأحياء التي تحيط به...

تشكل تلك الأحياء حالة رعب..

لم يكن يمر يوم دون أن يعبث أحد بالحي.. زجاج يطاير.. سيارات تضرب بالحجارة.. بيوت تتعرض للسطو...

طفل يشج رأسه بضربة عصا...

القمر وحده صديق إكرام...

ليس هنالك أصدقاء...

أبواها مشغولان على الدوام... جدتها الكبيرة بالسن لا تستطيع الكلام وغالباً ما تكون نائمة..

أبوها وأمها يعملان عند تاجر محتل...

يعملان عنده مثل عبدين طائعين، ولا يستطيعان الاعتراض... فالجنسية الوهمية لا تؤمن أية حماية...

أذعنا للواقع كيلا يكون مصيرهما مثل جدها المسكين, أو الرحيل..

***

لم تكن إكرام تجد مسلياً غير القمر...

تبحث في المساء عن إذاعات عربية ومحطات عربية، لكنها تخفض الصوت كيلا يسمع أحد من الخارج...

تراقب حياة أطفال العرب.. كيف يعيشون وكيف ينعمون...

ثم تنظر للقمر.. تحلم بالحياة وللحياة...

ثم تغلق عينيها وتنام على حلم جديد..

****

وفي عصر يوم يسبق امتحاناً مدرسياً مهما... ذهبت إكرام الى مريم ..

تأخرت إكرام في بيت مريم.. كانت الدروس كثيرة وتحتاج الى شرح... مضى الوقت بسرعة... لم تنتبه إكرام الا بعد مضي وقت طويل...

بقيت إكرام في منزل مريم حتى غربت الشمس...

ولم تكن تتأخر يوماً ..

رجتها مريم أن تبقى عندها الليلة.. خافت على أبويها.. ستبكي أمها أن لم تعد الى البيت... ستظن أن عصابة خطفتها...

وما أكثر مثل هذه العصابات...

خافت من أن يخرج أبوها وأمها للبحث عنها فتؤذيهما تلك العصابات...

***

قررت الخروج فوراً والسير قرب الحائط على الطرف الثاني حتى تراها مريم لغاية وصولها الى البيت..

الكهرباء مقطوعة عن الحي مثل العادة...

قالت لها: خذي هذه الشمعة لتنير لك الطريق...

قالت الطفلة: لا أريد شمعة.. من الأفضل أن أمشي في الظلام كيلا يراني أحد..

أصرت مريم.. خشيت أن تصدمها سيارة في الظلمة.. أن تقع في حفرة.. وما أكثر الحفر في الحي...

أخذت الطفلة الشمعة بحذر..

سارت مسرعة نحو الرصيف قرب الحائط على الجانب الآخر من الطريق لتتمكن مريم من رؤيتها حتى وصولها البيت...

*** 

كانت مريم خائفة..

كانت إكرام خائفة...

الظلام تشقه شمعة؟

لم تعد مريم ترى في الظلام غير نور ضئيل يتحرك قرب الحائط...

رأت ضوء سيارة مسرعة... سمعت صوتاً مرعباً.. سمعت صراخ طفلة..

وزعيق أطارات سيارة..

ومن ذلك اليوم لم يعد أبناء الحي يضيئون شمعاً بليل...

 

 

 أين ينتهي البحر

 

قصة علمية

 

كان عقلي الصغير يوهمني أن البحر ينتهي عند منتهى النظر، وكنت أظن واهماً أنّ الشمس وقت المغيب تغسل وجهها بماء البحر، وتستريح بعد ذلك من عناء عملها طوال النهار فتنام ليلاً حتى مطلع الفجر... اعتقدت طويلاً، ولم أسأل الناس متحققاً من صحة اعتقادي، ربما لأنني أحب دائما الاحتفاظ بخيالاتي "المتحمسة" كيلا تدوسها خيول الحقيقة.. اعتقدت - واهما أيضاً - أنّ خط نهاية البحر الوهمي في عقلي يسكن سداً صلبا، يحول دون تسرب الماء من البحر فلا يتحول الى وادٍ سحيقٍ عميقٍ.. سداً يقف كالجبل الشامخ، يحجز الماء عن تدفقه... ظننت أن العالم ينتهي عند هذه النقطة.. وأن الماء لو تسرب من فجوة ما لسال في الفضاء.. ياااه.. يا له من خيال مضحك.. ومع ذلك لم أكن أريد تغيير "الحقيقة".. لكني اكتشفت - غصباً عني - أنّ الأحلام شيء و"البحر" شيء آخر..

***

عندما أصطحبني أبي برحلة بحرية بالحاح شديد مني.. نظرت الى بعيد بعيد.. وكلما أوغلت السفينة في أعماق البحر؛ ابتعد السد الوهمي عني حتى كاد يتلاشى.. وكنت أظنني أقترب منه.. لم أجرؤ على البوح بهذا الوهم "الحقيقة".. وددت الصراخ بأعلى صوت.. آمر البحارة بأن يقودوا السفينة نحو "السد".. كانت ضربات قلبي تشتد بارتفاع السفينة وهبوطها.. صعدت الى أعلى مكان في السفينة.. ساعدني أحد البحارة لأصل الى منارة السفينة... أعطاني منظاراً كبيراً.. اعتقدت أخيراً أني سأشاهد نهاية البحر.. أعتقد البحار أنني سعيد بما أراه من بحر عظيم.. صرت أبحث في كل اتجاه.. أبحث عن نهاية البحر، لا عن هيبته وجلاله.. تخيّلت في عقلي الصغير كيف يمكن للبحر أن يتجمد في نقطة ما من الأرض، ويصبح صلباً كالصخر.. وفيما بعد اكتشفت وهم طفولتي.. أحلام نهايات البحر.. وحزنت عندما اكتشفت: براءة الأحلام من حقيقتها..

***

لكن بعض أحلامي الطفولية تحققت.. رضيت من بقايا الطفولة الساحرة.. علمت أنّ في الأرض قطعاً من بحر متجمد.. رأيت بعينيّ كيف يصبح البحر جامداً كالصخر (حقا حقا)؟. عرفت أنّ هناك مناطق شاسعة متجمدة تماماً.. وأنّ الحرارة عند طرفي الأرض في شمالها وجنوبها وما يحيط بنقطة ارتكازها التي نراها في مجسمات أرضية، تهبط بشكل مخيف، ويصبح ميزان الحرارة دائما تحت الصفر بعشرات الدرجات.. رأيت كيف يصبح هذا البحر الهادر قطعة من الأرض..؟ وكيف يسير الناس بمراكب متزحلقة تجرها كلاب فوق ماء متجمد.. وهناك يحفر صيادون "البحر".. نعم.. يشقونه بفأس أو منشار، لا ليغرسوا شجرة بل ليرموا خيوط صيودهم الدقيقة وفي رأسها حديدة مسننة عليها شريحة سمك شهية، تجذب رائحتها الأسماك من أعماق بحر متجمد في قمته.. سائل في قعره.. تخيّلت في عقلي - الذي مازال يحلم - كيف يستقرّ الجامد فوق متحرك؟ وكيف يحفظ البارد الدافئ؟ ويثبت ناس ويسيرون بهدوء وسكون واطمئنان فوق جليد يخفي أمتاراً من أعماق مائية المتحركة..

****

دهشت أكثر عندما رأيت جبالاً بيضاءً.. جبالاً ناصعة.. ودهشت أكثر وأكثر عندما علمت أنّ هذه الجبال الضّخمة ليست سوى قمماً لجبال مخفية.. وأنّ ما في البحر منها ما هو أضخم بمرات من قممها الظاهرة.. ولاحظت أنّ سكان القطب المتجمد بيوتهم من صخر مائي متجلد.. وكذلك أثاث بيوتهم.. عجبت كيف أنّ بيوتهم هذه مصنوعة من قطع ثلج مرصوصة بدقة بالغة، وبطريقة عجيبة، تجعل البيت دافئاً من الداخل، فلا يتسلل برد الى ساكنيه.. وكأنهم يرددون قول الشاعر العربي القديم: وداوني بالتي كانت هي الداء..

***

درست في مدرستي بعد ذلك أنّ السّحب العظيمة التي نراها عادة في فصل الشتاء، عبارة عن ماء متجمع في طبقات الجو العليا.. تنقله الرياح الى حيث أمرها الله.. لتُسقط الماء.. يبقى على حاله أو يتحول برداً أو ثلجاً.. أدركت أشياء كثيرة لم أكن أعرفها.. وعلمت أنّ الهواء الذي يدخل في رئتيّ يحوي هو أيضاً كمية كبيرة من ماء.. وأنّ جسمي الذي أعيش فيه كان في الأصل ماءً وتراباً.. ذهب التراب بأصله وشكله وبقي الماء المتغلغل في تفاصيل الجسد.. من لحم وعظم ودم.. فلا توجد خلية حية بغير ماء.. وقد كان العرب قديماً يقولون لمن مات: "ذهب ماؤه", وهذا يعني أنّ الماء سرّ الحياة.. ألم يقل الله تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)؟ وعلمت أن الماء هي الحياة نفسها.. حتى الدماء التي تسري في أنحاء الجسم اذا جفت وذهب ماؤها لا يبقى غير ذرات حمراء باهتة اللون.. وكنت ألاحظ ذلك إذا جرحتُ نفسي أثناء لعبي مع أقراني الصغار.. ومثل هذه عصائر الفاكهة، لو تركتُ في كأس عصيراً حتى جف تماماً لَمَا بقي غيرُ بقايا ملونةٍ في قعر الكأس.. وقد لاحظت أن أمي تضيف إلى الحليب المجفف أضعافاً من حجمه ماء ليصبح حليباً سائلاً أشربه..

***

وعلمتُ أنّ الأنسان يستطيع البقاء حياً أسابيع طويلةً من دون أن يأكل لقمة واحدة، لكنّه يموت إذا لم يشرب ماء لأيام قليلة وربما لساعات، كما أن الانسان يستطيع أن يحيا على لقيمات بسيطة طوال عمره لكنه لا يستغني عن كمية وافرة من الماء ليشربها يومياً.. ورأيت المريض الذي لا يستطيع تناول الطعام والشراب يقومون بحقنه بمصل في شرايينه، وهذا المصل عبارة عن ماء وبعض المغذيات.. ورأيت أيضا حرص الناس الشديد على الماء في البلاد التي ليس بها ينابيع وأمطار.. رأيتهم كيف يصنعون من ماء البحرالمالح ماء حلواً طيب المذاق.. رأيت الينابيع على أنواعها.. الصافي البارد الرقراق، الفوار الحار، المعدني الأحمر مثل حديد مهترئ.. علمت أن في أعماق البحر ينابيع كثيرة، وفي جوف الأرض أنهاراً لا تعد، وفي الجبال بين الصخور مخابئ مياه عجيبة..

***

لم أكن لأصدق أن مياه البحر التى أراها واحدة متصلة قد تكون في بعض الأماكن من البحار أو المحيطات مياها متعددة.. وبحارا منفصلة.. يحدها جدار مائي وهمي حقيقي،، لا يمكن للعين أن تراه بوضوح.. فالمياه متلاصقة متلاحمة، ولهذا أسماك ولذلك أسماك.. للأول حرارة وللثاني حرارة مختلفة.. ومواصفات مختلفة .. لم أصدق كما قلت في أول الأمر.. ولكنّها حقيقة أقرب الى حلم.. وعلمت أن الكرة الأرضية هي في الواقع كرة مائية.. فالماء يشكل أكثر من ثلثي الأرض.. واليابسة ليست سوى جزيرة تشكل الثلث فقط او أقل.. فأدركت أن الماء هو الذي يحمل الأرض وليست الأرض هي التي تحمل الماء.. وعرفت أن عمق الأرض يسيل.. وأن اليابسة تسبح على بحر ملتهب.. يخرج إلينا من حين لآخر من فوهات براكين نراها في العالم..

***

ورأيت أيضا أن البحر في حقيقته ثائر.. لا كما يبدو هادئاً وديعاً.. وقد شاهدت - وشاهد العالم مثلي - ما حدث في شرق آسيا الجنوبي يوم اكتسح الماء أعالي الجبال، في مشهد قلما يتكرر، سمي حينها بكارثة تسونامي.. ورأيت فيضانات عجيبة في الفلبين وسيرلنكا والهند وأعاصير هوجاء في أنحاء متفرقة من العالم، حيث تنقض رياح مصحوبة برعود ومياه جارفة تترك الأرض خراباً ودماراً..

***

ليس هذه فقط.. بل علمت أنّ ماء في زمن بعيد بعيد تحول الى فضاء أغرق الأرض كلها ولم يبقِ غير سفينة واحدة عليها بعض أجدادنا المؤمنين الذين أبقوا على الأرض بشرا، ولولاهم لغرق الناس جميعاً، كما تقول قصة النبي نوح عليه وعلى نبينا السلام... وبعد ذلك كله... ما زلت أحلم بأن للبحر آخر.. ركبت سفناً وقطعت بحاراً من شطآن الى شطآن.. لكني ما زلت أحلم بأنّ للبحر نهاية.. لكن، أين ينتهي البحر؟؟ مازلت أحلم..

 

 

 

صانع الأحلام

 

تعيش ريم في بيت واسع جميل تحيط به أشجار عالية من كل اتجاه.. وحديقة جميلة مزروعة بالزهور والنباتات الخضراء المتنوعة.. وفي زاوية منها ألعاب مسلية. في بيت ريم ألعاب متعددة الأشكال والأحجام.. سيارات.. طائرات.. عرائس تمشي تلعب وتغني.. أقراص حاسوب كثيرة فيها ما تشتهيه من الألعاب الالكترونية.. وغير ذلك كثير كثير.. ريم عمرها عشر سنين.. تعيش مع أسرتها الصغيرة المكونة من أب وأم وثلاثة أخوة أكبر منها.. ريم تعيش مع أسرتها سعيدة.. تقضي معظم وقتها بعد المدرسة في البيت والحديقة.. مدرسات ريم يحببنها لأنها متفوقة ومتميزة....

***

في يوم طلبت احدى المدرسات من طالبات فصل ريم أن تتحدث كل واحدة منهن عن أحلامها.. فرحت الصغيرات بذلك.. وتسابقن لرواية أحلامهن.. سعاد حلمت بأنها تحلق في الفضاء تركب السفن الفضائية وتطير بالهواء من نجمة الى نجمة.. نورا حلمت بأنها صارت أما وجدة وعندها بنات وأولاد وأحفاد... نسرين تحلم بالسفر والتنقل بين البلاد... قالت إنها زارت في منامها دولا كثيرة، وبعضها زارتها حقيقة، مثل مكة والمدينة والقاهرة.. وتحلم أن تزور باريس لتشاهد ديزني لاند وبرج ايفل... منى تحلم أنها من أصحاب الملايين.. تعيش في قصور وتملك سيارات لا حصر لها ولا عدد.. ومضت الطالبات يتسابقن في الحديث حتى جاء دور ريم...

***

قالت المدرسة: نعم يا ريم، هيا.. لم يبق غيرك.. أخبرينا بماذا تحلمين؟ لم تتكلم ريم.. احمر وجهها خجلا.. قالت: لا أعلم.. أنا... أنا في الحقيقة لا أعرف ما معنى أحلام؟ استغربت المدرسة: ماذا؟؟ غير معقول.. أنت تمزحين.. جميع الطالبات صرن يضحكن بسخرية: عجيب.. إنسان حي لا يحلم.. غير معقول.. ألا تعرفين ما هي الأحلام؟ قالت المدرسة ذلك بدهشة.. وظلت زميلات ريم يضحكن طوال النهار...

***

عادت ريم الى بيتها حزينة.. رأتها أمها.. أحسّت بحزنها.. سألتها: ما بك يا حبيبتي؟ أخبرتها ريم بما حدث.. أصاب الأم العجب.. قالت: لا تقلقي يا حلوتي.. مشكلتك بسيطة وسنجد لها حلا..

***

في عصر ذلك اليوم ذهبت ريم برفقة أمها الى طبيب مشهور يدعى صانع الأحلام.. روت ريم للطبيب قصتها.. وبدت طوال الوقت حزينة... قال الطبيب مبسطا الأمر ومخففا الألم عن ريم: لا تحزني يا ابنتي.. الأمر بسيط ويحدث كثيرا.. قام الطبيب على الفور وأحضر أدوية عجيبة غريبة.. صار يخلط بعضها مع بعض.. هذه نقطة وتلك نقطتان.. وهاتيك ثلاث.. وضع الطبيب الخلطة في أنبوب زجاجي شفاف وقال لريم: اسمعيني وانتبهي لما أقول.. ضعي ثلاث نقاط في عينك اليمنى ونقطتين في عينك اليسرى قبل أن تنامي مباشرة ولا تفتحي عينيك حتى تستيقظي في الصباح... وغدا تعالي لتخبريني عن أحلامك.. سوف تأتي الأحلام وتهجم عليك مثل خيول مسرعة... كان صانع الأحلام متأكدا من كلامه ومطمئنا لما يقول.. فرحت ريم وأمها وعادتا الى البيت سعيدتين بما حدث...

***

في صباح اليوم التالي رن هاتف صانع الأحلام.... كانت ريم هي المتصلة.. أخبرته أنها لم تحلم على الاطلاق.. ولم تشعر بأي تغيير.. فكر الطبيب.. هذه أول مرة لا ينفع الدواء.. قال بعد تفكير: اسمعي يا ريم.. أضيفي نقطة أخرى لكل عين... وفي اليوم التالي، اتصلت ريم لأن العلاج لم يؤد الى نتيجة.. قرر الطبيب تغيير خلطة الدواء.. ظن أن الدواء فيه خطأ.. كرر المحاولة وأعاد تصنيع الدواء من جديد وطلب من ريم الطلب نفسه لكن التجربة كانت فاشلة... أصيب الطبيب بإحباط شديد.. كيف؟ لا يمكن؟ جربت الدواء على نفسي ونجح.. جربته على كثير من الناس... يجب أن اكتشف السر.. يجب أن اكتشف السر..

***

ذهب الطبيب الى بيت ريم، فاستقبلته أسرتها جميعا.. كلهم يريدون اكتشاف سر ريم.. طلب الطبيب صانع الأحلام من والد ريم أن يسمح له بدخول غرفتها.. والتجول في أنحاء المنزل، لأن هناك مشكلة يجب اكتشافها.. فتح الطبيب غرفة ريم.. وجد أجمل الأثاث.. وجد ثياباً رائعة باهظة الثمن.. وفي كل زاوية من غرفتها رأى لعباً متراكمة.. أحس الطبيب الذي يصنع الأحلام للناس بأنه عاجز عن صنع حلم جديد.. ريم لديها كل ما تريد.. تحصل على كل الأشياء الجميلة الرائعة حتى دون أن تطلبها.. دون أن تحلم بها.. فكر الطبيب.. ترى أين المشكلة؟؟؟ لا بد من مشكلة؟؟ فجأة قفز الطبيب صائحا: وجدتها.. وجدتها.. التف حوله الجميع.. بصوت واحد: ماذا.. ماذا.. ماذا وجدت؟ هز الطبيب رأسه ولم يتكلم.. ثم قال موجها كلامه لريم: غداً.. غداً... غداً أعود ومعي دواؤك الشافي بإذن الله... فرحت ريم.. فرحت أسرتها.. ولم تستطع ريم النوم تلك الليلة..

***

في صباح اليوم التالي عاد صانع الأحلام بوقت مبكر يحمل كيساً كبيراً كبيراً... ريم شعرت بالخيبة ما أن رأت الرجل.. ظنت أن الطبيب أحضر لها ألعاباٍ جديدة.. أنا لا أريد ألعاباٍ.. أريد أحلاماٍ..ضحك صانع الأحلام: أعلم ذلك.. لا تقلقي.. لم ينتظر الرجل لحظةً ليشرح.. كان شوق أسرة ريم أكبر من الانتظار... وضع الكيس عن ظهره.. فتح الكيس في بهو غرفة الاستقبال.. وأخرج منه كتباً جميلة رائعة مليئةً بالدهشة والروعة والأحلام.. كانت الكتب هذه من مكان بعيد يعيد.. كتب تتحدث مع بعضها.. وتتحدث مع الناس.. كتب تتكلم وتحاور وتفرح وتضحك وتبكي.. وتتألم. أصيبت ريم بالحزن... قالت متهكمة: كتب.. كتب.. كتب... يا لهذه المفاجئة.. ظننتك ستأتيني بدواء وأتيتني بما يصيبني بالملل.. قال لها: انتظري واختاري واحداً من الكتب.. حملت ريم أحدها.. سمعت الكتب تتكلم ترحب بها.. ترقص بين يديها... صاحت بدهشة: واو كتب تتكلم وتتحرك.. قال لها: بل أكثر من ذلك بكثير... سوف تكتشفين حقيقتها بنفسك.. صاحت ريم: أشكرك يا عمي العزيز... هذا فعلا ما أفتقد إليه.. وأحتاجه.. أشكرك من قلبي.. قال لها مؤكدا كلامها: لديك كل الأشياء الجميلة الرائعة.. لكنك لا تملكين مكتبة مثل هذه المجموعة من الكتب.. إنها قصص رائعة.. اقرئي كل يوم قصة.. واحلمي كما تشائين وبما تشائين.. وخرج صانع الأحلام سعيداً باكتشافه.. متأكداً أنه اكتشف سر ريم وأنها ستحلم دون شك...

***

في اليوم التالي ذهبت ريم الى مدرستها ركضاً.. بحثت عن مدرستها قبل دخولها الفصل.. قالت لها بفرح كبير ظاهر: آنستي.. آنستي.. أريد أن أخبرك عن حلم جميل رأيته ليلة أمس.. وصارت ريم تروي للمدرسة ولزميلاتها بالمدرسة عن أحلامها.. روت لهن أنها حلمت بأمير يعيش في مملكة بعيدة.. وكان أبوه الملك يعدّه لتولي العرش من بعده، يدربه على حمل السيف وقتل الناس وظلم الرعية بلا ذنب ولا سبب، لكن الأمير الصغير لم يكن راضيا عما يفعله أبوه، فقرر الهرب الى مدينة بعيدة من مدن المملكة، وغير ملابسه وشكله وعاش بين الناس واحدا منهم.. وفي المدينة عمل الأمير الصغير عملاً بسيطاً مرهقاً.. همه خدمة الناس ورفض الظلم.. ولما رأى صاحب عمله الجديد اخلاصة ووفائه وصدقه وايمانه، زوجه لابنته الوحيدة..وعاشا بسعادة وهناء.. وفي المقابل كان الملك حزينا على فقد ابنه لوحيد وعاش مهموماً كئيباً، وأصبح الرعب يلازمه لما فعل بالشعب من ظلم وتنكيل... لكن الأمير الصغير عندما علم بما جرى لوالده، عاد إليه يواسيه وينصحه بترك الظلم وان يعدل بين الناس. فاعتذر الأب من ابنه ومن الشعب وتنازل عن الملك لابنه الشاب الذي حكم بين الناس وكان الناس سعداء بحكمة العادل وعاش بينهم دون أن يشعرهم بأنه ملك عليهم... وراحت ريم تروي لصديقاتها ومدرستها كثيراً من القصص والأحلام.. وكان جميع من في الفصل مستغربات مندهشات.. لكنهن كن سعيدات بما ترويه لهن من حكايات رائعات يوما بعد يوم...

***

وفي أحد الأيام، جلست ريم في غرفتها بين تلال القصص الجميلة، وفيما كانت تقلب بينها وقع بصرها على كتاب كبير ضخم لم تلحظ وجوده من قبل.. قالت: ياه.. ما هذا الكتاب الكبير.. لم أره قبل الآن.. أزالت الكتب الصغيرة من فوقه.. حملت الكتاب.. كان ثقيلاً جداً.. أعادته الى الأرض.. تأمّلت غلافه السميك الثقيل.. قرأت العنوان التالي بصوت مرتفع: (فراشة الغابة الغريبة) ثم قالت: تبدو قصة رائعة.. يا له من كتاب..

***

شعرت ريم برغبة شديدة في قراءة القصة.. لكن القصة طويلة طويلة.. وتحتاج الى ساعات وساعات لقراءتها.. وموعد نومها اقترب.. نظرت ريم الى الساعة.. الوقت تأخر.. قالت: لا بأس.. سأقرأ صفحات قليلة ثم أكملها غدا.. ومن يدري ربما عندما أنام أحلم بالفراشات والزهور.. وصارت ريم تضحك وتضحك... أمسكت ريم الغلاف الثقيل وبدأت ترفعه بصعوبة.. أحست بتيار هوائي شديد يمتصها الى داخل الكتاب.. وقبل أن تفكر بالمقاومة اختفت ريم داخل الكتاب الضخم... وهدأت الغرفة تماماً...

***

لم تدرك ريم ما حدث.. كانت المفاجاة صدمة.. لم تكن تتوقع ذلك أبداً.. فتحت عينيها على ضوء قوي قوي.. نظرت حولها.. تأملت المكان، وجدت نفسها في بستان من الورود الجميلة.. والنباتات الرائعة من ألوان وأحجام مختلفة.. لاحظت ريم أن هذا البستان التي هي فيه الآن هو نفسه البستان الموجود على صفحة الغلاف.. فيما بدت الغابة العجيبة الغريبة ملاصقة للبستان.. قالت ريم: ما هذا الذي يحدث..غير معقول.. نظرت ريم حولها من جديد وتساءلت: ترى أين الفراشة؟؟ لا أراها الآن! ثم قالت: يا للعجب.. هل يعقل أنني الآن في قلب الكتاب.. ليتني أستطيع قراءة القصة لأعرف ماذا سيحدث لي الآن..

***

نظرت ريم تحتها.. وجدت نفسها فوق شيء ناعم.. رائحته طيبة.... ترى ما هذا الشيء؟؟ أرادت القيام لكنها لم تستطع.. اعتقدت أنها ربما تكون مكبلة.. لكنها أحست بخفة شديدة.. وبدأ المكان الذي وقعت فيه يهتز ويتراقص.. خافت ريم.. أصابها رعب شديد.. أرادت تحريك يديها والتمسك بطرف شيء ما لتتمكن من النهوض.. لكنها لم تستطع.. نظرت الى يديها.. كانت المفاجأة الكبرى.. لقد تحولت ريم نفسها الى فراشة الغابة الجميلة..

***

اكتشف ريم أنها أصبحت تشبه تماماً الفراشة التي على غلاف الكتاب.. لم تستطع ضبط نفسها.. خافت.. صارت تبكي.. سقطت دموعها عل المكان الذي كانت تستلقي فوقه فاكتشفت أنه ليس سوى وردة كبيرة جميلة.. اهتزت الوردة عندما سقطت دموع ريم عليها وقالت: لماذا تبكي يا ريم.. لقد سقطت دموعك الدافئة على وجهي.. حضنتها الوردة برفق.. مسحت دموعها بأوراقها الملونة.. قالت بصوت جميل يفوح منه العطر: لا تحزني يا حبيبتي؟ نحن نترقب وصولك منذ زمن بعيد بعيد.. صبرنا كاد ينفد.. فقصتنا تحتاج لأحلامك لتبدأ وتكتمل..

***

تفاجأت ريم الفراشة.. وبدا لها أن سيل المفاجآت ستتوالى ولن تتوقف.. قالت بخوف: يكفي يكفي.. أنا نائمة أليس كذلك أريد العودة الى البيت.. أريد أن أعود فتاة صغيرة كما كنت... لا أريد أن أكون فراشة... حركت وردة كبيرة لم تلحظها ريم من قبل عنقها الطويل.. كانت تسمع هذا الحوار وقالت بصوت ساحر أجمل من صوت العندليب: أتدرين أيتها الفراشة الجميلة، أن مصير هذه الورود كلها وتلك الغابة بأسرها متوقف عليك.. فأنت جئت لتنقذينا جميعا من خطر أكيد.. جئت لتنقذينا مما نحن فيه من جمود وخمول وكسل.. أشياء تشبه الموت.. فهذه النسمة العطرية اللطيفة التي مرت منذ قليل جعلت جميع الأزهار تتراقص طربا. لم تأت الا من أجلك فرحا بك وترحيبا بقدومك.. فنحن منذ سنين ننتظر أن تأتي إلينا وتنقذينا.. ننتظر فراشة كما أخبرنا حكماء غابتنا.. قالوا بأن يوماً ما ستأتي فراشة رائعة وتنقذنا من جمودنا وتحجرنا.. ونحن كدنا ننسى هذا الكلام ونظن أنه لن يتحقق لولا قدومك الآن أيتها الفراشة.. فلا تتركينا فهذه مسؤوليتك.. في هذه اللحظة.. اهتزت الفراشة بقوة بعدما صفقت الوردة التي تحملها بأوراقها.. لتعلن لجميع الورود اشارة الاستيقاظ من السبات والعودة للحياة.. العودة للأرض.. للحب.. للوطن.. للعطاء.. كانت الورود كلها غارقة بنوم عميق.. والطبيعة غائبة في سبات طويل.. تترقب وصول الفراشة لتوقظها وتحييها من جديد.. على الفور ابتهجت الطبيعة وسمعت ريم أصوات الطيور تغني.. والمياه تتسابق في النهر وتتدفق من الجدول.. والضفادع تنق.. والنسائم تملأ المكان سحرا وروعة.. عادت زقزقة البلابل تُسمع في كل مكان.. وغنت كما لم من قبل.. رأت ريم كل مشاهد الطبيعة السحرة.. وسمعت ألحانا لم تسمعها من قبل.. لم تصدق عينيها ولم تقتنع بما رأت وسمعت ووعت...

***

رفعت ريم الفراشة رأسها.. نفضت جناحيها.. كانا جميلين بديعين، تأملت منظرها البهي الرائع لاول مرة.. لم تدرك ما سر هذه الفراشة التي تأتي فجأة لتحيي الطبيعة البديعة بعد زمن سبات طويل.. أدرك طائر البجع العجوز ما يدور في رأس ريم... اقترب منها وقال لها بصوته الرخيم العريض:أيتها الفراشة الجميلة.. قصتنا كلها تدور حول فراشة.. ونحن أشياء نجمل القصة ولسنا أبطالاً لها.. الكتاب الذي دخلت إليه رسمه رسام فنان ساحر، مات قبل أن يكمل القصة كلها ويرسم الفراشة البطلة.. رسم كل الصور.. وتخيل شكل الفراشة على الغلاف.. تخيلها مثلك أنت تماماً.. لكنه لم يتمكن من رسمها في داخل الكتاب... وقد قال حكماؤنا منذ زمن طويل أن يوماً سيأتي وتدخل في الكتاب فراشة جميلة اسمها ريم تحيي قصتنا وتعيدنا الى عالم الحياة ليقرأها أطفال العالم... فرحت ريم الفراشة لاختيارها بطلة لقصتهم.. فبعد أن كانت لا تحلم.. ولا تعرف معنى لأحلام.. صارت حلما لآخرين.. وبطلة حقيقية لقصة جميلة يحلم بها أطفال العام...

***

وقفت ريم تتأمل بستان الزهور، وصارت تتنقل ببصرها من مكان الى آخر.. شاهدت الأزهار تتمايل والأشجار تهتز من الطرب.. والغصون تتشابك كأنها تتصافح، يهنئ بعضها بعضاً.. تطلعت ريم الى البجعة الحكيمة وسألتها: "والآن ماذا علي أن أفعل..؟" قالت البجعة: "عيشي حياتك بشكل طبيعي.. وكل أبناء الطبيعة سيكونون بخدمتك...". هنا بدأت ريم تشعر بالجوع.. فدعتها الزهور لتناول وجبة شهية صحية طبيعية من رحيقها البديع.. وصارت الزهور تقول: تعالي الي يا ريم هنا طعم الليمون قالت أخرى: لا تعالي الي أنا لدي طعم ليس له مثيل... وصارت كل زهرة تعرض طعمها اللذيذ على ريم تطمع أن تكون أول من تأكل منها في الغابة الجميلة.. وصارت الزهور تتمايل وتتحرك وتتنافس فيما بينها لتحظى بشرف ملامسة الفراشة ريم.. استغربت ريم في البدء: كيف يمكن لي أن آكل رحيق الأزهار.. قالوا لها : الآن أنت فراشة ولست إنسانا.. تعالي اقتربي لا تخافي.. اقتربت ريم من رأس وردة قربها جربت طعمها. كان لذيذا جدا.. قالت: ما أطيب طعمك أيتها الوردة الطيبة.. وراحت ريم تتنقل من وردة الى وردة تأكل من كل وردة قليلا وتمتص رحيقها الجميل.. لكن ريم توقفت عن أكل الرحيق ووقفت مستغربة مندهشة بحالة صدمة... وقالت: غريب حقاً.. أنا لست فراشة حقيقية وآكل رحيق الأزهار..!!! ياللعجب.. شيء غير معقووول.. لا يصدق. قالت البجعة الحكيمة: أنت الآن فراشة ولست انسانا، وطعامك طعام فراشات. لكن ريم لم تقبل هذه الفكرة... وصاحت: أريد لبنا.. أريد خبزا وقطعة بسكويت.. ضحكت الأزهار.. قالت زهرة: ماذا.. ماذا؟ بس.. بس.. بس..ك... ك..ويييييت.. ما هذه الكلمة الغريبة...؟؟؟ ضحكت البجعة الحكيمة وقالت: إنها نوع من الحلوى يحبها أطفال البشر.. قالت وردة كانت صامتة وتراقب ما يحدث: لكنك لم تعودي طفلة أيتها الفراشة الجميلة.. هيا تعالي إلي.. أنا أقدم اليك رحيقي كله وليمة لك.. فمنذ أن رسمني الفنان لم أحظ بهذا الشرف العظيم.. هيا أرجوك.. رفضت ريم الفراشة كل هذا الكلام.. ونفضت جناحيها.. حملها الريح برفق حتى بلغت الغابة القريبة...

 ***

ما أن وصلت ريم الى الغابة.. وكانت أشجارها قد عرفت بقدوم الفراشة.. صارت تصفق بكل قوة ترحيبا بقدومها.. ومن شدة التصفيق خافت الفراشة وكادت تسقط على العشب.. فبسطت شجرة قريبة منها غصنا لينا من أغصانها والتقطتها بأوراقها الخضراء الندية.. وقالت الشجرة: مرحبا بك يا أجمل فراشات الدنيا.. نحن ننتظرك منذ زمن بعيد.. لا يليق بنا أن نتركك تقعين على أرض الغابة.. نخن هنا كلنا بخدمتك أيتها الجميلة اللطيفة.. كم اشتقنا الى وصولك.. كاد اليأس يصيبنا بالموت.. نحمد الله على وصولك بالسلامة.. قالت الفراشة مندهشة أكثر وأكثر: يا لغرابة ما يحدث.. يا لهذا العالم الغريب.. كل شيء يتكلم ويتحرك... تحركت أغصان شجرة كبيرة مسنة.. قالت بصوت خافت: نعم يا صغيرتي.. صدقي.. أنظري الى عمري الطويل.. وراقبي أغصاني التي شاخت.. وأوراقي التي جفت.. وتأملي جذعي الضخم وجزوري التي نبتت الى سطح الأرض.. هل سأكذب عليك وأنا في هذه السن؟؟ تعالي يا حلوتي،، تعالي لأحضنك بين ضلوعي الطرية.. خافت الفراشة على ملمسها الناعم أن يتجرح بين أغصان الشجرة.. تراجعت الى الخلف.. كان جوعها يشتد وبطنها تؤلمها من الألم. صاحت: يكفي.. يكفي.. أريد طعاما.. أنا جائعة جائعة.. جائعة.. نادتها أشجار الموز والخوخ واللوز....: تعالي الينا وذوقي طعمنا اللذيذ الشهي... تعالي لا تخافي..

***

نظرت الفراشة نحو ثمار الأشجار التي تتدلى كأروع ما تكون.. رغبت فعلا بالاقتراب منها.. فقد كانت شديدة الجوع.. ولما همت بالاقتراب منها اعترض طريقها طير صغير سريع الطيران.. قال لها بلهفة: لا تصدقي لا تقتربي منها .. ثمارها سامة.. ستقتلك أيتها الجميلة..هذه الأشجار سامة.. تريد قتلك والتخلص منك لانها تحب النوم.. وتريد أن تظل كل الطبيعة نائمة ساكنة خاملة مثلها.. هي لا تحب الحياة.. ابتعدي عنها... ابتعدي.. تعجبت ريم من هذا الطائر الجميل كيف يتكلم.. قالت: لماذا تقتلني..ولماذا لا تحب أن تستيقظ الطبيعة..؟! قال العصفور: لأنها لا تحب الحياة.. ولا النشاط.. كل الأشجار كانت سعيدة بوصولك الا تلك الأشجار الثلاث.. لم تقتنع ريم.. نادتها شجرة الموز: تعالي يا حلوتي.. هذا العصفور يريد أن يظل يأكل ثماري لوحده.. ويريد أن يبقيها للطيور أمثاله.. تعالي لا تخافي.. كانت ريم جائعة جدا.. وهذه الأشجار هي الأشجار الوحيدة القريبة منها وهي تريد أن تأكل بسرعة.. أرادت الاقتراب من شجرة الموز وتناول موزة واحدة تسد بها جوعها.. حاولت الاقتراب منها فهبت ريح قوية حالت بينها وبين الشجرة.. قالت لها لاريح: سأحملك الى مكان جميل ملئ يالعسل الطيب الشهي.. والثمار اليانعة الرائعة الحلوة الشهية.. فنحن أحباء الطبيعة نريدك وسنحميك من الخطر..

***

فجأة وقبل أن تفرك ريم الفراشة بما حدث.. وجدت نفسها في ناحية أخرى من الغابة، قرب واحة جميلة يحيط بها النخيل من ل جانب..والأشجار منتشرة على ضفافها.. وقرب الماء وردة كبيرة مثل كأس ضخم ملئ بالعسل الذهبي البراق.. اقتربت ريم بسرعة ناحية العسل تريد تناوله بسرعة.. فجأة خرجت سمكة من الماء وصاحت بها: انتبهي انتبهي.. هناك أفعى خطرة دخلت منذ لحظات في العسل.. لا تقتربي منها ستقتلك.. ترجعت ريم الفراشة.. قبل لحظة واحدة من ظهور رأس الأفعي الشريرة.. كادت تفتك بها لأنها تحب الحياة.. فاهتزت البحيرة غاضبة وانقضت الطيور من كل جانب تضرب الأفعي بمناقيرها.. هربت الأفعىلكنها قبل أن تهرب بثت سمها في العسل لكي يموت من يأكل منه..

***

ذهلت ريم من هذا الشمهد الرعب.. كادت تموت لولا السمكة والطيور.. راحت ريم تشكر السمكة والطيور على ما فعلوه من أجلها.. لكن ريم ما زالت شديدة الجوع.. التفتت فرأت شجرة جوز هند ضخمة.. رأت الشجرة تنظر اليها بلطف وحنان.. وتحرك أغصانها تدعوها اليها.. لتأكل من ثمارها الشهية وترتوي من مائها الحلو اللذيذ.. صممت ريم هذه المرة أن تصل الى الشجرة مهما كانت الأخطار.. صارت الطيور تناديها بكل قوة.. الأشجار تهتز بعنف.. الريح لم تستطع منع ريم.. مياه الواحة تهتز بعنف.. زهور البستان صارت تصيح.. الجميع: توقفي. ابتعدي.. لكن ريم لم تعد تهتم.. فهي إن لم تأكل ستموت من الجوع...

***

كات ريم في قمة جوعها.. قالت: سآكل من الشجرة مهما كان الخطر.. ولو كانت سامة من الأفضل لي أن أموت من السم وأنا شبعانه خير من أن أموت من الجوع... وصلت ريم الى الشجرة.. ضحكت الشجرة ضحكة ماكرة.. قدمت لريم أكبر ثمارها.. وما أن فتحت ريم فمها لتأكل حتى أحست بهواء يطير بها من جديد.. ولم تستطع المقاومة.. راحت تسقط وتسقط في واد عميق عميق... ثم وقعت على أرض طرية... نامت على الفور من شدة التعب...

***

بدأ النور يدخل المكان قليلاً قليلاً.. سمعت ريم أصواتاً حولها. ريم .. ريم.. استيقظي.. حان وقت ذهابك الى المدرسة.. فتحت ريم عينيها.. لم تصدق أنها لا تزال على قيد الحياة.. وأنها عادت لغرفتها.. وقفت على قدميها تتأمل جسدها كله.. كانت مندهشة من كل ما حدث... بحثت عن الكتاب فوجدته لا يزال في مكانه.. تأملت غلافه فرأته كما هو ولكن الفراشة اختفت.. لاحظت أن الأشجار والزهور والطبيعة حزينة تنظر إليها بألم.. قالت ريم لأمها: إني جامعة جائعة... أكاد أموت من الجوع.. ضحكت الأم: ترى بماذا كنت تحلمين الليلة الماضية؟؟ نظرت ريم الى يديها.. قالت: أحلم؟؟ بماذا أحلم؟؟ أحلم؟ لم أكن أحلم.. ريم لم تخبر أمها بقصتها.. لم تخبرها بقصة الكتاب.. قصة فراشة الغابة... لأنها بالتاكيد لن تصدقها.. وستقول لها بأنها صارت تتخيل أشياء لا وجود لها.. لكن ريم ظلت تحلم وتحلم وتحلم.. دون أن تقترب من الكتاب السحري.. فقد أغلقته باحكام ووضعته في صندوق حديدي ودفنته في أعماق حديقة المنزل..

 

أضيفت في 12/04/2006/ خاص القصة السورية / المصدر: الكاتب

 

كيفية المشاركة

 

موقع  يرحب بجميع زواره... ويهدي أمنياته وتحياته الطيبة إلى جميع الأصدقاء أينما وجدوا... وفيما نهمس لبعضهم لنقول لهم: تصبحون على خير...Good night     نرحب بالآخرين -في الجهة الأخرى من كوكبنا الجميل- لنقول لهم: صباح الخير...  Good morning متمنين لهم نهارا جميلا وممتعا... Nice day     مليئا بالصحة والعطاء والنجاح والتوفيق... ومطالعة موفقة لنشرتنا الصباحية / المسائية (مع قهوة الصباح)... آملين من الجميع متابعتهم ومشاركتهم الخلاقة في الأبواب الجديدة في الموقع (روايةقصص - كتب أدبية -  مسرح - سيناريو -  شعر - صحافة - أعمال مترجمة - تراث - أدب عالمي)... مع أفضل تحياتي... رئيس التحرير: يحيى الصوفي

الثورة السورية | ظلال | معاصرون | مهاجرون | ضيوفنا | منوعات أدبية | دراسات أدبية | لقاءات أدبية | المجلة | بريد الموقع

Genève-Suisse جنيف - سويسرا © 2021  SyrianStory حقوق النشر محفوظة لموقع القصة السورية